Skip to main content

Full text of "ترحال في الجزيرة العربية الجزء 2+ 1 - تشارلز م.دوتي"

See other formats


المركز القومى للترجمة 12 
ترهال أدى صحراء 1 
الجزمرة العربيه ه #4 
الجزء الأول - المجلد الشانى 


: 
4 7 
3 5 
الى 
6 
اه 2 
1 5 0 3 
5 
21 45 6 
اين 
2 













4 شار ا دوت 


لي 
ترجمة: حاوس 







دا قا ١‏ 
مراجعة وديم : : جمال زكري 0 


20617 











مع أن الجزيرة العربية شهدت العديد من الرحالة والمستكشفين الأوروبيين , فإنهم لم يبلغوا ما بلغه 
" تشارلز دوتى" الذى اختلف عن أولئك الرحالة جميعهمء حيث عاش فى صحرائها قرابة عامين بين 
12/6 و1878 متنقلاً بين مدائن صالح والعلا وتيماء وحائل وبريدة وعنيزة ‏ فى إقليم القصيم. ثم إلى خيبر 
والطائف وجدة . وقد أتاحت له الفترة التى قضاها فى صحراء الجزيرة العربية أن يأتى بمعلومات وفيرة ومتنوعة 
فى محتواها شملت آثارها ونقوشها وجيولوجيتها وحياة البادية فيها. وليس من شك فى أن المشاهدة وتنوع 
الخبرة جعلته يصبغ رحلاته بصبغة يسودها عمق التحليل إلى درجة أنه يخوض فى تفاصيل دقيقة » بل كثيرا 
ما يقطع حديئه عن إحدى الظواهر الطبيعية أو الجيولوجية المهمة ويخرج للحديث عن جزئية صغيرة استرعت 
اع كيجميوان أرطاة أ حت شرا ضغيرة» ثم هيو ليها لكى يستأنف الحديث عن موضرعه الرلسي| 

ومع أن رحلة " دوتى " سجلت الكثير من الظلواهر اهلاط ية فإنها تميزت » بل غلب عليها لاع 
الوصف الدقيق للحياة البدوية ..وقد.تكون قلا #ثيرامن 
أو جاءوا من بعده تحدثوا عن أعراس الصحراء وحياة البادية . 
حية ودقيقة عن كل ما يتعلق بحياة البدو ومعيشتهم » وذلكا 







الأوري الل قا كا تشارلز ذوتى 0 
يبلغوا ما بلغه فيما أتى به من تفصيلات 











ترحال فى صحرء الجزيرة العربية 
(الجزء الأول - المجلد الثانى) 


المركز القومى للترجمة 


إشراف: جابر عصفور 


- العدد: 4لام / ؟ 

- ترحال فى صحراء الجزيرة العربية (ج١؛‏ مج؟) 
- تشارلز م. دوتى 

“ صبرى محمد حسن 

تجمال روزي قاسم 

- الطبعة الثانية 7٠٠5‏ 


هذه ترجمة كتاب: 
تمأطوتذ د داع1]31' 
تططعنا10 وعاتقط0 :بره 





حقوق الترجمة والنشر بالعربية محفوظة للمركز القومى للترجمة. 
شارع الجبلاية بالأوبرا - الجزيرة - القاهرة.ات؛ 77551485754 7775146757 فاكس: 10014 0/ا؟ 
0 ب68أ062 اث رعوناه1ك! مرعم0 .)5 23إ13أةط 02 ا 
4 الله" 27354524-2735426 ناأت1 يوون ممطدحق انف اصرف ااتمسع 


ترحال فى صحراء الجزيرة العربية 
(الجزء الأول - المجلد الثانى) 


تلهلي ف: شارلز م. دوتسى 
ترجمعس-'ة: صبيرى محمد حسن 





بطاقة الفهرسة 
إعداد الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية 
إدارة الشئون الفنية 


م. دوتى» تشارلز 1 
ترحال فى صحراء الجزيرة العربية(ج١_مج؟)؛‏ تأليف: 
تشارلز م. دوتى؛ ترجمة: صبرى محمد حسن؛ مراجعة 
وتقديم: جمال زكريا قاسم. ط؟ - القاهرة, المركز القومى 
للترجمة؛ 7.١.5‏ 

١م‏ ص؛ 0 
- شبه الجزيرة العربية - وصف ورحلات 
؟- الرحلات العلمية 
"- الصحراء الغربية وصف ورحلات 

- حسنء؛ صبرى محمد (مترجم) 1 

ن- قاسم؛ جمال ركزيا (مرلجع مقن 

ج- العنوان .”ره 401 


الترقيم الدولى: 978-977-479-189-2 
طبع بمطابع صحوة 








تهدف إصدارات المركز القومى للترجمة إلى تقديم الاتجاهات والمذاهب الفكرية المختلفة للقارئ 
العربى وتعريفه بهاء والأفكار التى تتضمنها هى اجتهادات أصحابها فى ثقافاتهم ولا تعبر 
بالضرورة عن رأى المركز. 


المحتويات 


- الفصل الحادى عشر : الفكارة يتجولون هاربين فى أديرة أخرى 2« 
- الفصل الثانى عشر : السلام فى الصحراء 7 5ظ1ظ5إ 
- الفصل الثالث عشر : زيارة المدائن مرة ثانية 121111110101 
- الفصل الرابع عشر : التجوال فوق الحرة مع الموءاهيب 1ط 
- الفصل الخامس عشر : حياة البدى الرحل فى الحرة 0006 15# 
- القصل السادس عشر : الأعراب يتركون الحرة وينزلون إلى محطة الصيف 


- الفصل الحادى والعشرون : الجبل از 7111 
- القصل الثانى والعشرون : حائل 121111111111111 


الجزء الأول ( المجلد الثانى ) 
٠‏ الفصل الحادى عشير 


الفكارة يتجولون هاربين فى اديرة اخرى 


'الببى يخيمون فى الليل بلا خيام . أطفال عسراة فى البرد . مسيرة إجبارية . 
لا يسأمون ركوب الجمال . جبل بيرد . عظمة غروب الشمس وجلاله فى الصحراء . جفاف 
ضروع ماشية الألبان بعد الرحلات الطويلة . التخييم داخل حدود البشر . ضياع 
صبى من الرعاة . نبات كف مرحاب . التتقل والتخييم . بعض بقايا الاحتلال القديم . 
الركائز الحجرية فى الصحراء الخالية . دروب الماشية العامة . زياره تمثال أبى زيد . 
مخلوقات الصحراء . البومة كانت زوجة بدوية مترحلة تبحث عن طفلها الضائع . فطور 
من الطُرحْشْقُون . رعاة كرماء . أبى زيد وزوجته عَليّة . اكتشاف 'ماء الصخرة . نبات 
الثثثان أو عنب الثعلب . صبيان الرعى . أقراس الشيوخ . قُبَيْل المطر . خيم البدى فى 
التفود . رمال سبر الغور . “قهوة النصارى' . لى يصبح الشاى نبيدًا . دعوه حرفة 
لشرب الشاى . الفرس التى تُرضع غير مَهْرها . الخيول العربيه لطيفة مثل العائلة 
البدوية المترحلة . حدوات الخيول . قتل الفرس رميا بالرصاص . زيد يقوم بدور 
الصلويى . ينظرون إلى الكتابة بإعجاب فريد . التجار البدى يأتون من الجوف . البدو 
يسأمون حياة الحاجة والعوز فى الصحراء . حزن البد وغمهم . الرجال والنساء 
مغرمون بالتبغ . بائع دخان ( تبغ ) . ابتزازه الدفين يثير غضب زيد . 'الرجل يجب ألا 
يدخن التبغ لثلاثه أشياء ( كلمات أحد البدى الذى يؤدى خدمات عامة ) . القبيله مقسمة 
إلى معسكرين . نبات السمح . الخبز البّرى فى البرية . النصراتى يتعرض لخطر حيّة . 
قراء' العزائم ( السحرية ) . رباط الأومية الدموية غير معروف . يبحث عن الطب ذلك 
الذى يشفغط الجرح السام الناتج عن عض الحية . أحجار الدم ؛ أحجار الثعابين » 


7 


الأحجار الكريمة . عيال عم . "أنا الرب ربك" . النزاعات فيما بينهم . حكومة شيوخ 
البدى الرحل الحكيمة ( الرشيدة ) . إصابة قبلى بجرح فى نزاع . هل الفهجات هم 
يهود خيبر ؟ تمرأة شقراء . منفيو شيوخ العلايدة . قلقبليون غير الأشقاء أو المولدين . 
مرح المساء حول نار الخيمة . البعض يتعلمون كلمات انجليزيه . زيد على استعداد أن 
يعطى واحدة من زوجاته لأخيه النصراني عن طريق الزواج . الزواج فى الصحراء . 
البنات الراعيات فى الصحراء . يوم الصحراء حتى المساء . أرض الصحراء ذات 
السهول العالية والممرات الجبلية . متعة الرييع القصيرة فى العام الصحراوى . موسم 
الحمّلان . ولادة الإيل . نياق الحليب . حمية الحليب . أنواع الحليب . حامد شيخ 
الوحوش البرية والسحالى . الجربوع . الويار . الذئب الذى أكله الأعراب , والضبع , 
الماعز البرية . الغزال . الول . هل الوضيحى هو وحيد القرن ؟ العقارب . الفهد . القط 
البرى . الصقور الحوامة » وصقور الشاهين , والنسور .2 ٠.‏ 
* ا 0# 

قام الناس هنا بتقويض خيامهم وحزم أمتعتهم قبل أن يناموا نظرا لأنهم فى هذا 
المنَزل يتحتم عليهم أن يبدءوا مسيرتهم قبل طلوع فجر الغد . هذه هى الأسر البدوية 
تفترش الأرض العراء تحت السماء والنجوم . نائمين إلى جوار أشيائهم المنزلية هى 
وقراب الماء المليئة التى تَصنّعْ من جلود الماعز . كان الليل باردا عند هذا الارتفاع الذى 
يصل إلى ما يقرب من 77٠٠١‏ قدم :. شاهدت البدو الرحل وهم متمددين على الرمل , 
ملفوفين على عباءاتهم ( بشوتهم ) : وقلة قليلة منهم هى التى لديها سجاد ينامون عليه ؛ 
هذا السجاد يطلقون عليه اسم إكِيم!*) ©8/1: وهم يصنعونه من قماش صوفى خشن 
أسود اللون يشبه القماش الذى تصنع منة خيامهم , وله إطار مرسوم عليه مريعات من 
الصوف الأبيض الملون ؛ والإكيم 5/4 له شراريب وحواف مصبوغة بالوان بهيجة . 

فى ذلك الموسم كان الطقس شديد اليرودة . وبخاصة عندما يبدأ الترحال » أو إن 
شئت فقل : المسير قبل طلوع الشمس فى الصحراء . أبناء الفقراء , ليس لديهم عباءات 


(») إكيم 210 : من المرجح أن يكون المقصود به ما يعرف عادة باسم الكليم . ( المراجع ) 


ك 


يرتدونها , وهم يسترون أجسامهم الضعيفة النحيلة بمعطف مصنوع من قماش القطن ؛ 
بل إن هناك بعض الأطفال شبه عارين تماما . كانت درجة الحرارة عند ذلك الوقت 
حوالى 448 فهرنهيتية . ثم أصبحت 755 فهرنهيتية عندما طلعت الشمس . كان ترحال 
البدو أمرًا حتميًا ؛ هذه هى قطعان الماشية . وقطعان الأغنام ‏ التى يطلقون عليها اسم 
الطورش 70658 -4© تسير على جنب إلى جوارنا من الأمام “فى وقات العناجة 5 
يضحى البدو بالماشية التى تمثل كل ما لديهم من ثروة ؛ ولكنهم يعتقدون عتدما يقعلون 
ذلك . أنهم ينقذون أنفسهم وثرواتهم ٠‏ حتى وإن اضطروا إلى الإضرار يتلك القطعان , 
هذه هى أبقارهم الضخمة التى تشبه الجمال تلد عجولا كل يوم ومعها صصغارها . وتلك 
هى الطليان ( الخراف ) الصغيرة وكذلك صغار الحيوانات الأخرى التى جرى فطامها 
مؤخرا , وتلك هى الجمال الصغيرة التى لم يمض على ولادتها خمسة أيام , وتلك أيضا 
هى صغار الحيواتات من كلاب الصيد فى المخيم التى سيربونها , والتى قامت ربات 
البيوت بوضعها مع أطفالهن قوق إبل الحمل . وتحن نرى كل أم من الأمهات راكبة فوق 
جمل من الجمال وسط لفافة من قماش الخيام أو السجاد . ومن حولها أيضا صغار 
الحيوانات ؛ هاى الأمهات تمسك كل واحدة منهن بأطفالها الصغار الجالسين أمامها . 
والأطفال الصغار : هم وكبار السن وكذلك المرضى هم ومن يتعين عليهم ملازمة الفراش / 
لا تبدو عليهم علامات التعب والإرهاق بالرغم من ركويهم الإيل ساعات طوال . 
وأصحاب الأمراض الشديدة بين البدى يركبون الإبل وهم جلوس فى هودج يصنعه البدو 
من قماش الخيام ؛ أما الآخرون , من أمثال الرعاة ٠‏ فهم يركعون أى يركبون مرتاحين 
على ظهر الجمل العارى دون أن يخشوا السقوط أو الوقوع على الأرض . ومن أعراف 
الصحراء أن يترحل البدى وهم صائمون : وأيا كان طول الرّحلة » أو إن شئت فقل » 
المسيرة ؛ فإن العرب لا يأكلون إلا عندما ينزلون من فوق دوابهم فى الْمزل المحدد لهم ؛ 
ومع ذلك فإن الأمهات يسقين أطفالهن ٠‏ أو قد يضعن فى أفواههن كسرة من الطعام , 
أثناء سيرهن على الطريق الطويل . 

ويينما كنا نسير فى تلك الحرارة الخانقة . شافدنا أول ما شاهدنا , فى أفق'ما 
بعد الظهيرة ٠‏ أو إن شئت ققل : العصرء جبل بيرد 8194 العالى الوحيد ٠‏ المكون من 


9 


الحجر الرملى . وهنا صاح المجاورون لى بلغة تفاهمهم وهم يضحكون قائلين : "شيخ 
ديرتنا هناك خلف هذه التَلّة *. 2اان«؟جبل بيرد هذا يصل ارتفاعه إلى حوالى ...5 
قدم . وعن يميننا نرى هنا صفاً من أشجار السنط فى السهل الصحراوى ٠؛‏ الذى يعد 
علامة من علامات مجرى جاف من مجارى السيول . هذا المجرى يسمونه جو 60), وهم 
يقولون : إنه يتحدر مسافة مسير يوم واحد فى اتجاه غريى خيبر :8ؤلا1)86» وينتهى 
هنا فى هذه المنطقة من الصحراء . فى هذا الجزء المرتفع من البلاد ٠‏ فيما بين بلدة 
تيماء وتبوك ومدائن صالح لا يوجد أى واد من الوديان . وهذه هى آثار ذلك المطر 
القليل الذى قد يسقط خلال العام , تظهر على شكل رذاذ جرى رشه فوق سطح الرمل , 
ويسكمرمسيرنا :خلال كتمسن كه رمارين الشن طلعت على رحلتنا وسنطعت قوقنا: ؛ 
إلى أن غربت خلفنا فى غرفة هائلة من المباهج الشرقية الجميلة , التى لا تعد أمرا 
فريدا فى المسيرات القاحلة عبر الجزيرة العربية التى لا تسترها السحب مطلقا . 
شاهدنا أمامنا . من جديد . ضوء النجوم البارد » قبل أن تنزل الأسر المرهقة عن 
دوابها » عند سفح جبل بيرد مع انيلاج الصبح , الذى سيتعين عليهم الرحيل عنده من 
جديد ؛ أثناء هذه الوقفة نصبت الحريم دروة ٠‏ يتقين بها ريح الليل : من قماش الخيام 
بأن فردته على حاملين . كان من العبث محاولة الحصول على حليب من ضروع ‏ 
الحيوانات المرهقة بسبب السير الطويل . فى ذلك اليوم انتقلت القرية البدوية المترحلة 
مسافه تزيد على أربعين ميلا , هؤلاء الرعاة الجائلون ؛ يلزمون منازلهم » فى أغلب 
الأحيان » ثم يتركون ماشيتهم ترعى ٠‏ بل دخول وقت الظهيرة . - وعلى وجه السرعة » 
ومع طلوع نهار اليوم الجديد , نزلنا من فوق دوابنا . ونصبنا خيامنا على بعد أميال 
قليله خلف ديرة قبيلة يشر :81588؛ وهذه المنطقة تيعد مسير ثلاث رحلات عن بلدة 
حائل!) » وتبعد مسير ثلاثه أيام أيضا عن الدار الحمراء » ومسير يوم ونصف اليوم 
عن بلدة تيماء . 


(*) بلدة حائل : إحدى المدن المهمة فى جبل شمر وقد أتخذها آل الرشيد عاصمة لإمارتهم (٠٠‏ المراجع ) 


10 


جاعنى ؛ فى خيمتى امرأة مسكينة تبكى » وتتوسل إلى أن أبحث لها فى كتبى 
وأتنبأً لها بما حدث لطفلها ؛ كان ذلك الطفل حاقى القدمين بصحبة الأغنام » وضاع 
من أمه بعد مسيرة الأمس الطويلة . وكان من الصعوية يمكان إقتاع هذه الأم » وهى 
فى نوية الحزن والغفضب هذه ٠‏ بأن الكتب التى معى ليست من كتب القبالة (*) » التى 
يشيع استعمالها عند اليهود . ولم أستطع إقناع هؤلاء العرب غير الميالين , الذين 
يقيمون فى الْمتَزل » التى تقيم فيه هذه المرأة » بإزسال البعض منهم ؛ ومعهم والد 
الطفل للبحث عن ذلك الطفل الضائع ؛ ومن تحركات هؤلاء الناس , يبدو أنهم لا 
يعرفون شيئًا عن الإحسان ؛ وإذا ما ضل جمل من أرملة مسكينه لا تجد أحداً لديه أية 
ذرة من الحنان الإنسانى ٠‏ اللهم إلا بعد أن تدقع له مثل هذه الأرملة ريالا . وأخيرا 
عثروا على ذلك الصبى الراعى الصغير عند نهاية المخيم ‏ فى المنطقة الذى نزل فيها 
أول مرة عند خيمة واحد من أقراد القييلة . 

انتقلنا من تلك المنطقة مسافة صغيرة داخل حدود التنفود البيضاء . وسرنا خلال 
ذلك الانتقال عبر منطقة رملية وجدناها عامرة بنباتات العام الماضى التى من قبيل ورد 
أريحا ". 1680:عل واليدى يطلقون على هذا التوع من الورد اسم 'كقف (غ8 (ك ) اه 
مرحاب . '113:835 ومعروف أن كلمة 'كفا )16 عند البدى تعنى 'راحة اليد بعد إغلاق 
الأصابع فوقها .' ومعروف أن كلمه 'مرحاب' 1420886 تعنى عند البدى شيخ من شيو 
خيبر اليهود القدامى*) . كما عثرنا أيضا على العشب الصغير ء ذى الورقتين 
الخضراوين اللتين تشبهان القطيفة , وله مذاق صحى مثل طعم الجرجير » ويصلح 
غذاء لماشية البدوى . نزل الأعراب بعد ذلك فى أرض غررمل 650:80 المسيّة -اه 
3 التى ينصبون فيها خيامهم ؛ هذه الأرض تعرف من مسافة بعيدة » بواسطة 
علامة أرضية على شكل مسلة فريدة من الحجر الرملى تشبه برج المراقبة ٠»‏ يصل 
ارتفاعها إلى ستين قدما . ويطلقون عليها اسم 'الطويلان 01808ه750 . وفى اليوم الثالث 


(*) كتب القبالة : وهى الكتب الخاصة بالتصوف عند اليهود وتشتمل على علوم الفلك والتنجيم والأمور الفيبية 
إلى جانب الشعوذة وغيرها . ( المراجع ) 


11 


غادرنا غررمل 670,801 المسية 53 ١‏ ا6: أثناء هيوب ريح باردة عاصفة لنصل 
بعد ذلك الى جبل شيباد : 56834© ومن جيل شيباد انتقلنا إلى تلك المنطقة الوعرة 
التى يسمونها الجبال ١|653ل-!©‏ ويعد رحلة أخرى ؛ نصبنا خيامنا أمام الجزء 
الرئيسى من حبل إرنان 175880, فى نجد , ذلك الجبل الضخم الذى يتكون من الحجر 
الرملى . ومن خلف هذا الجبل , تحركنا فى اتجاه الجنوب الشرقى إلى أن وصلنا إلى 
ساحل يويا 68هلامغرير :1/1098531؛ واستّمر البدو فى التنقل كل يومين أى ثلاثه » إلى 
أن قطعوا مسافة سيعة أو ثمانية أميال نزلوا بعدها عن ماشيتهم ونصبوا خيامهم . 
شاهدت فى أنحاء منطقة الجبال 621هل-اه دوان أخرى من ساريات الأعلام موضوعة 
عند الحاقة كما هو الحال فى ساريات الأعلام التى سبق أن رأيتها فى 
الجريدة. 668/048ل كما شاهدت أيضا مسورتين ركنيتين ؛ مداميكهما سائبة ؛ كانت 
هاتان المسورتان مقامتان فوق أرض قليلة الارتفاع » وخطر ببالى أنهما ريما كانتا 
نوعا من أنواع المتاريس ؛ لم يستطع البدو أن يقولوا لى أى شىء عن هاتين 
المسورتين » غير أنهما شيئين من زمن غير زمانهم وتراث غير تراثهم . وفى شرقى يويا 
هططامغرير 5أ1009183) مررنا بسفح برج بدائى قديم فى أرض الصحراء . أطلعت 
بعض من كانوا يركبون دوابهم بجوارى على هاتين المسورتين . '( ردوا على 
قائلين ) : تلك أعمال متخلقة عن خَلّق العالم ؛ ما جدوى سؤالك عنهما ؟ '( قال زيد ) : 
ولكن كل ذلك يعد لا شىء إذا ما قورن بذلك الذى سيرينى إياه فى الغد . والذى كان 
معجزة : تمثال أبى داه زيد 28894»؛ تلك الشخصية الخرافية الأسطورية البطلة » 
والسيدة علية 1ه زوجته » مرسومين على صخرة موجودة فى الجزء الخلفى من جبل 
يويا 8ط طلامغرير ". 816:وه1ة 

الجائل فى كل أتحاء الجزيرة العربية القاحلة . يرى فى معظم الأحيان أحجارًا 
لكل منها ثلاثة قوائم موضوعة على شكل مجموعات ثلاثية : هذه الأحجار ثلاثية القوائم 


(*) مرحاب : آخر شيغ من يهود خيبر قتله على بن أبى طالب (ر) يوم فتح خيبر . ( المراجع ) 


142 


هى من قبيل أوعية النيران التى كانت تستخدم فى الزمن القديم ؛ يضاف إلى ذلك أن 
تلك الأوعية تعد إشارة ٠‏ أو علامة إنسانية مريحة » إلى أن بعض الناس تعلموا كيف 
يمتعون أنفسهم , فى أزمان قبلنا » فى أرض تبدو حياة الإنسان فيها مهددة , ولكن 
أحداً لا يعرف لذلك تاريخا محددًا ؛ والسيب فى ذلك , أن الأحجار عندما تبنى فى ذلك 
الجفاف الشديد . قد تستمر عصورا طويلة . يضاف إلى ذلك أن الصحراء صلبة التربة 
وكذلك الصحراء التى تتكون من الزلط . يرى الناظر إليها آثار الطرق والمسارات التى 
كانت الإبل تسلكها فى قديم الزمن ؛ هذه المسارات ؛ هى أيضا من عمل أجيال قديمة ‏ 
يُزاد على ذلك أن تلك الصحراء الشاسعة ليس فيها'مكان واحد لم يذهب إليه أو يتجول 
فيه الأعراب ٠‏ وطوال تجوالنا . لا يوجد من حولنا أى نوع من الحياة فى دائرة محيطها 
حوالى مائة ميل . كما يتوفر حطب الوقود فى كل جزء من أجزاء هذه الترية » والذى 
يتمثل فى روث الإبل القديم , الذى يقولون له جل 58 ؟؛ هذه الجلّة التى جفت بفعل 
حرارة الشمس يمكن أن تعيش طوال ثلاث سنوات .وإذا ما غطتها قشرة من الرمال 
المتطايرة فقد تعيش مدة أطول من ذلك . هناك أيضا علامة أخرى من علامات وجود 
الإنسان فى تلك الصحراء الجرداء ؛ وهذه العلامة هى التى تتطلع إليها الأمهات ؛ 
فنحن نرى هنا فى كل رَحَلة من الرّحُلات الجديدة » أحجاراً صغيرة بيضاوية الشكل , 
هى إشارة إلى لحود الأطفال الذين يموتون موتا مفاجئا من بين البدى الرٌحّل : ولكن 
الكبار الذين يموتون فى ديارهم » يحملون ( إذا لم يكن ذلك أمر صعبا ) إلى أقرب 
المدافن المخصصة لذلك . 


وفى ساعة ميكرة من الصباح ؛ أخذ زيد فرسه وحربته » وسرنا فى الطريق إلى 
حي ركه هتيرة انيرك الذع بعد سممنة من عمائي الستسراء: عدرنا السبل 
الرملى . إلى أن حل علينا وقت الظهر ؛ وعندما وصلنا إلى الجبل » درنا حوله فترة من 
الوقت ولكن دون جدوى : إذ لم يستطع زيد العثور على المكان . شاهدت بقعا ييضاء 
تشيه العلامات البحرية » على بعض من تلك الصخور المهجورة الجرداء ٠‏ إنها 58 
تكاثر الطيور الفارهة التى من قبيل الضقون :والصقور الكوامة ..وكذلك البوم : 
أعشاش هذه الطيور الجارحة يمكن مشاهدتها فى أحيان كثيرة فى الصخور الشامخة 


الوعرة التى توجد فى هذه الأماكن المكونة من الحجر الرملى . فى هذه التربة الخالية 
من الماء تعيش كثير من الحيوانات الصغيرة التى لا تشرب الماء » مثل الفثران » 
والسحالى والأرانب البرية . كنا نسمع أيضا أصوات البوم أحيانا فى جوف الليل ؛ 
وهنا كانت الزوجات البدويات هن وأطفالهن يردون على صوت البوم قائلين وهم 
يسخرون : يمجباس ! 96585«الايمجياس ! . '0296585لا هذه الكلمه التى ترددها 
الزوجات والأطفال معناها : "أن هذا صوت امرأة تولول وتنتحب , تبحث عن طفلها 
الضائع فى الصحراء » وأن هذه المرأة مسخت وتحولت إلى ذلك الطائر البائس المهجور ." 
ويدى الفهجى 566[165 يأكلون لحم البوم ؛ وهى الأمر الذى يجعل البدى يسخرون منهم ٠‏ 
علما بأن هؤلاء البدى أنفسهم يأكلون نوعاً من الهوام » أى إن شئت فقل : الحيوانات 
الطفيلية . 


درنا حول أجناب ذلك الجبل إلى أن بدأتا تحس بالتعب والإرهاق . ولما كان زيد 
ولد واحد من الشيوخ , ولما كان أيضا رفيقا من رفقاء شرب القهوة منذ صباه ؛ ونظرا 
أيضا لوجوده هنا فى ديرة جديدة غير ديرته » لم يستطع تذكر العلامات الأرضية . 
كان الوقت فى عز الظّهر ؛ ورحنا نتجول بشكل عشوائى » ويسبب الجوع والعطش . 
رحنا نقطف تبات الهندباء البرى ٠‏ الذى يقولون له هنا : سن الأسد , والذى نبت فى 
تلك الصخور على أثر زخات المظر الذى سقط على هذه الصخور , حتى نجرح به 
صيامنا ..أخيرا » وعندما كنا ننظر إلى الأسفل فى مكان عميق , شاهدنا إيلا كانت 
ترعى عند سفح الجبل : ومع تلك الإبل شاهدنا بعض رعاة الفهجات . قال لنا هؤلاء 
الرعاة . إن الصور لا تبعد عذا كثيرا » وأنهم سوف يدلونا على الطريق المؤدى إليها , 
ولكنهم طلبوا منا قبل كل شىء , الجلوس لاستعادة نشاطنا . وهنا جرى هؤلاء الرعاة 
المساكين تحت ضروع نياقهم وعادوا إلينا بقربة الحليب وقد امتلأت بذلك الطعام الدافئ - 
السماء تذكر بالخير هؤلاء البدو المترحلين المحسنين ! وبعد أن اتتهينا من شرب الحليب » 
رافقونا وهم يقودون ماشيتهم : دخلنا مضيقا صغيرا ومشينا فيه » كان ذلك المضيق 
عيارة عن مدخل صغير فى صدر الجبل » يعج بالخضرة التى ليس لها مثيل من نوعها » 
من وجهة نظرتا . وعند مقدمة هذه الحديقة العشبية توجد بركة مياه ؛ ومن فوق هذه 


14 


البركة شاهدت الصخور وقد امتلأت بالنقوش المحفورة . كما شاهدت أيضا صورة أبى 
زيد التى يصل ارتفاعها حوالى ياردة واحدة » وهو يمسك فى يده المشعاب المعقوف , 
الذى يطلقون عليه اسم الباخورة ٠‏ أو على حد قول الأعراب » من لا يستطيع أن يجعل 
من رسم الصورة سيفا : وإلى جوار صورة أبى زيد كانت هناك صورة أخرى ؛ ريما 
كانت صورة امرأة » أقصر قليلاً من أبى زيد ٠‏ ويطلقون عليها اسم 'علية 8118 زوجته .' 
ومن المحتمل أن يكون هذين الشكلين ؛ قد نحتا باستعمال الحجر , على الحجر الرملى 
نقسة 4 هاتان الصصورتان امسكا مكل صبور النؤو القذرة أو الحقدرة ؛ ولكنيسا كانخا 
ملونتين فى المنطقة المحيطة يهما بألوان طبيعية قديمة ويمهارة فائقة . النقوش التى هنا » 
هى فى معظمها نقوش أساطير حميرية مدونة ( مثلما هى شائع فى هذه الصحراء ) 
من الأعلى إلى الأسفل ؛ الأسماء , الأقوال المأثوره » التحيات والسلامات , لكثير من 
المسافرين والجمالة من العصور القديمه . كلمة ' يابا' 7668 تقال للتعبير عن "الأي" 
لاناث فى هذا الجزء من الجزيرة العربية وفى المدينة ( المنورة ) أيضا ؛ وكلمة مغرير' 
31 ريبما تعنى كلمه 'كهف أو 'مغارة' الوحوات زيذا أن يسمح لى يناقة تحلب ثم 
يتركنى هنا مع أبى زيد . وهنا رد على زيد ( بخراقة ) . مقادها أنه دقع بالفعل لبدو 
البشر +8158 جملا . نظير تصريحهم لنا بمشاهدة أبى زيد . ورد على ذلك الرجل 
الفهجى قائلا : "أى رجل لا يستطيع اليقاء هنا وحده . ويخاصة أثناء الليل , لأن 
الشياطين سوف تتشاجر معه ." 


أثناء عودتنا » نزل زيد فوق حوض رملى طبيعى بين الصخور » أسفل الجبل » ثم 
مد بعد ذلك يديه إلى الكوع . لتصلا إلى رطوية لها رائحة نفاذه بعض الشىء , وهنا 
ابتسم زيد بصلف وزهو وهى يقول : ها ! لقد اكتشفنا ماء جديدا . أقسم بالله » أن فى 
هذا المكان ماء على عمق قليل أسفل هذا الوحل » ستأتى المؤخرة إلى هنا غدا لتملأ 
قراب الماء من هنا .' ويالقرب من ذلك المكان ‏ كان ينمو عشب يعرف باسم نبات الثلثان » 
أو إن شئت فقل : عنب الثعلب . الذى كان محملا بالثمر ؛ لم يكن زيد قد رأى ذلك 
النبات من قبل » وطلب منى أن أخذ ذلك معنا إلى المزل » حتى تتعرف عليه الحريم : - 
اللاتى لم تعرف أية واحدة منهن ذلك العشب بالرغم من حكمتهن المزعومة . '( قلن ) : 


15 


نبات غريب فى هذه الديرة ٠.‏ والمكر فيما يتعلق بالعقاقير والأشياء البسيطة المتعلقة 
بالطبابة سمة من سمات ريات البيوت هنا . وعلى مستوى أكثر انخفاضا وصلنا إلى 
بركة ماء صغيرة وسط الصخر ؛ تبدى الماء لنا بنى اللون ومشويا بالحمرة وتفوح منه 
رائحة النشادر , وكان الْمنَزْل المؤدى إلى تلك البركة ملطحًا بروث إبل قديم . '( قال : ) 
سنأخذ من هذا الماء شيئًا لتصليح القهوة , إذا لم يتوفر لنا ماءًا آخراً غيره .* شاهدت 
على الحخر أساطين حميرية اخرى: كانت تجلى في تك المنطكة امتبيتان :من الصبابا 
الرعاة » وعندما . شاهدانى أقترب منهما » ابتعدتا عنا مقتريتين من قطيعيهما الصغير 
اللذان كانا يتجولان بالقرب منهما . وهنا » قام زيد عازه لمعا كبيرا ؛ بتحية 
هاتين الصبيتين بتحية الصحراء المعهودة » وردت عليه الصبيتان التحية بمرح وسرور : 
هذه الصبايا لا يخشين أحدا من أفراد قبيلتهما ؛ يضاف إلى ذلك أن هؤلاء الصبايا 
الرعاة يمكن أن يذهين بقطعانهن إلى مسافة بعيدة جدا عن أعين المأْزّل الذى فيه 
الأسرة نظرنا هنا وهناك ولكننا لم نعثر على فرس زيد , التى كان زيد قد نزل عنها , 
عندما دخل الجبل » وتركها وراءه:مقيدة ؛ بأن ربط لجامها برجل من رجليها الخلفيتين 
ع ار الو اوري ارج اكاب الي الجر الرعت ) البدوية أن ترعى على 
راحتها ؛ ولكنها لا تبتعد كثيرا عن المكان الذى يتركها فيه صاحبها . أخيرا , استطعنا 
رؤية تلك القرس من مكان عال . وهى تعود إلى المغيم البنيد . '( قال زيد : ) إنها 
عطشنانة » إتركها وشأئها وسوف تصل إلى الْمنَزل وحدها :” - ويالرغم من أن الخيام 
السوداء كانت خلف الأفق او تستطيع الخيول البدوية العودة وحدها , وتهتدى إلى 
الأسر إلى تتبعها , عندما تشعر تلك الخيول بالعطش , ويجرى يوميا . بعد طلوع 
الشمس ربط الفرس اليدوية بقيد من الحديد ؛ لايفتح إلا باستعمال مفتاح خاص ؛ على 
أن تترك الفرس بعد ذلك لتتفذى من خيمة صاحيها . والخيول من طبيعتها أن تسعى 
باحثة عن بعضها البعض ٠‏ هذا إذا لم تكن المنازل متباعدة عن بعضها وميعثرة على 
نطاق واسع ٠‏ لتقوم بعد ذلك بالرعى والعبث سويا . والشيوخ أصحاب تلك الأقراس 

يلقون لها بالا كثيرا شأنها شأن كلاب الصيد فى المخيم ٠‏ إلى أن يحين وقت الظهر » 
وهنا تبدأ تلك الأفراس فى العودة وحدها إلى المنْزّل » وعندها يجرى اقتيادها إلى الماء 


16 


. وبعد أن تشرب الأفراس تعود ثانيه إلى المرعى ؛ أو قد تقق لتستظل بخيمه صاحبها 
فى ذلك الوقت من أوقات الظهيره ( هذا إن كانت خيمه صاحب الفرس تسمح بذلك ) . 
وتستمر تلك الأفراس فى الرعى على مسافة ليست بالبعيدة تماما . إلى أن يحين غروب 
الشمس , وعندها تعود تلك الأفراس وحدها ثانيه إلى منازلها أو قد يقوم أحد 
بإحضارها وربطها طوال الليل . 

كان يقفز أمامنا ؛ وتحت أقدامنا » سلالة صغيرة من الجراد » الذى يشبه لونه 
لون الرصاص . وله أجنحة تشبه أوراق الربيع ؛ هذا الجراد نتج عن تكاثر أسراب 
الجراد التى سبق أن اجتاحت الصحراء ‏ قبل ذلك بعدة أسابيع . هذا الجراد الصغير 
ننوق يطين يعد أرمكين توما عن شكل تجتحقل + اككن حوعا ين المخفل الشايق”, 
وسيمتلئ به الجو . شاهدنا أيضا سماءًا سوداء فوق خيام البدى الزحل ؛ وأوضحت 
لزيد أن رخة من زخات المطر كانت تتساقط أثناء غروب الشمس .- “رد على ؛ لعل الله 
يجعلها تصلنا !' حياة مواشى هؤلاء البدو فى تلك التربة الجدباء التى تعانى من قلة 
الماء . تعد حياة جد صعبة . وسماء الجزيرة العربية » التى يندر أن تصفو » تبكى بكاء 
المنافقين . 

انتقلنا من ذلك المكان . ونصبنا الخيام السوداء على ذلك الرمل الأبيض ؛ الذى 
يشكل النقود :906400: فى هذه المنطقة , التفود التى تمت حوافها يطول : أو على 
امتداد الصحراء المكونة من الحجر الرملى بنى اللون : يفصل النفود عن تلك الصحراء 
مجرى من مجارى السيول . سوف ينتقل الأعراب فى المرة القادمة إلى واحد من الآبار 
الجيدة » يطلقون عليه اسم 'الحيزة' 61-14728, وهى فى أرض النفود , والأعراب يعثرون ٠»‏ 
فى سنوات الوفرة . على مرعى جيد ٠‏ فى قصل الربيع قى ذلك المكان : ونظرا لعدم 
وجود أشياء كثيرة فى ذلك الاتجاه : فقد اتجهنا فى يوم آخر صوب جبل حلوان 
«ذياه!؛ وفى تلك المسيرة ( الرّحلة ) شاهدت ( حوالى ثمانى أى تسع ) دوائر من 
دوائر ساريات الأعلام المصنوعة من الحجر الرملى . كانت تلك الرحلة من رحلات 
الجزيرة العربية جرداء وموحشة وقاحلة أيضا ؛ فقد تساقطت من سماء شهر مارس 


17 


عاصفة من المطر البارد » ويعد أن نزلت النساء عن ماشيتهن على وجه السرعة » عجزن 
عن نصب الخيام أثناء سقوط الوابل :- هذا يعنى إقامة هجرة صغيرة خلال ثلاث 
دقائق . جلسنا داخل الخيام ٠‏ طوال العاصفة التى استمرت ساعات عدة ؛ جلسنا فوق 
الرمل المبتل ونحن ملفوفين فى عباءاتنا المبتلة ؛ وكانت قطرات مياه العاصفه تتساقط 
علينا من خلال النسيج الغليظ المهترئ من فوقنا . توجد فى النقود , فى اتجاه الحيزه 
6-3 بعض التلال الرملية مثل : الروسة ووباه8, والشقافيات "2 والسبيم 
انه و- إرزوم «انا72اء وهذه التلال الرملية المنجرفة شبيهة بتلال جبل تاقوس 
5 القريب من قرية طور 7186البحرية فى شبه جزيرة سيناء : والطبقة العليا من 
الرمل تسقط تحت أقدام المترحل , وينطلق بعد ذلك من ذرات الرمل صوت متعالى 
يسبب الدوار . وهذا الصوت يشبه ذلك الصوت الذى ينتج عن إدارة إصبع مبتل حول 
فوهة كأس من الماء » كما يشيه أيضا الطنين الذى يتخلف عن قرع جرس.كبير ؛ أو 
كأس من المعدن .- وكلمة 'ناقوس' 5داوةلة هى الاسم الذى يطلق على اللوح المدوى فى 
برج ناقوس الدير اليونانى » ويترتب على ذلك أن تصدر عن الخشب نغمة موسيقية تسر 
الخاطر ؛ تدعو رجال الدين الرسميين 198:05اه6 إلى أداء الصلاه : وهناك رمل مغن 
آخر ٠‏ يطلقون عليه اسم رمل الحويرية 18:/ا1-019103©, وهى موجود فى الصخور 
( الواقعة شرقى مزحام 11620873 ) فى منطقة مدائن صالح . 

كانت السماء صافية عصر ذلك اليوم : إذ جقفت الشمس ملايسنا المبتلة . كما 
اجتمعت صحبة كبيرة لشرب القهوة فى خيمة زيد . كان زيد قد وعد خليل يأته سوف 
يُصلّح له شايًا , "الذى هى قهوة النصارى . حسبما قال لهم . - وأنت , يا خليل يا 
طيب ٠‏ طالما أن الشيوخ سوف يتنوقون الشاى معك ٠‏ فانتبه وأحرص على وضع مقدار 
كبير من السكر .” فى ذلك اليوم . كان لدى ماء نقيا حصلنا عليه من ماء المطر الذى 
سقط على الصحراء ؛ فضلا عن أن الشاى كان من نوع ممتاز . هنا صاح زيد مناديا : 
"هل أعجبكم مذاق قهوة النصارى ؟" أجابوه قائلين : "السكر جيد , أما فيما يتعلق 
بذلك الذى يسميه خليل شايا . فطعمه أقضل قليلا من الماء الحار .” واستطردوا قاملين : 
'إنه مشروب خفيف وليس طعمه كما يرام" مثل طعم الماء المتخلف عن القهوة الُصلّحَة 


18 


من ماء غير نقى . شرب رحيل 1883 61 كأسه الأولى من الشاى ٠‏ وأعادها إلى مقلويه 
الفم نحو الأسفل ( إشارة عندهم إلى أنه لا يود المزيد ) قائلا : "يا خليل » أليس هذا 
هو الخمر ؟ يمعنى المتخمر أو نبيذ النصارى . ولولا الضمير لما شرب منه ؛ ولكن بقية 
الجماعة شريت ذلك المشروب السكرى إلى أن وصلت للحثالة . وطلبوا من الغريب أن 
يصب لهم المزيد . وأعدت على مسامع رحيل 830161 أن الفرس يشريون الشاى فى 
قافلة الحج . هؤلاء البدى الذين استطعموا مذاق الشاى للمرة الثانيه ‏ والذين أدركوا 
وفهموا مدى إعزازى وتقديرى لذلك المشروب ٠»‏ وبعد أن أحسوا بالانتعاش بعد أن 
شريوه ؛ بدموا يحبونه حبا جما ويتخيلون أن ذلك المشروب الذى يضاف إليه السكر 
يمكن أن يزيل المتاعب الإنسانيه كلها . ولكن لم أستطع مطلقا ؛ بناء على طلبى » 
الحصول على كاس من الحليب الطازج ؛ وهم لا يضعون أى شىء من الحليب على 
القهوة . كما أن مسألة وضع مقدار كبير من الحليب ؛ على قهوة النصارى ؛ بدا لهم 
أمراً غريبا تماما وفيه تبذير لنعمة الله . عندما كنت أصلّح الشاى ٠‏ فى المنزل كنت 
أدعو حرفة لتناول الكأس الأولى ٠»‏ قائئلا للبدى : إن ذلك هو تقليد فى بلادنا » التى تنظر 
إلى الجنس الضعيف نظرة احترام وتقدير . ردت على حرفة قائله : "آه » ليتنا هناك 
بينكم ! يا خليل ؛ هؤلاء البدى الموجودين هنا ليس فيهم أى نفع » وأنا أقسم بالله على 
ذلك » إنهم مثل الحيوانات البرية ؛ فهم اليوم يضربون الحريم ‏ وغدا يهجرونهن 
ويتخلون عنهن : المرأة مولودة هنا للعمل والمعاناة » ومما يحزن قلبها » أنها عندما تتكلم 
فإن كلامها لا قيمة له أو وزن .* ضحك الجالسون حول الوجار عندما انطلقت حرفة فى 
الحديث . ولكئها صاحت غاضية من جديد : 'ثعم , اضحكوا ملئ أشداقكم أيتها 
الحيوانات البرية !- يا خليل . البدو كفار ! ثم ابتسمت تلك الزوجة الغاضبة 
للحاضرين » وعادت إلى أحزانها الداخلية من جديد . 





تراكمت سحب المساء ؛ كما كاتنت عباءات الشيوخ مبتلة أثناء عودتهم إلى 
منازلهم . كانت الفرس قد عادت لوحدها فى ذلك الطقس السيئ , واتخذت لنفسها 
موقفا إلى جوار وجار القهوة ؛ ومثلما يفعل البشر » وقفت القرس تجفف جسدها المبتل 
بالماء وتدفئ نفسها , مثل واحد من الجالسين تماما . قد يقال عن خيول البدى الرحل 


19 


الضعيفة إنها لا تعرف الحقد أو الغل . وقد لاحظت بنفسى فرسا , وقد وقفت من تلقاء 
نفسها عند الظهر موقفا فى ظل خيمة صاحبها ؛ إلى حد كانت تقترب معه تماما من 
الجالسين حول وجار القهوة ‏ وراحت تقرب أنفها الناعم من الشخص القريب منها , 
وهنا أدار القريبون من الفرس رعوسهم استعدادًا لتقبيلها ٠‏ إلى أن نهض الشيخ من 
مكانه لينهر الفرس ويبعدها عن الحاضرين . هذه الخيول . يعتريها الضعف , نتيجهة 
ضعف علف الصحراء وخشونته , كما تعبر تلك الخيول عن امتنانها لتلك اليد الإنسانية , 
التى تمتد إليها فى تلك الصحراء , مثلما تمتد يد الأم إلى ولدها . الناس هنا تشاهد 
الإبل البرية الشقية كل يوم ٠‏ ولكنهم يندر أن يشاهدوا الخيول المتهورة ؛ ويستحيل أن 
يشاهدوا الخيل الحرون : واللون الغالب على الخيول هنا هى لون الكُّميْت . وأمل الشيخ 
الذى يعلقه على فرسه يتمثل فى تمكنه من الاتتصار على خصمه أ عدوره من ناحية . 
وانقاذه على وجة السرعة فى الميدان , من الناحية الأخرى ؛ يضاف إلى ذلك » أن 
الشيخ قد يحمل الغنيمة على ظهر فرسه , ويعدى يها فى مقدمة أولئك الذين يركبون 
الإبل . الفرس ( شأنها شأن أى إنسان أو حيوان , بما فى ذلك كلاب الصيد ) شىء لا 
يمكن أن يسديء اليدى استعماله . صحيح أن الفرس لا تحظى بتقدير أسرة صاحيها » 
إلا أن المسكن الطبيعى لتلك الفرس يكون فى الخيمة البدوية . هذا يعنى أن تلك الفرس 
مرتبطة برفقة الإنسان الخيرة ؛ يضاف إلى ذلك أن شكل الإنسان يسر خاطر الفرس 
فى تلك الصحراء القاحلة والبخيلة .. اعتدال البيت العربى يتمثل فيما نشره نبيهم عن 
الأسرة المقدسسه ؛ الله 38اانا. القرآن » رب أسرة سامى 56011166 طيب القلب ذو سيادة » 
يالغفرانه مع شعبه ( خلقه ) ! هذا الإله نفسه , على النقيض قاسى وصعب على 
الشعب الغريب . 

الحصان البدوى مشقّف هنا , كما هو الحال فى الحصان السورى بشقفة مفتوحة 
من منتصفها . وهذه فى الأصل هى طريقة تشقيف الخيول فى تركيا ؛ وشيوخ البدو 
هنا , يشترون احتياجاتهم السنوية من تلك الشقف من سوق الحج . ولقد رأيت الناس 
وهم يشقفون الخيول حتى فى الأجزاء الرملية من الجزيرة العربية : ومع ذلك ٠‏ هناك 
بعض الخيول التى يتركها أصحابها بلا تشقيف على بعض أجزاء الحدود السورية , 


20 


كما أن هناك بعض الخيول التى يجرى تشقيفها فقط فى القدمين الخلفيين . كان 
البيطار الذى يتابع قبيلتنا - الذى ذاع صيته بأنه أفضل الحدادين ٠‏ فيما يتعلق بكل 
أعمال الحدادة ؛ فى هذا الجزء من البلاد ولم يكن له مثيل حتى فى بلدة تيماء - هو 
الرجل المسئول عن. كل ما يتعلق عمال البيطرة بين هؤلاء البدو . وفى أحد الأيام 
صحبت زيدا كى أرى ما يفعله ذلك البيطار . وجدنا ذلك الحداد يكوى مهرة رحيّل 
836 التى كانت واحدة من قدميها الخلفيتين مصابة » ونظرا لقلة العدة المتيسرة 
لذلك البيطار فقد كان يقوم بعملية الكى هذه باستعمال ساق من سيقان شنحن المدافع » 
مصنوعة من الحديد ؛ كان ذلك البيطار قد سخن طرف تلك الساق , فى النار » إلى 
درجة الاحمرار » وراح يكوى ويوسم بها عضلات رجل الحصان الضعيفة . وجدت 
الخصان المسكين . وهو يعانى تلك الآلام » واقفا على ثلاث أرجل ؛ دون أن يحدث أى 
صوت ٠‏ فى حين كانت القدم الرابعة مقيدة بحبل تمسك به أيادى غليظة . والبدى الذين 
تعودوا على كى الإبل بالنار من الأعلى ومن الأسفل , لا يعولون كثيرا على مسألة 
سلامة أو صحة جلد الحصان , وكل ما يهم هؤلاء البدو هو أن تكون الفرس من أصل 
جيد ؛ ومن سلالة جيدة أيضا » وقادرة على خدمة صاحيها فى المعارك الحربية . غادر 
رَحيّل محل البيطار ؛ كان زيد الذنى حضر لأمر يتعلق بالبيطرة » قد جاء ويداه 
مملوتان بشقف الخيول , أو إن شئت فقل : حدوات الخيول , وطلب من البيطار تحويل 
تلك الشقف إلى مسامير , مقايل أن يقوم البيطار بتشقيف فرسه . ذهب زيد لاقتلاع 
بعض عيدان الحطب , التى أشعل منها نارا » وبعد أن اشتعلت تلك النار برهة من 
الوقت . أخمدها يإلقاء شىء من الرمل عليها ؛ ثم حمل زيد ذلك الفحم النباتى الضعيف 
فى عباعته ليلقيه على نار الحداد ( التى هى عبارة عن حفرة فى الرمل ) . ثم جلس ذلك 
الشيخ الكبير إلى منفاخ مصنوع من جلد الماعز ؛ وراح ينقخ هواءً على النار ليزيدها 
استعارا . كان الموقف يدعو إلى الضحك ؛ ونحن نتأمل حرص زيد على توفير مليماته 
عن طريق القيام بدور الصلويى(*) وهكذا راح زيد يتصبب عرقا بين نارين : نار 


(») هناك فى الجزيرة العربية قبيلة تحمل هذا اللقب » وما زالت آثار هذا اللقب فى بعض الأسماء التى يحملها 
الأفراد » إذ يقال على سبيل المثال " فلان الصليبى ' ( المترجم ) 


21 


الفحم النباتى المشتعل ؛ من ناحية وحرارة الشمس الحارقة من الناحية الأخرى فى عز 
الظهر , إلى أن تلوت الرجلان اللذان عضهما الجوع بسناج الحداد , ويدا الإرهاق على 
وجهيهما . أخيرا » نهض زيد وهو يتنهد قائلا : “يا خليل ؛ ألم تحعب بعد من الجلوس 
فى العراء فى حرارة الشفس ؟ هاهى خيمة رحيل بالقرب منا . هيا نحتمى بها من 
حرارة الشمس ؛ ورحيل رجل طيب وسوف يصلح لنا شيئا من القهوة .' وفاهم البدى 
أيضا لا يصبرون غلى حرارة الشمس التى تلسع أعالى رعوسهم , اللهم إلا عندما 
يكونون قائمين بالترحال ؛ فى فترة من الفترات التى تتحرك الريح خلالها .- "السلام 
عليك يا رحيل ؛ هذا هو خليل أحضرته معى ؛ هيا اجلس إلى جوارى يا خليل » ودعنا 
نشاهدك وأنت تكتب اسم رَحيّل ؛ اكتب 'رحيّل القجيرى ٠‏ الشيخ , الذى تزوج من بنت . 
فى تيماء' :” ركع الرجلان من حولى وهما يتيهان عجبا بأميتهما » عندما يريان كلامهما . 
قد تحول إلى كتاية . 

وصل بعض التجار البدو بعد ذلك » إلى مخيمنا ٠‏ قادمين من الجوف عبر صحراء 
النقود : كان أولئك التجار من قبيلة بشر . ومن بين هذه القبائل , هناك بعض 
الأشخاص الحصيفين المتدبرين , الذين يسستطيعون تحسين معاشهم عن طريق 
المكاسب الشرعية السلمية الثاتجة عن البيع والشراء , وذلك بدلا من المشاركه فى 
عمليات الغزى غير الشرعة وغير المؤكدة أيضا . أحضر أولئك التجار معهم سمنا وتبغا , 
وعرضاهما للبيع بثلثى الثمن المحدد لبيعهما فى هذه المناطق القاحلة الجدباء » ومع 
ذلك فإن الأعراب » غير العادلين فيما يتعلق بصفقات البيع والشراء » لا يشترون من 
هؤلاء التجار بذلك السعر الصادق والمقبول ؛ ويروحون يكاسرون بغيه تخفيض السعر , 
وفى النهاية لا يشترون شيئًا على الإطلاق ؛- وما أن يكسب أولتك الغرباء شيئا ٠‏ فإنهم 
يتعين عليهم دفع ضعف هذا المبلغ بعد ذلك فى قرية العلا ! ويمكن أن يبقوا . مثل 
الموتى » على ذلك الوضع ٠‏ والوقت يمر عليهم . المزيد من تلك الهيئة الحاكمة , والرجال 
الذين من قبيل هؤلاء التجار , قد يتخلون عن حياة التجوال غير الآمنة ( التى يكن 
الأعراب لها اليغض والكراهية بسيب إرهاقهم المستمر من ناحية وخواء قلويهم من 


22 


الناحية الأخرى ؛ ) ويتحولون إلى بدو مستقرين . واليدى يشتكون على امتداد ساعات 
طويلة من بؤسهم وشقاء حياواتهم ؛ وهنا يبدو عليهم التأمل بشكل غريب ٠‏ باعتبارهم 
أناسيا مطرودين من هذه البنيا . المقد البقدرج الناثه عن الفاقة والغؤة هو الى 
يضيف كل ذلك إلى متاعب الطبيعة وآلامها التى تصيب هؤلاء اليدو , الأمر الذى يجعل 
المرور أو التجوال فى الجزيرة العربية أمرا صعيا وقير مضمون العواقب : وعندما 
يحدث قحط فى أية ديرة من الديار ٠‏ تظرا لعدم سقوط أمطار الخريف عليها ٠‏ أو نظرا 
لهكوه أسزات الجراف+ فإن التجارة البرية »قد لااتصل إلى مغل هذه النيان. : 

هؤلاء البدى الذين يعتصرهم الفقر والعوز , تراهم داخل خيامهم وهم غارقين فى 
أحزانهم ؛ وإذا ما لامهم إنسان ردوا عليه قائلين : "آها ! صحيح أن الأعراب بهائم -هط 
15؛ صحيح أيضا أن الأعراب مساكين ؛ وصحيح أيضا أنهم 'قطاط' ' ؛38اناكا غرانهم' 
60 بمعنى أرعاة غنم وصحيح أيضا أن البدى دبوش' اناططناك بمعنى 'قطيع 
مختلط من الماشية الصغيرة' ؛ وصحيح أيضًا أن البدى جهال ا2«دال وهم أيضا 
مجانين 185نوزوم وهم أيضا عفتين 301010؛ وهم أيضا ع امية هلزةم03,3؟ وهم 
أيضا كفار 26اداما؛ والأعراب أيضا 'مثل 5310511 السيد '0/إه9-5ه بمعنى إنهم 'مثل 
الخيوانات الغشيمة ؛ الهائمة فى الصنحراء : وليس لديهم أى توع من القهم البشرى .- 
ويعد أن ينتهى الأعراب من ذكر كل ذلك » يزيدون عليه من باب المزيد من الاحتقار 
لأنفسهم قائلين : 'والله , الأعراب كلاب ." ولكن البعض من هؤلاء الأعراب يحاولون 
التفاخر بأنفسهم عندما يقولون : “الأعراب جنيون 100165[ وشيطانيون "010لإ6!ه 
والبدى عندما يقولون 'الأعراب جنيون' يعنون بذلك أنهم أذكياء يقومون بعمل الأشياء 
وتحمل الصعاب وأسوأ العواقب ٠‏ دون أن يخافوا الله . والبدى فيما بين ذلك الفراغ 
الذى يعيشونه فى منازلهم والتعب الذى يصيبهم نتيجة تجوالهم » يركزون سواء أكانوا 
رجالا أم نساء على شرب الدخان الذى يطلقون عليه اسم التتون . 88:0 (*) تلك الورقة 


(») التثون : كلمة تركية ومعناها الدخان ٠‏ وتطلق على ورق التبغ وينطقها العرب ب التتن وتعاطى التبغ من 
الأمور التى تحرمها تعاليم الشيخ محمد ين عبد الوهاب . ( المراجع ) 


23 


الجافة ( التى يجلبونها من قرية العلا ومن تيماء ) تكون خضراء . سواء أكان . ذلك 
مثلما يقولون . بسبب عدم تكون الندى فى هذه البلاد » أم لأن قرى الجزيرة العربيهة لم 
تتعلم طريقة تجهيز ذلك التتون ؛ أو إن شئت فقل : التبغ أى الدخان . وهم يدخنون 
الورقة الخضراء الجافة ؛ بعد أن يفركونها فى راحة يدهم من سيقانها الجافة , 
ويضعون فوقها قطعة من الفحم النباتى المشتعل . شاهدت ذلك النوع من التدخين على 
امتداد جزء كبير من الحدود السورية » حيث يمكن الحصول على .أفضل أنواع التبغ من 
كل من الشويك “5806861 وجبل كيراك 836؛ وتيغ هذين المكانين من النوع الذى له 
مذاق لاذع ؛ وأحلى أنواع التبغ الذى يزرع فى هذه المنطقة , هو ذلك النوع الذى 
بزرعه بدى الموءافيب فى وادى 309 الاعروش "لات على ساحل البحر فى عويرض 
لاع نام الحرة 3 فى المنطقة العالية المواجهة للحجر . 

كانت قريتتا الجائلة تضم بين أهلها واحدًا من أولئك الذين يبيعون التبغ » أحد 
القرويين من قرية العلا . الذى كان يعيش عيش البدو فى تلك الصحراء . كما كان 
متزوجا أيضا من امرأة قبلية من بينهم . استطاع ذلك البائع أن يجمع لنفسه مجموعة 
صغيرة من الحيوانات . وكان حاله ينتعش ويزدهر بهذه الصفة من ناحيه ويصفته 
مبتزا من التاحية الأخرى . حَرْضْتٌ تلك الأرواح البدوية الضعيفة على التمعن فى ذلك 
الطفيلى الذى ينمى على الشحم الذى كان يلحسه بشراهة من أذقانهم ولحاهم . كان 
البدى يحسون بالحزن كلما رأوا ذلك المبتز مرحا وفرحا ومنشرح الصدر ؛ كان ذلك 
الرجل يمرح ويفرح لذلك الشىء الذى كان ثقيلا على ضمائر أولئك البدى . خلب ذلك 
الخطأ لب هؤلاء البدى ؛ يضاف إلى ذلك أتهم ليس من حقهم أن يمنعوا أحد جيرانهم 
من حرية التجوال فى الصحراء . ويذلك يكون خبز الفقراء , الذين لم يكن لديهم ما 
يكفيهم من قبل قد تحول إلى رماد . هذا البائع يبيع لهؤلاء البدى هنا ذلك الذى يساوى 
بنسين فقط فى قرية العلا . باثنى عشر بنسا ؛ هذا هو ذلك البدوى المسكين الذى 
أحضر تيسا اليوم ليدفع ثمن التبغ ؛ هذا التيس الذى له قيمته بيع اليوم بما قيمته 
عشرة شلنات من التبغ ؛ هذا البدوى سرى عن نفسه باستعمال الغليون مدة سبعة أيام 
فقط نظير ضياع ذلك التيس ؛ هذا البدوى حصل على مقدار صغير "يشريه" 6هة:ك من 


24 


تبغ ذلك البائع ؛ أو بالأحرى حصل على ما قيمته نصف الكمية المستحقة , نظرا لأن 
ذلك العلاوى!*) هات الجشع كان يبلل أوراق التبغ , الأمر الذي كان يزيد من 
حجمها ووزنها أيضا . بعد الرجال الذين كانوا يترددون على خيمة ذلك الرجل » 
شاهدت أيضا الحريم مدمنات التبغ » وهن يأتين يضجيجهن إلى خيمة ذلك الرجل , 
ويمسكن فى أيديهن الضعيفة قطعا من الصوف المنسوج محليا ٠‏ أو أوانى السمن الذى 
ريما كن قد ادخرنه لشراء قطعة بسيطة من الملبوسات ٠‏ ولكنهن فى الوقت الراهن لا 
يطقن الصبر على عدم "شرب" الدخان : وإذا لم يكن لديهن ما يشترين به فإنهن كن 
يقترضن من ذلك البائع بفائدة ربوية كبيرة . وإذا لم يكن ذلك المبتز لا يثق بواحدة 
منهن ٠‏ فقد كانت ترجوه وتتوسل إليه ٠‏ بأن يملأ لها غليونها اليارد » هذه المرة فقط , 
وألا يرفض طلبها وفاء للحنان والعطف القديم . زيد هذا ٠‏ بالرغم من كونه واحدًا من 
الشيوخ الكبار , إلا أنه لا يشترى التبغ لنفسه وإنما يشحذه ويستجديه من الناس طول 
اليوم ؛ حتى وإن وصل الأمر إلى أفقر الناس من بين من يجيئون لشرب القهوة : وهنا 
كان زيد ينظر حوله مبتهجا وهو يقول : "مين 518 يُعمر لى '[015-1فالا؟” بمعنى “من هو 
ذلك الصديق الذى سوف يملأ لى هذا الغليون بالتبغ ؟” وبحكم ضعف الفكر والذهن فى 
هذه التربة المميته » فالناس هنا كلهم متطفلين ويعيش الواحد منهم على حساب الآخر : 
زد على ذلك أن البدى لا يجدون غضاضة فى استجداء التبغ من البدويات المسكينات . 
دخل زيد » ذات يوم إلى المجلس وهى يشتكى من سعر التتون » أو إن شئت فقل : التبغ 
أى الدخان , هذا بالرغم من أن ذلك التبغ لم يكن يكلفه سوى القليل جِذا ؛ أو لا شىء 
على الإطلاق ؛ ويعد أن جلس راح يلعن ويسب » يصوته الأجش العالى » كل من هم من 
سلالة العلاونة ". هوام (**) لعن الله ! سليمان بائع الدخان ! أعتقد أنه من الصواب 
أن يرحل ذلك الرجل عن أهل هذا المكان خلال فترة وجيزة . ولا يسمح له حتى بالبقاء 
مع الإبل ؛' الدخان هو مصدنر سعادءة الكثيرين فى هذه الصحراء الواسعة . كما أن 


(») العلاوى : من قرية العلا . ( المراجع ) 
(»**) العلاونة : أهالى قرية العلا . ( المراجع ) 


الدخان هى المادة التى ينظم الشعراء أشعارهم ضدها فى القبائل على اختلاف أنسايها : 
هناك ثلاثه أسباب تمنع الإنسان من شرب الدخان : أليس الإنسان سكيرا ويالتالى 
يحرق أصابعه ( عندما يتناول قطعة من الفحم النباتى المشتعل ليضعها على رأس 
الغليون ) ؛ السبب الثاني : أن الإنسان ينبغى أن ؛ لا ينفق ثمن الخبز على أشياء غير 
الخيز ؛ السبب الثالث : أن التدخين أمر غير شرعى .” 

تجول بدو الفجير خلال ديار بشز القريية عليهم وهم تراودهم بعض المخاوف 
.والمخاطر , - وراح الشيوخ بعد ذلك يستحثون الماشية وهم ركوب على أفراسهم » وفى 
معظم الأيام كان الشيوخ يقطعون حوالى ساعتين من الزمن كل صباح فى تجميع 
الماشية التى ترعى ؛ أو إن شئت ققل : الايل . اأط'-اء كانت موجة الجراد الأولى قد أتت 
قبلنا ؛ ترتب على ذلك حدوث شىء من القحط حتم على البدى أن يقسموا أتفسهم إلى 
مخيمين . انتقل الشيخ مطلق بعد ذلك بالمخيم الأول , الذى كان يضم القسم الأكبر من 
الشيوخ . وابتعد عنا مسافة نصف رحلة فى اتجاه الغرب . وبقى الشيخ زيد » مع 
رفيقه رحيل !6لا838 الذى كان يتولى منصب الشيخ الكبير فى المخيم الثانى . واصلنا 
السير بعد ذلك » وكنا نخيم منفصلين ؛ واستمر ذلك أياما عدة » بطريقة غير محددة 
وغير متساوية أيضا . 

كنت أرى نبات السمح 53085 فى كثير من الأحيان ٠‏ ولكنه لم يكن وفيرا ؛ هذا 
النبات هى فى الوقت الراهن عبارة عن بادرة خضراء بلا أوراق » يصل ارتفاعها إلى 
قبضة يد » وتحمل سيقانا سميكة وافرعا مليثه بالماء المالح . وفى نهاية كل غصن من 
أغصان نبات السمح توجد عين تنضج فيها حبة واحدة عندما يبدأ النيات فى الجقاف 
فى مطلع فصل الصيف . وفى بلاد بدى الشرارات ٠‏ التى ينمو نيات السمح فيها بكثرة , 
تقوم ريات البيوت هن والأطفال بجمع ذلك المحصول البرى . وتقوم ربات الييوت 
بغمس سيقان السمح فى الماء ويرحن يضرين تلك السيقان يالعصى ليفصلن الحب عن 
القش ؛ ومن ملك الحبوب الصغيرة . تقوم ربات البيوت . يعد طحن هذه الحبوب » 
باستعمال الدقيق الناتج عن ذلك فى صناعة نوع معين من الخبز . لقد تذوقت طعم ذلك 


26 


الخبز البرى فى قرية معان ؛ كان ذلك الخيز أسودا ومن الطعم ؛ ولكنى بعد ذلك كنت 
أحسبه قطعة من اُسَكّرات فى المناطق البعيدة من الجزيرة العربية الصحراوية . ثريد 
السمح ليذ الطعم وطيب أيضاً . ومذاقه يشبه مذاق "حليب الإبل" : ولكن أشهى أكلات 
ذلك السمح هى التى تصنع بعد عجن السمح مع قليل من التمر وشىء من السمن لكى 
يؤكل نيا : - مكونا بذلك واحد! من الأطعمة الطيبة والصحية للمترحلين ؛ الذين 
لا يجرؤن على شب النار فى كثير من الممرات المفتوحة غير المستورة . 

فى هذه المرحلة بدأت أتحرر من مخيم البدو : وكان الجميع يرحبون بِى حول 
وجارات القهوة ؛ لم يكن يعادينى , عند هذه المرحلة . سوى قلة قليلة من البدى ؛ الذين 
هم من بين الرجال الأكثر تشددًا . وفى معظم الأحيان ؛ كان أرياب الأسر » ينادونى 
من خيامهم , أثناء مرورى ؛ ليستقبلونى بعد أن أدخل خيامهم بابتسامات تنم عن 
كياسة الُضيف , وكانوا يحضرون لى التمر والحليب : وهذا هى 'العيش والملح ٠‏ الذى 
يمكن أن يقدمه الرجل الطيب مرة واحدة ٠‏ ليدلل به على صداقته ورفقته لذلك الغريب . 
هؤلاء الأعراب » بالرغم من أنهم كانوا متسامحين معى لشخصى , إلا أنهم كانوا 
يلومونى على دينى . حدث فى يوم آخر : شىء بدا لهم » بحكم أنهم يريطون كل شىء 
بيد الله وإرادته ؛ على أنه إشارة من قبل العناية الإلهية , برعايتها لى ومحافظتها على . 
حدث أن تزلت عن راحلتى متعبا بعد أن توقفنا عن السير » خلال جو صاخب ٠‏ وقمت 
بطرح عباءتى على دغلة قريبة ؛ ثم جلست فوقها . ثم نصبت خيمتى فى المكان نفسه 
وبقيت فيه إلى حلول المساء ؛ وعندها جاءعنى طفل معوق من أطفال مدْرّلنا » وهى يسير 
على أريع ؛ لكى يحصل على صدقه تافهة » فى شكل حفنة من التمر » ولكن ذلك الطفل 
صرخ عندما وصل إلى باب خيمتى , وتراجع على وجه السرعة . فقد شاهد حيية سامة 
ملفوفة تحت الدغله التى فردت عليها عباءتى ؛ - وهذه هى الطريقة التى تحمى الحيات 
بها أنفسها أثناء العواصف . وعقب صرخة ذلك الطقل . حمل راعى زيد عصا من 
أقرب بيت إليه ؛ وجرى مسرعا إلى الطفل , ويضربه قوية قطع تلك الحية السامة إربا 
إريا . كانت تلك الحية من النوع المقّرن » ويصل طولها إلى أكثر من قدمين , كما كان 


27 


جسمها منتفخا عند المقدمة » وعليها قشور تشبه النحاس الأصفر , أما بطنها فكان 
عريضا وأبيض اللون , وينتهى بذيل يشبه السوط أ الكرياج . سبق فى العام الماضى 
أن عضت حية من هذا النوع , رجلا أثناء الرحلة ؛ وأركبوه جملا ولكنه توفى , يفعل 
التورم ‏ قبل أن يصل به الرجال إلى المأزل . والجمل إذا ما عضته حية من هذا القبيل 
"يموت خلال ساعة واحدة "» ومع مثل هذا الحادث قد يتعكر المزاج تماما فى أرض من 
هذا القبيل » إلا أن هذه الحوادث تعد أمرا نادرا فى الحياة البدوية . سيق أن دست 
مرات كثيرة على ثعبان , كان البدوى يحمله بعد ذلك على عصا ليصنع منه “دهانا 
مفيدا جدا للإبل ' . وقد سبق لنا قتل ثعبان من هذا القبيل فى مدائن صالح . كان 
كي يا ا ا ل 
جنيب «الا©7و: بمعنى 'التى تتحرك على جانيها' . قام الصبى محمد بفصل الرأس عن 

الجسم بضربة واحدة من سيفه القصير , عندما كانت تلك الحية نائمة فى الرمل لتحمى 
نفسها من الشمس . على شكل لفات تشبه حرف ال 5 الإنجليزى : كان المقريبى العجوز 
يود الحصول على قرنى تلك الحية . "انتبه يا أنت , القرن الأيسر هو الذى يحتوى على 
السم , أما الترياق فهو موجود فى القرن الأيمن . إذا ما جرى شريه مع الحليب :- 
وقلت أنا كلاما فى غير موضعه ؛ دعنى أكتشف ذلك بنفسى - : أيها الصبية دعوها 
وشأنها فأنا لست على يقين مما قلت “فان عبات منترتات فى نيصر : بارباري 17 
. 588:37 وعلى القور رويت تلك الحكاية فى 1 : 'النصرانى هرب من تعبان 
سام ٠‏ وسألنى البعض وتحن فى المجلس عن “رود يتى' لتلك المغامرة ؟ ورد عليهم زيد 
قائلا : 'لقد كانت تلك رحمة من الله فعلا .' كان يجلس بالقرب من وجار قهوتنا راع 
وقح » غريب من بدو الرولة 18ا0اا8, صبى من صبية القبائل صغار السن , كان 
يبحث عن عمل خارج قبيلته » أى مع بدو آخرين غير بدو قبيلته : والسيب فى ذلك أن 
أمثال هذا الصبى , يظنون أن الحياة قد تكون أقضل فى كل ديرة من الديار الأخرى ٠‏ 
وبالتالى يتمكنون من مشاهدة الدنيا » وأحوالها . "أوه ! قال الصبى متعجبا , لى كانت 


(ه) صحراء باربارى : المقصود بها صحراء اليرير فى شمال إفريقيا . ( المراجع ) 


28 


ذلك الع امقر كد لذ هنك يا كليل الأارايك ادامر قاضة “لانن تلعتده السام 
نوع من الأيام: مذءاهس الكراهة الف نيدان على الناقق النخري ووستحوة طليه ؛ 
وبالتالى يمكن للبدو أن يقولوا فى مثل هذا الحال : “الحقيقة أنه عدو الله . وقد أثيتت 
الأحداث ذلك *” 


المؤكد أن هؤلاء الناس الرعاة هم أقل أفراد الجنس البشرى عبقرية وفهما ؛ هؤلاء 
الناس , إذا ما لُدغ إنسان أى حيوان » فهم لا يعرفون أى شىء أفضل من “قراءة" ( ما 
يسمونه القريئة هلإ©::1-61 ) عليه . والقريئة هذه عبارة عن مجموعة من العزائم والرقى 
تعلموا استظهارها وحفظها عن ظهر قلب . وتتمثل قى بعض الكلمات المنتقاة من 
القرآن ( الكريم ) » قوة "كلام الله" » فى ظنهم هى التى يجب أن تتغلب على قوة السم . 
وفى كل قرية من تلك القرى الجائلة يوجد شخص أو إن شئت فقل : 'قارئ يَُضْيْجِرٌ 
السامعين بقشور علمه ؛ أمثال هذا الرجل يكونون ضعيفى الفهم , وليس فيهم أى 
شرط من الشروط الحسنى , وهم يخدعون أنفسهم بالخرافات وبالتالى فهم مستعدين 
لخداع الآخرين . يقوم أصدقاء الملدوغ بإحضار ذلك الشخص ٠‏ وهم يبكون طاليين منه 
مساعدتهم ؛ وفيما بين التقاط أنفاسه يقوم ذلك "القارئ” بالتفل على الجرح ٠‏ ويرش عليه 
قليلاً من الملح . والبدى أناس طيبون فى حق بعضهم البعض ٠‏ بل هناك من بيتهم » فى 
بعض الأحيان » من يكون على استعداد لمص جرح صديقه أه. قريبه . ولكنهم يعتقدون 
أن كل ذلك لا طائل من ورائه إلى جانب “كلام الله' » إذا ما أحسنت “قراعه" ؛ قراء 
الصحراء هؤلاء - من جانبهم -'وهم من الأميين , يقرون بأنهم غير متعلمين . هناك 
أيضا كثير من الأفراد الجريئين بين الأعراب , وهم من الرجال والنساء . وهم على 
استعداد إذا ما لحق بهم أذى من هذا القبيل ؛ أن يتناول الواحد منهم أى منهن » جمرة 
من الوجار . ويروح يحرق بها لحمه المجروح » إلى أن تنطفئ الجمرة فى العضو 
المجروح : وهذا النوع من الرجال والنساء على استعداد لتحمل الألم بجلد بالغ ( بحكم 
أن ذلك من الضرورة » وأن حياتهم ستصبح عذايا دائما ) . : 

هؤلاء البدو لا يعرفون شيئًا عن أربطة الأوردة الدموية , ولكنى شاهدت صلوبى 
يستعمل ذلك النوع من الأربطة فى يوم من الأيام : عندما لدغت حية زوجته فى ساق 


29 


أحد رجليها » سارع الصلوبى إلى ربط الساق من فوق الركبة ربطا محكما , وراح 
يمص السم . وبقيت زوجته طوال ليلة ويوم وهى شبه ميتة - كما اسودت بشرتها أيضا . 
وبعد ذلك بدأت تتحسن شيئًا فشيئًا » إلى أن عادت إليها صحتها وعافيتها مرة 
أخرى : شفيت تلك المرأة ولكن بشرتها بقيت على لونها المتغير فترة طويلة .. ومن باب 
البر والخير » أن يعرف من يقدم على مص لدغة الحية أنه لن يصيبه أذى فى شفتيه أو 
فمه , لأن الأمر لى كان غير ذلك , فإنه سيؤدى إلى إصابة تفسه بالسم . حدث أن 
جانى رجل يطلب دواء » وكانت شفته السفلى حتى ذقنه عبارة عن قرحة مفتوحة : 
وقال بصعوية بالغة ( نظرا لأن الفيروس المريع كان قد أفسد صوته , ) إن هذا المرض 
الذى أصابه إنما كان من جراء مص لدغة حية من الحيّات ؛ منذ عام مضى . أخبرته 
أننى آمل أن أتمكن من مساعدته فى الدواء , وبالمجان ‏ جزاء له على شجاعته . ولكن 
ذلك البائس.الملول احتقر ذلك الحكيم الذى لم يستطع شفاءه على وجه السرعة . قابلت 
ذلك البائس بعد ستة أشهر فى قرية تيماء ؛ حيث قال لى : "انتبه يا أتت ! لقد شفيت 
مما كنت فيه ؛" وكان اللحم قد كسى منطقة الجرح من جديد ؛ وأصبح شكله الخارجى 
يوحى بالشفاء . 


والبدى , مثلنا » أى بالأحرى مثل ممرضاتنا عندهم ما يسمى أحجار الدماء التى 
تجعل الجرح يواصل النؤف . وهناك خرافة أخرى بين هؤلاء البدى يعرفونها باسم 
أحجار الثعابين ؛ التى يعتقدون فيها اعتقادًا شديدا ( والسبب فى ذلك أن هذه الأحجار 
نادرة جدًا فى العالم وثمينة جدًا أيضا , ) يأنها لابد أن يكون لها فضيلة خاصة فى 
مقاومة السموم . والفكرة الشرقية وراء عملية الأحجار الثمينة هذه , تتمركن حول أن 
هذه الأحجار تحرك الذهن والعقل فى اتجاه العجائب الغريبة المدهشة , وهذا المفهوم 
ما يزال إلى يومنا هذا يشكل قسما من التقييم العجيب للمجوهرات الخاملة قيما بيننا . 
هذه الأجسام المنتقاة التى تستعصى على الكسر والتحطيم » شأتها شأن النجوم التى 
تسطع علينا من بين كتلة معتمة من المادة » تبعث الراحة فى نفوسنا وأجسادنا المتقلبة : 
من هذا المنطلق تصيح كل المجوهرات قريبة من القلوب مما يجعل له تأثيرا دينيا . 


30 


يزاد على ذلك أن الأحجار القديمة ؛ التى خصصت بواقع حجر واحد لكل قبيل ٠‏ أيام 
كهنوت القس الأكبر لبنى إسرائيل !15726 يمكن القول من باب الافتراض أنها كان لها 
المغزى نفسه إلى حد ما . بعض أحجار الثعابين التى شاهدتها كانت ذات لون أحمر 
مشوب بالبياض ء أو من العقيق اليمانى ؛ كانت الفقاقيع الموجوده فى تلك الأحجار قد 
جرى حكها إلى أن أصبح السطح ناعما . ونظرا لأن كل هذه الأحجار لم تكن من نوع 
واحد , فقد كان تقييمها يختلف من حجر إلى أخر . ولكن ذلك التقييم كان يعتمد على 
فضيلة الشفاء التى يعزوها هؤلاء البدى لمثل هذه الأحجار ؛ ويناء عليه : ذاع فى تلك 
البلاد صيت أحجار بعينها من أحجار الثعابين ويخاصة تلك الأحجار “التى أحدثت 
الكثير من حالات الشفاء .' فى نلك البلاد » حضر إلى النصرانى يعض هؤلاء الرجال 
الذين لديهم ذلك الذى يطلقون عليه أحجار الثعابين » وأرونى تلك التذكارات بعيدا عن 
تعن الفاعة + كاتوا لفون تلك الاسعان لقا عتجييا هن خرف عن نكري مسح المواعين : 
كانوا يخرجونها من كيس يعلقونه على صدورهم . ووجهت تلك الأحجار ٠‏ وأنا أمسك 
بها فى يدى » ناحية الضوء وسالتهم : 'ما الذى فى هذه الأحجار أزيد مما فى 
الأحجار الصحراوية الأخرى ؟ وأنتم إذا كان ذكاؤكم أكبر من ذكاء الأطفال الصغار , 
فيجب عليكم التخلص عن مثل هذه اللعب , واللجوء إلى أربطة الأوعية الدموية التى 
تستخدم عند إجراء العمليات الجراحيه" . ولكن أصحاب هذه الأحجار . سرعان ما 
أخفوا أشياءهم على وجه السرعة , نادمين لأنهم كشفوا عن روائع تلك الأحجار أمام 
دنيوى غير حاذق . البدى بينهم أيضا الكثيرين من أصحاب العقول المتفتحة ؛ الذين لا 
يؤمنون بأى شىء . غير الظرف المتصل بدينهم , ولذلك جاء ردهم على على النحو 
التالى : "إذا كان الكثيرون قد عالجوا الكثيرين باستعمال هذه الأحجار , فنحن أنقسنا 
لم نراهم يفعلون شيئًا من هذا القبيل ! * ولكنى عندما سألت أصحاب هذه الأحجار : 
"هل أنتم إذن أدعياء أى دجالين ؟” أجابونى قائلين : "أبدا » ويصدق ؛ بوسعنا تقديم 
كثير من الشهود أن الأشخاص الذين لدغتهم الحيّات جرى انقاذهم باستعمال هذه 
الأحجار : التى تعترض عليها أنت ؛ ولكنك لم تولد فى هذا البلد . ويالتالى فأنت تكون مخطئا 


3 


فى الأمور التى من هذا القبيل .* قالوا فى أيضا » إن بعضًا من ملاك هذه الأحجار 
لديهم أحجارا استطاعوا بها “مرارًا شفاء لدغات الثعابين من 'الديدان' الخطيرة ؛ كما 
أخبرونى أيضا أنهم حصلوا على جمل على سبيل الأتعاب نظير شفائه من لدغه الثعبان ." 

معروف أن كل أيبناء القبيلة هنا يُدَعُونَ 'عيال 'اقلالاع عم 300 بمعنى أبناء 
عمومة' ٠‏ ويشيع عنهم أنهم أبناء لسلف أو إن شئت فقل : جد واحد . كما تجمع بينهم 
القرابة أيضا عن طريق سلالة نسبية أخرى ؛ سمح لأفرادها بالانضمام إلى القبيلة 
ليصبحوا 'عيال 'عم' أيضا مع بقية أفراد القبيلة ؛ وأقرب مثال على ذلك هم الموءافيب » 
الذين هم من سلالة العنوز(*) 0»27هه: وجرى تطعيم قبيلة البلّى بهم . وأصبحوا 
يحفلون نسب البلّى » ويذلك يكونون قد أصبحوا 'أبناء عمومة ' من الجانبين . وإنه لمن 
باب التملق والمداهنة فى القبائل ؛ أن ينادى النظراء فى السنْ الواحدة بعضهم البعض 
باسم ولد' ' 6160 عمئ" 30:01 . والعم عند البدى هى شقيق الأب ؛ يضاف إلى ذلك أن 
كلمة 'عم' تطلق أيضا على رب الأسرة مثل الرجل الذى أحل عليه أنا ضيفا الآن ؛ 
وكلمه 'عم' تطلق هنا أيضا على 'زوج الأم' عندما يناديه طفلها من زوجها السابق . 
يضاف إلى ذلك ؛ إن كلمة 'عم' على لسان الخدم أو العبيد » تدل على رب نعمة ذلك 
الخادم أى العبد : ( من هنا فإن الإسبان يستعملون كلمة 'عمو' 85080 من بعد وجود 
المغاربة فى أورويا ) . والثبخص الذى يكون أكبر من شخص أخر » ويحل ضيفا على 
قبيلته » يقول عن المضيف 'ابن' ' اطة أخى' . 3161 وكلمه 'أبوى' 8001 ( بمعنى والدى ) 
هى لقب يدل على الوفاء والاحترام من شخص أقل فى المرتبة إلى آخر أعلى منه مرتبة 
وتقديرا واحتراما . كما هو الحال فى رب الأسرة ٠‏ ( وعليه كان داود 020104, عندئذ 
رئيسا للمطاريد. والرئيس الشرعى اشعبه , الملك شاؤل الا58 ) تعبيرات وعبارات 
الإقناع الهين اللين , التى تجرى على ألسنة هؤلاء البدى تفيض إنسانية وهى تصدر من 
قلويهم عندما يقولون : لصالحك , 'أنا' ' 358 أبوك انام بمعنى “كلامى صادق ؛ وأنا 


() العنوز : من قبيلة عنزة . ( المراجع ) 


والدك' , أو 'أنا' ' 208 أخوك »انالكاج بمعنى "أنا شقيقك ” أو عندما يقولون : 'أنا' همه 
'أختك ةا)اق» أو أنا ' 308 أمك' . /602/ن وهناك تعبير شبيه بهذه التعبيرات الهينة 
اللينة يتمثل فى فيما ورد عند ( سيدنا ) موسى طَلِن . والذى يجىء وفقا للوصايا 
السماوية ويقول : "أنا خليفة 4:ماريك . "600 لاط) 


بالرغم من أن البدو يعيشون فى وثام وانسجام مع بعضهم اليعض .» إلا انهم 
فئويون أى إن شئت فقل : طائفيين ؛ وأصحاب العقول غير الحصيفة من بين هذا النوع 
السائد من البدى سريعى الاستثاره والدخول فى الصراعات » إضافة إلى أنهم يشيع 
عنهم أيضا سلاطة ألسنة نسائهم . هذه القرية الجائلة تنشب فيها يوميا يعض 
الخلافات : وعندما يجىء الصياح تحال هذه الخلافات كلها إلى المجلس . سكان 
الواحات , الذين يشبهون الطيور المحبوسة داخل أقفاصها » أكثر قهما وأكثر تقهما 
أيضا . وفى أحيان كثيرة تنشب نزاعات مزعجة » حول تأكيد ملكيه شىء من الأشياء 
التافهة : قفى الصراعات أو النزاعات التى تكون من هذا القبيل يظن كل طرف فيها أنه 
هى الوحيد الذى فى كقة الميزان ؛ والبدو عندما يتنازعون على سبيل المثال حول شىء 
من قبيل : 'تيس من هذا ؟ ( وقيمته لا تساوى أكثر من اثنى عشر بنسا ) - "أقسم 
بالله » إنه تيسى أنا .' - 'مستحيل ‏ انظروا » يا كل الواقفين . واشهدوا ؛ بالله عليكم , 
أليست هذه هى العلامة التى أحدثتها أنا فى أذن هذا التيس ؟" الغضي مسالة سريعة » 
بين هذه القلوب التى تحيا حياة جوع وخوف . وتسهل استكثارتها : صدور هؤلاء البدو 
الضيقة تنطوى على قدر كبير من الشهامة ؛ هذا يعنى أن الضعيف , وصاحب الحظ 
غير الوفير بين هؤلاء البدى » قد يثور ويفور ويشتط غضبا إذا ما أساء إليه أحد من 
الناس . يضاف إلى ذلك ٠‏ أن فى داخل هؤلاء البدى , مند الطفولة . نوع من الخلاف 
القديم الذى يتعين تفريغه والخلاص منه .- هذه التركيبه النفسيه تتجلى بصورة أوضح 
فى الرعاه وأمثالهم عنها بين سلالة الشيوخ ومن فى حكمهم ؛ والسبب فى ذلك أن 
هؤلاء الشيوخ هم ومن فى حكمهم تزول خلافاتهم فى المجلس الذى ينعقد يوميا وفى 
صحبة القهوة التى تتسم بالألفة والمودة . وإذا ما أفلتت كلمة حارقة من بين شفاه 
سائبة لرجل مشاكس نكد ؛ يمكن أن تشعل نارًا حامية فى قلوب هؤلاء البدو . وقد 


13 


تعدل الأدلر إلى كه أن معح لضن عدي الماك على الحم لاعن يتن تداق 
القتال . وهنا يندفع كل الحاضرين بمحض إرادتهم لفض ذلك النزاع : '( يصيح أولئك 
المحجزون ) بالله عليكم ! لا داعى لكل هذا ؛ واطرحوا الأمر أمام الشيوخ ليبتوا فيه ؛ 
والمطلوب منكما الآن أن يذهب كل واحد مذكما إلى بيته . وسوف نصحبكما إلى بيتيكما ؛ 
ولذلك يمكن تأجيل نزاع من هذا القبيل إلى طلوع النهار . حيث سيجرى الفصل بالعدل 
بينكما .* وشيوخ البدى يحكمون فى هذه الأمور حكما عادلا ومنصفا ومستمدا من 
الشرع ؛ والشيوخ هم صناع السلام فى الْمنزّل » وهم أيضا المحكّمون بين رجال 
القبائل . 

ذات مساء » أحضروا لى رجلا ينزف من ذراعه ؛ وكان الرجل قد أصيب منذ فترة 
وجيزة بضربة سيف من واحد من بدو الفهجى ؛ وأجدثت تلك الضرية قطعا فى ذراعه : 
كان ذلك الرجل قد تنازع مع الفهجى فى ملكية عنزة صغيرة . وعندما ظن ذلك الفهجى 
المسكين , إنه غلب على أمره دون وجه حق ٠‏ بادر إلى تزع سيقه القصير من مده , 
وضرب به ذلك المعتدى ؛ - وسارع الجيران إلى مكان النزاع وأمسكوا بالاثنين . غمغم 
زيد ونحن جلوس حول وجار القهوه قائلا . "- عجيب أن يكون فهجى هو المعتدى ! 
( والسيب فى ذلك أن بدى الفهجات من نجم وضيع ٠‏ وبالتالى فهم يشكلون سبيكة من 
نوع خسيس »ء وبالتالى فهم سلالة وضيعة ومحتقرة بين الأعراب .) ولم يحدث مطلقا 
من قيل أن رفع بدوى من بدى الفهجات سلاحه على واحد من بدو الفجيرى “ هذه 
السلالة الصغيرة من بدى الحطيم هم بمثابة الزبائن التقليديين , أى إن شئت فقل : 
( العملاء التقليديين الذين يسكنون ديار الفجيرى . من هذا فإن شيوخ الفكارة » وزيد 
واحد من كبارهم » يتعين عليهم أن يحكموا فى الصباح بين هذين الرجلين بلا تمييز أو 
محاباة : وقد بلغنى أن الشيوخ أدانوا الفجيرى ؛ وحكموا عليه بأن يدفع عددا صغيرا 
من رعوس الماشية ؛ ولهذا السبب . وجدت ذلك الفجيرى ٠‏ فى فترة لاحقة ومعه أقرب 
أقاربه يعيشون عيش المنفيين ضمن قبيلة أخرى . دفع هذه الغرامة يمكن الوفاء به 
( وقبول نفس العدد المحكوم به من الماشية ) فى أى عام من الأعوام المقبلة » ومن خلال 
الزيادة الطبيعةه التى تطرأ على مواشيهم » ويذلك يستطيع أولئك المنفيون رد اعتبارهم : 


34 


والسيب فى ذلك أن مداه الريا ممقوتة وغريية ة على التعامل الأخوى الذى يحكم 
العلاقات بين القبليين الرّحُل 


يقول الرحالة الذين وصلوا إلى هذه البلاد عن بدى الفهجات , وذلك من قبيل ضرب 
الأمثال : 'الفهجات مرحون دوما .” وما هى الهموم التى يمكن أن تشغل بال أولئك 
الذين يحيون حياة ملوثات الهواء , الذين لا يتطلعون إلى الحصول على أى شىء أى 
خسارة أى شىء فى هذه الدنيا : والفهجات بشكل عام يحضرهم دوما المرح الخفيف 
الطريف , ولديهم شىء من اللطافة التى يتحلى بها الشحاذون . وهم يقولون إن والدهم 
هو مرحاب 9/3:835, ذلك الشيخ الذى تولى أمرهم بعد أن فتح المسلمون خيبر القديمه .- 
ترى ؛ هل هؤلاء الفهجات هم يهود خيبر ؟ لقد رأيت دولان 0 أشجع وأفقر 
هؤلاء العتاترة ( جمع عنتر ) » وقد طرح أرضا طيلة ليلة ويوم بعد أن تيبست شفتاه لنا 
بذلك الاعتراف الشهم ؛ وهى فى ذلك يشيه سيده الأكبر عنترة ؛ الذى اعترف متفاخرا 
بسلالته غير الحرهةمن ناحية أمه , الأمر الذى أحزته يعد ذلك . اعتقاد الفهجات فى 
ذلك , أى تصديقهم لذلك , هو الذى كان يجعلهم ينظرون إلى النصرانى ( دوتى ) 
باعتباره واحدا من أقربائهم القدامى ؛ ونظرا لأنى كانت توجه إلى الاتهامات يسيب 
دينى » فقد كان ذلك يكسبنى حسن ظن هؤلاء الفهجات , الذين كانوا هم أنفسهم عبيدا 
لحظ عاثر عنيد . فى بعض الأحيان ٠‏ كان هؤلاء الفهجات يقترحون على أن أتخذ 
لنفسى زوجة من أجمل بناتهم ؛ ومبلغ علمى أن نساء الفهجات ( الحطيم ) هما 
الشكلين المقضلين من أشكال النساء فى هذا المخيم الكبير . وبيتما كنت راكبا دابتى 
أثناء واحدة من الرحلات » رحب بى زوج إحداهن ترحيبا شديدا - أنا لم أر هؤلاء 
الناس من قبل - "أنت , يا من تسير هناك , خليل !* - ويش 0 
يازلآامى /321||301؟؟ بمعنى "أيها الرجل . ماذا انتويت ؟” - "أقول , ألا تود الزواج 
أليست هذه ( ندجته ) امرأه جميلة ؟ وفيما بين مرحهما الاستجدائى ل 
تحقيق الفائدة » يصيح ذلك الفهجى مبتهجا قائلا : "والله , لو أحبتك هذه المرأة , 
فسوف أسرحها ( ناطقا بكلمة الطلاق ) ؛ كل مافى الأمر يا خليل , هو أنك سوف 
تسوق إلى ( بمعنى تدفع لى ) خمسة من الإبل .” - التى أقسم أنه دفعها مهرا لها . 


35 


كانت تلك المرأة فارعة الطول وترتدى ملايس جميلة كما لو كانت عشيقة أى محبوية ؛ 
وكانت تلف حول خصرها النحيل حزام صغير مزين بالدانتيلا جميلة الألوان : كانت 
تمشى حافية فوق الرمال الجرداء , وهى واثقة تماما من تمرد عجيزتها , فى تلك 
الصحراء التى يعيشون فيها . '( تساطت ) وما رأيك أنت ٠‏ يا أختاه * ردت على قائلة : 
"إذا كنت ستقبلنى , على هذا الوضع , يا خليل » فأنا مستعدة لذلك .* - هكذا نرى أن 
الزواج عندهم خقيف وسهل على هذا النحو , وكلهم تقريبا تعساء ولا يستشعرون 
السعادة ! وتجاوزتهما فى صمت بحكم سرعة خطوات الناقة التى كنت أركبها . وفى 
يوم آخر . شاهدت تلك المرأة وقد جاءت لحضور احتفال ختان , وحييتها متاديا باسمها » 
ولكن بسبب كلمه ساخرة خرجت متى ؛ أفهمتنى بنظرة جريحة ؛ أنى أصبحت محطا 
لاستيائها وعدم رضاها . 

أثناء تجوالى مع الفجير رأينا شيخا ساخطا ومتذمرا من العلايدة 08ئزةالم 
شيوخ ولاد على . كانت هناك بعض أسر من الفقاره يعيشون منفيين مع ولاد على . 
نزاع هذا الفرع من العلايدة كان مع فرع آخر منهم يتزعمه الشيخ مطلق العلايدة , 
وكان ذلك النزاع يتعلق بمسألة توزيع صرة الحج . كان مطلق يرى أن نصيبه أقل من 
المطلوب » وأن الطرف الآخر من النزاع حصل على مبلغ أكثر مما يستحق . وبناء على 
ذلك . ويحكم سلطته التى يستمدها من الرأى العام , قرر الاستيلاء على إبل الطرف 
الآخر . علايدة الشيخ مطلق لم يكونوا رجالا طيبين وذلك من منطلق الرأى العام فيهم : 
فقد حدث أن قلت ذات مرة ؛ وأنا فى خيام أولئك الشيوخ بمتاسبة الكارثة التى حلت 
بهم ( ولاد على ) نتيجة الغزى الذى قام به أعداؤهم ٠‏ أننى أشعر بالأسف لا سمعته عن 
الكارئة التى حلت بهم ؛ رد على أولئك الشيوخ ردً! يتسم بالبرود "لم نكن المتسببين فى 
تلك الكارثة , وإنما إله البشر +8188 هى الذى أتزل بهم ذلك المكروه الكبير .* كان متزل 
الفكارة يحتوى أيضا على أسرتين أو ثلاث أسر من الأسر التى ليست قبلية تماما » 
كانت هاتان الأسرتان أو الثلاث تتمثل فى أبناء بعض رعاة القلعة من الدمشقيين 
السابقين ؛ ويعد أفول نجم آبائهم تحولوا إلى بدو تجار بسطاء مع أقارب أمهاتهم . 
وبعض آخر من أشقاء أرباب هذه الأسر تحولوا إلى الحياة المدنية ( الحضر ) وعاشوا 


36 


حياتهم فى المدينة الأم ؛ وقد سبق لنا أن قلنا إن هؤلاء الأشقاء كانوا يحضرون كل عام 
من سوريا للإتجار مع هذه المنطقة فى موسم الحج . أما ذلك القسم الذى بقى منهم فى 
الصحراء فقد تحولوا إلى بدو رحل ؛ ولكنهم كانوا أصحاب بشرة بيضاء وملامح 
أجنبيه غير ملامح البدى » ولم يكن لهم تأثير مثل تأثير البدو . أشباه اليد هؤلاء كانوا 
يعودون كل عام » فى شهور الصيف ؛ ( بعد أن يدب الملل فى نفوسهم من كشرة 
ترحالهم . ) لينصبوا خيامهم أمام القلعة القديمة ( التى سبق أن ولدوا فيها ) فى قرية 
الحجر . ومع ذلك كان من بين هؤلاء البدو شخص واحد ‏ هو أجرأ نكاس فى القبيلة 
كلينا د كان ذلك الرضل مداو على الإغارة والفوق مضينورة مسن اا وكد التقسنة 
مثيلا يشاركه العمل نفسه . ولما كان هو شيخ المنصر » فلابد أن يأخذ نصيب الزعيم 
من كل غنيمة من الغنائم . ثم يقوم بعد ذلك بالتجوال فى الصحراء الجرداء الجافه التى . 
تحرقها أشعة الشمس . هؤلاء البؤساء الذين كانوا يقومون بعمليات الغزو تلك ٠‏ كانوا' 
يسطون على بيوت الأعراب المعادين لهم » ويواصلون الركوب والنزول لحين حلول الليل » 
ثم يتسللون بعد ذلك إلى البيوت التى يتوون السطو عليها - بعد أن يقيدوا إيلهم 
ويتركونها فى منطقة أمنة بعيدا عن تلك البيوت - أملا فى سرقة بعض الإبل ؛ ولكن 
هؤلاء الغزاة ( اللصوص ) كانوا يعودون إلى ديارهم من تلك الأعمال الخطيرة » وهم 
يلهثون من شدة التعب » ودون أن يجنوا أو يحصلوا على أى شىء من الغنائم . كان 
شيخ المنصر هذا شجيع شجاعة الفرس الكديش الهزيل الضعيف . ففى كل تجوالهم 
وجوثهم فى الصحراء ؛ كان يتحتم عليه أن يجعل من رفيقه عينين له ؛ فقد اكتشفت أن 
عينيه كانتا شبه مغلقتين بقعل رمد قديم . 

بعد انقسام القبيلة طالت أيامنا الخانقة الخالية من الريح من ناحية ومن المجلس 
من الناحية الأخرى ؛ ومع ذلك ازدادت روابط الصداقة بين هؤلاء الجيران القلائل . كان 
زيد فى بيته بصورة مستمرة ؛ كما كان رفاقه الشيوخ يفدون إلى ذلك البيت , وكان هو 
بدوره يصلّح لهم القهوة ويقدمها لهم . كانوا كلهم أبناء عمومة , ولم يكن فى قلب 
المضيف غلا أى حسدا لأحد منهم , إضافة إلى أن البدو يميلون إلى المرح ؛ كان ذلك 
المرح ينصب على آخر ما وقع بين حرفة وزيد ؛ كانوا يسخرون دوما من سلوك تلك 


37 


الزوجة الشابة الشاذ غير المقبول . “يا حرفة ! يا حرفة » أجلسى صامتة خلف الستار » 
وحاولى أن لا يكون لك لسانا حريميا ؟ قفى فى مكاتك , واسمحى لوجهك الصغير أن 
يِرَّى من فوق القماش ٠‏ ويرئى نفسك أمام جميع الحاضرين . يا حرفة ! ما هذا الذى 
نسمعه منك , أمازلت تعاندين زيدًا ؟ ألم تنس زيدا بعد ؟ أمازلت تتركين زيدًا بلا عائله 
( ربة بيت ) ؟ وهل يتعين أن يقوم خليل بإحضارك إلى البيت مرة أخرى ؟ ماذا عندك 
لتقولينه دفاعا عن نفسك ؟" وهنا يتكلم الشيخ خلف علايدة فيقول : “قل لى رأيك يا 
خليل فى فرسى . إنها تساوى خمسة وثلاثين جملا » كما أن أمها تساوى خمسة 
وعشرين جملا ؛ ولكن فرس زيد لا تساوى خمسة جمال : - ثم , ألم تر جار! ( 3,8[ ريه 
بيتى ) ؟ قل لنا يا خليل من منهما صاحبة الوجه الأجمل أهى حرفة أم جارا ." وهنا 
ظهر وجه حرفة وعليه مسحة من الغضب ء وقالت إنها لا تطيق ولا تقبل هذه المقارنة ؛ 
يا خليل ! لا ترد على ذلك .” كان ذلك هو لهو الأعراب فى حياتهم داخل الخيام » كانت 
أفواههم تطفح بالسخرية والاستهزاء » ويطلبون من الغريب ٠‏ أن يلعب دور القاضى فى 
تلك السخرية وهذا الاستهزاء . كانوا يسالون الغريب : "أليس هذا جومانى ( عدو ) ؟ 
يا خليل » إنه حبلوص ( لص ) ؛ ما الذى ينبغى أن نقعله قيه ؟ هل أقطع رأسه ؟ - 
ويقولون » هذا الرفيق العجوز , لا يفعل شيئا مع زوجته ؛ من باب الشفقة , ألا يمكن 
لك أن تساعده ؟ أليس له من دواء ؟" - ويقول الرجل العجوز , : "لا تستمع إلى كلام 
هؤلاء المخبولين .' وهنا كانوا يقولون : "هذا الزيد لا طائل منه , فلماذا تعيشين معه ؟ 
وهل حرفة طيبة معك ؟ إنها تصب لك اللين ؛ وهى جميلة ؛ إنها مزعونة 762'008 لولم 
يكن هنا غرياء . لدخلت علينا حرفة فى مثل هذه الأوقات ٠‏ وجلست معنا لتمرح هى 
الأخرى معنا : لقد كانت حرفة شيخة , وكان زيد رجلا كديشا ؛ وكان يرى بين اليدو 
فى معظم الأحيان . وفى بعض الأحيان » ومن باب تزجية الوقت . كانوا يسألون عن 
بعض كلمات من لغة النصرانى , ويعد أن كانوا يحفظونها عن ظهر قلب كانوا يتادون 
حرفة بصوت عال ٠»‏ ويلفة إنجليزية واضحة قائلين ومنادين عليها : ! عاأنه وماءط ,اءاة 
يمعنى "أحضرى الحليب ٠‏ يا امرأة' - وحياتك يا حرفة » لقد تعلمنا إنغريز دلإهاوه5 
هذا المساء .* وتتكلم حرفة فتقول : 'وكلمة 'دخان' ما معناها فى لغه خليل ؟" - إنها 


38 


ه666 بمعنى 'التبغ' . - 'إذن . أعطينى شيئًا من هذه الكلمة الطيبة فى غليونى » 
إملأ لى رأس غليونى » يا خليل !' - فى يوم آخر » وصل رجل قبلى وجلس بالقرب من 
حرفة فى القسم الخاص بها من البيت ؛ وعتدما رأى الغريب سألنى : "خيرنى » أليست 
حرفة مزعونة ( جميلة ) ؟ أه ٠‏ ليتها كانت زوجتى 4" وراح هذا الوغد يكشف عما يدور 
فى ذهنه بإشارات فيها كثير من الخسة . وعندما وجدت حرفة نفسها فى موقع الغزل 
والتودد ٠‏ بالرغم من أن ذلك الرجل لم يكن من الشيوخ ) جلست بلا حراك وابتسمت ؛ 
بيئما راح زيد ٠‏ الذى يستطيع أن يلعب دور الإنسان الوقح سليط اللسان فى زواج 
الآخرين , يتمالك نفسه ويبتسم ايتسامة الرجال . 


ريما يكون زيد قد أخذ بعين اعتباره مسألة تخلصه من حرفة فى يوم من الأيام , 
نظرا لأن ما يزعج قلب الرجل هى المرأة المزعجة التى تثير القلق ؛:- بينما كنا نجلس 
ذات مساء , على شكل صحية قليلة العدد » حول وجار قهوة زيد قال الرجل : 'والله » 
يا خليل , أنا وأنت أخوان . وكدليل على ما أقول , فأنا أسالك , ألا تفكر فى الزواج 
وأنت بيننا ؟ انتبه . أنا لدى زوجتان , وأنا أقسم يالله » أنى أعطيك الحرية فى أن 
تختار واحدة منهما ؛ خبرنى من منهما تريد » وسوف أتركها لك وتصبح زوجة لك . ها 
هى مضيفتك حرفة ؛ والأخرى اسمها بشرية 81588, وأنا أعتقد أنك رأيتها هناك ." - 
ريما كان يقكر فى إعطائى حرفة ٠‏ على أن يستعيدها مرة ثانية ( معدلة ) بعد رحيلى 
وبالتالى لا تضيع منه إبلها ؛ إذ يبدى لى أنه تزوج من إبل تلك اليتيمة . ورددت على ذلك 
العرض اللطيف قائلا : 'إذا كانوا يودون زواجى ٠‏ فينيغى ألا يكون ذلك من زوجة من 
زوجات الرجال الآخرين ؛ لأن ذلك يتعارض مع عقيدتنا ؛ ويجب أن يعطونى رَخيَّه 
': 8314076 رخيةء تلك كانت طفله من أطفال أخت زيد . كانت قد تعودت المجىء يوميا 
إلى خيمتنا كى تلعب مع أخوانها من الأطفال . “رد زيد قائلا : أتسمعين ما يقول يا 
حرفة ؟ سوف أعطيك حالا إلى خليل . ولكنه فضل عليك طفلة .” قالت حرفة وهى 
مستاءة إلى حد ما : 'حسن , نفذ ما يقول , وأنا لا تهمنى آراء خليل .* - حدث أن 
التقتنى زوجة زيد البشرية وسيعة العينين . بعد ذلك ؛ فى يوم من الأيام » فى المخيم , 
وعرضت على ٠‏ فيما بين الجد والهزل ٠‏ ودون أن أطلب منها ذلك ؛ أن تأخذنى إلى 


39 


. زوجها . وعلى أن يقوم زوجها بتطليقها : ولكنى يتعين على شراء بعض من الماشية 
الصغيرة ؛ وييت من بيوت الشعر ؛ وبعض من الإبل ؛ وعندها ( فى ظنها هى ) يمكن 
أن تحيا صحبة سعيدة » نظرا لأن النصارى لا يتخلون عن زوجاتهم ٠‏ فى بعض 
الأحيان كان بعض الآباء يعرضون بناتهن الأطفال , ويثنون على جمالهن » ويشهدون 
كل الحاضرين على ذلك ؛ كان الشباب يعرضون على شقيقاتهم : وكان سبب ذلك أن 
زيداً أشاع أن خليلا , الذى جاء للعيش معه » سوف يشارك فى عمليات الغزى ويصبح 
واحدًا من المتأهلين .- وبالرغم من الحسد والغيرة اللذان يدوران فيما بينهم , لم يكن 
من بينهم أى أحد غير راض عن أبوة النصرانى ٠‏ نظرا لأن سلالة النصارى مفضلة 
فى عقيدتهم ؛ كما أن البشرة البيضاء . هى من وجهة نظرهم » إشارة إلى سلالة 
نسنبية متجانسة , أكثر من سلالتهم . ولما كان هؤلاء اليدى عبارة عن بشر على قدر عال 
من الخيال الجامح , فهم يتصورون أنفسهم ملونين ومليئين بالعيوب والأوجاع ؛ وهذا 
هو سر حزنهم . عرفت بعض البدويات اللاتى كن يحتقرن الزواج من بدوى ؛ كما عرفت 
أيضا نساء من الواحات كن يحتقرن الزواج من بين القرويين فى القرية نفسها . وكانت 
تلك البدويات يعتبرن مسألة زواجهن مصادفة من واحد من سكان المضارب المستقرة » 
نوعا من التقدم والرقى . يضاف إلى ذلك ٠‏ أن بنات البدو يسهل تزويجهن من رعاة 
القلاع والعاملين فيها . 

لا يبقى فى خيمة رب الأسرة سوى الأيلات الصغيرة » هى والصيية الصغار الذين 
يكونون دون الحلم » وهم أيضا الذين يسمح ببقائهم بغير زواج . والرجل الأعزب ٠‏ بين 
قبائل الصحراء يعد بائسا فى واقع الأمر . ويلا خيمة ٠‏ نظرا لأن الخدمات المنزلية كلها 
من اختصاص الحريم : وفى وجود عدد كبير من النساء المهجورات ؛ والأرامل ..لا 
يعجز أى رجل من الرجال البائسين عن إيجاد صنيعة 58/6 تشاركه البناء » والتحميل , 
والطحن ؛ وجلب الماء والحطب : ومثل هذا الرجل لا يكلفه الأمر شيئا سوى ذبح شاه 
( أو عنزة إن كانت موارده محدودة لوليمة العشاء . والحريم لا يصدقن » أن رجلا 
يمكن أن يسكن وحده ؛ فى ضوء مزايا الزواج التى تُرجّح صفّه أو تقف إلى جانبه . 
والبدويات اللطيفات يسالن الغريب . على استحياء » عن الزوجية : "أليس لديكم حريم 


240 


يبكين عليكم فى بلادكم ؟ - والحريم عندما تغيب عنهن مساعدة الرجل وعونه فى بيت 
الزوجية » يصبحن أرامل فى واقع الأمر . ومن باب كلام المداعبة مع الضيوف المترحلين , 
وكذلك الغرياء الذين يحلون على خيامهم » "تسوك 4 الا/ا0©[01 بنت " 01أ, بمعنى 
"سنعطيك فتاة عذراء لتكون لك زوجة .* كنت أرد على ذلك قائلا : “ما الذي يتعين عليها 
فعله فى بلادى ؟ هل يمكن لها أن تنسى لغتها وأهلها وشعيها الذى يعيش هذا النوع 
من الحياة فى العجكراة القائلة *" وكانوا يزدون على التن هنا وى السشوع 
والعطش والعرى » ويلادكم بلاد طيبة ؛ وهذا يعنى أن الزوجة سوف تطيعك وتخدمك ٠‏ 
وهذا أفضل لك : والرجل الأعزب يحس كثيرا من الأسف ؛ كما أنها سنوف تتعلم لغتك , 
كما تعلمت أيضا اللغة العربية .' ولكن البعض منهم كانوا يغمغمون بكلام غير مفهوم : 
هذا من قبيل الحقد من النصاري ؛ ولن يتزوج خليل , مخافة أن ينمى الدين الإسلامى 
وينتشر فى بلادهم .” بعض ثالث كان يقول : 'من العدل اعطائى زوجة , لتحقيق ذلك 
الهدف , أى على أمل قيام العابدين المخلصين بين النصارى ؛ أو بالأحرى بين أولئك 
الذين لا يعرفون الله .' وسمعت أيضا يتردد بين هؤلاء البدى : 'تزوج يا رجل » وخلف 
لنا بنتا بيضاء ؛ التى يمكن أن تكون فى يوم من الأيام زوجة لواحد من كبار الشيوخ ." 
ريات البيوت البدويات يتمتعن بحرية كييرة . القله القليلة من النساء الجيدات » 
المتزوجات من رجال لهم وزنهم , والذين أنجين منهم أطفالا يندر وجودهن ويتندر الناس 
. بجمالهن وحسنهن . والحريم ذوات القيمة الأصغر , اللاتى يتنقلن من زيجه إلى أخرى » 
ومن سّرية إلى أخرى , واللاتى يشعرن دوما بالتدنى ؛ يكن دوما محطا لكلام البدى , 
الذى يكون مصحويا بالكلمات المخزية الخالية من الحياء والتلميحات والإشارات إلى 
التشناء الميهورات. .والختال من الحتسين يطاق البد و علنة أسع 'غفوة” يمعتى "الشخصضن 
المتعفن' .و الخدارئ' فى خيام البدى هن العذراوات , اللاتى هن تحت وصاية آبائهن 
واخوانهن ؛ ويحظين بتقدير كبير من الرأى العام . وعندما تقوم بنات من بعض الخيام 
المنعزلة . برعى الماشية . شأنهن شأن ينات يشرو هم5اول المدينيات!*) 6أأه3ألدالا: 


(ه) بنات يثرو المدينيات : بنات شعيب ( عليه السلام ) من أهالى مدين اللاتى تنوج سبيدنا موسى عليه السلام 
واحدة منهن (٠‏ المراجع ) 


41 


نراهن ترعين قطعانهن فى الصحراء ولا تخفن من أى شر أو مكروه ؛ إذ ليس هناك 
شاب من شباب القبائل على استعداد لممارسة أى ضغط أو قمع على مثيل هؤلاء 
العذراوات ( بالرغم من خسة الكثيرين من هؤلاء الشباب ) من منطلق إنهم شبابٍ 
متدين . والجميع هنا ينظرون إلى خرق عقيدة الصحراء والخروج عليها . وكذلك على 
تعاليم الدين الإسلامى ٠‏ على أن كل ذلك حرام فى حرام ؛ من هنا يصبح من يذنب غير 
جدير بالعيش بين هؤلاء البدى » أى إن شئت فقل : فى خيام الأعراب . 

مضت إلى الآن » فترة طويلة على خيامنا السوداء التى نصبوها فوق تلك الأرض 
الرمليه » الواقعة أمام ذلك البروز الأبيض من صحراء النفود : أى إن شئت فقل : 
ساحل إرنان 8588 الموجود أمامنا ١‏ الذى تعد تشققاته الوعرة » التى ينمو فى كل شق 
منها نوع من الأعشاب الصغيرة التى تتغذى من ذلك الجى القاحل : وتعد مأوى للماعز . 
البرية التى لا تشرب الماء مطلقا . هاهى ليلة الصيف قد أوشكت على الانتهاء ٠‏ وهاهى 
الشمس تشرق مثل تاج من اللهب المعادى منبعث من قمم جبال الحجر الرملى الطاردة ؛ 
ونهار الصحراء لا يجىء متدرجا , ولكن النهار يتحول إلى ظهيرة خلال ساعة واحدة . 
وهنا تدخل الشمس مثل طاغية على سطح الأرض الجرداء » وتندفع نحونا مثل لهيب 
من الأشعة النيرانية , لا يمكن أن تتبدل إلا بعد فترة طويلة من حلول المساء .- الطيور 
هنا لا تعرف الصياح . حبارى الصقور هنا ؛ التى لها أصوات مفعمة بالسعادة عندما 
تكون فى تلك الأرض الشاسعة والقاحلة ؛ لا وجود لها هنا فى هذا المكان ؛ هذه 
الحرارة الشديدة لها خطورتها على الرأس ؛ الأذان هنا تطن بفعل ذبذبات ذلك الصوت 
الحاد , وهذا الطنين يبدى كما لو كان نوعا من الزحف أو التسلل الفامض ؛ فى إطار 
هذه الطبيعة التى تضربها الشمس : لمعان الرمل الساخن يرتد إلى العينين » والمرطبات 
جد قليلة فى خيمة المأوى ؛ هذه الخيام الصوفية يتسرب من خلالها المطر الذارى الناتج 
عن ضوء الشمس , وهذه هى الجبال , تبدو كما لو كانت عظاما جافة من خلال الهواء 
الراكد . ونراها على بعد من حولنا : هذا هى الجنب المتوحش من مفارة ؟681تاوه1! 
الأب قططلاء وهذا هو الطرف العلوى المديب ومصاطب الجيال ١ةطعل-!6‏ المدمرة : التى 
يطلقون عليها اسم شيباد 686880: أى إن شئت فقل : ساحل حلوان ! مفهاءنا 


42 


قطعان الإبل البدوية الضعيفة تتلوى منتشرة هنا . بحثا عن المرعى وسط هذا البلد 
الخانق » الذى أتت فيه أسراب الجراد مؤخرا على الأخضر واليابس . هذا الهواء 
الساكن الحارق من حولنا , يتعين عليتا تحمله ونحن نكاد نختتق إلى فترة العصر : 
عندما يفيق الأعراب الغاقون بعد ساعات الكسل والوخم . هاهى النهار الطويل ينسحب 
فى اتجاه غروب الشمس ؛ وها هم الرعاة ٠‏ بعد أن أعيتهم الشمس . يعودون الآن 
ومعهم ماشيتهم , ليتذوقوا فى منازلهم بشائر حلاوة المرح والراحه .- يأقل النهار , 
وهنا يبرز انتعاش الليل من بين ثنايا هذا الهواء الصحراوى النقى : وهنا ينصرف 
الجميع إلى الأغنية الجميلة المبهجة وفنجال القهوة من حول ذلك الوجار العام . ويطلع 
القمر مشويا بالاحمرار من خلف الجبل كما لى كان مصباحا قويا من مصابيح الإشارة :- 
ويوم باكر سيكون مثل يوم الأمس , كلها أيام غارقة قى شمس صيف هذه الأرض 
القاحلة الجرداء . 

كان ذلك الجزء الشرقى الوعر من البلاد » الذى وصلنا إليه فى رَحلة من الرّحّلات , 
غير معروف للبدو الذين كنت أرافقهم ؛ لابد أن جيلا أكبر من الجيل الحالى هو الذى 
وصل فى تجواله إلى ذلك المكان : ومع ذلك ريما لم يعثر ذلك الجيل على الماء المطلوب . 
تجولنا خلال هذا الجزء الشرقى فى السهول المرتفعة , ( كان الارتفاع فى هذه المنطقة 
'يصل إلى ما يقرب من 00٠‏ قدم ؛ ) وفى الممرات الممتدة بين قمم صخور الحجر 
الرملى ٠‏ المزدحمة يعدد لا يحصى من الصخور المتساقطة ٠‏ التى نصبنا فيها خيامنا 
أثناء النهار كى نستفيد بالظلال الناتجة عنها . ومن بين هذه المناطق الصخرية , كانت 
هناك منطقة » ريما لم تتساقط صخورها خلال جيل واحد ؛ ولكن هذه الصخور تشير 
إلى سنوات طويلة من الشمس شأنها فى ذلك شأن الرمل , الذى يشكل جانيا صغيرا 
فى أى كوكب من الكواكب . 

فصل الربيع القصير هو المتنفس الوحيد فى العام الصحراوى . فالحيوانات 
والبشر يسبحون خلال ذلك المد الزاهر ؛ كما تحصل الماشية على ما يشبعها من المرعى 
الحلى , كما يتوافر لبن الخض 185-111 ةنا فى بيوت الأعراب المصنوعة من الشعر ؛ 


43 


ولكن خيمة زيد كانت خلوا من ذلك النوع من اللبن . هذه هى التيوس والحملان تقف 
كلها مربوطة أى إن شئت فقل : مقيدة » كل رأس صغير مربوط إلى عقدة فى حبل 
أرضى مفرود على أرض الخيمة البدوية . وعند طلوع النهار يجرى إطلاق هؤلاء 
الصغار تحت النعاج ؛ لتستقبل كل ذات حمل حملها ( وهى تميز ولدها عن طريق 
الرائحة ) - وهى ترفض أى حمل غير ولدها . وعندما يطلق القطيع إلى المرعى تبقى 
تلك الحملان هى والتيوس الصغيرة فى البيت ؛ والسبب فى ذلك أن ترك الحملان 
والتيوس تتبع الأمهات يجعل هذه الحملان والتيوس تأتى على كل الحليب الذى فى 
ضروع الأمهات الأمر الذى يترتب عليه جفاف تلك الضروع وحرمان العرب من غذائهم . 
بيت الشّعر يظل طول النهار مليئا بتلك الصغار التى تثفو بسبب الجوع » إلى أن تعود 
الغنم إلى المنزل فى المساء . حيث يجرى إطلاق الصغار على الأمهات من جديد , 
ليشربوا اللبن من الأمهات » حيث يتدافعون تحت ضروع الأمهات » وهم يهزون أذيالهم ؛ 
وطوال فصل الرييع الذى لا يستمر إلا بضعة أسابيع فقط » نجد أن تلك الصغار لا 
ينقطع لها ثغاء أو صياحاً » ويكون ذلك طوال الليل داخل بيوت الشعر البدوية : وهنا 
يقمن ريات البيوت بأخذ ما يتبقى من الحليب الحلى هذا فى ضروع الأمهات » بعد أن 
ينتهى الصغار من الشرب . وقبائل بنى 8681 وهاب 1/3086 التى تسكن هذه الأراضى 
المرتفعة الواسعة هم أصلا من بدو الإبل ؛ ولذلك يندر وجود الحيوانات أ الماشية 
الصغيرة بين هؤلاء القوم : وهم يحصلون على نوع جديد من الحليب قى فصل الرييع 
بعد أن تلد النياق . والناقة التى يجيئها المخاض ٠‏ ترقد على جانيها ويجرى توليدها 
دون أن تحدث صوتا , والوليد الصغير يكون فى حجم الرجل الكبير : ويقوم الراعي 
بتمديد أرجل ذلك الوليد . مستخدما فى ذلك كل قوته ؛ ثم يسحب الوليد بعد ذلك كما 
لو كان ميتا ؛ أمام الناقة الأم » التى تتشمم وليدها وتنهض ثم تهب واقفة على قدميها 
كى تبدأ فى لحس ذلك الوليد . وهنا يقوم البدوى المولّد بالربت براحة يده ربتة قوية على 
ما يسميه البدو الرُورة 20:8: ( التى تشبه العمود ؛ والتى خلقها الله أسفل صدر 
الجمل . كى تحمل ذلك العنق الضخم , ) ليفيق بعدها الوليد الصغير : وبعد مرور ثلاث 
ساعات , وبالرغم من ضعف ذلك الوليد وترنحه . وبعد أن يسقط عدة مرات على 


44 


الأرض ٠‏ يتمكن فى النهاية من الوقوف رافعا عنقه الطويل إلى أعلى ويروح يبحث عن 
ضرع الأم . وفى صباح اليوم التالى يرافق ذلك الوليد الصغير أمه الناقة إلى المرعى . 
وهنا يمكن حلب الناقة على الفور . ولكن ذلك الحليب الذى يجرى الحصول عليه منها 
فى اليومين الأولين ٠‏ يطلق عليه البدى اسم حليب المسمار , أى الحليب المعقم والمُطَهُر 
ويسبب الإسهال لمن يشريه . وأول صوت يصدره البعير الصغير يشبه ثغاء القنم » وفى 
عبارة عن شكوى بصوت عال لها نغمة طيبة يقول فيها : باه 838 باه . 888 وفروة 
لبعد الضكين تكؤن تاعمة مكل الشرير +وراستة يكون مستديرا أوعالنا ؛وجسمهة 
قصير . إذ يواد على شكل قوس , كما أن خطاه طويلة بحكم أرجله الطويلة . كل ذلك 
يجعل ذلك البعير الصغير . عندما يغلق عينيه بعض الشىء ٠‏ يبدو للرائى كما لو كانت 
هاتان العينان هما عينا طائر من الطيور كبيرة الحجم . والأباعر الصغيرة تعيش على 
لبن الناقهة الأم طوال اثنى عشر شهرا ؛ ومع ذلك ٠‏ فإن تلك الأباعر عندما يصبح عمر 
الواحد منها يضعة أسابيع . يصبح قادرا على أن يلتقط هو بنفسه أعراف الأدغال 
الصحراوية : ونظرا لقصر أعناق الأباعر خلال تلك الفترة » فهى تضع أعناقها بين 
أقدامنيا الأنامية سن تيكن من الكقاط غذافيا من الأرضن : وذاف مسناءة:عنديا 
عمسسة شه الأنا من الوليدة الثامم سسعة صيونا يتادئ : “يا كليل (وجاشى 
المنادى وعلى وجهه مسحة من الغضب ) ٠‏ إياك وأن تفعل ذلك مرة ثانية , - لأن ذلك 
سوف يحد من جلودها ويجعلها تتوقف عن النمى ؛ ألا تعرف ذلك !* ظن المنادى أن 
الغريب حقود أو سيئ القصد ؛ ولكن زيدا الذى كان بعيدا كل البعد عن الخرافات 
لاطفنى بابتسامة حلوة » كما أن تلك الأباعر كانت ملكا له . 

البعير الصغير يساوى عند مولده ريالا واحدًا ٠‏ وكل شهر يمر عليه يزيد من ثمنه 
وقيمته . فى بعض الأسر "الضعيفة" يجرى ذبح ذلك البعير الوليد » حيث يتحتم عليهم 
هم أنفسهم شرب حليب نياقهم . والناقة التى تثكل ولدها بهذه الطريقه » تروح تحجول » 
وتجأر جأرا لطيفا » وهى تتشمم بحثا عن وليدها ؛ وطوال حزن هذه الناقة , وكما يقول 
العرب , تكون عينا تلك الأم الثكلى , 'مليئتان بالدموع . ويعد مرور عشرة أيام , 
ينقضى حزن تلك الناقة ويذهب إلى عالم النسيان ؛ وتبدأ الناقة من جديد تتغذى من 


45 


المرعى ٠‏ وتعطى حليبها للأعراب . يستطيع البدو فى تلك الفترة الحصول على ما 
مقداره حوالى ثلاث بنتات (*) فى الصباح وأكثر من ذلك فى المساء حيث يستعملونه فى 
العشاء . وضروع هذه الحيوانات الضخمة ليست أكبر من ضروع الماعز التى شاهدتها 
فى مالطة . ولكن الناقة التى يتركون لها وليدها ( بعيرها ) لا يحلبونها إلا فى المساء 
فقط . وضرع الناقة به أريع حلمات ؛ يقسمها بدو الجنوب الرحل على التحو التالى : 
حلمتين يربطانهما برباط من القماش الصوفى وقطعة من الخشب , ويحجزانها 
لإستعمالهم الشخصى ؛ ويتركون الحلمتين الأخريين لرضاعة الصغير ؛ أما أعراب 
الشمال , فهم يؤمنون ضروع النياق باستعمال كيس من الصوف . وأثناء الرّخْلات ؛ أو 
عندما تحس الناقه بالعطش , يقل مقدار حلييها إلى التصف . ولين النياق ليس واحدًا . 
وعندما يجىء موعد حليب الرييع » فإن البدو الرحل لا يتغذون على أى شىء سواه . 
والبدو لا يشربون حليبا كامل الدسم غير حليب نياقهم ؛ ومن ألبان حيوانات البدو 
الصغيرة لا يشربون سوى لبن الخض فقط ء أى إن شئت فقل : اللبن الحامض . 
والحريم يصنعن الزيد من اللبن عن طريق وضعه فى قرية الخض التى تهدهدها البدوية 
على ركبتيها . وفى صحراء الشمال التى تنعم بالوفرة والرخاء يستعمل البدو قرية 
خض ( التى يقولون لها السميلى 51199 ) أكبر من تلك التى يستعملها بدى الجنوب ؛ 
والبدى فى الشمال يعلقون خضاضة اللين على حامل ثلاثى الأرجل داخل الخيمة . أما 
فيما يتعلق باستعمال الحليب غذاء » فقد اكتشفت من واقع الدليل المتمثل فى حياة البدو , 
أنه هو الأفضل من بين الأغذية التى يتناولها الإنسان . ولكن فى كل منزل من منازل 
البدى » هناك بعض المعد التى لا تتحمل ذلك الحليب ؛ والرجال الأقوياء الذين يستعملون 
ذلك الحليب يحسون دائما بمرض الجوع فى أجسامهم ؛ بالرغم من أنهم لا يحسون 
مطلقا بأى نوع من الضرر أو المتاعب . والبدى يتكلمون عن أنواع الحليب المختلفة 
فيقولون : 'لين الماعز حلى المذاق » وهى يؤدى إلى السمنة أكشر من تقوية الجسم ؛ ولبن 
النعاج شديد يكامل دسمه :” وعلى حد قولهم : 'حليب النعاج يقتل البشر ' بمعنى أنه 


(*) البنت 5104 : مكيال للسوائل يعادل حوالى 5148 , ٠‏ من التر ( المترجم ) 


46 


يسبب لهم مغصا شديدا . وبالرغم من أقوال البدى المأثورة تلك . فقد شربت حليب 
النعاج مرارا وهو دافئ . وكنت أشعر بارتياح شديد كما كان يخلصنى من الإرهاق . 
وحليب النعاج غنى بأفضل أنواع السمن : ولين الخض الجديد "يجب تركه كى يحمض 
فى السميلى أو إن شئْت فقل : خضاضة اللبن . بعد إضافته إلى الألبان الأخرى » حتى 
تتمازج مع بعضها ؛ ويعدها يصبح صالحا للشرب . وفى زأى البدى أن لبن النياق هو 
أفضل الألبان . وأن أفضل الألبان هو لبن الناقة البُخْرة 8:8ناط؛ أى الناقة صغيرة 
السن التى لم تلد سوى مرة واحدة ؛ ويضيف البعض من البدو على ذلك قائلين فى 
سذاجة بدوية تامة "من يشرب وعنده جارا لن يمكث ولى ساعة واحدة ." معنى ذلك أن 
لين الماعز ولين النياق هو خلاصة النباتات التى ترعاها الماشية ؛ وفى يعض المناطق 
وجدت أن لذلك الحليب طعم بعض الأعشاب . نادانى شيخ من شيوخ العلايدة أثناء 
الرُحلة وسألنى : "أليس لديك شيئًا من الكعك الدمشقى ( البسكويت ) كى تعطينى إياه 
لآكله ؟ والله ؛ لقد مضى على ستة أسابيع الآن على آخر شىء مضغته يأسنانى ؛ قكل 
طعامنا هنا عبارة عن ذلك الفيضان من الحليب . أظنك وقفت الآن على الحياة التى 
يحياها البدى ؛ إنهم يشبهون طرائد الصيد ميعثرين فى كل أنحاء هذه الصحراء 
القاحلة الجرداء .” شيخ آخر طلب منى إعطاءه حفنة من التمر ؛ "لأن هذا الحليب وحده 
يجعله يحس بالجوع فى داخله .' والبدى يحتفظون بذكرى طيبة لكل من يتقأسم معهم 
الطعام ؛ أو إن شئت فقل : يشاركهم الطعام ؛ وإذا ما توفر الطعام لديهم تراهم 
يدعونك إليه عن طيب خاطر . 

هؤلاء الأعراب الذين يقتاتون بحمية من الحليب يسعدون عندما ينالوا أية قضمة 
من لحم طريدة صغيرة . هذا بالإضافة إلى لحوم الأرانب البرية الصحراوية , التى 
تصاب » فى أغلب الأحيان , بالذعر أثناء الرحلات التى يقوم بها البدى . ومع ذلك يجىء 
الضبُ قبل الأرنب البرى الصحراوى ؛ والناس هنا يطلقون على الضب اسما لطيفًا هو , 
'السيد حامد أو إن شئت فقل : شيخ الحيوانات البرية ٠‏ ويقولون أيضنًا أن ذلك الضب 
آدمى أى زلآمى 213809 *) على حد تعبيرهم ,- هذا الضب هو عند البدى بمثابة الجنى 


(*) زلامى : نسبة إلى زلة التى معناها رجل عند بدو الشمال ( المترجم ) 


47 


أو الشيطان الصغير الذى يبتسم ويلعب - وكدليل على آدمية هذا الضب » فهم 
يمسكون يديه 'الصغيرة التى يوجد فى كل واحدة منها خمسه أصابع . والبدو لا يأكلون 
راحات أيدى الضب , كما لا يأكلون أيضا الفقرات السبع الشوكية الأخيرة من ذيل 
الشيخ حامد الطويل , والتى يقولون عنها إنها من لحم البشر' . والمرعى المفضل عند 
الضب هو شجيرة العرفج التى تفوح منها رائحة طيبة . وجسم الضب عريض ومبطط » 
ينتهى بذيل طويل مكون من ثلاث وعشرين حلقة . ولون الضب يميل إلى الاسوداد ٠‏ 
والبطن الشاحب كثيب ويميل لونه إلى الإصفرار وتتخلله بقع خضراء : والبدى يصنعون 
من جلد الضب قوارير صغيرة للحليب يستعملها الرعاة . هذا الحيوان الشبيه بالآدميين , 
على حد تعبير البدى . يستعمل يديه القوية فى حفر جحر له فى التربة الزلطية الصلية . 
يقضدى فيه فصل القتخاء بكاملة وهو غارق فى الإسلام وضاكذ الكنب + عتدما يعقن 
على جحره , ويعد أن يدخل فيه بوصته الطويلة التى تنتهى بخطاف معدنى » يسحب به 
الشيخ حامد إلى خارج الجحر . ويقوم بذبحه » ويلقون بجسمه كله على النار ؛ ويعد أن 
يشووه بهذه الطريقة يعتبرونه من المحمرات الشهية . والعدى الرئيسى للضب من بين 
الحيوانات كلها - على حد قول البدو , "والذى يذل ذلك الضب ويلتهمه . وهو الظّريان 
"8قط:نا0ة, وأنا لا أعرف إن كان ذلك الظربان حيوانا حيا أم حيوانا خرافيا . 
والجربوع ؛ أو إن شئت فقل : فأر الربيع » عبارة عن مخلوق صغير أبيض اللون فى 
تلك الصحراء الواسعة الجرداء الخالية من الماء ؛ وهذا المخلوق يستثير الشفقة والعطف 
تحمالة :هه الفلوكات السهرازية الستودر ة تكتوي تحف الأرمن اثتاء الثهان ون 
لا تشرب الماء مطلقا . والقنفذ , أى أبى 0ا6ة شوك 016ا513, كما يسميه البدى , يأكل 
لحمه أفراد قبيلة الفجير ٠‏ أما جيران الفجير فلا يأكلون لحم القنفذ ويحتقرون من يقبل 
على أكله ؛ بالرغم من أن هؤلاء الجيران يدخلون مع الفجيرى فى سلالة واحدة » عن 
طريق العنوز . أحضر سليم معه قنفذا كان قد ضريه على رأسه » وشوى شوكه فى 
النار ثم قطعه إلى قطع أعطى كل واحد منها قطعة . وقد أخذت نصيبى ورحت أخفيه 
تدريجيا بإعطائه لكلاب الصيد الجوعانه ؛ ولكن الكلب عندما شم رائحة اللحم عافته 
نفسه ورفض أن يأكله . وعندما رويت هذه الحكاية فى يوم من الأيام للقبائل المجاورة » 
ضحكوا غيظا , لأن الفكارة يأكلون ذلك الذى ترفض الكلاب أكله . والبدى الرحل كلهم 


4 


يأكلون لحم الدلدل نمع كما يأكلون أيضا لحم حيوان يطلقون عليه اسم 
“الوبّار” . :3طة/8! ولقد شاهدت ذلك الحيوان سميك الجسم , وهو يشبه أرنبا بريا ثقيلا , 
كما أنه شبيه أيضا بفأر جبال الألب الكبير ؛ وهذا الحيوان يتتقل أزواجا ٠‏ أى رباعا » 
أى سداسا ؛ أو على شكل ثمانية أفراد ؛ أو عشرة أفراد . والويار يمكن العثور عليه 
تحت حواف الجبال المكونة من الحجر الرملى » حيث توجد الأعشاب الطرية التى يتفذى 
عليها . كما يتغذى أيضا على أوراق أشجار السنط », وهو يتسلق هذا النوع من 
الأشجار بخفة ومهارة » وهى يستخدم قدميه فى تسلق تلك الأشجار ولا يستخدم 
مخلبيه ؛ وأطراف هذا الحيوان الأربعة فى كل منها أربعة أصابع . وفى القدمين 
الخلفيتين ثلاثة أصابع فى كل قدم منهما : ولحم هذا الحيوان سمين وحلى المذاق : ولم 
أر تلك الحيوانات وهى جالسة على أقدامها الخلقية ؛ وجلد هذا الحيوان لونه رمادى . 
٠‏ ويشبه جلد الدب . 

يندر أن يقتل حملة الينادق من البدو الرّحل ذئبا , ولكن إذا ما جاء الذئب من 
نصيبهم بأى شكل من الأشكال فإنهم يأكلونه » ( كان الناس فى أورويا يأكلون لحم 
الذئب فى العصور الوسيطة ) . والأعراب يعتقدون أن لحم الذئب فيه فائدة طيبة أو 
دوائية . فهم يقولون إن : 'لحم الذئب مفيد جدا فى آلام الساقين , التى تشيع بين 
أولئك الذين يعرون أرجلهم ويمشون حفاة فى كل فصول السنه . وقد أكل زيد لحم 
الذئب ؛ ولكنه يعترف بأنه من فصيلة الكلاب ؛ نعم ؛ بالله ( أجابنى زيد ) » إن أم 
الذئب . هى عمة كلبة الصيد .' والثعلب , الذى يطلقون عليه اسم الحصينى لامءووه7ط2, 
يلقون لحمه لكلاب الصيد فى أغلب الأحيان » ولكن بدى الفجيرى يأكلون لحم الثعالبٍ ؛ 
ولحم الثعلب 'حلى . ويجىء بعد لحم الأرنب البرى من حيث الترتيب . والبدى يأكلون 
أيضا لحم الضبع » إذا ما أمسكوا به ويقولون : "إن لحم الضبع لحم طيب ٠‏ والبدنة 
من بين حيوانات الصيد فى الصحراء . ولكن يندر أن يصطادها أولئك الرعاة » هم 
وسكان الخيام . باستعمال طلقات بنادقهم . وهذه البدنة 6428 الجبلية هى ( الماعز 
البرية!*) كما ورد فى الكتاب المقدس ( الإنجيل ) ٠‏ وجمع 'بدنة' هى 'بدون' 5088؛ 


(») البدنة : تطلق عادة على الثاقة أو البقرة وسميت بذلك الاسم لأن أصحابها كانوا يسمنونها قبل ذبحها . ( المراجع ) 


49 


والقحطان يطلقون عليها اسم وعول: انا كما هو الحال فى سوريا ) . وقرون البدون 
الضخمة تنمو ويصل سمكها إلى سمك ساق النخلة ٠‏ وقد رأيت تلك القرون التى يصل 
طول الواحد منها إلى قدمين ونصف القدم ؛ وهذه القرون تنمى متجهه نحو الخلف فى 
اتجاه الكفل . هذا الحيوان ‏ كما يروى عنه كل الصيادين . يطرح نفسه , إذا ما اضطر 
إلى ذلك ٠‏ فوق هذين القرنين . مغيّرًا اتجاهه نحو الخلف : وهى فى هذا الصدد يكون 
قريب الشبه بالظبى الحجرى الذى يعيش فى جبال الألب الأوربية . 


الغزال ‏ الذى يقول له البدو 'غرازل !95326 للمفرد و 'غرازلان' 9882180 للجمع , 
يعيش فى السهول ؛ وأهل الجزيرة العربية يسمونه فى معظم الأحيان باسم 'الظبى 
لإناطهط؛ ( واسمه العلمى 00.7.53614083 ) . والغزال هنا لونه أبيض فى السهول الرملية 
الكبيرة ؛ فى حين يميل لونه إلى اللون الرمادى الفاتح قليلا فى أراضى الحرة السوداء 
؛ وهذا الغزال الموجود فى الحرة هو اليحمور/*) الذى ورد ذكره فى الكتاب المقدس 
هناك أيضا حيوان نيبيل آخر من حيوانات صحراء الجزيرة العربيه » الذى لم يكن 
معروفا أنئذ بيننا » هى الوضيحى االاط1ه/. أى إن شئت فقل : "البقرة البرية” التى 
سبقت الإشارة إليه . وقد رأيت فى فترة لاحقة ذكرا وأنثى من إناث الوضيحى يعيشان 
فى بلدة حائل : والوضيحى نوع من أنواع الوعول , واسمه العلمى *86811. وهو شييه 
بالحيوانات الإفريقية الجميلة المثيلة . ويبدو أن الوضيحى ليس هو "الثور البرى الذى 
ورد ذكره على لسان ( سيدنا ) موسى : ولكن أليس ذلك الوضيحى هو الذى يطلق عليه 
( باللغه العبرية ) اسم 'الريم' :66:, أى "وحيد القرن" 3160605انا الذى ورد ذكره عند 
مترجمى النص الإغريقى!**) من العهد القديم ؟ - وقرون 'الوضيحئ . أو إن شئت 
فقل: الريم أى وحيد القرن' تشبه العصى مستدقة الأطراف , مثل ذلك 
الذى شاهدناه فى الصور عندما كنا أطفالا متمثلا فيما يسمى “قرون وحداء القرن .” 


(*) اليحمور : حيوان لبون من قصيلة الأبليات ٠‏ وقد يقال له أيضا : أنثى الظبى الأحمر ٠‏ ( المترجم ) 
(*») النص الإغريقى من العهد القديم بما فى ذلك كتب العهد القديم التى لم تكتب أصلاً باللغة العبرية والتى 
لا يعول عليها اليهود . ( المترجم ) 


50ح 


ونحن نقرأ فى أمثال ٠‏ أو أقوال بلعاء!*) 8531388 إن "إل !6 أحضرهما من مصر ؛ وله 
قوة كما لو كان ريما ": 660: وعندما بارك ( سيدنا ) موسى القبائل » قال “قرون 
يوسف هما اثنان من قرون الريم' . وعند أيوب بصفة خاصة , نرى الظروف القاسية 
لحيوان الفيلوكس “هالا البرى . 'هل سترغب الريم فى خدمتك - ألا تستطيع ريط أو 
تعليق الريم فى محراثك ؟" الوضيحى الجريح خطر عليك إذا ما اقتريت منه ؛ هذه 
الوعله ‏ تستطيع بمجرد انحراف بسيط لقرونها الحادة » أن تخترق جسم الإنسان ؛ 
من هنا فإن الصيادين ينتظرون حتى اللحظة الأخيرة ثم يسارعون إلى الدخول لذبح 
الطريدة . كان الظلام الدامس قد خيم على المعرفة الطبيعية عندما عرًا الناس قرنا 
واحدا لجبهه مزدوجه ! - ونحن نخطئ أكثر . عندما نتزيد ؛ ونضع أجنحة للصور 
الوثنية للأرباب والملائكه ؛ ويذلك يتعين أن يكون لهم زوجين من الأطراف الأماميه ! 
والوضيحى لا يقع إلا فى أيدى الصيادين المهرة : وحيوانات الوضيحى تسير فى 
الصحراء القاحلة الخالية من الماء على شكل قطعان مكونة من ثلاثة أفراد أو خمسة 
أفراد . 

فيما يتعلق بالهوام ٠‏ توجد أنواع كثيرة من الثعابين والحيّات ؛ وهذه القبائل لا 
تأكل أى من هذه الهوام . والبدى عندهم ما يسمونه الجلامى '[3اءل وهى عبارة عن 
سحلية صغيرة بنية اللون , وهى من السحالى الصحراوية » وهى تجفل من كل شىء . 
والعقاربي تكمن تحت الأحجار والصخور البارده ؛ وقد عثرت على تلك العقارب فى 
خيمتى قوق ملابسى ٠‏ ولكن لم يصبنى أى أذى منها . ولقد شاهدت كثيرا من الكبار 
والصغار الذين لدغتهم العقارب ؛ ولكن لدغة العقرب ليست خطيرة ؛ وهم يستدعون فى 
مثل هذه الحال ؛ واحدا من الحكماء 'ليقرأ"” على لدغة العقرب . والعضى المصاب يسرى 
فيه الخدر ويستمر يؤلم صاحبه إلى اليوم الثالث » حيث يبدأ الورم فى الانحسار . 
كثيرة هى تلك المدن المدفونة تحت هذه الرمال الصحراوية ؛ هذه المدن خاصة بالتمل 


(») بلعام : واحد من حكماء اليهود الذين استهروا بالحكمة والأمثال فى القرن العاشر قبل الميلاد . ( المراجع ) 


51 


الذى يقوم بجمع الحبوب ؛ ولقد قمت بقياس شارع واحد من شوارع تلك المدن » ووصل 
ظوله إلن حوال: كفس وكمانين تخطوة + ورخلة الصنيف لهذ الأحساء المغدرة القارقة 
فى العمل تتمثل فى قطع هذه المسافة مره واحدة , ثم العودة إلى المدينة مرة أخرى 
وهى محملة مثل الإبل . 


وإلى جانب الحيوانات البرية ؛ توجد الضباع ؛ التى يطلق البدو الرّحل عليها اسم 
الذيه اانا بأعداد كبيرة ؛ ومن يعد الضياع يجىء النمر 81183156 وهو ما نسميه 
نحن الفهد 14083:4؛ وجسمه مرقط بيقع سوداء ويقع بنية اللون : والفهد ليس شائعا 
فى هذه البلاد » وهى عبارة عن قط برى لا يزيد حجمه عن حجم التعلب ؛ والفهد يجمع 
نين الأوكين الأهمر والنتى + وجلذة مرقين : وداكزة هولاه البدق كول إن فود صتغيرا 
أمكن تزبيته بين البشر 81586 ( أى أهل قبيلة بشر ) ( من منطلق أن أفراد قبيلة بشر 
مشهورين بسرعة المشى ) وأن صاحب ذلك القهد كان يستعمله قى صيد الغزلان . 
والبلاد العربية كلها : فى كل واحدة منها خرافة من نوع معين عن الآباء » ( وهذا أمر 
شاع أيضنا وتقاما مرة:التحل المتيكية الموجودة فى شوويا + ) وقاق هذه الشائفة هن 
أنه عَندَمنا يمرشن عد الأطفال ».يلاد الذهن : أن عندها يكون اخواته فد جاتو كيلة, 
فإن أهل مثل هذا الطقل يطلقون عليه اسم حيوان برى متوحش ( ويخاصة الذئب , 
والقيد :الخ ) <ظنا متهم أن مسناشتكيم البشدريه يكن :أن تكسي طابع جلك 
الحيوانات . الصقور على اختلاف أنواعها يمكن رؤيتها فى كثير من الأحيان وهى 
تحوم فى سماء الصحراء ؛ وكذلك العقاب ؛ الذى هو عبارة عن نسر أسود صغير » 
وكذلك الرّخام 7 وهو نسر أبيض صغفير » يأكل الجيف » من يرى هذين 
اتوي دن النسو ووو يطيوا فقي الجواء يحسيهما ترعية من اتواع طائر التورسن 
التهرئ د لغ إن السو العالبيرة فى الجزدر» الغربية #ولم أن أرقها .ا تع الغ من 
النسور الكبيرة فى صحراء هذه البلاد ( فيما عدا شبه جزيرة سيناء ) . كانت تلك هى 
معظم الكائنات الحية , وهناك أيضا قلة قليلة أخرى من هذه الحيوانات فى صحراء 
الجزيرة العربيةس الجرداء القاحلة . 


م 
1 


السلام فى الصحراء 


وصول مطلق - بشر العنزهى - الرولة والجلأس . شيخ تيماء . سقوط الحداج . 
الغزى إلى "العين' . أعظم غرازى البشر. الهجوم المضاد العظيم الذى قام به أولاد 
على. اجتماعهم فى الخلا . القادة الشباب يميلون إلى بعضهم البعض . اتكسار ولاد 
على المؤلم . ورع الصحراء الذهبى . النفس بالنفس . ركائز "الجراد'" . أكل الجراد . 
قد يرون جميعا كتاب الصور . كلاب البدى الرّحل . الكلب السلوقى . إطلاق اسم 
"الكلاب” على اللصوص من البشر . صخب الأطقال المسائى . البدو العرب الرحل 
لا يستعملون الألعاب الرجالية . مناسبة الختان . الإغماء فى برية قفر جافة تتسلط 
عليها أشعة الشمس . قطّاع الطريق . سرقوا جمالنا . كيف يمكن تعرّف قطاع الطرق ؟ 
مصير إحدى القبائل البدوية . المطاردة . التعويض عن الماشية المسروقة من المساهمات 
والمشاركات العامة . قانون الصحراء ؛ فيما يتعلق بالماشية التى يغتصبها عدى . الفزى 
هو دمار الأعراب . الموتان ( وياء المواشى ) . مصير زيد . عودة الملاحقة . افتقار 
القبليين إلى الروح العامة . عودة مطلق من حائل . عطايا بن الرشيد . ضرائبه 
(زكاواته) . عودة الفكَارة مرة ثانية إلى ديرتهم . الإردة . الإبل الهارية تعود من مسافة 
ميل إلى وطنها مرة ثانية . غارة من الموماهيب تشتت بعض إبلنا وتنقذها من 
اللصوص (الذين كانوا من بنى بشر) . رد بنى صخر . النزاع مع زيد . أم بدوية . 
مصالحة زيد . طريقة مهاجمة البدى للحج . 'ساعة" البدى . زيد لا يوافق على تعلم ولده 
أحرف الفرياء . كثير من أسماء الكتب العربية والكلمات الدالة على البلاد والمدن غير 

معروفة للبدى الْرحل . شراء جمل آخر . عمر الجمل . 


53 


ذات صباح » عندما كان هناك جمع كبير يشرب القهوة فى خيمة زيد . صاح أحد 
الحاضرين وهو يرفع فنجاله قائلا : 'باهير ؛ !* بمعنى "انظروا هناك - من هو ذلك 
القادم علينا راكبا ؟" وهنا راح الجميع يشيرون يأيديهم ٠‏ ويركزون أنظارهم وعيونهم 
على ذلك القادم . وسرعان ما جاء الرد : "األيسوا تجارا من تيماء ء أولئك الذين 
يجيئون إلى هنا لبيع القماش ؛ أم إنهم بعض من أولئك الذين يأتون إلى هنا لشراء 
الإبل » أم إنه الشيخ الذى يركب دابته قاصدا حائل ؟" لم يكن لدى هؤلاء البدو دليل 
يؤكد لهم أننى أستطيع تمييز الأشياء عن بعد . صحيح أن العرب , عندما يجلسون 
اليوم بطوله هى تلك الخيام المفتوحة إنما يسترعى انتباههم المشتت تحريك أى شىء 
فى سطح الصحراء المعروف لهم والمألوف لديهم أى حدوث أى أمر يكون غريبا عليهم . 
ولكن المعروف أن العرب 'يعانون من أمراض العيون أكثر من أى شعب أو أمة أخرى . 
وإن هى إلا لحظات , حتى تمكنت عيون الأعراب بعدها من اكتشاف أن القادمين كانوا 
بدو ٠‏ وذلك من واقع طريقتهم فى ركوب الدواب ؛ ولكن قبل أن يشرف القادمون على 
النزول من فوق دوابهم » تعرف الحاضرون عليهم ؛ وأنهم كانوا عبارة عن فردين اثتين 
هما : الشيخ مطلق . شيخهم ومعه ولده » وكان معهما قبلى واحدا آخر . من الواضح 
أن الشيخ مطلق كان قد بدأ تحركه من المخيم الآخر فى ساعة مبكرة من الصباح ؛ 
وكانت صحبتنا المكونة مما يقرب من خمسين شخصا قد هبت واقفة للترحيب بشيخ 
الشيوخ ؛ ويعدها انضم إلينا الشيخ مطلق بكل ود وترحاب وتواضع جم ؛ وتقدم كل 
واحد من الحاضرين إلى المكان الذى جلس فيه شيخ الشيوخ ليحيية تحية القريب 
لقريبه القادم بعد غياب طويل قائلا : "جواك عاق ص0 با 3 مطلق 1101109 .” بمعنى 
"قواك الله يا مطلق 'بوهنا جاء الرد : "الله 8هاانا جويك 9001" “بمعنى الله يقويك 
أنت أيضا :: ويعد أن يصل كل منهما إلى عنق الآخر , يتباوسان من هذا الخد ومن 
ذاك . ويجرى بعد ذلك إفساح مكان لهما فى أعلى مواضع المجلس , ليجلسا وهماأ 
يبتسمان ابتسامة سهلة ويسيرة ؛ وهنا يتضح أن شيخ الفكارة , نبيل الأصل والمولد ؛ 
الذى تظهر على محياه بعض السمات الأنثوية يتفوق » على حد تعبيرهم ؛ من حيث 
سلوكيات المجلس المقنعة ظاهريا وتدخل إلى قلوب الناس : ومع ذلك فإن قلوب هؤلاء 
الناس الآسيويين. هى فى داخلها مليئة بالقساد , والظلم . وهنا يبدأ تحميص البن من 


54 


جديد ٠‏ وطحنه وغليه لتصليح القهوة من جديد للحاضرين » وهنا يقوم ريد » بصفته 
المضيف , بإحضار سلطانية مليئة بالتمر كى يتناولوا الفطور ( الإفطار ) » ( وهى هنا 
يقدم أفضل تمور تيماء ؛ ) » كما يحضر سلطانية أخرى فيها لبن خض ( حامض ) » 
ولكن على شكل مقدار صغير ؛- ولعل سوء كرم حرفة هى وزيد . كان هى السبب 
الرئيسى وراء عدم نزول أى أحد ضيفا على بيت زيد على مدار العام . ومن بين 
العادات الطيبة فى تلك الصحراء الجرداء . تقديم شىء على وجه السرعة . ( مهما كان 
الوقت مبكرا أى متأخرا ) للضيف الذى يصل إلى نهاية رحلته » وينزل من فوق دابته . 
وافق الشيوخ على الانضمام إلى مخيماتنا إعتبارا من الرّحلة التالية » كما وافقوا 
أيضا على أننا يتعين علينا الدخول إلى مسافة أبعد فى أراضى قبيلة بشر 819587 . 
معروق أن البشر يكونون قسما رئيسا من الأمة العنزية » إضافة إلى أن بعض 
أفرعهم الكبيرة ٠‏ مثل ولا 4 سليمان 5189030 فى نجد » يمكن أن تطاول القبائل 
الكبيرة . وشيخ شيوخ البشر فى نجد . هو ذلك الرجل المولع بالقتال الذى تعرفت عليه 
مؤخرا . واسمه مسهل ا0015886 ( تيمنا يحمايته لنفسه ) المواجى لزنه -ا© ؛ 
وهو يحمل أيضا لقب شيخ القبائل السبع . وقد أوضح زيد لى نسب تلك القبائل 


على النحو التالى : 

ولاد سليمان مقملاةا5- لا الخمشة ماين لان 
السويلمات 4وابره 25 الستليمات 5111 
الجيافرة 163 الحصينى لإلبصععة 4 
آل على اهماع السياع قط5 
الحجضورة عطق6 الفدان #0 
لصقور 50 العمارا أت مم 
الشملان ع5 


553 


ظهر أن زيدا كان يريط رولة العنوز بالبشر 81556 . والرولة يسكنون بالقرب من 
النفود. أسفل الجوف .» وفى اتجاه الغرب ناحية سوريا »وهم من البدو الخلص 
وسلوكياتهم غاية فى البساطة . وتسبهم يمتد إلى أعراب ابن مزيد 60نإء 0022 
وأعراب الحصينى لاامعوه1ا-ا» » وأعراب المسلّخ كاأااءدناة] !© . وأعراب العنوز 
القدامى الذين يعرفون باسم الجلأس 1135هل! مندمجون منذ القدم مع الرولة » وهناك 
واد من وديان خيير يحمل اسم الجلاس ؛ من منطلق أن خيبر كانت من قبل ملكا 
لأعراب الجلاس . ولكنهم هجروها وتخلوا عنها متذ زمن بعبيد . وسلالة الجلآس 
النسبية هى على النحو التالى : 


التُصير ؛ النواصره ع !517 دن لاا درعان 0 
.شعلان مقادطة تخسن مما 
ربشان مقطعطل8 البليس 8 
السوالمة بيات تك بعدور 5 
الفروجة ةززنمعوع أعراب بن محجل ٠‏ شيخ الشاجيرا*) 

القراتشيبة 2 2طهاه؛هما أعراب بن جندال . شيخ السوالمة!**) 

جعجع 623 أعراب بن أمجيد , شيخ عبد الله 5دلانهة(***) 
الدغمان مفمووه0 الكليفات الملل تلكنا 


عندما توحد القسمان من جديد ونصبا خيامهما فى مكان واحد » وصل إلى ذلك 
المكان شيخ من كبار شيوخ قرية تيماء هى عبد العزيز الرومان 8058م , الذى كان 
يتجول راكبا دابته للبحث عند الأعراب عن إبل لاستعمالها فى آيار الماء . وكان الثمن 


(») “ازقطددع -اء طكاباعط5 أأزطهاا مما طومهم 
(عء) قتطأةنك5 -5ع لكالاعط5 اقلمأل مطا طويهم 
(ععه) طذااألطم طكالاوط5 للزءزمنا مطا طويقم 


530 


المحدد لذلك هو ثلاثة أحمال إبلية من التمر أو حمل واحد من القمح » أو إن شئت فقل: 
العيش 5وثه ؛ للناقة الجيدة. ونزل الشيخ عبد العزيز الرومان عند خيمة الشيخ مطلق» 
وذهبت لحضور اجتماع القهوة , كى أستمع إلى أخبار البلاد . رحب بى الشيخ مطلق 
ترحيبا طيبا . ونادى الرجل : "أحضروا شداد لخليل .” كان شيخ تيماء رجلا مهندما , 
حلو المعشر , ومقداما ؛ وكان من أنصار ابن الرشيد . كما كان يقوم بجباية 
متحصلات الأمير من واحته ؛ وكان ذلك الشيخ أيضا قليل الحياء , وحاقدا إلى أبعد 
الحدود . فضلا عن كونه أيضا , “مثل سائر التيامنة" ؛ وذلك من منظور البدى الرّحل , 
جاهلا » ويتمتع بنوع من الغباوة الشديدة والسذاجة الفطرية . فى تلك القرية التى 
تشبه القرية البدوية المترحلة».لد يتعلم الشيخ عبد العزيز الرومان القراءة والكتابة : 
كان الشيخ مطلق , من بين كل البدى » صديقا للشيخ عبد العزيز منذ أيام الصبا . 
وأثناء جلوسنا تحول الشيخ عبد الغزيز ناحيتى فجأة وطلب منى أن أخبره "عما أفعله 
فى هذه الصحراء القاحلة , ولاذا نفيت نفسى من كل مباهج الدنيا' , ( أو بالأحرى 
من الظل فى النهار , ومن الخبز والتمر المضمونين ؛ ومن الماء الكافى ٠‏ ومن المسكن 
المستقر ) . أجبته : "أنا أتمتع بالهواء * - "إذ كان ذلك هو كل ما فى الأمرء فبوسعك 
أيضا شم ذلك الهواء أيضا فوق قمة جبل إرنان الموجود فى الخلف ." وهنا همس أحد 
رفاق الشيخ عبد العزيز الرومان فى أذنه ٠‏ على نحو سمعت معه ذلك الذى كان يقوله : 
"أليس هذا الرجل يهوديا ؟" - "يهودى ؛ هذا لاشك فيه ( أجابه عبد العزيز ) ٠‏ أى قد 
يكون ذلك النصرانى الذى حدثونى عنه ‏ والفارق بين الاثنين يتمثل فى الاسم فقط .” 
وهنا بدا على ذلك الرفيق كما لى كان قد شاهد أو رأى شيطانا » ويدت على وجهه 
الدهشة وهو يقول :"رُحماك يا الله ! وهذا - إخس ! ( بمعنى "قبّحه الله" ) - يهودى ؟ 
الله يلعن الكفار كلهم .*” كان عبد العزيز عندما عدت إلى تيماء مرة ثانية » قد اكتسى 
تأديا جديدا , لإنه كان قد بلغه أن ذلك الغريب قال عنه ؛ على الملا , إنه "حمار جاهل , 
وأنه شيخ لكل يهود تيماء :" والسبب فى ذلك هى أن العرب الذين يطمعون فى المديح 
والثناء ‏ يكونون رقيقين رقة النساء المغرورات بآراء الرجال . جاءعوا إلينا بأخبار كارثة 
حدثت لهم فى تيماء . مفادها هو انهيار الحداج ( بثر الماء ) ! إلا أن عبد العزيز 


357 


الرومان كان فرحا بما حدث نظرا لأن سوانيه؛) الاثنان أى الثلاثة , وكذلك الجانب 
المخصص للسوق 5 الخاص به لم ينهار ؛ بل ظل على ما كان عليه ؛ هذا يعنى أن 
الخسارة لم تكن من نصيب حزبه . 

استمع البدو الأوغاد إلى ذلك الحادث الذى وقع للتيامنة ولم يتحرك فيهم ساكن , 
هؤلاء التجار الذين يتجرون فى التمور والقمح» والذين يخادعون ويضللون . ينظر أولئثك 
البدى إليهم » على إنهم أصحاب مكر ودهاء. فقد علمنا » من بعض الناس الذين وصلوا 
مؤخرا قادمين من تيماء » أن أهل هذه القرية ومتشدديها وضبعوا مسئولية كل ذلك 
الذى حدث ٠‏ على النصرانى . وذلك أن “الحداج (بثر الماء) لم ينهار بعد أنام قلائل فقط 
من وجودى فى تيماء , وبالتالى أكون أنا الذى أطحت بذلك البئر بفعل عينى الحاسدة؛* 
ولكن المغالين فى تشددهم من بين أهل القرية قالوا : "إن البئر لم ينهار إلا بإذن الله . 
(سبحانه وتعالى)” وهنا طرحت السؤال التالى على واحد من أهل هذا البلد الطيبين : 
"كيف لى أن أطيح ببثركم ؟ ورد على الرجل : 'يا خليل , انا أظن أن هذا ليس من 
صنعك ؛ (ثم أردف قائلا :) أظن أن الذى فعل ذلك هو ابن الرشيد +" كان الأمير ‏ هو 
وأتباعه (الذين يقدرون بحوالى ثلاثمائة رجل تقريبا) ؛ عند عودتهم من الغزى الذى 
قاموا به على ولاد على » قد نصبوا خيامهم خارج أسوار تيماء » مدة يوم أو يومين » 
ثم أردف الرجل قائلا: "كان جميع هؤلاء الأتباع مثل الرمل , أُفّ !” - “ترى . هل كانت 
تحركات السقائين حول البئر هى التى أدت إلى انهياره ؟" - "ليس ذلك . وإنما هى 
العين !" ومعروف أن عين الحسود إنما هى تشكل قسما من الخرافات عند الساميين . 
معروف أن العين هى حبيبة الجسم وعزيزته , والعين هى نافذة الروح , والساميون 
يتخيلون أن تأثيرها السيئ ينبعث بناء على ذلك . واعتبارا من ذلك اليوم » راح البدو 
المتشددون ينظرون إلى باعتبارى مصدرًا للخطر ٠‏ أى إن شئت فقل : "عدى الله" . 

فى إحدى الأمسيات ؛ دخل إلى مخيمنا غزى رئيسى قوامه ثمانين رجلا من قبيلة 
البشر . كانوا قد ركبوا إبلهم وجاءوا ليشنوا » أو يطبقوا على ولاد على أعدائهم ؛ 
أمضت قوة ذلك الغزى الليل ضيوفا على الفكارة داخل ديرتهم . رحب الفكارة بالغزاة 


(*) السوانى : آلات سحب المياه من اليثر . (المراجع) 


56 


ترحيبا حارا » واستمعوا من الفكارة , بعد تناول العشاء ‏ آخر النصائح المتعلقة بأولاد 
على الذين كانوا يخيمون حول آبار المجيرة 3:لإ11096: أى على بعد حوالى ثمانين ميلا 
من المخيم الذى نحن فيه ؛ وعلى طريق الحج ؛ وعلى بعد مسافة رحلّة واحدة أسفل 
قرية الحجر . سالت زيدًا : "ألن يرسلوا فى تلك الليلة إنذارا إلى أبناء عمومتهم فى 
القبيلة الشقيقة ؟ أجابنى : 'ها , لا بالطبع ! ولكن لعلهم كلهم يموتون » فهذا سيكون 
لصالحنا .' ويعد ذلك بييضعة أشهر . وعندما كنت مع بعض الرجال من ولاد على » 
سمعتهم وهم ينتقدون ذلك الحقد الشديد من جانب الفكارة » ومع ذلك كانوا هم 
أنفسهم مليئين بذلك الحقد أيضا , هذا الحقد الخائن هى فى حقيقة الأمر » شىء 
طبيعى بين البدى . هذه الأمة العنزية » التى تنتمى إليها كل هذه القبائل , والتى تعد 
أهم عشيرة بين عشائر شبه الجزيرة العربية , تتحدث عنها الأمثال : “زاد الله أعداد 
العنوز » ولكنة كتب عليهم الاتقسام والتفكك فيما بينهم ؛' ولم يحدث فى أى وقت من 
الأوقات أن بعض العنوز لم يتحولوا إلى "جوم" 1638*) ؛ أى إن شثت فقل "لصوص 
أعداء' » أى أى شكل آخر من أشكال الالنقسام والتفتت . والعنوز يقارنهم يعض الناس 
ببنى إسرائيل , وهم فى ذلك يينهم وبين بتى إسرائيل شبه كبير . كان المقر الرئيسى 
لهذه الأمة » أى إن شئت فقل : الشعب ( العنوز ) » خلال العصور الإسلامية الأولى » 
وهذا نقلا عن موروثهم ؛ فى الديرة التى تقع فى نطاق شمالى المدينة ( المنورة ) ٠‏ التى 
هى حاليا ديرة ولاد على . ثم قام العنوز بعد ذلك بغزى خيبر وهزيمتها » ويذلك أصبحت 
وديان النخيل اليافع : فى ذلك المكان , ملكا لهم منذ ذلك التاريخ . 

ومن باب المصادفة الغريبة أن البشر 8195858 عندما جهزوا للقيام بغزى رئيسى على 
ولاد على , كان ولاد على أنفسهم قد أرسلوا بالفعل غزوا رئيسيا ليطيق على البشر 
+8158 . هاتان القوتان العدوتان تقابلتاء فى مغامرة جديدة » فى تلك الصحراء القاحلة, 
وهنا أصبح على أرض المعركة حوالى مائة جمال . كان منظرا مشهودا ‏ وهم يرددون 
أغنية » وهم ينحنون فوق ( سروج ) إبلهم فى اتجاه أعناق دوابهم التى كانت تسرع 
الخطى . ويحملون معهم أسلحة لامعة . وعندما تبدى لهم العدو وأصبح فى مرمى 


(*) "جوم بمعنى "قوم أى 'أعداء' (المترجم) 


59 


البصر , ينزّل الشيوخ ومعهم الحراب الطويلة ليركبوا خيولهم ؛ وهنا يقوم الرديف (*) 
بركوب الجمل بدلا من الشيخ ؛ ومعروف أن هذا الرديف هو حامل بندقية الشيخ . 
هؤلاء الجمّالة ٠‏ وهم ركوب على تلك الإبل التى تماثل الأغنام فى بطئها , إذا ما 
قارناهم بالعدد القليل من الخيالة » يمكن تشبيههم بجماعة ثقيلة من المشاة الذين 
يتسلحون بالبنادق الفتيلية . الخيال البدوى الذى يركب حصانه فوق عراقة وبلا ركاب , 
لا يستطيع حمل أسلحة نارية ثقيلة وطويلة فى ذات الوقت , نظرا لأنه سيعجز عن 
إعادة تعمير ( ملئ ) مثل هذا السلاح . قلة قليلة من بين هؤلاء الشيوخ الجتويبين هم 
الذين لديهم مسدسات خيألة . التى تخلى الناس عنها منذ زمن يعيد ٠‏ وتمكتوا من 
شرائها من أورويا . وكل آمال هؤلاء تتعلق بالرمح الذى يطلقونه عليه اسم "الشف" 
8 ,» التى تعنى "حرية البدوى' : وتصل الرمح يصنعه هؤلاء البدى من البوص الذى 
يجلبونه من أنهار بلاد الرافدين » ويصل طول ساق أو نصل ذلك الرمح إلى ضعف 
طول الحصان الذى يركبه الخيال البدوى ؛ وهم يطعنون بتلك الحراب وهم يضعونها 
فوق رعوويسهم . والعقيد 8914 أى إن شئت فقل : شيخ منصر أو قائد ولاد على . كان 
بلا لحية » وشابا غراً صغيرا اسمه فهد ‏ وهو ولد شيخهم الكبير » وكان عسكر قائدًا 
للقسم الآخر ٠‏ وهو ولد مشهل (1115556 . ذلك الشيخ الكبير سالف الذكر : هذان 
القائدان العنزيان المتخاصمان ٠‏ كانا ابنين لأختين . هجم فهد هجوما سافرا على ولد 
خالته عسكر وأصابه بحربته؛ ولكن عندما حملة رجاله فوق أيديهم القوية . كان ما يزال 
حيا. وعلى أثر ذلك؛ أصيب ولاد على الظافرين الواثقين داخل خيامهم؛ برعب شديد فى 
ميدان القتال: وذلك فى وجود العواجى ؛ المحب للحروب والقتال : ومعروف أن العواجى 
هى أكبر عظمة وأشد الناس عنادا بين بدو هذه البلاد ؛ من هنا كان ولاد على يتطلعون 
إلى أن يكون كل من هذين الرجلين منتقما لذلك الدم الذى أهدر أو إن شئت فقل: أريق 
أمام خيبر. صاح الجميع بعد ذلك أنهم إخوان! وعلى ذلك فإن ولاد على الذين بلغ 
عددهم مائة وعشرين مقاتلا راكبا يحملون أسلحة فى أيديهم استسلموا لثمانين مقاتل 
من أسود قبيلة بشر ؛ وراح كل واحد من المهزومين ينادى غازيه متوسلا له وهى يقول : 


(*) الرديف : من يركب خلف الراكب الأساسى للدابة (المترجم) 


00 


"أخى يا أخى” » خذ جملى » وهذا هو سلاحى أيضا ٠‏ بل وهذه عباى (بشتى) ؛ 
خذ كل شىء وأحفظ على حياتى. ولم يهرب من ولاد على فى ذلك اليوم سوى قلة قليلة 
من شيوخهم , الذين كانوا من بين الخيالة واستطاعوا الهرب على ظهور أفراسهم . 
ولم يهرب من الجمّالة سوى ثلاثة رجال أشداء ؛ وهم من متسلقى الجبال أيضا ؛ هؤلاء 
الثلاثة كانوا : من'الموءاهيب 1198518 ٠‏ الذين انضموا إليهم على أمل إقتسسام الغنائم 
معهم . - وقبل انتهاء العام » جرى على أيدى هؤلاء البشر أنفسهم ؛ تجريد الموءاهيب 
تماما . وخلال يوم.واحد . من كل ماشيتهم . كان كل الشيوخ الذين كانوا أطرافا فى 
هذه المعركة من بين مسعارفى فى يوم من الأيام ؛ وبالتالى تيسر الوقوف على هذه 
الحكاية وأنا بينهم . 

آوى البشئرٌ دخلاءهم وانطاة0 فى ديارهم ‏ ومع ذلك , فإن تذكر البشر للثار 
والانتقام , لم يدفعهم إلى نصب مجزرة لأهلهم وأقاربهم ؛ إضافة إلى أن أعراب 
الجنوب لم يكن من عادتهم أخذ حياوات البشر على سبيل الفدية , ولهذا تركوا أعداءهم 
يعودون إلى ديارهم وزوجاتهم عراة . سائرين على أقدامهم . يضاف إلى ذلك » أن 
الضمير العربى لا يسمح أو يرضى بمحى قبيلة من القبائل . يعض القبائل المجاورة ٠‏ 
مثل الفجير وينى عطية هم من قديم الأزل » غلاظ قسساة » ولم يحدث مطلقا فى يوم من 
الأيام أن نشبت أية معركة عامة بين هذه القبائل . وراحوا يفرغون فيها نلك العداوات 
القديمة بأن قامت بتدمير واحدة من تلك القبائل أو القضاء عليها . زد على ذلك أن 
ضغفائن البدى وأحقادهم القديمة . تكون أقل , فى الأغلب الأعم , من ذلك التدين 
الذهبى الذى تتميز به هذه الصحراء الجرداء . والخطر عندما يزول ؛ يجعل هؤلاء البدو 
يشفقون على أعدائهم المهزومين ؛ وتعتمل فى داخلهم فى مثل هذه الظروف شفقة 
السلالة النسبية العامة التى تجمع بينهم . والرجال عندما يسقطون جرحى فى معركة 
من المعارك , فإن الأعداء الذين تكون لهم اليد العليا فى معظم الأحيان ٠‏ ينقلون أولئك 
الجرحى إلى منطقة المؤخرة ؛ ويحملونهم إلى مَنزّْلهم : بل إنهم يتولون تغذية هؤلاء 
الجرحى إلى أن يتعافوا من جديد؛ وعندها يعطون ذلك الجريح الذى تعافى ٠‏ قرية ماء , 
ويقولون له "روح" بمعنى "إذهب لحال سبيلك" ؛ دون أن يطلبوا منه أن يقطع على نفسه 
وعدا من الوعود , واثقين أن الله سيهئ لهم المعاملة نفسها إذا ما ألمت بهم شدة 


61 


ملمة . ولكن البشر اقتادوا فهدًا 0 معهم ١‏ نظرا لأنهم لابد أن يحققوا معه فى 
وفاة عسكر :8قناوه : وإذا ما ثبت أنه مات بفعل يدى فهد ؛ فسوف يموت فهد مقابل 
ذلك » اللهم إلا إذا أعرب أقرب أقارب عسكر عن رغبته فى قبول الدية ؛ ومع ذلك سوف 
يجرى الترحيب به والتسرية عنه فى خيام أعدائه . ويبدأ عسكر فى التعافى ببطئ , 
خلال الشهور التى تلت ذلك . تساءلت متعجبا : يا لهؤلاء الجرارين من ولاد على , 
عندما عادوا إلى ديارهم » وقد نزع عنهم صوفهم , مثل الأغنام ! ويا لتلك الرقصات 
والزغاريد التى استقبلهم بها الحريم ؛* وردوا على قائلين: "صدقت والله , لقد استحقوا 
احتقار النساء !' وتساعلت : 'ولكن كيف يستسلم مائة وعشرين رجلا لعدد أقل منهم؟ 
أجابونى : "أليسوا من ولاد على ؟ وتلك هى طريقتهم . إنهم ليسوا محاربين بمعنى 
الكلمة . ولكن الفجيرء القييلة الشقيقة » لم يحدث قط أن ازدراهم أو احتقرهم أعداءهم, 
الذين يتمثلون فى تلك القبائل القوية التى تعيش فى المنطقة الواقعة خلفهم , أو إن 
شئت فقل : بنى عطية ٠‏ والحويطات ٠‏ والبلّى ( اليلوى ) والجهايتة . 


هبت علينا سحب الجيل الثانى من جحافل الجراد التى يطلق الأعراب عليها اسم 
'عمدان" 0'036م بمعنى عم 6ةالاط إوتلك هى الكلمة التى نقرأها فى سفر الخروج 
- 'عمود' 86000 من السحاب والتار] وهى تطن وتهفهف فى أشعة الشمس . طوال 
أيام عدة ؛ وكانت تلك الجحافل كثيفة مثل المطر , ويطير البعض منها بالقرب من 
الآرض أو على ارتفاعات كبيرة فى الجى . والجراد يهبط على الأرض مثل الطيور ؛ بأن 
يجعل سيقانه الطويلة تلامس الأرض , غزت أسراب الجراد الخيام . ويسبب جوعها 
الشديد كانت تعض أذقاننا ونحن نشرب القهوة , هذا الجراد يولد وهى قادر على 
الحركة البطيئة مثلما ورد فى المزامير : "أنا أترنح نحو الأعلى ونحو الأسفل مثل 
الجرادة كان البعض من ذلك الجراد يتساقط , فى كل لحظة » فوق الأرض , 
ويصطدم بالأحجار . وبعد ذلك شاهدنا تلك الجحافل وهى تتجة صوب الجنوب : ونظرا 
لأن الأعراب كانوا يعرفون أن تلك الجحافل لابد أن تلتهم خيبر ؛ الأمر الذى سيؤدى 
إلى ضياع محصول التمر » فقد تقدموا وراحوا يلاحقون أسراب الجراد غير مبالين 
بها ؛ وجلسوا وهم يتأوهون ! تاركين أمرهم لله (سيحانه وتعالى) , الذى يقولون عنه 
إنه مَدّعه* . والأعراب فى معظم الأحيان ؛ يضحكون من الأحداث التى كون من هذا 


062 


القييل . وهم هنا يضحكون من آمالهم التى حطمت , ولكن نوعا من الحزن الريانى 
يسيطر على قلويهم فى مثل هذه الظروف . والأطفال يقومون بإحضار الجراد الذى 
يجمعونه معلق على غصن من الأغصان ٠‏ ويشويه اليدى على نار الفحم ؛ ثم يفصلون 
عن الجراد أطرافه بعد الشوى ؛ ثم يقطفون الرأس » وتصيح الحشرة بعد ذلك طعاما 
جيدا لهم ؛ ولكن أكل الجراد لا يكون من بين أسراب الجراد التى تولد فى ظل أو فى 
زمن جفاف العشب . قام شاب من الحاضرين حول النار » بفتح بطن أول جرادة 
مشوية لتسقط منها دودة ٠‏ قذفها بعيدا عنه ونفسه تعافها ؛ وصاح الشاب قائلا : 
'إخص ! 8685 . وأنا أقسم . أن تلك الدودة حرمت عليه أكل الجراد بعد ذلك . ومع 
ذلك خرجت النساء لجمع الجراد : تلك النسوة كن من أسر فقيزة . وهنا طلب منى 
المشاركون فى شرب القهوة :“تأكلون الجراد قى بلادكم » يا خليل ٠‏ خبرنا ٠‏ هل الجراد 
سليم صحيا ؟ ( نحن نقرأ عن لفيمتوكس وناء!!1ع] (*) إن أطفال يعقوب قد يأكلون 
أنوا ع الجراد .) وسكان الجزيرة العربية » يرون أن جحافل الجراد تهب عليهم مرة كل 
سبع سنوات .- وقد راح الأعراب يذكرون ذلك العام بأسراب الجراد وحرارة الصيف 
الشديدة . هذه الحشرة الذكر صفراء اللون : فيها بقع بنية اللون أيضا . وأنثى الجراد 
تكون أكبر من الذكر ويميل لونها إلى اللون الرصاصى . وأجنحة الجراد منقطة ؛ أو إن 
شئت فقل : مرقّشة ٠‏ وزوج الأجنحة الداخلى عريض ومطوى إلى الأسفل ؛ ويصل طول 
الجرادة إلى نهاية الجناح المغلق إلى ما يقرب من ثلاث بوصات . والبدى يقولون : 'إن 
العين ليست هى التى تظهر فى الرأس ٠‏ ولكن العين هى تلك البقعة الصافية الموجودة 
تحت الرجلين القصيرتين الأوليين تناولت القلم ورسمت كروكيا للجرادة » ثم رسمت 
على الصفحة التالية صورة تخطيطية لأبى زيد : وجاء العرب كلهم ليروا هاتين 
الصورتين . قال البسطاء الذين كانوا يحملقون فى الصورتين : "هذا حسن جِدًا , 
يا خليل . انظروا . عجبا ! هذه صورته بالضبط » لا فرق بين الأصل والصورة !” 
بل وراح واحد منهم يتحسس بأصبعه خطوط الجرادة » ليرى إن كانت تقف بالفعل 
على تلك الورقة الناعمة » وأردف الرجل قائلا : "ويطير أيضا" يمعنى “أن هذه الجرادة 


(*) لفيتوكس : هو المعروف فى العهد القديم بسفر اللاويين . (المراجع) 


63 


سوف تنط وتطير !” وابتداء من تلك اللحظة كان شاربى القهوة يأتون إلى منزل زيد 
ويسالون عن خليل . 'ويجعلونه يطلعهم على صورة أبى زيد وعلى كراسة صوره ؛” 
كانت تلك مجرد إشارات قليلة فى كتابى الطبى . كما تعجبوا أيضا عندما نظروا من 
خلال : تلسكوبى ؛ الذى رأوا من خلاله الجمل الذى يرعى على بعد مسافة ميل ؛ وكانه 
أمام أعينهم . ويالرغم من ذلك ٠‏ ونظرا لأن ذلك التلسكوب كان فوق مستوى عقولهم » 
فلم يثر لديهم شيئًا من الفضول . يضاف إلى ذلك أن أقوياء البصر بين هؤلاء الأعراب” 
الذين كانت حدة يصرهم تصل إلى حدة بصر الصقور , لم يعيروا كل صنوف غسول 
الوجه أى شىء من اهتمامهم ؛ والسبب فى ذلك أن هذه الصحراء الواسعة الشاسعة 
هى التى تفيدهم فى زيادة حدة بصرهم ٠‏ 

فى تلك الأيام » كانت كلاب الصيد المهزولة وحدها هى التى تلتهم الجراد فى 
سات أرحاة التادل اذلف جنوي العو عانح مفعضة بالشعاد: والرع ووراهة 
تتجول فى سائر أنحاء المخيم » ولم تعد تلق بالا للأعراب » إذ راحت فى نوم عميق بعد 
أن امتلأت بطونها . والبدو الرحل يقولون : إن كلابهم "تعض الذئاب :" وأن هذه الكلاب 
تظل صاحية طول الليل بينما يكون البدى نائمين . والكلاب "آكلة لحوم الذئاب” بين بدو 
الفجير ليست بالكثيرة ٠‏ وهؤلاء القجير أهل 'ديرة تربى الإبل" ؛ وهذه الكلاب التى تأكل 
الذئاب » تشيه إلى حد كبير , الكلاب الضالة فى سوريا . وأفضل الكلاب التى 
شاهدتها . كانت تلك الكلاب الضخمة التى:شاهدتها مع بدو البلّى » فى منطقة تهامة . 
والكلاب الشائعة بين البدوء يميل لونها إلى الاصفرار»؛ وتشبه الثعلب من حيتث الشكل ؛ 
وهذه الكلاب شبيهة بالغالبية العظمى من نوعية الكلاب الموجودة فى معظم مناطق 
البرارى الموجودة فى كل أنحاء العالم . بعض البدى , وهم قلة قليلة . هم الذين لديهم 
كلاب سلوقية!*) . تستعر جوعا . وشديدة السرعة أثناء مطاردتها للأرانب البرية ؛ 
بل إنهم يطاردون حيوان الغزال باستعمال هذه الكلاب . والكلاب العادية , التى فى كل 


(*) الكلاب السلوقية : تنسب هذه الكلاب إلى قرية سلوق فى اليمن . وهى من سلالة أصيلة وتتميز بسرعة 
المطاردة , ولا يجد البدو غضاضة فى الاحتفاظ بها فى خيامهم وذلك على عكس الكلاب العادية التى 
يعاملونها معاملة سيئة . (المراجع) 


64 


قرية من قرى البدى ( إذ إن هذه الكلاب لا تصاحب قطعان الماشية أثناء الرعى ) » 
تميل إلى أكل الجيف والرمم ٠‏ فى القبائل التى لا يكون لدى ربات البيوت ما يقدمنه 
لتلك الكلاب ‏ التى لا تحصل فى أوقات الجوع الشديد سوى على شىء قليل من الماء : 
وبذلك يصعب القول أو الحديث من مدى القذارة التى تعيش فيها تلك الكلاب , هذه 
الكلاب لا تستحم سوى مرة واحدة على امتداد العام بكامله : وأيام استحمام تلك 
الكلاب تكون أثناء موسم حصاد محصول التمر فى بلدة خيبر » حيث تزيد كميات 
التمر عن احتياجات هؤلاء البدو » ويالتالى قهم يقدمون تلك الزيادة للابل وللحمير , 
كما يلقون كمية كييرة من التمر أيضا للكلاب . 

هذه الكلاب لا تلقى مطلقا من الأعراب كلمة طيبة أو معاملة طيية . بل إن حياة 
هذه الكلاب هى الحياة الوحيدة التعيسة فى ديار الأعراب ٠‏ الذين يركلون تلك الكلاب 
ويضربونها ليطردونها من بيوتهم باعتبارها حيوانات أو مخلوقات نجسة ؛ والأعراب 
لا بيلمسون تلك الكلاب يأيديهم ( فيما عدا الجروان ( صغار الكلاب ) الصغيرة 
التى لم يجرى قطامها بعد ) . ول قدر لكلب من تلك الكلاب أن يكون لصا منزليا » 
بمعنى أنه يسطوى على طعام البشر ء فإن البدى يطاردوته بالعصى والصياح , 
ويضريونه ضريا مبرحا بالك اللي مثل هذه الظروف يقسمون قسما مغلظا بأنهم 
سوف “يقطون ذلك الضيوان: لأثه يسححق القثل“ .هذا التصرف يجعل ذلك المخلوق 
المتطفل عزن وائق بنفسه فنك الديان : كما لأايثق كيرا يسنادته > والبذى لا يسملعون 
إلا للكلب السلوقى فقط بالبقاء داخل الخيمة ؛ باعتبار أنه من سلالة أصيلة . والكلاب 
عند البدى تحرس اليوم بطوله كل أفراد المنازل التى تعيش فيها تلك الكلاب ‏ هذا يعنى 
أن تلك الكلاب إتما تحرس أهلها ااام على حد تعبير البدو أنفسهم . ؤالكلاب تسير 
فى ركاب الرحلة » وتكون بصحبة الماشية التى تحمل المتاع ومن فوقها السيدات ؛ هذه 
الكلاب تسير بخطوات شبه معقولة فى الظل الناتج عن الجمال المتحركة : وهى تسير 
وهى نسألم من الحرارة ومن الرمل شديد الحرارة من تحت مخالبها , وهى تحاول 
العثور على ملجأ لها تحت دغل من الأدغال أو صخرة من الصخور , كى تلجأ إليها 
تلك الكلاب حيث تلهث فى ظلها فترة قصيرة ؛ ثم تستأئف مسيرها . وعندما ينزل 
البدى عن مواشيهم فى المكان المخصص لذلك ٠‏ ترى تلك الكلاب ( عندما يصيبها 


6 


النضب فى القبائل التى تربى الأغنام ) تبادر عقب رفع قماش الخيام إلى الدلوف إلى 
الظل » وتروح تكسح الرمل الحار ٠‏ وتحفر بعد ذلك بمخاليها أسفل الرمل الساخن بغية 
الوصول إلى الترية الباردة الموجودة أسفل ذلك الرمل الساخن . والبدى ينادون على 
الكلب الذى يتوه أى يضل طريقه داخل الَْنْزل » ويروح يجرى وسط الخيام القريبة , 
بنادية أصحايه بقولهم "أهلك علها-اطاه: أهلك ! “888-13 بمعنى “سر , إلى المكان الذى 
يوجد فيه أصحابك !' يضاف إلى ذلك أن كلاب البدو عالية النباح ٠‏ التى تتعقب 
القادمين الجدد ( الغرياء ) هى بمثابة الشرطة داخل مخيم البدى الرحل . وقلة قليلة من 
هذه الكلاب هى التى تخاطر باختطاف الأشياء مستعملة قى ذلك أسنانها ؛ والرجل من 
البدى ؛ قد يأتى وهى يحمل مشعابه خلف ظهره ؛ ويقوم أهل الدار بإبعاد الكلاب عنه . 
أما إذا كان الحريم هن وحدهن فى البيت ٠‏ ويخاصة عند الزيارة بدون موعد سابق » 
فإن الغريب يتعين عليه إبعاد تلك الكلاب باستعمال الأحجار التى يلقيها عليها . وهنا 
قد تصيح واحدة من الحريم قائلة : “أوه ! أوه ! لماذا ترمى كلبنا بالحجارة ؟ ويردا ‏ 
عليها القادم الغريب قائلا : "لولا ذلك ٠‏ لأكلنى ذلك اللعين .” - "ولكن » يا أنت » لا ترمه 
بالحجارة مرة ثانية .* - "إذن إستدعى الكلب إلى داخل الخيمة أيتها المرأة الحمقاء . 
وأفعلى ذلك بسرعة , وإلا سوف أقتله بهذه الكتلة من الحجر .” - "آخ منى ! لا تفعل 
ذلك ٠‏ هذا الكلب يأكل الذئب » إنه يراقب الأعداء ‏ وهو حامى بيتنا وحامى غنمنا ؛ 
أرجوك لا تلقى عليه أى ترميه بحجر ثان ." - "أيتها المرأة المجنونة » قبل أن يعضنى » 
سوف أكسر كل عظامه داخل لحمه » ولعن الله لسانك ! فأنت بوسعك أن تبعديه عنى !* 
فى مثل هذا الحال كنت أوفر الحجارة ولا أحتاج إليها ؛ ولكن الزوجة السخيفة كانت 
تحس أنها أصابها شىء من الأذى , ولكن الرجال كانوا يردون على ذلك الغريب قائلين 
: "هذا طيب تماما .* والحريم ٠‏ اللاتى لا يعول عليهن كثيرا » تكون أسبابهن واهية , 
كما إنهن يشبهن الأطفال فى إحساسسهن بالشرف ؛ لذا هناك بعض الخيام » التى 
يتعين على الضيف الذى يمر عليها أن لا يثق كثيرا بالنساء الموجودات فى تلك الخيام » 
أى حتى أطفال هذه الخيام . 

كلاب البدى الشرسة تسطو على كل ما يمكن أن تعثر عليه خارج الخيمة » حتى 
وإن كان ذلك من قبيل الأمتعة ( ويخاصة عندما تترك هذه الأشياء خارج الخيمة ) 


66 


الخاصة بالضيوف الغرياء : إذ تقوم تلك الكلاب بتقطيع كل شىء مستخدمة فى ذلك 
أسنانها وأنيابها الحادة وكذلك مخالبها الحادة أيضا ؛ من هنا تصبح مساألة حمل 
متاع الضيوف إلى داخل الخيمة عملا محمودًا من أعمال الخير . والرجال الذين 
يسرقون مؤن الآخرين وطعامهم ؛ ينعتهم البدو بأنهم "كلاب . نادتنى حرفة فى صباح 
يوم من الأيام » وهى تقف أمام خيمتى قائلة : "أين أنت , يا خليل ؟ أنا سوف أغادر 
منزلى ٠‏ فهل لك أن تحرسه لحين عودتى ؟ - إلى أين ستذهب مضيفتى اليوم ؟" - 
“أنا ذاهبة لشراء بعض الخيوط : يا خليل ٠‏ افتح عينيك وكن يقظا ٠‏ وأحرص على أن 
لا يدخل كلب بيتى .* وعندما عادت حرفة بعد ذلك بساعات عدة . حضرت إلى لتعنفنى 
وتؤنبنى , قائلة : "ها ! يا خليل يا مهمل ؛ لقد دخلت الكلاب بيتى ! فلماذا لم تحافظ 
على البيت ؟ ألم أطلب منك ذلك ؟' - “لقد حرست البيت من أجل عيونك ,يا حرفة ؛ 
طوال الوقت , وأنا أحلق بحياتك على ذلك ! لقد كنت أجلس أمام الخيمة فى الشمس »2 
ولم تدخل حتى ولى شعرة من شعر الكلب إلى داخل الخيمة .* - 'وا , أسفاه ! خليل 
لا يفهم أن "الكلاب” رجال ؛ خبرنى يا خليل ؛ من الذى جاء إلى هنا أثناء غيابى ؟" - 
"جاء إلى هنا رجلان ٠‏ وعندما رأيتهما يأويان إلى خيمتك » ظننت أنهما من أقاريك 
أى من معارفك ؛ هل يعقل أن يقوم قبلى بسرقة بيت قبلى آخر ؟ - 'ولكن هذان 
الرجلان » سرقا زمبيلا من التمر » وهذا هى خطؤك أنت .' بعض العامة من البدو 
ينعدم ضميرهم ويسرقون الطعاج ( فقط ) ؛ من منظور أن الطعام مشاع للجميع ‏ 
أو هى من خير الله . 

ليالى الصيف البهيجة تبدأ اعتبارا من غروب الشمس وتمتاز بأتها تكون برادًا فى 
تلك الأراضى الجافة المرتفعة . والرجال بعد تناول العشاء , يتجولون طليًا للحديث مع 
جيرانهم » إذ يبحث شاريو القهوة عن فنجان المساء : وتستمر دردشة الأعراب » فى 
مجلس تناول القهوة . إلى منتصف الليل . وفى أغلب الأحيان , يكون الراعى فو 
الشخص الوحيد الذى يبقى فى منزلنا » الذى يظل مستيقظا مع أغنيتة الجافة التى 
يغنيها على وتر الرياب النشاز . 

فى بعض الليالى المقمرة كان الأطفال يسارعون إلينا : إذ يتجمع البنون والينات 
قادمين من بيوت الأمهات » ويروحون يقفزون فوق الرمل ليمارسوا ألعابهم بالقرب من 


67 


الخيول.؛ إلى ان يهتدوا إلى الطريق الذى يمكنهم من تسلق تلة من التلال أو صخرة 
من الصخور . وهذه جوقة من البنات الكبيرات يتجمعن هنا » ويرحن يفتين وهن 
يصفقن بأيديهن مرددات القرار نفسه الذى يرددنه دوما فى كل وقت وحين » والذى 
يتمثل فى مقطوعة شعرية واحدة . والصبية الصفار يتجردون من ملايسهم ٠‏ ويلقون 
غترهم ( أغطية الرأس ) أرضا ء أى ريما يكونون قد تركوها فى منازل أمهاتهم ‏ 
ويروحون يجرون وهم عراة فى الخلاء ‏ ولا يتبقى على هؤلاء الصبية من الملايس سوى 
'الهجى دو39! ( السروال ) الذى يلفة كل واحد منهم حول خصره التحيل » 
وهذا الهجو عبارة عن شريط مُضَفَّر من الجلد , الذى يرتدية , ولا يتركه مطلقا أهل 
الجزيرة العريية الحقيقيين سواء أكانوا رجالا أو نساء . كل ولد حصان يختار لنفسة 
قرسا مقرو ٠‏ أى إن شئت فقل : مهرةٌ ؛ ثم يروحون يتجولون وهم متشابكى الأيدى » 
ويصلون إلى مسافات بعيدة وهم يققزون روجا بعد الآخر , كما لو كانوا يلاحقون ‏ . 
يعحفني بعفنا فقن الخاده فى حدوم القدرة هد الكمى الخصان يرن تك "تيزل . 
التى تلاحقة بنسرعة ؛ ويهرب منها وهو يصهل . هذه اللعبة التى يزجى بها أبناء 
الأعراب وقت فراغهم . التى تخضهم هم أنفسهم دون غيرهم ؛ لا يتولد عنها أى شكل 
من أشكال الصراع , كما أنها لا تنطوى على أى شىء من الحقد أو الغل , ولا يسمع 
أحد فيها أصوات التذمر أى الغضي . كما أنها لا تسمح بأى شكل من أشكال الضرب 
أى اللكم . والبدى الرحل ليست الوحشية من طباعهم . زد على ذلك أن تلك اللعبة يمكن 
أن تستمر ساعة أى ساعتين : هذا يعنى أيضا أن الصبية الصفار - قد يقتربون من 
اللعبة الثّى تمارسها البنات الصغيرات : إذ يرحن يلهين مكل الإبل الكبيرة بين الأغثام 
الصغيرة ؛ ولكنهن لا يكن عاريات ؛ وإذا ما بدر من أى صبى من الصبيان الصغار أيه 
بادرة من يوادر إساءة الأدبء فإنه لا يحظى بتقدير أى احترام هؤلاء البنات الصغيرات. 
وبعد اتقضاء مرحلة الطقولة, لايكون لدى هؤلاء الأعراب أية لعبة من لُعَب تزجية الوقت. 
وأهل قُبلى لا616 ؛ أى إن شئت فقل : بد الجنوب الرّحل , لم أرى منهم خيّالة يقومون 
بتدريب أتفسهم على أفراسهم بصورة مستمرة . والأطفال يمارسون هذه اللعبة لإرهاق 
أنفسهم وليس طليا للمزيد من الإتقان والإجادة . وليس لدى الشباب أية رياضة أخرى 
غير إطلاق نيران بنادقهم الفتيلية فى المناسبات الأسرية . والرعاة ٠‏ يحيون حياة تأمل 


68 


بصورة مستمرة , كما أنهم لا يتغذون كما يرام ؛ كما أنهم لا تجرى فى عروقهم روح 
التفاؤل . التى يمكن أن تدفعهم إلى ممارسة ألعاب الرجولة ؛ ويندر أن تجد بدويا 
مفتول العضلات . وفى المنطقة الواقعة جنوبى حائل ؛ لم أر شاية متوردة الخدين ؛ بل 
إنهن يبدين كما لو كن من مخلفات جفاف الصيف ٠‏ وذابلات وهن فى ريعان شبابهن. 
فصل الصيفق المعتدل هو موسم المزينين 21000230135 أى إن شئت فقل : موسم 
احتفالات ختان أطفال البدو . ففى تلك المناسبة يجرى تجهيز خيمة الأم وتزيينها 
بشراريب من الخيط الأحمر القانى » وبعض خصل يجرى صنعها من ريش الثعام » ٠‏ 
كما يجرى تزيين الخيمة ببعض الأشياء الملونة » أو أية أشياء أخرى يمكنهم العثور 
عليها . فى تلك الخيمة تجتمع جوقة ( مجموعة ) من بنات الجيران النحيفات » ويرحن 
يغنين فى تلك المناسبة وهن يرتدين أبهى تيابهن . وتضع كل واحدة من البنات » على 
جبهتها منديلا جديدا مثيت به ريشة من ريش النعام ؛ كما تلبس كل واحدة منهن حلقا 
كبيرا فى أذنها ؛ ويصل حجم ذلك الحلق إلى حجم السوار ٠‏ كما تلبس الفتاة فى ذلك 
اليوم حلقة أنفها التى يطلقون عليها اسم "الزميم” هلاغ20 : والحلق ؛ هى و "الزميه” 
أى إن شثت فقل : “حلقة الأنف' عبارة عن مجوهرات مصنوعة من الفضة , وقلة قليلة 
من تلك المجوهرات ٠‏ على حد قولهم , هى التى تصنع من الذهب الخالص ؛ منذ زمن 
بعيد . والأقراط ؛ وحلقات الأنف هى من أشياء الزينة عند النساء اليدويات . ومن 
الصعب أن نجدها فى أزمان أخرى ( والبدوية تضع كل يوم فى الثقب الذى يحدثونة 
لها فى أنفها فصًا من القرنفل ) » كما تلبس البدوية فى يديها أساور من الخرز , كما 
تلبس فى أصابعها أيضا خواتم مصنوعة من المعدن » فى ذلك اليوم تفك البنات جدائل 
شعرهن الأسود غير الطويل » ويتركنه ينسدل على اكتافهن ؛ ويتلالاً فى ضق الشمس ٠‏ 
بعد أن يكن قد غسلنه ببول الإبل ومشطنه تمشيطا جيدا . والصبايا يقترضن عباءات 
جديدة فى ذلك اليوم » ولا فرق بين عباءات الرجال والنساء . وتجلس الصبايا على 
شكل حلقة ويبدأن فى التصفيق بأيديهن الصغيرة » وهن يتغنين ويرددن قرارًا غنائيا 
لا يعدى أن يكون بضع كلمات قليلة » على شكل مقطوعة شعرية واحدة فقط . هذه 
الوجوه الصغيرة التى يرتسم عليها الجوع , يحسبها الناظر إليها » وجوه بنات الغجر ؛ 
هؤلاء البنات الأطفال اللاتى يضعن فى كثير من الأحيان بين أمتعة أمهاتهن . هن 


069 


اليوم يلعين أمام أعين الرجال » بملامحهن التى تدل على انكسار الخاطر , وأدب ' 
العذرية التى يبدى عليهن . ولكن هزار الأعراب واستهزائهم لا يمكن أن ينقطع ويتحول 
إلى صمت طويل ٠‏ نظرا لأن الشبان الصغار ٠‏ يتجمعون , من حول البنات » فى ضوء 
النهار » ويروحون ينكتون ويهزرون ٠‏ يل ويصل الأمر إلى حد أن البعض منهم يروحون 
يشدون الريش الذى تعلقه الصبايا على جياهمهن » وهن أيناء عمومتهن الأقربين » 
ولا تجرئ واحدة من الصبايا على الاعتراض على ما يفعله الشبان » ولكنهن يكتفين 
بتوجيه نظرات اللوم والتأنيب إلى هؤلاء الشباب : أى قد يضحك الصبيان بصوت عالر 
بعد أن يكونوا قد قسموا هؤلاء الصبايا فيما بينهم لتكن زوجات لهم ؛ وإذا ما وجد 
غريب بينهم » فهم يطلبون منه أن يختار لنفسه واحدة من بين هؤلاء البنات . "يا أنت » 
ما رأيك فى بناتنا » وفى هذه البنت ٠‏ وفى تلك ؛ أليست وجوههن جميلة ؟" “ولكن 
العذراوات لا تبتسمن , وإذا ما نظرت إحداهن إلى الأعلى » فإن أعينهن الجريئة يبدو 
فيها النفور والشجن والحزن . البنات فى هذا الموقف يشبهن الأطفال الذين يجرى 
تخويفهم بالعصا , هذا يعنى أن هؤلاء البنات يتعين عليهن الحفاظ على شكل معين من 
السلوك والتصرقات؛ وبالرغم من كل ذلك ٠‏ فهن لسن فتيات جميلات. استبداد الذكور , 
فى الدين الإسلامى فيما يتعلق بهذا الموضوع , يمكن رده إلى سلوك معين للينات 
تلتزمنه منذ زمن يعيد » وهنا ترقص الصبايا الصغيرات كما لى كن مرشحات لزواج 
سعيد » الأمر الذى يدخل السرور على قلوب الأمهات فرحا ببناتهن . ليتهن يأتيهن الغد 
الذى يتمنينه ! الفد الذى يمكن أن يكون مثل هذا اليوم الذى هن فيه حاليا ٠‏ والذى 
يتغنين بسعادته وسروره ؛ ذلك اليوم ألذى ينضم فيه الطفل الذكر إلى دين الإسلام . 
هذا اليوم أفضل من يوم مولده . والطفل عندما يختن فذلك يعنى إنه قد أصبح عمره 
ثلاث سنوات بالتمام والكمال ؛ وهذا يعتمد أيضا على الموسم من ناحية , وعلى مدى 
قدرة الأم على توفير القمح أ الأرز الذى يكفى وجبة العشاء التى ستقدم للضيوف , 
وفى بعض الأحيان قد تؤجل عملية الختان إلى الغد . إذا ما تبدل حال الطقس ؛ أو إذا 
ما تعين على الأسرة الانتقال من مكان إلى آخر ضمن رحلة القبيلة . 

يصل أصدقاء الوالد ليحلوا ضيوفا عليه : البعض من هؤلاء الأصدقاء يتزينون 
بحزام الطلقات وحزام السيف أيضا الذى يسمع له حقيف ينبعث من السلاسل المعدنية 


00 


الكثيرة ومن عبوات البارود المصنوعة من النحاس الأصفر ؛ كما يحمل كل واحد منهم . 
على كتفه بندقيته الفتيلية الطويلة . هؤلاء الضيوف يثبتون قدرتهم على الرماية 
باستعمال نلك البنادق التى يصويون طلقاتها إلى رأس الذبيحة التى ذبحها والد الطفل , 
الذى يقولون له "باب" ناطم83 , إكراما وتكريما لضيوفه . وكل واحد هنا ينحر ذبيحته 
بنقسه , مثلما كان الحال فى العالم القديم » كما يقوم بسلخها وتقطيع اللحم بسرعة 
العرب المعهودة . واليدى الرحل كلهم ويلا استثناء خبراء فى الذبح والسلخ وتقطيع 
اللحم ؛ وهاهى أرباع الذييحة معلقة على دغل من الأدغال أو فى غصن من الأغصان , 
التى ريما يعثرون عليها أثناء تجوالهم فى الصحراء . عند أطراف الجبال أو حوافها . 
وعندما تميل الشمس إلى الغروب يجرى وضع اللحم فى قدر كبير , يقولون له "الجدّة" 
83 . ويترك البدى كرش الذبيحة وأمعاعها معلقة على الغفصن أو الدغل . ويعد ذلك 
يجرى طبخ اللحم مع الثريد المتوافر لديهم » ويعذ أن يكتمل غروب الشمس ٠‏ يرحن 
الصبايا يرقصن منفردات على شكل حلقة أو دائرة : وهنا يتقرق الرجال وينتشرون 
لأداء الصلاة » وخلال تلك الفترة يجرى إدخال ماشية كل أسرة من الأسر إلى المراح 
المخصص لها , ويعد أن ينتهى الرجال من أداء الصلاة » يقدم العشاء فى الخيمة : 
والطبق الخشبى الذى يوضع أمام الرجال يكون فيه من اللحم مقدار يكفى لعشاء 
ثلاثين رجلا . وبعد ذلك بفترة وجيزة يحضر بعض الرعاة محدثين شيئا من الجلبة وهم 
عائدين من الحقل ؛ ويقترب أولئك الرعاة من تلك الضوضاء المرحة التى تصدر عن 
احتفال المرّين وهنا يستشعر أولئك الرعاة رغبة الرقص فى داخلهم . ويكون هؤلاء 
الأولاد صقا ؛ بأن يضع الواحد منهم ذراعه على كتف من يقف إلى جواره » ويروحون 
يضحكون ويسمرون ؛ ويروحون يصيحون وهم يتقدمون إلى الأمام » ثم يرجعون إلى 
الخلف ؛ ويتمايلون ويتقدمون ٠‏ ويتلوون ؛ كل ذلك وهم ممسكين بيعضهم اليعض ؛ 
ويتغنون كلهم بأغنية هى عبارة عن مقطع واحد فقط من الشعر . أثناء ذلك » تصفق 
ربات البيوت داخل الخيام » ثم تنهض واحدة منهن تحمل فى يدها عصا ؛ وعندما يقيل 
عليها الرجال الذين يرقصون تقوم بالرقص استقيالا لهم ؛ هذا فى الوقت الذى يواصل 
الرجال فيه رقصهم على شكل صف واحد » وهم يرددون المقطع الشعرى تقسه , 
وعندما يتقدم الرجال نحو هذه المرأة تبدأ هى فى الرقص فى اتجاه داخل الخيمة , 


77 


وتتظاهر بالدفاع عن نقسها باستعمال العصا ؛ وتوجه المرأة وجهها نحو الرجال : 
الذين يواصلون أغنيتهم بصوت الرجال الجهورى ٠‏ كما لو كانوا يلاحقون تلك المرأة .- 
والبدو الرحل يتخيلون ضرورة الختان : ولما كان البدو رعاة فهم يزعمون أن ذلك يحدث 
فى كل أنواع الماشية , وأن ولد آدم هو الوحيد الذى يحدث مثل هذا الشكل من أشكال 
الإعاقة . وعندما سالونى فى هذا الأمر قلت لهم : "يوسعكم تعديل عمل الله (سيحانه 
وتعالى) هذا ! * - "وردوا على قائلين : نحن لا نتكلم عن ذلك , وإنما نتحدث عن 
السرعة فقط ٠.‏ سالتهم : وما هى واجيات المسلم ؟ وأجابونى : "أن يصوم الرجل 
الشهر ٠‏ وأن يؤدى الصلاة ؛* - ولم يتطرقوا إلى ذكر الختان , الذى يسمونه "تطهرا” . 

فى اليوم الخامس عشر من شهر أبريل . بعد ريح هبت علينا فى الصباح » 
وموجة من البرد جاعتنا من اتجاه الشمال الشرقى ؛ اكتشفت فى فترة ميكرة من مساء 
ذلك اليوم أننا كنا على ارتفاع حوالى 1.٠٠١‏ قدم ؛ كما وجدت أيضا أن درجة الحرارة 
كانت 55 فهرنهيتية داخل الخيمة ؛ وأن الهواء كان ما يزال ساكنا والشمس ساطعة . 
هاهى الأعشاب الخضراء قد ذوت , ويدأ جفاف الصيف يطالعنا . كما بدأت الصحراء 
تغير لونها ؛ هذا يعنى انتهاء فصل الربيع . تحرك البدى ليقيموا فى مخيماتهم المنعزلة 
الجرداء : وذات صباح ٠‏ ويعد أن سيقت الإبل إلى المرعى بحوالى ساعة من الزمن , 
جاعنا إنذار من المقدمة يقول بوجود ٠‏ جوم 600 (غزو ) . كان أحد الرعاة قد أفلح 
وعاد إلينا هاريا , راكبا ذلوله ( ناقته) ليبلغ المجلس أن "الإبل" !أت'-اة » أى “"قطعان 
الجمال”" قد جرى الاستيلاء عليها .* وهنا وقف الشيوخ من حول وجار القهوة وتركوا 
فناجيلهم وبدت على وجوههم نظرات الدهشة والعجب : وانصرفوا جميعا كل يبحيث عن 
فرسه , على وجه السرعة . لقد سيق لهؤلاء الشيوخ أن شاهدوا بالأمس بعضا من 
الحرامية 5هلزز13:3! . يحومون حول المكان ٠‏ ويالتالى سارع كل واحد من هؤلاء 
الشيوخ إلى إحضار سلاحه . كان الناس يجرون من الخيام كما لو كانوا زنابير هائجة 
: بعض هؤلاء الرجال كانوا من حملة البنادق الفتيلية ؛ ويعض آخر كان مسلحا 
بالرماح . وكان الجميع مشاة , اللهم باستثناء الشيوخ الذين كانوا يركبون الخيول , 
وسارع الجميع قدما بحثا عن أعدائهم . الذين لم يتمكنوا من رؤيتهم عند ذلك الأفق 
الصحراوى القصير : ولم يبق فى المخيم سوى ربات البيوت . والأطفال وقليل من 


72 


المرضى وكبار السن . وطلب البعض متى أن أركب وأذهب لمهاجمة الأعداء اللصوص : 
كان زيد قد سيق له القول : إن خليلا سوف يقاتل معهم . "(صاحت ريات البيوت قائلة) 
يا خليل , قل لذا طالعنا فى كتبك الحكيمة ؛ ألا تستطيع التنبؤ بإستعمال هذه الكتب 
(شوف 4تاا5 فى الغْريّب!*) دأه:5و 11) إقرأ فى تلك الكتب وخبرنا عما تراه فيها عن 
هؤلاء الجومانيين ( اللصوص ) .- لقد حق عليهم العقاب ! والمؤكد هى أن هؤلاء 
اللصوص شاهدوا نيران الحراسة فى الليلة الماضية , ويالتالى استتروا وتواروا خلف 
الجيل إلى أن يحين موعد إطلاق الإبل إلى المرعى .* - مضى علينا صباح طويل , 
ونحن غير واثقين مما يمكن أن يسفر عنه ذلك الحادث السيئ . 

كان مطلق قد ركب دابته قبل أيام عدة ٠‏ قاصدا مدينة حائل للقاء الأمير ‏ وخلّف 
وراءه رحيل 830961 فى حكم القبيلة ؛ ورحيل هذا رجل مضطرب الذهن , إذا ما 
تأزمت الأمور ووصلت إلى مثلما هى عليه الآن . بعد أن عاد أفراد القبيلة المسلحين 
بعد الظهر , ذهب الجميع إلى الجلوس داخل المجلس ومناقشة الحادث المفزع ؛ ولم 
أسمع من واحد من الحاضرين أية كلمة عن مطاردة اللصوص أو تعقبهم ؛ وعندما 
ساألت الجالس إلى جوارى : "قال . سوف يركبون إبلهم ٠‏ على القفور , لآن الإيل 
المسروقة لأبد أن تعود إلى ديارنا فى المساء ؛" والسبب فى أن القسم الأكبر من 
الماشية جرى الاستيلاء عليه , فيما عدا ذلك القسم من الماشية الذى كان يرعى فى 
الجانب الشمالى من الْمنَزل . معروف أن السرعة والتعجيل فى العمليات الحربية أمر 
جد مهم ؛ ولكن هؤلاء البدو ظلوا بلا خراك طوال اليوم وتركوا اللصوص يفلتون ؛ وهم 
يتعجبون من أمر هؤلاء اللصوص ومن يكونون ؛ قال جميع الحاضرين : هم بعضص 
أعراب الشمال ." نظرا لأنهم كانوا مسلحين بمسدسات . وراح الحاضرون يقلبون 
الأمر ويعملون عقولهم كى يحددوا إن كان هؤلاء اللصوص من بدى الشرارات أو من 
حويطات بن حاسى (أى بدو من المنطقة المحيطة بقرية معان) ؛ أى أنهم من بدو الرولة . 
"قال زيد : اسمعونى وسوف أوضح لكم الأمر ٠‏ وأحدد لكم من هم هؤلاء اللممسوص 


(*) المقصود "بالغريب' بضم الغين وتسكين الباء ؛ هو "الغيب" وهذا أمر مألوف عند البدو فهم عندما يقولون : 
'الغرنم” بفتح الفين وتشديد التون وفتحها يعنون (الغنم) (المترجم) 


73 


(كان ريد هو الذى يتمتع بذلك الغرور والخيلاء بينهم) . أقول لكم إن هؤلاء اللصوص 
من الصخور 8-50106© » وسوف نتأكدون من صدق كلامى ". وجرى بعد ذلك تدير 
تلك الكلمات القليلة التى خرجت من شفاة العدو . لقد تحدى اللصوص رعاة الإيل 
متسائلين : "من أى أعراب يا أنت ! هل أنت من الفجير ؟" ولكن ذلك لا يعد كافيا فى 
مسألة تحديد لغة :098:2-! قبيلة من القبائل . كان الجوم (اللصوص) أو إن شئت فقل : 
الغزاة , ثلاثة عشر خيالاً ؛ كما كان معهم أيضا عشرين لصا آخرين يركبون جمالا . 
وأثناء اقتياد اللصوص للغنيمة ٠‏ شردت منهم قرس من الأفراس ٠‏ جرى اقتيادها إلى 
المخيم , ولكن أحدًا لا يعرف شبيئا عن تلك الفرس , والسبب فى ذلك أن الشيوخ البدوى 
ليس من عادتهم وشم خيولهم بالعلامات التى يميزون يها ماشية القبيلة . وقد نفقت تلك 
الفرس فى اليوم.الثالث, بسيب الظمأ الشديد ! وكان السبب فى ذلكء؛ أن أحدا لم يجرؤ 
على سقى تلك الفرس من الماء القليل جدا الذى فى حوزته . ومعروف إنه إذا ما ضلتٍ 
عنزة من الماعز وراحت تتجول بين البدى , ولم يتمكنوا من معرفة صاحبها » فإن أحدًا 
لا يقدم الماء مطلقا لمثل هذه العنزة . ويوم أن كنت مع هؤلاء البدى . أنقذت حياة حيوان 
أى اثنين من الحيوانات الضالة ؛ بأن أقنعت بعض المرضى الذين كانوا يترددون على » 
تقديم الماء لهذين الحيوانين الضالين . 

حصر الجالسون فى المجلس عدد الإبل التى استولى اللصوص عليها : بأن راحوا 
ينادون على أسماء أولئك الذين سرقت ماشيتهم : كان زيد هو الذى يقوم على أمر ذلك 
الحصر » إذ كان يرسم خطا على الرمل يشير به إلى كل عشرة من الجمال ؛ وعليه أبلغ 
زيد الحاضرين أن عدد الماشية الصغيرة المسروقة بلغ مائة وعشرين رأسا ٠‏ إضافة 
إلى سبعة من الإيل - وقدر قيمة ذلك بحوالى ٠١‏ جنيه إنجليزى أو ما يزيد على ذلك . 
يضاف إلى ذلك أن إجمالى عدد إبل القبيلة لم يكن يصل إلى "٠٠٠١‏ رأس , ولا أعتقد 
أيضا إنه كان يمكن أن يكمل ١6٠١‏ رأس ؛ زد على ذلك ؛ أن كل ثروة الفكارة » التى 
هى عبارة عن مقتنيات حوالى عشرين أسرة » هى وماشيتهم الكبيرة والصغيرة , 
إضافة إلى خيامهم وأوانيهم » كل ذلك لا يزيد ثمنه » من وجهة نظرى » على ١7..٠‏ 
جنيه إسترلينى . يضاف إلى هذا المبلغ حوالى ٠٠١‏ جنيه إسترلينى أخرى » هى قيمة 
الميراث الذى خلفه لهم آباؤهم فى خيبر . وأنا أرى أن متاع أو مقتنيات أية أسرة من 


74 


أسر هؤلاء البدى الجنوبيين لا تزيد قيمته بأى خال من الأحوال على ما قيمته ١+.‏ 
جنيه إسترلينى ؛ وهذا ينطيق أيضا . ويدرجة كبيرة , على البدو الذين يحيطون 
بالفكارة ويجاورونهم . هذه القبيلة الصغيرة ٠‏ فيها النبلاء » وفيها من هم أيضا من 
عامة الناس ؛ وفيها أيضا وفرة العيش ؛ وفيها أيضا الفقر والعوز . والبؤس . هذا 
الشيخ مطلق الكبير ٠‏ الذى تفوق ملكيته ملكية الآخرين فى قبيلته » لا يزيد ما يملكه من 
الإيل على خمسة وعشرين جملا . هناك أيضا فارق بين قبيلة وأخرى : هذا يعنى أن 
قبائل الشمال الكبيرة : كما هو الحال فى قبيلة العنزى السورية . وقبيلة الشمر 
الشمالية التى تعيش فى أراضى بلاد الرافدين ؛ هاتان القبيلتان تتجولان فى بلاد غنية 
وثرية » ومن هنا فهما غنيتان أيضا بالماشية والخيول : وهذا الكلام ينسحب أيضا على 
قبيلتى قحطان والعتيبى وهما من قبائل الجنوب ٠‏ ( سوف نرى أن ديار هاتين القبيلتين 
إنما تروى كل عام بفعل الرياح الموسمية ؛) ولكن قبائل الوسط البدوية , التى تعيش فى 
أراضى لا تسقط عليها الأمطار؛ "أضعف” من قبائل الشمال والجنوب. أما القبائل التى 
توجد على طول طريق الحج » والتى تحصل على صرة 508 (إعانة) كل عام » فهى 
أكثر القبائل استرخاء وشريا للقهوة, كما أنها كثيرة الكلام دونا عن سائر بقية القبائل. 
وشيوخ الفجير يتقاسمون فيما بينهم كل عام ما يقرب من حوالى 7٠١‏ جنيه إنجليزى 
من تلك المدفوعات! . وهذا المبلغ يذهب منه حوالى ٠٠١‏ جنيه إنجليزى إلى الشيخ زيد » 
الذى يتسلمها باعتبارها إرثا آل إليه من والده » فى حين يحصل الشيخ مطلق على 
مبلغ ١٠١جنيه‏ إنجليزى : كما يحصل مطلق أيضا على بعض الملابس والحبوب » علاوة 
على بعض المخصصات التى يحصل عليها أيضا لخيامه ولشراء الأوانى ؛ وبالرغم من 
ذلك فهم جميعا من الفقراء , ولن ينصلح حالهم أكثر ذلك . وحلال مطلق , أو إن شئت 
فقل : 'ثروته من الماشيه" . هى وفرسه وكذلك خيمته ومعها كل مقتنيات بيته » كل ذلك 
لا يساوى ‏ من وجهة نظرى » ما يزيد على مبلغ ٠٠١‏ جنيه إنجليزى : وإذا ما أضفنا 
إلى هذا المبلغ ميرائه فى قرية خيبر ٠‏ نجد أنفسنا أمام حقيقة مفادها أن كل ما لدى 
زيد لا تزيد قيمته بحال من الأحوال على ٠٠٠‏ جنيه إنجليزى . 


أضاع الأعراب من الوقت الكثير جدا الذى لا يمكن استرجاعه بأى حال من 
الأحوال ؛ فى حين قامت ربات البيوت بتجهيز يعض المؤن السريعة لأولئك الذين 


75 


سيركبون إبلهم هذا المساء ويذهبون لاسترداد الماشية المسروقة . مسألة الركوب هذه » 
تترك لاختيار البدوى نقسه ٠‏ بمعنى أنها ليس فيها أى شىء من الإجبار » ومع ذلك فإن 
كل من يكون لديه جمل يركبه » لايمكن أن يتحاشى القيام بعمل فيه خدمة للجماعة كلها 
من ناحية . والمحافظة على اسمه وسمعته بين أهله وعشيرته من الناحية الأخرى . 
تولى رحيل اغلإ821 قيادة تلك المطاردة . كان اليعض من هؤلاء البدى يتفاخرون وهم 
جلوس ويقولون : “هذه الليلة » أو مع طلوع الصبح » وعندما يظن الحرامية أنهم 
وصلوا إلى ديرتهم فى سلام ؛ ومع نيلهم أول قسط من الراحة » سنهجم عليهم فجأة , 
ونسترد ماشيتنا » بمشيئة الله » كما سناخذ ماشيتهم من بين أيديهم ." والإبل عندما 
يقتاذها الغزاة اللصوص ٠‏ يطاردونها طوال ذلك اليوم ويجعلونها تجرى أمامهم طول 
الوقت . أملا فى الإفلات من المطاردة والملاحقة ؛ ويذلك يكون هؤلاء اللصوص قد 
قطعوا بتلك الماشية حوالي ٠٠‏ ميلا عتدما تيدأ الشمس فى الغروب . كانت آخر 
الكلمات التى سمعتها قبل أن ينهض البدى واقفين للقيام بتتك المطاردة : "إن شاء الله , 
سوف يعود كل جمل جرى خطفه يواسطة هؤلاء اللصوص ؛ ستعود كل هذه الماشية 
غدًا إلى هذا المكان » فى مثل هذا الوقت , وستقف كل دابة أمام خيمة صاحبها :* 
وتفرق البدى على إثر ذلك الفأال الحسن ؛ وذهب كل واحد منهم لتناول العشاء . على 
أمل أن يستقل الركاب إبلهم يعد ذلك , والمعروف أن الشيؤخ ( فى المطاردات الطويلة ) 
لا يصحبون معهم أفراسهم . أما زيد فقد جلس ساكنا بلا حراك فى منزله ؛ قال : إنه 
لدية جملان 'ولكنهما مريضان" . وهذا هى خلف ]1645813 يجلس هو الآخر فى خيمته ؛ 
وخلف هذا ٠‏ رجل يتباهى بأن ثمن فرسه يساوى عددا كبيرا من الجمال ؛ ويإنه واحد 
من أكابر شيوخ ولاد على ؛ ومع ذلك ليس لديه ما يركبه . وهذا سبب واه من منظور 
ميزان المرأى العام ؛ ويقى زيد جالسا طوال نهار اليوم التالى » حزينا يحتسى الكثير 
من القهوة » ويحتج بشدة معريًا عن أسفه , ويقسم بالله » إنه جد آسف لإنه لم يذهب 
مع الرجال . ٠‏ 

كانت إبل زيد قد أنقذت ونجت من السرقة فى تلك المرة نظرا لأنها كانت ترعى فى 
الجانب الآخر من الصحراء ؛ ومع ذلك فإن المصيبة التى تكون من هذا القبيل تعم 
الجميع » ويتعين على القبيلة كلها تحملها . هذا يعنى أن أحدا ممن سرقت ماشيتهم 


76 


سوف يترك معوزا أو محتاجا ؛ ولكن الشيخ الذى يحكم القبيلة سوف يفرض ضريبة 
على كل أفراد القبيلة . على أن يجرى تسليم قيمة تلك الغرامة . من باب المساهمة 
العامة ؛ لهؤلاء الناس ؛ خلال يوم أى يومين . وفى مثل هذه الظروف يوفد شيخ القبيلة 
الحاكم بعض الأقراد كمَقَيمِين إلى منازل المتكويين , لإحصاء الماشية المفقودة من كل 
أسرة من الأسر . وجرى فى اليوم التالى تحصيل ضريبة من زِيد » على عدد من 
الماشية أقل من العشرين رأسا التى يملكها . وعلى جمل وعدد صغير من الماشية 
الصغيرة . واليدو الرحل الذين شاهدناهم : هم من النوع الذى يتشارك أفراده فى 
الثروة العامة ؛ ويحكمهم شيوخهم حكما عادلا ومنصفا . هذا يعنى أن هؤلاء البدو 
يتقاسمون خسائرهم » وقد يمتد ذلك الأمر إلى القبائل الكبيرة . معنى ذلك أن المصائب 
قد تحل بتلك القبائل , إذ قد تصادف قبيلة من تلك القبائل يوما أغيرا ٠‏ لم يسبق لها 
أن صادفتة على امتداد سنوات طويلة ٠‏ ويجرى فى ذلك اليوم . بضربة واحدة ؛ تجريد 
قبيلة من كل ماشيتها , مثلما حدث بعد ذلك ؛ على حد علمى ؛ للموءاهيب .- ولكن ماذا 
يحدث بعد ذلك ؟ قام أفراد قبيلة البلّى المجاورين لهم بإعطائهم الكثير من ماشيتهم . 
وإذا ما سرقت ماشية غريب من الذين يسكنون مع قبيلة من القبائل ٠‏ فذلك 
لا يرتب أى التزام على أفراد القبيلة » نظرا لأن هؤلاء الغرباء لا يتقاسمون الخسائر 
مع أفراد القبيلة الذين يستضيفونهم : ومع ذلك هناك بعض القبائل الضخمة ٠‏ (وقد 
سمعت ذلك ما يقال عن قبيلة الشمر) التى قد تقدم ؛ من باب التطوع , لهؤلاء الغرباء . 
شيئا من المعونة , طالما أنهم كانوا يعيشون بينهم منذ فترة طويلة » وذلك من باب 
مشاطرة أولئك الغرياء أحزانهم ومصائبهم . والقروى عندما يعهد بماشيته إلى واحد 
من البدى » كى ترعى مع ماشيته » ويحدث أن تسرق تلك الماشية مع ماشية القبيلة , 
يطالب البدوى برد ماشيتة إليه » ويتصرف معه تصرفات دنيئة» من منطلق إنه دائن له, 
كلما التقاه فى قريتة : ولكن البدوى الذى لا تقيده قوانينه وأعرافه بالتعويضات التى ' 
من هذا القبيل يأخذ حذره ولا يخاطر بالاقتراب من تلك القرية . هذه المشاحنات 
موجودة منذ زمن بعيد » بل إن البدو يتوارثون الأحقاد القديمة إلى الجيل الثالث .- 
وقانون إسرائيل يساند القروى فى مثل هذا الحال » ويلزم الراعى ( البدوى ) بتعويض 
أو إعادة الماشية إلى صاحيها . توجد بين البدو أيضا خسارة أخرى لا يجرى 


77 


التعويض عنها » وذلك عندما تسرق ماشية واحد من اليدى ؛ ويكتشف شيوخ المجلس », 
أن تلك الخسارة كانت بسبب البدوى نفسه ‏ وأن تلك الخسارة لم تكن من أجل صالح 
القبيلة بشكل عام . وهنا يقوم ذلك القبلى المتكوب بوصف الشيوخ بأنهم ليسوا عادلين 
أى منصفين , ويالتالى يظل مثل هذا البدوى عاريا ولا يعوضونه عن خسائره من 
مواشى القبيلة : ولقد صادفت الكثيرين من أمثال هؤلاء البشر . كما شاهدت أيضا 
بعض البدى الأثرياء الذين حل عليهم الفقر فقجأة : عندما نفقت إبلهم كلها دفعة واحدة 
بفعل مرض أو وياء من الأويئة . أمثال هؤلاء الناس يتصادقون فى أيام النكبة » شأتهم 
شأن أمثالهم فى يقية أنحاء الدنيا كلها . وفى مثل هذه الظروف » وحسب احتياجات 
ذلك المنكوب » يقوم كل واحد من أفراد القبيلة باقتياد رأس من الماشية وتسليمها لذلك 
المتكوب ؛ وبذلك يتمكن مثل هذا الشخص من استعادة شىء من قونة السابقة . 

مقابلة الغزى بالغزى فيه دمار للأعزاب . فالسطو والسطو المضاد لا يؤديا مطلقا 
إلى الرواج ؛ والأمر لا يعدى أن يكون فى نهاية المطاف مجرد تبادل للماشية على تحو 
سيئ للغاية . من هنا ومن منظور البدى » فإن قوات إبل الفكارة عبارة عن 'خليط , 
بمعنى أنها ليست كلها من نوع واحد ؛ مما يدل على إنهم سرقوها من ديار عدة . 
أبلغنى ولد مطلق ٠‏ أنه سوف يتولى المشيخة بعد والده , “نعم والله . كل إبلنا حرام 
(بمعتى أتها جرى الحصول عليها عن طريق الغزى ») . وليست ملكا شرعيا لتا .' 
يضاف إلى ذلك ؛ أن بدى الفجير , أصابهم الفقر فى السنوات الأخيرة » جراء غزى 
جيرانهم لهم : فقد غزتهم قبيلة بشر » ومن بعدها ولاد على ؛ وأخذوا منهم قطعان 
الماشية ؛ ولكنهم فقدوا القسم الأكبر من تلك القطعان بسبب وياء من أويئة الماشية , 
التى تصيب القطعان فى تلك المضارب الرملية ؛ وهذا الوياء يجىء للحيوان على شكل 
مغص » أدى إلى نفوق البقية الباقية من حيوانات الفجير الصغيرة . وقبل ذلك يعام 
واحد . كان لدى زيد قطيع مشترك » أو إن شئت فقل : مختلط , من الماعز والغثم » 
الأمر الذى مكن حرفة » زوجة زيد » فى فصل الربيع المنصرم ٠‏ من صناعة حمولة حمل 
ونصف جمل من السمن (أى ما قيمته حوالى ١8‏ جنيه إنجليزى). وها أنا اليوم لا أرى 
أمامى سوى نعجة واحدة وعنزتين من ماعز اللبن ٠‏ هى كل ما تبقى لهما من الماشية 
الصغيرة » وهاتان العنزتان لا تعطيان من الحليب سوى سلطانية صغيرة كل يوم » 


76 


وبالتالي فإن زيد لا يود شراء المزيد من الحيوانات الصغيرة نظرا لخيبة الأمل الذى 
منى يها . كان زيد قد ورث عن والده الذى كان شقيقا لشيخ القبيلة الكبير السابق » 
عددا كبيرا من أشجار النخيل في قرية خيبر : ونظرا لأن نصف الثمار يأخذها 
المزارعون الزتوج » فإن ما يحصل عليه على شكل إيجار يصل إلى حوالى 2٠١‏ ريال . 
من هنا يتضح أن زيدا بُحكم حصوله على صرة كل عام ؛ يكون لديه نقودًا يصرف 
منها كل يوم ؛ طوال سنوات الرواج ٠‏ أى بواقع ريالين فى اليوم الواحد ؛ وهذان 
الريالان هما ثمن لماعز واحدة , وهذا يعد مبلغا كبيرا فى تلك الصحراء الجرداء : ومع 
كل ذلك كان الرجل بائسا , ويتفنن فى تأخير سداد المستحقات إضافة إلى إنه كان 
وراء عملية الريا . كان شيوخ ينى وهاب يدخرون "نقودهم' 53886!: ( من الصرة التى 
كانوا يحصلون عليها من الدولة كل عام ٠‏ ) فى قرية العلا ؛ ومن هذه النقود يستطيع 
الشخص الوضيع أن يزيد "حلاله” ( ماله ) فى صمت ؛ وقد يتجرأ ويشترى لتفسنه 
فرسا جديدة . 

تغيبت جماعة الملاحقة والمطاردة التى كان رحيل يتزعمها ثلاث ليال عن المخيم . 
هذا يعنى أن ما تبقى من الرجال فى المخيم كان عددًا قليلا جد ؛ وكان ذلك العدد 
القليل من الرجال يتجمعون سويا لشرب القهوة . أما ربات البيوت المحبات فكن 
يجلسن خارج الخيام طوال اليوم ينتظرن عودة الرجال : وقبيل ظهيرة اليوم الرابع » 
سمعنا صوت زغاريد النساء !- ولكن نغمة القرح هذه لم تدم طويلا » بل وماتت فى 
حلوقهن , عندما أطلن النظر . ورأين أن القادمين عليهن عند الأفق لم يكونوا يقودون 
معهم أى شىء وهم عائدون إلى مخيمهم . ونهض الرجال بدورهم وراحوا يطيلون 
النظر فى الاتجاه نفسه . “قال الرجال : ما معنى صياح الحريم إذن ؟ اتظروا , هاهم 
الرجال يعودون خاوين الوفاض ؛ كما أن كل واحد منهم يركب منفردًا عن بقية الجماعة 
حتى ينزل من فوق راحلته أمام خيمته !" وبناء على ذلك , عاد أولئك الرجال إلى كسلهم 
المميت ؛ ودخلوا الخيمة من جديد دخول الخاسرين , ليستأنفوا جلوسهم من جديد . 
قال الرجال : البعض منهم سوف يأتوننا بالأخبار” . نزل رحيل ٠‏ بعد ذلك بفترة 
قصيرة ؛ من على جمله أمام خيمته ٠‏ التى تقع خلف خيمتنا وعلى مسافة قريبة .- 
وهنا تخرج ربة البيت فى اتجاه زوجها وهو يقوم بتبريك جمله ؛ وتستقبله فى صمت » 


79 


وتنزل سرج ( عدة ) الجمل من فوق ظهره ٠‏ وتنقل مهمات ومعدات رُوجها إلى داخل 
الخيمة . ليس من عادة الرجل ( رحيل ) أن يحيى زوجته بصورة علنية , كما إنه ليس 
من عادته أيضا تحية المجلس بشكل علنى أى صريح أيضا ؛ كما إنه لن يتحدث إلى 
زوجته أيضا؛ ويناء على كل ذلك ٠‏ تقدم رحيل نحونا على الفور؛ قبل أن يدخل خيمته .- 
"السلام عليكم !' قالها رحيل من حلق جاف ٠‏ وجلس وهو يتنهد تنهيدة رجل متعب 
مكلوم ؛ يغلب عليه الحزن وأردف قائلا لنا : 'فى اليوم الثانى ؛ وهم يتتيعون العدو 
عبر النفود” وصلوا إلى منطقة هبت عليهم.فيها ريح طمست آثار أقدام اللصوص ,”" 
ثم أضاف يقول : "هذه هى إرادة الله !" وعند هذا الحد أداروا رعوس دوابهم عائدين 
إلى المخيم :- لم يكن لديهم ما يهتدون به قى أنحاء الأرض المحيطة بهم » حتى يتمكنوا 
من اقتفاء أثر اللصوص من جديد . قال الأعراب الكسالى . "حسن ؛ هذا هو ما قدره 
الله لنا !' شاعت لهم الأقدار أن يتركوا عدوا ضعيفا يقلت من بين أصايعهم » يسبب 
ريح بسيطة , بالرغم من أن أولئك اللصوص كانوا يقتادون معهم معشار ما معهم من 
إبل . ولكن رحيل . من باب إعطاء حكايته نهاية طيبة تعجب قائلا : والله » لقد عثروا 
على ماء فى آبار الحيزة فى النفود ؛ وأنهم عندما مروا بتيماء مرة ثانية » سمع رحيل 
الناس يقولون إن بعض اللصوص عرجوا على ذلك المكان . وأن هؤلاء اللصوص كانوا 
من الشرارات ." - كان رحيل هو وجماعته قد قطعوا حوالى مائتى ميل . '( قال البدو) 
سوف نعرق بالتدريج من هم أولئك القبليين الذين سرقوا إبلنا ؛ ويعدها سوف نغزوهم 
نحن بدورنا » وسوف نأخذ منهم بمشيئة الله » عددا مساويا لعدد تلك الإبل التى 
سرقوها منا .“ ولكن المعروف أن الغزى يعود صفر اليدين فى معظم الأحيان : وهذه 
على سبيل المثال جماعة من جماعات غزو الفقارة قوامها 'عشرون رجلا راكبين' أو إن 
شئت فقل : عشرون رجلا يركب كل واحد منهم جملا » أغاروا مؤخرا على بنى عطية » 
ولكنهم عادوا من تلك الغارة بخفى حنين . 

كل إمرئ يعتمد على نقسه فى تلك الصحراء الواسعة : وليس هناك من هى على 
استعداد لتحمل الخدمة العامة بلا مقابل . وشيخ القبيلة » أو أى شيخ من شيوخها » 
قد يستطيع إقناع , ولا أقول إرغام , أى فرد من أفرادها على القيام بذلك ؛ يضاف 
إلى ذلك ؛ أن المضار إذا ما ذهب بمفرده » فلن يستطيع الشيخ منعه من ذلك . 


50 


والمعروف أن الهيئة العامة ضعيفة , ومكونة من أعضاء لا تريط بينهم رابطة قوية » من 
هنا فإنهم تحدث لهم كثير من الأحداث السيئة » التى يمكن تجنب وقوعها إذا ما كانت 
هناك سياسة عامة يلتزم بها الجميع .- '( قلت موجها كلامى لزيد ) لماذا لا ترسلون 
رجالا يستطلعون, ومن ثم يستكشفون الصحراء أمام مواشى الرعى؟ أو ألا تستطيعون 
إرسال البعض منكم للقيام بعملية المراقبة من فوق قمم الصخور , ويذلك تستطيعون 
فراقنة ظيو الغرى 1ؤلاذ1" يا مل تَفيْشون وسبط المتهراء الواشسهة ووسظ :الخط. :+ 
تلزمون أنفسكم بمخاطر غير محسوية ؟: وعندما كرر زيد كلامى على مسامع أفراد 
المجلس . رد ولد الشيخ على القور قائلا: “نعم . وهذا شىء طيب فعلا . إذا ما وضعناه 
موضع التنفيذ ؛ ولكن , لعلمك يا خليل ؛ ليس هناك من بين البدى من هم على استعداد 
للمغامرة على شكل أزواج »٠‏ أو ثلاثيات » وذلك تخوفا من الحباليص ( اللصوص ) ؛ 
إذ إننا ليس فى وسعنا معرفة المكان الذى يكمنون أو يختبئون فيه » إلى أن تفاجاً بمن 
بأتينا من خلف صخرة أو من خلف دغل من الأدغال وهى يفاجئنا قائلا : “ده , 088 ! 
ويعدها تضيبك طلقة بندقيته . ش 

عاد مطلق فى أواخر الأسبوع قادما من بلدة حائل : لم يسبق لمطلق أو لأحد من 
رفاقه السفر إلى حائل قبل هذه المرة ؛ ولكنهم قطعوا مسافة مائة ميل عبر الصحراء 
الجرداء . وكان مرشدهم الؤحيد فى كل هذه الرحلة . هى العلامات الجبلية ؛ التى 
تعرفوها وتساطوا عنها قبل بداية الرحلة . كنا قد غيرنا مكاننا عدة مرات أثناء تغيب 
الشيخ مطلق؛ وكنت استغرب بحق كيف استطاعوا الوصول إلى المنزّل الذى نحن فيه » 
دون أدنى خطأ. ونظرا لأن أفراد القبائل يحددون رحلاتهم قبل بدايتها » فذلك يمكنهم , 
فى غضون مسير يوم واحد ء من تغرف أثار أقدامنا , وهم ركوب على دوابهم » ويذلك 
يتمكنون من اقتفاء أثرنا فى الرحلة الجديدة ؛ يضاف إلى ذلك , أنهم عندما يتسلقون 
القمم أثناء عودتهم , فإنهم يبحثون عن الخيام السوداء التى يسكنها الأعراب من 
أهليهم . وبدذلك يستطيع أولئك الملاحون البريون الوصول . بصورة متدرجة ٠‏ إلى الميثاء 
القروى المضطرب الذى يقع عند نهاية رحلتهم . جاء أفراد القبيلة ٠‏ الذين لم يكونوا 
مصاحبين لرعى الماشية . لحضور البرلمان ٠‏ أى إن شئت فقل : المجلس ٠‏ الذى أبلغهم 
بعودة الشيخ مطلق » ووجوده فى خيمة شقيقه رحيل , ليستمعوا إلى الشيخ وهو يروى 


68 


لهم عن مهمته التى قام بها إلى الأمير , تلك الرحلة ؛ أو المهمة , التى عادت بالكثير 
على السياسة التى تنتهجها هذه الأمة الصحراوية الصفيرة .- كان كل واحد من 
الحاضرين قد سلّح يده بغليون التبغ » وراح كل من يحضر يقول : “قوّاك . يا مطلق ؛* 
وكان يسلم غليونه بعد ذلك للشيخ الكبير . جلس مطلق أمامهم مشرئب الرأس , مرتديا 
ملايسه الجديدة ‏ وهى الهدية المعتادة التى يقدمها الأمير لزائريه » وراح يملأ رعوس 
الغلايين لكل الحاضرين ؛ من التبغ طيب الرائحة الذى يطلقون عليه اسم "الحميدى" 
ويزرع فى بلاد الرافدين ؛ والذى جلب منه استهلاك أسبوع كامل , اشتراه من عاصمة 
القرية . قدمت القهوة ببطئ إلى جميع الحاضرين ؛ الذين كانوا يشكلون جمعا كبيرا 
من الناس . كان ذلك اليوم شديد الحرارة . وهاهى شمس الظهيرة فى سمت السماء , 
ومع ذلك لم يكن من بين الحاضرين من نراودة نفسه عن الذهاب لنيل قسط من النوم . 
أى حتى لتناول طعام القداء ؛ هكذا كان الناس يتشنوقون لسماع ذلك الذى يدور فى 
عقل ذلك الأمير المرعب. جلسوا جميعا فى ذلك اليوم بلا حراك » ولم يتزحزح أحد منهه ' 
من مكانه . بل إنهم كانوا صائمين عن كل أنواع الزاد فيما عدا القهوة والدخان , 
واستمر ذلك الحال إلى حلول المساء .- وقد صرح الأمير لهم بالعودة دون خوف , 
إلى ديرتهم. 

يحصل زوار بن الرشيد , بعد الاجتماع ؛ على غيار من الملابس ؛ إضافه ؛ إلى 
هبة مقدارها ستين ريالا فضيا أعطاها الأمير للشيخ مطلق , كما أعطى كل واحد من 
مصاحبيه ورفاقة عشرة ريالات فضية أيضا . تلك هى فنون حكام الجزيرة العربية , 
التى تقوم على احتواء إرادات البدى الأجلاف المتذبذبة » عن طريق التظاهر بالكرم 
والسكاء :هذا يع أن الأميل بحسن نكر ناته املا فى أن مص د عشرة أنكال 
ما بذره فى العام التالى . كان مطلق شيخا من شيوخ قبيلة من القبائل الفرعية غير 
الرئيسة , ويعيدة عن متناول وصول يد بن الرشيد إليها . ومعروف أن الضريبة التى 
تفرض على البدى تكون خفيفة؛ وإلا عجز الزبانية عن تحصيلها؛ ومعروف أن الكراون!*) 
الواحد يدفع عن خمسة من الإبل » أى بواقع شلن واحد عن كل جمل ؛ أو كراون واحد 


(*) قطعة نقدية تساوى خمس شلنات . (المترجم) 


عن كل ثلاثين رأس من الحيوانات الصغيرة . وإجمالى ما تم تحصيله من الفكارة من 
هذه الضريبة لم يتجاوز أربعمائة ريال . وهى ما يعادل حوالى ثمانية أو تسع شلنات , 
جرى تحصيلها من كل أسرة من الأسر : ومع ذلك فإن هؤلاء اليدى الطلقاء » المنسيون 
تنوء كواهلهم ويغضبون من تلك الأحمال الصغيرة ؛ وحال الأمير غير ثابت » والبدو 
يعتقدون , أن الأمير صورة طبق الأصل من الشخص القوى المتجير : ولكنهم عندما 
يدفعون تلك الضريبة » يصبحون من ضمن فيدرالية الأمير(*) , كما أنه عندئذ هو الذى 
يحميهم من عداء الأعراب المجاورين لهم . كان الشيخ مطلق رجلا حصيفا وودودًا وذا 
بصيرة ؛ ولكن الريالات الستين كانت تحجب بصره ويصيرته. كانت تلك سياسة سلسة 
من الأمير , استطاع أن يمس بها أوتار قلوب الحكماء ؛ يضاف إلى ذلك أن الشيخ 
البدوى . عاد وهى يحمل ضمن طيب ملابسه الجديدة » رأيا محمودا ولى لفترة قصيرة , 
عن كل من الأمير المتملق وحكومة حائل ؛ يضاف إلى ذلك أن مطلق كان يظن نفسه 
مولى من موالى الأمير » فى الوقت الراهن , وإنه لقى من الأمير ترحابا عظيما . ولكن. 
محمد بن الرشيد المتعالى المتعجرف , الذى دفع المعونة , كان له رأى آخر فى مطلق ؛ ٠‏ 
وقد أبلفتى الأمير قيما يقد ٠‏ وزلساتة هو شخصيا + إنه كان يكره الشنيخ مطلق: 

كان الفكارة سعداء بعودتهم إلى ديارهم » التى كانت عندهم أفضل بكثير من هذه 
البلاد الجرداء العالية السطح ء التى هى ( فى رأيهم ) "غور” :9060 , بمعنى أنها 
"أرض لا خير فيها للإنسان أو الحيوان" . وهم يعتقدون أيضا أن ديرتهم أفضل لأن 
درب الحج يمر بها ؛ والبدى يقولون : “لدينا قلعة "6018»!, بمعنى المكان الذى يتردد عليه 
الناس , ويه غرف تستعمل مخازنا . كما يعقد فيها سوق القافلة » فضلا عن أن شيوخ 
البدى يتسلمون صرة كل عام . رحنا مع طلوع الصبح ؛ واعتبارا من ذلك اليوم واصل 
البدى رحيلهم اليومى على شكل رحلات قصيرة ؛ كان البدو فى تلك الرحلات يوجهون 
وجوههم شطر وطنهم . وخلفنا وراعنا جبل مسمة 161588 » ومن بعده بعض الجبال 


(*) فيدرالية الأمير : المقصود بفيدرالية الأمير ابن الرشيد هى تلك المقاطعات التى استولى عليها وأصبحت 
تابعة له مع تمتعها فى الوقت تفسه بالحكم الذاتى بشرط اعترافها بآل الرشيد ودفع الضرائي لهم . 
(المراجع) 


863 


الأخرى التى سمعتهم يقولون لها 'الروف' )803 : وفى اليوم الثالث وصلنا إلى مياه 
الشرب فى الأرض المرتفعة . كان ذلك الماء راكدا . داخل حوض من الزاط والحصى , 
يتحول فى فصل الشتاء إلى بحيرة يسمع القريب منها صوت مياه الأمطار وهى 
تتساقط عليها . قادمة إليها من “الذراى” 156:33 التى معناها “مياه المطر المحبوسة 
على شكل بحيرات . 

واصلنا مسيرنا فى بلاد أرضها من الحجر الرملى ؛ حيث الصخور السميكة , 
التى تشبه أرغفة الخبز فى فرن الفران ‏ الأمر الذى لم نتمكن معه من أولئك الذين 
كانوا يركبون دوابهم من حولنا . وبعد الرّحلة الخامسة , نزلنا مرة ثانية تحت جيل برد 
40 , كى نشرب ونسقى دواينا من متخفضات جيل الحجر الرملى المنحدر العميقة : 
وهنا راح الرعاة يحفرون حفرا.ضحلة مستخدمين أيديهم فى ذلك ؛ حيث كانوا يرفعؤن 
الرمل المبلل والمشبع يالماء فى دلاء » بينما كانوا يتغنون بالأغنية التى يتغنون بها فى 
مثل هذه المناسبة؛ وجاء الماء مشيعا بالرمل وغير جيد . واصلنا المسير بعد ذلك يوميا , 
وكنا نحمل أمتعتنا قبل الفجر , وننزل عن ماشيتنا عند الظهر . وبعد مسيرة أخرى . 
وصلنا أثناء حرارة الشمس الحارقة ؛ وبعد السير عبر السهل الواسع المرتفع ؛ إلى 
أرض جرداء من الزلط » حيث يوجد مسقى كبير ومنتجعا صيفيا القبيلة يطلقون عليه 
اسم "الأردة" (*) 498داء©-!ه . هذه هى الأراضى المرتفعة , هى فى معظمها خالية من 
أشجار السنط الصحراوية : والويل عندئذ لربة البيت » التى يضيع منها وتد من أوتاد 
الخيمة أثناء الترحال . ومع ذلك » طالعنا فجأة صف طويل من أشجار السنط , 
كما تبدت إنا أيضا ديرة بيضاء منتفخة , وهذه هى العلامات الأرضية التى تميز الأردة 
083 - . هنا فى هذه المنطقة وفى منتصف ديرة هؤلاء البدو » توجد مقبرة 
8 القبيلة . ويها بعض النياتات الجرداء ؛ التى من قبيل النخيل البرى . 
والمسافة من هنا إلى قرية الحجر تقل عن المسافة التى تقطعها القبيلة فى الرّحلة 
الواحدة : سيكون البدى مقيمين هنا أيامًا عدة . 


(*) المرجح هنا أن دوتى يقصد : “الروضة" , والروضة عند البدو هى “الأرض التى يوجد بها بعض أشجار 
الستط ومصدر من مصادر المياة” (المترجم) 


4ع 


ضلت الإيل طريقها , فى الليلة التالية , إلى مِنَزّلَ زيد ؛ وراح أصحاب الإبل 
يستطلعون كل الأنحاء. على أمل أن يكون الناس قد شاهدوا تلك الإبل فى تلك الأتحاء, 
ونظرا لأن الترية كانت تحمل أثار أقدام لا تحصى ولا تعد » ناتجة عن أقدام ماشية 
القبيلة » فقد أدى ذلك إلى انعدام قدرة الباحثين والمستطلعين على قص آثار الإبل التى 
ضلت طريقها . لم يخش أولئك البدى ؛ على حيواناتهم التى ضلت طريقها » أن تموت 
خلال أيام قلائل من شدة العطش : إذ من المعروف أن الحيوانات الضخمة الشبيهة 
بالأغنام لديها معرفة تامة بكل أماكن السقيا داخل الديرة التى تعيش فيها ؛ ومع ذلك » 
وبالرغم من طول أعناق هذه الحيوانات ؛ إلا أن قلة قليلة منها هى التى يمكنها الوصول 
إلى مياه الشرب . وقبل ذلك بثلاثة أعوام وعندما كان الفكارة فى سوريا » ضلت منهم 
بعض الإبل ٠‏ وضاعت منهم بالقرب من الحوران ٠‏ ولكن أفراد القبيلة استطاعوا 
استعادة تلك الإبل » أثناء عودتهم فى أواخر العام قادمين من المدينة ( المنورة ) » 
عندما شاهدوا » وهم يعبرون ديرتهم ؛ تلك الحيواتات وهى ترعى حول مسقى من 
. المساقى , داخل حدود الحجاز . تعرف الرجال على تلك الحيوانات ؛ عن طريق الوسم 
الموهجود عليها وتأكدوا أنها من ماشية القبيلة » ويذلك استطاعوا إحضار تلك الإبل 
الهارية مرة ثانية » بعد أن هربت إلى مواطن ولادتها » عبر سبع درجات جغرافية . 

صرفنا انتباهنا عن الحرامية 68ا88:87 . - ثم وصلتنا عن طريق أسرة صلوبية ٠‏ 
جاءت.من الحرة 58:8 أخبارا غير مؤكدة مفادها أن ماشيتهم قد أخذها الموءاهيب 
مرة ثانية : هذا يعنى أن غزوة موءاهيبية صغيرة » جاعت راكبة من ناحية الشمال » قد 
عبرت أرض اللصوص ؛ ( من عادة الغزاة الأعداء » عندما يلتقون بعضهم البعض فى 
الصحراء القاحلة أن يحيى بعضهم بعضا قائلين : “يا قوم !' بمعنى "هيه !:أيها 
الأعداء .” ) ولكنها لم تستطع أخذ الجزء الرئيسى من الماشية » أى إنهم لم يستطيعوا 
سوى عزل خمسة عشر جملا فقط . وهناك تقليد فيمنا بين القبائل الصديقة مفاده أن ' 
يدفع صاحب الماشية المسروقة ريالا واحدا عن كل رأس حتى تعاد إلية المسروقات . 

عرفنا فى النهاية أن اللصوص كانوا! طائفة من بنى صخر مثلما سبق أن أخبرنا 
زيد بذلك ؛ وقد قطعت هذه الطائفة ما لا يقل عن أربعمائة ميل اعتيارا من المكان الذى 
تقيم فيه خيامها فى سوريا إلى المكان الذى التقيناهم فيه ؛ وكانت بصحبة تلك الطائفة 


85 


فيما يتعلق بالصخور :0ا501 ٠‏ فهم عند يدونا لا بالأصدقاء أو الأعداء ؛ بل إن بعض 
أسر قبيلة الفكارة » وبخاصة أولئك الذين جاءوا من الشمال , كانت تتجول مع قبيلة 
وعقب ذلك مياشرة ٠‏ جرى إرسال شيخ شاب ؛ هو الشيخ مجول اعم ]الا نياية عن 
القجير ٠‏ إلى الشمال . سعيا إلى استعادة إبل القبيلة . وجاء رد بنى صخر أثناء 
انعقاد المجلس على النحو التالى : "إن أولئك الذين سرقوا ماشية الفكارة كانوا جماعة 
من الشباب الجهال ؛ ولكنهم لا يلامون على جهلهم هذا نظرا لأنهم وجدوا الفجير 
يتجولون خارج نطاق ديرتهم .* ووعد الشيوخ بعودة القسم الأكبر من تلك المواشى مرة 
ثانية مع قافلة الحج ؛ أما البقية فمفروض أن يعطونها لأولئك الجهّال ؛ "الذين ينيغى 
مهادنتهم ٠‏ بإعطائهم شيئًا نظير متاعبهم » على أن يكون ذلك نهاية لذلك الصراع 
أو الخلاف 7 ولم يحصل مجول ا6ثازاالا على أكثر من ذلك : وهذا نوع من العدل الذى 
قد يشيع فى سائر أتحاء الدنيا . 

يعد أن وصلت إلى الأردة 5::498-!9 . خطر ببالى التخلى عن حياة البدو » وأن 
أمر من خلال قرية العلا » قاصدا ساحل اليحر عند مدينة أى بلدة الوجه طزهلاا-!» . 
وطلب منى أصدقائى أن أفاتح الشيخ مطلق فى موضوع جملى . ترى ؛ لماذا لم يطع 
زيد الأمر الذى أصدره الباشا ؟ - وبالتالى كان يمكن تحاشى حدوث مثل هذا الحادث . 
ولم يكن معى نقودا تمكننى من شراء جمل آخر .- سوف يصبح تجوالى فى أرض 
الجزيرة العربية أمرا صعبا من الآن فصاعدا . والعادة أى العرف السائد فى الصحراء 
الخسارة الناتجة عن ذلك يتقاسمها الاثنان .* هذه الحيوانات » التى تفرح بخضرة 
الربيع وأعشابه » تنهض واقفة فى جوف الليل وهى تجتر طعامها , لتلعب مع بعضها 
البعض لعبة الحيتان ؛ زعم البدى . أن جملا من الجمال سقط على عنق جملى الصغير: 
وسواء حدث ذلك أثناء الليل 6 أو أثناء اقتياد الايل إلى المرعى فى الصباح 2 فإن جملى 
كان بصحبة قطيع إبل زيد . تحتم على هذا » إحضار بعض الشهود : ولكن من ذا 


56 


الذى يمكن أن يشهد على شيخ قبيلته » لصالح نصرانى ؟ عند المسلمين , وبالرغم من 
أنهم يكونون من بدو الصحراء ؛ فإن المساواة تكون فيما بينهم هم أنفسهم فقط . 
ذهبت إلى مطلق فى خيمته » ووجدته يستعمل خيطا من الصوف , كان يخيط به سرج 
فرسه . "يا للأسف » قال الشيخ . هناك مشادة بين خليل وريد » اللذان كانا أخين , 
وكان لابد من إطاعة أمر الباشا .” خابت آمال زيد فى فيما يتعلق بأطماعه ؛ لقد سبب 
الحظ لنا شيئًا من القهر عندما تبخر الأمل الذى كنت أعقده على التطعيم ٠‏ ولم يتبق لى 
سوى "الخرج وكانت عينا زيد تكاد تلتهم ذلك الخرج كل يوم . كان الخرج كبيرا 
ومنتفخا , وهذا بحد ذاته » نوع من الخطأ , فى أرض يتعين على الرحالة التجوال 
خلالها بلا أمتعة أى معدات. تأكد زيد من ثقل الخرجء وراح يفتش ذلك الخرج كل يوم ؛ 
وهذا أمر يتعارض مع المعاملة الأمينة التى يجب أن يتحلى بها ا مضيف ؛ - هذا 
بالإضافة إلى مخاوفى من احتمال أن يسطو زيد على مسدسى وعلى أدواتى » التى 
كنت أخبئها فى قاع الخرج . داخل مَنَرْلنا . 

أدت تلك المنغصات التى لاقيتها فى الرّحلة الأخيرة» إلى التغافل عن زيد وإهماله , 
مما جعلنى أقطع المسافة كلها سيرا على الأقدام عبر الأرض الزلطية الجرداء » وتحت 
الشمس الحارقة إلى أن توقفت الأعراب ونصيوا خيامهم فى النهاية . واستشعر زيد 
فى داخله أنه أساء إلى بالفعل , يضاف إلى ذلك أنى لم أخدعه أى أغشه ..فضلا عن 
أنه كان يحترم شخصى تماما : جدير بالذكر أيضا أننى تحاشيت استثارة الأعماق 
المجهولة لاستيائهم الإسلامى . دخلت خيمة الشيخ مطلق ؛ ووجدت ذلك الشيخ الموقر 
يلاعب أطفاله . فقد كان أبا حنونا بحق . وسرعان ما دخل زيد خيمة الشيخ مطلق 
وجلس لشرب القهوة ؛ ثم رفع صوته الأجش وقال : "أقسم بالله ؛ إذا لم أكن قد 
انتويت ابتلاع هذا النصرانى ٠‏ لما كنت قد استقبلته ؛ ولا كنت جعلتة يعانى من صحبة 
الأعراب » ولم يكن ذلك فى رحلة واحدة فقط . لقد أعطى النصرانى ستين ريالا ( وهو 
خرافة ) لمحمد على » وأنا أطلب منه أن يدفع لى ميلغا مماثلا فى هذه الساعة ." “لا 
(قالها مطلق من خلف ستارة الحريمء حيث كان وراءها لإحضار غرض من الأغراض») 
هذا ليس بيدك ٠‏ يا زيد .' وهنا اشتكى زيد من أن وجودى فى مَنَزْله كانت له تكاليفه : 
وهنا أثبت: أن زيدا كان قد تسلم منئ مبلقا من الريالات.: كما أثبت أيضا اتى لم أخذ 


57 


منه أى شىء سوى القليل من الحليب : ولكن مغزى شكوى زيد كان يتمثل فى أنى 
جلبت عليه الكثير من الضيوف الذين جاءوا. اشرب القهوة ورؤية الغريب . وقال زيد إنه 
اشترى من القهوة ما قيمتة ريالين من سوق الحج . '( قلت له ) هاهما الريالين , 
ولعل ثقة زيد تزداد فى صداقتى . إن زيدا يشتكى منى لسبب تافه ويسيط ؛ وأنا إذا 
ما اشتكيت لابد أن تكون شكواى مبنية وقائمة على المنطق والإقناع ؛ وهل يتعين على 
المرء ٠‏ أن يتعامل مع أمتعة ضيفه كما لو كانت غنيمة حصل عليها ؛ من طريق الغزو ؟ 
إنه يفتش أيضا كيس نقودى بحثًا عن النقود » كما فتش حزامى أيضا , كما قلبٌ 
خرجى بحثا عن أشياء بعينها .' - صاح أحد الشيوخ قائلا : "ها ! كيف حدث ذلك 
يا زيد ؟” وهنا أجبته فى عجالة :“لقد فعل ذلك ؛ مثل حيلوص من الحباليص .' وأقشعر 
مطلق عندما سمع هذا الكلام ‏ الذى يبدى أنى لم أحسن قوله ؛ وهنا بدا على اليدى 
وكأنهم لا يستمعون إلى خليل بحق :أبشع ما فى هذا الأمر , أن زيدا على امتداد 
حياتة كلها » لم يستمع إلى هذه الكلمة المهينة » التى قلتها أنا فى المجلس ٠‏ وأن هذه 
الكلمة سوف تخلد وتلتصق بذاكرة أعدائه . وبعد أن شرب زيد فنجال القهوة نهض 
وترك المجلس . وطوال فترة مرح المساء كان الجالسون يردد كل منهم على الآخر كلمة 
حبلوص ! حبلوص ! وكنت كلما سمعتهم يرددون هذه الكلمة ٠‏ أتيقن أكثر وأكثر من 
أنها كانت فى غير محلها : ومع ذلك كان زيد يتفاخر بتفسه بإنه شريف من الأشراف . 
ويعد أن غادر زيد المكان قال بعض الحاضرين : إذا كان زيد قد فعل هذا وذاك » فهو 
رجل سيئ ؛ ( ومن السهل جدا أن يلوم البدى بعضهم بعضا ) . قال مطلق : 'إننى 
يتعين على إحضار شهود فى مسالة الجمل ؛ ولكنه وعد بالدفاع عنى .فى وجه مطالب 
ريد عدر الصبصحة ” 

ويينئما كنا جالسين دخل علينا رجل كان غائيا عنا منذ مدة , وقد جرت العادة أن 
يقوم ذلك القادم الجديد بإبلاغنا بالأخبار التى لديه ونحن فى المجلس » ثم يعود بعد 
ذلك إلى أسرته . جلس ذلك القادم على ركبتيه , ولكنه كان فقير الحال » إلى حد أن 
أحدًا من صحبة الشيوخ لم يهب واقفا لتقبيله : ويمظهر وقور , اتكأ ذلك الرجل على 
مشعابه برهة قصيرة ثم راح يشير بذلك المشعاب لكل واحد من الحاضرين ؛ الواحد 
بعد الآخر ؛ وراح يحيى كل واحد من الحاضرين بصوت رخيم ذاكرًا اسمه وهو يقول : 


58 


"قراك ! الله !” كانت زوجة بدوية مسّنة مسكينة » قد راحت تلاحق ذلك العائد الجديد , 
عندما بلغها أن ولدها قد عاد من جديد » ويالتالى لاحقته إلى أن دخل الخيمة التى 
يجلس فيها الشيخ مطلق ؛ وقفت تلك الزوجة البدوية العجوز خارج الخيمة تنتظر ولدها 
نظرا لأن النساء غير مسموح لهن بدخول المجلس الذى يجلس فيه الرجال . ويعد أن 
انتهى ذلك الرجل من سرد الأخبار التى لديه » دلف إلى خارج الخيمة ليحيى والدته » 
التى جرت إليه وطوقت عنقه بذراعيها الضعيفين , وهى ترتعد بحكم شيخوختها 
وضعفها ؛ عندما رأت أنه ما زال حيا ويبصحة جيدة ؛ وراحت تقيله وهى عاجزة عن 
الكلام » ولكنها كانت تنطلق منها صرخات صغيرة . ضحك بعض شاربى القهوة 
ضحكا فى غير محله ؛ بل إنهم سخروا منها لضعقها ووهنها , ولكن الشيخ مطلق قال 
لهم : “ما الذى يجعلكم تضحكون ؟ أليس هذا هو حب الأم ؟" 

٠‏ وعلى القور جاعتى سليم 15ا©5 بدعوة من والده ؛ "قال مطلق : حسن ؛ اذهب مع 
سليم » وتصالح مع زيد ٠‏ وتأكد من أن أيكما لا يريد من الآخر أى شىء كان ٠‏ دعانى . 
زيد إلى الشقة الخاصة بزوجته ؛ حيث جلسنا فيها » أنا وهو سويا » وكانت معنا أيضا 
زوجته حرفة ؛ لناكل كلنا مع بعضنا عيشا وملحا . وسرعان ما تراجع زيد عن تلك 
المضايقات , إلى الروح البدوية المرحة ٠‏ وذلك عندما لم يجد أن أخيه كان مخطئا نل 
إنه جثى على كوعيه ومدهما , باعتبار ذلك عهدًا على صداقتنا . وسبيلا إلى السلام » 
وأننى يتعين على أن أشرب ' معه الدخان :- وهذا هى حال البدو . لم يتطرق حديثنا إلى 
المشادة الأخيرة التى دارت بيننا » ولكن رسخ فى ذهن زيد فيما بعد أن خليلا وسمه 
بأنه حبلوص ( لص ) . وفى خريف ذلك العام » وعندما كان الفكارة يخيمون فى قرية 
الحجر . وعندما كنت بصحبتهم من جديد » ويينما كنت أمر على مزل زيد ٠‏ نادانى من 
داخل بيته ( خيمته ) قائلا : “يا خليل تعال !7881 ” بمعنى 'احضر إلى هنا يا خليل ! 
ذهبت إليه وحييته , كما حييت زوجته التى كانت تجلس خلف الستار قائلا  :‏ جويك 
1 حرفة 18 ' بمعنى "قواك الله يا حرفة” . - رد ريد قائلا : "هذا صوت 
خليل ؛ والكلام كلام بدوى “* ثم نهض زيد ليحضر لى طبقا من الأرز آكله معه ٠‏ وكان 
الطبق جاهزا بالفعل . بعد أن أكلنا » "قال : إنه سعيد لرؤيتى مرة ثانية فى بيته , 
والبيت كان ما يزال على حاله القديم ؛” ثم نظر الرجل إلى الأرض بعض الشىء وأردف 


69 


قائلا : 'ولكنى بعد صداقتنا يا خليل » أصابنى جرح , عندما نعتنى حبلوصا . وكان 
ذلك أمام الشيوخ ٠.‏ - 'سبب ذلك أنك هددتنى وأغضبتنى ؛ ولكن , ما عليك من كل 
هذا يا زيد ٠‏ كيف لى بمعرفة كل كلامكم أيها البدو ؟ ألا ترى هذه الخيام الصوفية 
السوداء ؟ أليست كلها خيام حباليص ؟" مشينا سويا إلى المجلس . حيث راح زيد 
يحكى وهو يبتسم أننى كنت أعنى بعبارتى “ذلك البدوى” . 

عتدما تساءعلت مع زيد : "لمانا لم تفعل ما أمر به الياشا ؟ صاح زيد قائلا : "من 
الذى يصدر لى أوامر ! "حذًا” 18008 بمعنى "نحن هنا" “اليدى” : ما هو الباشا . ومن 
هى الدولة 008013 (الإمبراطورية العثمانية) رحنا ؟ كل هذا هنا لا شىء اللهم باستثناء 
أنهم يدفعون لنا صرتنا ‏ وإلا أخذناها منهم عنوة ويالقوة ." - “وما هى قوتكم ؟ هل 
تظن أن مائة منكم » مسلحين بالعصى والعكاكيزء والحراب ٠‏ والبنادق الفتيلية العتيقة , 
يساوون عشرة أقراد فقط من جنود الحج ؟* - "سوف نفتح الثار عليهم فى البوغازات 
231 ا(الالممرات الضيقة بين الجبال . )' - "وما هى المدى الذى يمكن أن تصل إلية 
طلقات حدائدكم الصدئة؟ وهنا أجابنى ريد وهى حائر بين الهزل والجد." أربعة 8588 
ساعات 5888 * بمعنى "إلى مسافة أربع ساعات ." معروف أن "الساعات" 5886 عند 
الأعراب تعنى "الفترة الزمنية الثانية أو الثالثة فيما بين أوقات الصلاة . كان البدو 
يسألونى فى معظم الأحيان : "كم ساعة فى اليوم ؟ وتحن لا نعرف جيدا ما فى 
الساعة 588 . 'والبدى يقسمون النهار على النحو التالى : الفجر , أى ما قبل طلوع 
الشمس ؛ ثم القايلة أو إن شئت فقل : القيألة ‏ وهى فترة سطوع الشمس قبيل 
الظهيرة ؛ والظهر :645-7586: أى عندما تكون الشمس فى سمت السماء عند منتصف 
النهار ؛ العصر :61-8553 , أى هبوط الشمس إلى ما بعد منتصف النهار ؛ ثم غيبة 
1 الشمس 55-5160505 ء يمعنى 'غروب الشمس'- كلمة "مغرب" 15:و113 كلمة 
حضرية غريبة على آذان البدى . 

أصبحت محطة البدى الصيفية فى الأردة(*) 1-61002© قرية منفرة غير مرغوب 
فيها والسبب فى ذلك أن البدى قد أتوا خلال تجوالهم اعتبارا من بداية موسم الحج ‏ 


(*) المرجح هنا هو كلمة "الروضة بدلا من “الأرده” والروضة عند البدو هى المكان العامر بالخضرة والمياه . (المترجم) 


540 


على ما لديهم من مخزون البن .وى 'حيث لا توجد القهوة ‏ ينعدم المرح والصحبة" » على 
حد قول الأعراب . هاهى وجارات قهوة البدى باردة , وكل واحد منهم جالس مطأطأاً 
الرأس وحزين ٠؛‏ فى © أهله 881300 " بمعنى "بين أفراد أسرته" . قال زيد : "كان ذلك 
هو حال البدى الرّحل القدامى فى أيام ما قبل القهوة .” سوف يرسل الشيوخ على وجه 
السرعة من يحضر المزيد من الين من مخزونهم الموجود فى مدائن صالح «116081؛ 
وسوف يتعين على زيد الذهاب إلى مدائن صالح أيضا لإحضار جوال من الأرز » كان 
قد سبق له أن وضعه فى القلعة على سبيل الأمانة . إذن سوف أرافقه إلى هناك » على 
أمل المرور على قرية العلا . وصولا إلى ساحل البحر الأحمر . هذه هى الصحراء 
الجرداء القاحلة وقد أصابها الإغماء يسبب الجقاف الناتج عن حرارة الشمس » 
انقضى موسم الحصاد ؛ وكنت أرغب فى الرحيل . هاهم الأعراب يرقدون متكاسلين 
فى الخيام ؛ كنا نبدى كما لى كنا تتنفس لهبا . كنت ألهث طوال النهار » وأكاد أعجز 
عن الإبقاء على رمق الحياة فى داخلى ٠‏ نظرًا لاضطراد أنفاسى وعدم رغبتى أو قدرتى 
على تناول الطعام . كانت تراودنى فى بعض الأحيان ؛ فكرة استغلال الأيام الطويلة 
فى تعليم سليم 56118 القراءة والكتابة : ولكن ولد زيد عندما تعلم الحروف الأبجدية , 
أوقفه والده من تعلم المزيد » مخافة أن يلتقط ذلك الولد منى بعض الألفاظ والتعبيرات 
الخاطئة . قال زيد أن لسانى لم يكن "طلقا" . وبعد أن أصبح لدى قدرا من المفردات » 
كنت أقرأ على الجماعة صفحة أى صفحتين بين الحين والآخر . المؤكد أنى لم أخطئ 
كثيرا . فى نطق الكثير من الكلمات التى سبق لى التعرف عليها تماما ؛ ولكن قدرا 
كبيرا من تلك المصطلحات الحضرية والكتبية كانت معروفة تماما لكل من كانوا 
يستمعون إلى من البدى الرحل ! يبدو أن البدى لم يكونوا يعرفون جذور بعض هذه 
الكلمات . كما كانوا يستعملون أشكالا » أى تصريفات أخرى لبعض الكلمات الأخرى . 
هؤلاء البدى كانوا هم أنفسهم يتعجيون ( بالرغم من أن لديهم احساسا كبيرا بلغتهم 
ولديهم أيضا متسعا من الوقت لاكتساب طلاقة اللسان ) وهم يتديرون معانى الكلمات » 
واحدة بعد الأخرى , باهتمام كبير من هنا فإن أفراد القبائل السذج البسطاء عندما 
يتعين عليهم فى فترة من حياتهم الدخول إلى واحدة من المدائن الحضرية الجيدة عند 
مناطق الحدود ٠‏ يبدو الكلام الحضرى غريبا عليهم تماما وعلى أسماعهم , 'إنهم 


97 


يتعرفون الأمور بصعوية , وهم يشتكون ٠‏ مما يعنيه أولئك الحضر بكلامهم .” ومعروف 
أن الكلام الفصيح مبنى على لغة القرآن القديمة , التى كانت لغة الأراضى المنخفضة , 
ولم تكن فى أى وقت من الأوقات لغة أعراب الأراضى المرتفعة . [وإذا كان هناك شك 
فى هذه المقولة 2 فقد أكدها أولئك المترجمون العليمون الذين ترجموا النقوش 
الصحراوية القديمة ] . 

ذبح محسن خروفا فى الليلة السابقة لرحيلنا . وذلك من باب تمام سنة على وقاة 
والده » وأحضر لنا شيئًا من ذلك اللحم بعد طهيه . كان محسن هذا تسيبا لزيد : 
وكنا نشكل مع بعضنا مجموعة طيبة . صلّحت لهم شايا حلوا ؛ وزعت عليهم هدايا من 
الأشياء التى كانت بحوزتى . وبينما كنا جالسين سألت هذين البدويين عما إذا كان 
قعودى (جملى الصغير) قادرا على حملى ٠‏ وفمه مكسور مسافة مائة وخمسين ميلا 
إلى بلدة الوجة «زء/ا-اة؟ وعرض على واحد من الحاضرين ؛ أن أعطيه عشرة ريالات » 
ويالتالى يعطينى ناقته بدلا من جملى الصغير . وعندما وافق زيد ومحسن على ذلك 
دفعت الريالات العشرة ؛ ولكن معروف أن وساطات العرب تنطوى دائما على الخياتة . 
يضاف إلى ذلك أن زوجة هذا الرجل المسكين هى وأطفالها لعبوا دور البكائين , 
وأعطيتهم علاوة على النقود كل ما استطعت توفيرة من الملايس , التى هم بحاجة ماسة 
إليها فى الصحراء ؛ ولكنى بعد أيام قلائل ؛ وجدت أشيائى هذه معروضة للبيع قى 
تيماء . وبناء على ثقتى بهذين البدويين » اشتريت جملا عجوزا , لا يقوى على العمل , 
بل وفقد أسنانه الأمامية؛ ولم تكن له قيمه تذكرء عند البدو. قياسا على جملى المصاب . 
كنت جديدا على خبراتهم فى ذلك المجال . والشسيب فى ذلك أن الإبل تقوم على أساس 
أسنانهاء وأسنامها أيضا. والإبل تسمى حسب أسنانهاء إلى أن تظهر أتيابها: والجمل 
الذى عمره عاما يقولون له: حوار 00026ه4ا؛ والجمل الذى عمره عامين يقولون له "لبنى” 
لااطاناء أما الجمل الذى عمره ثلاث سنوات فيقولون له 'حج" [وا!؛ والجمل الذى عمره 
خمس سنوات يطلقون عليه اسم "جيزة” 43أل» والجمل ذى السنوات العومن يقولون له: 
أذنى” 1601؟؟ والجمل الذى عمره ست سنوات يطلقون عليه اسم “روية" هططة8 , 
والجمل الذى عمره سبع سنوات يسمونة "سيدس” 514065, وذى السنوات الثمانى 
يطلقون عليه اسم "شاج” ووةم5 الذّابّة 0-3 6: أى وفبات 51184لالا: أى "مفطر" 87 4آلالة. 


52 


الفصل الثالث عشر 


زيارة المدائن مرة ثانية 


ممر الحرة منظر الحرة . فطر الصصبغ . رياح السموم . الوصول بصحية زيد إلى 
القلعة . مدائن صالح . شكوى ريد . رحيل زيد هى والبدى . الحرارة الخانقة . محمد 
الدبيس . الأخ . نقوش مزهام . الصقور . نزاع البدى الرحل فى القلعة . “ملح البنادق" 
521ا6. زيارة موقع الهجرة مرة ثانية . الشجرة المملوكة . دولان بوصفه عنترًا . 
القمر الجديد . نجم هاو . غزى الجراد . صحبة قهوة شيوخ ولاد على فى القلعة . مطلق 
العلايدى . وأده قهد . إنذار الليل فى القلعة ؛ نجم يهدد بقتل الصبى محمد . إنذار 
جديد . زواج الصبى محمد . الرحيل عن القلعة . تعال ثانية إلى البدى فى الإردة . 
الحم . أخيرًا تغرب الشمس . ممر الحّرَة . أشجار سنط الصمغ العربى . خشب 
دباغة الجلود . ارتفاع الحرة البركانية . المواءفيب . عربات اليد . ضير جمال الحمل . 
ديار البدى الرحل . لقاء مع الأعراب . تعال إلى السُهامة المخيمين فى تهامة , الشيخ 
مهنا . هواء السموم فى تهامه . 

رحلنا عند طلوع الفجر : وسرعان ما تبدت أمامنا ومن تحت أقدامنا تلك الحلبة 
الضخمة التى يطلقون عليها اسم الحرة ؛ بدت لنا وكأتها تجويف كبير من تحت 
أقدامنا ؛ ويخترق طريق الحج ذلك التجويف الكبير . ويعد أنْ قطعنا يضعة أميال 
شاهدنا رجلين أو ثلاثة رجال كانوا يجوثون بين الصخور البعيدة , التى وجدتاها : 
عندما وصلتاها ٠‏ تشكل جِرْءً وعرًا من هذه البلاد ؛ قالت جماعتنا المكونة من خمسة 
أو ستة أعضاء إن هؤلاء الذين شاهدتاهم كانوا من الحباليص ( اللصوص ) . 
وشناهينا كن أهامنا أنخنا عشيا حهنا :وفرع أفغيل بعخير من المزاعى التى 


53 


شاهدناها مؤخرا , ولكن هذه المنطقة لا يزورها البدى إلا نادرًا , “اللهم ؛ على حد تعبير 
يد » إلا إذا كنا نتنقل : فى بعض الأحيان : ونخيم سويا مع أولاد على" . هنا , 
ويالقرب من ممر رئيسى من الممرات القريبة من الشمال » كان ولاد على: . رغم وجودهم 
فى ديرتهم » يعانون الكثير من مخاطر اللصوص . فى تجويف تلك الأرض المرتفعة » 
كانت تنمو بعض النباتات السامة الطويلة بيضاء اللون ؛ قام بعض رفاقنا بجمع هذه 
النباتات ؛ وهذه النباتات بعد غليها مع الشبّة فى بول الجمال التى تتغذى على أدغال 
نبات الحمض . تعطى ٠‏ على حد قول البدى ؛ ذلك الصبغ الأحمر القانى المرح الذى 
تستعمله البدويات فى صبغ الخيوط الصوفية التى يغزلنها . 

وفى مستهل فترة العصر مررنا من أمام حائط صخرى ٠‏ لاحظت فيه نقشا قديما 
واضح المعالم . ويكاد يكون شبيها بالنقوش النبطية التى شاهدتها فى مدائن صالح فى 
المرة الأولى ؛ هذا النقش , دونا عن سائر الشروخ الصحراوية كلها . موضوع دااخل 
إطار . ( الصورة رقم ٠٠‏ ) وعندما قفزت فجأة نازلا عن الجمل . هرب الجمل منى ؛ 
ولكنه سرعان ما سبقه زيد وعاد به إلى وهى راكب فوق ناقته . ويسحبه خلفه . ومن 
باب التحذير كنت أرى أن ذلك النقش إنما هى واحد من نقوش الطريق . ويعد مسافة 
قصيرة ؛ دخلنا إلى طريق قديم ؛ كان ذلك الطريق معْلّمّا خلال هذه المنطقة الجبلية 
بأاكوام من الحجارة ٠‏ إلى أن يصل إلى سهل قرية الحجر . وقد أبلغنى رفاقى أن 
الهدف من تلك الأكوام هى تحديد اتجاه الطريق . هذا يعنى أن ذلك كان هو الطريق 
القديم بين الحجر وقرية تيماء . وعلى حد قول البدى » فإن طريق الحج القديم كان يمر 
بقرية تيماء » ونحن بدورنا نعرف أن فرعا من طريق التجارة القديم كان ينزل من ذلك 
الطريق متجها إلى سوريا . [راجع كتاب سبرنجر 80:60966 المعنون : 'جغرافية 
الجزيرة العربية" ] . هبت علينا طوال نهار ذلك اليوم ريح جنويية جافة » تسبب جفاف 
الحلق ؛ إذا لم يشرب الإنسان شيئا من السوائل » وراح الأعراب:أثناء مسيرهم 
يستخدمون أطراف غتر رعوسهم فى تغطية وجوهم فيما عدا عيونهم . هذه الريح عبارة 
عن لفحة حارة من الهواء قليل الكثافة , يسمونه "الطاعون أو الوياء" أى إن شئت فقل : 
"السموم” 510000 حسيما يقول البدى . كانت الشمس قد غريت عندما بدأنا تنزل 
منحدرا رمليا . بالقرب من تلك العلامة الأرضية الغريبة ( انظر الشكل المبين على 


94 


صفحة 780 من النص الإنجليزى ) التى هى عبارة عن صخرة من الحجر الرملى تشبه 
العسكرى فى لعبة الشطرنج؛ إلى أن وصلنا إلى قاع سهل مدائن صالح؛ هذا السهل , 
فى هذه المنطقة ؛ محاط بأدغال صحراوية وافرة النمى . بين هذه التلال الرملية ؛ ويين 
هذه الأعشاب , التقينا . أثناء الظلام » جماعة أخرى من البدو . واعترضناهم ؛ وعندما 
تعرفوا أصواتنا » رحبوا بنا مرة ثانية » واتضح أنهم من المتسوقين فى قبيلتنا » وكانوا 
عائدين من قرية العلى لإااه-اع . 

كانت الساعة الثالثة صباحا عندما يدأنا طرق باب القلعة الذى كان عيارة عن لوح 
من الحديد . وعقب سماع طرق الباب » جرى الحاج حسن ٠‏ عقب سماع الضوضاء » 
ويصحبته الصبى محمد , جريا إلى أعلى البرج . ونظرا من خلال المزاغل » وراحا 
يناديان يصوت غليظ ليعرفا من نكون نحن ٠‏ الذين كنا أمام الباب ٠‏ والذين أقلقنا 
راحتهم فى تلك الساعة المتأخرة من الليل . ويعد أن سمعا أصواتنا » نزلا يجريان 
على سلم القلعة وهما يضحكان بصورة غير معتادة » ثم وصلا ليقتحا مزلاج الباب , 
كيما ينفتح على مصراعيه ؛ دخلتا القلعة » ورحبوا بنا بحكم أننا كنا أصدقاء قدامى » 
ثم صعدنا بعد ذلك إلى غرفة القهوة . وجاء الحاج نجم وهى يطرقع بحذائه » وتعلو 
وجهه ابتسامة المضيف . وشبوا النار من جديد فى الوجار . وجلس الحاج نجم ليصلح 
القهوة لضيوفه ؛ وبينما كنا نشرب القهوة , وطوال الحديث الطويل الذى دار بيننا » 
أحضر لنا الحاج نجم طبقا كبيرا من الخبز غير المخمور , الذى قامت زوجته بإعداده 
فى هذه اللحظة . وخبزته ودهنته بشىء من الزيد ليكون عشاءً للفسيوف . '( قال 
العجوز ا مضيف ) هذا طعام على قدر الحال نضعه أمامكم , ولكتكم وصلتم متأخرين , 
وليس هتاك غير ذلك فى القلعة !” - '( قال زيد ) وهل تود معاملتنا معاملة الفرياء ؟ 
ألسنا هنا فى القلعة . يا حاج نجم ؛ نشعر وكأننا فى بيوتنا ؟" رد الحاج نجم على ذلك 
السؤال ردًا وديا , بالرغم من همز ولمز راعى هذه القلعة العجوز , فى أعقاب ذلك » 
يما يفيد أوى يعيد إلى ذاكرته تلك الفترة التى استولى خلالها شيوخ الفجير از على 
القلعة . - 'وأنت يا خليل » ها أنت تعود إلينا مرة ثانية . مرحبا بك , لقد سمنت على 
مراعى الرييع ؟ ( صاح الصبى محمد الشبيه باليدى ) . آها , تقول الربيع ! الربيع 
الجميل ! إنه موسم الحليب فى الصحراء الجرداء ؛ وصحبة الأعراب تكون جميلة فى 


95 


ذلك الموسم .“ وهنا قام زيد » بعد تقديم كلماته المقعمة بالمديح والثناء والدعابة » وذلك 
من باب الاستهعداد للطعن . كما هو حال الأعراب فى مثل هذه الظروف ؛ قام زيد 
بتقديم شكوى مطولة عن الفائدة البسيطة التى حصل عليها من خليل » الذى جازى 
زيدًا عن حنانه وشفقته » بأن نعته بأنه حبلوص ( لص ) ! انفجر المغارية فى الضحك 
بصوت عال ؛ ولم يستطع زيد اليدوى . وسليط اللسان أن يحظى بشىء من الحظوة 
أو المحاباة » فقد كان يتحدث إلى أذان أصابها الصمم فيما يتعلق به هو شخصيا منذ 
زمن بعيد . يضاف إلى ذلك أن الصبى محمد » عندما خرج من ياب القلعة . شاهد 
أيضا تاقتى الطرماء التى فقدت أسنانها ؛ ويهذا المرح الجديد . الذى قطع على زيد 
حديثه الممل . انصرف كل من الحاج حسن والصبى محمد وهما يضحكان » ليذهب كل 
منهما إلى غرفته لنيل قسط من الراحة . بعد ذلك , تحول زيد إلى الحاج نجم » وكشف 
له بوقاحة المتاهة السوداء التى تدور فى ذهن هذا الزيد . وهنا قال المغريى الأمين 
ما يلى : 'يا خليل ؛ البدى كلهم شياطين ؛ ؛ ثم توقف الحاج نجم عن مواصلة الجلسة 
مع اذيد ؛ وعقب ذلك:فزد الناح تجع عباته آمافه + كم جلس على ركيتية' »ودخل ف 
صلاة العشاء حسب الدين الإسلامى : - وراح زيد ؛ يتكلم دون أن ينصت إليه أحد . 
ثم وقف الحاج نجم من صلاته » وأحضر قطعة من قماش الخيام ؛ كى أفرشها على 
الحجر الصلد من تحتى ٠‏ وتركنى وتمنى لى راحة طيبة . 

فى ساعة مبكرة من طلوع النهار » كانت أيلة زيد.قد حملت بضاعته من المخزن 
الموجود فى القلعة . كما كان البدى الواقفون إلى جوار ماشيتهم خارج القلعة على 
استعداد للرحيل ؛ وعليه عزم عليهم الحاج نجم ورجاهم الدخول إلى القلعة لتناول طعام 
الإفطار . وتركونى وحدى : فى حين بقى زيد صامتا وسط اندهاشه ؛ هذا يعنى أنه لن 
يغفر لى ما حدث ؛ - لا » لو كان المغارية قد كشفوا لى أو عبروا لى عن غضيهم , لكان 
زيد » ويلا أدنى شك . قد أعادنى مرة ثانية إلى الحرية الودية فى خيمته البدوية فى 
الصحراء. ولكن عقل وذهن ذلك الجار الطيب القديم كان يختلف اختلافا كبيرا عن ذلك؛ 
وبعد ذلك بلحظة , عاد إلى الحاج نجم ليدعونى لتناول طعام الإفطار على اتفراد فى 
المكان الذى اختاره هو لذلك , وتلك إشارة أخرى إلى نواياه الطيبة تجاهى » وكان 
الإفطار . مزودًا بمقدار كبير من السمن . ويعد ذلك ببرهة قصيرة نهض البدو واققين 


56 


لكى يرحلوا إلى ديارهم ؛ وهم يقولون لمضيفهم : "السلام عليكم , ثم ركبوا دوايهم 
عائدين إلى الأردة ( الروضة ) 1-870003© . استقبلنى الحاج نجم استقبالا طيبا » فهو 
رجحل غربى ؛:ولكن مسالة الانقلاب على أى واحد من المسلمين كانت فى أغلب الأحيان : 
غير دينهم » قد يكتشف فى شىء من الحيرة والارتباك ؛ أن أولئك الذين كانوا أصدقاء 
انعدام الإنسانية المجنون الذى يتولد عن التشدد والتعصب الدينى ؛ سوف أذهب 
مباشرة إلى قرية العلا ؛ ولكن الحاج نجم أقنعنى بالبقاء فترة قصيرة فى القلعة » على 
أن يقوم هى خلال هذه الفترة بتحرى وترتيب مسألة سفرى مع القافلة لكيه إلى بلدة 
الوجه . أو إلى أن يوفر هو لى رفيقا أمينا فى هذه الرحلة عبر الحرة إلى ديار 
إلى بلد الوجه . 

فعلا فى قرية العلا » وفيما يتعلق بالذياب ؛ لم يكن بوسع أو باستطاعة أى جمل 
من الجمال البقاء فى تلك القرية أكثر من يومين ققط ؛ يضاف إلى ذلك أن سهل الحجر 
لم يكن فيه سوى نبات الرمض سيئ الطعم فضلا عن خَلّوه أيضا من الفوائد الصحية 
أيضا وهنا أرسلت ناقتى ترعى مرة ثانية مع نياق البدى . ويبدى أن درجة الحرارة 
الخانقة التى خبرناها فى الأرض العالية ؛ فى خيام البدو الرحل . قد أخذت فى 
الاتشقاهن إلى حدها .قيما بين الجدران المبنية من الحجر »وقد سجلت درجة 
الحرارة 84 فهرنهيتية فى فترة العصر . وبانتهاء النهار فى الجزيرة العريية » دخل 
المساء ومعه الحيوية والنشاط وأخذ جهاز قياس درجة الحرارة ( الترمومتر) يسجل 
درجات أقل إلى ما قبل طلوع النهار بوقت قصير جد! ؛ وقد سجل الترمومتر 58 
فهرنهيتية . وبدأت تهب علينا من ناحية الجنوب طلائع الريح الساخنة . مع انخفاض 
درجات الحرارة فى فترات العصر الخانقة, وكانت طلائع تلك الريح تحمل سحب الفيار 
صحراء الجزيرة العربية المرتفعة سوى حبًات الهواء الطافى الخفيف قليل الكثافة . 


597 


كانت شمس حرارة الظهيرة شبه عمودية » إلى حد أنها لم تكن تشرق على مدخل 
خيمتى الذى كان متجها صوب الجنوب . وجدت بركة المياه جافة » كما وجدت أيضا أن 
الأرض الرملية تحولت إلى بستان ٠‏ أ إن شئت فقل : حديقة . مقسمة إلى أحواض 
للرى : ومزروع فيها تشكيلة كبيرة من نبات البطيخ , الذى قام الحاج نجم بزراعته 
عقب انتهاء موسم الحج . كما وجدت أيضا أن غتر رءوس من كانوا فى القلعة قد 
رفعت إلى الأعلى وتذولت إلى عمائم . كما كانوا ‏ أى بدءوا يشبون نار القهوة فى الظل 
خارج جدران القلعة : - كان ذلك هو عالم الصيف الجديد عند هؤلاء البشر . 

سوف أقوم فى الوقت الراهن بزيارة مبرك الناقة , الذى عثرت فيه على كثير من 
النقوش القديمة . كان الحاج نجم يخاف على أما حسن فقد كان يلومنى بمعارضته 
المعهودة قائلا : "إنها لحماقة تامة وغباء تام من خليل أن يسلم أمره لبدوئ !” وهنا 
ذكّرت حسئًا ؛ أن محمد الدبيس 5أ6/او58-0 الذى كان على استعداد لمرافقتى هو 
ماه (والذازيية ]2 تسم ا كلل وقى ووو أيقتنا» جراد لم دزو شرا ».فول 
كنت نظن أنه سوق يتركك أو يشخلى عك +" وأخير) قال الحاخ تجم © "يجب أن لايموت 
خليل فى القلعة ؛ واشكر ربك على أنه لم يصبك مكروه .” وعندما شرعنا فى القيام 
بزيارة مبرك الناقة فى فترة العصر ٠‏ أوصانى الحاج نجم بتمضية تلك الليلة فى مكان 
بعيد عن الطريق ٠؛‏ على أن أذهب إلى المكان المقصود مع بدء نهار الغد ٠‏ وأن لا أبقى 
هناك ساعة من الزمن » وأعجل بالرحيل عن المكان قدر المستطاع . ومعروف أن عرب 
الديار المستقرة لهم رأى غير صحيح دوما فى عقيدة الببو الرحّل . وقد أصيب رفيقى 
بالدهشة عندما أبلغوه أنهم سوف يحتفظون يولده فى القلعة إلى حين عودتنا من 
الزيارة سالمين . وتحول هذا الرفيق إلى أخ نااكاه لى » أو إن شئت فقل : أخ لى عن ' 
طريق الأجن: عن طريق غطيّة مقدازها كراون واحد + الشراء قناش قميص جديد : 
الأمر الذى جعل منه بدويا رزينا يمتاز بالرجولة ؛ وهذا هو ما بدا على ذلك الرجل أكثر 
مما كان عليه فى حقيقة الأمر . ولقد سبق لِى مثات المرات ٠‏ أن عهدت بحياتى ؛ فى 
الأوقات التى لم أستطع خلالها المضى قدما , إلى رفيقى البدوى ٠‏ الذى لا أعرفه , 
وعلى امتداد مسافات طويلة . ألم يكن بوسع سيف ذلك الرجل الخائن » أن يضع حدا 
لأيامى فى هذه الدنيا , أثناء نومى ؟ ولكن ذلك كان يعد قتلا للأخغ حسب قانون 


528 


الصحراء العربية : هذا يعنى أن أحدًا من هؤلاء الناس لم يمارس ضدى أى شكل من 
أشكال العنف , ولكنهم عندما كان يشق الطريق عليهم كانوا يتخلون عنى . هذا يعنى 
أيضا أن من يقتل أخيه الإنسان سيعيش ذليلا ومطمورا طوال حياته : هذا يعنى أيضا 
أن أحدا من البدى لن يطيق بقاء رجل من هذا القبيل فى أى بيت من بيوت منازل البدى. 
ومع ذلك , هناك بعض الناس المتغطرسين ؛ فى كل شعوب الدنيا , الذين لا يراعون 
الأعراف أى التقاليد : هذا يعنى أيضا أن معظم المسلمين » عندما يفشلون فى إيجاد 
أى التماس الأعذار لأنفسهم » يؤكدون بطريقة دينية إن "شريعتهم ليست ملزمة , إلا فى 
حدود الدين الإسلامى ." 

كان القسم الأكبر من معيشة محمد يجىء من أخوته : فقد كان الصبى محمد 
يرتبط بعلاقة الأخوة مع قبلى آخر من قرية تيماء ؛ هذا يعنى أن محمدًا هو وأخيه 
التيمانى » كان يقومان بالدفاع عن أى تيمانى يصيبه أى مكروه من بدى الفجير , 
كما كانا يدافعنان عنه أيضا بالكلام » ويعملان على أخذ حقه وتغطيته أثتاء انعقاد 
المجلس . كان الصيى محمد يحصل من التيامنة على ست صاعات من التمر عن كل 
خير يتسيب هى لهم فيه طوال العام ؛ وهذه الصاعات الست كانت تساوى أريعة عشر 
بنسا . ولما كان هؤلاء الشمّر القرويون , ليسوا على مقربة من التيامنة مثل العلاونة 
3 , فقد كان ذلك يحتم عليهم أن يكون لهم تحالف من هذا القبيل مع كل القبائل 
البدوية المحيطة بهم . يضاف إلى ذلك » أن الصبى محمد كان أخا لبدو الفجهات 
المساكين : معنى ذلك ؛ أن الفهجى الذى يصيبه أذى » يقوم محمد بالدفاع عنه فى 
المجلس . استغرق الطريق مسير ثلاث ساعات ٠‏ وصلنا بعدها إلى منطقة قريبة من 
الممر مع حلول المساء » وهناك انتحينا جانبا واتخذنا لأنفسنا ملجأ فى فلق عميق ملت 
من فلوق جبال الحجر . هذا يعنى أن بوسعنا شب النار لتجهيز العشاء دون أن يرانا 
أحد ؛ وهنا أيضا قام محمد بتقييد رجلى الناقة الأماميتين . وتركها ترعى فى المرعى . 
ثم تسلق محمد الجبل قبل غروب الشمس , بحثا عن قطيع من الماعز البرى , الذى 
شاهدنا آثار أقدامها عند سفح الجبل ؛ ولكن البدون ( البقر البرى ) , التى عثر عليها 
محمد نائمة على بعد مسافة قصيرة فى الأعلى ؛ كانت أسرع من ذلك الصياد الذى 
لم يكن مستعدا لها . ومع طلوع التهار . راح محمد يتعقب الطرائد من جديد , 


599 


ولكنه عاد بخفى حنين . دهاء ومثابرة هؤلاء الرعاة الذين يحملون البنادق الفتيلية ‏ 
قليل وضئيل للغاية: فهم عندما يرون رأس الطريدة: تراهم يبادرون إلى إشعال الفتيل » 
ثم تنطلق البندقية . وهنا تختفى الأيلة عن أعين الصياد : ومع ذلك فإن الصلوية » 
باستعمال هذه الأدوات نفسها , يصطادون الكثير من طرائد الصحراء . 

ركبت ناقتى ؛ ووصلت بعد فترة قصيرة إلى المزحام ( مبرك الناقه ) . ميرك الناقة 
هذا ؛ هو بالتأكيد ؛ ممر من ممرات طريق الذهب والبخور القديم الممتد من يلاد العرب 
السعيدة ( اليمن حاليا ) : وليس هناك أى طريق آخر غير ذلك يمتد من سهل الحجر , 
إلى الأراضى المرتفعة » يمكن أن تسير فيه الإبل المحّملة . يقع الطريق العام أسفل 
الجزء الشرقى من الصخور , التى وجدت أنها مليئة بالنقوش القديمة . كان كل شرح 
من تلك الشروح الموجودة أسفل هذه النقوش الموجودة على الصخر الرملى الناعم 
مضعضع أو إن شئت فقل : مدقوق»: ومن المحتمل جد! أن تكون تلك الضعضعة أو 
التهدم ناتج عن استعمال حجر سائب آخر : هذا يعنى أن بعض هذه المدونات كانت ما 
تزال بيضاء اللون وواضحة ٠‏ مثل أية مدوتات أخرى جرى إحداثها فى السنوات 
الأخيرة » بعض آخر من تلك المدونات ريما يكون قد بلى وتهدم مع الحجر نفسه [انظر 
وثيقة النقش الموجود على اللوحتين أرقام 14 و ١5‏ ] . القسم الأكبر من هذين النقشين 
عبارة عن صقوف منفردة من الحروف الحميرية ؛ وقلة قليلة من هذه النقوش هى عبارة 
عن نقوش نبطية : ومن بين بقية النقوش كان هناك سطران أو ثلاثة سطور ركزت ذهنى 
عليها وأصابنى شىء من الارتباك فيما يتعلق بتلك السطورء؛ - مبعث هذا الارتباك 
يرجع إلى أنى استطعت قراءة هذه الأسطر ( على أنها من اللغة العبرية ! أم أنها كانتت 
مجرد أسماء مسيحية ؟ ) على أنها من اللغة الإغريقية القديمة ! وبكل تعب ومشقة 
استطعت تدوين قسم كبير من هذه الأسطر الثلاثة » تدوينا أمينا » نظرا لوضوح 
حروفها دونا عن سائر تلك المجموعة الكبيرة من النقوش . فى هذه المنطقة ربما ينظر 
الرحالة , الذين يصعدون إلى هذا المكان . نظرة أخيرة إلى هذا السهل النبطى -363ل0 
30ه؛ ؛ كما أن الرحالة الذين يصلون إلى هذا المكان قادمين من الشمال يلقون ‏ من 
هذا المكان, النظرة الأولى على مدينة الحجرة 8:زة1! : ومن المحتمل أن يكون 
الصاعدين والهابطين . قد نزلوا فى هذا المكان , ولربما أيضا قام شخص أو أخر 


100 


بتناول أو أخذ حجر من هذه الأحجار (حيث وجد أن الكثيرين من قبله ريما يكونوا قد 
دونوا شروحهم) , ليطرق به على الحجر ذكراه الخاصة به .- فى تلك الأيام: كان النظر 
إلى مدينة الحجر ؛ على طول ذلك الخط الأخضر من أشجار السنط الجميلة: التى نمت 
على شكل غابة بالقرب من مجرى السيل » يجعل العينين تتركزان » عجبا » على هذه 
المستوطنة التجارية العتيقة !- وأثناء عودتنا . وعندما كنت أتحدث عن صرة الحج ؛ رد 
على الصبى محمد ردًا قاطعا وهو يقول : “بالرغم من أن عسكرهم هم الأفضل تسليحا 
إلا أن البدى هم الأكثر شجاعة :” ومع ذلك اعترف محمد أن البدى المساكين عجزوا 
عن التصدى لأولئك العسكر أو الوقوف أمامهم فى ميدان القتال . وعندما اقترينا من 
القلعة . جرى أولاده نحوه قادمين من خيمته , كى يتلقونه ؛ ويحب البدى » رفع ولده 
الصغير ووضعه أمامه على السرج . كى يركب معنا إلى الخيمة أى إن شئت فقل : بيت 

كان عرب البوابة قد سرقوا ٠‏ فى الفترة الأخيرة » أكثر من عشرة من الصقور 
الصغيرة من أعشاش الطيور الكاسرة فى منطقة صخور إتلب 5ذامة8 . شاهدت » فى 
ذلك الوقت » اثنين أى ثلاثة من هذه الصقور فى كل خيمة من الخيام » شاهدتها وكل 
واحد منها مربوط من قدم واحدة إلى مجثمه , الذى أقامه الأعراب له فى مكان رملى 
مرتفع » وسمعت تلك الصقور وهى تئن وتشتكى طوال النهار . كان طعام تلك الصقور 
عبارة عن حيوانات طفيلية ؛ وسحالى » وفئران وحشرات ٠‏ حسبما يتيسر لها العتور 
عليه ؛ وإذا لم يجد الأعراب ما يطعمونه لتلك الصقور . فقد كانوا يكتفون بإعطائها 
قليلا من العجين : وفى الحياة البدوية يقوم البدى بنزع حشرة القراد كبيرة الحجم التى 
تتعلق بصدور الإبل , ثم يقدمون تلك الحشرة طعاما لتلك الصقور . هذه الصقور 
تحظى بتقدير كبير من البدى فى اصطيادها للأرانب البرية ؛ وصيد الأرانب البرية ٠‏ 
نوع من تزجية الوقت , عند أولئك العاطلين الذين ليس لديهم ما يفعلونه ؛ والصقّار 
الجيد يستطيع ؛ كل يوم تقريبا » تعديل أى تحسين ذلك الطعام البدوى الذى تتناوله 
أسرته . وأقل هذه الصقور يصل ثمنه إلى ريال واحدء ويندر أن يبيع الأعراب النوع 
الممتاز من الصقور نظير ثمن ناقة من النياق. كل هذه الصقور كانت من النوع اللطيف 
؛ فى نفس هذه القمم الصخرية كانت هناك أنواع أخرى من الصقور مثل الصقر 


101 


الجراح أى إن شئت فقل: الصقر الحوام 2269تنا8: وكذلك نوع آخر من الصقور اسمه 
السماوة 916085 , إضافة إلى أنواع أخرى من الصقور المهجنة » أى غير الأصيلة . 
والعرب ؛ مثلما رأيتهم فى كل مكان ؛ لديهم القدرة على المخاطرة بالوصول إلى 
ارتفاعات كبيرة : من ذلك مثلا أن المتسلقين الحفاة الذين كانوا يرافقوناء استطاعوا 
تسلق بعض الجروف الهاوية , التى كنت أشعر بالدوار عندما انظر إليها . ولكنى بعد 
أن عدت إليهم اقترضوا منى حبلا » استعملوه فى تقليل تعرضهم للخطر . وكل واحد 
من هؤلاء الصقارين كان يغار على طيوره ويتحمس لها ٠‏ نظرا لأنه خاطر بحياته من 
أجل الحصول عليها ؛ يضاف إلى ذلك أن الضجيج الذى كان يحدثه أولئك الصقارة . 
خوفا على طيورهم » كان يتسبب فى كثير من المتاعب والاضطراب داخل القلعة . وفى 
أحد الأيام » رفغ وادى 1/30 صوته ٠‏ أثناء جلوسنا حول وجار القهوة » وراح يوبخ 
دولان 200180 ويؤنبه .» راح الاثنان يتصايحان حول رأس أرنب من الأرانب البرية » إذ 
راح كل منهما يؤكد أن تلك الرأس إنما هى غذاء أى طعام لصقره هى . والعرب فى 
أحزانهم ؛ يتصايحون مثل الأجسام المحمومة . كما لى كان الإقناع يتمثل فى كثرة 
صياحهم وبصوت مرتفع . أدى صياح البدى وضجيجهم داخل جدران برج القلعة إلى 
أن يسترق المغارية السمع على ما يدور بين هؤلاء البدى . وهنا سحب الحاج نجم مقعده 
إلى الداخل ؛ ويعد ذلك وقف الرجل على قدميه المرتعشتين ؛ ثم رفع الرجل يديه 
الهزيلتين إلى السماء » وأقسم ذلك العجوز على أن لا يدخل الأعراب القلعة مطلقا بعد 
ذلك . وهنا صاح وادى على وجه السرعة . وراح دولان يترجى ويتوسل . وكان كل 
منهما يلتمس لنفسه أعذارا » وهنا ازداد الصراع حدة؛ إلى أن صاح حسن بصوته 
الجهورى قائلا: "عجبا » أوصل الأمر إلى هذا الحد . وأخللتما بهدوء المكان وأمنه على 
هذا التحى ! وخرجتما عن شعوريكما !" وهنا لملم البدويان وهما يشعران بالعار 
والخزى , عباعيهما المهلهلتين حول جسديهما . وتزلا فى صمت ؛ من الدرج » ومن 
بعده إلى خارج أبواب القلعة » وهما يشعران بالسعادة نظرا لنجاتهما دون أن يسيل 
أحد دماءهما ؛ ولم يعودا إلى القلعة , إلا بعد أن تصالحا مع الحاج نجم » الذى لم تدم 
خصومته معهما سوى بضع ساعات . وكان حسن يعد أن اقتادهما وطردهما وأغلق 
الباب الحديد دونهماء عاد لتناول القهوة بضحكه الذى يصدر من بطنه , ومعه غليوته 


102 


الكبير ؛ ثم قال : "هيه - هيه - هيه ! أحسنت , يا حاج نجم » خبرنى » يا عمى ‏ ألا 
تشعر بشىء من الفضب الآن ؟ تساعل الحاج نجم : "هل من الواجب عند هذين 
الرجلين أن يجلبا شجارهما :يا حسن ٠‏ إلى وجار قهوتنا ؟* كان الغضب الشديد يملأ 
صدر الحاج نجم ؛ وفى إحدى المرات ٠‏ وأثناء نوية غضب من هذا القبيل . سحب 
الحاج نجم مسدسه . وقتل به اثنين من شيوخ ولاد على ؛ فى المكان الذى كانا يقفان 
فيه , لأنه عندما صاح قائلا : "من هناك ! تجرأ الاثنان ومدا أيديهما ليأخذا قليلا من 
القمح من الجوالات الحكومية التى كانت موضوعة فى الفناء السفلى . قام حسن فى 
ذلك الاغتيال المتطرف , ومن باب إنقاذ القلمة ؛ باستعمال سكينة فى طعن شخص آخر 
بين ضلوعه » فارداه قتيلا ورماه أمام الباب وأوصده دونه . 

من بين مهام أعراب البوابة الذهاب إلى الصحراء بحثا عن ملح البارود 058114لا6. 
وهم عندما يتصدون لمثل هذا العمل يقومون بجمع التربة الرطبة , بعد أن يتذوقوا 
طعمها بالسنتهم . وهذا النوع من التربة يكون فى الظل الناتج عن بعض الصخور » 
التى كانت منذ أزل بعيد أماكن يأوى الناس إليها عند الظهيرة ؛ هم وقطعانهم البدوية . 
والبدى يقومون بغلى ذلك الملح فى غلايات فى منازلهم . ثم يتركون ذلك المطول يبزد 
طوال الليل وهو ساكن بلا أى تحريك ؛ بعد أن يضعوا فيه قليلا من القش أو التبن :- 
وفى الصباح يجد البدو فوق سطح هذا المحلول قشرة من النترات صفراء اللون » 
يقومون بخلطها مع نسبة من الكبريت ٠‏ الذى يشترونه من سوق الحج ؛ أى من المدينة 
(المثورة) . والبدى . يجهزون , هم بأنفسهم , الفحم النباتى من نوع من الأخشاب 
الخفيفة , ثم يعجنون الفحم النياتى مع مخلوط النترات والكيريت مع إضافة شىء من 
الماء . ليصنعوا من ذلك قرصا من البارود » وعندما يجف ذلك القرص ٠‏ يقوم اليدو 
بتقطيعه إلى حبيبات بواسطة سكين ؛ والبارود الذى يصنع بهذه الطريقة يكون سيئا 
وضعيفا ٠‏ وبالتالى فهم يستخدمون منه شحنات كبيرة عند الاستعمال . ومعروف أن 
العرب لا يشترون شيئًا طالما هم قادرين على صنعه بأتفسهم , ومن هذا المنطلق يعد 
البدى جميعهم ممن يصتعون ذلك النوع من البارود . 

زرت أآثار الحجر كلها مرة ثانية» وتأكدت من أنى لم أترك شيئًا دون التعرف عليه؛ 
ولكنى عندما كنت أفتش فى الفلوق ٠‏ أى إن شئت ققل : الشقوق التى فى صخور إثلي 


103 


عثرت على مجموعة أخرى من النقوش : كانت كل تلك النقوش على جانب من جوانبي 
البلدة العتيقة ؛ ولم أعثر على أحد فى الجزء الخلقى من الجبل : كان دولان رفيقا لى 
فى تلك الجولة . واستطعنا أن نجمع . من بعض المواقع التى فيها كثير من الخزف 
المكسر , العديد من قطع العملة الممسوحة . والمصنوعة من النحاس الأحمر : وراح 
دولان يحفر بيديه فى كومة من اللّهم ( الغرين ) ٠‏ التى ربما تخلفت عن انهيار منزل من 
المنازل الطينية ؛ كانت تلك الكومة بجوار صخرة يطلقون عليها اسم مربوط 4ن813:5 
الحصان 0538 -ا8. كما أرانى دولان أيضا فحما نباتيا متخلفا عن نيران قديمة , 
والذى عرفت من الرماد المتخلف عنه ‏ إنه من خشب النخيل المحروق . 

ذهبت أثناء عودتى » فى يوم من .الأيام » لقطع بعض أوتاد لخيمتى من شجرة 
السنط الوحيدة الضخمة التى تقع بالقرب من القلعة ؛ تحت هذه الشجرة كانت ماعن 
وأغنام حامية القلعة ترقد فى الظهيرة بعد أن تشرب شيئًا من الماء . كانت تسيل فوق 
أغصان تلك الشجرة قطرات من الصمغ العربى الصافى ؛ ولكن الصمغ الذى يسيل 
من الأفرع القديمة كان أسود اللون مثل الزفت ؛ وكان مذاقه مرا , والبدى يقولون إن 
لهذا الصمغ أثر طبى ويستعملونه دواء : والعرب يستعملون ذلك الصمغ فى حشو ما 
بين ألواح القوارب التى يصنعونها فى بلدة الوجه . عند هذه الشجرة وجدت دولان 
حيث كان يقود قطيعه إلى ذلك المكان , وانتظرت حتى أسأله عن فاتورة أتعابه ؛ أم أته 
سيقوم بقطع الأوتاد المطلوية بلا مقابل . رد على دولان قائلا : “والله . يا ولد عمى . 
أطلب منى أى شىء آخر » لأن فى قطع هذه الأوتاد ضرر لى ولك أيضا . لا ! أرجوك 
يا خليل ؛ لا تقطع أى تكسر سوى غصن واحد من بين كل هذه الأغصان . لأنك لست 
من أهل هذه الديرة » أنت لا تعرف معنى ذلك : انظر إلى الأعلى ! ألا ترى الملابس 
القطنية . وقرون الماعز المعلقة فى هذه الأغصان ؛ إنها خاصة باليدو , ولكن الكثير 
منها سقط بفعل الريح أالتى هبت على هذه المنطقة مؤخرا . وألا ترى هذه المسامير ! 
بعض الحجاج يدقون هذه المسامير فى ساق الشجرة أثتاء أداء الصلاة !” وعندما 
أمسكت بواحد من الأغصان الجيدة وتناوات سكينى كى أقطعه , أحتضننى وهو يقول : ' 
"لا !يا خليل » إن من يقطع هذه الشجرة لابد أن يموت. - ما هذا الغياء ! هل تخاق 
من الأشجار ؟” - "آه لى » هذه الشجرة يسكنها جن ؛ فلا تكن غييا إلى هذا الحد . 


104 


أقسم بالله » أنى أقول الحق , فقد قام بدوى بقطع غصن من أغصان هذه الشجرة 
ومات بعد ذلك بفترة وجيزة » كما ماتت أيضا مواشيه كلها . يا خليل , فى الليلة 
الماضية » جاعت فتاة صغيرة هن خيمة نصبها أصحابها حديثا فى هذه المنطقة , 
وقامت بجمع بعض من هذه العصى المتساقطة من الشجرة , لكى تشب بها أمها تارا ؛ 
ويينما كانت الأم تشب النار » تصلب ذراع الفتاة وعجز عن الحركة : وعلى الفور 
حملها أهلها إلى داخل القلعة . حيث قام الحاج نجم بوضع بعض الرقى والتعاويذ 
حولها ؛ ويرحمة من الله عادت الحركة إلى ذراع تلك الفتاة" . 

خسر دولان حظوته فى القلعة » وذلك اعتبارا من اليوم الذى سرقت فيه الماعز 
والأغنام من بين يديه » وبذلك هيئ له أن الدنينا كلها أصبحت ضده ٠‏ وذات يوم وهو 
يعتصره ذلك الحزن ؛ نظرا لإدراكه أن الكثير من الأخطاء البشرية لا يمكن علاجها 
أى إصلاحها ٠‏ وبينما كان يجلس مكلوم القلب على أعتاب خيمتى ؛ قلت له : “يا دولان , 
لا تبكى ٠‏ فأنت عنترى !2*0 وعندما سمع ذلك الرجل ؛ أو إن شئت فقل : ذلك الفهجى 
المحتقر . كنيته بأنه ولد من أولاد عنترة , امتلأ قلبه بطولة وحماسة : وأفلح فى ستر 
دمعة كبيرة كانت على وشك السقوط من عينيه ٠‏ ولكنها سقطت فى النهاية على صدره ٠‏ 
وهنا لم يتمالك نفسه من الضحك , وابتعد عنى حتى لا أراه وهو يبكى . ولن يدخل 
بعد اليوم لشرب قهوة المغربى , ولكن بحلول المساء كان دولان قد تغلب على حزنه 
داخل خيمته » عن طريق أغنية قوية كان ينشدها ويتغنى بها على طنين وتر ربابته : 
وبذلك استطاع أن ينسى كل الهموم وكل الجوع , - والمؤكد أن هذا الراعى الفهجى 
المسكين مازال يعيش وفى داخله نفس قوى من النخوة والشهامة القديمة التى كانت 
سمة مميزه لأهل الجزيرة العربية . كان دولان جوعانا طوال أيام حياته ؛ ومن الصعوية 
بمكان على أى إنسان فهم الطريقة التى يمكن الحفاظ بها على هذا الطابع » فى تلك 
الأجساد البشرية الهزيلة . ومن عادة هذا الدولان أن يوضح فى كثير من الأحيان بأنه 
ليس لديه ما يأكله أى يقتات به . مستخدما فى ذلك إشارة البدى , بأن يعض ظفر 
إصبعه الإبهام » بأسنانه العليا الأمامية . وهم يعنون بذلك مع النبى الراعى الذى كان 


(ه) نسبة إلى عنترة بن شداد العبسى . ( المترجم ) 


105 


يرعى الغنم أن “الله أعطاهم نظافة الأسنان ." وعندما علم دولان أن جنود السلطان 
كانوا يحصلون على تعيينات يومية » عبارة عن كمية كافية من الأرز واللحم المسلوق , 
ظن أنهم يحيون حياة طيبة فى هذا العالم ؛ ثم قال : "آوه ! إنه لعجب عجاب أن يأكل 
الرجل هنا كل يوم حتى الشبع ؛ مثل هؤلاء العسكر !' ومن عادة سكان المناطق 
الحدودية أن يقولوا عن حياة الجوع التى يحيافا البدو الرحل : 'إن حياتهم تشبه 
الموت” اببدهالة-ا انطالاة . 


ذات ليلة » وعندما كان العرب واقفين ينظرون إلى القمر الجديد » قبيل غروب 
الشكس يوقت قصير: + يتتننا سوا متدقها عن بعد فى السماء ::( قال الفرب:: ) إنه 
كان نجما » أو إن شئت فقل : حجرا نجما » سقط حسب ظنهم على جبال ركب 8116 
الحجر ع[486!-!© . أيلغتى هؤلاء العرب أن بعض النجوم هوت » فى زماتهم ٠‏ وعلى مرأى 
منهم » فى ديرتهم ٠‏ وقالوا أيضا : إنهم عندما وصلوا إلى ذلك المكان وجدوا الصخور 
مفتتة ؛ أما “النجم' +548 فلم يتفتت وزعموا أيضا أنه غاص فى الأرض إلى مسافة 
كبيرة . رحب الناس بطلوع القمر الجديد بأدعية دينية . كما رحبت به البدويات 
بأغاريد كن ينشدنها فى الساعات الأولى من الليل . هذا القمر هى كوكب الطريق عند 
الجنس السامى العاير للسبيل . والذى لا شك فيه . إن القمر فى الصحراء البدوية هى 
شكل من أشكال أضواء الحراسة الليلية ؛ والعرب يفرحون بضوء القمر عندما ينساب 
فوق الأراضى المرتفعة ء لأن ذلك يعنى أنهم يمكن أن يناموا ويكونوا فى مأمن من 
أعدائهم . رددت الحريم قافيتهن الوحيدة التى هى عبارة عن مقطوعة واحدة » ورقصن 
مدة ساعة أو ساعتين . وقد عين ( سيدنا ) موسى أحباره 'لكى يبوقوا.مبشرين الناس 
بطلوع القمر" :- والبوق الذى يستعمله العرب لهذا الغرض يصنعونه من قرون الأغنام؛ 
وقد رأيت بنقسى هذه الأبواق ٠‏ التى يستعملها العرب فى تلك المناسبات » ويخاصة فى 
احتفالات اليهود الدينية فى سوريا . 


لم يكن موسم الجراد قد انتهى بعد . فقد حدث ذات مرة أن هبط الجراد على 
هذه المنطقة فى إثر ريح مسائية » سقط الجراد على الأدغال الخضراء كلها وعلى ذلك 
العدد القليل من النخيل التابع للقلعة . وهنا سارع الحاج نجم مهرولا إلى شرفته . 


106 


وهو يمد ذراعيه الضعيفتين ؛ وهى يمسك بجريدة من جريد النخل فى كل ذراع منهما ٠‏ 
ليبعد الجراد عن نخيله . وكان الرجل يصيح يصوت عال : “"يحرق الله آباعهم !' 
كما أمر الرجل بعض الفهجيين الذين يعيشون عند بوابة القلعة . والذين كانوا شركاء 
معه فى تمر النخيل ؛ أمرهم بتسلق النخيل والوصول إلى قممه : واستمرت تلك المعركة 
مع الجراد إلى حلول الليل . فى الواحات ٠‏ حيث لا يوجد من البشر عددا يكفى للدفاع 
عن النخيل ويتكيد الناس خسائر جسيمة . فقد خسر الناس فى تيماء فى ذلك العام 
أكثر من نصف محصول التمر . وقد وصل الأمر إلى حد تدمير كل المزارع الشاسعة 
فى خيبر فى صيف ذلك العام » ولم يكن أمام القرويين فى تلك الواحة » من شىء سوى 
إشعال الثار فى الأغصان الخضراء تحت القسم الأكبر من سيقان النخيل . 

وفى صياح الفد ركب يعض خيالة البدى خيولهم متجهين نحى اليوابة , لينزلوا 
عندها عن خيولهم » ويقيدون أفراسهم » ويركتون حرايهم على الجدران ٠‏ ويروحون 
يطرقون لوح الياب الحديدى بشدة , ذلك الباب الذى أوصده أهل القلعة عندما أبصروا 
هؤلاء الخيالة قادمين . كان هؤلاء الخيالة » هم شيوخ ولاد على , الذين كانوا يسبقون 
الرحلة على ظهور خيولهم . هؤلاء القبليون قطعوا تجوالهم ( خوفا من ابن الرشيد ) 
٠‏ فى الحرّة مع بد الموءاهيب ؛ وهم الآن يعجلون » حرصا منهم على سلامتهم , بالنزول 
إلى خيبر قبل شهرين من الموعد المحدد لذلك . كان ركاب ولاد على قد خسروا بالقعل , 
فى الفزى الذى شنه البشر عليهم . حوالى ثمانين جملا . تصل قيمتها إلى حوالى 
إسترلينى ؛ جرى تسليمها بهدوء فى وأسلحتها ؛ الأمر الذى أسفر عن بقاء 
القبيلة بلا دفاع . وهم سوف يعرجون فى الصياح الباكر على قرية العلا » ليشتروا 
نقدا أو بالأجل كل البنادق الفتيلية والسيوف التى يمكن أن يعثروا عليها فى تلك القرية؛ 
وقد نصبوا خيامهم ظهر هذا اليوم فى متتصف الطريق حول آبار الحجر . ولم يسمح 
يدخول القلعة , إلا لجزء يسير من هؤلاء الشيوخ . ولاد على هؤلاء كانوا منذ سنوات 
قليلة مجرد جوم 60:7 (لصوص ) ليس إلا . يضاق إلى ذلك أنهم كان بينهم وبين 
الحاج نجم دم : أو إن شئت فقل : نوع من الثار » الذى لم يغب مطلقا عن ذهن ذلك 
المضيف العجوز الحريص ٠‏ الذى وصل إليهم وهو يرتدى أبهى ملايسه ويبتسم ايتسامة 
كئيبة أثناء استقباله لهم : وهذا هو جراب المسدسين اللذين استعملهما فى قتل اليعض 


107 


من ولاد على ٠‏ معلق على صدره ؛ وتلك هى غدارة!*) يعلقها فى ذراعه , وعلى ذلك ٠‏ 
فإن من يكون فى حوزته ما يمكن أن يفقده أى يخسره ؛ يتعين عليه الحديث مع 
اللصوص الذين هم يدو من الديرة نقسها ؛ كما يتعين عليه الحرص أيضا والاحتياط 
لعقيدة هؤلاء اللصوص المتذبذبة » مخافة أن ينقلبوا أعداء لك هؤلاء الذين بدوا لك 
أصدقاءً ومعسولى الكلام فى يوم من الأيام » وأكلت معهم عيشا وملحا فى يوم من 
الأيام أيضا ,هؤلاء اللصوص هم أنفسهم يحرصون فى تعاملهم معنا , كما أتهم 
يحترمون ذلك الذى يحتاط لغدرهم وخيانتهم . وأعين هؤلاء اللصوص ٠.‏ تقول الكثير , 
عندما يستقبل الواحد منهم رجلا يحل عليه ضيفا ؛ بالرغم من أن مثل هذا الاستقبال 
قد يكون فيه شىء من النفاق : كان الحاج نجم يقف ومن خلفه سجادتين تركيتين 
مطويتين . وهاتان السجادتان كانتا تعدان أشياء فاخرة فى دنيا هذه الصحراء 
الجرداء ؛ وقام الحاج نجم بفرش هاتين السجادتين على أزض الممر داخل القلعة . 
انضم وادى إلى هذه الطائفة من ولاد على . وهنا أصبح كل بدو البوابة الرحل فى 
أبهى عطلة يقضونها فى القلعة وإلى جوراها . وهنا راح وادى يطبع قبلة يهوذا(**) على 
خدى كل واحد من هؤلاء الشيوخ أقاريه » وكان وادى أثناء تقبيله لهؤلاء الشيوخ يحنى 
رأسه إلى الأسفل على أكتاف أولئك الشيوخ المتعفنة . بعض آخر نهض واققا وقفة 
الرجولة وهى يحيى شيوخ ولاد على ؛ الذين كانوا يهبون واقفين لهم من مسافة بعيدة ؛ 
- كل شىء ليس "على ما يرام تماما" والسبب فى ذلك هى خيبر من ناحية وابن الرشيد 
من الناحية الأخرى: وهذا هو ما يعكر الصفو بين هاتين القبيلتين الضعيفتين الخائنتين. 
وهذا هو أيضا السبب وراء جلوس هؤلاء الناس وهم واجمين؛ فى انتظار شرب القهوة. 
كان حسن يقوم بدور مصلّح القهوة بالقرب من الوجار ؛ هذا الحسن كان قد قتل 
واحدًا من هؤلاء. وحمله وألقاه خارج الباب الحديدى مستخدما فى ذلك قوته هو وحده. 
هذا الحسن هو أيضا متسلح الآن ولكن بطريقة سرية ؛ وقد أرانى حسن بعد انصراف 
هؤلاء الشيوخ اللصوص ,؛ وهو يضحك ضحكته المميزة » أرانى كلا من الشّفرة 


(*) الغدارة : بتشديد الدال وفتحها , هى البندقية القصيرة القديمة ( المترجم ) 
(»») قبلة يهوذا : تعنى تظاهرًا بالود وإضمارًا للغدر . ( المترجم ) 


108 


والمسدس اللذان كانا يخفيهما فى ملابسه الفضفاضة ؛ تحسيا لإقدام أولئك الشيوخ 
على مغامرة غير محسوية ويائسة . وهنا يتعين على هؤلاء أن يأكلوا خبز ذلك الرجل 
من رجال القلعة وهم خائقين ومضطرين فى ديار المسلمين . كان نجم يحس بتأنيب 
ضميره له على ذلك الدم الذى تسرّع هو فى سفكه , ولذلك كان الحاج نجم يردد دوما 
العبارة التى تقول : "الدم ثقيل" قاصدا بذلك أن “ذنب وعبئ سفك الدم مسألة ثقيلة جدًا 
على النفس " : هذا يعنى أنه لو حدث أى شكل من أشكال التمرد الفظ حول وجار 
القهوة ‏ فإن الحاج نجم سيكون له بالمرصاد . ومحبذا اللجوء إلى أساليب أفضل من 
ذلك » وهو يقول : 'جميل أن يتسامح المرء مع أخطاء الآخرين ويصفح عنهم ؛ وبذلك 
ينزع الحقد من قلوبهم .' كنت أسمع الحاج نجم وهو يتمتم مع نفسه وهو يقول : "إنه 
كان مضيافا وصاحب قلب أبيض ." ويوم أن كان ٠‏ ضمن رجال القلعة فى قرية سورة 
2,. ديرته وموطنه ؛ فقد حصين نفسه؛ قبل المجية إلى هتاء بالزواج من ولاد على ؛ 
ومع ذلك كانت زوجة الحاج نجم من ناحية والدها » ترتبط بقرابة » مع بنات كبار رعاة 
القلعة . كانت زوجة الحاج نجم أنثى بمعنى الكلمة » ومضيافة أيضا , ولكنها فى بعض 
الأحيان كانت تضيق ذرعا ينظام الحاج نجم المدنى الصارم ؛ الذى كان يقرضه على 
أية جارة من الجارات المخلصات فى الصحراء . 

كان مطلق العلايدة ‏ ذلك الشيخ الكبير » رجلا أشيب الشعر ؛ استطاع عن طريق 
سلوكه وتصرفاته التى تمتاز بالود والألفة » أن يضفى على نفسه شخصية الوالد ؛ 
وعندما أوشك الشيخ مطلق العلايدة على الرحيل جاغى ؛ يبحث عنى ليسلم إلى 
غرفتى . تربية الشيخ مطلق فى مجتمع متحضر ؛ هى على الأرجح التى أكسبته » 
دونا عن سائر عالمه » شخصية الرجل الطيب ؛ ومع ذلك فإن مظاهر حياة العوز والفاقه 
فى الضتدراء لايد وآن تكون قد أدخاته فى كثير من المتنفصات + التى يخرجون أتفسهع 
منها باللجوء إلى التغيير والتَّحوُل » بدلا من الاحتكام إلى القتال فى الميدان . بالرغم 
من أن بعض ذرائعهم الماكرة لا تنطوى إلا على الخيانة الحقيرة . ومع ذلك ؛ فالصحراء 
لا تعرق ذلك الذى يتعارف الناس عليه بأثه إهانه عامة ؛ وكل ما يقعل فى نطاق 
الصالح العام لأفراد القبيلة يقره أفرادها على أنه من قبيل السياسة البشرية , 
كما يعتبرون ذلك مناقضا ومنافيا للعالم الخارج عن نطاق قبيلتهم . من هنا , 


109 


فإن كل واحد من البدو له وجهان , وجه الحنان الإنسانى اللطيف فى منزله » ووجه 
البغض الشديد والتكشير عن أسنانه فى مواجهة العالم الخارجى ؛ والبدى يقدرون 
الأشياء كلها مثل تقديرنا نحن لها ؛ وهم ينظرون إلى أنفسهم » أثناء تقديمهم لأنفسهم 
يما بينهم » على إنهم يتسمون بالصدق والأمانة » فى حين ننظر نحن إليهم على إنهم 
أشقياء خطيرين ولصوصا كذايين . هذا وقد انحسرت الخيانات المزدوجة لهذه القبيلة 
غير المحاربة مرتين ؛ على امتداد الاثنى عشر شهرا الماضية , الأمر الذى أدخل الرعب 
والفزع فى قلويهم الغادرة . 

رحل الكبار بصورة متدرجة عائدين إلى منْزْلهم » ولكن الصغار بقوا فى القلغة , 
وذلك من باب تغيير العطالة التى يعانون منها ؛ بقى هؤلاء الصغار فى القلعة ؛ والنوم 
يداعب جقونهم فى الساعات الوسيطة . كما لى كانوا مرهقين ومكدودين من خواء 
عقولهم : وبعد استيقاظهم من نومهم فى آخز النهار . اكتشفوا من الظل . موعد دخول 
الصلاة : فنهضوا لأداء الصصلاة : ويعد الصلاة أشعلوا غلايينهم مرة ثانية » وهنا بدأت 
دقات يد الهاون أثناء طحن البن , تبعث الحيوية والنشاط فيهم من جديد . ويقوا على 
هذا الحال ٠‏ الذى لا يمكن أن يطيقه سوى البدى . صائمين ويلا طعام ؛ وصابرين فى 
تكاسل على:ما هم فيه ٠‏ إلى أن حل عليهم المساء . كان ديك هذه الجماعة من الشبان 
الصغار , هى فهد ولد شيخ القبيلة ؛ وفهد هذا رجل سليط الرأى , كان يترأس ذلك 
الغزى الذى تهور فيه وأصاب خلاله ولد شيخ قبيلة البشر ببعض الجراح . أوفد فهد من 
جاء يطلب منى الذهاب إليه . ثم أعاد ذلك المرسال إلى مرة ثانية . '( قال المرسال : ) 
انهض » ققد أوفدنى الشيخ إليك كى تذهب إليه وتعرض عليه صورك ." وقلت للمرسال 
أن يبلغه يأنى استسمحه فى الحضور إلى غرفتى إذا كان يريد منى شيئا . دخل على 
فهد متشامخا , مما جعلنى أحتقر هذا التشامخ بعد أن تيقنت منه » وهو ما جعل فهد 
يرجونى ويتوسل إلى أن أريه صورى ( التى ذاع صيتها فى كل أنحاء الديرة ) . بعد 
أن سمع فهد اسم أمتى ( شعبى ) يتردد على مسامعه : كان هو الوحيد الذى على 
استعداد لفهم معنى سوق قريتنا ؛ وهنا قلت له : "أيها الشاب الصغير ٠‏ قرانا حوالى 
ألف قرية . بل ريبما تكون آلاف القرى ؛“ كان الحاج نجم » قد تفاخر قبل ذلك يوقت 
قصير أمام الجميع » بأن النصرانى لم يقل فى حياته سوى الصدق .ء وبالتالى لم يكن 


110 


هناك مبرر أمام ذلك البليد لتكذيبى بأى شكل من الأشكال . مر المغربى العجوز علينا 
فى الطرقة ( الممر ) وعند استمع إلى حوارنا : '( قال نجم لهم ) إن كل ما يقوله خليل 
ليس أمرًا غريباء ففى بلاد المغاربة , بلدان كبيرة ٠‏ وعدد كبير أيضا من القرى الكبيرة, 
إنه بلد كبير فيه جمع كبير من البشرء وهم لا يسكنون مثلما تفعلون أنتم أيها الأعراب. 
هم لا يعرفون هذا الجدب الصحراوى ٠‏ ولا يعرفون هذه الشمس الحارقة , ولا هذه 
الأركن القاجلة . التن لس فيها'نتوى عفن القرئى الصضغيرة الللكلة السكان :حك 
الأرض التى لا يمكن أن يسكنها سوى البدو , والعفاريت , أما' نحن » فأهل الغرب : - 
أليس هذا صحيحا يا حسن ؟ نعم ! لقد شاهدنا الدنيا .” رحل ضيوف القهوة ؛ بعد 
غروب الشمس - ملتزمين فى ذلك سلوكيات الصحراء - عائدين إلى منازلهم المصنوعة 
من الشعر لتناول طعام الإفطار . 

كان الحاج نجم , ذلك المغريى العجوز , قد بدأ يضمر الكثير من البغض 
والكراهية لذلك الصبى العسكرى الذى لم يكن بدويا خالصا , والذى كان أخا لزوجته , 
ولما كان الجميع يخشون التقلب المزاجى المفاجئ لذلك الرجل ٠‏ فقد راح الجميع يحيون 
حياة كلها حرص وانتباه داخل القلعة . وقد تعهد الحاج نجم تربية ذلك الصبى منذ 
طفولته إلى أن أصبح واحدًا من حامية القلعة . وقد سبق لنا استعادة ذلك المعقل عندما 
استولى الأعداء عليه بطريقة مفاجئة ٠‏ أو إن شئت فقل : عندما احتله البدو : ونظرا 
لقلة العاملين تحت رئاسة الحاج نجم ؛ فقد تحتم عليه أن يحتاط لكل الأخطار المحدقة 
به فى الصحراء . كان الرجل يحرس البوابة بعناية فائقة ليلاً ونهارًا . كان محمد ؛ ذلك 
الصبى الجبان شديد الإهمال , قد تخفف كثيرا من طلب "عم الملح ؛ كان محمد » 
بحكم استبداده ووجله » يرى أن عمله ضائع فى مسألة فتح البوابة وغلقها . كما كان 
يرى أيضا أن القلعة أوكلت إليه من قبل الإمبراطورية العثمانية » وأن عنقه ومعاشه 
كانا معلقين بالقلعة . كما كان يرى أيضا أن القلعة نفسها تتهددها الأخطار ؛ ويوما 
بعد يوم كانت كراهيته تزداد لذلك الصبى العجل , وذات ليلة غمادرنا منطقة وجار 
القهوة وقصد كل واحد منا المكان الذى ينام فيه , وفجأة تحول الأمن والسكينة إلى قلق 
واضطراب نتيجة حدوث أمر ما . فقد تسلل ذلك الشاب الصغير الذى يدعى محمدا » 
خارجا من القلعة مخلفا وراءه الباب مفتوحا فى تلك الساعة من الليل . وقاصدا خيام 


111 


بدى الفهجى ؛ لا شىء سوى الشجار مع الصبى دولان ؛ إضافة إلى أنه كان يويخ 
النساء الفهجيات عن خلاف تافه بينهن حول شىء من حبوب القمح . والمرجح أن 
وقاحته ويذاءته على هذا النحى يمكن أن تكلفه الكثير جدا - وربما كلفته هذه البذاءة 
والوقاحة حياته التى لا فائدة منها . والسبب فى ذلك أن الحاج نجم عندما سمع هذه 
الشائعة . وعندما سمع الجدال الذى كان يدور فى الخارج . هب واقفا على قدميه . 
وعندما تيقن تماما من الصوت, تقدم صوب الشرفة وهو غاضب تماما ٠‏ وصاح صيحة 
عالية يطلب فيها قفل الباب . كما لى كانت القلعة قد جرى الهجوم عليها . دخل الصيى 
محمد إلى القلعة مرة ثانية , ثم قفل المزلاج.بهدوء . وراح يتسلل خلسة إلى غرفته 
صاعدا السلم » ولكن الرجل العجوز ( الحاج نجم ) الذى كان يفرد ذراعيه فى ضوء 
القمر , أقسم بدينه . كما أقسم بالغرب 683:5 , أى بالجزء الغربى من البلاد » أن 
ذلك الصبى محمد كان يهوديا (إذ لم تسعفه الذاكرة ياسم آخر أبشع من هذا الاسم). 
عاد الحاج نجم مرة ثانية إلى المكان المنبصص له فى القلعة ‏ ثم عاد ثانية وهى يحمل 
بندقية الفرسان القصيرة التى كانت تتلألاً فى ضوء القمر . ثم صاح الحاج نجم قائلا: 
"اصح , يا حسن », أقول لك : اصح يا حسن ؟” قال الحاج نجم هذه العبارة بصوت 
شيه مخنوق وخال من المسحة الإنسانية :- استدع حسنا ليكون شاهدا على موت ذلك 
اليهودى , أو ريما كان يريد من حسن , أثناء هذه الموجة من الغِضب .ء أن يقوم بدور 
حمامة السلام بينهما , ويتدخل بينهما » ويحول بين الحاج نجم وبين الوصول إلى 
الصبى محمد . سوف يبث الحاج نجم الرعب والخوف مرة أخرى فى قلوب الجميع » 
بأن يقوم بقتل ذلك الرجل أثتاء الليل : ومن الجانب المقايل راح الصبى المسكين يتوسل 
إلى الحاج نجم وهى يبكى ويقول : "يا عماه !- إنك أنت الذى ربيتنى ." ولكن الرجل 
العجوز كان يرفض ذلك التوسل . وهو يصيح صياحا مرعبا للمرة الثانية وهى يقول : 
"أنا لست عما من أعمامك .لابد أن تموت ! يا يهودى ! لايد من الموت !* ويينما كان 
يصوب الحاج نجم بندقيته إلى الصبى محمد , جرى الأخير شاردًا فى ضوء القمر 
(والعرب لا يفتحون النارعلى شخص يهرب) ؛ متجها إلى الجانب الآخر من القلعة : 
وهنا قام نجم العجوز بتعمير غدارته مرة ثانية , ونزل بسرعة هابطا بصعوية 
من درجات السلم ؛ ومخلفا وراءه سقف الشرفة : وقاصدًا مطاردة ذلك الصبى . 


112 


كان الحاج حسن بدوره قد هب واقفا على قدميه عند سماع تلك الضوضاء ويدأ ينظر 
من غرفته التى تشبه الزنزانة ؛ ويصوت يشبه صوت النفير . صاح الحاج حسن 
صياحا فاق صياح الجميع : "بس 88858 », كفى ؛ يا عمى » ما هذا ! وما هى كل هذه 
الجلبة » وهل ستسفك دما بهذه السرعة ! وأنت يا محمد ؛ ادخل أيها الولد الغبى إلى 
غرفتك , يالك من ولد غبى ! ألم أحذرك مئات المرات ٠‏ بصفتى والدًا . وهل أنت دوما 
السبب وراء الاضطراب والقلق فى القلعة ؟ وأنت يا حاج نجم ادخل غرفتك واستكمل 
نومك ؛ وغدا سيكون لدينا متسع من الوقت لمتاقشة أخطاء هذا الصبى. كفى يا محمد! 
لا ترد على عمك » وأحمد ربك على أنك رأيت ما آلت إليه هذه الليلة ؛ ولم يحدث لك فيها 
مكروه .” ويذلك أمكن تهدئة غضب ذلك الرجل العجوز ؛ ثم خيم الهدوء من جديد على 
القلعة كلها ؛ حيث عاد الجميع إلى الراحة انتظارا لطلوع النهار , ولم يكن هناك من 
أحد يتمتم أى يغمغم سوى ذلك الصبى العشكرى ؛ عتدما كان يقترب من "بيته" الخالى 
من الحركة . 'سيقوم بإبلاغ ما حدث للباشا ؛ وسوف ييلغه أيضا لمحمد على , عندما 
يعول الحج فى العام القادم' : هذا يعنى أنه كان من حسن الطالع أن المغريى العجوز 
الغاضب لم يسمع ذلك الذى قاله محمد . 

عند طلوع الشمس ذهبت إلى الوجار لتصليح شىء من الشاى الذى وضعت فيه 
مقدارا كبيرًاً من السكز ؛ وذلك سعيا منى إلى إعادة الود والصداقة بينهما : وتأجل 
الصراع والنزاع إلى وقت الظهيرة . وذلك عندما اقتاد دولان أغنامهما القليلة لتشرب 
من غدران الماء . ناداه الحاج حسن من عل وهى يحذره ؛ - نصف كلمة يمكن أن يكون 
كافيا عند العقلاء ‏ ولكن المخبول لا يكفيه عشرون كلمة - وهنا أفلتت من صدر ذلك 
الفهجى المسكين ؛ نظرا لعدم قدرته على التحمل . شكوى مريرة ويصوت عال تشبه 
صياح الرعاة الوقحين عندما يكونون فى الصحراء . وجاء الصبى محمد الأحمق يجرى 
على تلك الصيحة . وصاح هو بدوره ردًا على تلك الصيحة : أسفر كل ذلك عن نزول كل 
من كانوا فى القلعة إلى الدور الأرضى ؛ هذا يعنى أن كل أفراد القلعة تركوا أماكنهم . 
وعندما نظرنا نحى الأعلى شاهدنا الحاج نجم وهو يحمل غدارته ؛ ونزل وهو يصرخ 
ويقول : 'يهودى ! يهودى !* ونزل مهرولا بسرعة من فوق الدرج متجها نحو الواقفين 
فى الممر ء ثم بدأ يخفف من جريه . وراح أعراب البوابة الذين كانوا قد دخلوا القلعة 


13 


لشرب القهوة . راحوا يتبعون الحاج نجم » وهم لا يعرفون سبب غضب ذلك المغريى » 
وراحوا يرجونه ويتوسلون إليه. ثم جاء وادى 309/لا من الخلف وأمسك بالحاج نجم من 
وفسطة + واحتجن عمنا" كما لو كان باهرا ومحاولا الإسبناك بذراعية ومقاوما له:: 
وهنا راح الحاج نجم يلهث ؛ واضطردت أنفاسه . وواصل تهديده لذلك الصبى .- 
واستطاع تخليص نفسه من الحاضرين وانطلق يجرى مبتعدا عنهم ٠فراح‏ يصوب 
بندقيته من جديد , ولكنهم استطاعوا الإطباق عليه مرة ثانية ؛ وراح هى يجرهم , وهم 
يمسكون بذراعيه . محاولين إثناءه عن عزمه ؛ وهكذا راح الجميع يطاردون بعضهم 
بعضا هنا وهناك . ويعد أن خارت قوة نجم كلها راح ينظر حوله وهو مصضطرد 
الأنفاس ؛ وكاد يغمى عليه وشو بين أذرع الحاضرين . كانت رُوجة الحاج نجم واقفة 
فى الأعلى تيكى ٠‏ ويالتالى لم يكن بوسعها أن تساهم فيما يجرى ضد أخيها الوقح , 
الذى كانت تخاف عليه من القتل . على يدى زوجها العجوز . وأمام عينيها فى هذا 
المكان » ولكن الحاج حسن عند هذه المرحلة راح يحتج على الحاج نجم قائلا : “بالله 
عليك ! كفى ما صنعته يا حاج نجم ! يالك من عجوز أحمق ؛ ألا يشيه ما تقعله ذلك 
الذى يصدر عن جسم أو شخص محموم بالغفضب؟ هو! هو ! عسكرى يقتل عسكرى !” 
( رجل يعلن الحرب على عائلته ) . يضاق إلى ذلك أن البدى الذين كانوا يحجزونه 
الصحراء : “ما عليك . يا حاج نجم ! ما عليك ! خلّى عنك كل هذا عيا حاج تجم ! لا ؛ 
الولد ولدك ؛ لا ! أطال الله عمرك ." - وهنا صاح الحاج حسن قائلا : "ضعوا حدًا لكل 
هذه الجلبة !' وهنا قام الرجال بإجبار “عمنا' على الدخول إلى غرقته . 


كان ذهنى مشغولا بالكيفية التى أوقعتنى أسيرا لذلك التعصب والتشدد التركى ؛ 
وكنت أتطلع رافعا رأسى إلى السماء راجيا ؛ أن تهيئ لى اليوم الذى أستطيع فيه 
الخروج من هذا القفص إلى حيث أكون بين الأعراب الأحرار ٠‏ كى أباعد بين أذنى وبين 
هذا الضجيج وذلك الصراخ الذى أسمعه من أولئك المغارية حادى الطباع : وقد وعدت 
نفسى ؛ أننى عندما أطير مبتعدًا عن جدران تلك القلعة فلن أعود مطلقا للإقامة فيها 
مرة أخرى . فى وسط ظلام الخرافات هذا الذى يسيطر على حياواتنا » أعطانى الله 
القبول عند من يرانى ٠‏ كما جعل الآخرين يأخذونى بعين اعتبارهم . هذا الحاج نجم 


14 


نفسه كان مفرطا فى اعتداله معى , ومديرا لأمورى ؛ وعاملا لصالحى » كما كان 
يحذرنى عن طريق النصائح المخلصة فى الأمور التى كان يرى أنى لست حصيفا فيهاء 
والتى تعد من قبيل الأمور التادرة فى دينهم » والتى يمكن أن تثير الغضب: معنى ذلك. 
أن هذا الرجل كان ينظر إلى نظرة حب ودى مثل حب الجار لجاره . ولكن لو حدث فى 
مرة من المرات » ووقع بيننا ما يعكر الصفو ؛ ونسى الرجل واجبه تجاه الإمبراطورية 
العثمانية ( الدولة ) ( وإذا ما تذكر فى ذلك اليوم عجزى الدينى ) » فذلك سوف يعنى » 
بكل تأكيد » عدم بقائى على قيد الحياة . 

أساء كل من الخوف والجدل والنزاع البربرى فى بلد لا يعرف القانون ( يتعين 
على المرء فيه أن يصيح بصوت عال بغية السيادة والتسود , نظرا لعدم وجود بصيص 
أمل فى تحريك عقول البشر عن طريق المنطق ) وكذلك المرض ٠‏ أساء كل ذلك إلى 
طبيعة الحاج نجم الخيرة التى تقوم على الفضيلة : والمؤكد أن هذا الرجل فى ظل 
الظروف العاذلة والمنصفة , وفى ظل النظام الدينى السليم : ربما يكون صاحب فضيله 
ممتازه ‏ يضاف إلى ذلك أن هذا الرجل كان فيه قدر كبير من الاستقامة المشوبة بشىء 
من البساطة المتواضعة ؛ ونحن إذا كنا نرى فى ابتسامة العربى , التى تمتاز بالحلاوة 
بشكل عام » شيئا من المزاج البدائى فى روح ذلك العربى » فإن الحاج نجم يعد قديسا 
من هذه الناحية أيضا . والمرء عندما يفقد ضيق الصدر الصارخ فى هؤلاء المغاربة 
المغامرين , فإنهم يردون على ذلك قائلين : 'يتعين عليك أن تعرف أننا أناس غربيون » 
إننا فى الشدرق مقارية ." ومقروقت أن يماء رخال العزيزة العرمية قد أصنابها الاعتوال 
ويردت نسبيا فى العالم الغربى . وفيما يتعلق بطول القامة . وحدة الذهن , ترى أن 
المغارية يتفوقون فى هذين الأمرين على سكان شبه الجزيرة القديمة , الذين كانوا 
قصار القامة . ونحن حتى عندما نقارن هؤلاء المغاربة مع أهل القصيم الذى يتسمون 
بالجد والمثابرة » نجد أنهم أفضل », من منطلق أنهم غربيون , من سكان الشرق الذين 
هم أقل جدًا ومثابرة . هؤلاء المغاربة أصحاب القرارات المدروسة ٠‏ والذين لديهم شىء 
من العبقرية المدنية , والاجتهاد الصادق ٠‏ والذين يتجمعون مع بعضهم البعض بطريقة 
متحضرة ٠‏ قادرين على تمرير وتحقيق المشروعات الجديدة . ولما كان هؤلاء المغاربة من 
أهل الغرب فإن لهم عقولاً نافذة ولاذعة فى نقس الوقت وعيبهم الوحيد أنهم ليسوا 


115 


كرماء . والمغارية شأنهم شأن العرب جميعهم ‏ مولودين تحت نجوم جوالة : هذا يعنى 
أنه هؤلاء المغاربة أوفر جهدا ونشاطا من أهل الجزيرة العربية نفسها . وفلاح الجزيرة 
العربية . أقل صبرا على العمل من المغارية » كما يسهل إحباطه والتقليل من عزيمته ؛ 
أما فيما يتعلق باليدوى خاوى الجسم , فنفسه قصير جدًا ‏ إضافة إلى أن هذا البدوى 
يعود إلى حالة من التأمل الذهنى بعد ما يبذل شيئًا من الجهد ؛ بل إن مثل هذا الجهد 
يجعل مثل هذا الرجل يبتعد عن كل هموم الدنيا من حوله . ويبدى أن تغييرا مماثلا , 
. يحدث فى سلالات خيول الجزيرة العربية , التى يمكن تربيتهها فى الغرب على نحو 
يجعلها أشجع وأثمن مما هى عليه . 

مرت الأيام التى تلت ذلك بأمن وسلام ؛ فقد ذهب محمد إلى أمه البدوية , 
لاستنشاق الهواء ء المنعش مع ولاد على فترة من الوقت . كان محمد , فى الأيام الأخيرة ٠‏ 
قد دفع الصدآق , واتخذ فتاة من جهينة زوجة له » ولكن حتى هذه الزوجة لم تستطع 
البقاء أى العيش مع عريسها المنحوس , نظرا لأن ذلك الجبان قام بضريها : كانت تلك 
الزوجه قد هربت وشردت فى الصحراء ذات صياح وقطعت مسافة عشرة أميال عائدة 
إلى قرية ولاد على ؛ أى إن شئت فقل قرية العلا . هذه البنت البدوية ‏ التى كانت 
محبوسة داخل القلعة بين الغرياء القساة , والتى كانت تشعر بالحنين إلى موطنها 
جاعتنى ذات مرة لتسألنى بيساطة البنات وسذاجتهن , “ما إذا كنت يمكن أن أتزوجها 
إذا ما طلقها زوجها وأخلى سبيلها .* كان قد مضى على فى ذلك الوقت ثلاثة أسابيع 
كنت أقيم خلالها » فى هذه المرة الثانية » فى برج من الأبراج الواقعة على طريق الحج 
٠‏ ولم يبلغنا أن أحدًا من العاملين فى قافلة جلب الأرز قد عاد إلى قرية العلا : كنت فى 
ذلك الوقت قد عقدت العزم على الصعود إلى بلاد ( ديرة ) الموءاهيب , الذين يعيشون 
فى قسم مستو يقع على مرمى البصر , فى جبل الحرة 8:48 ؛ ولكن نظرا لخطورة 
الدروب الصحراوية كلها على من يسافرون أو ينتقلون فرادى . فلم أجد أحدا على 
استعداد لمرافقتى فى تلك السفرة ‏ أو إن شئت فقل : إلى ديرة الموءاهيب . ثم وصلتنا 
أخبار عن ( كفل )!*) 60/1 أى قافلة محمية من بدو الفجير كانت على وشك الذهاب إلى 


(«) كفل |أناك! : المقصود بها القافلة الصغيرة . (المراجع) 


116 


قرية ة الوجه داز لجلب الأرز » وكان قد تقرر لتلك القافلة الفجيرية أن تيدأ رحلتها من 
الرُوضة 83 اع فى صباح اليوم التالى ؛ وكان واحد من أصدقائى قد أرسل إلى 
ناقتى » عن طريق بعض القيليين الذين يذهبون إلى قرية العلا للتسوق ؛ على أمل أن 
أعود بصحبة أولئك الذين أحضروا لى الناقة . وزعت بعض الهدايا الصغيرة ٠‏ وعثرت 
بين أكنيائئ على ثوب دحشقي جديد أمطرته الهاج تجم : هذا الرجل العجوز كان قد 
طلب منى أن أضع على ناقتى تلك الحكمة الا5 30 هى واللجام المرح » اللذان 
تناولتهما يداه من يدى رجل من قبيلة الشمّر ؛ وعندما جاء الرجال فى المساء » قمت 
ورحلت معهم . 

كانت حرارة الشمس الحارقة قد تفاضت عن الدنيا ٠‏ وواصلنا نزولتا خلال ظلال 
الليل الهادئ : خلال أطراق الجبال المكونة من الحجر الرملى ؛ فى المنطقة الواقعة 
خلف سهل الوادى فى قرية الحجر . وواصلنا مسيرنا على امتداد ساعات الليل الطويلة 
بينما كان الآخرون نياما فى بيوتهم وخيامهم ؛ كان الهواء أكثر برودة وهى يهب علينا 
قادما من الأراضى المرتفعة , كلما توغلنا فى جوف الليل . وعندما بد شروق الشمس 
نزلنا عن دوابنا وشببنا نارا لتدفئة أنفسنا . ويعد مسير ساعتين أخريين » بدأت 
تطالعنا بشائر ماشية البدى الرحل التى كانت فى المراعى ؛ هذا هو راع جلف ؛ يصيح 
عندما يرانى قائلا : "كيف حالكم الآن ؛ أيها الرقاق ! ومن أين جِنْتمَ بهذا الدولانى؟"(*) 
ردوا على ذلك الراعى قائلين : 'إنه منكم , وهذا هى خليل * كان بدى الفجير يقيمون 
خول الروضة 83م . فى نلك الروضة ؛ حفر الناس كثيرا من حفر الماء » التى 
يصل عمق الواحدة منها إلى قامة الرجل . فى الأرض الزملية ٠‏ وقاموا بتبطين تلك 
الحفر ببعض. من الأحجار البرية القديمة . والماء فى تلك الحفر , الذى يناسب الذوق , 
لا ينقص مطلقا فى تلك الحفر . 

واصلذا مسيرنا إلى مِنزّْل زيد , الذى لم نجد فيه سوى محسن وحده ؛ الذى جاء 
ليساعدنى على النزول من فوق ناقتى , تفرق عنى أولئك الذين كانوا يرافقونى فى 
الطريق , أما أنا فيتعين على مواصلة المسير إلى خيمة الشيخ مطلق , التى كانت تبعد 


(*) المقصود بالدولانى' /001918 هنا واحد من أتباع أو رعايا الإمبراطورية العثمانية ' ( المترجم ) 


]117 


عنى مسير ساعة أخرى . وقد أرشدتنى على الطريق ق المؤدى إلى خيمة الشيخ مطلق 
امرأة زنجية محررة , كانت ترافقنا فى رحلة العودة , كما كانت أيضا من مدُزّل رحيل 
361؛ هذه المرأة تقدمتنى وهى تسير على الرمل الذى سرعان ما بدأ يسخن : 
وكانت تمسك لجام الناقة بيدها » وهى تعبر عن ضيقها بالتأخير الذى أتسبب لها أنا 

- أنا لا أستطيع القيادة لأنى مرهق - وفى كل خطوة كانت تلك المرأة تجذب 
حكمة ناقتى مستحثة إياها على إسراع الخطى . بعض العباءات التى تلبسها هؤلاء 
النساء تكون مفتوحة من الجانبين كما لى كانت قميصا صنع من القماش , يدخل من 
يلبسه رأسه فى وسط فتحة موجودة فى المنتصف ؛ هذا الردا ء الذى لا يتعلق إلا من 
عند العنق فقط »كلم -التدرية أظرافة كعت زراعين) ٠‏ وبالتالى لا يظهر أى شىء من 
أجسادهن بالرغم من تحركهن بسرعة . ولكن أثناء ارتباك تلك الزنجية فى حديثها 
وانشغالها به ؛ وأثناء أنين الناقة التى كانت تقاوم استحثاث تلك الزنجية لها . فى 
غضون ذلك كله . ضاع تركيزها » وهبت نسمة ريح شديدة وكشفت ذلك الرداء الصيفى 
من فوق عنق تك المرأة الزنتجية ؛ شؤلاء النساء الزنجيات لا يضعن أى شىء آخر على 
أجسادهن غير وشاح يشبه الدانتيل مصنوع من الجلد المضفّر . هذه الأطراف الزنجية 
كانت رشيقة » وتلمع فى ضوء حرارة الشمس ٠‏ ويالرغم أيضا من سبيكة دم هذه المرأة 
الإفريقية . إلا أنها كانت متناسقه القوام , الأمر الذى جعلها تبدو كما لى كانت تمثالا 
من اليرونز . وعلى القور , أعادت الثوب إلى مكانه فوق جسمها . واستدارت إلى 
بنظرات كانت تنم عن فهم ما إذا كنت قد سخرت منها أم لا ؛ ولكنها عندما عرفت 
وتأكدت أن الكافر لم يبالى أثناء ركويه على دابته » بأى أمر من تلك الأمور » خفت حدة 
وبسلاطة لشاتها “يل إنهنا مسحت تمول ككيرا على تكن الحسنتة : إلى بهد أن االأمنن 
كان يبعث على المرح والضحك فى خيام الأعراب ؛ واعتبارا من ذلك الوقت كانت تلك 
الزنجية تتحرك دوما بين أسواق القرى ؛ الأمر الذى تصادف أن يجمعنا ببعضنا مرات 
عدة أخرى . 

عندما اقتربنا من خيمة الشيخ مطلق ؛ كانت القافلة كلها قد بدأت تتحرك بالفعل » 
تلك القافلة التى سيق أن علمنا أنها سوف تتهرك فى صبيحة الغد : كنت أنا بدورى 
أتطلع إلى قضاء نهار اليوم كله فى نيل قسط من الراحة فى هذا المكان , وكنت على 


11 


قناعة بأنى كان لا يمكن لى التحرك راكبا ناقتى حتى ولو لساعة واحدة بعد ذلك ,- 
ومع ذلك كانت رحلتى ما تزال فى يدايتها . وهنا لم أعد أرى من الكفل (31»! (القافلة) 
سوى القسم الأخير من دوابها . "قال العرب : عجل وسرّع خطواك » إن كنت تريد 
اللحاق بهم .“ - قال مطلق : “لقد تأخِرت , ولكن يمكن لك أن تلحق بهم وهنا خرج 
الرجال يجرون من الخيام المجاورة . وهم يمدون أيديهم للقادم الجديد علهم يحصلون 
منه على شىء من التيغ ؛ واكن بالرغم من احتياجى الشديد ؛ لم أتمكن من إقناع أى 
واحد منهم بإعطانى قليلا من اللبن كى أشريه . والعرب فى مثل هذا الظرف يتسمون 
بالبخل ؛ بل إنهم يميلون إلى أن يزيد ذلك عبئا على أعبائك . وهنا وجهت كلامى للشيخ 
مطلق , الذى لاحظ معنوياتى المتدنية . سائلا إياه : "كم من الوقت ستستغرق هذه 
الرحلة منا اليوم ؟* - "سوف ينزلون عن دوابهم عند الظهيرة ؛ أو قبيل دخول العصر ؛ 
هيا , امض قدما !* - ولكن هذه هى وعود البدى الخادعة التى يجملونها . قفز مطلق 
فوق ظهر فرسه العارى . وراح يستحثها وهو يمسك بالحكمة ١16805180١‏ واللجام : 
ولكن الشكيمة غير معروفة فى هذه الصحراء. "(قالت لى الأصوات الصديقة التى كانت 
تتحلق حولى) :انتيه قالشيخ ستيز أنامك: استتطت تاقتك + وإلة سوق تخلفوتك :ورا عفد : 
لقد سبقك الشيخ كى يوصيهم بك خيرا ٠‏ وسوف يلزم ولد شيخ البلّى بإااا8 (الذى 
يتولى قيادة القافلة ) بأمنك وسلامتك .* وعندما نهضت ولحقت بالقافلة أعطانى الشيخ 
مطلق تسليما 785115 , بمعنى سلَّمَنَى على سبيل الأمانة ٠‏ لقائد القافلة البلّى الشاب . 
عند هذا الحد :أصبح يتعين على قطع مسافة مائة وخمسين ميلا , بلا توقف لنيل 
قسطامن الراحة »فى جو هان وخانق * إضافة إلى أن حياتى الضعيفة كانت على شنفتئ:. 
كنت أحاول ؛ : من حين لآخر ؛ المحافظة على اتزانى فوق السرج : ومن باب العلم 
بالشىء ؛ فأنا عندما غادرت مدائن صالح لم يكن معى أى شىء من الماء . فضلا عن 
أنى لم يكن معى حتى ولو أوقية واحدة من الطعام . هذا هى يوم خانق الحرارة ساكن 
الريح يهل علينا من جديد . ويعد مسير ساعتين , وقفت القافلة عند سقيا هى عبارة عن 
يعدن أحلفس مدل يسغيل التاس مقا كل كاده كانت لك المنقن الفحظة منظنة 
بأحجار برية كما هو الحال فى آبار ٠‏ أو إن شمّت فقل : حفر الروضة 005ل/21-6 . 
لم أتعرف سوى على وجهين أو ثلاثة وجوه من بين كل هؤلاء الذين كانوا يسافرون مع 


19 


تلك القافلة ‏ وقد وجدت أصحاب هذه الوجوه مصطفين إلى جوار بعضهم البعض ؛ 
هؤلاء الثلاثة » هم فى الأغلب الأعم من الخمالة 58818 , الذين بالرغم من كونهم 
جماعة مطرودة من بدى الفجير ؛ يشكلون نوعا وقحا من عامة الناس ؛ الذين يعيشون 
. منعزلين عن الشيوخ » ولا يحضرون مجالس الشيوخ فى معظم الأحيان .- كم كان هذا 
الهواء خانقا! وهنا نزلت عن دابتى عندما كانوا مستعدين لاستئناف المسير من جديد , 
ورحت أضع رأسى وأغمره بالماء المتبقى فى الوعاء الذى تشرب منه الدواب ؛ ولكن 
السقاء النذل كان يمنعنى من ذلك وهو يقول : “لا ! إنه يخاف الله ويخشاه ؛ ' ورفع 
ذلك النذل الوعاء » وسكب الماء على ألأرض ٠‏ وهو يصيح ؛ وقد ظهرت فى عينيه بوادر 
تعصبه وتشدده ء "أيتعيّن عليه أن يجلب الماء لنصرانى , واحد من أوائك الذين لعنهم 
الله ؟ وهل كانت الشمس حارة فى ذلك اليوم , وبالتالى أعُمى على ؟ إنه يتمنى ويدعى 
الله أن أموت أيضا " 2 ' 

كنا قد قطعنا مسافه قصيرة فى تلك الأرض الجرداء . وعلى أثرها سمعنا لسانين 
شرسين لامرأتين بدويتين شابتين سليطتين كانتا معنا فى القافلة ؛ كانت هاتان 
البدويتان تصرخان فزعا فى الرجال وهما تقولان : "أنظروا ٠‏ أيها الصبية » أليس هذا 
هو الكافر يركب معنا ؟ ألن تقطعوا عنقه أثناء الطريق ؟" وعلى الفور ؛ لعنتهما لعنة 
بدوية » غير أن الأمر لم يكن يستدعى ذلك ؛ وهنا رد على أولئك الذين كانوا يسيرون 
بجوارى قائلين : 'إنه ولد أخينا .' والسبب فى ذلك أنى كنت قد نزلت ضيفا على بعض 
رجال القبيلة. ثم بدأ يطالعنا مرة أخرى جدار جبلى أسود اللون:ليس من صنع البشر 
وإنما هو جزء من أرض الحرة: يقف ويتحمل السماء الحارقة منذ أزمان كثيرة قيلنا؛ - 
وقررت القافلة ( الكفل ) ألا تتوقف , إلا بعد الوصول إلى ذلك الجدار . سواء أكانوا 
أحياء أم أمواتا . وهنا هبطت القافلة التى كانت تسير فى طابور واحد لتعبر السهل 
الأجوف , الموجود عند سطح تلك الصخور الحدودية الوعرة , التى يطلق عليها أفراد 
القافلة اسم شوك »انا8 العجوز 1-8[02© » فى حين يطلق البدى عليها اسم الأجرة 
8 . كنا نسير خلال هواء خانق جاف يقولون له "الحمى" 20ن1ا-/©, التى فى 
عاصفة من أشعة الشمس التى تحرق.الجلد , وتجفف مقلة العين , بفعل الوميض الذى 
يجىء منعكسا من الرمال . يا لبطئ الشمس الصيفية المستعرة وهى تصنع قوسا 


1120 


كبيرا عند الفروب ‏ وعندها تسبدأ ظلال صخور الحرة فى سترنا من فوق رعوسنا ! 
يعد أن تقشر جلد رعوسنا ٠‏ ورقابنا » ووجوهنا » وأذقاننا وأقدامنا ؛ ركبت دابتى وأنا 
فى شيه غيبوية » وشبه محروق . كنت فى بعض الأحيان أسمع الأصوات الغريبة التى 
كانت تحدثها القراب التى كانوا يحملون فيها ماءهم . وطلبت من بعضهم أن يصبوا لى 
قليلا من الماء » ولكنهم أنكروا علية ذلك , ولم يعطونى شيئًا منه . كان هناك شخص 
آخر ؛ سمعنى وأنا أطلب الماء » فرق لحالى وأعطانى الماء وهو كاره : ورفعت كوز الماء 
الذى أعطانى إياه إلى شفتى »٠‏ ولكنى لم أستطع أن أبتلع منه ولو جرعة واحدة بفعل 
جفاف حلقى نتيجه للحرارة الشديدة . وعندما رأى ذلك الشخص أننى رشفت رشفه 
واحدة ؛ وهو يتناول منى الكوز ؛ قام بإلقاء الماء المتبقى على الرمل ؛ لأنه قال : "من ذا 
الذى يمكن أن يشرب بعد نصرانى!” كانت قراب الماء الكبيرة مملوءة عن آخرها بالماء » 
إضافة إلى أنهم سيصلون إلى سقيا جديدة على الطريق » فى مثل هذه الساعة من يوم 
الغد . صحيح أن كرمهم فى بيوتهم يستثير الود ؛ ولكن عندما يكون الإنسان سائرا. 
معهم فى طريق واحد » قد يجدهم يتصرفون تصرف الأعداء : ومع ذلك ؛ هناك من 
بينهم بعض الرجال الأشراف الطيبين . الذين تبدى عليهم طيبتهم فى كل وقت وحين » 
وتحت مختلف الظروف والأحوال . وصلنا الحرة فى ساعة متأخرة : وفى الحرة دخلنا 
فى فلق من الحجر الرملى فى الجبل . هى الذى راح يحمينا من عين الشمس الحارقة . 
كان قاع ذلك الفلق تتناثر فوقه مجموعات كبيرة من الحجر الخفَّاف , المختلط بأعداد 
كبيرة من الأحجار البركانية المكسرة . وبعض الكتل البازلتية . صعدنا بعد ذلك مكاتا 
منحدرا من الانجرافات الرملية » التى كانت فى الصخور التحتية للجبل ( المكون دائما 
من الحجر الرملى ) : وهنا نزل البدى عن دوابهم حتى تتمكن من صعود ذلك المنحدر . 
ونزات عن ناقتى » وركبت فوق جمل مستأجر . وهنا طلب إلى أصحاب الجمل 
النزول عنه؛ ولكنهم عندما وقفوا على ضعف حالى وعدم قدرتى على الصعود لم يصروا 
على ذلك ؛ والعرب نراهم لطفاء وإنسانيين » عندما تستعمل أى شىء من أشيائهم , * 
(سالت واحدا منهم ) لماذا تمشى هكذا أثناء حرارة النهار ولا تفعل الشىء نفسه فى 
ظلال الليل . موفرا على نفسك قوتك . من ناحية , وإبلك من الناحية الأخرى ؟”" - 
'صادق ؛ صادق » ولكن ما فعلته كان هو الأقضل ؛ ولكن اسمع يا خليل ؛ آه » من 


121 


البدى ! إنهم جميعا عفنين ( بمعنى فاسدين إلى حد العفن )» وأن كل ما يفعلونه » لن 
يكون له أى نفع أو فائدة .* 

عندما اتسعت الظلال أفقت قليلا من ذلك الإرهاق الموجع الذى لقيته على الطريق, 
الذى يمثل موات طويل بلا وفاة » فقد خرجت لى مصيبة أو بلوى جديدة من شىء 
صغير . وصلت إلينا ونحن راكبين بنت ٠‏ أمها هى التى كنت استأجرت منها جملا ؛ 
ويالرغم من أن وجه هذه الفتاه كان أجمل الوجوه فى الجماعة التى تنتمى إليها ؛ لم 
. يكن أى شىء فيها يدل على عذريتها سوى القناع التى كانت ترتديه : هذه البنت 
الشقية راخت تطاردني ٠‏ طوال الرحلة » كما لو كانت شخصا من الأشخاص الذين 
يخالفون إشارات المزور بعبارات من قبيل "هى ؛ يا كافر , آها ! يا نصرانى ! هذا رجل 
يهودى ٠‏ كان البدو الذين يسيرون بدوابهم إلى جوارى أكثر حقدا وخبثا » ولم يتعاطف 
معى أحد منهم , بل إن أحدا منهم لم يكلف نقسه زجر تلك البنت أى إيقافها عند 
حدودها . بدأ ضوء النهار يخبو , وأخيرا غربت الشمس علينا فى تلك الأرض القاحلة 
الجرداء . وهنا أوقف العرب دوابهم فى مكان مستور ؛ وهنا بركت الجمال من تحتهم » 
بل ونزلنا نحن جميعا من دوابنا لتمضية الليل . كنت قد ركبت ناقتى فى مساء أمس 
فى هذا الموعد تقريبا » واستمر ذلك الركوب طوال ليلة من ليالى الصيف ونهار طويل 
من نهاراته » ولم يدخل , خلال هذه الفترة . طعام فى جوفى ولم أنل أى قسط من 
الراحة إلى الآن. ومعروف أن الليل هى أحلى الراحات من ضوء الشمس ومن حرارتها: 
كان هواء الجبل يهب علينا » ونزلت من فوق ناقتى » وأنا غير متمالك لنفسى فى واقع. 
الأمر . ولكنى كنت أبدى كما لى كنت مستيقظا من نوم غير عميق . ومعروف أن ظهر 
الناقة أى الجمل لا يكون مريحا : ولكن ماذا يفعل الإنسان لنشوز الطبيعة : وفى حقد 
اليشر , وعدم عدالة الأديان . لقد كنت أتمنى ألا تمر بى تلك الأيام مرة أخرى فى أى 
جزء من أجزاء العالم . - إذ لوحدث ذلك سيكون معاتاة جهنمية . 

استدعيت » فى ضوء النجوم ؛ تلك البنت الشرسة » التى كانت قد نزلت عن دابتها 
هى وأخيها فى مكان قريب من المكان الذى نزلت أنا فيه » ثم وضعت فى يدها هدية من 
التَثّون ( الدخان ) لتعطيها لأمها (الشلق الشقية) . قلت لهذه البنت : "أنت ذئبة صغيرة 
وجميلة ؛ ولكن قربى منى يا حبيبتى , لقد سامحتك فيما قلتيه ؛ ستكونين فى الغد 


12 


عروسسا لى ؟" - “هذا كلام حسن ( قالت هذه الصبية البدوية المسكينة ) وكانت مستعدة 
“لتافون' © وه على اسكفذان لخدم طوال الرطلة «وتقيفي إلى خلقدى التعيدة : 
وأن لا تسبب لى أى شىء من الضيق أو القلق بكلامها الموجع ؛ وكان طلبها الوحيد , 
أن أقطع على نفسى وعدًا بعدم التخلى عنها .” وعن طريق هذه الطرفة البدوية الخفيفة 
استطعت تجنيب نفسى لسان هذه الفتاة السليط طوال اليوم التالى . وهنا حل الليل 
علينا » وتجمع العرب المسافرون حول نيران الخفارة » فى حين جلست أنا إلى جوار 
خُرجى كى أنال قسطا من الراحة. مر بنا بعد ذلك؛ رجلان كانا عائدين إلى مكانيهما , 
وسمعتهما جيدا عَدَدَمًا كان أخدقما تقول لاأشن : “ها هو الكافن جالس! ورد علية 
زميله قائلاً : أنتبه » إنه لن يحتاج سوى ضرية واحدة بالسيف , ثم يحصل من يفعل 


ذلك ٠‏ على كل هذا الخير ( أمتعتى تى بطبيعة الحال ) . ' - تعرفت صوت المتكلم الأخير ؛ 
إنه ولد شيخ البنّى المحترم , الذى كان يصاحبنا فى القافلة رفيقا لى » إلى والده . ومع 


طلوع نهار اليوم الجديد ٠‏ قيض العرب خيامهمْ على وجه السرعة . وكنت خلال الليل قد 
اتفقت على إيجار الجمل ؛ ولكن هاهم أصحاب ذلك الجمل ينكرون على ذلك الإيجار : 
متمين فى ذلك بمثل ( ريما كان واحدًا من أمثال أهل الجزيرة العربية » يبيح لهم 
التماس العذر فى مثل هذه المناسبة ؛ طالما انهم لايغريين الاديةة») برقل لكر 
"الوعرة التي تقطع لتناء الليل » ليست ملزمة عند طلوع التهار . 

يتعين على حزم أمتعتى وتحميلها على ناقتى تى الكديش استعدادا لعبور الحّرة . ذلك 
ل ا ا 0 
الباقية حولى من البشر راحت تهدد بالتخلى عنى ؛ ولكن البعض منهم نزلوا من فوق 
دوابهم لمشاعدة الغريب عندما وجدوا أننى لا أستطيع وحدى تحميل أمتعتى كلها . 
ويعد مسير ساعة تخلوا لى بمحض إرادتهم عن الجمل وأعطونى إياه مرة ثانية ! وهنا 
بدأنا نسير فى ممرات وعرة منحدرة داخل الجبل . : وواصلنا المسير بين الطلوع 
والنزول كل نصف ساعة إلى أن دخل علينا وقت الظهيرة ٠‏ كل ذلك ونحن نسير بين 
صخور البازلت وثتيات مشققة من جبل الحرة ؛ ومع كل ذلك كنا نواصل الصعود بين 


(») هذا هو المثل العام المصرى الذى يقول : “كلام الليل مدهون بزيدة ٠‏ يطلع عليه النهار يسيح”. (المترجم) 


123 


هذه الصخور . كل ما يحيط بنا عبارة عن خلاء ( صحراء ) لونها يشبه لون الحديد ؛ 
الأرض هنا تشبه (يلاجا) لامعا من الأحجار البركانية الساخنة. هذه قلة قليلة من 
سيقان نبات الشيح الرومى خضراء اللون , يراها الناظر إليها وقد نبتت على الرفوف 
البركانية الحارة» وتفوح منها رائحه طيبة فى ضوء الشمس: هذا الشيح تجمعه الحريم 
ويجففنه؛ ليعطى نكبة حريفة ؛ وهم يخلطون قليلا من ذلك الشيح مع اللين والمريسى . 
والقيعان البركانية العميقة عامرة بأشجار الطرفاء . كما شاهدت على جوانب مجرى 
انتيل الحخربة يعن البيارات الخضراء الكامرة بلشجان الس؛ط الستحراوية .ومن 
بين الأشجار الخشبية الأخرى , هناك قلة قليلة من تلك الأشجار تنمو فى هذه الحرة ؛ 
وقد شاهدت عكاكيز: البدى الذين اقتطعوها من تلك الأشجار . كان البعض من بدو 
الفهجات الفقراء يفتشون عن أدغال أشواك السنط كلما مررنا بها ٠‏ بحثنا عن قطرات 
الصمغ العربى الصافية » هى وزهور أشجار الصمغ التى يميل لونها إلى الابيضاض ؛ 
وهم يقولون ٠‏ إن الناس فى بلدة الوجه يدفعون ست ينسات عن كل زجاجة من الصمغ . 
والجمال طويلة الأعناق » تلقف » ونحن فوق ظهورها ؛ تلك الأغصان الشوكية التى 
تشيه أوراقها أوراق نبات الست المستحية , أو إن شئت فقل : ذلك النبات المزهر من 
فصيلة السنطيات . والفجيب فى الأمر أن تلك الأشواك الحادة لا تؤذى ذلك البلعوم 
الطويل الطرى! - هذه الأشواكِ قادرة على الانغراس فورا فى نعالهم الجلدية السميكة, 
مسيبة جرحا قاسيا فى أقدام البدى الحافية ؛ ولقد رأيت بعينى بعض البدى الذين لزموا 
فراش المرض فترة طويلة بفعل أحذاث من هذا القبيل . وعندما سألت بعض البدى . عن 
هذا الأمر : "أجابونى ؛ أن الدنيا مليئة بالمعجزات الإلهية ! وأن الله قد يسر المخلوقات 
كل لما خُلق له . ومع ذلك , إذا ما فحص إمرؤ أى جمل من الداخل بعد ذبحه . سيجد 
مادة جلدية , لينه ولكنها عميقة بقدر طول إصبع واحد » علاوة على إنها سميكة على 
نحو يستحيل معه على أية شوكة أن تخترقها بسهولة .' ورعاة الماعز من البدى يحمل 
كل واحد منهم منقارا » يستعمله فى الأماكن التى توجذ فيها أشجار السنط ؛ ليسحب 
الأغصان التحتية ليقربها من القطيع الذى يرعاه » ولصغار الماعز بصفة خاصة . ومن 
يسير فى الصحراء يشاهد أشجار الطلح ٠‏ التى تتدلى مشوهة ؛ يضاف إلى ذلك أن 
تراب الصحراء يكون مدهوسا حول أدغال شجيرات نيات الست المستحية الشوكى : 


2124 


بأقدام الحيوانات البرية الجميلة مثل الغزال . وشجرة نبات الست المستحية؛ التى يقول 
البدى عنها , إنها سريعة النمى ؛ يندر أن تتحول إلى أخشاب . وعرف شجرة الطلح 
المنتشر لا يشكل غطاء جيد! أو واقيا , لأنه عبارة عن شبكة من الأخشاب والأشواك 
الضعيفةٍ يميل لونها إلى الاخضرار . كما أن أوراق هذه الشبكة غير كثيفة وصغيرة 
الحجم؛ هذه الشجرة هى وأشواكها القديمة تلقى شكلا من أشكال العتمة غير الكثيفة , 
ليبدو كما لو كان ظلاء على الأرض الجرداء المتوهجة. أشجار السنط فى هذه الصحراء 
تنشر فى الهواء رائحة طيبة صحية يحسها الناس بشىء من الصعوية ؛ وزهور هذه 
الأشجار التى يميل لونها إلى الاصفرارء يشاهدها الناس فى منتصف شهور الصيف, 
كما يشاهدون أيضا الأغصان المعقوفة قبل حلول فصل الصيق . وفى وادى ا0ةالا 
ترية 78163 اكتشفت أو عثرت على واحدة من هذه الأشجار وقد امتلأت بطنين النحل 
الصحراوى ( الذى يقول له البدى "الذبّة وططبا8]ة"), كما لى كان ينبغث من الشجرة 
عطر ضعيف ٠‏ مثل ذلك العبق الجميل الذى ينبعث من البساتين المزهرة . مضغ أوراق 
السنط , التى لها طعم مستسا غ وجيلاتينى إلى حد ما , ينعش القم الجاف ؛ والعرب 
يقولون : إن الصمغ جيد جدا ومرطب إذا ما أكله الإنسان . هؤلاء هم بعض من بدى 
الفبجات , الذين كانوا يرافقون الكفل ( القافلة ) سوف يبقون فى الْمنرّل القادم من 
منازل البلّى بحثا عن جذور الإرن 9,0 فى جانب الجيل المواجه لتهامة . والإرن 677 
الذى هو عبارة عن كعب مفضن من كتل الخشب يشبه جذر شجرة الخلبخ . 
وأنا لم أعثر على هذا النبات , ولم أر أى نوع شبيه به فى الجزيرة العربية . وشرائح 
هذا النيات ينقعها البدو فى الماء ليستعملوها فى دباغة الجلود , ولونها يشبه لون 
شجرة الأرز . والبدى يضعون الجلد الخام فى ماء الإرن مدة يومين أو ثلاثة ؛ ومع ذلك 
لا يدبغ الجلد تماما » ويترتب.على ذلك , إذا ما استعمل مثل هذا الجلد ليكون قرية من 
قراب الماء » أن يتعفن بعد فترة من الوقت ؛ وعند تقطيع مثل هذا الجلد يجب دبغه من 
جديد : ومعروف أن قراب الماء فاسدة إلى الحد الذى يجعلها تتلف الماء الموجود 
بداخلها . وكل عقدة من عقد خشب الإرن ؛ الذى يدخل فى مهام كل بدوى وكل ربة بيت 
بدوية أيضا , تباع بما قيمته ريال واحد فى قرية تيماء . 


2125 


طوال تجوال ذلك اليوم بطوله خلال الحرة لم نر ذلك الصخر الرملى أبيضا فى 
أى مكان ٠‏ ولكن كان يغطيه وعاء هائل من الصخور البركانية البازلتية . تجاوزنا فى 
البداية وبعد الظهر بقليل تلك المنصة البركانية المرتفعة من الجبل , بعد أن لاقينا الكثير 
من المتاعب بسبب سرعة الإبل أثناء عملية التسلق أى الصعود . وهذا هو على مرمى 
البصر سهل من الزلط البركانى الأسود , وترتفع خلال ذلك السهل مخروطات فردية 
سوداء اللون , لكل واحد منها عرفان على شكل توأم ؛ [هذه الأعراف كانت عبارة عن 
فوهات براكين , أى إن شئت فقل : تلالا بركانية ؛ وفى تلك المخروطات تكسرت تلك 
الفوهات البركانية ونزلت إلى جانب الجبل , وذلك بفعل الحمم البركانية المتدفقة من 
ناحية والحرارة الشديدة الناتجة عن الانفجار من الناحية الأخرى ] . ومبلغ علمى أننى 
رأيت فى كل ذلك الأشكال القديمة للتلال اليركانية . كانت حرارة نهار الصيف معتدلة 
فى سائر أنحاء الحرة على اختلاف ارتفاعاتهنا ؛ إذ كان المكان الذى نحن فيه على 
ارتقاع حوالى 5.٠٠‏ قدم فوق مستوى سطح البحر : كاتت ندرة الهواء ملجأ لنا من 
حرارة الشمس الشديدة , التى بدأت تسطع فوق رعوسنا على نحى فيه شىء من 
الرحمة والود . وبدأنا نستشعر نسمة خفيفة فى الأجزاء المرتفعة ؛ وهذا الجزء المرتفع 
من الجبل يهب عليه تيار فاتر من الهواء . وفى بعض المواضع من التربة البركانية , 
نشاهد ترية غرينية يميل لونها إلى الاصفرار ؛ هذه الترية موجودة تحت الأحجار 
السائبة , التى ربما كانت أحجارا طباشيرية محروقة , التى تقع على شكل طبقات 
أى مستويات قليلة من فوق الحجر الرملى القديم فى هذه الحرة ؛ وقد اكتشفت أن تلك 
الطبقات القليلة أو المستويات قد تحولت إلى مُغرة يقعل الحمم البركانية القديمة . الحرة 
التى من هذا القبيل تكون فى معظم الأحيان » عبارة عن حوض وضفاف شاسعة من 
الكتل البازلتية التى يميل لونها إلى الزرقة . كما يغلب الصدأ على تلك الكتل أيضا . 
هذه الكتل المكونة من مادة عنيدة . مثل الحديد . تكون مثل المعادن : وهى عندما 
تتعرض منذ أزل بعيد للرياح الصحراوية المحملة بالرمال , يراها الناظر إليها مصقولة 
وتلمع فى ضوء الشمس . هذه الحرّة يصعب اجتيازها من خارج الممرات ؛ على الإبل 
التى لا تكون مولودة أى مرباه فى مكان غير الحرة ؛ وصعوبة الاجتياز ترجع إلى تلك 
الأحجار التى تشكل عقبة كبيرة من ناحية : وإلى الصخور البركانية الحادة من الناحية 


126 


الأخرى . هذه الأحجار الثقيلة التى تنزلق وتسقط إلى طريق السير » تؤدى فى أغلبٍ 
الأحيان إلى تورم أقدام الرعاة وإصابتها بالجروح والكسور ؛ ونظرا لأن هذه الأحجار 
تكون مثل الفحم المشتعل أثناء شمس الصيق ٠‏ فإن البدو يجلسون طوال النهار على 
أكقال إبلهم التى ترعى العشب . 

هذه القحولة التيتانية » التى تبدى لأعيننا غير قادرة على تحمل الحياة » هى أرض 
وديرة جيدة ؛ بل إنها تعد تراثا وميراثا لأيى داطث شامة 58038880 الموءاهيبى الجرىء . 
هذا الهواء المعتدل الموجود فى هذه المنطقة العالية هو هواء صحى . والموءاهيب لديهم 
ما يكفيهم من الماشية » يضاف إلى ذلك أن متسلقى الجبال هؤلاء هم بدو ذوى أحجسام 
قوية , كما أن فهمهم وتفهمهم فيه من الوقاحة أكثر مما فى فهم أولئك البدى الذين 
رأيتهم فى السهول المحيطة بأولئك الموءاهيب . وماشية هؤلاء الموءاهيب الصغيرة يندر 
أن يسرقها أحد من هذه الديرة البركاتية الوعرة ؛ يضاف إلى ذلك ؛ أن حليب القطعان 
أندر من الندرة بين هؤلاء القوم ؛ ومعروف أن الحليب هو بمثابة الصخة والثروة عند 
البدو الرخل الفقراء . وعندما جاء شيخ الموءاهيب المتين لزيارة بدو الفجير » فى أواخر 
هذا الصيف فى قرية الحجر , قام زيد ؛ على إثر الترحيب البدوى المعروف . بطلب 
الكلمة من المجلس ووجه حديثه للزائر قائلا : “يا طُلّق 19 , أنت رايات الخيرة 
تعن موهيا بااطلق .يا سيد الحرة !” وفى المكان الذى عثرنا فيه على القطيع أثناء 
مسيرنا ٠‏ توقعتا لقاعنا بعد فترة قصيرة مع أولثك الأعراب الطيبين . وقضاء الليل معهم 
فى مَنَزْلهم . 

واصلنا مسيرنا راكبين دوابنا فى الطريق الجبلى مارين بأتقاض بعض الجدران 
المبنية من الصخور ؛ هذه الجدران عبارة عن نباتات بسيطة » ومسورات صغيرة ؛ مثل 
تلك المسورات الصغيرة التى يبنيها الرعاة حاليا ليضعوا فيها حملانهم الصغيرة ‏ 
(حماية لهم من ذئاب الليل) فى الجبال السورية : ويجوار هذه المسورات الصغيرة 
توجد الزنازين الصغيره التى يمكن اعتبارها نوع من القبور التى تنش فوق سطح 
الأرض. هناك أيضا زنازين ضيقة أخرى يجمعها أخدود واحد ولها باب واحد أيضا: - 
وقد شاهدت بعضا من هذه الزنازين التى أقامها الصيادون فى صحراء سيناء ؛ 
وقد قالوا لى إن تلك الزنازين ليست سوى فخاخا لاصطياد الثمور 8:0م140 , 


127 


كما يستخدمونها أيضا فى صيد الحيوانات البرية التى من أكلات اللحوم . - هناك 
نوع آخر من الزنازين الصغيرة , التى هى عبارة عن أكوام مبنية دائرية الشكل , 
وريما كانت جحورا ٠‏ على حد قول الناس عن تلك الزنازين : "هذه الزنازين عبارة عن 
إشارات » وهى تحدد موقع الينابيع فى الأيام الخوالى » ولكن يبدو أن المعرفة القديمة 
قد ضاعت ‏ وأنا عندما أسأل أى واحد من اليدى المسافرين عن هذه الأشياء ؛ يجيبنى 
بكلام مطلق غير مؤكد » بل إنه يؤثر ألا يفتح فمه ولى بكلمة واحدة ؛ فى ذلك الجى الحار 
الخانق , - أجابنى البعض قائلين : 'هذه أشياء من العالم السابق » ومن زمن قبل زمن 
المسلمين . قل لنا أنت يا نخليل ! ألم يين أجدادك الكفار القدامى هذه الأشياء ؟" وقالت 
أصوات أخرى : "إنها من بقايا الهلالات أذاواه4] (*), * 

وعندما عجزنا عن العثور على الموءاهيب , بدأنا النزول من فوق الحرّة مستخدمين 
فى ذلك المسالك الجبلية البازلتية ؛ ثم وصلنا إلى بعض حفر الماء , التى نزل الأعراب 
عن دوابهم عندها من أجل الارتواء والتزود بالماء ومن أجل جمالهم الصائمة أيضا : 
وبدون ذلك ٠‏ فإن تلك الإبل يمكن أن ترعى الكلأً والعشب ؛ بعد وقفة المساء . بعد أن 
يطلق سراحها فى المرعى لمدة ساعة ؛ والمعروف أن إبل الكُفل ( القافلة ) تصوم طوال 
الرحلة كلها : ولكن تعرق تلك الإبل هى الذى يمنعها من الشرب . فى بعض الأحيان 
الأخرى نرى هذا الحيوان الضخم , الذى يبدى وكأنه يحمل حملا آخرا فوق حمله , 
الكبير . وهو يبكى ويتأوه . إذا ما وقعت عليه بمحض الصدفة الخالصة نواة من نويات 
البلح » على رأسه بطريق الخطأ من يد راكبه ؛ ولكن الجمل عندما يكون مقهورا 
أى مضطرا إلى تحمل مكروه كبير . فهو يمشى إلى نهاية الرحلة فى جلد شديد . 
ومعروف أن الأعراب الذين يسافرون ضمن القوافل لا يحملون معهم غدرانًا لسقيا 
الدواب أو الإبل » ولذلك فهم يستعملون مشاعيبهم وكذلك أيديهم فى إحداث تجاويف 
فى تلك الأرض الساخنة ؛ ويفرشون تلك التجاويف بالجلود ويروحون يصيون الماء فوق 
هذه الجلود ؛ للدواب كى تشرب منه , وهم يجلبون ذلك الماء ( الراكد منذ فترة طويلة ) 
باستخدام دلائهم , من تلك الآبار الراكدة غير المتجددة . وهنا يقوم كل واحد باقتياد 


(*) الهلالات : نسبة إلى بنى هلال . (المراجع) 


دوايه وهى يقول : 'ويهى ! ويهو ! ويهى ! تشجيعا لتلك الدواب على الذهاب للشرب من 
ذلك الماء ؛ وعندما تبدأ الإبل فى التدافع بأعناقها الطويلة » يطلب منها الوقوف قائلا : 
وه - هو ! إهط-طة/لا وه - هو ! إمط«طةن " . 

فى بعض الأحيان كنا نمر على مكان يطلقون عليه اسم “دار الأعراب' » أو إن 
شئت فقل: منطقة التخييم القديمة: منطقة التخييم هذه عادة ما تكون قاعا من القيعان, 
ويكون مستورا ومحميا من الطقس وبعيدا عن أعين الأعداء ؛ والبدى الرحل يقيمون فى 
تلك المنطقة مدة يومين أى ثلاثة أيام كل عام ٠‏ أى بمعنى أصح فى الموسم المحدد لذلك . 
هذه الديار هى التى يجرى فيها نقل الأحجار البرية إلى الأجناب » حيث يمكن إقساح 
مكان يستطيع البدوى أن ينصب فيه خيمته الصوفية , كما يفسح مكانا آخرا لترقد فيه 
الماشية : وهذه الأماكن باقية منذ أجيال طويلة مضت . وعتدما بدأت الشمس فى 
الاتجاه نحى الغرب ؛ كنا قد وصلنا إلى جانب الحرة » حيث توجد بعض خيام البدو 
الرّحل؛ هؤلاء الأعراب كانوا من الهروف 4006!, الذين هم سلالة من البلى. وطلع علينا 
بعض الرجال عندما كنا نتجاوز هؤلاء الأعراب » وراحوا ينادونا يصوت كرم مصطنتع 
وهم يقولون : "أنزلوا يا قوم ! لدينا المريسى فى بيوتنا » ولدينا أيضا اللين والسمن .*” 
وذهبت مع أحد المعارف إلى خيمة كانت منصوية على ضفة صخرية عند جاتب مجوف 
من جانبى مجرى السيل . ونزلت عند أهل هذه الخيمة وقدمت لهم هدية من التتون 
(الدخان) . عثرت على ربة البيت الطيبة فى المنزل ؛ وكانت خصلة شعرها الأمامى تبدى 
كما لى كانت قرنا » رصعته بحبات من الخرز - وهذه الطريقة الزينية مستعملة فى 
بعض مناطق الشمال الغريى . كانت ربة البيت جالسة » وهى تخضخض القرية المملوءة 
بالحليب فوق ركيتيها » وطلبت منى أن أصبر عليها بعض الشىء » إلى أن تنتهى من 
تخليص الزيد من اللين » ويعدها يمكن أن تصب لى شيئًا أشريه من اللين المتبقى يعد 
عملية الخض . كان كلبها البنّى الضخم الذى يستعمل لحراسة الأغنام يتبعها دون نباح 
( ومعروف أن هذه الكلاب تنبح فى أغلب الأحيان إذا ما رأت شخصا غريبا ) ؛ 
واقترب الكلب ليجلس بالقرب منا . عرفت بعد ذلك ٠‏ أن تلك المرأة الكريمة » التى كانت 
أرملة وحيدة, وكان معها ولدها الذى لا يقل عنها أمانة وصدقا؛ هذه المرأة » هى وولدها 
جاءا لقضاء الصيف مع أعرابذا ونصبا خيمتهما ييننا فى وادى تربة هطءنط؟1. 


129 


ومن حافة الحرة ٠‏ كنا نشاهد أمامنا حدود تهامة الوعرة بأرضها المنخكفضة عن 
الحرّة تمتد أمامنا . ومع أول نزول لنا » بدأت الصخور الرملية تطالعنا من جديد ؛ 
واسترعى انتباهى منطقة كانت تقف فيها وسادة من الصخر البركانى ٠‏ كانت تلك 
الوسادة متصلبة كما لو كانت موجة مجوفة ‏ فوق جدار الوادى المكون من الحجر 
الرملى. وعلى القمة الصخرية التالية شاهدت شرحا حميريا منقوشا بطريقة غير متقنة. 
ومع حلول الشفق ؛ وصلنا إلى مخيم من مخيمات البدو الرحل ٠‏ فى السهل السفلى ؛ 
هؤلاء البدو كانوا فرعا من البِلّى أى من فرع السحامة 5683:0:03 على وجه الدقة , 
: وشيخا هؤلاء البدى هم الشيخ مهنا 103113088 هى وعمه فضيل 50011 : وكان قد تقرر 
أن يقوم مهنا فى الغد بتولى قيادة قافلة الفجير إلى قرية الوجه . وتفرق أعراينا 
وانتشروا » بعضهم ينشد الراحة فى بيوت معارفهم » وبعض آخر ذهب لينام على 
الرمل ؛ نظرا لأن هؤلاء الفقراء:المساكين كانوا يخجلون من اصطحاب الضنيوف معهم 
إلى بيوتهم . أما أنا فقد نزلت مع شخص آخر فى خيمة مهنا ؛ واضطجعت هناك وأنا 
أعانى الكثير . ولما شخصوا معاناتى على إنها نوع من الاضطراب أحضروا إلى شيئًا 
من اللن كن أشرية ::وتمث يعد ذلك كما لق كنت يتا كان الشسيخ اليلوى قد 
استدعانى فى بداية الليل : إلى خيمته لأجلس معه وأتناول الطعام ؛ رأيت جثة عنزة 
تتصاعد منها روائح الشواء أمامنا » فى حفرة واسعة , وهذه إشارة إلى أن مهنا قد 
ذبح الذبيحة وجهزها إشارة إلى كرمه . وطلب منى فى ود أن أقترب من الطعام وأمد 
يدى” وآخذ من اللحم ؛ وهو يقول "إنه عمل مخلصا بوصية الشيخ مطلق ؛ كان مهنا 
سعيدا برؤيتى .* كان مهنا رجلا فى منتصف العمر , يتسم ببساطة تنم عن نيله ؛ 
والدراسة العالمية المتعجلة وغير الدقيقة قد تفسر هذه البساطة على إنها نوع من أنواع 
انعدام اللياقة الذهنية : كان مهنا فى منزله يتجلى فى تصرفاته المرح المشوب بالحزن , 
ولكنه كان قائدا شرسا فى الميدان . تزايد ودنا وحبنا إلى أن دخلت علينا أشهر 
الخريف . وهى الوقت الذى غادرت فيه ديار هؤلاء القوم . والسّحامة هم ه55 وما 
هم جيران حلقاء للموماهيب ؛ وهناك أفرع أخرى من البلّى غير الهروف 06ه'! 
هى الجوين «الاعن61-6 والزيالة 3وططن” ؛ العراضات 83038 : والوييسة 5و5أطقللا , 


130 


والصرابطة 53:35313 : والجرايا ؛ والحريرى لاالا13:6! , والجروطى لإأناة,6 , 
والسويملى لإأهالاء؛5 , والفويحى لاتالالا , والجمدان 20030ه6ل . هؤلاء البدى يرون 
حسب علم الأتساب أن البلَّى 8114 هى اسم الجد الأكبر للقبيلة ؛ وأن أولاده من بعده 
هم مخاليد 06818/] وخازام 5'23:5! والأرض التى يتجول فيها البلى تمتد من هذه 
المنطقة إلى البحر , أى على امتداد مسير أريع رحلات . وفرع السّحامة عبارة عن 
أربعين أسرة : وقد أحصيت فى هذه المنطقة عشرين خيمة قاموا بنصيها . 

مع طلوع نهار الغد شجعنى مهنا على ركوب الجمل , نظرا لأن كفلنا كان على 
وشك التحرك ؛ ولكنى رددت عليه بأنه يتحتم عليه أن يتركنى لحالى فأنا لا أقوى على 
التحرك أكثر من ذلك . وأنا طوال هذه الأسابيع الأخيرة من الحرارة والجفاف لم أذق 
شيئا سوى الماء ؛ كانت مسأالة تنفسى رياح السموم فى تهامة تشكل لى عبئا ثقيلا : 
وأنا يتعين على أن أتجاوز » بشىء من القلق ٠‏ البقية الباقية من تلك الديرة ذات الأرض 
الوعرة المنخفضة . فى ضوء الشمس الحارق ٠‏ فوق ظهور جمل بطىء الخطى ؛ أكاد 
أسقط من فوق سرجه ٠‏ أو ألفظ نفسى الأخير قبل أن يصل الكُفل إلى نهاية الرحلة 
ويدخل قرية الوجه. كنت أحسب أنى سوف ألتقى بأبى داه سنون 51009 فوق الحرة » 
نظرا لأن منرّل الموءاهيب لم يكن بعيدا كثيرا عن هذا المكان ؛ ولربما قدر لى أن أتنفس 
من جديد فوق الجيل ؛ وأجد عند أبى سنون قليلا من الحليب ؛ وهنا يمكننى أن أسترد 
طتحدق.: “(ينداات الزكل اليب .وان حائر ) كيف ! ينبغى عليه أن يتركنى طوال أيام 
كثيرة وحدى مع النساء ( الحريم ) ؟” وهنا رد عنى صوت ودى من أصوات الفجير 
قائلا : "خليل » يعرف ٠‏ بالله , كل الأعراف والتقاليد ( الدين 010 ) الخاصة بالأعراب , 
إنه واحد منا .' وبينما كان مهنا يجلب ذلوله كى يركب وينهض بالكُفل المتحرك » 
وضعت فى راحة يده بضعة قروش ٠‏ وأنا أقول له إن هذا المبلغ لشراء قليل من التتون 
(التبغ) » يتعين عليه أن يحضره إلى عند قدومه ٠‏ وذلك من باب الخدمة التى يمكن أن 
يقدمها بدوى لصديقه » عند عودته من السوق . '( قال الرجل البسيط ) ولكن قل لى ما 
مقدار هذه القطع الفضية » أم يجب على استدعاء واحد من أولئك الذين يعرفون كيف 


131 


يعدون التقود ويحسبونها ؟: البدو لا يعرفون إلا الحساب بالريال » أما العملات المعدنية 
الأقل من الريال فهى غير معروفة عندهم أ لهم . يضاف إلى ذلك أن هؤلاء اليدو 
بعيدون عن الطريق وأيديهم غير ملوثة بصرة الحج. ركب مهنا ذلوله وهى يحمل حربته » 
ومضى رجال القافلة من الفكارة قدما غير مسلحين ؛ يضاف إلى ذلك أن المنطقة 
الواقعة خلف أرض السحامة , كانت بكل من فيها من البِلّى معادية لأولئك العنوز 
(نسبة إلى قبيلة عنزة) ؛ ولكن الجميع كانوا يثقون بسلوك مهنا . كان مهنا يحصل على 
أتعاب مقدارها ريال واحد عن كل جمل . 


الفصل الرابع عشر 


التجوال فوق الحرة مع الموواهيب 


منظر البراكين . “بيوت الناصرة" . قدامى تلك البلاد . الحكايا الخرافية . بنى 
هلال . سيل العرم . جيل الأبطال القدامى . قبورهم . والدة مهنًا . الشيزم . يهود 
خيبر . عشائر البِلّى . الأمراض . المزينون . مجىء كُفلّنا من الوجه مرة ثانية . فرس 
الشيخ تموت عطشا . خطاب أهل مُنَزْل آخر مع النصرانى . زوجة المهنا . البحث عن 
المواءهيب فى الحرة . اليلد البركانى العجيب . القبور الأثرية هناك ليست من قبور 
البدى الرّحل المسلمين . تركب مغامرين بحثا عن الأعراب . مشوات . نزاع على الكرم . 
المواءهيب وقبليى السبّاع من العنزة . تحالقات القبائل . فطور مُضيف بدوى . الشكر 
بعد الطعام. لوج شين المواهيب . آسرة أبى سنون المغريى. بنجاحه فى حياة ابن . 

مخيم الموءاهيب فى الحّرة . تلال الفوهات البركانية . مجئ شيخ من الحويطات طلبا 
للديّة . كلامهم إعجابا بالنصارى . تل بركانى ايهة الخرة :اليد القارس ف 
الشتاء . ندرة الماء . أبو سنون يعود ثانية من رحلته , قادمًا من بلاد الغرب . طلوج 
يلتمس إلى النصرانى الرحيل . ربات البيوت تتحدثن مع الغريب . فايز الراعى . 

نصب السّحَّامة خيامهم بالقرب من الجزء العلوى من جبل تهامة ؛ هذا الجزء 
العلوى من جبل تهامة يطلق عليه اسم جبل صليح 5161 ؛ وكانت تلك الخيام بالقرب 
أيضا من أم شاش 081851358 , المصدر الرئيسى للماء فى منطقة السحامة هذه . - 
كان المنظر الذى نطل عليه من خيامنا » يحتوى على ثلاثة جبال فوق الحرة ؛ ولكل جبل 
من هذه الجبال الثلاثة رأسان ؛ ويعد أن ( تمعنت فى تلك الجبال تمعنًا تاما من خلال 
النظارة ؛ لم يراودنى أى شك فى أن تلك كانت تلالاً من صخور نارية من صخور 


133 


البراكين . أخبرنى البدو أن تلك كانت أحجارا محروقة ورمل أسود . وفى الجزء الرملى 
من ذلك الْمتَزْل رأيت مسارات أرضية قديمة لها علاقة بالمبانى » كما رأيت أيضا على 
التربة العالية المجاورة أكواما مبنية من الحجارة ويينها عقود ؛ والبدى يطلقون على هذه 
الأكوام اسم 'رجوم «اناززا8 , ويصل ارتفاع كل واحد من تلك الرجوم إلى ما يتردد 
بين عشرة واثنى عشر قدما ؛ والغالبية العظمى من تلك الرجوم مكسرة من الداخل , 
والناظر إليها يرى فى داخلها زنزانة صغيرة ضيقة ؛ وقد شاهدت ٠‏ بعد ذلك العديد من 
هذه الرجوم فى العويريض ونث ؛ شاهدت تلك الرجوم فوق كل جزء مرتفع من 
الأْض . والبدو يقولون عن هذه الرجوم إنها "بيوت النصارئ" , أو الكفار القدامى 
الذين سكنوا هذه البلاد قبل آبائهم المسلمين . شاهدت أيضا فى سيناء رجوما شبيهة 
بتلك الرجوم أى تختلف عنها اختلافا طفيفا ؛ هذه الرجوم السيناوية يطلق على الرجم 
الواحد متها اسم 'ناموس”" 5 وجمعه 'تواميس"' 1/21/2515 » وهو ما يفسره بدو : 
الطور 168:8 تفسيرا خرافيا على إِنْه "منازل النمل" ؛ قائلين إنه كانت توجد فى هذه 
المتاهة من الوديان الجافة المهجورة "قنوات جارية نحو الأسفل فى غابر الزمان » كما 
كان فيها أيضا برك على شكل مستنقعات تحت مستوى سطح البحر » كان يتوالد فيها 
البرغش أو إن شئت فقل , الهاموش إلى حد أن القدماء ( الذين يسميهم البدى أيضا 
النصارى ) بنى أيضا تلك الأكواخ الحجرية التى كانوا يأوون إليها بعد حلول الليل , 
ويشبون النيران التى كانت رائحتها النتنة تحميهم من الأمراض التى تنتج عن حشرة 
الهاموش" . الناس فى سوريا أيضا يتحدثون عن ذلك "الناموس" 1/3005 . وكذلك فى 
البلدان العربية بطريقة مفسدة إذ يقولون "ناجوس” 823909 بدلا من "ناموس" 05ملة , 
وهم يخصصون كلمة 'ناجوس”' ويطلقونها على أى مكان من تلك الأماكن الأسرية 
الخاصة بغير المسلمين , كما هى الحال بالنسبة للأماكن التى فى المدافن والجبانات 
المسيحية ؛ وكلمة “ناموس” أ “ناجوس” هذه ربما كانت كلمة إكليريكية تكونت فى أللغة 
الإغريقية “6:68 القديمة ‏ - أى إن شئت فقل : إنها كانت لسان حال الدين المسيحى . 
لقد عثرت على "ناموس" 95 فى سيناء » وذلك على الطريق القادم من السويس », 
وذلك على يعد مسافة حوالى نصف رحلة من الدير اليونانى ٠‏ وقد اعتاد البدى . وحتى 
يومنا هذا » على دفن موتاهم فى ذلك الناموس . وأنا عندما وصلت إلى هناك فى 


134 


العام , وعندما رأيت مدخلا مقاما من الأحجار وحزم الحطب . خطر ببالى 
تحريك بعض العصى لأنظر فى الداخل ؛ ولكن الجمال العجوز أشار إلى بيده ( إذ لم 
أكن قد تعلمت الكثير من اللفة العربية ) بما يفيد أن الرجال يرقدون فى الداخل , 
مستلقين على ظهورهم ومغمضين عيونهم , مع الكلمة الأخيرة راح يتشمم الجو من 
حوله . لقد أحصيت فى واحد من وديان سيناء ( هو وادى زليلى لالإ16ة2 ) حوالى 
ثلاثين ناموبسا من النواميس الدائرية والييضاوية » وكلها كانت قريبة من بعضها 
البعض : وغاليية تلك النواميس كانت مدمرة . وجافة البتاء » مثل مثيلاتها فى الجزيرة 
العربية. ورجوم العويرض ل#الإعداه بدائية ولكنها مبنية أيضا بواسطة البشن .- ألا 
تكون هذه الرجوم أكواما من التراب فوق القبور؛ أو مقابر لشخصيات رئيسية من 
القرية القديمة, ومن البدى الرحل ؟ 


البدى هنا يسلمون أن النصارى جميعهم كلهم من سلالة واحدة » وأتهم استولوا 
على هذه البلدان الصحراوية » إلى أن "طردهم منها آباؤهم ." “قالوا , والله » ألم تكن 
هذه هى قراكم المهدمة , يا خليل » التى تراها فى أماكن كثيرة ؛ بل وحتى فى هذا 
الجبل ؟ وأنت ؛ ألست واحدا مُرّسل من قبلهم للتجسس على هذه الأرض ؟ - وهل من 
المحتمل أن يكون الوثنيون يتطلعون إلى وراثة هذه الأرض ." قال أخرون : "إن بنى 
هلال هم الذين سيستولون على هذا البلد مرة ثانية ؛* وأضاف بعض آخر : “لقد وصلتا 
هذا الخير فعلا . ولكن هل تحسب أو تظن أنهم سوف يفاجئوننا بالهجوم علينا ؟ أين 
تكون اليتابيع القديمة » التى لا نستطيع العثور عليها ؟ أليس بوسعك أن تفتينا فى ذلك , 
من خلال كتبك » عن الأماكن التى يمكن أن نعثر فيها على الينابيع والكنوز المخبأة ؟ 
وحياة رينا ! سوف نكافؤك إذا ما أريتنا الماء .' - '( قال واحد منهم ) انتبه . سأقول 
لك شىء ؛ - أليست هذه الأرض الخربة معروفة لنا جميعا ؟ وأنا أقول : عندما كنت 
فى سوريا ذات مرةء جاعنى نصرانى , بعد أن فهم أنى من هذا البلد . - هذا 
النصرانى : كان يمسك فى يده , كتايا أيضا !- وقال : "خبرنى أيها البدوى ؛ ألا 
يوجد الموقع الفلانى- حدد اسم موقع يعينه !- فى ديرتكم ؟ “أجبته , تعم بالله ! هناك 
جدران ليعض القرى المدمرة - “لابد أن يكون هناك كنز كبير فى هذه المنطقة؛ حسن 
أجبنى . [إنها تركيبة سمعت عنها حكايا مماظة » ] أعرابكم يشربون فى أوانى من 


135 


النحاس الأحمر أو من الفضة ؟ - 'بالله » بعض أوانينا مصتوعة من النحاس » أو فى 
أطباق مزينة بالفضة ولكن القسم الأكبر منها مصنوع من الخشب "٠‏ - 'إذن فهذا 
الكنز موجود هناك , ويناء على ذلك , قال التصرانى ؛ "هل تستطيع توصيلى إلى هناك 
٠وإذا‏ ما وجدنا الثروات فسوف نتقاسمها سويا؟ وعدت الرجل بذلك من منظورى 
الدينى؛ وعندما جاء اليوم الذى ركب رجالنا فيه دوابهم عائدين إلى منْرْلهِم ؛ ذهبت أنا 
بنفسى لإحضار النصرانى . "قال : سوف أذهب معك , ويالتالى سوف نغنى أنفسنا » 
ولكن الخلاء ( الصحراء ) مخيف , وكيف لى بالعودة ثانية إلى هنا . عبر الصحراء 
الجرداء القاحلة . حيث يوجد بيتى ؟” - مثل هذا الكلام كان يتردد على مسامعى فى 
الجزيرة العربية ! ونظرا لبقائى فترة طويلة فى قرية الحجر » فإن الأعراب من حولى 
كانوا ينظرون إلى على أنى نصرانى , من أولئك الذين يستطيعون "رؤية الغيب” ؛ من 
ناحية » وياحثا عن الكنوز من الناحية الأخرى . 

سالنى بعضهم : “هل سبق لك زيارة تونس فى رحلاتك » وهل بنى هلال فعلا 
شعب عظيم فى تلك الديار ؟" وبنى هلال » الذين يحكون عنهم » هم جمع كبير من 
القبائل النجدية » تجمع فى يوم من الأيام » عندما عانت الأرض من سبع سنوات من 
الجفاق . وعندما ماتت مواشيهم , هجر الأعراب الأماكن كلها وتجمعوا مع يعضهم 
البعض . على شكل غفير كبير » وراحوا يبحثون عن أرض باركها الله بالمطر والربيع . 
قام هؤلاء الأعراب فى البداية بالإتيان على ديار قرية بلقاء 8818 : ثم نزلوا بعد ذلك 
إلى مصر ؛ حيث استقرت فيها بعض القبائل . ولكن غالبية تلك القبائل تقدمت صوب 
الغرب » ثم استولت على بعض المراعى فى بلاد البربر!*) ب:ةط:ة8 : ويقول الموروث 
(التراث) إنهم استقروا بصفة أساسية فى مستنقعات تونس . وفى كل قبيلة » فى 
كل واحة من الواحات التى ذهبت إليها فى الجزيرة العربية, كان الناس البسطاء 
يسالونىء باعتبارى عابر سبيل من أقصى الغرب ؛ 'هل التقيت بنى هلال ؟ وإذا قلت : 
"لابد أن يكونوا جيرانا لنا * فقد كانوا يصدقون ذلك تمامًا ؛ ولى كنت قد قلت لهم :“أنا 


(ه) بلاد البرير : الممقصود بها بلدان الشمال الإفريقى وهى فى حقيقة الأمر يلدان عربية إذ لا يشكل البربر 
سوى نسية قليلة من سكاتها . (المراجع) 


136 


واحد من بنى هلال" ٠‏ لنظروا إلى نظرة تقدير وإكبار . بعض المغاربة ٠‏ الذين يغامرون 
بالسفر إلى الجزيرة العربية ؛ وبخاصة الرجال الطوال منهم : قد يتباهون بأنقسهم 
بأنهم “أيناء بنى هلال .” وسيرة بنى هلال يجرى التغنى بها فى كل كفر من الكفور 
والخيام المصنوعة من الصوف الأسود ؛ فى تلك الصحراء الواسعة الشاسعة .- هذه 
السيرة عبارة عن نص غير مكتوب (يحرك الشباب صغار السن) عن التفاخر بالكرم , 
ويالشجاعة فى ميدان الوغى » ولكن هذا النص أعجمى ؛ لأته لا يخضع للمقاييس 
أو المعايير الدقيقة , إضافة إلى أن هذا النص يخرج عن نطاق القدرة البشرية . هناك 
عدد كبير من بين كل عشرة من البدى » لا يستطيعون ترديد هذه السيرة؛ ولكن من بين 
كل مائة يندر أن تجد طفلا لا تجرى على لسانه قاقية من سيرة بنى هلال . 

هذه السيرة التى تسرى مسرى الحياة فى كل أرجاء نجد التى فيها القبائل 
المترحلة ‏ ربما تكون قد انحدرت عن القبائل مند زمن بعيد . - ولكن ماذا عن "سيل 
العرم” ؟ هو تل جيلى سجل من قيل المؤلفين المسلمين الأسطوريين . والبدى ليس لديهم 
مؤزوة عن "ايان سد "مارب وعن ساشادة صشين عن .هذا القبيلت الا:ومز الاتشتار 
القديم للقبائل من مكان واحد فى الجزيرة العربية . ونجد من حيث المظهر » ومن حيث 
الترجيح أيضا , كانت أرضا للبدو منذ البداية . هذه كانت قصة غريبة على أذهان 
واذان أولتك البدو: قداتها كان قصة مرج بابل وأنا عندها كنت فى حائل “جرق 
جلب حكاية مماثلة من الرياض 6-8131 ؛ وفى إحدى المقاهى الكبيرة . سمعنا خبرا 
عن فأر آخر كان قد آكل مؤخرا وفتح الماء على جانب من جانبى وادى حنيقة . 

هذا الجيل البطل القديم ذاع صيته على أنه هو صاحب الآبار الصحراوية , 
وكذلك الحفر الصحراوية المبطنة بميانى من الحجر » كما أن هذا الجيل هى أيضا مبدع 
الأعمال الكبيرة الأخرى , وكذلك البنايات الحجرية ؛ التى يمكن مشاهدتها هنا وهناك 
فى الديار الجرداء فى الشمال . ونشاهدها أيضا فى الجذوب فى منطقة تهامة التى 
تقع بالقرب من مكة . هذه الأعمال كلها , هى فى نظر الأعراب ؛ من أعمال العمالقة , 
وأن هؤلاء العمالقة هم بنى هلال . 


137 


القاحلة . ويصل طول القبر إلى ما يزيد على عشرين قدم ؛ ويقال إن هذه المقاير هى 
من مقابر بنى هلال . وينفس الحال أى الشاكلة يستطيع الرائى أن يشاهد مقابر بعض 
الآباء المسيحيين ومقابر بعض أنيياء فلسطين, التى هى الآن فى حوزة المسلمين وتحت 
سيطرتهم ؛ وهذه المقابر أيضا مبنية حسب طول معين ٠‏ حسب السن والمكانة » إذ منها 
ما يصل طوله إلى ستين قدما ؛ والبعض الآخر يصل طوله إلى حوالى مائة قدم . وهذا 
كثيرة فى مدينة جدة ؛ والضريح المبنى فوق سرة بطن أم اليشر ؛ يصل ارتقاعه إلى 
أكثر من ارتفاع شجرة الأرز ؛- هذا يعنى أن أطفالها عند المولد , لابد وأن يكونوا 
أكبر من الفيلة . إذا كان ذلك هى حال المرأة الأولى » فكيف كان حال آدم نفسه ؟ 
والبشر ينبغى أن لا يحملوا أكثر من قامة(*) واحدة من اللحم البشرى ‏ مخافة أن 

رددت على هؤلاء البدى , *لن يفزوكم النصارى ٠‏ فهذه الأرض لم تكن فى وقت من 
أكبر فيما وراء البحار , لم تكتشف بعد ٠‏ ومليئة بنعم الله ؛ أراضى فيها الماء . 
وخضراء مثل حديقة دمشق . الهواء فى تلك الأراضى براد ( عليل ) » والحرارة فيها 
.. ليست شديدة , كما أنها ليست باردة أيضا ٠‏ وفى تلك الأراضى متسع لكم جميعا يا 
أصدقائى ؛ والنصارى سيستقبلوكم ويرحبون بكم فى تلك الأراضى . من الذى أرسلنى 
للتجسس على رملكم وأحجاركم ؟ وأنا طبقا لعقيدتى . أن أوافق على زيارة هذا اليلد 
بناء على طلب من أى إنسان . أنا سواح 808انا5 , وأنا بصدق , لو كنت متعلقا 
بأمور الدنيا ,لما تخليت عن حياة المدينة إلى حياة الجوع , وما جئت إلى حرارة 
الصحراء .* - "صدق », الله ! (قالتها والدة مهنا التى كانت واقفة تغزل إلى جوارنا) » 
أرضهم أفضل من أرضتناً .وما هو ذلك الذى يبحثون عنه أو ينشدونه هنا حيث - 
يا إلهى - لا يوجد شىء سوى الظماأ 8تدناه -5]ه والجوع 5ن(-زه-د/ا " كانت أم ذلك 
الشيخ من شيوخ البدى جميلة فى سنها وعمرها . وشعرها الأشيب ٠‏ والذى لا شك فيه 


(») القامة : مقياس يعادل ستة أقدام . ( المترجم ) 


138 


أن هذه الأم كانت شديدة الشقرة مثل الكثيرات من نساء البلئ. هؤلاء النساء كاشفات, 
مثل جيرانهن العنزيات ا888682 : والكثيرات منهن يميل لون شعرهن إلى اللون البنى ؛ 
( يقال أيضا إن النساء ذوات الشعر البنى » موجودات أيضا بين بنى عطية ) ولكن 
تحرقهن هنا شمس الجوع والعطش فى هذه البلاد » هذا يعنى أن تلك النساء هن دوما 
هزيلات وتعانين من شحوب اللون . 

وفى ديرة السّحامة , التى فى الجزء الجبلى المرتفع من تهامة ؛ والذى يقع فى 
المنطقة المنخفضة المجاورة للعويرض مباشرة ٠‏ يوجد الكثير من مواقع الكفور (الهجر) 
والقرى المهدّمة . والناس يحكون هنا أيضا عن واحدة من المعجزات الطبيعية ؛ أى إن 
شئت فقل : عن كهف أو حمّام من ماء نهر الظلمات!*) 10 ؛ أو إن شئت فقل : 
حمام 13003:5] الشزم 65-5125 الموجود عند رأس الجبل ٠‏ والذى يذهب إليه اليدو 
الرحل ليغتسلوا فيه هم وإبلهم للفضائل الشفائية التى لماء هذا الحمام , ولكن البدو 
الرحل يقولون : إن من يشرب من هذا الماء قد يموت . هذا الماء يميل لونه إلى 
الاخضرار وهى مر الطعم ( وريما كان ذلك تاتج عن صدأ النحاس ) ؛ - والناس هنا 
يقولون من باب الخرافات , "إن الشزم 88125 لا يتساب فى هذا الماء فى شهر الحج » 
إذ يتحول الماء إلى مكة فى تلك الفترة .* 

كانت فى ذلك الْمنَْل من منازل البلّى 8401 أسرتان أو ثلاث من أسر ولاد على ؛ 
هذه الأسر تخلفت؛ نظرا لأن قافلة نقل الأرز من بلدة الوجه: كانت تعج باليشر سليطى 
الألسنة الذين يسيطر عليهم سوء القصد من ناحية؛ والمزاج الحاد من الناحية الأخرى, 
مما جعل البِلَّى يتهامسون , من وراء ظهورهم ؛ ويقولون عنهم أنهم من يهود 78009 
خيبر :وطلاوط»! ! وهم يقولون الشىء نفسه ( من بياب إساءة القصد بالجيران ) عن 
الفكارة » باعتبارها من القبائل التى ورت خيير اليهودية ؛ معروف أن العنوز /إ0062م 
الجنوبيين :- فيما عدا القحطان - هم أشد العرب البدى إتساما بالطابع اليهودى . 
كان هناك شاب طيب من العلايدة مع تلك الأسر » وكان اسمه "ضيف الله" 5ؤاابالةط؟؛ 


(ه) حسبما ورد فى الأساطير . ( المترجم ) 


159 


وأجبت على سؤاله مشبّها الأعراب بالطلح , تلك الشجرة الجميلة الموجودة فى الخلاء 
(الصحراء) بأغصانها التى تحمل قلة قليلة من الأوراق دائمة الخضرة ؛ ولها أشواك 
حادة ولها زهور حلوة فى موسم التزهير . وخشبها يأتى فى المرحلة الثانية بعد 
الأخشاب غير المفيدة : ّ) صاح الشاب ) والله يا خليل ؛ تقد أصبت ومعروف أن 
الكلمات التى من هذا القبيل تمك عليهم أذانهم العاطلة . 


بدو البِلّى هؤلاء . هم ألطف أنواع البدى فى الجزيرة العربية كلها . ونظر لأن 
هؤلاء البلى كانوا أحرارا وأصحاب قلوب مستطيرة » فإن السواد الأعظم منهم كانوا 
رجالا لهم كلام واسع الحيلة » ولكنهم سرعان ما تكون شققتهم أكثر من كرمهم . كان 
هؤلاء الناس أيضا يريون إبلهم بأعداد كبيرة وقد شاهدت عند غروب الشمس قطيعا 
صغيرا من تلك الإيل يقف أمام كل خيمة ( بيت ) من الخيام : وتلك إشارة أى علامة 
مريحة أى مناسبة من العلامات الثى توحى برغد العيش فى الصحراء . هؤلاء البدى , 
كما قيل مؤخرا , لا يعتمدون على الصرة , التى ليس فيها بركة , ولكنهم من البدى 
البواسل ٠‏ الذين لا يعلقون آمالهم على أحد سوى أتفسهم . ومع ذلك فإن عشائر البلّى 
القريبة من شاطئ البحر تتقاضى رسوما على طريق الحج المصرى ؛ إضافة إلى أن 
شيخ البِلّى الكبير » حسبما قالوا لى ٠‏ له وضعه العام (باعتباره مستفيدًا من الحكومة) 
فى القاهرة : والجهاينة » جيران البلّى » هم متلهم . قبليون يتسمون بسلوكيات 
الشهامة . ومعروف أن جهينة قبيلة كبيرة مشهود لها بالنبل منذ زمن بعيد ٠‏ والجهاينة 
يمتدحهم العريان يأنتهم من أصحاب الكرم القديم » والحويطات موجودون على مضارب 

- 53 

البلى الشمالية 0 - هؤلاء الحويطات هم أعداء ألداء ولصوص ماشية : والبلى » نسيب 
الخوف من الحويطات ؛ يعيشون فى قلق واضطراب ؛ إضافة إلى أن الصحراء 
الشاسعة تصبح فى فوضى وارتباك فى حالة انعدام أى غياب سيطرة بن الرشيد 
وهيمنته . ففى كل يوم » كان ولد مهنا يركب ذلوله ( ناقته ) ويحمل رمحه فى يده » 
ويتجه لاستطلاع الأرض أمام الماشية.التى تذهب إليها للرعى : ويذلك كان يبقى فى 
ذلك المكان , للقيام بالمراقية المتقدمة إلى دخول المساء .- وإذا ما أعطاهم الشيخ 


1|110 


الصغير إشارة » يقوم الرعاة بتجميع ماشيتهم , ويقتادونها إلى الْمنَزْل وهى تجرى من 
أمامهم . ساألته : "وماذا تفعل إذا ما التقيت لصا من لصوص الماشية ؟ وأجاينى 
بنظرة توحى بالغطرسة والكبرياء : 'سوف أخترقه بهذا الرمح . ها !” 

عرقت من خلال ممارستى الطبابة أن بدى تهامة لا يعانون فقط من أنوا ع كثيرة 
من رشح الأنف ورشح العين والرمد ولكنهم مصابون أيضا بأمراض أخرى معدية . 
وقد انتقل المرض إلى دماء هؤلاء البدو من شاطئ البحر فى السنوات الأخيرة . وأنا 
أرجو أن يصدقنى القارئ أن قلة قليلة من هؤلاء البدو هم الذين هربوا من الإصابة 
بتلك الأمراض المعدية 5ناه93/|1 5ناط00: . ولهذا السيب فإن حلفاءهم . من أعراب 
الداخل . يخشون من الزواج من أفراد من قبائل تهامة من منطلق زعمهم أن “لحم بدو 
تهامة هو لحم غير صحى فى واقع الأمر .* أنسباء العرب يقولون الشىء نفسه عن 
أمراض أخرى . وجهت إلى حداد بدوى السؤال التالى : "ألم يتزوج قريب له من صنًا ع '' 
تيماء ؟* فأجابنى : "حسن ! لقد أخذنا فعلا من بناتهم » وقد نتزوج منهم مرة ثانية » 
ولكننا تحاشينا ذلك الزواج بسبب البرص الذى اكتشف فى دمهم ." هذا الوياء الفظيع 
أصاب الموءاهيب الذين بدعوا الآن تحاشى الدخول فى علاقات زواجية مع صنًاع تيماء. 
لم أعرف من بين الموءاهيب سوى واحد فقط منهم كان مبتليا بذلك المرض ؛ هذا 
الشخص كان امرأة عجوز مسكينة كانت مصابة بالسعال » وكانت تقيم فى منزلنا ؛: 
كانت امرأة محبوسة الصوت , كريهة الطلعة . ومع ذلك كانوا يقولون عنها إنها أجمل 
الحريم قاطبة ! كانت الزوجة السحيمية التى زارت الخكيم سليمة شكلا ‏ ولكن طفلها 
الصغير كان يعانى » أو إن شئت فقل : مصابا بالبيرص ٠‏ تزوج رجل من العلايدة منذ 
ست سنوات من امرأة قبلية من تلكم الحسناوات , ولكن المرض المعدى الكامن فى 
دمها داخل شراييتها , انتقل إلى كل قواه الحيوية ؛ وقد أرانى ذلك المسكين على يديه 
قرح مريعة مفتوحة . هؤلاء البدو يطلقون على مرض اليرص ء أو إن شئت فقل : 
الجذام . اسم "حب طناط القرنجى لإزه:56-,9 كما يسموته "البلوش” تاودالاءط -اء أو “داء 
الملوك” 316!ا1-8016© , أى قد يطلقون عليه من باب التهكم اسم "المبارك” عادءقطنة8 -اء . 
كل آمال هؤلاء اليدو كانت تتمحور حول استعمال الرصاص الأحمر بشكل أو آخر من 
الأشكال العنيقة ؛ هذا الرصاص الأحمر كان البدو يجلبونه من الوجه. أعراض البرص 


141 


تظهر فى دم أهل الجزيرة العربية الذين لا يأكلون أو يتغذون بطريقة صحيحة . من هنا 
فإن العرب الذين يوصون بالزواج من عذراوات ٠‏ يشفعون كلامهم » فى معظم الأحوال 
بالعبارة التالية: 'ولحمها 3 - 0ه - 3/ا زين 2810 , بمعنى أن الحمها جِيد وسليم.' 
رابك نعيتى كراهن الزيدين فى مسكر السحافة كان ذلك:: فى سناعة منكرة 
من صباح ذلك اليوم الذى سيجرى فيه تطهير ( طهارة ) الأطفال . عندما وصلت 
الخيمة الأولى كان الطفل قد جرى تحويله منذ لحظة إلى مسلم ؛ ولكن الجراحة كانت 
بدائية تماما إلى الحد الذى يجعلهم يستدعون هذا الجزار مرة ثانية . كان الطفل يولول 
حزينا على نفسه . وهى يقول : ويلى ؟ لاهالاه/اا » بمعنى الويل لى . وإلى جوار الظفل 
كانت ترقد نعجة » هى ذبيحة الوليمة . بعد أن ذبيحها صاحبها وراح الدم ينساب من . 
حلقها ويكوء وال الللفل وعرردلك يفضل راد اك النمكة عن جعيوها . وصلت إلى 
خيمة مزيّن آخر » فى هذه الخيمة كان الجراح واحدًا من الصناع . رأيت ذلك الجرام»' 
وهى يسن شفرته ؛ فى خين كان هناك شخص يمسك بخروف استعدادا لذبحه . كان 
الأب يشجع ولده الصغير , وحمله ليطوف به راكبا على ظهر الخروف الأضحية ؛ 
ثم أعاد الأب الطفل ثانية إلى المكان نفسه , ثم يستل الوالد بعد ذلك سيفه القصير , 
وبضربة خلفية يقطع الخروف , كما يقوم الأب أيضا بذبح عنزة وتيس . ثم قاموا بعد 
ذلك.؛ بوضع الطفل جالسا على صينية معدنية كبيرة مقلوية ؛ التى تستخدم فى أوقات 
أخرى للتعبير عن الكرم البدوى ؛ "إنها مائدة الرحمن فى الخلاء ( الصحراء )" ٠‏ ويقوم 
البدى يفرش بعض من فشل الخيل من تحت تلك الصيذية . هذا الحداد وقف بلا حراك 
وهو يسن موس ثليم ليضع له حدًا قاطعا . مستخدما فى ذلك عضلات ذراعه . 
ويسحب المزين القُلفّة خلال شقفة مثقوبة من الفخار, ثم يربطها بخيط فى تلك الشقفة . 
قالت الأم : "انتبه يا أنت ؛ لا تجور فى عملية القطع ." كانت الأم تمسك طفلها بيد » 
وتغمض عيتيه باليد الأخرى , وتشجعه بصؤت الأم ووعودها له بالحليب الحلى والأشياء 
السمينة . وهنا يقوم الصانع بضرية خفيفة ؛ بقطع الجلد من منطقة العقدة : ثم يقوم 
بعد ذلك بتعفيرالجرح بشىء من الفحم النباتى ؛ ثم يناول الطفل الذى لم يشعر بشىء 
إلى والدته ؛ وتروح الأم تواسى طفلها وهى على صدرفا ٠‏ وتطلب منه أن يكون سعيدا 
بذلك لأنه دخل بذلك دين الإسلام . كان يجرى توزيع الأرز المسلوق ولحم الضأن قبل 


. 


142 


على الأصدقاء الذين لم يكونوا حاضرين . شاهدت العذراوات والنساء المتزوجات 
حديكا :ومن يحتيج طوال الساعات لتنا بقة الوصيول انين 


فى الصباح مر أبو سنون على خيامنا ٠‏ عائدا من قرية الوجه مع الجمال المحملة 
بالأرز . اتجه أبو سنون إلى ناسه وأهله فى الحرة ؛ ولكنه وعدنى بأثه سوف يعود 
أو يرسل إلى رسولا خلال ثلاثة أيام . فى اليوم الثامن شاهدنا مهنا , قادما إلينا على 
ظهر ناقته , قبل عودة القَفل ( القافلة ) ؛ وأفاد البدو أن الحرارة فى ذلك الوقت , كانت 
لأتطاق: فى قرية الوجنه: إذ كان الليل خاليا حت م :هوا ء التنفس . كما أن أهل 
القرية لم يتمكنوا من النوم مطلقا . وصلت القافلة فى فترة العصر , واستطاعوا إنهاء 
أمورهم كلها فى البلدة قبل دخول الليل ؛ ثم رحلوا بقلق البدو الرحل المعهود . قام 
رجال القافلة بإحضار الإبل التى اقتادوها معهم للبيع . للسماسرة والوسطاء العامين , 
الذين راحوا ينادون على تلك الإيل فى كل أنحاء السوق , مما أسفر عن بيع كل ما كان 
معهم خلال ساعة واحدة إلى أعلى الأسعار .- المقدمة من باعة الأرز الهندى . ومن 
تجار الجمال الموجودين فى المكان . معروف أن تجار الجملة لا يدفعون الثمن نقدا 
للبدى ‏ فيما عدا الكسور المالية الصغيرة . وهم يدفعون الثمن بجوالات من البضاعة 
التى يتجرون بها : هؤلاء التجار يشحنون الإبل على القوارب 5لاه! العربية إلى مدينة 
السويس . وعلى سبيل المثال فإن جمل مطلق الممتاز » لم يعد عليه إلا بما قيمته خمسة 
عشر ريالا من الأرز ؛ الذى يكفى احتياجاته طوال فصل الصيف ؛ والمؤكد أن مطلق 
لى كان فى منزله لما فرط فى ذلك الجمل بخمسة وعشرين ريالا من النقود البيضاء . 
وهذا جمل آخر من جمال الحمل عند زيد ؛ هذا الحيل متك هل العشن محف الغترو: 
ثمثوه فى الصحراء بعشرين ريالاً . ولكنه هنا لا يقدر بأكثر مما قيمته عشرة ريالات 
من الأرز » ويتعين على زيد أن يدفع حوالى النصفء, من هذا المبلغ » نظير عملية النقل. 
وغضب زيد غضبا شديدا لذلك الذى حدث له , وأقسم يمينا مغلظا فى المجلس , “قال , 
إنه لان يفعل ذلك مرة أخرى . إلا إذا كان ذلك نابعا منه هى نفسه ؟'؛ كما تشاور ريد 
يضا مع الشيوخ لكى لا يرسلوا إبيلا عن طريق أطراف ثالثة . والسبب فى ذلك » 
أن الرجال الذين يعملون فى الكُّقْل . هم قبليون يستأجرهم الناس للعمل فى النقل , 


143 


وغالبا ما يكون ذلك النقل لحساب الشيوخ وللصلحتهم ؛ ولم يكن هناك شيخ يوافق على 
مرافقة هؤلاء المستأجرين فى أعمال مضنية من هذا القبيل . هؤلاء الجمألة كانوا 
يتقاضون ريالا ونصف الريال عن كل جوال يحمله أى جمل من الجمال : والجمل كان 
يحمل ثلاثة جوالات من الأرز الهندى ؛ أما الإبل العفية القوية فقد كان الواحد منها 
يحمل أربع جوالات. والرحلة فيما بين الروضة والبحر المالح", تقدر بحوالى اثنى عشر 
رحلة صيفية ٠‏ فى الحرارة الخانقة ؛ ونصف هذه الرحلات يكون خلال جبال منحدرة : 
أى خلال أرض شديدة الوعورة ؛ والماشية تضطر إلى قطع هذه الرحلات دون أن تذوق : 
طعم الأعشاب . وصاحب الجمل الذى يأتى وحده وليس معه جمله ؛ لا يحصل على أجر »: 
هذا فى البلاد العربية » يضاف إلى ذلك ريال آخر عن السلوك السليم : ومعروف أن 
الجمل الذى يعود من رحلة من هذا القبيل يفقد سمنة الربيع » كما ينخفض ثمن بيعه 
حؤالى خمسة ريالات . والرجال يعودون بالجمالن شبه محطمة ؛ وإذا ما ناقشت الأمر 
معهم , تراهم يقولون أنهم هم الخاسرون ؛ هؤلاء الحمالون المساكين . يستطيعون 
الحصول على شىء قليل من النقود بهذه الطريقة » ودون أن تنقص أعداد قطيعهم . 
نفقت فى هذا المتَزل فرس مهنا العجوز ؛ كانت تلك الفرس قد ولدت مؤخرا . 
ومعروف أن الفرس هى أغلى حيوان من بين مواشى الشيخ إلى نفسه. وعندما ولد مهر 
من هذا الصندوق العظمى , ربط الناس ضرع الفرس (مثلما يقعلون مع إيل الحليب) ؛ 
ثم جرى بعد ذلك تقييد المهر فى خيمة الشيخ ؛ لكى يربونه على لبن الخض أى إن شئت 
فقل : اللبن الحامض ء ومعه الماء . ويينما كنت أستلقى مستيقظا ٠‏ كنت أرى الفرس 
وهى تجىء أثناء الليل وتتشمم قراب الماء فى الخيمة » وكانت تقضم القش من سروج 
الجمال بسبب جوعها . سالت العرب » الماذا لا ينهون آلامها المبرحة التى لا تنتهى 
بطلقة واحدة من سلاح نارى ؟" كنت أحسبهم قساة , ولكنهم كانوا يرون القسوة فى 
كلامى . كما كانوا يعتبرونه كلاما شادًا ! - والكلب وحده ( هو دونا عن سائر 
الحيوانات الأخرى , هو الذى يأكل الخبز الذى يأكله البشر ) ليست له أية مواطنة فى 
الحياة البدوية . والإنسان يكره فى هذا الوحش المتطفل , الذى له شبه إنسانى , 
سخرية طابعه الشرير : والبدوى يصب على هذا المخلوق الذى يقاسمه لقيماته , 
كل جام غضبه ؛ وسوء سلوكه كما لو كان عدوا له ؛ ومع ذلك . قفى بلدان الحدود , 


44 


نجد المواطنين المتدينين » يقسمون , أنهم يلقون فى بعض الأحيان , كسرا من الخبز 
لكلاب الجيف فى أسواقهم ( حاراتهم وشوارعهم ) . - أما الكلاب التى كانت معنا » 
فقد كانت تقضى ساعات فى الصحراء ؛ وهى تنتظر الوقت الذى ترى فيه الفرس ترقد 
لتفارق الحياة» وعند ظهر اليوم الثالث سقطت الفرس على الأرض ولم تستطع الوقوف. 
ومع طلوع النهار جاءعت النسور والعقاب لتلتهم الجسد المتعفن ؛ هذه الطيور الجارحة 
تحوم أيضا فوق المنازل البدوية فى الصحراء الواسعة ؛ التى تقع على بعد مسافات 
قليله من الداخل : ولكن هذه الطيور الجارحة ترحل عن هذه المنازل قبل دخول فصل 
الشتاء . وهذه الطيور عندما ترافق الأعراب » تظل طائرة محومة طول الوقت » فى 
النهار ؛ وعلى ارتفاع منخفض فوق الْمتَزل . والنسر 831/53 له ريش خشن صلب » 
وأجنحته البيضاء أطرافها سوداء . ومنقاره يميل لونه إلى الاصفرار : ونظرا لأن هذه 
الطيور من 'ذوات المناقير المعقوفة” . فإن لحومها محرمة حسب الشريعة الإسلامية » 
ومع ذلك فالأعراب يطعمون أطفالهم هذه اللحوم "لطرد الديدان” , كما يظن البدو أن 
عظام: تلك الطيور المجوفة تجعلهم يصنغون منها أفضل السيقان القصيرة التى 
تستعمل فى غلايين التدخين . أما الطيور الداجنة القافزة ‏ بعد أن تنتهى من وليمتها » 
كانت تجلس على رفوف الصخور بالقرب من البدى ٠‏ دون أن تلقى بالا لأى تهديد 
صوتى يأتيها من البشر. وإن هى إلا ساعات قلائل . حتى نشم بأتوفنا رائحة المعركة , 
التى حجبها ظلام الليل عذا . معروف أن الروائح غير الطيبة مكروهة جدًا من العرب » 
.وعندما طلع النهار ؛ تمتم مهنا بعبارات تفيد نفوق الفرس ؛ وطلب مهنا من زوجته فتح 
الخيمة . وسارع الناس إلى رفع الفرس النافقة . 

تجولنا مسافة ثلاثة فراسخ فى اتجاه الشمال . ثم نزلنا عن دوابنا ٠‏ لنرى عن 
يميننا ومن فوقنا , جبل الحرّة الضخم . هذه الصحراء رملية ومليئة بالصخور 
والجروف العالية المكونة من الحجر الرملى ؛ وفى تلك الصحراء سمعت من جديد 
الصوت الجميل الذى يصدر عن حبارى الصحراء ؛ كما رأيت أيضا صغار هذه 
الحبارى تجرى مرحا أسفل قطع الأحجار . كما شاهدت وأنا راكبا دابتى بعض 
صخور البازلت , التى كانت تيرز من العروق النارية فى الأسفل . والتى انفجرت » فى 
الماضى . خلال هذه الأرضية الهشة المكونة من الحجر الرملى . كما شاهدت فى هذا 


14 


المسار نفسه , وفوق قطعة من الأرض المرتفعة ٠‏ التى يقولون لها ذنيبة 58أ2668 ٠‏ بلغة 
القوم » أكواما صغيرة من الحجر , ويجانبها على الأرض غرفًا للدفن فى ذلك السهل . 

وفى المساء وصلت جماعة أخرى من بدى البلى قادمة من مَنْزْل أخر ؛ وتعجبرا 
كثيرا من التقائهم نصرانيا بين خيام أهليهم . وتركزت على عيونهم بنظراتها المعادية 
التى تنم عن الحسد والغيرة. وتغنى أحدهم ببعض الأبيات (أو ربما تكون أغنية قديمة), 
عن الروم (الرومان » البيزنطيين) أجداد أعدائهم الحدوديين . “هؤلاء الروم أو إن 
شئت فقل الرومان ٠‏ جنس ملئ بالسذاجة والعداوات , ولا يثق به أحد ." هذه الجماعة 
حسبتنى واحدًا من تلك الأمة الوثنية التى تضمر العداء للجميع , والتى تآمرت بصورة 
مستمرة لهزيمة الإسلام ذلك الدين المنقذ . ويعد العشاء , ويعد أن تقاسمنا اللحم مع 
بعضنا البعض , ويعد أن سمعوا خبرا عنى . أصبحوا لى مستشارين . كان البيعض 
منهم يرغب فى أن أدخل فى معرفة الله . إضاقة إلى أنى عندما أصبح مسلما » يصبح 
من المحتمل أن أسكن وأعيش معهم إلى الأبد - “بعد ذلك » سيقوم كل واحد منهم 
بإحضار عنزة أو نعجة , ليجمعوا لى قطيعا صغيرا أستطيع العيش منه؛ وقالوا أيضاء 
إن دخولى فى الإسلام يحتم عليهم أن يعطونى جملا على الفور ؛ كما سيعطونى أيضا 
عذراء لتكون لى زوجة . كانوا ينظرون إلى الأمر وكأنه متناقض » من منطلق وجود 
رجل منعزل عن الآخرين ؛ بينهم » من ناحية » وجرأتى على اتباع دين غير الدين الذى 
يتبعونه : وهذا يعنى أن أعراب الخلا هؤلاء » لا يخضعون إلا لإراداتهم الخاصة 
المتهورة . قالوا أيضا : 'ولكن ألم نسمع تحن من أناس آخرين أن النصارى أناس 
مستقيمين » وأن وثنيتهم تقوم على عقيدة جيدة , والمؤسف أن لا يكونوا مستنيرين ؟ 
كما قالوا أيضا : إن هذا الرجل إذا ما ارتد عن دينه سيكون واحدا من المسلمين 
الجيدين ؛ يضاف إلى ذلك أن الدم المسيحى أيضا كان أفضل من دمهم ؛ الأمر الذى 
سيجعل كل من يدخل منا فى الإسلام شريقا من الأشراف .” 

كان مهنا رجلا طيبا , كما أن زوجته التى من سلالة الشيوخ . كانت امرأة طيبة 
هى الأخرى , ولكن لقياهم لم تكن طيبة أى على ما يرام . هذه المرأة بدأ الشك يعصف 
بعقلها ويضايقها وهى حامل , على إثر مشادة خفيفة جرت بينهما مؤخرا وتطرق لسان 
زوجها خلالها إلى النطق بيمين الطلاق ؛ ومع ذلك ٠‏ قالت هذه المرأة ٠‏ إن ذلك لا يعنى 


146 


أن تحمل هى على كتفها قرية ماء ؛ وتسير وحيدة حافية القدمين فوق الرمال الحارة , 
قاصدة أهلها , الذين هم شيوخ فى مِنْزّل آخر . كانت تلك المرأة "طيبة مع الضيوف” ؛ 
كانت تطحن لى حبويى بكل سرور وعن طيب خاطر ٠‏ كما كانت تعطينى شيئًا من اللبن 
القليل الذى كانت تحصل عليه من جيرانها ؛ نظرا لأن المهر الوليد كان يأتى على كل 
اللبن المهجود فى بيتها . ذات يوم ويعد أن خبزت فطيرة من قمحى على نارها » تناولت 
قليلا من اللبن , وايتتسمت ابتسامة رية بيت تحس بالأسف والندم ؛ ثم طلبت منى 
النهوض لتناول الطعام ؛ ثم قالت بعد ذلك , “اذهب وخذ قسطا من النوم » وسوف 
يفيدك النوم كثيرا » وأرح نفسك حتى لا تموت هنا فى أرض الجوع هذه .* كانت تلك 
المرأه تعانى من ألم فى أمعائها . وهذا مرض شائع بين أهل الجزيرة العربية . 
أعطيتها شيا من مسحوق اللودانوه(*) 7ه راحت على إثره فى نوم عميق فى 
فترة الظهيرة ؛ وعندما استيقظت أخبرتنى أنها رأت أحلاما كثيرة , وأنها أصبيحت 
أحسن حالا عن ذى قبل , ولكنها لن تستعمله بعد ذلك . حفاظا على جنينها الذى لم 
يولد بعد . درست الأمر , ثم قلت لمهنا ٠‏ سوف تلد لك زوجتك خلال أسابيع قليلة ولا 
ليكون سلوى وراحة للأسرة . 

انقضت أيام , ولما لم تصلنى أخبارا عن أبى سنون , اتفقت مع رجل عجوز كان 
قد أعطاتى تيسا تظير شفاء عيتى حفيده : على أن يقوم بإرشادى فى الهرة أثناء 
فحاواتى الوصول إلى الموءافيتن.. صعدنا فى اتجاة الشمال الششرقى قوق سلسلة 
. قديمة من الصخور البركانية ؛ الشبيهة بالفيضانات البركانية الشاسعة التى سبق أن 
رأيتها تنبعث من بركان فيزوف قبل سنوات قليلة . أدى الصخر المنصهر إلى طمس 
ذلك الوادى من وديان الجزيرة العربية المكونة من الصخر الرملى ٠‏ ليصل الوادى إلى 
ما نشاهده اليوم فى العويرض . وعندما أصبحذا فوق منطقة الصخور البركانية. 
الرئيسية التى كانت تعلونا . بدت لنا كما لى كانت فيلا هائل الحجم : وهنا راحت 
جماعة من الغزلان المنزعجة تجرى أمامنا ؛ والغزال هنا قوى البنية » ويشبه لونه لون 
البازلت ؛- والغزال يكون أبيض اللون فى السهول الرملية . صعدنا بعد طبقات 


آ11ظ1 


الصخور البركانية » فوق رمل أسود اللون , ثم وصلنا بعد ذلك إلى تل كان فوهة يركان 
من اليراكين ؛ وخلف ذلك التل شاهدت عالما بديعا جديدا من فوهات اليراكين القديمة 
التلال التى يعلوها الصدأ اليركانى . - مسحوق أسود . شظايا بركانية حادة ٠‏ 
أحجارًا نارية » كل هذه كانت مكونات الترية التى كانت جمالنا تسير فوقها . كانت 
المخلفات البركانية تنتشر من حوإنا إلى حد أننى أحصيت منها حوالى ثلاثين مخلفا 
من تلك المخلفات . وبعد ذلك شاهدت مرة أخرى على الأرض البازلتية المسطحة 
مجموعة هن الححور :وبالقرن متها شاهدت مجموعة من أعلام المقابر . ثم انتقلنا إلى 
مكان آخر شاهدنا فيه مقبرة أخرى » سألنى عبيد الله , ذلك الرجل العجوز ؛ ولحيته 
متجهة صوب المقابر , "ما هذا الذى رأيته ؛ وما رأيى فيه ؟"- "هل هذه مقبرة من 
مقابر أعرابكم ؟" - "لا » إنها ليست مقاير من مقابر البدو » التى نراها هنا ومن فوقها 
أحجار كبيرة . استعمال المقابر يهذا الشكل ليس من زمناتنا ؛ إنها من العالم السابق ؛ 
ألا تعرف شيئًا عن هذه القبور ! بالله » يا خليل ! ألا يمكن أن تكون تلك القبور من 
زمن الناس الوثنيين القدامى ؟ - الطحالب لا تنمى فى هذه الأرض التى يصيبها 
الجفاف بفعل حرارة الشمس , إضافة إلى أن التربة المحروقة تكون جرداء وبلا غطاء : 
ويمرور الزمن » وفى ضوء الملاحظة البشرية , لا يكون هناك خلاء عنصرى معقول . - 
قد يصعب من أول وهلة تمييز ذلك . ويخاصة عندما يكون عمر هذه القبور عشر 
سنوات أو ألف عام .- “هذه القبور من عالم قبل الوثنيين ؛ أهل تلك الأزمان كانوا 
كفارا ٠‏ واليهود والنصارى كفار ؛ خليل نصرانى ؛ ولذلك هؤلاء الذين يرقدون هنا فى . 
هذه القبور هم أسلاف خليل الذين ماتوا منذ قديم الأزل .” هذه هى الطريقة التى 
يمنطق البدى بها كلامهم » وهذه الطريقة تمثل أرضية قوية فى دين هؤلاء الناس » وهم 
يقيمون تشددهم على هذه الأرضية المنطقية . 

فى كثير مسن التجاويف المكسرة الموجودة فى الأرض البركانية الجرداء 
غير المستوية تنمو فيها أشجار قليلة من أشجار السنط وشجيرات نبات الوزّال . 
هذه التجاويف الغائرة كانت مليئة بالجراد » الذى شاهدناه متراكما مثل قطرات المطر 
فوق الأغصان الشوكية كلها , التى هبت طائرة على شكل جحفل يضرب بأجنحته » 
وقد حرك ذلك المنظر قلوب البدى المكلومة . “قال : ها ! أليست عندك . يا خليل ؛ تعويذة 


148 


لطرد ذلك الجراد ؟ ابحث فى أوراقك أيها الرجل , لأتى أرى أن الوقت الحالى هو وقت 
الكتابة » وليس وقت الأشياء التى تسألنا عنها كل يوم ؛ أليس بوسعك , أن تفعل شيئًا 
لطرد هذا الجراد بعيدا عن ديرتنا ؟” أجبته  ,‏ ولكن ما هى فى رأيك الذى فى كلام الله 
يمكن أن يبعد الجراد ؟ إن هذا الجراد هى 'جيش الله وأجابنى الرجل بتنهيدة توحى 
يتديته تلرا لأن كل واحد من البدى يتلقى كل قول باعتباره نوع من الحصن الدينى , 
"هيه ! صحيح أن الجراد هو فى واقع الأمر يمكن النظر إليه باعتباره من جيوش الله .* 
فى أحد الأماكن شاهدت الصخر الرملى وهو يبرز من خلال سطح الحرة المستوى : 
على شكل موجة عارمة متسلقة من البازلت الذى يتخذ الشكل العمودى الذى يشبه 
الدعامات الخشيية الموجودة فى جانب من جانبى السفينة ؛- هذه الأعمدة البازلتية 
المبردة عند القاعدة ومتحجرة نحو الأعلى ٠‏ فى حين كان ارتقاعها نحو الخارج ‏ ويذلك 
يصبح ذلك المعدن الكوكبى معلقا مثل لولب فى عقد من العقود المغربية . 

فى ضوء هذا بدأنا نفكر فى الأماكن التى يمكن أن تعثر فيها على الموءاهيب : 
قال عبيد الله : "إذا لم نعثر عليهم خلف هذه الصخور ؛ فقد لا نراهم طوال النهار هذا 
اليوم »' وهذا يحتم علينا البحث عنهم فى مكان آخر . وهذا هو كل ما يمكن توقعه 
أى انتظاره فى مثل هذا الحال . والسبب فى ذلك أن البدى يتنقلون من يوم إلى يوم : 
كما يحلون وينزلون فى منازل جديدة. كان الوقت يصادف قيألة 118ه(و)ل-اه ذلك اليوم ؛ 
والقيألة هى حرارة ما قبل الظهيرة ؛ وكنا لم نأخذ معنا أى شىء من الماء , كما لم يكن 
معنا ما يمكن أن نأكله : كان الهواء المشيع بحرارة الشمس , يهفهف على ذلك 
الشاطئ المكون من الصخور البركانية . لم يكن نظر عبيد الله على ما يرام ٠‏ ولذلك 
أخبرنى بأنه يعتمد على نظرى أنا ويثق به ؛ وعندما أجبته بأن بصرى لم يكن طويل 
المدى ٠‏ بدت عليه الدهشة بعض الشىء ؛ إذ إنه لم يكن يتوقع حال من هذا القبيل . 
"يا خليل . ها هم لصوص الحويطات ٠‏ قادمون علينا راكبين دوابهم ؛ فماذا يمكن أن 
يحدث إذا لم نراهم نحن ولم يراهم أصدقاؤنا أيضا ؟ وأسفاه ! لى كنت قلت لى ونحن 
فى منزل أنك لست بعيد النظر , لما جئنا إلى هنا . انا أكاد لا أبصر , ولكن ماذا تفعل 
الآن ؟" - 'لدى هذه النظارة التى ترى إلى مسافة بعيدة » خبرنى ما هو الجزء الذى 
يجب أن أوجه إليه نظارتى » وسوف أحاول إمعان النظر قدر المستطاع .“ واصلنا 


149 


مسيرنا راكبين ٠‏ وقال لى رفيقى : “يا خليل ! إنى أرى هناك شيئًا صغيرا أبيضا 
يتلألاً . انظر نحو الأمام .* - 'حسن ! أنى أرى جملا أبيضا يأكل .* - 'هؤلاء هم 
الأعراب ؛ هيا بنا. نتجه ناحيتهم .' ويذلك استطعنا الوصول إلى الرعاة الموءاهيب , 
ومعهم الماشية العظيمة؛ أصعدونا على أرض مرتفعة, استطعنا منها رؤية مَنْزْل أهليهم . 

جاعنا من تل فوهة البركان المجاورة رجل يجرى نحونا كما لى كان ماردًا 
أى عملاقا ؛ كان ذلك الرجل يحمل جانته 93083 (أى نيوته البدوى القصير) فى يده : 
معنا داك الكل :وهو كرب نا :وقد عمو وكهة «وظط:ضوة #وكادت أتفاسش 
تنقطع , قائلا : "يا عبيد الله !” 'لماذا أحضرت نا هذا الكافر ؟- ها ! السلام عليك , 
ومرحبا بك . وبيئما كنت أعجب للطريقة التى تعرقني الناس بها فى هذه المنطقة . 
واصل ذلك الرجل كلامه » وراح يتصرف تصرقات هوجاء غير مسئولة » ثم وضع يده 
على لجام ناقتى ؛ وهى يهز ذلك العكاز المميت وهى فى قبضة يده , إلى حد أنى كنت 
أحسب أنه سيقوم بين لحظة وأخرى » بضربى على أم رأسى بذلك النيوت . 
سألت عبيد الله هامسا , ما الذى يتعين على عمله فى هذا الموقف ؟ وقال لى : “والله , 
أنا لا أعرف ماذا تفعل ,يا خليل ." - "أقسم بالله ؛ أنى حجسبتكما لصين (يصيح 
الماهويبى) عندما نظرت نحوكما من التل الخلفى » وفاجاتكما على غرة .” - “عليكم 
السلام ! (قال عبيد الله ؛ وهى يضحك) بالله عليك : يامشوات 1800/31/! » هل حسيتنا 
حباليص ! أين أعرابك ؟" - لقد رحل الناس اليوم ؛ هيا ٠‏ تعال ؛ ياعبيد الله ؛ فمذرَّلنا 
يقع فى القاع , هناك خلف هذه الأرض المرتفعة ," 

راح الرجل يمشى أمامنا ؛ - وبينما كان يمر على بعض الخيام البعيدة » تقدم 
رجل إلى الأمام ؛ وقال شيئًا لعبيد الله , الذى كان يركب فى المقدمة , ثم أمسك بلجام 
دابته : وهنا استدار مشوات إلى الخلف . ووضع يده فوق يد ذلك الرجل ٠‏ وسحب عليه 
سلاحه . وعندما حاولت قراءة نظراتهما العاجلة, ولم أسمع ذلك الذى كانا يعنيانه بتلك 
النظرات ٠‏ خطر ببالى أن واحدا منهم عارض رفيقى وطالبه بدين قديم , وأنه سوف 
يربط ناقته , التى وجدتها يقتادونها بعيدا ؛ مع ناقة عبيد الله ؛ وعند جانب الخيمة 
جذب الناقة ويركها على ركبتيها .- كانت تلك مباراة فى كرم البدى الفقراء ! قال 
مشوات : إنه عثر علينا » ورافقنا . ومن ثم فنحن ضيوفه ؛ ولكن الرجل الآخر رد عليه 


0ذ13 


قائلا : 'ينبغى أن لا نتعدى بيته !” قال عبيد الله : "نوخ » ياخليل ٠‏ أى إنزل عن دابتك 
إذن ؛ وسوف نتناول الإفطار هنا ." هذا الرجل العجوز اللطيف . الذى كان واحدًا من 
الجيران كان أيضا صديقا لهذين الرجلين . دخل مشوات معنا أيضا : ومشوات هو 
ابن عم شيخ الموءاهيب ٠‏ وهو يجىء فى المرتبة الثانية بعد الشيخ فى مجالس القبيلة . 
كان الحكم معقودًا عليه, باعتباره أكبر أهل البيت سنا , وذلك أثناء غياب شيخ القبيلة , 
وأمام أبتاء الشيخ ؛ ومع ذلك . عندما يموت الشيخ البدوى يخلفه ولده . كان مشوات 
رجلا صاحب قلب كبير ولكنه كان متشددًا ؛ ومتشككا , وساذجا , ولكن مزاجه كان 
يشيه مزاج الثيران ؛ كانت قوة مشوات تكمن فى عضلاته العنيدة وصدره العريض » 
ولكن قوته العقلية كانت قليلة ؛ إن لم تكن قواه العقلية مستقرة تماما . كان مضيفنا 
الذى مارس علينا هذه القوة اللطيفة » رجلا فقير الحال , يتمتع بعقلية كريمة للغاية ؛ 
ويدو الجبال الذين من هذا النوع فيهم شىء أصيل ٠‏ وذلك على حد قول جيرانهم البدو 
الرحل ؛ من الكرم القديم . كانت خيام ذلك المضيف عبارة عن ثلاث خيام ؛ التى 
نصبها دونا عن سائر خيام الْمنزّل منتحيا بها بعض الشىء اتجاه الغرب » عند نهاية 
المخيم , الأمر الذى يحتم على كل من يجىء إلى المخيم , من ذلك الاتجاه ؛ المرور على 
تلك الخيام الثلاث . رحل الرجل عنا بعد ذلك مباشرة ؛ ومعه مقدار صغير من تمر 
الحصاد » فى خيير ؛ هذا يعنى أنهم سوف يخيمون مع ولاد على » ويتلقطون الفضلات 
ويشترون تمرا من تلك الوديان المحمومة . ذهبت معهم زوجة من زوجات شيخ 
الموءاهيب . - هذه المجموعة الصغيرة من عنوز 80262 الجنوب ليس لها ميراث فى 
خيبر . ويينما كنا جالسين دخلت والدته : وتحية النساء قصيرة جدًا إذ يقلن : “قواك 
الله ! سلام .* جاءت ربة البيت المضبافة بقرية اللبن الحامض ٠‏ أو إن شئت فقل : لبن 
الخض ؛ ورجت تلك القربة وراحت تصب لنا منها لبنا » إلى أن أتت على كل ما فى تلك 
القرية من لين ؛ كم رفعت بعد ذلك السلطانية المليئة بالمغذيات المنعشة ووضعتها بين 
أيدينا » وهى تنطق بالكلمات اللطيفة الحانية قائلة : دري طنامذاذا وأوريك عاآنيمءة/لا 
بمعنى "أشرب وأروى ظمأك ؛' ومرت السلطانية على الحاضرين » نظرا لأن وجبة 
الضيف لم تكن قد جهزت بعد . 


هذه الجماعة الصغيرة النائية من الموماهيب , والمتبقية على الحدود فيما بين 


151 


العنوز 80062 والبلّى ٠‏ معروفة من الطرفين ؛ والموءاهيب من البِلَّى من حيث التبنى , 
ولكنهم من حيث السلالة النسبية فخذ من أفخاذ تلك القبيلة العنزية الفرعية الموجودة 
فى الشمال , والتى يطلق عليها اسم السباع 85-5048 , أى إن شئت فقل : بدى منطقة 
الشمبل اوط8©# 561 الرحل ( وقد سميت بذلك الاسم , الذى هو معيار أى مقياس من 
معايير القمح يساوى اثنى عشر مدرًا 811405) ؛ وهذه القبيلة الفرعية تعيش فى الجانب 
الشرقي من دمشق . والسمّباع منذ القدم هم أعراب ولاد الماح ٠‏ الذين كاتوا يعيشون 
فى منطقة تحمل ذاك الاسم ..وتقع إلى الشمال من حزة خدير + وأسفل القصيم ؛ وهذة 
هى المنطقة التى يتجول أو يترحل يدو الحطيم فيها فى الوقت الرافن . وهناك مستعمرة 
أى إن شئت فقل : مستوطنة أخرى من مستوطنات الموءاهيب القدامى ؛ المزراعون 
الذين 'يربون الأبقار ' فى منطقة الأحساء ( التى تقع على بعد مسافة طويلة جدًا من 
هنا . فى شرقى نجد ) . فؤْلاء الموءاهيب , القليلون فى الوقت الحالى . مضى عليهم 
الآن أكثر من ثلاثة عشر جيلاً فى العويرض ٠‏ ازداد عددهم ٠‏ بعد أن غزوا بنى صخر 
وأغاروا عليهم وجربدوهم من ممتلكاتهم . والعويرض كلها ؛ ملكا طبيعيا لهؤلاء 
المواءهيب » نظرا لأنهم كانوا أصحابها فى يوم من الأيام ؛ ويالرغم من تناقص أعداد 
تلك الجماعة الموءاهيبية » فهم يحتلون ذلك الجزء الجنوبى فقط . هناك أيضا بعض أسر 
الموءاهيب التى تعيش مع أقريائهم السباع فى سوريا , كما أن هناك بعضا منهم 
يعيشون فى خيام مع بنى صخر فى منطقه بلقاء 86118 . وديرة الموءاهيب فى اتجاه 
الشرق ؛ فى المنطقة أسفل الحرة . تسير محاذية لطريق الحج . كما تمتد أيضا من 
الأخضر 8/503-!© إلى المدائن . 11608108 والموءاهيب فى اتجاه الغرب ينزلون إلى كل 
من جاو نال » وأم شاش 77088858لا » وإلى النشيفة 8لإ52556 ؛ فى بلاد البتحافة: 
لكى يرعوا أبقارهم ويسقونها من تلك الأماكن . والسحامة الأصدقاء . يصعدون بنفس 
الطريقة إلى منطقة الموءاهيب الصيفية فى الحرة ٠‏ أى قد يسكنون أو يقيمون بالقرب 
منهم فى الوديان الغربية . من هنا , إن أخفقت إحدى ديارهم حلت محلها ديرة أخرى 
تخدم كلا من السّحامة والموءاهيب . وهذا عرف من أعراف الجوار فى الصحراء » 
والذى تلجأ إليه القبائل فى السنوات العجاف , وفى أزمان الأخطار ؛ وهذا العرف هى 
الذى يسهل استقبال القبائل ( كما شاهدنا مؤخرا بين بدو الفجير ) بعضها البعض » 


152 


اقتساما لخير الله . كرم الجزيرة العربية يقوم على قدر كبير من التسامح ٠‏ والتراحم 
الدينى . ومع ذلك فإن الصداقة هى التى تحافظ على ذلك التوازن » الذى هو . من 
منظور دين الصحراء ؛ مثل المزآة » التى يمكن مد طولها ثم تقصيرها بعد ذلك » 
ويصعن يمد ذاك سل الأتجواء لض يعر فضيلها :هذا يفت أن الضدداقة والفي 
الطويلين ٠‏ قد يتباينان فى مرحلة لاحقة طبقا للمصالح ؛ التى تَقَدْم على كل شىء » 
وطبقا للمرعى وللماء أيضا . وعندما يحدث عراك ومشاجرات طوال اليوم بين رجال 
القبائل ؛ حول حفر الماء , وحول أيام السقيا ٠‏ فإن ذلك يحتم أن تكون السياسة التى 
يتبعها الشيوخ قوية عندما يجلسون للبت فى خلافات الرعاة والسسقاة . حدث فى العام 
الماضى نزاع كبير وخطير فى ديرة السّحامة , وقد دار ذلك النزاع بين المضيفين 
الأعراب الأصدقاء والسراحين!*) 58,3015 ؛ أى إن شئت فقل : بنى سرحان ٠‏ الذين هم 
أجماعة صغيرة من الموءاهيب ٠‏ الذين وقفت بقيتهم إلى جانب السحامة فى وجه أهليهم 
المعتدين . واحتكم الطرفان إلى السلاح ؛ ومعروف أن الموماهيب أولى بأس فى القتال 
وفى الشجار . وقتل سحامى ؛ فى ذلك الشجار » بيدى سرحانى . 

وعندما يعلم الناس بوصول أغراب إلى الديرة » يشيع خبر وصولهم فى كل أنحاء 
المنْرّلَ على وجه السرعة ٠‏ ويتوافد معارف عبيد الله واحدًا بعد الآخر على بيته , لتحية 
أولئك الأغراب ٠‏ وسماع الأخبار . وعندما يهم الناس بالوقوف », ترى مضيفنا يطلب , 
منهم , فى ود ء البقاء معنا , بمعنى . "ابقوا معنا وتناولوا الطعام معنا .” مضت فترة 
طويلة » إلى أن ظهرت حمّالة الحطب ء التى لا تقل أهمية عن بضائع وأوانى العائلات 
البدوية الأمينة المترحلة : هذا يعنى أن حمالة الحطب تلك . التى تشير ير إلى الكرم يراها 
الرائى مثل ترس يجرى تكتيفه مع الترس فوق الجمل الذى يحمل الأمتعة أثناء الرّحلات . 
وضع أمامنا ذلك الطبق الضخم وعليه كومة كبيرة من الأرز المطيوخ . وفى منتصف 
تلك الكومة كان هناك إناء ملىء بالسمن المنصهر اللذيذ ؛ كانوا يفمسون كل لقمة قبل 
أن يأكلوها فى ذلك السمن » ( كانت اللقمة عبارة عن نصف ملى؛ اليد يكومها الآكل 


(*) السراحين : السكان الذين يسكنون وادي السرحان وهو متخفض يقع فى الجزء الشمالى الفربى من 
الحجاز . (المراجع) 


1533 


على شكل كرة . ) ويرفعها إلى فمه بخفة ودقة يترتب عليها ألا يسقط منها ولو حبة 
واحدة . ويقوم المضسيف بتحية ضيوفه بطريقة لطيقة ومناسية , طالبا منهم الاقتراب من 
الطبق والتحوط حوله , وهى يقول لهم "بالرغم من أن الطعام على قدر الحال ٠‏ إلا أنكم 
يجب أن تقدروا نعمة الله حق قدرها ' . والأغلب الأعم أن لا يجلس المضيف إلى تناول 
الطعام مع الضيوف . إذ أنه يسعد وهى يرى ضيوفه يأكلون » وأنه واقف إلى جوارهم 
للقيام على أمر خدمتهم ؛ ولكنهم هنا يجلسون جميعا كما لى كانوا اخوانا . والعرب 
يقولون دائما قبل تناول الطعام أى عندما يشريون السوائل "يسم الله" . ويجرى تقديم 
الأرز وجلبه من قدر الطهى ؛ ويالرغم من أن العرب . فى فصل الصيف ؛ يتركون 
الطعام فترة قبل تناوله » ( فى الواحات يضع العرب الطعام فى الشباك , ) إلا أنه كان 
ما يزال حارا إلى حد أننا بعد أن انتهينا من تناول الجزء العلوى من الطعام قد التهبت 
أصابعنا١:‏ بعد ذلك , يتوقف الأعراب عن الأكل ويسحبون أيديهم مدة لحظة » يقوم 
خلالها واحد منهم بالتهوية على الطعام مستخدما فى ذلك حجر عباعته . كان مشوات 
يجلس إلى جوارى ٠‏ وهو رجل كريم ومضياف فى داخله » بالرغم من أن حاجبيه كانا 
يوحيان بخطورته . ركز علىّ مشوات هذا عينيه اللتان كانتا تشعان ودًا أثناء تناول 
العيش والملح : كان يدفعنى بكوعه وهى يقول موافقا : "كل . سيفيدك الطعام » كل 
بنفس الطريقة التى آكل أنا بها ؛ والطبق عندما يوضع أمام أحد من الرجال » يتعين 
عليه أن يأكل منه بنهم » كل ووسع صدرك ؛ هنا بين البدى ٠.‏ بد مشوات يدفع ساعده 
إلى الأمام ويصنع من الأرز كرات ؛ أو إن شئت فقل : لقيمات » كان يضعها بالقرب 
منى ؛ كان مشوات بمثابة مضيفنا فى ذلك اليوم ٠‏ بل إنه كان صديقا لطيفا أثناء هذه 
الوجبة . هذا المشوات كان يذكرنى بالخير بالرغم من أنه كان خارج نطاق ذاكرتى ؛ 
كان مشوات قد سبق له أن مر على قلعتنا فى المدائن فى فصل الشتاء ؛ وكان قد طلب ‏ 
منى أن أملأ له غليونه بالدخان , وكنت قد ملأت له يده بالتتون ( التبغ ) وكان يأمل فى 
وجود مخزون كبير لدى فى خرج الجمل » من ذلك المخدر الذى يؤثر على المخ »- هذا 
الدخان كان أحب شىء إلى نفس مشوات ؛ يعد حبه لولده الذى كان له عزاء تحت 
سماء هؤلاء البدو الرحل . كان محمد أبى سئون روجا اشقيقة مشوات . 


عندما ينتهى أحد الآكلين من تناول الطعام يظل جالسا إلى جوار الطبق » مادًا 


14 


يديه نحوه إلى أن ينتهى الآخرون من تناول الطعام ثم يردد الحاضرون عبارة “خلف 
الله عليك يا معزب وهنا يرد عليهم المضيف قائلا : "هانى 51هذا ' أى "صحة طقطده 
ش وعافية /3داه” . أو قد يقول الضيوف : “كثرٌ #أطاقا الله طداانا فضلكم «مءلهااطاج6” . 
ثم بلغنى بعد ذلك أن مضيفنا أنفق على الوجبة التى قدمها للضيوف كل ما تبقى 
طعام فى ذلك الموسم الجدب . ولم يتبق ا 0 ا 
وهذان لا يكفيان . ومن طبيعة الأعراب أنهم يستطيعون البقاء فترة طويلة يعيشون على 
. الكفاف , إلى حد أننا أيقنا أنهم بوسعهم أن يصبروا على الجوع وعدم تناول الطعام . 
وعظمة البدو نتجلى بصورة مدهشة فى تضحيتهم من أجل الكرم وهذا نايع من دينهم؛ 
هؤلاء الناس فى تعاملاتهم الأخرى أرذال ونصابون ولا يحبون إلا أنفسهم كما يكرهون 
الغير ؛ أى إن شئت فقل البشر , » بطريقة توحى بالحقد والحسد . وأبلغ شرف يصيبه 
أى واحد من هؤلاء الأعراب هى امتداح الأخرين لكرمه . والبدوى كلما زادت حساسيته 
وتعقله تحرك صوب الكرم فى استقبال الضيوف ؛ والبدوى حك زهوه يتخاق بتوع 
من التقدير فى هذه الدنيا : هذا يعنى أن دين البدى الطبيعى يساعده أيضا فى هذا 
الصدد , وبخاصة أن أيام مثل هذا البدوى لا تعدو أن تكون تجوالاً بين السماء 
والأرض , فى ظل أخطار تعفاقم وتتزايد من حوله . هذا البدوى يستقبل ضيوف الله 
استقبالا طيبا ٠‏ لأن الله هى (سبحانه وتعالى) مُضيف الجميع , كما أنه (سبحانه 
وتعالى) هو صاحب وواهب ومعطى الخير كله ؛ والبدوى عندما يفعل ذلك ٠‏ يكون 
متطلعا إلى البركة والعناية الإلهية . سمعت صورا كثيرة من صور الشكر والثناء ؛ وقد 
أخبرونى أن ترديد مثل هذه الصور أمر مطلوب ومحبوب فى بعض الأحيان ؛ من هذه 
الصور 0 الله 0 لبانكم 0ه6ا8مةطه ا ' بمعنى “كثر الله ألبانكم" © أق 
"كثر الله إبلكم" بمعنى كثر الله ماشيتكم' ؛ أو "كثر الله غنمكم 85زهامدمههردطى" 
بمعنى كثر الله قلعاتكيء ' أو قد يقولون : “كثر الله عيالكم" بمعنى "أعطاكم الله الذرية 
الكثيرة" ؛ ومن بين هذه العيارات أيضا كثر الله كلايكم ”611303105 بمعنى "كثر الله 
الكلاب التى تحرس منازلكم” ( إشارة إلى الدعاء للمضيف بأن يقلل الله من خسائره 
ومن الأخطار التى يمكن أن تحدق به ) 


عند هذه المرحلة فقط حضر أبو سنون لتحيتى ؛ وذهبت بصحيته لأضع حقائبى 


155 


وديعة فى بيته , ثم تحركنا سويا لزيارة شيخ الموءاهيب طلَّجِ 159ا70: الذى سلمنى له 
عبيد الله » تسليما , وذلك بناء على طلبى » على أنه وديعة من عند مهنا . هذا الشيخ 
متسلق الجبال ؛ كان يبدو شبابا بالرغم من كبر سنه ٠‏ نظرا لأنه كان يكبر الجميع 
بعدد كبير من السنوات ٠‏ ولكنه لم يكن يبدى عليه كبر السن ٠‏ وربما يكون ذلك الشيخ 
قن تزوج فى رُمَانهه من جدات زوجاته الحاليات . كان الشيخ عندما وصلنا إليه ؛ عائدًا 
من صلاة العصر ؛ واستقبلنى استقبالا وديا . ويعد أن انتهينا من شرب القهوة فى 
الخيمة » قُدمت لنا وجبة أخرى من وجبات الأرز . وقد اكتشفت واحدا من فجيرى منزل 
الشيخ زيد ضمن الجماعة التى كانت فى بيت اللشنيح طلع وهااه1, هذا الفجيرى جاء 
يرجو الشيخ أن يسمح له هو وأقاربه وأهله بالتجوال مع الموءاهيب ٠‏ ( هذا الفجيرى 
كان قد سيق له إصابة بدوى بجرح وحكم عليه بالنفى ) . ظللنا صامتين طوال حرارة 
النهار » إلى أن بدأت تغرب الشمس , ثم عدنا بعد ذلك إلى منزل المغربى .. 

منزل المغربى هذا , كان عبارة عن خيمة شتوية طويلة . وكانت عظيمة بشكل 
لم يسبق لى أن رأيته فى الجزيرة العربية ؛ وهى من نوعية بيوتنا ؛ كان يسكن فى ذلك 
البيت إضافه إلى أهل البيت ؛ أسرتان أخريان من أسر الأشقاء : كان الرجال 
الموجودون فى ذلك المنزل ؛ واحد.منهم راعى لماشية ذلك المغربى ؛ والآخران من الأتباع 
الذين كانوا يرافقون ذلك المفربى فى رحلاته التجارية فيما بين بلدة تبوك 01ا6ة1 
والساحل . ولما كان ذلك المغربى , غريبا ٠‏ ومن السبيكة الغربية الجافة » فقد كان يبدى 
عليه التقتح وسعة الأفق والفهم , وكذلك الحرص المدنى بين هؤلاء الأعراب من أهل 
الجزيرة العربية الذين لا يكترثون بالأمور ولا يعملون عقولهم كثيرًا . هناك طرق كثيرة 
يستطيع هؤلاء البدى , من خلالها ؛ أن يحققوا مكاسب عن طريق المحاولة الأمينة » 
ولكنهم لا يودون تحمل التعب أو العناء . هذا هو محمد الحمّال الذى استطاع أن 
يحسن من حاله تماما خلال فترة قصيرة :- ألا يمكن لمثل هذه الشخصيات القليلة , 
التى تتناثر بين القبائل الجائلة » أن تصبح بمثابة نظار المدارس فى الجزيرة العربية ؟ 
هؤلاء البدى الرحل يمضون كل يوم من أيام حياواتهم وهم يتضورون جوعا ؛ انتظارا 
لرحمة الله: هذا هو البؤس والشقاء البين لبعض العقول البشرية التى يكاد يغمى عليها 
بسبب الجوع الذى يمتد معها إلى عدة أجيال » ويسيب تيبسها وجفافها فى الصحراء . 


136 


هذا هو أيى سنون أصبح شيئا من لاشىء ؛ وهو أفضل واحد بينهم فى الوقت الراهن : 
ولكن هذا الرواج السريع الذى تحقق بفضل جد أبى سنون يعتبره الأعراب إرهاقا 
وإفراطا ؛ كانت حياة أبى سنون بين هؤلاء الأعراب هى حياة الغريب الأجنبى عنهم 
ويعيش فى منزلهم , وكانوا يسخرون منه . جاء أبو سنون بلا لحية إلى هذه الديار 
ليكون مجرد نفر ( فرد ) فى حامية الأخضر 1-818038© ؛ ويعد ذلك قبي سفيوات 
أى نحو ذلك ؛ كان يعانى من داء الريو . وهاهو الآن قد تجاوز منتصف العمر . سألت 
محمدًا ؛ كيف حصل على.الثقة التى جعلته يعيش حياة البدى الرحل . وسالته أيضا عن 
المكان الذى تعلم فيه حرفة تربية القطعان والإبل ؟- ولكنه ‏ لم يرد على سؤالى على 
مسمع ومرأى من البدى . 


يتعين على محمد أن يتجه صباح الغد إلى بلدة الأخضر ومعه شحنة الأرن التى 
كان قد جلبها مؤخرا من بلدة الوجه «زة/ا . ثم ينقلها بعد ذلك من الأخضر إلى بلدة 
تيوك .. هذا المفزيى :لم يستطع بسينٍ قصرائفسة »ثيل قسط من الراحة'فى الخيمة 
البدوية المفتوحة ؛ ولذلك استلقى أيضا بين قطعاته فى الخارج , لينال قسطا من النوم. 
وعندما حزم أشياءه عند الفجر » رحل مع رفاقه » وطلب من زوجته أن تتولى شئونى 
وتنك فى الحعن مؤيةةجرة كافنة :هذا اللخيم المؤنافني + الكون من فلافن ينقا: 
أقامه أصحايه على قسم من الأرض البركانية : لم يكن فى هذا المكان سوى بعض 
الأدغال المكونة من نبات الهرّال التافه الحقير » الذى لا يصلح أن يكون مرعى للماشية , 
ولكنه نما بين الأحجار البركانية الضخمة . وهذه أوتاد خيام ربات البيوت ٠‏ التى لم 
تتمكن ربات البيوت من تثبيتها فى الأرض الصخرية » جرى تثبيتها فوق سطح الأرض 
عن طريق كتل من البازلت ثقيلة الوزن ٠‏ وفوق هذه الصخور كانت ربات البيوت يشددن 
حبال خيامهن شدًا محكما . وفى فلوق الصخور البركانية » وفى زلط الحرة الحادة 
المحيطة بنا من كل جانب . كانت تظهر سيقان بعض الأعشاب . ويعض الشجيرات 
الصحراوية النادرة أو إن شئت ققل : القليلة جدًا : هذا يعنى أن جحافل الجراد أتت 
على كل أعشاب الربيع , الأمر الذى حتم جلب العشب المطلوب لمهرة الشيخ من مكان 
بعيد . يبعد مسير يوم كامل , ويقع السهل الرملى الموجود أسقل هذه الصخور 


157 


البركانية ؛ هذه القبيلة الصغيرة التى كانت تقيم فى الحرة لم يكن لديها فلوة غير الفلوة 
التى لدى شيخ هذه القبيلة . 

رحلنا وخيمنا بعد ذلك وسط عدد كبير من الصخور البركانية التى يقولون لها بلغة 
القوم "حليان' 5111135, وكانت أكير صخرة من هذه الصخور المحيطة يبنا يصل ارتفاعها 
إلى ما يقرب من ٠.٠١‏ قدم » فوق مستوى سهل الجيل ؛ كان هناك عدد آخر من هذه 
الصخور , فى كل ميل مريع تقريبا . من هذا المكان » ولسافة مسير ثلاث ساعات فى 
اتجاه الجنوب » عبر أرض بركانية مفتوحة . شاهدنا ذلك المخروط البركانى العظيم 
الذى يطلقون عليه اسم 'عنان" 4082 ؛ وهذا المخروط به سلسلة طويلة من القمم 
البركانية . مخروط 'عنان” هذا الذى يعد أعظم المخاريط كلها يطلق عليه الأعراب اسم 
"شيخ «لكالا6؟ العويرض 4 الإوده-اه" : والمخروط الثاني بعد عناز , فى الحرة ؛ هى . 
جبل عشوب اناداةولاء ( وهو يطل على قرية الحجر ؛ ) ٠‏ ومن ثم يطلق عليه الأعراب 
اسم ابن 168 " عمه" ناذا - 808 . وقد أخبرونى؛ عن وجود موقع أثرى بالقرب من 
منزّلنا الجبلى المرتفع . 

وبينما كنا نقيم فى ذلك المزل وصل إلينا ( برفقة رفيق ماهويى ) ثلاثة رجال من 
الحويطات , أعداء الموماهيب الذين يقيمون فى تهامة . هذه الجماعة كانت عبارة عن 
شيخ يقال له 'أبى' داطه “بطن” 8818 » ومعه بعض أتباعه . كان أبو بطن هذا يسعى 
لتسوية "المدة" 01498 , 'والمدة" هذه هى دفع الدية المقررة لشخص قتيل : - فقد كان 
واد من الحويطات قد قُتل بطلق نارى أثناء شجان دار مع:الموماهيب . وحياة العدى 
تقدر عند هؤلاء الأعراب بما قيمته خمسة رعوس من الإبل . هذه المدة لا يجرى التنازل 
عنها بين القبائل المتعادية التى لا تعدو أن يكون أفرادها لصوصا يسرقون إبل بعضهم 
البعض : والنزاع الوحيد الذى لا يمكن أن يشتمل على الصفح هو الصراع المبنى على 
سفك الدم , كما هى الحال فى الصراع أو النزاع القائم حاليا بين الفجير وبنى عطية ؛ 
هذه النار المشتعلة فى داخلهم حنينا إلى قتل الغير مثلما كان الحال فى الماضى » 
يمكن أن تستمر معهم أجيالا طويلة ؛ ويالتالى فمن يقدر له أن يسقط فى يدى العدى 
يتعرض لخطر القتل دون رحمة أو هوادة . هؤلاء الأعراب ٠‏ فى ظل حياة المعاناة التى 
يحيونها ( وبخاصة بعد أن فرغ كأس حياتهم , ولم يعد يتبقى فيه سوى الحثالة ) 


15368 


جنونية تجاه أعدائهم ؛ - والتطرف والتشدد الساميين هما أيضا من هذا القبيل , 
هؤلاء الأعراب ٠‏ فى أية عملية من العمليات الحربية » يشبهون زنايير الجنس البشرى , 
شيئًا من أمعائهم فى هؤلاء الذين يلسعونهم : وعليه قمن المناسب لهم » وهم يقومون 
بالغرى أن تدور بخلدهم . فيما يتعلق بالمدة ( الدية ) فكرة دفع قيمة هذه الدية من 
ملكهم الخاص » حتى عندما يتعين عليهم قتل عدى من أعدائهم . سألته : '"وماذا يحدث 
إذا لم يتم الوفاء ؟” أجابنى : "نحن لا يمكن أن نفعل ذلك , نظرا لأنه يترتب عليه تهديد 
حياة الجميع طول الوقت وعلى مدى الأيام ؛ وهنا يتحتم على العدو أن يقتل وعلى الفور 
أى واحد منا عندما بلتقيه ." 

هؤلاء الغرياء . كانوا على وشك النزول عند خيمة أبى سئون عندما أبصروها 
مفرودة وواسعة ٠‏ وربما لم تكن لديهم الثقة التى تجعلهم يسألون عن الشيخ فى منزّل 
أعدائهم . قامت حمدى *) , زوجة محمد , بطبخ الأرز المطلوب للعزيمة , ولكن طلّج 
69 دعاهم بعد ذلك إلى الذهاب إلى خيمته ؛ إذ يتعين أن يكونوا ضيوفا على 
الشيخ . هؤلاء الضيوف هم والشيخ كلهم كانوا رجالا أجلاء . يتمتعون بتواضع 
الشيوخ واعتدالهم . وكانوا يتكلمون بود وشفقه بقدر المستطاع ؛ كان هؤلاء لا يطلبون 
أى شىء سوى المنطق والعقل ؛ ولكن أولئك كانوا لا يريدون تضليلهم أو تأخيرهم . كان 
أبى بطن , ذلك الرجل المتقدم فى السن . وصاحب المظهر الضعيف ( أبشع من رأيت 
فى بلدة كيراك عاقمع»ا اليدوية فى موءاب ) , كان من المطالبين بالدم والثار : - فقد 
سيق له التعامل مع رجال القبائل الذين قتلوا ولده ..والمعروف أن الفزى لا يلتقى إلا 
بقلة قليلة من الرعاة , الذين لا يقوون على معارضته والتصدى له ؛ ولكن بعضا من 
يهاجمونهم وذلك من باب الدفاع عن مواشيهم ٠‏ ووصل بهم الأمر إلى حد فتح النار 
على جسد واحد متهم . وهتا تنهد والد ذلك الابن الشجاع , لأن ذلك اليوم كان ينتظره 


(+) حمدى : من المرجح أن يكون الاسم حمدية أى حمادى . (المراجع) 


2139 


فن ذلك الوقن الضحل 6و ها ١‏ ويل لن 1" ويته الرحل: هديك رتخهيدة عديقة فائلة : 
“نحن لا نسرق سوى المواشى ؛ ولكنكم تقتلون الرجال :"؛ وتنهد طلَّج 701109 من بعد 
الرجل , لأنه كان أيا . ثم لاذ الاثتان بالصمت . 

عندما تحدثت مع هؤلاء متسائلا عن ديرتهم ٠‏ أجابوا على 1 إجابات خالية 
من دلائل أو إشارات الحقد البدوى البغيض على دين معاد . الأعراب يوسعهم الجلوس 
فترة طويلة فى جلال مهيب تراه يه ذلك يسرون عن [تفستهم يشر من السذرية 
الخرافية : وهنا قال شويش «وؤلاه/511 , شقيق الزوجة المغربية . قال وهى يجمع بين 
المرح والمرارة » وعلى مسمع ومرأى من أولئك القبليين الأقرياء » قال وهو يبتسم : نحن 
قوم ,يا خليل , «مع الغريطات > وقد يكرن من يينهم اناس طينبين من امثال هؤلاءٍ 
الناس ٠‏ ولكن الباقين كلهم أشرار وأقذار ! - أعراب منهم . نصبوا مخيمهم الصيفى 
على طم من يتابيخ ميافكا هن ثهامة :ب وق أرَضل الله يهم الفرضض والارتياكة اقول : 
أليس لديك من بين أدويتك شىء سام أى مهلك نضعه لهم فى الآيار » حتى نسممهم » 
وسوف نكافؤك على ذلك ".- "دينى يحثنى على التعامل مع الرجال جميعا كما ل كانوا 
أشقاء ؛ إن فضتكم سواء أكانت فوق الأرض أى تحتها لا يمكن أن تحركنى فى هذا 
الاتجاه أو تغرينى ." وهنا ابستم الحويطانيون ابتسامة تنم عن الدهشة وقالوا : "أنعم 
بما قلت !” ورددت عليهم ؛ بأنى أتطلع إلى زيارتهم فى وقت من الأوقات . '( قال أبو 
بطن ) إِذَا أنا وصلت إلى ديرتهم » فذلك يحتم عليهم الترحيب بى . - بقى متزلنا 
منصويا إلى ها بعد رحخيل الحويطاتيين ؛ "مخاقة أن يزوا فى الرحلة المزيد من أراضى 
الحرة .' والبدوى المترحل عندما يمشى فى أرض غريبة عليه . يتمعن تماما فى 
العلامات الأرضية » حتى يتسنى له تذكرها عندما يمر بها مرة أخرى : زد على ذلك أن 
ركاب الدواب المتعرسين لديهم معرقه قليلة بهذا الجزء من البلاد : أو إن شئت فقل: - 
الديرة بركانية الترية . 

تمنيت لو صعدت عناز ذلك التل البركانى العظيم ٠‏ وألقى منه نظرة على ذلك 
الجزء البركانى من البلاد : ولكن كلما وافق أحد على اصطحابى إلى هناك منعه الشيخ 
من ذلك ؛ احتفظ الشيخ طلّحِ وهاه بذلك الامتياز لنفسه وأبنائه فقط. كان يدور بذهنه 
أنى ريبما أنفعه فى اكتشاف عيون الماء أو الكنوز : وهى بصقته بدوى » لم يخطر يباله 


100 


أى شىء آخر غير أن مجيئى إلى هنا إنما هى للإثراء ليس إلا؛ وأنه سوف يثرى معى. 
شيوخ الفجير , أصحاب العقول المدنية الأكثر تحضرا ٠‏ فهموا ضباط الحج حق الفهم؛ 
أما هؤلاء الناس فهم أصحاب آراء متحجرة » ومتسلقى جبال أشداء . بعد أن بحث 
طُلْحٍ وه761!0 فى قلبه عن كل غريب سمعه من التصارى ٠‏ طلب منى أثناء جلوسنا حول 
وجار القهوه : "يا خليل ؛ بالله عليك ٠‏ أليس هناك وعاء للهواء - خبرنى عن مثل هدّا 
الإناء , وأعط بقية الجماعة فرصة للاستماع إلى ما تقول - يستطيع النصارى الطيران 
فيه 76ت "هذا صلخت كناما يا طاد ؛ فقاعة كبيرة داخل جوال من الحرير » أكبر من 
هذه الخيمة ٠‏ ويوسعه أن يطفى فى الهواء .” طُلّحِ وهاه : "قل لنا المزيد عن ذلك ! 
أليست هناك سفينة تصنع كى تسير تحت سطح الماء ٠‏ وبداخلها كل أعرابها » والتى 
تستطيع الارتفاع فوق سطح الماء مرة ثانية ؟" - "( سألته ) من أين جاء يما قال "- 
"من ولد من أبناء عمه (هى واحد من السييعات 568116) فى سوريا , الذى تزوج من 
امرأة غربية » ثرية جدًا ٠‏ من بلاد فيما وراء اليحار » أى أنه لا يعرف من أين جاعت ." 
انتقلنا إلى مكان آخر مرة ثانية » ويعد أن نصبنا خيامنا » نظرت حولى من فوق 
الأرض المرتفعة . وأحصيت حوالى أربعين قمة من قمم تلال اليراكين داخل أفق 
المنطقة التى كنا فيها ؛ وخرجت بعد ذلك لزيارة أقرب تلك القمم إلينا . ومسالة السير 
لمدة ميل واحد , أمر صعب ومرهق » ويخاصة فوق الصخور البركانية الحادة ومنايم 
أى إن شئت فقل : أحواض الصخور والأحجار البركانية شديدة الوعورة . وهنا سارعت 
إلى القيام بتلك الزيارة قبل أن ينادى على أى أحد من الأصدقاء الودودين ويمنعونى 
من ذلك ؛ وعليه وصلت إلى مخروط وقمة تل بركانى هما الأصغر من نوعهما فى هذه 
المنطقة , إذ يصل.ارتفاعهما إلى حوالى ١٠؟‏ قدم , وهما من المواد البركانية التى 
تقذفها البراكين :وصخورهما من الضحكون التازية الضنكة الخفيفة ٠:‏ ولبا كتين من 
الحواف الحادة . جانب هذا التل أثرت عليه الأمطار منذ عصور وآجال طويلة . تسلقت 
قمة هذا التل ثم دخلت الفتحة البركانية الموجودة أعلاه . داخل هذه الفتحة شاهدت 
جدران حادة من الحمم البركانية المتجمدة : كما وجدت القسم البعيد من تلك الفتحة 
مهشما - وقد حدث ذلك التكسير قبل اندلاع الحمم البركانية - كما وجدت أيضا أن 
ذلك القسم كانت تغطيه قشره من الصخور النارية الناتجة عن ثورة البركان والطفح 


161 


الذى نزل على الجانبين نتيحة لذلك » كما عثرت أيضا على صخرة جرانيتية حمراء 
اللون . هوت من رأس واحد من تلك التلال البركانية ؛ إلى عمق الجبل . هؤلاء البدو 
الرحل يطلقون على الحجر الجرانيتى الأحمر , اسم "حجر #زقط “الكرا” قا-اء؛ وهذا 
الحجر ؛ يوجد فى بعض الصخور ؛ على عمق ليس بكبير . وهم يقولون إنهم يشاهدون 
هذا الجرانيت الأحمر بالقرب من عناز 8582 ؛ كما يقولون أيضا : إن الجرانيت 
الأحمر موجود أيضا تحت جبال العويرض . توجد أيضا بعض البقايا الأثرية فى قرية 
جاو ناهل . وهذه البقايا الأثريه بنيت من كتل كبيرة من المادة نفسها » أو إن شئت فقل 
من الحجر نفسه : وفهمت من البدى أن ذلك الصخر ٠‏ أى الجرانيت الأحمر » إنه يشكل 
الصخر المكونة منه الطبقة السفلى من ديرة الشفا 50645 , كما أن الجرانيت الأحمر 
يتمثل أيضا فى العلامات الأرضية البارزة القوية التى تظهر عند الأفق الشمالى 
الغربىء أى فى جبال تهامة ؛ أو بالتحديد فى كل من الوتيد 14ان/ةا وجولة «اللاهل . 
والبدو يصنعون من أحجار الجرانيت فى قرية الحجر أفضل أنوا ع أحجار الرحى التى 
يستعملونها فى طحن الحب : هؤلاء البدو ليست لديهم العدد اللازمة لذلك, ولكنهم 
عندما يكونون بحاجة إلى كتلة من الجرانيت فإنهم يطرقون عليهاء بلا انقطاع » 
مستعملين فى ذلك صخرة صلبة أخرى ؛ إلى أن يطوعوها إلى الشكل الذى يريدونه ؛ 
وهم يحدثون ثقبا فى الصخرة التى من هذا القبيل ؛ عن طريق الطرق على رأس 
مسمار . وقد عثرت على حفرة طبيعية تحت قمة التل البركانى ويميل لونها إلى 
الاصفرار , وقد نتجت تلك الحفرة عن خليج بركانى حدث فى الزمن البعيد جدًا .كما 
عثرت فى الأحجار المحيطة بتلك الحفرة » على كثير من البللورات الشائعة التى يميل 
لونها إلى الاخضرار. 

نحن نطل من أى مكان هنا على الحرة » على أرض جرداء تغلب عليها مكونات 
الحديد ؛ هذه مادة بركانية شديدة السواد وخالية من الحياة !- هذه عبارة عن وجه 
كالح متجمد من وجوه الطبيعة التى لا تعرف الابتسامة إلى أيد الآبدين » أرض جرداء 
قاحلة مكونة من مادة تثير فى نفس من يراها لواعج الاحتراق والرعب . ما هى حياة 
العزلة التى لا يمكن أن تستشعر التحفظ وهى تتجاوز هذا المكان أو تتعداه ! السماء 
أيضا جرداء ؛ الترية عبارة عن مقاساة شديدة ! أين يبحث عن الراحة والسلوى , 


12 


ذلك الذى تحدثه نفسه بالمجىء إلى هذا المكان ؟ - الإنسان فى مثل هذا المكان يصاب 
وعيه بالاندهفاش عندما يدرك وجوده المسكين فى هذا المكان. كما يحس أيضا باندهاش 
دنيوى ».فى وجود قامة مقدسة أو سماوية من ذلك العالم المكون من العناصر ! هذه 
القوى الكوزمولوجية!*) الرايضة مثل الأسود عند نومها » تبتلع داخلها برغشة الروح , 
- تلك الحركة القصيرة والاغتصاب المتطفل الذى يشكل الحادث الضعيف فى المادة . 
شاهدت عناز ؛ كما لى كان راكبا عاصفة صخرية » على بعد اثنى عشر ميلا ؛ - 
وقد أصابنى اليس من مسالة الذهاب إلى هناك , قاطعا المسافة كلها وسط الكثير 
من المنخفضات البركانية والشعاب الصخرية . وكثير من الصخور البازلتية 
المتقدرة : 

ومع تنقلنا مرة ثانية خلال الحرّة ٠‏ خطر ببالى أتنى لا أصدق أننى أتجول فى 
ديرة فظيعة من هذا القبيل ؛ المنظر من هنا ييدو ( كما لى أن آلاف الثنيات ) التى 
ترهق العين التى تنظر من أسفل بركان فيزوف فى اتجاه الجتوب الشرقى ؛ ذلك 
الاتجاه الذى يصعب على الأوروبى السير فيه بقلب مكلوم يترتب عليه إرباك قدميه ؛ - 
ولكن تجوال اليدى . فى الجزيرة العربية ؛ جلب عليهم اللبن والسمن لينتفعوا بهما فى 
حياتهم فقيرة الحال . والأعراب عندما ينزلون فى مكان وعر , مثل قاع برى على سبيل 
المثال , فإنهم يقيمون فى ذلك المكان مدة ليلتين أى ثلاث ليال من ليالى الصحراء ؛ 
بنهارين أو ثلاثة نهارات أيضا , وهنا تصبح شقوق البازلت الضخمة , هى والقلة 
القليلة من الأشجار الشوكية ؛ وكذلك أدغال نبات الوزّال الهزيلة . كل ذلك يتلاشى أمام 
عيون معارفنا الذين درجوا على رؤية هذه الأشياء ٠‏ ولكنها بالنسبة لنا تحظى بكثير 
من الحب الإنسانى » إلى الحد الذى يصعب معه علينا تركها أى عدم العزوف عنها ؛ - 
وبالتالى فإن الماهويى الذى يولد فى هذه البيئة يكون بينه وبين الحرة شكل من أشكال 
علاقة الحب والإعزاز . هؤلاء الموءاهيب , بمنطقهم البسيط يفترضون أن جزءًا كبيرا 
من العالم على هذه الشاكلة , أى أنه عبارة عن صخور بركانية : وأطقال الموءاهيب هم 
ونسائهم طرحوا على السؤال التالى : “هل ديرتك , يا خليل » حرة أم سهول رملية ؟* 


(*) الكوزمولوجيا : فرع من فروع الميتافيزيقيا يعتبر العالم كله منتظما . ( المترجم ) 


163 


لا يوجد أى شكل من أشكال الحياة فى هذا المكان غير الأعراب هم وماشيتهم . 
قى هذا المكان نقى الهواء والمرتقع لا يعيش الذباب » الذى يوجد على شكل أسراب فى 
ديار الأعراب الجرداء القاحلة . لا يوجد فى هذا المكان سوى طائر وحيد أسود صغير 
كسام الشكل : هذا "الطاف الستعير مجم اسيقر من :طائر الدب بوه يمحن الريش 
الأبيض ؛ واليدى هنا يطلقون على ذلك الطائر اسم السويدية 413إ©:58 ؛ التى تعيش 
بالقرب من الجنس البشرى شاأتها فى ذلك شان الطائر الذى يقولون له تصاحب 
الصدر الأحمر . وفى كثير من الأحيان يسمع المترحل بين هذه الصخور » صوت 
السويدية وهى ينبعث فجأة وعلى دفعات قصيرة مدويا فوق المروج الجرداء ٠‏ فى الطرق 
والمسارات الصحراوية , بين خرائب الجبال التيتانية 718716 والخوف ؛ ولهذا الصوت 
عذوية كما لى كان قادما إلى روح من يسمعه , من روح حانية عطوفة . ولا يوجد من 
الوحوش النزية فى هذا المكان سوى الذئاب التى تعوى بين منازلنا الجبلية : هذه 
الذئاب توجد بأعداد كبيرة فوق الحرة » وهى فى هذا المكان أجرأ وأشرس من ذئاب 
الديار السهلية . والليل هادئ وسماؤه صافية ؛ فى الجزيرة العربية , ومع ذلك كان 
الجى منعشا عند مثل هذا الارتفاع وبخاصة فى الأسابيع الأولى من شهر يوني ؛ زد 
على ذلك أن نهارات الصيف هنا تكون عامرة بالهواء أيضا . وذات يوم فى الصباح 
نهدت ابدرحة الحرازة كانتت :ةل فيرحوسة غك شتروق الشسن كنا ستولة درج 
الحرارة فى جيلة 90 هاأَلْ فهرنهيتية ٠‏ وعند منتصف النهار كانت درجة الحرارة هه 
فهرنهيتية فى ظل الخيمة. هذه الأرض المرتفعة تكون قارسة البرودة فى فصل الشتاء ؛ 
هذا يعنى أن البدو الرَّحّل لا يقوون على مقاومة لفحات البرد القارس : الأهم من ذلك 
أن الحيوانات البرية نفسها تهجر الحرة فى ذلك الموسم . زد على ذلك ٠‏ أن الموءاهيب 
يعودون إلى تهامة قى ذلك الوقت من العام . ويحتمون بقاع وادى جرّل اتدال؛ الذى 
يعثرون فيه على الكثير من حطب الطرفاء *) الجاف , الذى يظل مشتعلا طول الليل 
داخل خيامهم المغلقه والمصنوعة من صوف الغنم : فى الوقت الذى لا يضع البدو فيه 
على أجسادهم سوى قميص فضفاض من القطن ٠‏ ومن فوقه عباءة ( بشت ) واسعة , 


(*) يطلق البدو عليه اسم “الطرفة" . ( المترجم ) 


164 


كما أن الغالبية العظمى من هؤلاء البدو تنام بدون لحف أو بطانيات , ومع ذلك فهم 
يقولون : "نحن لا نعانى سوى القليل من اليرد . هذا إن لم نعانى منه على الإطلاق ." 
والبدو أثناء نهار الشتاء يسلون أنفسهم برشف القهوة أو الحليب بعد تسخينه ؛ 
وشمس الظهيرة فى الشتاء تكون دافئة دوما فى هذه الحرة . 

الماء الذى كتب لنا أن نشريه فى ديرة الصخور اليركانية » كان من إحدى البرك 
وكان لونه أسود , وغليظ القوام وكريه الرائحة أيضا . هذه البركة تصل إلى الحثالة 
بعد أن تشرب الإبل منها مرتين أى ثلاث مرات ؛ وسرعان ما يتحول لون هذا الماء إلى 
اللون الأبيض الذى يغلب على لون الكتان ؛ ومع ذلك فإن البدى يملئون قرابهم من ذلك 
الماء ويشكرون الله :- إذ لا يوجد ماء آخر غير هذا الماء . ولكن الأسوأ من هذا ! أن 
البعض منهم ينزلون إلى ذلك الماء ليغتسلوا فيه , إذا لم يجدوا إلى جوارهم واحدا من 
الشيوخ الذين يمنعونهم من ذلك , والأدهى من ذلك أنهم يخلعون ثيابهم ويغسلونها فى 
ذلك الماء: - والبدى دائما , إذا ما توفر لهم الماء . فإنهم يستحمون منه وذلك بحكم 
تعاليم الدين عندهم ؛ وفى المنازل يحمل اليدوى سطلا من الماء ويخرج من الخيمة , 
ليطهر نفسه فى مكان مستور فى الصحراء . ويحتمل أن البدى الرحل يقومون بتنظيف 
اليرك ( التى يتعين عليهم أن يتركوا قيها نصف ماعها ؛ ) من الرواسب التى تسببت 
فيها الأجيال السابقة ؛ صحيح أن البدى لديهم سرعة البديهة : ولكنهم يفتقرون إلى 
فضيلة العمل الجماعى ؛ زد على ذلك ٠‏ أن سلطهةالشيخ . لا يمكن أن تعمل على تقييد 
حرية أفراد القبيلة . قد يوجد بين الحين والآخر ‏ بين البدى ؛ بعض الأرواح ( الأفراد ) 
المحرضة , على التمييز بين حرية الإرادة والمصلحة الخاصة , وبالتالى يقوم البدى 
بتنظيف بعض الآبار التى يكونون قد توقفوا عن تتنظيفها وتطهيرها . 

عندئذ عاد أبى سنون مرة ثانية قادما من الخضر +85أ1ا-ا© وتبوك عاناطه7 وكان 
بصحبته بعض من رجال تبوك . وهم أيضا جمالة من بنى عطية . استراح معنا 
أبى سئون يوما واحدا » وفى الصباح يمموا مسيرهم نازلين فى اتجاه قرية الوجه . 
وهنا '( قال أبو سنون ) يا خليل , إنها لمصادفة غريبة أن تلقانى هنا , وأن ألقاك أنا 
فى هذه الأرض الجرداء الخراب . أنا مغريى . وأنت إنجليزى ! - أه ! أين منى جيال 
مراكش البراد » وأين منى تلك المياه الجارية فى الوديان ‏ وكل ذلك نعمة من الله ؟ - 


د16 


أين حقول القمح فى البلاد ٠‏ وأين البساتين يانعة الثمار » والليمون والبرتقال , والأترج 
والكروم ٠‏ والرمان التى نعصرها لنحولها إلى مشرويات للصيف ؛ وأين ذلك القرع 
العسلى كبير الحجم الذى تمتد عيدانه على الأرض ٠‏ وأين منى ذلك البطيخ المنعش ؟ - 
هذه الأشياء الطيبة ؛ ألست رجلا غبيا » عندما أهجرها , لأجىء هنا لأعيش حياة البدو 
التعيسة الشقية ؛ وسط هذه الصخور الحارقة ويلا أى ظل يحمى من أشعة الشمس ؟” 
- 'ولكنك ,يا محمد , وجدت نعمة الله هنا أيضا ؛ ما الذى يريده الإنسان غير ثروة 
سهلة ؟ - "حسن . تقول الإنسان الذى يستطيع التغيير من مكان إلى مكان , يستطيع 
أن يجد هذه النعمة فى أية ديرة من الديار ؛' ثم أردف أبى سنون قائلا وهى يتنهد : "لن 
تطول حياته” ؛ كان يرى أن وفاته فى هذه الصحراء ليست سوى شكل من أشكال 
التعاسة . تاركا وراءه ولده من بعده ليكون بدويا هو الآخر . سألنى وهو يكاد يبكى 
ويضحك فى آن واحد : "أليس لك . عندما تعود إلى الغرب أن تحمل معك ذلك الطقل 
(ذلك الصبى غير البار) إلى هناك ؟" كانت إيل محمد فى ذلك اليوم تزيد على عشرين 
جملا وجميعها صالحة » وأن عنزاته وغنمه لا يقل عددها عن مائة عنزة ونعجة ؛ وهو 
فى الوقت الراهن لا يرى أى إنسان آخر أثرى أ أغنى منه بين هؤلاء اليدو الرحل 
"الضعاف . 

حدثنى أبى سنون عن سفره من الغرب بصحبة بعض الناس المراكشيين الآخرين: 
أبحروا من هناك قاصدين الحج ؛ بصفتهم من المغارية المغامرين ؛ الذين كانوا يبحثون 
عن الثراء . وفى أعالى البحار فاجاتهم العواصف , وحملت الريح أثناء ثورتها ٠‏ قاريهم 
أياما عدة , ولما كانوا عاجزين عن رؤية الشمس ورؤية النجوم أيضا , فقد دفعتهم 
الماصقة فى اتجاه الشرق ٠‏ إلى أن وصلوا إلى ساحل الأناضول لإاه؛868 , 
واستطاعوا إنقاذ أنفسهم فى مرف أزمير 5801588 . ولما كانوا يعانون من الدوخة 
والدوار على إثر وجودهم على ظهر القارب » وعلى إثر نجاتهم أخيرا من خطر الموت » 
استطاعوا فى النهاية أن يسمعوا أنفسهم .وهم يتحدثون إلى بعض الناس فى أرض 
غريبة ويلغتهم الخاصة , كما استقبلهم ضابط الصحة فى المرفاً استقبالا طييا ؛ كان 
ذلك الضابط طليانى الجنسية ( نظرا لأن غالبية الضباط فى الحجر الصحى فى 
الليفاتت ؛8قلاعا هم من الطليان ) . سألنى محمد ؛ وعلى وجهه ابتسامة نتجت عن 


166 


0 نا أجبته , من باب إعلاء الحقيقة 5-5 اهنا ليا امارد 0 


رحلات محمد فيما بين تبوك والوجه لم تكن خالية من الأخطار . كان محمد يقطع 
هذه الرحلة ثلاث مرات طوال فصل الصيف الحار ؛ بل وريما أريع مرات فى بعض 
السنوات » وكل رحلة من هذه الرحلات ذهابا وإيابا » يصل طولها إلى ما يقرب من 
خمسمائة ميل صحراوى . ولى قدر لغزو من الفزوات أن يقطعوا عليه طريقه وسرقوا منه 
إبله» فإن خسارته ريما وصلت إلى حد لا يستطيع معه تعويضها حتى بعد القيام بكثير 
من تلك الرحلات المؤلة . جرى الهجوم على أبى سنون فى العام الماضى وأخذوا منه 
ناقته التى كان يركبها , ولم يكن قد تجاوز سنوى سهل الحجر ؛ وقع ذلك السطى فى 
المنطقة ما بين وادى تربة 181:58 والقلعة . أثناء العودة من الشمال شاهدوا جماعة 
صغيرة مكونة من ستة زاكبين » ولكن هؤلاء الراكبين لم يلاحظوا أفراد الغزى . 
وهنا استدار أبو سنون وأوصل ذلك الخبر إلى مهنا 18 ؟؛ لقد انتقل السحامه 
583 بالفعل. وبعد ان استمع محمد أبو سنون إلى آخر الأخبار الخاصة بترحالناء 
تمكن من الصعود مباشرة من ذلك المكان إلى منَزْلنا » على بعد حوالى ثلاثين ميلا من 
المكان الذى تركنا فيه . خط سير اليدو الرحل يصعب اقتفاء أثره فى هذه الأراضى 
البركانية ؛ والسبب فى ذلك هو قلة وجود الرمل بين هذه الصخور . مما يجعل عملية 
قص الأثر صعبة بل ومستحيلة . هؤلاء الأعراب يقولون لى إنهم عندما يقيمون مخيما 
من المخيمات , فإن أسرة الأعرابى الذى يكون متغيبا عنها » تقوم برسم خط من حول 
هذه الدار المهجورة . بحيث يوضح هذا الخط موقع المنزل الجديد أو قد يستعملون 
إشارة أخرى.هى عبارة عن غصن أخضر من أغصان السنط ‏ هؤلاء الذين ولدوا فى 
الصحراء تنمى لديهم مهارة عظيمة عن الطرق والمسارات ٠‏ ومع ذلك فإن الغرياء الذين 
يتدربون على الحياة البدوية قد يصبحوا بدوا . ومن الممكن للبدى أن يذهبوا للبحث بثقة 
كاملة » عن منازل مجهولة فى الصحراء الشاسعة , التى يعرفون أماكن الماء فيها . 
ومن ثم لا تكون طاردة بالنسبة لهم . وعندما يجد الأعراب أن المكان الذى عثروا عليه 
لم يكن معروفا » أى إن شئت فقل : مجهولا لهم ٠‏ فهذا يحتم عليهم أن تدور فى أذهانهم 
مشكلة من نوع ماء - 'فى هذا الموسم يتعين علينا البحث عنهم فى المكان كيت وكيت ؛ 


1067 


وسوف نركب إلى هنا الممسقى أو ذاك ؛ وهنا سنرى آثار أقدامهم إن قدر لهم أن 
يكونوا فى هذه الديرة أى المنطقة , - وإذا لم نتمكن من ذلك ٠‏ دعونا نبحث عنهم فى 
مكان آخر . يحتمل أن يكون أولئك الأعراب قد لجأوا إليه .” هؤلاء الأعراب عندما 
يجدون قطعة من الصحراء جرداء ٠‏ وليس فى تريتها أى شىء من النبات » يعرفون أن 
المطر لم يسقط على هذه المنطقة ؛- وبالتالى يستنتجون أن الأعراب الذين يبحثون عنهم 
لم يجِيموا إلى هذا المكان » ويتجهون للبحث عنهم فى مكان آخر : هذا يعنى أنهم 
(البدى) فى المناطق البدوية الواسعة الشاسعة , قد يعثرون فيها على أصدقائهم . والبدو 
الذين يعودون بعد طول غياب , ومن بلاد بعيدة . مثل سوريا » ومكة . والعراق , 
يسألون عن الأعراب الأصدقاء ؛ وهم يذهبون لتصيد الأخبار من قرى الأسواق مثل 
قرية تيمة ( تيماء ) أو قرية العلا . 

قال محمد : “قد أكون بصحبته غدا ؛* ولكنى أجبته قائلا : "لا" , والسبب فى ذلك 
أنى بلغت من الضعف حد! لم اتمكن معه من التضحية بهواء الجبال » وأقوم فى هذه 
الشمس الحارقة يعبور سهول تهامة شديدة الحرارة . بقيت فى خيمتى ,٠‏ وتنقلت على 
ظهر ناقتى , ولم أتلقى أى شىء من العرب الجائلين سوى الماء . وعندما كنت أشرب 
شيئًا من الحليب كنت أحرص على رد قيمة ذلك الذى أخذته ؛ هذا وقد أغدقت على 
أبى سنون العطاء نظير فناجيل الأرز الثلاثة التى أعطانى إياها على امتداد أيام 
الضيافه الثلاثة » فقد أعطيته ريالات كثيرة . كان المتسوقون البلى |اأ8 يذهبون إلى 
الوجه كل بضعة أسابيع قليلة ؛ قد انتظر بعض الوقت , ولكن نظرا لأن كل حبة من 
حبات الهواء كانت تنعش روحى ونفسى ؛ فقد رحت أتأمل من جديد مسالة التجوال 
خلال الجزيرة العربية . بدأ يتبدى لي أن وجود الغريب مع الأعراب أصبح أمرا غير 
مرغوب فيه من جانب الشيخ العجوز الحقود » فقد وجه الشيخ طُلّج وهااه7 اللوم إلى 
المغريى بسيبى , وقال محمد : أنا لا يمكن أن أعصى أوامر الشيخ : بالرغم من أتى 
أود لك أن تسكن وتعيش معى هنا ؛ هم يقولون : إنك واحد من الفرنجة أتيت قبلهم 
وأنهم سوف يحتلون ديرتنا . يجب أن لا يغيب عنك أن طُلجٍ غضبان , ولا يمكن لأحد 
أن يعارضه أو يفعل غير ما يريده هو » ويجب أن لا يغيب عن بالك أن هؤلاء بدى , 
ولا يعرفون شيئًا عن الدنيا مسن حولهم .'” سألت طلج وهااه؟ وتحن فى المجلس , 


168 


حول هذا الأمر . “قال : اذهب مع محمد باكر » وسوف يوصلك إلى قرية الوجه ؛ واعلم 
يا خليل ؛ أنك لن يصبح بوسعك بعد اليوم مرافقة الأعراب :7 أوالى أين آنت ا ذاسب 
يا طُلّحِ ؟* - "أنا ذاهب غدًا إلى الجبيلى » سوف أشترك فى الغزى ( هذه أسباب ملفقة 
ساقها بداقع من أديه اليدوى ) ؛ زد على ذلك ؛ أن الأعراب على وشك الرحيل إلى 
مكان بعيد ؛ فى ديار تعانتى من العطش الشديد ؛ ورحيلك يحميك من تلك المعاناة “٠.‏ - 
يا طْلحٍ وه7011 ٠‏ أنتم أيها البدى . لستم سوى أفراد ظمانين , ولكنى أنا أشرب القليل 
جدًا من الماء وبوسعى تحمل الكثير مع الأعراب ٠‏ سواء أكان ذلك ظمأ أم جوعًا ؛ كل 
ما فى الأمر آنى أمل ألا تطردنى بطريقة غير ودية ٠‏ فى هذا الجو شديد الحرارة » كى 
أموت فى تهامة “أنداا»ننا طلخ .سوف أبقى معك ومع الأعراب . - 'بالله . هذا لن 
يكون دا خليل ؛ إذ من الأقضل لك أن تعود إلى شعبك , ولا تموت : ارحل غدا مع إبى 
سنون ‏ ولكن اشرب الآن قهوتك , ولا تتكلم معنا حول هذا الموضوع بعد ذلك ." 


طوال ذلك اليوم ( ويتا ٠‏ على طلب ملُح ) لم يعطينى رب الأسرة التى كنت أسكن 
معها أى شىء من الماء كى أشريه ؛ من منطلق أن شعورى بالظماً يمكن أن يعجل 
برحيلى عن الأعراب . كان المضيف يتحمل ذلك على مضض ؛ ولكنى فى فترة ما قيل 
الظهيرة . وعلى العكس من كل طقوسهم , التى تتنافى مع المنطق الإنسانى ؛ ذهبت 
وطلبت جرعة ماء » وهذا أمر لا يمكن إنكاره فى الخيام المجاورة . وهنا خطر ببالى أن 
اتفق مع راعى من الرعاة البدى , والذى وجدت أن لديه استعدادا للقيام بذلك » على أن 
يقوم بإرشادى كى أصل إلى عناز 8082 » ويذلك يتسنى لى عندما أنزل من الحرة » 
زيارة كلا من بدا 8603 ومدين 8114038 ؛ اللتان يقال عنهما إنهما يمثلان قرية أثرية 
مخرية فى تهامة , ثم انتقل يعد ذلك من تهامة إلى الوجه . قالت لى زوجته , إنه ذهب 
للسقيا . وسوف يعود خلال فترة وجيزة . دعتنى إلى الجلوس فى الخيمة ؛ ثم صبت لى 
شيئا من الماء واللبن ؛ - سالتنى » بطريقة نفاق النساء . هل تسارع وتذبح لى تيسا ؟ 
استدعت نديماتها وراحت تجعلهن ينظرن إلى النصرانى فى بنتها . وهنا جاء الرجال 
من البيوت ٠‏ وجاءت النساء اليدويات : أمهات وينات » جئن جميعا ليجلسن ويطلقن 
لألسنتهن العنان ويشبعن فضولهن عن طريق الكلام مع الغريب . ويعد بداية الكلام » 
أصبح كل هؤلاء الحريم يقفون إلى جانبى ٠‏ و ل ا 
لأنهم أساءوا فهم دينى ؛ "الذى لم يكن شريرا ٠‏ على حد قول الرجال ؛- كيف نصلى 


169 


نحن ؟ - خليل ؛ هل لك أن تقول لنا شيئًا من صلواتكم ؟ هل تصلى بلغتك ؟ وهى 
ليست لغه عربية .* تلوت عليهن شيئا من صلاة الرب . 'يا الله ؛ صحن قائلات : نحن 
ظالمون ؛ انظروا إنه يصلى بحق » هؤلاء أناس طيبين ,” ثم أضفن بعد ذلك المثل الذى 
يقول : "...'!*) هذا هو ما قالته ربات البيوت . - بنات الطبيعة » ويتواضع : أسوف 
نسأل عثك ». ونعرف إذا كان كما نسمع ؛ أن النصارى لا يختنون » وكيف يستطيع 
الرجل معاشرة زوجته على هذا الوضع ؟ سألتنى ربات البيوت إن كان لدى دواء لواحد 
من أزواجهن الشباب » التى لم تحمل منه زوجته بعد عامين أو ثلاثة أعوام من الزواج 
وامتدحت النديمات:'صبر” تلك الزوجة ٠‏ على زوجها وعدم تركها له » لأن من حقها أن 
تقعل ذلك .* 

كان فايز 5312 ٠‏ زوج هذه المرأة » الذى وصل فى تلك اللحظة » غير راغب فى 
مرافقتى , نظرا لأن الشيخ كان قد منع ذلك منعا باتا . كان فايز هذا واحدًا من الذين 
أعطونى فكرة عن الديار التى لا تحوم من حولها الشكوك . وفى عصر يوم من الأيام . 
كان فايز هذا قد رسم لى على الرمل يمشعابه ‏ شكل الحرة ٠‏ وكان يستعمل الأحجار 
فى تحديد الجبال » وفى تحديد مجارى السيول أيضا , وكذلك الوديان ؛ بما فى ذلك 
وادى الحريرى. لإالاة:3!! ٠‏ ووادى الحمض 748نالا -© . وعندما نظرنا إلى الأعلى كانت 
الشمس توشك على الغروب ٠‏ ونهض الرجال من مجلس هم ؛ وذهب كل منهم لأداء 
الصلاة . وهنا يعجب فايز.» فلم يرانى عندما أوشكت على أن أجثى على على ركبتى وأقول : 
"أين ربك ؟ هذا هو الوقت الذنى تطلب وتلتمس فيه العفو من الله !* مات فايز فى نهاية 
صيف ذلك العام فى سهل الحجر قبل وادى ترية 58:نط615-7 » فى الغزى الذى قام يه * 
البشر 66وا8 , والذى أسفر فى ذلك اليوم الأغبر عن سرقة واغتصاب كل الماشية 
العظيمة التى لدى هؤلاء القبليين . ولما كان فايز من معدن أصيل وعنيد أيضا فقد 
اندفع بين مائة من الرجال المسلحين الأعداء ؛ لم يرض عن تسليم كل ما لديه فى هذه 
الدنيا ؛ فضلا عن ثقته أيضا بالإبل المملوكة للشيخ طلّح :- وهنا وضعت طلقة طائشة , 
انطلقت من يد آثمة . نهاية لمقاومة ذلك الرجل العنيد . 


(») رأينا حذف المثل لأنه يمس بالدين الإسلامى . ( الناشر ) 


100 


ملحق الفصل الرابع عشر 


كلمة تاموون > فل الفاوسن:وثى إن شك قل قن القابتوسن لظ كح 
كلمة “ناقوس' أي "ناجوس' بمعنى "الجرس” والنواميس تكون هى الأخرى على شكل 
أجراس : ونجد أيضا مادة “ناموس' بمعنى 'عرين' أو "مريض" - , ويبخاصة كفن 
الصياد ؛ وحيث توجد النواميس توجد بعض الزنازين المصنوعة من الحجر ولها أبواب 
ويحكى لنا البدو عنها على إنها فخاخ لصيد الفهود والضياع . والنواميس السيناوية 
شبيهة بالرجوم الموجودة فى حرة العويرض ٠‏ وفى خيبر » وسوف نوضح أن تلك عبارة 
عن مجرد جحور ليس إلا .- ومن رأى السير هترى رولنسون أن كلمة 'ناموس” 
السيناوية قد تعنى أيضا "مقاير" ؛ وهو يقول : إن حرف الميم وكذلك حرف ال لا 
يتداخلان , وأن الشكل الصحيح لهذه الكلمة هى “نافوس” وهذه الكلمه كانت معروفة فى 
كل الأماكن التى تواجد فيها العرب . وكلمة 'ناقوس" قارسية الأصل , ولكنها دخلت 
العربية وأصبحت تطلق على الجبانة القديمة وهذه الكلمة تداخلت مع الكلمة الإغريقية 
5 كما كانت هناك مئات النواقيس حول بلاد الرافدين؛ وورد ذكرها عند المؤلفين 
القدماء . 


171 


الفصل الخنامس عشر 


حياة البدو الرحل فى الحرّة 


طلّوج يأمر والنصرانى يقاوم . طاسة مهيبة من اللبن . يخشون من تصليح 
النصرانى للشاى . زيارة طلوج أثناء الليل . بلاد الشفا . صورة لسطح الأرض . حرة 
العويرض . الآثار الكوكبية قى الحرة. فورة بركانية عظيمة . بركان فيزوفس. هل الحمم 
البركانية :ا هى ما يقول له العرب لإبا' 263 ؟ الطلب من البدى فن . الشيوخ 
ليست لديهم معرفة كبيرة بالأرض . قبيلة جهينة القديمة . ارتفاع الحرة . طُلّوجٍ يزور 
الغريب فى خيمته . طُلُوجٍ يصاب بالمرض . جمل الشيخ . أغنام البدى الرّحل . الذئب 
أثناء الليل . كلاب الحراسة عند البدى الرّحل . حياة راعى الغنم . ريا الراعى . راشيل 
هى روخال عند الأعراب . م يان فى الأرض . زوجات الصوف . ماعز اليد الرحل 
تهتاج . البدى الرحل يربون صغار الغزال . موسم الحليب . الموعاهيب ينزلون إلى 
صحارى السهول . الفايش . مشاهدة قطيع . النزول إلى وادى غريب . كومة قبر والدة 
أبى زيد . تسليات الأطفال . محسن الكريم يسطى عليه الفرازى أثناء القيام برحلته من 
الشمال . أبى سليم مسلّك العيون المغربى . 

سمعت قبل اكتمال طلوع الشمس . صوت طلَّحِ و7010 العالى الأجش - حيث 
كان قد ذهب بنفسه إلى بيت المغريى - يطلب من محمد : "اصرف هذا الفرنجى عنتا 
اليوم وخذه معك !' كما أكد أيضا على من سيرافق المغربى أن لا يتركنى ويسهو عن 
أخذى معهم . كانت آخر كلمة سمعت ذلك الشيخ يقولها : "والله » بعد أن أرحل » 
سأعود لاحتلال الديار والبلاد .” - ذكّرت محمد بوعوده القديمة , التى شدتنى إلى 
هنا : ورد الرجل على , بأنه مرتبط بالشيخ ؛ ومع ذلك » أبلغنى إننى إذا ما بقيت فلن 


173 


يكون هناك من يجبرنى على ما لا أريده . يضاف إلى ذلك أن الأعراب هم أيضا كانوا 
رحيل !أة؟ . بمعنى أنهم على وشك الانتقال إلى مكان آخر ؛ كان محمد قد سيقنا فى 
ركوب دابته ومضى فى المسير قدما : وعندما وجد أن رجاله يضيقون الخناق على » 
وجدت أن من الحكمة مقاومتهم ؛ وإلا إذا ما سمعت القبائل الأخرى بأخبار طردى من 
هذه القبيلة » ألن تحاول عمل الشىء نفسه , عندما أدخل منازلهم وديارهم ؟ يضاف 
إلى ذلك ؛ أننى ازداد تصميمى على الذهاب إلى خيبر . أركبونى على دابتى » 
واستائف البدو مسيرهم . وراح أولئك الذين كانوا سيصاحبون محمد فى رحلته , 
راحوا يستحتون ناقتى العجوز .- وأقسموا بحياتى أن أسير معهم على هذه الشاكة ! 
وراحت الداية المسكينة تخبخب تحت وطأة ضرباتهم من ناحية » وتحكمى فيها باللجام 
من الناحية الأخرى , الأمر الذى أدى إلى تعثر الناقة من تحتى مرات عدة . "اترش » 
أى امض قدما! قد لا أبقى هنا » صاح أولئك القساة الفلاظ؛ والله » إذا ما بقيت هنا » 
فإن الأعراب قد يجردونى من كل شىء ويقتلونى .” - “أيها الأصدقاء , ليس هناك من 
يقوى أو يستطيع إيذائى , إذا لم يكن الأمر يتعلق بالخوف من الدولة ( الإمبراطورية 
العثمانية . )' ولكنهم ردوا على كلامى باحتقار شديد - "ملعون أم الدولة !' وعندما 
قلت لهم : فى رحلة الحج القادمة . ألن يسألهم عنى محمد سعيد ( ياشا الحج ) 5 
ردوا على وهم يصيحون قائلين : "ملعونة أم زوجة محمد سعيد ! يا خليل » هيا وحياة 
الله . سوف ترحل عن هنا !" - “قلت : بينى , مناديا إياه باسمه , ألسنا معارف منذ 
مدة ؛ توقف يا ولد !” - "يا خليل اعلم أن طلَّحِ جبار ؛ وهى يحكمنا حنسب هواه , وأنا 
أخشى أن يأخذ منى ناقتى. 'تأكد » أنه إذا ما أخذ ناقتك بسببى, فسوف أعيدها لك , 
لأنى رجل مخلص وأمين .* وضع واحد منهم يده على حكمة الناقة . وكشر عن أنيايه 
واتجه ناحيتى موجها عكازه نحوى : هذا يعنى أن هؤلاء كانوا من الخدم وليس من 
بينهم أحد من الشيوخ . “صاح بينى الإلإ8606 قائلا: ممنوع العنف ؟” لم ينس الأعراب 
فى ذلك الوقت أن الغريب كان ضيفا من ضيوف الله ! وعندما أيقنوا أن التهديدات 
أى التوسلات لن تجدى معى » وأن جماعة السوق قد سبقتهم بحوالى ميل تقريبا » 
تخلوا عن النصرانى وتركوه . وراحوا يجرون ويسرعون الخطى كيما يلحقوا 
يجماعة السوق . 


174 


اختفى عن بصرى هؤلاء البدو أثناء رحيلهم فى تلك الأرض الشاسعة الوعرة ؛ 
وهذه هى ناقتى راحت تحاول الاتفلات للحاق بأولئك الذين كان يبدو أنهم متجهون إلى 
قرية الوجه . بُركت ناقتى ٠‏ إلى أن اختفى أولئك المسافرون وراء الأفق : لم استطع 
التحكم فى الناقة عن طريق اللجام . وبالرغم من أنى لم أصيح فيها كثيرا ؛ إلا أنها 
لم تتعبنى فى امتطاء صهوتها , أو إن شئت فقل : الركوب فوقها ؛ قفزت على ظهر 
الناقة . وسقطت منى بعض أشيائى » ولكنى لم أعبأ باسترداد تلك الأشياء ؛ نهضت 
الناقة واقفة وأنا من فوق ظهرها , وبدأت تعدو . فى حين رحت أنا أوجه رأسها صوب 
البدو الراحلين .- كان ذلك كرب ويلاء عظيم لى ٠‏ أن أكون حائرا أو مشوش الذهن بين 
هذه الصخور البركانية الضخمة والمريعة » التى كانت تشبه أرضية الفرن فى أشعة 
الشمس الحارقة , والأدهى من ذلك » أنى كنت بلا ماء ! مضيت راكبا ناقتى وفؤادى 
مكلوم . مخافة أن لا ألحق بهؤلاء الناس مرة ثانية ؛ زد على ذلك ؛ أن بصيرى لم يكن 
على ما يرام . لم يعض وقت طويل , فقد شاءت السماء لى أن ؛ تقع عيناى على أثر 
هؤلاء الناس أثناء تجوالهم , الذى كان قد حجبته عنى القيعان الوعرة برهة قصيرة 
من الوقت . 

ركبت دابتى وحدى منفصلا عنهم » ولم أكن واثقا من أن أحدًا منهم ان يشتمنى 
أى يسبنى . لم يكن هناك سرج فوق ناقتى ؛ وكان متاعى الذى ربطته يحبل يتدلى على 
جانبى الناقة . وتوقف رجل طيب . تصادف أن مر بى ٠‏ ونزل من فوق ناقته ليقدم لى 
يد العون والمساعدة . وبعد فترة قصيرة أدركت واحدا من رفاق محمد ؛ واحدًا من 
أولئك الذين صادقتهم عن طريق الدواء » ونظرا لأنى كنت أشعر بالظمأ الشديد صياح 
هذا اليوم » فقد ناديته باسمه قائلا : يا عايد 890 ! هل لك أن تصب لى شيئا من الماء 
لأشرب ؟ ويبعد شىء من التأخير , والامتعاض » أحضر لى شيئًا من اللبن فى فنجال . 
لاحظت سلوكه الغريب ؛ كما لاحظت أيضا شخصا آخرا من أولئك القريبين منى » 
يقول : “تموت” , وهنا ظننت أن الأمر ليس على ما يرام . إذ قام عايد , بإعطائى 
الفنجال دون أن يشرب منه قبلى : قال آخر : "ليس فيه أى أذى .” - 'لقد شريت » 
رددت عليه دون أن أشرب من الفنجال شيئا » وأكرمك الله .* عاد عايد مرة ثانية إلى 
الجمل الذى يحمل روجته . وتظاهر بأنه يعيد اللبن إلى القربة ؛ ولكنه تسلل جانبا بعد 


175 


ذلك » واستدعى الكلاب التى كانت ترافق القّفل . وصب لها شيئا من اللبن فى تجويف 
صخرة من تلك الصخور البركانية : وعندما أدرك إنى كنت أراقيه . عاد إلى وهو يبدو 
عليه عجزه عما يمكن أن يفعله بعد ذلك . "قلت له : أليس الله فوقنا ؟ ما الذى فى اللين 
يا أيها الرجل ؟"- "ليس فى اللبن أى شىء يا أخى ( الراعى السقيم ) سوف يشريه ." 
ثم اتجه يعد ذلك بالفنجال نحو الراعى : بعد أن شرب المريض اللبن كله . أمسكت عايد 
من يده ٠‏ وسلمت بأن لبنه كان ممتازا . وحدقنى الرجل بنظرة جانبية . القتل غير 
المباشر باستخدام السم فكره تدور فى أعماق أهل الجزيرة العربية » من هنا فهم 
يتذوقون الشىء قيل أن يأكل منه أى يشرب منه الآخرون ؛ ومع ذلك ٠‏ فأنا أؤمن أن هذه 
الجريمة لا يجرى ارتكايها فى الصحراء . واصلنا مسيرنا وسط الحر الشديد طوال 
فترة الظهيرة ؛ فى الوقت الذى خيم العرب فيه طليا للراحة : وعندما نزلت وحدى . عن 
ناقتى لنيل قسط من الراحة ٠‏ نادانى أولئك الذين كانوا ضمن الجماعة قائلين : لماذا 
لم أنصب خيمتى بين خيامهم ؟" هؤلاء البدى يخيمون , حسب القرابة » والرفقة , 
وبمعدل خمسة أو ست جماعات فى كل مِنْزّل : ومع ذلك فهم يفضلون نصب الخيام 
على شكل خط طويل ؛ على نفس طريقة بدى البلى ؛ ولكن السحامة يخيمون على شكل 
شارع من الخيام . 

جلست ؛ فى المساء . بعد أن نقيت قليلا من الماء باستخدام الفحم النباتى » . 
أصلّح شيئا من الشاى ؛ فى حين راح القبليون ؛ الذين كانوا يتحوطون حول الوجار , 
ينظرون إلى بحقد ينطوى على شىء من الشك . وعندما رفعت الغطاء , وطلع البخار 
وهى يحمل رائحة مثل رائحة الورد ٠‏ تراجع البدى إلى الخلف » وصاح واحد منهم : 
"إنه مؤذ ١‏ ارفعه وأبعده عن هنا ! أبعده عنا ." - “قلت لهم , ليس هناك شىء أصح 
ولا أحسن منه ٠‏ هذه نكهة طيبة » وهى من نكهة أشجار الجنة .* صاح آخر : "إخص », 
ينبغى أن يبعد ذلك عنا ! لأن رأسى بدأ يدور " . سوف أذهب الآن لمهادنة طُلّج : 
قال لى أحدهم : “بيته قريب من هنا .' وهمس له شخص آخر قائلا : "قل إنه بعيد عن 
هنا ؛” ورد عليه : “لا » إنه بعيد جدًا عن هنا .” - 'وكيف يكون البيت ٠‏ أيها الرفيق 
قريبا وبعيدا فى آن واحد ؟ عايد : "نحن نعرف , يا خليل , أنك تعرف الأشياء كلها . 
[وأنك بواسطة كتابك تستطيع أن ترى ما لم يرى ٠‏ ]” ولكن لا تذهب إلى بيت طُلّجِ 


16 


فالحباليص يتجولون فوق الحرة .” - "إذن » فليقرضنى أحدكم سلاحا ؛ وأنا سوف 
أستعير سيفك لفترة وجيزة . - *لا » يمكن لك أن تفعل ذلك عن طريق دفع الأجر” .- 
"وأنا على أقل تقدير يمكننى أخذ عكاز هذا الصديق .“ كان ذلك الصديق ؛ هو الراعى 
المريض ؛ الذى كان يعيش على صدقاتى اليومية من الدواء الذى كنت أعطيه إياه , 
ولكن هذا الرجل الناكر للجميل حرمنى وأنكر على ذلك وهنا ألقيت العكاز على 
الأحجار . وهنا غمغمت الجماعة التى استاءت من ذلك التصرف ء وهنا قال أخوه عايد 
صاحب العين الحاسدة الشريرة : "نحن البدو ؛ ولستا من أهل الحضر !" 

كانت خيام الشيخ لل 9 بحكم ضيق هذه الدار » منصويبة فى أرض 
خالية أخرى تبعد عن هنا قرابة ميل . مضيت سائرا فى طريقى ٠‏ عبن هذه الأرض 
البركانية . ماشيا فى الظلام فوق الصخور والأحجار الغليظة السائبة والمفككة , إلى 
أن بدأت تطالعنى قيران حراسة الشيخ طلّج . يا الله ! ( قالها طلج ؛ بينما أدخل أنا 
عليهم قادما من وسط الظلام ؛ ثم جلست بينهم بعد ذلك ) ٠‏ أجئت على هذا النحى فى 
هذه الظلمة ؟ لا يا خليل ؛ ودون أن يكون فى يدك سلاح !” استقبلنى هذا الشيخ 
العجوز استقبالا. حانيا . قلت له : "لا يمكن أن أنام إلا بعد أن ألقاك . وسبب تأخير 
قدومى إلى الآن » مرده إلى تعبى والإرهاق الذى أصابتى بسبب حرارة النهار ٠‏ وأنت 
بانطلم ٠‏ أن تمنعنى من تنفس الهواء ء العام ؛ وهذا هى الذى دقعنى إلى المجىء إلى 
الجبل الذى نصبت عليه خيامك . طُلّجَ : “ولكننا ٠‏ نحن البدى , مساكين » نحيا حياتنا 
فى ظروف بالغة القسوة . نحن نخشى أن يحدث لك مكروه ٠‏ ويالتالى يوجه اللوم إلى 
الموءاهيب ؛ قد يخاطر رفيق طائش باغتيالك ٠‏ باعتبارك نصراتى ٠‏ وبالتالى يجر علينا 
مسألة دمك !- ألا تخاف الذئاب يا خليل: ألا تخاف قطاع الطرق ! بالله عليك يا خليل, 
ألن تخبرنا ذلك الذى جئت به فى ذهنك ٠‏ لتفعله هنا ؟ هل لديك مهارة اكتشاف الأشياء 
الخبيئة » ورؤية الغيب ؟ - ليس لدى أى شىء من هذا القبيل فى واقع الأمر : هذا 
يعنى أنكم لديكم بعض الظنون الآثمة فى كتبى ٠‏ التى لا تعدو أن تكون مجرد نظم 
لآراء الناس بعضها إلى بعض . لديك قصائد تتغنى بأمجادكم الممتازة ؛ ونحن لدينا 
أيضا مثل هذه القصائد , وكلمات تلك القصائد التى لا يتبغى لها أن تموت معنا , 
مدونة فى كتب من الورق ؛ ولكن الأعراب غير متعلمين .* - قال طلج ردًا على كلامى : 


177 


"نعم , والله » غير متعلمين ؛ - “يضاف إلى ذلك » إذا مرض أحد منهم فأنا هنا 
لخدمته . ولن أرقفض أى واحد ؛ وهم أيضا قد يعطونى قليلا من اللبن . باعتبارى 
ضيف من ضيوف الله أقيم بينهم . تقولون : ما الذى جاء بى إلى هنا ؟ وما الذى 
دفعتى إلى السؤال عن الخرائب والآثار ؟ وأنا أرد عليكم قائلا : إنى أبحث هنا عن 
نقوقن قديمة »فى قر[ الخجر كنا منيع أن رايم باستكد ا وهذا :9 يتطون علن أي 
مكسب مادى », وإنما هو لإمتاع بعض المتعلمين ؛ المسلمين والنصارى ٠‏ الذين يدرسون 
اللغة القديمة . مثل لفتكم التى دونت بها تلك النقوش . طُلّح : "ولكن ماذا عن تلك 
الأحجار التى عليها كتابات ونقلتها من قريه العلا؟ - "أنت يعد أن زرت تلك الأحجار , 
سمعنا أى بلغنا فى صباح اليوم التالى أنها اختفت من مكانها . - "لا تصدقوا ذلك 
الإفتراء والحماقة » نظرا لأنى بوسعى شراء أى حجر مكتوب ؛ من صاحبه ؛ ويجب أن 
لا يغيب عن بالكم أن إسطنبول فيها قصر كبير لهذا الغرض ؛ والذى تتجمع فيه 
الأشياء الغريبة والنادرة التى من هذا القبيل . وتجىء إليه من سائر أنحاء الدنيا كلها . 
لقد شملنى الباشا بعطقه .- والسبب فى ذلك , أن الباشا يعرف أهل ااه السواح 
وين - أضف إلى ذلك أنى من الإتجليز . حلفاء السلطان » ومن ثم فهم من 
أصدقائكم. ما الذى فعله أيى سنون فى رحلته الأخيرة إلى قريه الوجه ؟' - "ومع ذلك » 
فأنا أرى أنهم ليسوا مع الإسلام قلبا وقالبا : ألم يظهروا لنا شيئا من التحول الشرير 
فى السنوات الأخيرة ؟ هل أنتم تتزوجون من بنات الإسلام ؟"' - "نحن بعيدين جدًا : 
نحن نجىء إلى إسطمبول ميحرين فى سفننا » ويوسعك أن ترى سفننا , معظم الأيام » 
أمام الساحل الذى يقع خلف ؛ أو فيما وراء هذه الصخور البركانية .* - قال الرجل 
العجوز فى النهاية 'ألن آكل منك ليرتين ؛ على أقل تقدير يا خليل ." - 'أنتم أيها 
الأعراب لستم كرماء » عندما ترون الغريب » يمر مهموما ومكرويا فى دياركم ٠‏ بل أتكم 
كن النسس اها مع وتدردونه من كلنكبيء .”ا واكتنا سوف تفركدك ان الأمساكن 
الأثرية وعلى الخرائب أيضا . وأنت يا خليل . ستكون حرًا فى تجوالك فى أى مكان 
تراه أو تود الذهاب إليه .* "لن أرى أى شىء من هذه الأشياء ؛ لأنى ليس لدى سوى 
مبلغ ضئيل من الريالات ؛ كل ما أوده هى أن أتنفس هواء الجبل هذا فترة من الوقت » 
يالك من طُلّحِ !- أم أنك سوف تطردنى من هذه الديرة أيضا ؟ - "انصرف الآن مع 


178 


هذا الشاب » الذى سيرافقك إلى المنزل » وسوف تكون ناقتك فى صباح الغد . على 
طريق الحج؛ انهض » فهم يقولون إن ناقتك ضلت طريقها .* - "ولكن , ماذا عن باكر ؟ 
هل ستطردنى من هذا المكان ؟" - “عد الآن » وسوف تكون مع جماعتك ‏ - 'وحياة 
هذه اللحية ,يا طُلّجِ ؛ هذا شىء لم يكن مفروضا أن نتحدث أو نتكلم عنه أمام البدو 
المحترمين الأشراف .' - 'أنت معنا , وكل ما فى الأمر أنك يجب ألا تخرج وحدك 
أى بدون سلاح أثناء الليل ؛' - ثم أرسل معى واحدًا يحمل رمحا ليعيدنى ثانية إلى 
المزل الذى كنت فيه من قبل . 


وفى مضرب آخر ؛ ينحدر قليلا على جانب الحرًة » وجدنا أن حرارة الحمو كانت 
أكبر بكثير فى هذه المنطقة عنها فى أى مكان آخر. ونظرنا من ذلك المنزلء تحو الأسفل 
من خلال الحرارة الخانقة إلى جبل جاو داةل ؛ ومن فوقه إلى ساحل يمتد على شكل 
شرفة بارزة وفيه صخور بازلتية سوداء . وتحيط يه مجموعة من تلال فوهات البراكين 
يطلق الناس عليها هنا اسم حرة الخضيرى 5600 اناا»! . فى اتجاه البحر » كانت 
تمتد من أمامنا الجبال المحيطة بديرة تهامة » وهى مثل الجبال التى تراها بصورة غير 
واضحة من حرف جبل إيدوم ؛ أو تلك الجبال التى نراها عندما ننظر إلى الأسفل من 
الحجاز فوق مكة حيث نجد مجموعة من الجبال المنخفضه غارقه فى تهامة من ناحية 
مدينة جدة . ويلاد الشفا 68 هى كل ما نراه الآن من تحتنا » على شكل سياج من 
الجبال ؛ والبدى يقولون إن هذه الجبال تبعد مسير يوم واحد عن هذا المكان ؛ ويعدها 
يستقيم حال التنقل والترخال . والبدى هناك يطلقون على البحر الأحمر اسم “البحر 
المالح' أو قد يقولون له "البحر' - ' رد على ريْدَ ذات مرة » عندما سالته عن اسم البحر 
فقال : "بحر 8806 الظّلام” 015-7061180 بمعنى "بحر الظلمة أو الدكنة ( الغرب ) .* 
- وينفس هذه الطريقة نجد أن الفريد 08160*), مليكنا الساكس ونى . يقول فى 
كتابه الجغرافى : "أيرلندة تكون باهتة وغير واضحة . فى الناحية التى تستقر 


() ألفرد 811/60 : عرف بالفرد الكبير 61881 156 81180 تولى الحكم فى غرب سكسونيا قى عام 1١‏ 
وكان قى صراع داثم مم الدانماركيين . وتمكن من السيطرة على إنجلترا كلها وحكمها حتى عام 4145 . 
واشتهر عنه كونه عا ما ومشرعا فهو الذى أدخل نظام المحلفين وأسس جامعة أكسفورد . (المراجع) 


179 


الشمس فيها . أى تغرب .“ كل'هذه الأزض المنخفضة الوعرة تقف عليها علامتان 
أرضيتان جيليتان وضخمتان أيضا (انظر الصورة رقم 9ه أيضا)؛ وهاتان العلامتان . 
الأرضيتان يطلق البدى عليهما اسم الجولة.والثاهل والوتيد 114انا/ا(بمعنى وتد الخيمة) . 
بين هاتين العلامتين لا يوجد سوى ممر ؛ وهما ترتقفعان على شكل ساحل جرانيتى 
متدرج ؛ يمتد من الشمال للجنوب ؛ يمكن قطعه سيرا على الأقدام خلال نصف يوم ؛ 
وأنا لا أذكر جيدا اسم ذلك الممر . هل فى الحداد 80390!!-!ءأم إنزان 52280 أم نجابة 
8 . والمسافة بين الحداد والعويرض تزيد على مسير يوم أو ما يزيد على ذلك . 
وكل ما هى موجود داخل الحداد يطلقون عليه اسم ألشفا 55-5566 , وكل ما هى ‏ 
خارج الحداد يطلقون عليه اسم التهامة 60-5858508 , بل إن العويرض ؛» فى أسلويهم 
المهيب , لها مفهومان فى الشفا . وكل ما عدا ذلك » فى رأى الموءاهيب هو "التهامة" ؛ 
( نظرا لأن البدى يندر أن يتفقوا فى وضع حدود للصحراء المفتوحة ) وهذه المنطقة 
تمتد من حافه الحرة حتى اليحر . 
والفراع :01-58 يقع فى منطقة تهامة الشفا , والقراع هذا عبارة عن قاع سهل 
من السهول » تنمى فيه عيدان الخيزران . ومياه السيول تصل إلى ذلك القاع قادمة من 
كل من جولة والوتيد من ناحية ؛ والسيول القادمة من الوديان وكثير من الفلوج فى 
العويرض من الناحية الأخرى . هذه هى الرءوس الموجودة على هذا الجانب من الحرة » 
أى إن شئت فقل : المجارى المائية الحجازية الكبرى فى وادى الحمض 48 نالا-اه . هذا 
القاع العلوى ؛ الذى ينخفض عن القراع يطلق الناس عليه فنا اسم وادى نجل ازهلة » 
الذى يستقبل مياه السيل القادم من جاو ال؛ ومن بعده وادى نجيد 9/6[14 . ووادى 
نجد ينحدر من جبل من الحجر الرملى وله رأسين ٠‏ ويطلقون عليه اسم شرافات النجيد 
4 . وهذا النجيد ليس هو نجد , ذلك الاسم الذى يطلقونه على ذلك الجزء الضخم 
المرتفع من البلاد ؛ الذى يعد أفضل الأقسام التى أطلق عليه الجغرافيون القدماء اسم 
القسم “الرعوى أو البدوى من الجزيرة العربية .' وهناك تباينات كثيرة بين هاتين 
الكلمتين عندما تجريان على ألسنة البدى ؛ واليدو يتعجيون ويضحكون عندما 
لا يستطيع لسان أجنيى محاكاتهم محاكاة تامة . ووادى-تجيد هذا يقع على طريق 


1530 


القوافل ٠‏ بين قريتى العلا والوجه : والمسافة بين هذا الوادى والمناطق الداخلية تقدر 
بيومين , ولكنهم يقطعون الوادى وحده فى يوم واحد . والقراع أيضا ليس هو الفراع 
3ع" » ذلك الاسم الذى يطلق على واحة من واحات قبيلة حرب فى الجبال الواقعة بين 
الحرمين , هناك وادى آخر ينزل من ناحية الغرب فى الشرافات ‏ متجها صوب البحر , 
ويطلقون عليه أيضا اسم وادى نجيد ؛ وهذا الوادى يتجاوز البداع 8408 ويصعد إلى 
قرية الوجه . والبدا ع هذه عبارة عن موقع أثرى ينمو فيه شجر الوم أو تخيل الجوز 
البرى ذى الأغصان . وفى الفراع توجد هجرة ٠‏ أو إن شئت فقل : مجموعة دائمة من 
خيام البِلّى ؛ الذين يقومون على أمر قلة قليلة من النخيل . والمكان يبعد عن قرية البحر 
مسير يوم واحد . حسبما يقول محمد المغريى . ويعد وادى النجيد ٠‏ نجد أن ذلك 
الوادى تنساب إليه السيول التى تأتى منحدرة من الفراع ( الذى يطلقون عليه حاليا 
اسم وادى جزل ا#دال) , ومن الوديان العميقة على جانب الحرة , والتى يطلقون عليها 
أسماء: العروش «اولاكداف: والدوخان 006035 ؛ وظاع 7188 . وجيله 113ة6 وهى الوديان 
التى توجد فيها الجرية!*) 96:98؛ أو إن شئت فقل : هجرة (**) من خيام الزراع 
الموءاهيب . هذا الوادى يستقيل من ناحية أخرى , مياه السيل القادمة من وديان 
الحريرى لا#الا136! : التى من بينها بعض الوديانء: مثل وادى جيدة 3148ل ٠‏ وهى عبارة 
عن وديان نخيل . يرعاها بدى البلى ويقومون على أمرها . 

جبل العويرض البركاتى المتبسط » له ثلاثة أعضاء تقع فى الشمال والجنوب » 
وتمتد إلى مسافة مائة ميل تقريبا . والناس يعرفون أن الرحلة فى أى مكان من أماكن 
هذا الجبل تستغرق زمن الصيف بكامله : هذا بالرغم من أن المسافة فيما بين وادى 
تربة 18168 ووادى عروش لا تستغرق سوى نصف يوم فقط . ومعروف أيضا أن 
الأسماء الأرضية تتكرر فى معظم الأحيان فى الجزيرة العربية ؛ وهذا جزء من جبل 
أجأ زه (فى جبال الشمر . ) يطلق الناس عليه اسم العويرض كما أن هناك جزءا 


(») الجريّة : بكسر الجيم وفتح الراء وتشديد الياء ‏ تعنى القَريّة أى تصغير قرية , والبدى يقلبون القاف جيم 
فى كلامهم . ( المترجم ) . 3 
(+ه) الهجرة : مجموعة صغيرة من خيام البدو ويقال لها أيضنا 'فْريّة . ( المترجم ) 


151 


آخرا فى شرقى نجد يعرف ياسم العروض 8/0198-!© . وكل هذه الأماكن تشترك فى 
مغزى واحد هو "الاتساع" . والجزء العلوى من العويرض ٠‏ أى الجزء الذى يلى تبوك 
مباشرة , يسميه ( البدى الرحل الذين يقيمون فى المنطقة ) » باسم 'حرة السدنين” 
5-1 , الذين هم جماعة معروفه لبثى عطية ؛ ونساء هذه الجماعة يضفرن 
خصلة الشعر الأمامية على شكل قرن يتدلى فوق الجبهة » وتزينه يبعض حبات الخرز : 
ويتردد هنا أن هذه "الجماعة كانت واحدة من الجماعات التى تمت إلى البلّى بصلة 
قراية » وأن هذه الجماعه كانت من جبل سيد 588 فى تهامة . كما أن جبل سيد هذا 
لا يبعد كثيرا عن قرية الوجه .“ - والناس هنا ينسبون بدايات أية سلالة نسبية , 
أو قبلية أى أمة إلى جبل من الجبال ؛ بالرغم من أن مثل هذا الجبل قد يكون بعيدا جدًا 
عنهم؛ - وعليه فإن القحطان:ء الذين يعدون من أنقى الدماء فى جنوب الجزيرة العربية , 
يقال إنهم جاءوا من جبل من جبال عسير والقبيلة التى تقوم بغزى ديرة قبيلة أخرى » 
تقوم بالاستيلاء على جبل من الجبال ؛ من هنا فإن اسم معقلهم الجبلى القديم , 
لا يغقل موروثهم عن ذكره ؛ بالرغم من أنهم قد يكونوا أبعدوا عنه منذ زمن طويل . - 
وأرض حرة السدنيين الجبلية المنيسطة عبارة عن 'سهل ؛ ووديان » وفيها أيضا بعض 
التلال البركانية ." 

الحرة الثالثة . وهى توجد فى الوسط ؛ يسميها البدى , الخذيرة 62طانا5)! -ا» , 
وهى أيضا فرع من بنى عطية . ووادى الرموذة 80530153 الذى ينزل قادما من القسم 
الشمالى الغربى ٠‏ فيما بين تلال الشيبان ”فطلا50 والوترءآ/لا » يتجه صوب الشمال 
الشرقى اذ سيا فى الذاكل فى الجا ليرا ٠‏ حيث يقطع طريق الحج فى هذه 
المنطقة ويذلك يعتير حدًا من حدود ديار الموءاهيب . ومشكلا بذلك أيعد أجزاء الحدود 
العنزية من ناحية الجنوب . ولعلنا نذكر , وادى الخدار ؛ ذلك الوادى الرئيسى الذى 
ينزل هابطا من شرقى الجبل , ثم يعبر طريق الحج من ناحية القلعة ؛ ومعروف أن طول 
المسافة من هذا الوادى » والتى تمتد خلال رمال الصحراء ؛ تقدر بحوالى أربع رحلاث. 
والسبوت 4نا8:5 , الذين هم أيضًا فرع من بنى عطية , يتجولون فى القسم الغربى فى 
الحرّات الشمالية ؛ هؤلاء السبوت » نكتشف عندهم استعمالا قديما » ورد ذكره عند 


12 


والين «اناد/لا (*), الذى عندما كانوا يعبرون هذه الأجزاء ذات يوم » قادمين إليها من 
المويليح ا لالاوراةا متجهين إلى حائل اللاقا] بماشيتهم » ليعيدوها على صوت جرس عند 
المساء . قد يبدى مثل هذا العمل أمرا شادًا فى الجزيرة العربية » ولكن الشىء نفسه 
نجده أيضا عند فروع أخرى من المعازى 103329 والحويطات . والجاو ئاةل يبقسمون 
الخذيرى 1614889 من ناحية حرة الموءاهيب الثالثة والأخيرة . والبدى يطلقون كلمة 
الجاو داةل (وجمعها جيان 358آل) على الأرض التى توجد فيها مياه منخفضة ٠‏ ومعها 
أيضا أبار فى الصحراء ؛ ويناء على ذلك ٠‏ يجوز لنا القول بصورة عامة إن مصطلح 
الجيان إنما يطلق على أبار الأرض المنخفضة ؛ عند قبيلة من القبائل , كما هى الحال 
فى جيان 5دأل البشر 81590 . أما الجاى العظيم فهى عبارة عن سهل أجوف ء يقع فيما 
: بين الصخور الرمليه عند الصخور السفلى من الحرة ٠‏ والتى تبرز أيضا على شكل رف 
من ناحية الشرق ٠‏ ومصب ذلك الجا تقفله » إلى حد ما . بعض كتل الصخور الرملية 
وطريق فرق الغزى » يمتد خلال هذا السهل “وباك يستطي أرلل الدزانتتعاشيي اللرود 
الصعب خلال الحرةٌ للإبل التى لا تكون متجهة إلى مَْرْلها كما يقللون أيضا من 
تعرفهم وكشف مستورهم . والطريق فى هذه المنطقة يقع بين الوجه وقرية تبوك ؛ وهذا 
الطريق يقدر طوله بحوالى سبع رحّلات؛ من رحّلات الإبل المحملة. والناس هنا 
متعارفون على أن ذلك ديل ؛ بطبيعة الحال . الحدود بين أهل قبلى لإاطا6 وأهل 
الشمال 25-5665831 ؛ أو إن شئت فقل: إن هذا الجاو يمثل الحدود الطبيعيه بين أعراب 
الشمال وأعراب الجنوب. أما الحرة الثالثة الجنويية التى يتعين علينا تناولها هنا » فهى 
عبارة عن غطاء هائل من المادة البركانية القديمة , تتخلله أعداد كبيرة من قمم التلال 
البركانية. فوق جبل منبسط من الحجر الرملى. هذا ويزيد متوسط ارتفاع الفيضانات 
البركانية فى الأجزاء الشمالية التى قمت بزيارتهاء عن ٠٠٠‏ قدم , أما رأس عنان 32هم, 
التى تعد أكبر تلة من بين التلال» فيصل متوسط ارتفاعها إلى حوالى 7١٠١‏ قدم . 
() والين 3/110/لا : جورج أغسطس والين . رحالة فنلندى قام فى عام 18448 برحلة إلى شمال الجزيرة 
العربية ؛ وف تلك الرحلة زار مدينة حائل على عهد عبد الله بين الرشيد الذى تولى الحكم فى عام ١870‏ 


على جبل شمر من قبل الإمام فيصل بن تركى ؛ انظر اأولاة1!! لإأناثلاهل 2 ومأءبال معلة) 0165ل 
1 ,ا ,لإأرأعه5 |03 أأمدروه66 اقلزه5 ,وأطةعمم لموطءهل! أه 230 (المراجم) 


103 


ورأس وادى الحمض 005 نا4ا-!© , على الجانب الغربى من الحرة ؛ تمثل السيل 
القادم من وادى 30//ا قريب 63:16 ؛ هذا الوادى يمتد من هنا » من خلال كل من 
توريد 709,0694 ..وسهل الحجر ٠‏ إلى قرية العلا ؛ ثم يمتد من العلا متجاوزا إياها , 
إلى ابثر الفرنم (الغنيم) :6»1-61837:3006 ؛ الذى يستقيل مياه السيل القادمة من وادى 
الصدن 65-07 : وهذا المجرى المائى الجاف يتصل به هنا الفرع الغربى من وادى 
جِدّل الذى ينزل هابطا إلى تلك المنطقة قادما من الشفا 5588 . والحرة التالية من 
سلسله حرات العويرض ء هى تلك الحرة الصغيرة التى ورد ذكرها مؤخرا تحت اسم 
الحريرى لاالاة:1-113ت ؛ التى هى أيضا عيارة عن أرض منبسطة من الحمم البركانية 
القديمة فوق جبل من الحجر الرملى ؛ وهناك بعض التلال البركانية فوق هذه الحرة . 
وحرة الحريرى أعلى من الحرة الرئيسية » وشكلها مستدير ؛ وهى تابعة لقبائل البلّى . 

ونحن نرى فى سلسلة الحرات هذه منظر الغنف البركانى القديم الذنى عصف 
بذلك الجانب الحدودى من شبه الجزيرة العربية . ولقد تتبعت نلك الحرات حتى مدينة 
مكة ؛ وذلك خلال ما يقرب من سبع درجات من دوائر العرض . ووسط المويرض قد 
يصل إلى ما يقرب من مائة وعشرين ميلا بدءا من جانب البحر الأحمر القاحل الجدب؛ 
الذى شاهدت فيه شعابا مرجانية مرتفعة » التى تعد وثائق لمستويات أرضية ومائية 
مختلفة كان لها وجود فى أزمان العالم القديم 

ونحن عندما نلقى نظرة على العويرض , لم يكن سهلا علينا تمثل قصة تلك 
القسمات أو الملامخ الطبيعية ! هذا هو جيل منيسط من الحجر الرملى ٠‏ تصل مساحته 
إلى حوالى ألفى ميل مربع عند الحافة , وفيه الكثير من التدفقات البركانية العامة : 
كما نرى بعد ذلك » حولنا حدودا خرابا من الصخور التحتية والإبر المكونة من صخر 
الحجر الرملى : وقد هوت إلى السهول المنخفضة .- من هنا يبدى لنا أن الفيضانات 
البركانية ساعدت على المحافظة على الصخور الرملية الهشة الموجودة تحتها » فى 
الوقت الذى تاكلت فيه منطقة الحجر الرملى القديمة وتحولت إلى يباب بفعل معظم 
التحللات البطيئة , وعلى نحو يجعل هذه الكتلة من العويرض التى يصل ارتفاعها إلى 
حوالى ستمائة قامة , كما لى كانت جبلاً كبيرا » كانت أرضيته فى الزمن القديم هى 
عبارة عن سهول الحجر الرملى المنخفضة فى الوقت الراهن ! 


14 


عندما استعرضنا كثافة تلك الفيضانات البركانية . أمكن لنا تصور البداية الأولى 
لتلك الحرة ؛ - هذه الأنهار البازلتية المتراكمة فوق بعضها . والتى تتجلى فى جدران 
بعض انكسارات هذا الوادى من وديان العويرض الجرداء القاحلة . وعندما وجدنا أن 
التلال البركانية هنا ليست أعظم من مثيلاتها فى أماكن أخرى . توصلنا إلى امتزاعن 
مفاده أن الكثير من تثك التلال ( كما هو الحال فى تلة مونت 180716 نوف هناوبالا ) 
إنما هى عبارة عن أنواع من الخبث والمسحوق الذى ينبعث مع فورة بركانية شديدة . 
يضاف إلى ذلك أن الحمم البركانية الفوقية هى أقدم بكثير من الشكل الذى عليه 
الأرض فى الوقت الحالى :- وأنا أندهش تماما فى هذا البلد عديم الأمطار ‏ عندما 
ألقى نظرة على بازلت الحمم البركانية فى هذه الحرة ؛ هذا البازلت مشقوق ؛ ومفتوح 
إلى عمق يصل إلى حوالى مائة قامة ليصل بذلك إلى بعض الوديان الأرضية ؛ كما هى 
الحال فى جبل تربة 78153 . كتل هذا البازلت متاكله على شكل أخاديد فى الأجزاء 
الضعيفة منها ؛ بفعل أى شىء يتحرك فوقها ؛ ولكن يا لهذا التاكل العظيم الذى حدث 
فى "أحجار الحديد” , تلك الأحجار التى هى مادة يصعب تحطيمها أو قهرها ! ونحن 
نفهم من نقوش الصخور فى مدائن صالح » أن سمك المسمار لا يمكن أن يضيع من 
وجه الحجر الرملى الناعم . فى ظل مناخ مثل مناخ الجزيرة العربية ؛ ويعلى امتداد 
ما يقرب من ألفى عام ! 

هذه هى الكتل العجينية كل واحدة منها مشروخة من البيئة المحيطة بها ؛ وهذا 
النوع من الشقوق أو الشروخ » يفترض أن يكون مفتوحا فى إطار ذلك الحجر الرملى . 
المحمل على رأس غازية من الحمم البركانية الكواكبية ٠‏ يضاف إلى ذلك » أن هذه 
الشروخ عندما تنتفخ بفعل العنف الهائل » فإن ذلك يحتم على الحمم البركانية التصرف 
على شكل شروخ طبيعية كثيرة . كما يترتب على ذلك ارتفاع بعض هذه الشروخ 
والفلوق إلى أن تصل التربة عند سطح الأرض ؛ لتنساب خلالها على شكل اندفاعات 
من بخار الماء فائق الحرارة » يكون محبوسا ومتمثلا فى شكل بحيرة أو بركة من 
الحجر المنصهر , مكونا بذلك مع انبعاثات الحمم البركانية ذلك الاستعار البركانى 
الهائل . وفى العام ”14817 الميلادى كنت شاهدا على ثورة بركان فيزوف . 5ناانانا5»/ا 
وبينما كنت واقفا وحدى منذ طلوع الصبح على قمة جبل من الجبال ٠‏ فى ذلك اليوم 


155 


على وجه التحديد الذى ثار فيه البركان » كانت قدماى تخوضان حتى ساقيهما فى 
مسحوق الكبريت ٠‏ المتراكم فوق تجويف مشتعل من الحمم اليركانية : وفى وسط ذلك 
التجويف كانت توجد مدخنة على شكل ضرع ٠؛‏ تكونت منذ فترة قصيرة ٠‏ وكانت تفوح 
منها أنفاس حافرة أو قارضة؛ والتى ظهرت أثناء الليل , لأولئك الذين كانوا فى السهل, 
كما لو كانت إشارة نارية تتساقط منها حمم بركانية . ومن أسفل هذه المدخنة كان 
هناك مركز جديد ضعيف من مراكز الفوران اليومية ؛ وكان ذلك المركز عبارة عن يركة 
من الحمم البركانية المنصهرة , والتى كان يصدر عنها كل تلك الضوضاء والجلبة 
الشديدة من داخل الجبل » وكانت تنبعث من تلك البركة , بين الحين والآخر , طائرة 
فى الهواء حشود من المقذوفات شبه المنصهرة . اقتريت من ذلك التخمر المخيف », 
ورحت أراقب تلك البركة النارية التى كانت تصعد إلى الأعلى عند أجنابها وتفور من 
وسطها كما لى كانت عينا أو نيعا من المعدن , - ولاحظت فى تلك البركة وجود غشاوة 
فى الهواء . مثل تلك الفشإوة التى تطقى على سطح الحليب الساخن ؛ نوع من الزيد 
الطرى ؛ الذى لم يدم سوى لحظة واحدة ٠»‏ وفى الفورة الثانية » ويانفجار مخيف 
ومرعب . يشبه انقجار المدفع البخارى ؛ بسبب التكسير المخيف فى الريح الناتجة عن 
الأبخرة المكتومة , المتصاعدة من التار الجهنمية الموجودة تحت السطح ؛ هذا الانفصال 
اندفع طائرا نحو الأعلى فى الهواء كما لو كان لوحا من الألواح » محدثا دويا وهو 
يرتفع ؛ ثم انفصل ذلك اللوح متفتتا ؛ شاهدت ذلك اللوح وهو يصعد مندفعا إلى 
الخارج ومنقسما إلى عدد كبير من الشقفات الصغيرة والكبيرة . وتساقطت تلك 
الشقفات , وهى تحدث حفيفا وصفيرا فى الهواء . وتتساقط طرية بالرغم من ارتفاعها 
مسافة نصف ميل ثحو الأعلى ؛ ويهوى القسم الأكبر من تلك الشقفات على شكل 
صخورر كبيرة » كان البعض منها عبارة عن قشور ضخمة تشبه أحجار الأعلام . كان 
جانب البركة يسيل منه ميزاب من الحمم البركانية . 

فى فترة العصر , ارتفع وزن المعدن المنصهر داخل بطن تل البركان ( الذى هو 
عيارة عن جدار من المسحوق البركانى وعروق من حمم بركائية قديمة » ويشيه حفرة 
مليس الجبس ولكن داخل وعاء من الرمل ؛ ) ؛ هذا المعدن المنصهر بدأ يكل ذلك 
الجدار » ويتسرب عند منتصف ارتفاع ذلك التل . خلال جوانب التل المتأكلة » التى كان 


16 


ينيثق منها شلال من الحمم البركانية . وتساقطت فوق بعض الأشخاص التعساء الذين 
كانوا يقتربون مصادفة فى تلك اللحظة المخيفة من المكان ٠‏ زخة نارية من المسحوق 
البركانى . أحرقت ملابسهم , وكذلك أجسادهم إلى حد الوفاة » إذ لم يبقوا على قيد 
الحياة بعد ذلك سوى ساعة واحدة . وهذا شاب خابت كل مساعيه وابتلعته وهو يتالم 
الحمم البركانية التى كانت تطارده » تلك الحمم الذى كان تيارها كبيرا كبر تيارات نهر 
التيمز فى منطقه كويرى 81098 لندن  .‏ وهنا بدأت الحمم اليركانية السفلى ترتفع 
بدورها خارجة من بطن البركان العميق , والتى تحتبس فى داخلها عنفا توسعيا أشد 
وأقوى من عنف الحمم البركانية العليا » وبذلك يكون الطريق إلى قمة الجبل قد أصبح 
مشتعلا الآن . كما بدأ بالفعل دمار كبير فى أعلى الجبل . 


قبل طلوع تهان القد » كان نفق الجبل هو وكاسه قد تحول إلى غلاية كبيرة من 
الحمم البركانية . غلاية كبيرة بحجم مدينة كبيرة » راح لهيبها المخيف يثير الرعب 
والأجناب . وهذه هى المادة المعدنية السائلة العليا . تختلط بالهواء , وتتفرق على شكل 
على الأرض ؛ وهذه هى سماء من البخار الذى يشيه المطر . وسماء أيضا من الدخان 
الذى ينتشر على مساحة كبيرة فى الأعلى : ويطوق هذه العاصفة البركانية العاتية , 
هذه النماء مكتحوة شحةة كيرينة أكثر كشر م طاكيا #والوعد الذى نضدن هن 
ذلك الذى يدور هتا ٠‏ يصعب تمييزه فى وجود هذا الطنين الهائل الصادر عن اليركان : 
بالإشارات الخادعة , والطنين المخيف الصادر عن هذا الجيل . وتهب مع الريح أمطار 
غبار الأعاصير على مساحة واسعة من البلاد ؛ وتتساقط بقايا الجمار المحترقة فى كل 
الدائرة المحيطة بالجيل . كما يتساقط خبث الأشياء المحترقة بفعل أوزانها على جانبى 
البركان ومن حول فوهته ؛ ويكون بين هذا الخبث بعض من قطع الصخور الغريبة » 
التى جاءت أصلا من الإطار التحتى للأرض ( أى من عمق 0.2.٠‏ قدم )0.- هذه 
ذلك الفوران من سرج الجبل ٠‏ أثناء الليل » عبارة عن لافحة متقدة على شكل حزمة 


167 


أرجوانية وحمراء اللون تنبعث إلى الأعلى بشكل مخيف , محدثة دحانا أسودًا يخرج 
من الفجوة البركاتية . التى وصل اتساعها حاليا . إلى نصف ميل تقريبا . وهذا هو 
الضوء المخيف لذلك الوهج الكوكبى يخفت قليلا بفعل ذلك القناع الكثيف من الغبار 
البركانى الذى يتساقط على المكان ؛ وهذا هو ظلام » وغبار أسود يلغا من الكثافة حدًا 
لا نستطيع معه رؤية أيدينا » أى الأرض من تحت أقدامنا » وها نحن نتكئ على جدران 
تهتزء وهذا هى الجبل يخفق ويلا توقف من تحت أقدامنا: وعلى بعد مسافة ميل تقريبا » 
ووسط استعار ذلك الصراع العناصرى , لا يستطيع الإنسان سماع صوته أى حتى 
صوت جاره . - وتمر الأيام » وتحتضر معها بصورة متدرجة تلك الانقعالات والفورات 
المنيعثة من جوف الأرض , مؤذنة بانتهاء تلك الثورة البركانية . 

بعد أن يتخلص الرحم البركاني من أحماله السطحية » يتساقط عمود الحمم 
البركانية . خلال التأرجحات الأخيرة » فوق جذور التل المجوفة , تظل تلك القوة النارية 
عند هذه الجذور تحت قشرة سميكة وتروح تبرد شيئًا فشيئا . وهناك قد تتكون خلال 
جيل أو جيلين كتل كبيرة فى بعض القنوات أو المجارى التى لا يزيد عمقها على بضع 
قامات ؛ ونحن نقول بذلك ٠‏ من واقع الخبرة التى لدينا فى هذا الموضوع . وعندما 
تنقضى عصور كثيرة من الراحة ؛ يبدأ ذلك النفق البركانى فى الاندمال اندمالا محكما 
بالقرب من سطح الأرض . وفيما يتعلق بأى جيب من الجيوب المعدنية الأرضية 
المنصهرة. التى تكون على مستويات منخفضة: وعلى شكل بركة أو بحيرة فى الأسفل , 
يجب ألا نفترض أن مثل هذا الجيب ينتج عن عملية التبريد لفترة زمنية طويلة تقاس 
بالسنين الفلكية ؛ كما يجب علينا أيضا أن لا نسلم أن التداخل بين المواد يتوقف عند 
القسم المنصهر فى جوف الأرض . والبركان عندما ينشط من جديد ٠‏ يجعلنا نتوقع 
تورم أو انتفاخ ذلك الرحم المعدنى المنصهر ؛ ليحدث شيئًا مثل ذلك الذنى حدث 
فى الفورة الأولى ؛ - ولكن هذه الفورة الثانية . قد تخمد بفعل بعض مياه البحر . 
وهنا يتعين على الصخر البازلتى أن يلين مرة أخرى عندما تزداد الحرارة البركانية ؛ 
وإذا لم تحدث تلك الليونة » قد ينتفخ طريق مفاجئ عن طريق تمزيق قوة العناصر 
التى يصعب كبح جماحها فى المنطقة العليا . - ترى هل كلمة "1318" الإنجليزية 
هى كلمة “لايا" همها العربية ‏ ثم دخلت إلى لفاتنا الأوروبية عن الإيطالية المغربية 


15 


فى جزيرة صقلية!*) ؟ وصقلية هى ذلك المكان الذى عثر فيه المحتلون العرب على كثير 
من الأشياء التى يمكن أن يطلقوا عليها ذلك الاسم 'لابا” 358 . واللابا عند أهل 
الجزيرة العربية ( وهى تتمثل فى ذلك الجزء الذى أتناوله من الحرات الكبيرة - التى 
أعرفها حق المعرفة , وهما حرة العويرض وحرة خيير) لا تقتصر فقط على كل ما يمكن 
أن ندرجه تحت هذا الاسم ء ولكن ذلك الاسم يطلق أيضا على الكتل البازلتية , 
كما يطلق أيضا على البازلت المسحوب ٠‏ وعلى البازلت الحاد . فضلا عن إطلاق ذلك 
الاسم أيضا على سائر أنواع البازلت الزجاجى : هذا لا يعنى أن كل أنواع الخبث » 
أو نفايات المعادن , أى بقايا الفحم الحجرى » أو الأحجار النارية يمكن أن تندرج تحت 
هذا الاسم .- هذا هو كل ما عندى عن هذه الديرة البركانية . 


التقاء أفرع وادى جزل انتتال » خلف جيل الحريرى ؛ ووادى الحمض 5]«نانا-» 
القادم من الجنوب ٠‏ وكذلك وادئ العيص 61-155 موقم على الخريطة , بعد تلك الخريطة 
التى استلمتها أو أخذتها من الأعراب . ففى وادى العيص توجد ستين عينا ( قد تكون 
ست أ أكثر ) وحوالى مائة وثمانين ( ثمانية عشر أو أكثر ) بئر » كما يوجد فى ذلك 
الوادى أيضا أنقاض قرى قديمة ونخيل الدوم . ونخيل الدوم ينمو هنا حول كثير من 
المناطق السكنية المهجورة فى ذلك القسم من الجزيرة العربية الذى لا يعرف الندى , 
والذى تكون المياه الجوفية فيه قريبة من السطح ؛ كما هو الحال بالنسبة للورد البرى 
الجميل ؛ وكذلك نبات القراص 0/686 الربيعى فى الديار الشمالية . وفى وادى القرى 
8 الذى تقع بدايته فى الحريرى , توجد بعض أنقاض القرى , التى هى أنقاض 
صلصالية يقولون عنها إنها لا قيمة لها . ووسط أنقاض هذا الموقع الصلصالى ؛ توجد 
قلعة ؛ أى إن شئت فقل معقل ؛ غير متقن البناء . والاسم وادى "القرى” يعنى . على 
حد قول الأعراب , "الوادى الوعر' أو إن شئت فقل : "الوادى غير المستى , الذى هو 
أمر شائع فى كل أنحاء البلاد . وهناك وادى قرى آخر فى اتجاه الجنوب ؛ توجد بدايته 


(*) من المعروف أن العرب حكموا جزيرة صقلية واستوطنوا فيها ما يقرب من قرنين ونصف قرن ١١5-451‏ 
وكان لذلك أثر كبير فى إحداث تغييرات حضارية لم تقتصر على صقلية وحدها وإنما امتدت إلى الأقاليم 
المجاورة لها فى أوروبا كما انتقلت الكثير من المفردات العربية إلى العديد من اللفات الأوروبية . (المراجع) 


159 


فى حرة خيبر ؛ ( وفيه أيضا مواقع أثرية » وماء يخرج من الأرض ٠‏ ونخيل من نخيل 
الدوم:) . وهذا الوادى يلتقى بوادى الحمض العظيم بالقرب من منطقه سجوة 8««زن8 . 
وواديا تهامة : وادى العمودان 800030 ووادى الذرى 7567097 ينزلان من منطقة الجبل 
الرملى المجاور للحريرى» ويمران خلال جزء رملى عميق . متجهين إلى وادى الحمض ؛ 
وهذان الواديان من ديار البركات :83,368 ( الذين هم فرع من البِلّى ) ومن ديار 
أغران تجوينة يهنا :. 

- مبسألة دراسة البدو فى هذه الديار تعد فنا من الفنون ؛ ولقد تحملت الكثير من 
الآلام عن طيب خاطر ؛ على أمل أن تضيف حياتى التى ستنتهى ؛ شيئا قيما إلى 
الجفرافيا الأورويية . ومعرفتنا بشبه الجزيرة العربية . التى تصل مساحتها إلى 
مساحة الهند على وجه التقريب ؛ ما تزال معرفة قاصرة بشكل كبير » عن معرفتنا بأى 
بلد آخر من بلاد الدنيا التى تستحق الزيارة . ومعروف أن التساؤلات التى من هذا 
القبيل تكتتقها مصاعب كثيرة ؛ وفضلا عن بلادة الأذهان بشكل عام ؛ فإن تلك القلة 
القليلة من الشيوخ » الذين لديهم عقول أفضل ؛ ويمضون كل حياواتهم التى تقوم على 
الحاجة والعوز فى ظلال خيامهم ؛ هم الذين لديهم أقل القليل من هذه المعرفة الجيدة . 
والغالبية العظمى من هؤلاء الشيوخ يستخفون بالأسئلة التى تطرح عليهم » وهم يظنون 
أن أسئلتك لا طائل منها . ويحسبون أيضا أنك معجب ومتيم بما يقولون . صحيح أننا 
يمكن أن نحصل على إجاباتهم وردودهم الملتوية التى تقوم على اللف والدوران » ولكن 
تلك الإجابات والردود تكون بشىء من التردك والقلق من هؤلاء الأشقياء المولودين فى 
الخلاء , ويغارون على مياههم وديارهم التى يتجولون خلالها . عقلاؤهم الذين يمكن أن 
يقولوا ما يعنون بصدق ؛ يملكون عقولا لا أمل فى إصلاحها . ولم يصبها أى شىء من 
التنقية والتطهر على إثر المعرفة التى أصايتها ؛ هذا يعنى أن تلك العقول يصعب عليها 
الاحتفاظ حتى ولو بمقياس واحد عن الطول والعرض . والعقول التى من هذا القبيل 
تقول لك : اهدأ ووسّع صدرك - نظر لأنهم لن يزوروا العلامات الأرضية - داخل 
ديارهم ؛ ولكن الأراضى التى تكون خارج نطاق ديارهم لا تدخل فى نطاق معرفتهم , 
أ إن شئت فقل : تظل خارج نطاق معرفتهم . كنت أعجب فى بعض الأحيان عندما 
أرى كيف تختلف آراء أصحاب الريط والحل حول الديار المجاورة لهم ؛ بل إن من 


0ظغ1 


بينهم الكثيرين الذين لا يعرفون شيئا ولكن إمعانا منهم فى إرضائك , تراهم يروون لك 
أسطورة فى آخر الأمر » وأنا قبل أن أدخل الجزيرة العربية » كنت قد أمضيت بضعة 
أشهر مع بدو سيناء » والبدى الذين يعيشون فى المنطقة الواقعة خلف الأردن » ووجدت 
ذكر هذه الأماكن على ألسنة أهل الصحراء : وفى سنوات أخر كنت أنزل مع بعض 
الأسر السامية المختلطة من السوريين ٠‏ وعندما بدأت رحلتى من دمشق كنت قد تعلمت 
الكثير عن هؤلاء البدو . وعندما كنت مع الأعراب كنت أنصت حِيدًا للرجال المخلصين 
الذين كانؤا من بين رفاقى ومعارفى . وفى كثير من الأحيان » كنت أستخلص » من 
خلال كلامى مع مختلف الأشخاص ء, كثيرا من الإجابات والردود الصحيحة » فضلا 
عن أنى كنت أستخلص , من مجرد كلمة يقولونها لى بطريق المصادفة . كثيرا من 
المعلومات عن العلامات والحدود الأرضية . كنت أركز انتباهى على ردود الغرياء : 
وكنت أستعيد تلك الردود مرة ثانية عن طريق الأصدقاء ؛ كنت أكرر السؤال نفسه على 
الشخص نفسه أكثر من مرة ؛ وأتدير الردود لأخرج منها بما هو دقيق وصائب » 
وبالتالى أتحاشى الردود الأخرى كلها . هذا يعنى أنى تحاشيت اليناء على أشياء 
لا طائل من ورائها . 

لم يكن الشيخ مطلق ؛ شيخ بدو الفجير ٠‏ الذى يراعى الحذر فى تسيير أمور 
قبيلته, لم يكن على استعداد لإعطائى شيئا عن الأرض فى هذه البلاد : ففى ذات يوم » 
بينما كنت أسال قبليا » فى خيمة مطلق , عن وادى العيص العظيم » ويخاصة أن ذلك 
القبلى كان قد شارك فى الغزى الذى دار فى تلك الأجزاء من البلاد ؛ هنا وجدت مطلق 
يسأل هو نفسه قائلا : "خبرنى » كم يبعد وادى عيص 155 عن قرية الحجر؟' وريما كان 
ذلك مثالا على جهل الشيوخ هم والبدى الرحل بالمناطق الداخلية ٠‏ وذلك فى الأمور التى 
لا تخصهم ولا تعنيهم . هذا الوادى العظيم » أى إن شئت فقل : وادى العيص 55 -1© 
العظيم هذا ٠‏ الذى لم يكن بعيدا عنا . كان فى أرض معادية تنتمى إلى الجهاينة » 
الذين تفصلهم الجبال عن بدو الفجير . وأنا على يقين أنه ليس بين البدو أو القبليين 
أحد يمكن أن يقول لى أكثر من ذلك الذى استطعت تجميعه وتوقيعه على تلك الخارطة 


19 


المنشورة مع هذا الكتاب ؛ عن الأرض الصحراوية الواقعه فيما بين تبوك 786001 وخيبر 
؛ةطلزء»! . قبيلة الجهاينة القديمة: التى يمتدحها الناس ويقولون لها "اختيارين” -5كاا 
6 , نظرا لكرمهم الزائد » يقول عنهم جيرانهم إنهم أيضا من المصلين ومن 
الصائمين كذلك إتباعًا لدينهم . وقبيلة جهينة تسكن ديرة وعرة جدا . وكما يقول العرب » 
فإن قسمًا كبيرا من تلك الديرة جرانيتى الصخور . وأنا ٠‏ بتفسى أيضا . شاهفدت 
بعض الأصداف المتحجرة التى يسميها الناس هنا “ظفر 261 مريام 3لءأ8 أم مدنا 
السناكيت 51088101 ؛ هذه الأصداف هى من الحجر الجيرى الذى فى هذه البلاد . 
يضاف إلى ذلك أن ابن الرشيد يرى أن مشروع غزى أولئك الجهاينة إنما يعد أمرا 
صعبًا عليه .- والبدى الذين تعتمد حياواتهم الضعيفة على زخات المطر » يتمتعون 
بفضول غريب فيما يتعلق بمراقبة الأرض ؛ هؤلاء الجهاينة لا يوجد بينهم بائس معدم , 
يمكن أن يردك فى ديارهم سواء نزل أم لم'ينزل الغيث من عند الله . ' 

فى اليوم الخامس عشر من شهر يونيى وصلنا إلى أعلى نقطة مستوية من الحرة , 
والتى تقع على بعد مسافة خمسة أميال شمالى عناز » حيث سخل البارومتر ارتفاعا 
مقداره 8٠١‏ قدم فوق مستوى سطح البحر ‏ ولكن الظهيرة فى هذا المكان كانت 
شديدة الحرارة . وكانت تنهال على الخيام المصنوعة من الصوف . وعند منتصف الليل 
هبت ريح عاتية إقتلعت خيمة حمدى الطويلة . هذه الليلة الصيفية القصيرة أمضيناها 
فى قلق واضطراب شديد ؛ فقد ضلت الإبل فيها طريقها . كما هصيئ لنا أننا كنا 
نسمع أصواتا غريبه فى الحرة : كما أن ربا هططنا8 , الراعى المريض , استيقظ قبيل 
الصباح ٠‏ على إثر ألم ووجع مبرح ٠‏ وراح يتأوه بصوت عال وطويل ويجار إلى حد أن 
أخيه ظن أنه كان يعانى سكرات الموت . سمعت ذلك الراعى المريض وهو يحول أنينه 
إلى ما يشبه الإنشاد إذ كان يقول : يا ربى ! أنا أيست من حالى , وأنت تكوينى 
لإ#ططتء!ع7” يمعنى "يا رب ! لقد يئست من حياتى » فخذنى !” ثم راح يتتحب انتحابا 
شديدا ؛ كما لو كان يقيم شعائر جنازته الخاصة . ناديت ذلك الراعى المسكين وطلبت 
إليه أن يتمالك نفسه , قدر المستطاع » حتى يهئ لنا شيئا من الراحة ٠‏ نظرا لآن نباح 
الكلاب أيقظنا الليل بطوله. وعقب ذلك مباشرة راح شقيق ذلك الزاعى يغنى غناء! فجا. 
وعندما لمته فى الصباح ء على ما فعل . أخبرنى أن درجه حرارة ربا ٠‏ شقيقه » كانت 


1/2 


قد بيدأت تنخفض مما يعنى أنه أوشك على مفارقة الحياة .- سألته : 'ولماذا كنت تغتى 
بتلك الطريقة الفجة ؟” - "حسن . قال الرجل . لقد فهمت ء أنت لا تعرف عاداتنا 
وتقاليدنا » فنحن هنا نغتى للناس وهم يحتضرون .* 

رحل الأعراب عن المكان مع شروق الشمس ٠‏ وبينما كنا نسير بالقرب من عناز 
شاهدت القمة وكأنها مشط من الحمم البركانية الوعرة . أنا الآن أرى الجبل من ثلاثة 
جوانب من حولى ؛ وهى عبارة عن مخروط كامل فى كل جانب من هذه الجوانب الثلاثة. 
كانت كومة الغبار البركانى تبدو لى أكبر بكثير من مثيلتها فى بركان فيزوف فوق 
المرصد . ومن فوق أعلى نقطة منبسطة فوق الحرة شاهدت منظرا عجيبا من فوق 
أرض بركانية منخفضة , حيث نزلنا حاليا عن طريق أجناب تل فوهة البركان من ناحية 
والحمم البركانية الحارة من ناحية أخرى , والحرة عند أسفلها عبارة عن شرفة يركانية , 
منخفضة : وهاهى الصخور الرملية حمراء اللون تطالعنا من جديد . بارزة من تحت 
أتهار الحمم البركانية المتجمدة , كما تنتشر فى هذه الصخور الرملية الحمراء قشور 
من الحمم البركانية المفككة . خيمنا فى تلك الديرة المريعة التى تقع على بعد ١6٠١‏ قدم 
أسقل المنزل الذى كنا نخيم فيه من قبل : كان الأعراب يبحثون عن بركة ماء » يسمونها 
أبى داه ثين 55518؛ وإذا ما وجدوا فيها ماء فسوف يرتاحون أياما قلائل . وبعد أن 
يأتوا على ماء البركة كله » فسوف يتخلون عن ارتفاع الحرة وينزلون طلبا للسقيا من 
تهامة ؛ أى قد يذهبون طليًا للسقيا أيضا من مدائن صالح ؛ وقد تهيأت لى هنا فرصة 
العثور على أحجار الصوان » هنا فيما بين الصخور البركانية والمشارف ٠‏ أى إن شئت 
فقل : الأراضى العالية التى تطل على الأراضى الأخرى ؛ كما عثرت على ذلك الحجر 
الصوان أيضا فى البَطّين ( التل المرتقع ) , الذى هى عبارة عن رف طباشيرى به 
بعض أصداف ال محار . ومحروق إلى أن أصبح أحمر اللون ‏ بقعل الحمم البركانية غير 
الكثيفة التى انسابت من فوقه , الأمر الذى أدى إلى ذويانه وتوزعه بين الصخور على 
شكل كتل كبيرة منزلقة قليلة العدد . 

هنا » فى هذه المنطقة ؛ طلب منى طلجَّ ٠‏ أن أريه أشياء النصارى الغريبة : وفى 
عصر يوم من الأيام » وبالرغم من كبر سن طلجَ » جاء وحده لزيارتى . وعندما نظر 
مليا من خلال تلسكويى المزدوج قال متعجبا : "يا إلهى ! أهذه هجرة سليمة 08ه!ذ5 » 


13 


هناك عند نهاية المنْزّلَ » هذه هى الهجرة تترائى أمامى وكأنها منضمة إلى البيت التالى 
لها ! - وعندما نظر خلال التلسكوب المزدوج وهو مقلوب ؛ ووجد أن الأشياء اختفت »: 
فى مسافة لا نهائية , راح الرجل يتامل ويقول : " شوف 5001 , انظر , يا طلخ !* 
وعندما كان طلّجَ يعبث بكتاب الطب الذى كان معى , وراح يقلب صفحاته ناظرا إلى 
الصور . ومستخدما فى ذلك أصابعه الوقحة قحة التى لا تعرف واحدا من أحرف الكتابة 
قلت له: "هل أكتب لك اسمك ؟ - اتظر هنا » هذا هو اسمك طلييٌ وهااه1.- "يا خليل , 
قالها طُلج وهى يتراجع خوفا بصورة مفاجئة , أرجوك أن لا تكتب اسمى !* وعندما 
شاهدت التغير الذى طرأ على وجهه قطعت الورقة إلى قطع صغيرة ؛ ودقنت تلك القطع 
الصغيرة تحت أحجار الحرة : مما جعله يشعر بالارتياح من جديد . 


بعد ذلك مرض الشيخ المسن مرضا شديدا ؛ ولم تحضر أية واحدة من زوجاته 
المحبات له لاستدعاء الحكيم :- وهذا أمر يندر وجوده عندما يكون الرجل متزوجا من 
أكثر من واحدة ؛ وعندما تكون تلك الزوجات وقتيات , - ولكن أخته المسنة كانت تبكى . 
كان طُلّجِ وهااه7 يرقد مستلقيا تحت مظلة »2 ؛ تصبتها زوجاته لين أمغال أشجار 
الوزّال العالية التى تنمى فى مجرى السيل ؛ أو إن شئت فقل "الشعب" 5-6 : 
شرب طُلَّجٍ بالأمس طاسة من المريسى , الدافئ . وازداد حاله سوءًا . أعطيته بعض 
نقط من زيت الكروتون 010100 , كما أعطيته جرعة أخرى من الزيت نفسه فى المساء ؛ 
وفى اليوم التالى تحسن حال الرجل ٠‏ وراح يتكلم وهى فى المجلس , متفاخرا بالعلاج 
الفعال الذى أعطاه خليل إياه. وبناء على ذلك ٠‏ تردد على كل أهل.هذ! الرجل ‏ من أجل 
'اتطهيرهم مثلما حدث مع طُلج ؛* كان الجميع يظنون أننى سوف أقدم لهم العون 
والمساعدة بلا مقابل كبير فيما يتعلق بغالبية أمراضهم؛ يضاف إلى ذلك أن الدواء كان 
يروق لهم تماما ٠‏ لأنهم كانوا يتسلمون ذلك الدواء (مشويا بالحلاوة والدسامة) على 
قطعه من السكر ٠‏ وفى مقابل ذلك كانت ريات البيوت يحضرن إلى حفئًا من الأرز ومن 
المريسى أيضا . وفيما يتعلق بطلج » فقد كان رجلا أبويا , بحق » كما أنه كان يحسن 
معاملتى فى كل الظروف؛ وعندما كان يقدم عشاءًا لضيف من الضيوف فى خيمته؛ كان 
يرسل فى طلب الغريب ليشارك ضيف الله الطعام؛ وكان أرباب البيوت: أو إن شئت فقل 
غالبيتهم يفعلون الشىء نفسه. عندما يقوم أحدهم بذيح ذبيحة إكراما لضيف من الضيوف. 


4 


هذه القلة القليلة من الناس الذين يعيشون فى التلال, لم يتخلوا عن الكرم القديم , 
تمتدحهم القبائل كما رأينا : ومع ذلك ؛ كانت هناك حكاية غريبة تتردد فى خيام هؤلاء 
الناس . “حدث أن بلويا لالاناا86 أى إن شئت فقل : رجلا من رجال قبيلة البلّى 8111 , 
كاين الكرة “وعد غروب الشمس ., وفى المنطقة , أو المكان , الذى توقف فيه 
لقضاء الليل, ظهر له جمل غريب الشكل؛ ومد الجمل عنقه فوق الرجل وراح ينطق بكلام 
مثل كلام البشر : “هذا الموتان(*) والجفاف الشديد الذى أصبح يداهمنا مرات كثيرة : 
سييا لذلك :- لماذا ارتد اليدى عن عادات وتقاليد أجدادهم وآبائهم ؟ أنتم تجعلون عابر 
السبيل يعاتى عندما يمر ببيوتكم؛ كما أن الجائع يمر عليكم دون أن تسدوا رمقه !* 
راح العرب يتكلمون عن الشيخ زرافات وجماعات فى خيامهم وفى.المجالس , وهكذا 
من أهل الكتاب :- "عن رأيى فى هذا الأمر ؟ كل الناس يعرفون ذلك الرجل الذى رأى 
ذلك الشيخ على أنه "رجل فاهم وواسع المدارك ." | 

والموءاهيب » بحكم معيشتهم فى ديرة أمته يصعب النفان إليها ٠‏ يربون الأعنام 
والإبل » ومع ذلك فإن أكبر قطيع من قطعان هؤلاء البشر لا يزيد على مائة رأس من 
الغنم والإبل . وأغتام البدو الرحل ليست كلها من نوع واحد فى الجزيرة العربية ؛ 
فهناك أغنام الأراضى المرتفعة فى نجد ؛ كما أن هناك نوع صغير آخر ( يشبه أغتام 
ويلز فى بلادنا ) » يعيش فى الديرة المتاخمة لحدود مكة . والأغنام العظيمة لها هيكل 
عظمى هزيل » ووجه هذه الأغنام معقوف , وفراؤها خشنة ومشعرة ؛ لحم هذا النوع 
من الأغتام طرى وخشبى المظهر والتكوين - ومع ذلك . فذلك اللحم دافئ وتدب فيه 
الحياة, عندما يلقونه فى وعائهم البدوى . زد على ذلك ؛ أن الحرة مرتعا سخيا للذئاب , 
التى طالما أزعجتنا أصواتها التى كانت تصدرها فى الليالى غير القمرية ٠‏ وهذه هى 
كلاب البلّى طويلة الأذيال » تقف فى مكانها ٠‏ بعد غروب الشمس وعقب اختفاء ضوء 
النهار . لتذهب بعيدا إلى مكان قيما وراء موقد النار » أى إن شئت فقل : مكان خلف 


(*) موتان : يفتح الميم ؛ وتسكين الوا , هو 'وياء المواشى” . ( المترجم ) 


25 


تار الوجار . كلاب الحراسة تجوب المكان هنا وهناك فيما بين الذئب اللص والقطيع , 
وتروح تنبح بين الحين والآخر نباحا مخيقا , وإذا ما اقترب الذئب من القطيع , تراه 
أغنام القطيع متدافعة إلى جوار بعضها البعض ؛- وهنا يزداد خوف وهلع الراعى , 
وينهض واقفا على قدميه ؛ ويحسب أن صياحه يمكن أن يعيد الحال إلى ما كان عليه 
وهنا يروح البدو الملتفون حول وجار القهوة يحملقون خلال الظلام الكثيف ؛ ويتناول 
الراعى عكازه ؛ ويتقدم نحو الأمام وه يلقى بعض الأحجار ؛ مناديا على كلابه 
ومُحكسا اناها #اقتهود إليه ثانية ؤهى غاضبة » وهنا ينتشر نباح الكلاب فى كل أنحاء 
المخيم . وهذه الجمال والإبل المسالمة باركة تجتر طعامها طوال الليل الطويل ؛ هذه 
الإبل لا تلقى يالا إلى :كل ما يدور من حولها وإذا ما حدث أن وقف أحد الجمال بفعل 
الخوف , رآه الجالسون فى الضوء ء الصادر عن النار ؛ زهى يقف على ثلاثة أرجل نظرا 
لأن الرجل الرابعة تكون مربوطة عند الركبة وتجعله يسقط إلى الأرض مرة ثانية . ولكن 
عندما نرى الأرجل الرمادية تجرى ؛ فهناك احتمال كبير أن يكون الذئب قد أمسك 
بحمل صغير ( بالرغم من أن رءوس تلك الحملان تكون مربوطة بعقدة فى حبل على 
الأرض ) . وهنا يتناهى إلينا قادما من الظلام . صوت احتضار الحمل أى التيس 
المسكين , وهو بين فكى الذئب المفترس . وعلى هذه الوتيرة كانت القطعان الكبيرة .- 
التى تكون أكثر تعرضا هى الأخرى - - تخسر بعضا من صغارها .فى كل ليلة من 
الليالى غير القمرية , فى كل المنازل التى كنا نقيم فيها فى سائر أرجاء الحرة . 
والأعراب يتحملون كل هذه الخسائر بصير دينى . حمدية » رية بيتنا » فقدت ستة 
حملان فى ست ليالى مظلمة » وفى كل مرة كانت تقول : "الذيب 615-151 (الذئب) 
خطفها ؛ آه من ذلك اللعين !” 

كلاب الموءاهيب ويخاصة الرعاة » تظل تنبح حتى منتصف الليل » إلى أن يأفى 
البدو إلى فراشهم طلبا للراحة . ويستمر ذلك النباح إلى أن يطلع نور الصباح » وعنده 
تكون حلوق تلك الكلاب قد تعبت وكلت ؛ وهنا قد تتوقف عن النباح . كلاب البدى هذه 
يضعف بصرها أثناء النهار ؛ وتكون مكدودة ومرهقة بسبب الحراسة الطويلة المضنية » 
بل إن صوتها يكاد يكون ضائعا خلال فترة النهار . والبدى يندر أن يطلقوا أسماء على 
كلابهم أو ينادونها بتلك الأسماء ؛ ومع ذلك ٠‏ تعرف هذه الكلاب أسماعها وهى غالبا 


16 


ما تكون أسماء طريفة . وهى من قبيل الأسماء التى يطلقها البدو على البشر الفانين . 
من هذه الأسماء . على سييل المثال , "أم ذيل” 681881 ناى "أبى سَنَّان" سمقصماذناهم . 
أسماء الكلاب تظهر أيضا فى أسماء بعض القبائل وفى سلالات الأعراب المختلفة » 
كما هو الحال فى العدوان 0:30ثةْ , الذين هم فخذ من المعازى 18832 فى الحسمة 
دوذال! فوق عقبة المسرى 1-0155 , وفى الشعلان 5قا5858 » ذلك الفرع من القبيلة 
(الذى سمى على اسم عائلة شيخ الفرع) ؛ وهم من العنوز الشماليين ٠‏ ومن هذه 
الأسماء أيضا “ابن سمرى” 16851097 الذين هم فرع من الحطيم «لإه؛16! (وقد أطلق 
هذا الاسم تيمنا باسم عائلة الشيخ أيضا) بالقرب من خيبر . من بين الأسماء الأخرى 
التى تطلق على الكلاب : “السواك* 0 (وأم و لمم )ء والنظّان مقجدنلا 
(وأم تغلّة 8نالا): والموشى لانادلااآ » ورشدان طعي ,2 ورككمتان 20 
وأميرة 806:8 » وأويش 7وألا©/01 ؛ والطراف 7088 , والحفيرة 51-8868 » 
والنمران 0ة:«الا . والحجيلان مداتززةلا عديلّة 12اأ4ه , والهوديبان 0وطه02ن! ؛ 
وعجيلان 5قاأزه » والتوجه 7893 »: والزوجمان 5888أوونات , والدويلان مقاأططناط , 
والسحران هقنوطة5 ؛ والهوامة 1603503 » والسمران 518686 ؛ واليوجان 6قوون8 »2 
وعايدة , 42ئه ؛ والواجة 398//ا . والودة 5090/لا » والفجوان «ودباززء؟ » وعودة 482ناه » 
والخوزاين بوالإقعنط) . ش 

بعد طلوع الشمس بنصف ساعة , يحمل الراعى عباعته على كتفه , وينادى على 
القطيع . ويمضى قدما ؛ وهنا ينهض أفراد القطيع متكئين على ركبهم ٠‏ ويسيروا خلف 
الراعى إلى منطقه المرعى : - والكلاب لا تتبع الغنم . والماعز هى والأغنام ترعى مع 
راعيها الذى يتجول بها هنا وهناك إلى أن تحين فترة القيّالة ؛ وعندها يستدعى الراعى 
القطيع المبعثر ؛ وإذا لم يكن اليوم موافقا ليوم السقيا , فإن الراعى يقتاد القطيع إلى 
ظلال الصخور ء أو إلى بعض الأشواك الصحراوية ؛ وعندها يحلب الراعى عنزة ليفطر 
على لبنها . والغنم تضم رعوسها بعضها إلى بعض ٠‏ فى فترة اشتداد الحر , أما الماعز 
فهى تحرس نفسها بنقسها , أما الراعى فيفرد طوله الفارع على الأرض لينام نومة 
القيلولة . إلى ما قبل العصر ٠‏ وعندها ينهض الراعى من نومه , ليقود القطيع إلى 
المرعى من جديد , لحين غروب الشمس ٠‏ وعندها ينادى الراعى مرة ثانية على قطيعه 


17 


لتجميعه . وهنا يتبع القطيع راعيه إلى خيام الأعراب ٠‏ وفى تلك الخيام تقم الماعز 
والنعاج التى امتلأت ضروعها بالحليب » فى أيدى ربة المنزل المسئولة , لتقوم بحلبها 
على وجه السرعة ؛ وكثير من تلك الماعز والنعاج تعجل بالدخول إلى الخيمة البدوية 
وترقد على أرضها . أما فيما يتعلق بالراعى الذى ليس لديه ما يأكله فليس أمامه من 
شىء سوى الضروع ؛ وهو راض عن هذا الروتين الحياتى اليومى : من هنا » وبالرغم 
من أن هذا الراعى قد يمشى حاقيا طول اليوم . تحت الشمس المحرقة , إلا أنه هو 
أكثر الناس سماحة فى حياة الصحراء . والجسم البشرى الذى يتغذى بالحليب » فى 
ضوء وحرارة الشمس الجافة » يكون نحيقا , ومليئا بالنخاع , وله قدره كبيرة على 
التحمل ؛ ولكن فيما بين التفاخر بالفقر وصلافة البدى ليس هناك من يرضى أن يكون 
راعيا » وإن فعل ذلك فهى من باب الضرورة القصوى . والرعاة ينامون أثناء النهار , 
.. وبخاصة فى ساعات الحر الشديد » وبطونهم خاوية » فى ظلال الخيام ‏ ويظلوا يعانون 
آلام الجوع إلى أن تعود الماشية إلى المنازل فى المساء . ولكن الراعى قد يفنى فى 
الصحراء , لأن مغامرته خفيفة ومحدودة , وإذا ما سرق منه القطيع فهو ليس له فيه 
سوى قلة قليلة من الماعز والنعاج . ورعايته تنصب على حيواتات أناس آخرين » الذين 
يثيرون الملل طوال النهار فى البيوت التى تخلى من البشر والسرور , وعندما يجىء الليل 
قد لا يحصل على قسط من الراحة مطلقا : ومع ذلك فهو سعيد بجولاته اليومية من 
خلال عمله الذى يقوم به على أحسن وجه , فى هزاء الصحراء النقى الجميل . 


غنم البدو الرحل تشرب يوما بعد يوم , ومع ذلك فإن الرعاة من البدو , 
قد لا يصلون بحكم اتساع ديارهم » فى كل الأحيان ؛ إلى مكان السقيا على وجه 
السرعة . وهنا يرسل الراعى ‏ على وجه السرعة , فى طلب إحضار الماء على ظهور 
الحمير . والحمار لا يتعرق , ولا يرقى إلى مرتبة الجمل فى كونه حيوان من حيوانات : 
الخلاء » أى إن شئت فقل الصحراء . ومع ذلك ؛ هناك الحمار الوحشى الذى يعيش فى 
الشمال الشرقى ؛ أى فى المنطقة القريبة من أنهار الصحراء السورية . والبدو يطلقون 
اسما محددا على كل رأس من رعوس الماشية » وفى كل قطيع مختتط ؛ إذا ما نادى 
الراعى » الذى تعرف الحيونات صوته » “على اسم من تلك الأسماء تراه يرفع رأسه 
إلى أعلى ." جلسنا ذات مساء بجوار وجار حمدى 48:809] وريا قططن8: ذلك الراعى 


188 


المريض » وراحا يحدثانى عن أسماء الغنم والماعز » التى كانت تقف بالقرب مثا , 
أى راقدة تجتر طعامها من حولنا . والقطعان عندما تذهب للشرب , تراها تنفصل عن 
بعضها ؛ والراعى عندما يقتاد تلك القطعان بعد الشرب ينادى كل قطيع باسمه . كان 
الراعى ربا 663ئا8 رجلا طيبا بسيطا بالرغم من أنه لم يشكر حكيمه فى مرة من 
المرات . وقبل ذلك بثمانية عشر شهرا ٠‏ وعندما كان يقوم بغزى ضد بدو الشرارات : 
أصيب “بستوة" (51910: أى إن شئت فقل : بجرح نتج عن ضرية سيف » فى عجيزته : 
والتأم جرح ذلك التعيس التثامًا سيئاء وراح يؤله منْ الداخل ؛ ورقد طول النهار يتأوه » 
وجعلته يتمتع براحة الليل عن طريق المسكنات ؛ ونظرا لأن ريا كان رجلا محطما » 
فلريما يموت بسبب معاناته . لقد هجرته زوجته منذ مدة طويلة , ولذلك تحول إلى 
مسكين داخل خيمة محمد العظيمة : هذا يعنى أن كل رفاقه كانوا بصحية الماشية 
الصغيرة . كان ربا » يعرف كل تفاصيل حياة كل واحد من أفراد ذلك القطيع ؛ بدءا 
من الفطام : كان ريا يقول : إن أفراد القطيع , بالنسية له تعد قطعا من جسده ؛ وأنه 
كان يحزن عندما يذيح فرد من أفراد قطيعه ؛ وأنه كان يأكل من لحم الذبيحة "بحكم 
الضرورة وليس عن طيب خاطر ," 

نعاج هذا الجزء المرتفع من البلاد تصوم مرة واحدة كل عامء ولا تلد توائم مطلقا, 
والماعز قد تيرز فى بعض الأحياء وهذا البروز يكون لكل ماشية الأعراب ٠‏ وغاليا 
ما يكون فى فصل الربيع ومراعيه . والعرب يطلقون على الحمل الذكر اسم "خروف”" 
301 الذى يسميه أهل نجد “طلى' لإاانا1 وجمعه “طليان” 30ذاانا؟؛ ويطلقون على 
الأنثى اسم 'روخال” 86131 (وهى راشيل ا©9865 فى الإنجيل) وجمعه "رّخل” اقطاه؛ 
وهذا الاسم يمكن أن يطلق أيضا على صغار إناث الماعز والنياق . سبق أن عرفنا 
أن وياء الماشية » أى إن شئت فقل : الموتان » قضى على قطعان الفجير : وهم يقولون 
لى : إن الغنم لا تربى أى تزدهر أى تزيد فى ديارهم والسبب فى ذلك هو الرمل الحاد 
الذى تأكله تلك القطعان مع الأعشاب الهزيلة التى تقتات يها . ولقد شاهدت بنفسى 
ذلك الذى يقول عنه البدى نعجة "مصابة بالرمل" , والتى وقفت بلا حراك طوال اليوم 
شأنها شأن الدواجن عندما يصيبها التوعك والكابة » وهنا سرعان ما تعمل الطبيعة 
عملها وتموت تلك المخلوقات . فى ذلك الوقت كان الموءاهيب فى جاو ناقل » التى مات 


9و 


فيها هى الأخرى عدد كبير من مواشيهم , نتيجه للآلآم والأورام ٠‏ يظن البدى الرحل أنه 
كان هناك مرض خبيث فى العشب فى ذلك العام , وأنه لم يؤدى فقط إلى نفوق 
دبوشهم 9*) وإنما شاهدوا الجراد أيضا ميتا على شكل أكوام كبيره تحت الأدغال ' 
كما شاهدوا أيضا جثت اثنين أو ثلاث من النعام نافقه فى الصحراء ٠‏ فضلا عن نفوق 
الكثير من الأرانب البرية . وهم يقولون أيضا : إن الإبل تأثرت بذلك المرض الخبيث 
ولكن أمكن تطهيرها وشفاؤها بانتعمال جرعه سن اريف كما قالوا أيضًا إتهم 
لم يخسروا من الإبل سوى اثتين فقط . وقالول : إنهم كاتوا يعالجون الماشية الصغيره 
باستعمال الحليب ؛ ولكن لم يتبقى من تلك الماشية الصغيرة سوى فرد واحد من بين 
كل عشرة أفراد مرضى . كانت بطون المواشى تنتفخ عند النفوق . - ولقد شاهدت 
وعرفت بنفسى أن أعداد كبيرة من الأرانب البرية نفقت بداء من هذا القبيل فى وادى 
(نيوميدال) أحد الوديان الأسكندنافية » فى عام من الأعوام 

ريات البيوت البدويات يبعن أصوافهن فى بلاد الحدود ؛ ولكن هذه الأصواف قليلة 
القيمة » وبخاصة ذلك الصوف الذى يشحن من سوريا إلى أورويا ولا يستخدم إلا فى 
صناعة البسط والسجاجيد . والأغطية الصوفية الخشنة . هذه النساء البدويات أبدين 
اعجابهن بلباس صوفى كنت أرتديه : “إنه حرير ( ردّدّن هذه العبارة فيما بينهن » وهن 
يتحسسن ذلك اللباس الصوفى ) » إنه ليس صوف * وعرب الجنوب الفقراء ليس لديهم 
سوى القليل جدًا من هذا الصوف الخشن , الأمر الذى يحرمهم من بيع أى شىءه منه , 
نظرا لعدم وصول أى من تجار ديار الحدود لشراء الصوف ؛ والنساء يحتفظن 
بما لديهن من صوف اتقمن بغزله, واستعمال خيوطه فى نسج قماش الخيام الصوفية » 
ولكنهن يبتعن تلك الخيوط فيما بينهن » فى بعض الأحيان . والأعراب عندما يجرّون 
أصواف أغنامهم , لا يراعون فى ذلك موعدًا محددا , وهذا ينسحب أيضا على شعر 
الماعز : هذا يعنى أن ربة البيت عندما تجد أن نعجة أى خروفا قد طال صوفه » فإنها 
تطلب من الراعى الإمساك به » فى حين تقوم هى باستخدام شفرة ثلمة » وتقوم بقطع 
كل ما تصل يديها إليه من الصوف بطريقة همجية غير منظمة ؛ ويعد أن يضيع منها 


(») الدبوش : الحيوانات والماشية كييرة السن . ( المترجم ) 


200 


ثلث صوف الخروف + تطلقه ليعود إلى حيث كان بين القطيع . والبدو يتركون الصوف 
الناعم متعلق حول أعناق الإبل وحول أردافها إلى أن يتساقط من تلقاء نفسه , 
وعند هذه المرحلة فقط تستطيع ربة البيت أخذ ذلك القليل , الذى يمكن لها أن تندفه 
مستخدمة فى ذلك إصبع الإبهام والسبابة . وتقوم ربات البيوت بخلط شعر الماعز 
وأصواف الأغنام ووير الجمال ؛ تمهيدا لقيامهن بغزله . وكل ما تفعله ربة البيت هى فرز 
الألوان ليس إلا : واللونان السائدان هما اللون البنى لوبر الجمال ؛ واللون الأبيض من 
صوف الغنم » والنساجات البدويات ينسجن أحزمة ييضاء على أرضيات الخيام 
المصنوعة من الصوف الأسود كما يستعمملن الصوف الأبيض فى تزيين حواف 
الصوف الأسود . 

الماعز هنا تشكل أغلبية قطعان اليدى المخططة , وهذا هى حال الغنم فى نجد : 
والنوى هنذا معتظيون على كليرة الغو وراتفنة الاين ما ليست زتفة :رتعدت قن 
بعض الأحيان: أن الماعز التى تشتتها الذئاب. أو التى يتخلى الغزاة عنها أثناء الهروب, 
تدس ريككوق فن المبهراء لكين فى المهراء مول إلى تاعيز برية ٠‏ وفنا 
يتحتم على الأعراب الاقتراب من تلك الحيوانات كما لو كانت ماعز برية . سألت البدو 
عن سبب عدم استئناسهم البنون الصفار ( البقر البرى ) ؟ وطالما آن البقر البرى 
المتوحش أشد قوة وأطيب لحما , يمكنهم تهجين ذلك الماعز البرى مع ماعزهم وإنتاج 
سلالة محسنة . أجابونى : "سيكون ذلك مضيعة للجهد , نظرا لأن البدون ( البقر 
البرى ) لا يمكن استئناسه , نظرا لأن برية ذلك البقر تظل متأصلة فيه .* شاهدت فى 
كثير من الأحيان حيوانات الغزال بصحبة قطعان البدو ؛ ويشكل عام يجرى ربط ذلك 
الحيوان الغريب من رجله إلى ساق عنزة من ماعز الحليب ؛ شاهدت الفزال موضوعا 
أيضا فى خيمة حليب الإبل : كان البدوى يرفع الحيوان الصغير بين يديه » ليجعله 
يرضع فى بز واحد من ضرع الناقة. والأعراب ينادون على حيواناتهم بنداءات مختلفة, 
إذا ما أرادوا لها الفدو أو الرواح أى الوقوف . ويحق لنا القول هنا إث هناك كلام 
مشترك واحد بين البدى هنا ٠‏ فيما يتعلق بالماشية ؛ ومع ذلك ليس هناك ما يختلف 
اختلافا كبيرا » فى هذا الصدد , بين القبائل البدوية . 


201 


انتهى الآن موسم الحليب الجميل ؛ بما فى ذلك المناطق المرتقعة البرآد من الحرة. 
فى شهور موسم الحليب الجميلة . يصب اللبن الحامض من السميلى ( القربة ) لكل من 
يدخل بيتا من بيوت الأصدقاء :- واللبن الحامض "نعمة من الله" . وأعظم شيىء نين 
الأعراب هى أن يصف الناس حياة أى إنسان منهم بأنها حياة إنسان 'كريم' ؛ ويالتالى 
فإن أخس الأسماء عندهم هو “بخيل . وأوعية الحليب عبارة عن طاسات من الخشب ؛ 
والبعض الجيد . من تلك الطاسات » يأتى يه البدى من سوق الحج ؛ بعض أخر من تلك 
الطاسات يكون مريع الشكل , ويقوم حدادو الصحراء بتحت تلك الطاسات بطريقة 
فجة. قلة قليلة جدًا من الشيوخ هى التى لديها طاسات مصنوعة من النحاس الأحمر 
المطلى بالقصدير . هذه الأوعية لها أسماء كثيرة عند العرب مثل , الجديهة 10098ل 
والمهاليب 15اا1838 والحلوية ابثاها! , الزّلفة 8 والحناية 858م45! . الجزيرة العربية 
مخلخلة من حيث الماشية . وريما كان هناك سبب يدعو إلى الاندفاش عندما نعلم أن 
الماشية البدوية لا تتزايد أعدادها فى الخلاء ‏ أو إن شئت فقل الصحراء ! - ولكن 
أصحاب هذه الماشية والماشية نفسها يزدهر حالهم فترة طويلة من الزمن . التربة هنا 
ليست حاضنة بسبب ضرب أشعة الشمس لها والجفاف الذى ينتج عن ذلك ٠‏ وهذا 
الجفاف بحد ذاته ينهى الحياة بكل صورها : زد على ذلك أن الطواعين المهلكة تداهم 
مكة كل جيل من الزمن ؛ والبدى يمضون حياتهم راكبين وقائمين بالغزى » ومن المؤكد 
أن الكثيرين منهم يموتون بسبب ذلك الغزى ؛ والسنوات التى تقل فيها الأمطار ؛ تخلو 
من الربيع ؛ هذا يعنى أيضا أن ماشية هؤلاء البدو تضيع على امتداد السنين » بفعل 
الغزى ؛ إنها "أرض تأكل السكان الذين يعيشون فوقها ." 

فى اليوم الرابع والعشرين من شهر يونيى غادر الأعراب ذلك الجزء المنبيسط 
المنخفض من الحرة : هذا يعنى أن آخر البرك جرى الإتيان على كل مائهاء وهنا يتعين 
على البدو النزول من الحرة إلى السهول طلبا للماء . سرنا أثناء نزولنا خلال خلاء 
(صحراء) من القمم والتلال البركانية » فوق أرض من الحمم اليركانية . عبر وديان 
ضطة من ديار منخفضة محروقة . وفى منتصف الرحلة ظهرت لنا مجموعة من الرجال 
الذين كانوا يقفون فوق سلسلة الجبال البركانية . تساءلت : "من يكون هؤلاء ؟ الإجابة 
"جيش اولاقل ! أى أعداء » وماذا نحن فاعلين الآن ؟" - هم هنا لإعطاء إنذار زائف : 


202 


رأيت الأعراب وهم يمرون بهدوء ؛ ومسلحين تسليحا سريا جيدًا » سمعتهم دون أن 
أبالى » - ألا يمكن أن يحدث لنا جميعا شىء واحد ؟ قالوا : اسمع وانتبه يا أنت , 
انظروا كيف يستمد ثقته من كتبه !" ما رأيك يا أنت أليس "الجيش” هو ما 
تسموه أنتم /881 ؟” - “لا - يا خليل , هذا هى كلام مدينتك . البدى يطلقون كلمة 
“جيش على النياق وراكبيها الذين يشتركون فى العمليات الحربية ." هؤلاء الذين 
رأيناهم كانوا بعض رجال قبيلتنا , لقد سبقونا قبل يومين ٠‏ وراحوا يصيدون البدون . 

قبل دخول الظهر كنا قد وصلنا إلى حاةه رأس الوادى التى يسمونها قريب 62,15؛ 
ومنطقة القريب هذه هى التى تمثل حافة الحرة . وادى القريب هذا عبارة عن تصدع 
شديد فى حدود ذلك الجبل المكون من الحجر الرملى » وهى ينفتح من أمامنا مثل 
منخفض من المنخفضات » رحت أتعجب كيف سنستطيع الهبوط. إليه ونحن على ظهور 
الإبل . وعند الحافة » التى نزل الجميع عندها من فوق دوايهم . شاهدت رجمين , 
أ إن شئت فقل : تلين من الحجارة » وربما كان لهذين الرجمين علاقة بالوفاة أى الموت 
(نظرًا لأن القدماء كانوا يضعون مثل هذه الرجوم فى المواقع المهمة) , أو ريما كانا 
موضوعين هنا ليكونا علامتين إرشاديتين 

نزل الرجال والماشية بحذر وانتباه هبوطا من فوق تلك الأماكن الوعرة المنحدرة ؛ 
وهذه هى إبل الحرة المتمرسة تحافظ على نفسها أثناء النزول يصعوية بالفة ؛ أثتاء 
سيرها بين تلك الأحجار المتدخرجة ٠‏ هذا المتزل » يقول البدو عنه , إنه لم يكن بهذه 
الوعورة من قبل , ولكن 'نجما هوى منذ أربع سنوات * وأسفر عن هذا الطريق الوعر 
بعد أن طمس معالم الطريق القديم” » وهذه هى مقدمة جسم الجبل المكون من الحجر 
الرملى تظهر من أمامنا. ومن فوق هذه الجبهة, أى المقدمة أرى الحافة المنحدرة للحرة ؛ 
ومن حولها كورنيش طويل من الحمم البركانية السوداء التى تشبه فى لونها لون الفحم, 
والتى تساقط البعض منها فى الصخر الرسويى الرخو ويين الصخور البازلتية . ونحن 
عد نقرأ هنا فى لحظة من اللحظات الطبيعية أن هذا الوادى المتصدع , هى أحدث من 
تلك الحمم البركانية الضحلة البعيدة . وهناك أيضا فى المنتصف صخرة شامخة مرتبة 
على شكل جداول ؛ وهذه الصخرة من الحجر الرملى (الصورة رقم )1١‏ والتى انهالت 


203 


طني كدي كبيرة من الحم البركانية ,وني المتخيض اليجود في الاسل يناهيت 


رأس الوادى الذى هبطنا إليه » كانت مليئة بكتل الحمم البركانية الضخمة » وهذا 
الانجراف لا يقل حده عن حدة لسان الجبل الجليدى ؛ عندما ينحدر فوق رمال ذلك 
السهل الذى ينخفض عن مستوى ذلك الجيل . ومنطقة الحدود السوداء الموجودة فى 
المنطقة التى تصطبغ باللونين الأصفر والرمادى ؛ هى التى تحدد منطقة الرعى فى 
وادى على ٠‏ وتفصلها عن الأرض المنخفضة الخارجة عن الزمام . وعقب الظلهر مباشرة 
نزل البدى من فوق دوابهم وراحت النساء ينصين بيوتهن فوق تلك الرمال الساخنة , 
وكنا ما نزال على ارتفاع حوالى 4٠٠١‏ قدم . وادى الحجر الرملى من تحتنا كان يمتد 
لمسافة ميل تقريبا ٠‏ فيما بين صخور وعرة ٠‏ كما بدأت درجة الحرارة تزداد بعد أن 
نزلنا من الحرة ؛ وهنا بدأ حليب القطعان والنياق فى الزيادة والظهور ؛ ولكن ذلك 
الحليب تناقص فى الأيام التالية إلى النصف تقريبا . وعندما عثر الأعراب على الماء فى 
خزان طبيعى ٠‏ قرروا أن ينالوا قسطا من الراحة . فى هذا المكان . على امتداد أيام 
قلائل . وظهر فوق الوادى كفر ( هجرة ) صغير مكون من خيام البدى الرحل : أصحا 
هذه الخيام هم من السّراحين 86,8618 , - ذلك الفرع أى الفخذ من الموءاهيب الذين 
تصالحوا مؤخرا مع بقية أفراد القبيلة . 

أسفل الصخره المقابلة من صخور الوادى » وصلت إلى مكان فيه كثير من 
التماثيل ؛ أى إن شئت فقل النقوش الصخرية المحفورة ٠‏ ومن حولها صور للماشية 
والحيوانات . كانت هذه الرسوم التى رسمتها أيدى القدماء وجعلتها تنبض بالحياة , 
كما شاهدت أيضا كومة كبيرة من الأحجار يقولون عنها 'إنها كومة قبر والدة أبى زيد 
الهلالى' . فى ذلك المكان هل على كل أطفال المُدَزْل » جاعوا مسلحين كما لو كان حيوانا 
متوحشا ظهر فجأة فى ديرتهم ؛ وكل واحد منهم يمسك فى يده مقلاعا ؛ أى "مرداحة" 
8 كما يقول له البدو . وهنا بدأ ذلك القطيع من الأوغاد يطلقون مقاليعهم من 
مسافة بعيدة . وعندما أوضحت لأولئك الأطفال أن بوسعى جعل الحجارة تغنى مدوية 
من فوق أذانهم . فروا هاربين . وعندما الخ تطلك بيرع ينا فعله أولئك الأطفال استاء 
منهم , أمام الجالسين فى مجلسه ؛ "ويل لهم ! - وغمغم ذلك الشيخ قائلا : أوصل 


204 


الأمر إلى حد ؛ أن عيال البدو لم يعودوا يحترمون الغريب بعد , الغريب ضيف الله ! 
ولا يهم أن يكون ذلك الضيف مسلما أم نصرانيا . خليل شاب أمين , ووالله » إن من 
يأذونه كلاب ٠‏ وملعونين ٠‏ ويهود أيضا ؛ أنت , يا خليل , لا تكترث بهم : وأنا أقول لك : 
فى البئر .“ - هذه الكلمات المهدئة التى صدرت عن الشيخ , لمنع الأطفال من تكرار 
ذلك الذى قعلوه ؛ هذه الكلمات حجمت الآباء أيضا وأوقفتهم عند حدودهم : هذا يعنى 
أن أولئك الأوغاد كانوا » بلا شك مُحرضين من قبل الكبار المتشددين . 

مظاهر الترويح عن الأطفال قليلة فى المخيم البدوى , ذلك أن الطفل أو الولد 
الصغير غالبا ما يدفعه والده إلى الرعى ؛ بمعنى أن يقوم ذلك الصبى الصغير يرعاية 
الحملان وصفغار الماعز فى منطقة لا تكون بعيدة عن البيوت : هؤلاء العيال راحوا 
يصنعون لأنفسهم شقافا صغيرة مثلثة الشكل ويطلقون عليها أسماء 'مرتاحاتهم 
وإبلهم” » وهم ينظمون تلك الشقافة فى الرمل ٠‏ وهم ينادون على رفاق اللعب قائلين 
"تعال |1328 شوف 58801 » بمعنى "هيا . احضر إلى هذا لترى بعينيك !' - بعض آخر 
من أولئك العيال ؛ لديهم لعبة يطلقون عليها اسم الفرنينى لا#/إ58:56 » وهى عبارة عن 
شقفة من الفخار فيها ثقبين . ومخيطة بخيط من خيوط الحياكة , التى تغزلها لهم 
أمهاتهم من أفضل أنواع وير الجمال , هذا الحجر ؛ او إن شئت فقل : تلك الشظية من 
شظايا الخشب ؛ تعلق فى المنتتصف , وعندما تقذف فى الهواء يلف الأطفال الخيطين 
ليكونا خيطا واحدا » مما يجعل تلك الشظية تدور محدثة طنينا عالى الصوت . شاهدت 
ورأيت عيال البدو وهم ينصبون فخا بالقرب من آبار المياه . ليمسكوا أى يصطادوا به 
طيور الحبارى ؛ كان ذلك الفخ عبارة عن بيرق من الحجر ٠‏ يعلق تعليقا خفيفا فوق 
عصى ؛ وكان طَّعمٌ ذلك الفخ عبارة عن حفرة صغيرة فى الأسفل . يضع فيها أولئك 
العيال , الطعم المطلوب مع شىء من الماء . - والكلمة الإنجليزية 113506 التى تعنى 


.5 


تمثيلية ترفيهية تتخللها الموسيقى والغناء ") مأخوذه من كلمة 'مسخرة" 80251538 : 
(*) شاع استعمال هذه الكلمة فى القرنين السادس عشر والسابع عشر . ( المترجم ) 


205 


لقد شاهدت أطفال البدو يجرون ويجمجمون *) ؛ ونحن هنا نعجب لماذا لم يتطور ذلك 
المزاح القكاهى الذى هى فى الدم السامى . ليصبح له شكلا مسرحيا أى شكل شعيى 
فى الديار المستقرة التى يسكنها الساميون . سرعان ما نشبت بينى وبين هؤلاء 
الأطفال صداقة , بل إن البعض منهم زارونى فى خيمتى ذات مساء . وهم مسودين 
وجوههم مستعملين فى ذلك الفحم النباتى » بعد أن صنعت لهم أمهاتهم لحى من 


بنذ يمعنى 'رجال سود" ,2 


صوف الغنم . كانوا يد.يحون قائلين إتهم "سودان 
وأنهم جاءوا من بلاد بعيدة ؛ وأن صاحب أفضل لحية بينهم هو شيخهم . ويعد أداء 
التحية البدوية الطويلة » التى هى فى معظمها تكرار ممل قد يستمر عشر مرات لعبارة 
واحدة هى ‏ "شيف الإ8© إنت 8814 "التى معناها "كيف حالك ؟ كيف حالك يارجل ؟” 
لم يعد لدى هؤلاء الأطفال ما يقولونه لى » وانصرفوا عنى ليلعبوا فى منطقة الخيول 
البرية . - تحولت إنسانية الترحيب والاستقبال السامى 56151116 إلى نوع من التقاق 

كان محسن قد مر على هذه المنطقة قيل مجيئنا اليها بوقت قصير ؛ هذا الشيخ 
فى أيدى الأعداء . عثّر اللصوص على صناديق الدواء فى خرج الحكيم واكتشفوا أن 
ذلك الحكيم كان غرييا عليهم. "قالوا للشخص الآخر: من أنت بالله ؟” ورد عليهم الشيخ 
قائلا : "أنتم يا من تنتمون إلى الشرارات ؛ تعلمون أنى محسن العلايدة .' - 'وأنت 
محسن العلايدة - هيه ؛ أيها الرفاق ! هذا هو ذلك الرجل الكريم - فى خرجك » 
يا محسن , لابد أن يكون هناك سَكّرٌ .' ( تقدم القهوة فى خيمة محسن محلاة بالسكر 
السكر . خذ ما تشاء ! وأعط منه شيئًا لكلاب الشرارات !' "قال شيخ المنصر , 


(*) الجمجمة : الكلام يصوت غير مفهوم . ( المترجم ) 
(»») الكلمة "سودان” هنا مستخدمة بمعنى عكس “البيضان" . ( المترجم ) 


206 


أتسمعون ما يقول أيها الرفاق ؛ لقد أخذنا النياق هى وما عليها ؛ ولن نجردهم 
مما معهم لأن هذا هو محسن الكريم . والله . لن نسىء إليه مطلقا .” وهنا سال الحكيم 
عن نفسه “هل سيعيدون إليه أدويته ؟” - لا . سوف نصطحب تلك الأدويه معنا ؛ لأننا 
نعتقد أن الحريم سوف يتعرفن عليها : ولكننا سنعيد إلى الغريب كتبه مرة ثانية , 
ونتركهم لحال سبيلهم . - ونحن جد آسفين لأنك ستمشى على قدميك يا محسن ؛ 
والمسافة ليست بعيدة . كما أنك تعرف الطريق إلى القرية .' - كان محسن فى ذلك 
اليوم قد تسلم من رئيسه الكبير مبلغا صغيرا من باب الإشفاق الإنسانى !- هذه 
الشهرة الأمينة كانت قد سيقت ذلك الرجل إلى أعدائه . وجاءوا » الى تبوك » فى تلك 
الليلة ماشين على أقدامهم ؛ واستأجروا من تبوك لأنفسهم نياقا ؛ ركبوها ودخلوا عن 
طريق درب 988 البُخرة 5:8كانا6-/ من داخل طريق الحج ؛ بحثا عن الأمن والسلامة , 
ليصلوا بعد ذلك إل يعضن.من الأعرات الأصدقاء:- هذه هى حناة الهروب التى يحياها 
أولثك الذين يعيشون فى الجزيرة العربية » الذين هم أبأس أنواع الجنس البشرى ! 
حكيم العيون هذا ٠‏ كان مغربيا من مراكش واسمه أبو دا80 سليم 56118 : بلغنى 
أن ذلك الحكيم قال للأعراب إنه سبق له أن عرفنى فى دمشق ٠‏ "أنى كنت من بلدياته » 
وأنى رجل أمين » وأنه هو نقفسه كان إنجليزيا :" كان ذلك يعنى » أن ذلك الحكيم , 
إذا ما دعت الضرورة ٠‏ يستطيع إيعاد نفسه عن مطاردة الضباط الأشراف من الأتراك 
ليكون فى كنف القنصلية الإنجليزية الصديقة: لم يكن شخص ذلك الحكيم معروفا لى » 
بل أننى تأكدت منذ ذلك الحين ٠‏ أن ذلك الشخص لم يكن معروفا فى القنصلية . وريما 
يكون ذلك الشخص . قد سمع من ضباط الحج ٠‏ أثناء العودة ؛ عن المغامرة التى كنت 
قائما بها فى الجزيرة العربية ؛ يضاف إلى ذلك إنهم ربما طلبوا منه السؤال والتحرى 
عنى . كان أبو سليم ماهرا فى عمله . فقد ورث مهارة أبيه » الذى كان حكيما للعيون 
فى البلاد الغربية تحت اسم أيو سليم . هذا الذى راج أول ما راج فى الممستعمرة 
المغربية , أصيح اليوم على كل لسان من ألسنة المسلمين الموجودين فى دمشق ؛ ومع 
ذلك لم يكن بوسعه ممارسة عمله علانية فى المدن الحكومية نظرا لأنه لم يكن يحمل 
مؤهلا . وسرعان ما ذاع صيت أبى سليم فى كل الأرجاء البعيدة من سوريا : إذ كان 


207 


يذهب إلى تلك الأرجاء فى معظم الأحيان ٠‏ ولم يكن فيها من يمكن أن يسائله أو حتى 
يسأل عن مؤهله أى تعليمه. يضاف إلى ذلك أن كثيرا من مرضى العيون كانوا يترددون 
على أبى سليم فى دمشق . كنت قد .نصحت الشيخ محسن بزيارة أو التردد على أطباء 
البعثة المتعلمين فى بيروت : ولكن مسلمى دمشق كانوا يفضلون المغربى على أولئك 
المتعلمين فى مدارس الطب الإفرنجية . وبلغنى أيضا أن المغارية كانوا يعظمون 
أبا سليم باعتباره شيئًا فريدا : هذا الرجل ٠‏ أبى سليم » كان عندما يدخل مقهى من 
المقاهى ؛ يطلب من المحاسب أن لا يأخذ مليما واحدًا من أى واحد عندما يغادر القهوة 
خارجا منها :- هذا يعنى أن جميع الحاضرين قد أصيحوا ضيوفا عليه ؛ فيما يتعلق 
بالشيشة وفنجال المشروب ٠‏ طالما بقى أبو سليم جالسا معهم . 

كان أبى سليم قد سمع عن مريضه » عندما قام محسن بزيارته . "(قال أبى سليم) 
ماذا ستعطينى نظير شفاء عينيك.؟” محسن : “تقول هذا بنفسك . ماذا يعنى لو أنفقت 
الذهب سواء أكان أبيضا أم أحمرا » حتى أستعيد بصرى مرة ثانية ؟' - "مائة ليرة" 
(جنيه ؛ أو بالعملة التركية) . - "حسن ؛ اتفقنا على مائة ليرة ." - "انتبه يا محسن , 
سوف أعالجك مجانا » وسوف أرافقك بعد ذلك "إلى ديرتك فى الحجاز . لأمارس مهنة 
طب العيون بين القيائل . فترة من الزمن ٠.‏ هذا هو محسن استعاد بصره بصورة 
جزئية وأصبح يرى رؤية ضعيفة . 

نزل أبى سليم بعد حادث شفاء محسن , إلى المدينة ( المنورة ) لشراء بعض 
الأدوية : - بقى أبو سليم طوال فصل الصيف مع محسن فى خيبر ؛ ولقد بلغنى منذ 
سفره أنه بحكم أنه كان مبشرا بالإنجيل : "لم يستطع هناك ممارسة العلاج على كثير 
من الأفراد ؛ نظرا لعدم إيمان الناس فى خيبر بما كان يقول به أبى سليم .' وهنا وجد 
من المناسب له أن يبقى بلا عمل فى خيبر , على أن يعمل من أجل أناس من البدو 
يمثلون جيلا بلا عقيدة. ومع ذلك ٠‏ وبحكم أن أبا سليم كان واحدا من المغاربة النجباء , 
فقد ألقى بعض الأحاديث فى خيبر ٠‏ إلى حد أنه وعدهم يعرق من المياه » يبلغ من القوة 
حداً يستطيع معها . عند فتحه , إدارة طاحونة من طواحين الماء . شريطة أن يعطوه 
مائة ليرة . يضاف إلى ذلك , أن أبا سليم أبلغ هؤلاء الخيابرة أنه اكتشف 'موقعا 


205 


قديما لكنيس' لآ1075»! يهودى قديم (معبد يهودى) ؛ ولذلك فإنهم سوف يقومون بالتنقيب 
عن ذلك الكنيس ؛ ووعد بأته سوف يأخذ الرقاق التى سيجرى العثور عليها » والتى 
يمكن أن يعرف منها ومن الكتابات التى عليها ؛ الأماكن التى خب فيها أولئك الخيابرة 
( الموسويين ) كنوزهم الدنيوية ؛ وابتلع الناس كلام أبى سليم : ولكن متى يجتمع 
العرب للقيام بيشىء جديد ؟ ليس هناك من بين هؤلاء العرب من هو على استعداد 
لإنفاق بنس واحد نظير الحصول على عشرة جنيهات : ولذلك تركوا ذلك الحكيم لحال 
سبيله » ومع ذلك ظل الخيابرة يتحدثون عن الأستاذ أبا سليم وكلامه الغريب ٠‏ حتى 
عندما وصلت أنا إلى هذا المكان . 


209 


الفصل السادس عشر 


الأعراب يتركون الحرة وينزلون إلى محطة الصيف فى وادى تربة 


مولود جديد لطلّوج العجوز . نبات السئًّا . هودج الإبل الخاص بالنساء . 
رحلاتهن فى قيظ الصيف. جراحة فى الصدراء. ممر ثروييد . أشجار الورد السورية . 
وادى تربة الصحراوى . عدد كبير من عربات اليد العظيمة جيدة الصنع. القرى الميتة . 
الآبار المتدفقة فى تربة . المحطة الصيفية . جوع الناس . حياة ينقصها كل شىء . يوم 
الجوع الحار . يظنون أن النصرانى منفى . العرب ناقلوا حكايات . تنشرح صدورهم 
لخطاب الغريب . أسئلة وإجابات فى الدين . عريات اليد . المنهل . طيور فى الماء . 
مكان الدفن وأماكن الصلاة . الوك . دفن الموتى . قريان طلُوج . نشر الدم . القربان . 
القبائل لن تنزل إلى خيبر هذا العام . النصراني يود زيادة مياههم . الموداهيب 
يتشككون فى مسألة خضوعهم أو عدم خضوعهم لابن الرشيد . يحضرون أسلحتهم 
للنصرانى . النعاج تعود إلى الديار طلبا للسقيا . السقيا . الفيل , والبجعة , والأسد ‏ 
ليست سوى أسماء من أسمائهم . الداريش . 

بعد أن تركنا وادى قريب 63:5 خيمنا لمدة خمس ساعات فى اتجاه الجنوب 
الغربى . فى منطقة يسموتها لخر 83 ؛ كانت حرارة منتصف الصيف شديدة 
تماما حتى فى هذا الجزء المرتفع من الأرض ! فى هذه المنطقة حملت امرأة شابة 
جميلة ؛ والتى يجىء ترتيبها الخامسة عشرة بين زوجات طُلّحِ ؛ وليدها الأول منه وراحة 
تواسى ذلك القلب العجوز فى شيخوخته . وفى اليوم الأخير من شهر يونيى هبطنا 
متجهين جنويا مستخدمين فى ذلك طريق الحج ؛ وفى ذلك الاتجاه شاهدت من جديد 
الآثار التى خلفتها عجلات عريبة مدفع الأورطة . ومن بين التلال البركانية التى 


211 


عن يسارنا , ها هو جبل من الحجر الرملى شكله يشبه شكل خلية النحل ؛ الناس هنا 
يسمون ذلك الجيل ياسم حبل مرزوم 1462019 الذى هيئ لى أن قمته من البازلت , 
بالرغم من وقوعه على بعد عدة أميال عن جانب الحرة . رأيت فى ذلك الممر القاحل 
كثيرا من نباتات السنًا » أو إن شئت فقل : السنى , المزهرة ؛ وزهور هذا النبات 
صفراء اللون » وتشبه زهور البازلاء البرية تقريبا . وراحت ناقتى تقطف وتقضم أعراف 
ذلك العشب ٠‏ الذى تعافه الإبل فى أغلب الأحيان , إضافة إلى أن البدى يُسرعون خطى 
إبلهم عندما يرون هذا التيات ؛ ولكن أولئك الذين كانوا زاكبين دوابهم ويسيرون إلى 
جوارى نظروا إلى نظرة بدوية حاقدة ‏ وكظموا غيظهم ؛ ثم قالوا لى بعد ذلك : "ما 
السبب الذى جعلك , يا خليل » تترك ناقتك تأكل ذلك النبات السام !* 

رحلة الموءاهيب وسيرهم فى الصحراء أكثر شجاعة ؛ إلى حد ما ؛ من رحلّة 
الفجير ؛ والسبب فى ذلك أن ربات البيوت المتزوجات من الشيوخ يركين دوابهن فوق 
سروج مبهرجة يطلقون عليها اسم 'موكسير” 5881516 ومفرود عليها سجاد زاهى 
الألوان . هذه الموكسيرات التى تصدر أصواتا هى على شكل سلال من الأغصان 
الرفيعة . مجدولة ومخيطة بدقة إلى بعضها البعض باستخدام أعصاب عنق الجمل , 
(التى يبيض لونها وتزداد متانتها بعد أن تجف ») وشرائط من الجلد الخام . غالبية تلك 
الموكسيرات ٠‏ تكون مربعة الشكل , تسمح للزوجة بالجلوس فيها القرفصاء . ومعها 
أطفالها ؛ ومن فوق ذلك الموكسير يوجد عود أى عودين مطويين لتعلق الزوجة عليهما 
عباعتها ٠‏ لتكون بمثابة غطاءء, يحميها هى وأولادها الصغار من أشعة الشمس المحرقة. 
لديهم أيضا » فى تلك الديرة نوع آخر من السلال . التى ريما كانت من الموروث العربى 
القديم , لأننى سبق لى أن شاهدت سثل هذه السلة فى رحلة من رحلات البدو فى 
الصحراء 56868 الجزائرية الصغيرة . وهذه السلة عبارة عن إطار طويل من 
الأغصان ؛ يشبه إلى حد بعيد جدا شراع طاحونة الهواء محملة على صلب الجمل : 
هذا يعنى أن الزوجة تزحف فى ذلك القفص المستقيم ٠‏ الذى تجعل أذرعه البارزة التى 
تصطدم بالصخر وبالأشجار » شيئًا غير مريح أثناء التنقل . وساءلت نفسى . كيف 
خطر ببالهم » أن يستعملوا شيئًا غير مناسب مثل هذه السلة . "هذا من أجل الزينة , 
يا خليل ! كما أن النساء الشابات يركبن فى تلك السلال وهن متشجعات ٠‏ والحريم 


212 


يقمن بوضع شراشيب حمراء اللون من حول أركان تلك السلال . كما يضعن على 
السرج أيضا كسوة لها شراريب متدلية من الجلد . من هنا فإن ركوب ريات البيوت 
يشكل موكبا مبهرجا وجميلا : فى أذهان الأعراب » أثناء مسير مواكبهم المتجولة . أما 
الرجال فهم يتقدمون , مثل هذا الموكب , راكبين نياقهم . والرجال يلتزمون الصمت ٠‏ 
فى أغلب الأحيان ؛ أثناء ترحالهم » إذا ما اشتدت حرارة الشمس وارتفعت درجة 
الحرارة . والسبب فى ذلك أن حديث الأعراب . فى ظل مثل هذه الظروف ؛ يجعلهم 
يفتحون أفواههم فى ذلك الجى الجاف , مما يؤدى إلى إحساسهم بالعطش : وهم 
يركبون نياقهم ويتنفسون الهواء من خلال غترهم (أغطيه رعوسهم)., التى يطلقون عليها 
اسم الثْرِيبِ 5615 والتى يضعون من فوقها شيئًا يسمونه المحسوب طناوطلام » 
أى المعصوب 85805 أو العقال 8981 ) » بحيث لا يظهر من ذلك الغطاء أى شىء سوى 
هاتين العينين السوداوين اللتين تشبهان عيون اللصوص . ش 
هذه الرّحُلات التى يقوم بها البدو . خلال حرارة الصيف يقولون عنها : إنها 
شرنةة القتاعة :.فية» فى الكتهراءكزغلل العدوة #وتتشاط علدها أقنعة الشمس : 
وهذا هو المخ البشرى يكاد يغمى عليه من شدة هذه الحرارة ؛ من هنا فإن الأعراب 
كلهم ؛ وبلا أى استثناء . ينسحبون , خلال فصل الصيف » إلى محطات سقياهم 
الصيفية العظيمة , مما يجعلهم يقيمون فى مخيمات ثابتة أى دائمة إن صح التعبير . 
هؤلاء هم الرعاة والأطفال يرحلون معنا وهم حفاة ويمشون فوق الرمال المتوهجة 
والأحجار المشتعلة ؛ والصبية يكونون حاسرى الرعوس فى كثير من الأحيان » 
بل ويكونون عراة أيضا . وفى بعض الأيام يقطعون مسافة قد تتردد بين عشرين 
وثلاثين ميلا » وهم صائمون ولا يحمل الواحد منهم معه سوى قربة صغيرة من الماء . 
هذا يعنى أن مثل هؤلاء الصبية يتعرضون منذ فترة مبكرة ويحكم الضرورة ٠‏ لتحمل 
أعباء الحياة فى الصحراء . فضلا عن أنهم يتعلمون كيف يهتدون بالعلامات الأرضية : 
ولكن حرارة الشمس الحارقة التى تشوى أجسامهم العارية » وكذلك تعرضهم لويلات 
الريح » يتسبب فى إصابة سيقانهم الضعيفة بكثير من الأمراض , التى تنمى وتتفاقم 
معهم ثم تظهر عليهم أعراضها عندما يكبرون فى السن . وعند الظهيرة خرجنا من 
الطريق الذى كنا نسير فيه » لنصبح فوق مستوى مَنزّل الحج بصورة طفيفة ٠‏ ثم دخلنا 


213 


بعد ذلك شقا طوليا متصدعا بين حدود العويرض المكونة من الحجر الر ؛ هذه هى 
المنطقة التى يسمونها الذوريد 60 5 » ووادى السيل اعتبارا من وادى قريب 
اءة6 إلى وادى السهل فى منطقة الحجر . هذا الجزء من البلاد الذى انشق حجره 
الرملى على شكل صليب ؛ يتحول إلى متاهة طبيعية فيها كثير من الممرات المسدودة 
والمعقوفة والملتوية » التى تمتد خلال الجبل . وسرعان ما نزل البدى عن دوابهم فى هذه 
المتاهة , وراحوا ينزلون أشياءهم ٠‏ كل فى منزّله » فى الظل الناتج عن الصخور , 
وتركوا إبل الحمل حرة طليقة ؛ فعلوا ذلك لكى يَقَيِلُون مداقادونيو ؛ هذا يعنى أنهم 
سوف يمضون ٠‏ فى هذا المكان , ساعات الزوال , طلبا للراحة على أن يبدءوا من جديد 
قبيل العصر . ا 

هؤلاء هم إخوان الراعى المزيض يحملونه بين أيديهم . وهو يتأوه ألما بسيب' 
الركوب غير المريع - وهذا هو الرجل الوقح يشعر بالارتياح وهى يستمع إلى أنين ذلك 
المريض. وهذا هو بنى الا886 ٠‏ شقيق الراعى المريضء: فى ظل هذا الظرف الطارئ. 
رأيته وهو يمسك إبرة » وراح يحاول بها فتح خراج » أو إن شئت فقل : دملا عند 
مفصل الورك . وأفلح بِنّى فى وخن. الدّمل إلى أن فتحه , لينساب منه على الرمل صديد 
عجيب . وأمسك الحاضرون أنوفهم ؛ وايتعدوا قليلا عن المكان ؛ وعلى القور سحب 
شقيق المصاب ؛ وعلى وجه السرعة » واحدة من الفتر (أغطية الرأس) . ووقف الأعراب 
غند مسافة ظنوا إنها أدنى ما يمكن عمله لتجنب العدوى , وتحاشيا لتلك الرائحة 
العفنة الصادرة عن ذلك الصديد . ونحن نجد فى مدن الساميين بعض الأفكار الطيبة 
التى من هذا القبيل . كما هى الحال بالنسبة للأقوال المأثورة عند الدمشقيين عندما 
يقولون : "من يتأخر فى التطعيم يتعين عليه أن لا يشم لحم البشر ؛* والبدو يقدرون 
الروائح الطيبة باعتبارها مفيدة للصحة ؛ وهذا هو ما أقره أطباؤنا القدامى ( ذلك الذى 
ترتاح إليه أنوفنا يرجع إلى الورود الجميلة الحلوة ) . من هنا فإن الأعراب يصنعون 
يعض أدوية الأنف على شكل مساحيق من بعض الأعشاب , والروائح الطيبة » بحيث 
تعلق تلك المساحيق والروائح مدة يوم أى يومين فى أنوفهم , وفى أنوف إبلهم . ذات 
مساء ؛ عندما كنت فى مدائن صالح ؛ استعرض عقرب نفسه على أحجار وجار القهوة؛ 


214 


وتراجع الحاضرون كلهم » وقام أحدهم بضري العقرب بعصاه . ثم وضعه فوق جمر 
الثار ! "صاح الحاج نجم ٠‏ أخرجوا ؛ لقد أحرقت العقرب !' وهنا نهض الجميع وتركوا 
المكان ؛ ولما كان شىء من عصارة العقرب قد تناثر على جبهة حسن , فقد مسح ذلك 
بظهر يده وهى يضحك . وكان كل همه يتمثل فى عدم تشمم رائحة ذلك العقرب وهو 
يحترق . الأعراب » تسرهم العطور الطيبة ؛ وريات البيوت البدويات تصنعن كنوزا من 
تلك العطور التى تكون بحوزتهن . إذ يستعملنها فى الدواء : كانت ربات البيوت 
البدويات تسألنى فى أحيان كثيرة "أليس معك عطور تبيعها ؟ وأهل الجزيرة العربية 
عندما يزكون مكانا من الأماكن , ولتقل مكانا كثيبا مثل قرية العلا أى خيبر ٠‏ يقولون : 
"إنه غارق فى هواء فاسد , وأنت تشرب منه ماء غير صالح ." 

توقف بعض الرعاة الذين كانوا بصحبة القطعان ٠‏ كيما يسألون عن الطريق , 
نظرا لأن هذه المتاهة الجبلية هنا غير واضحة المعالم » حتى بالنسبة للأعراب أنفسهم . 
. ( قالوا لى ) إن طريق الحج السورى كان يمر بهذه المتاهة فى يوم من الايام ! - ولكنى 
لم أستطع ؛ عن طريق أى نقش من التقوش التى على حواف الحجر الرملى الهاوية » 
معرفة ما إذا كان هناك أى قسم من أقسام طريق القوافل التجارى القديم . هذا المكان 
الزاخر باللصوص . والعامر بالكهوف التى تتخذ شكل الصخور . والملىء بالمعاقل 
(النقاط الحصينة) سواء على الأرض أو فى أماكن السكنى الطبيعية , والتى تشبه 
السراديب », وتقع على جانبى السائر فى هذا المكان . لا يمكن لمثل هذا المكان أن 
يصلح لمرور القوافل أى حتى من يمارسون العمل ضمن هذه القوافل . فى هذه المضايق 
التى تمتد لمسافة أميال ؛ هناك الكثير من أشجار السنط الشوكية , كما يوجد بها 
أيضا شجر برى من أشجار التين التى تشبه أوراقها أوراق الريحان ويطلقون عليها 
اسم "العثوب” ذداط؛ن-ا© ؛ كما يوجد فى الأماكن المنخفضة شىء من العشب الأخضر » 
الذى يوحى بأن ماء السيل يقع على بعد مسافة قصيرة أسفل ذلك العشب الأخضر . 
> وكتى لم أن قن آى مكان آى اث لاشبتجان الفا الى تعمل :رهوزا من قدي الورد 
البلدى ؛ التى تسر زهورها الناظرين فى كل المواقع الجديدة فى الصحراء الجيرية من 
الناحية السورية . كما أن هذه الزهور جميلة فى مدينة بيترا 8158 , وكم هى جميلة 
أيضا فى مجارى سيول الأردن ! - ويا لجمال تلك الحدائق البرية فائقة الجمال التى 


215 


كانت فيها مدينة القيصر 2653:63© فيلبى )) أممالطام فى يوم من الأيام !- ولكن أنعم 
بالزهور المائية التى فى البيارات اللذيذة التى تنساب مياهها بفعل مياه بحيرة الجليلى 
©1116 ! ومن كان مسيحيا » ينبغى ( إن أمكن له ذلك ) أن لا يتذكر ذلك المكان عندما 
يموت ويرحل عن الدنيا ! 


غربت الشمس عقب وصولنا مياشرة إلى سهل الحجر ؛ ومع ذلك واصلذا مسيرنا 
فى ضوء الشفق الذى كان لونه يميل إلى اللون البنى » ملتزمين فى ذلك الأطراف 
السفلية لصخور الحرة . دخل الليل علينا » وعجلنا بالنزول على وجه السرعة ؛ وكنا 
سعداء عندما توقفنا , بالرغم من أننا كنا ما نزال صائمين ويلا عشاء . كما سعدنا 
أيضا بإراحة رعوسنا على مخاد » هى فى حقيقة أمرها قطعا من الصخر » وسط هذا 
الانجراق البركانى الكبير . لم يكن فى ضروع الماشية التى كانت معنا أية قطرة من 
الحليب ؛ إضافة إلى أن أى أحد منا لم يقى على الوقوف فوق الأرض التى كان ينام 
عليها » حتى يتسنى له جمع شىء من الحطب لإشعال نار المساء ‏ إذ كان الجميع ؛ فى 
هذه المنطقة , خائقين » من الدوس فوق الدبيان #قلإ065 أى إن شئت فقل : الثعابين . 
والبدى الرحل يخشون تلك الحيوانات أو الزواحف السامة ؛ وقد شوهد ثعبان فى بيت 
من البيوت وهى يزحف بين بعض الجوالات التى لم يأخذها البدو معهم , ( وقد تاكدت 
أن تلك الأسرة هجرت بيتها وتخلت عنه » ويقيت بعيدة عنه عدة أيام إلى أن تأكدوا من 
زوال الخطر . ) 

أمضينا هذه الليلة القصيرة من ليالى الصيف على ذلك التحو إلى أن شقشق 
النهار » وعندها حمل الأعراب أشياءهم ومضينا قدما من جديد ؛ لنضرب خيام المخيم 
الدائم فى وادى ترية 781658 فى ذلك اليوم . كنا نقيم فوق عالم من الحمم البركانية , 
تساقطت صخوره من كهوف العويرض ٠‏ إلى أن التحم ذلك الركام البركانى بالجيلة 
83 , التى وصلنا فيها إلى بداية ذلك الوادى , الذى يطل على المزحام 11621877 فى 


(»*) مدينة القيصر فيلبى : واحدة من المدن السورية حاليًا . كانت مدينة قلسطينية قديمًا . وهى حاليًا قرية 
بنياس التى تقع فى أقصى جنوب غربى سوريا , بالقرب من الحدود الإسرائيلية . والموقع هو أصلاً لمدينة 
بتياس 520685 الإغريقية الذى غيره الرومان إلى القيصر فيليى . ( المترجم ) 


216 


الصخور المطبقة على سهل مدائن صالح . قاع هذا الوادى القاحل عبارة عن حوض 
جدب من الحصباء والحمم البركانية وكذلك الأحجار البركانية التى هى عبارة عن 
شرائح ورفوق , وضفاف وشرفات , وأكوام مريعة بلا عدد فى منطقة كبيرة من مناطق 
السيل . كل ذلك العمل ؛ وكل ذلك التشقق يتكرر ويحدث نتيجة مجرى مائى متذبذب : 
ولكن من أين تجىء وفرة المياه فى هذا المكان فى ظل مناخ منعدم الأمطار تقريبا ؟ 
هذه هى رخات الخريف الضعيفة , تنزل بعد الأمطار التى تسقط على الجبال العالية ' 
أو المياه التى تنتج فى فصل الشتاء عن ذويان الجليد ؛ كل هذه المياه يتعين أن تغوص 
وتمتصها تلك النقايات الشاسعة من الرمال والصخور . 

بعد أن سرنا فى الجبل مدة ساعتين » مررنا على كثير من الأكوام المبنية » التى 
يطلقون عليها اسم “الرّجوم” «دز؛ . وسط هذه الصحراء القاحلة التى هى عبارة عن 
ضفاف وأحجار . رأيت بعضا من تلك الرجوم مبنية فى جزء من أجزاء قناة السيل ؛ - 
ترى هل توقفت قنوات السيل عن أن تكون مجارى مائية فى عهد أولئك البتاة القدماء ؟ 
أم أن هذه الرجوم هى مقابر عائلات وأسر الشيوخ؟ - ولكن ما مدى قدم تلك الرجوم ؟ 
معروف أن الحياة السامية 565186 فى المناطق المرتفعة ليست أصيلة بل يمكن القول: 
إنها تكون دوما بدائية , من هنا يمكن القول : إن تلك الرجوم من زمن مقابر المعابد 
الخاصة بتجار قرية الحجر :زولا - والتى نستطيع التخمين ٠‏ بأنها وذلك من منظورنا 
إلى شكلها , ريما تكون من بداية العالم الإنسانى ! معروف أن آثار الأيدى البشرية » 
بما فى ذلك المقابر الأثرية . إنما تشكل منظرا مريحا ويسر الخاطر فى سطح 
أو تضاريس هذه الأرض التيتانية 1188016 (الشاسعة) . 

جدران الوادى ؛ عند بدايته » عبارة عن صخر رملى من فوقه الحمم البركانية 
التى فاضت عليه من الحرة ؛ وترتب على ذلك هبوط الحجر الرملى أسفل أرضية 
الوادى الآخذة فى الارتفاع . ويعد مسير ساعة فوق هذه الأرض تتحول جدران الوادى 
إلى مجارى مائية زرقاء اللون من فوق مجارى من البازلت ؛ ويصل ارتفاع كل هذه 
الأجزاء إلى مائة قامة . وفى الأعلى ٠‏ حيث يوجد وادى جانبى ؛ على الناحية اليمنى » 
مررنا ببعض الآثار القديمة . وقد أطلعني العرب فى تلك المتطقة على قناة مهدمة ٠‏ ويقع 
أو إن شئت فقل : أماكن من المبانى القديمة : شاهدت فى تلك الأماكن بعض المبانى 


217 


الجافة من الكتل البركانية , والجدران الطويلة » فى اتجاه منتصف الوادى » فى منطقة 
السكون الجرداء: والشرفات: والاراء ضى المستوية » وفى مسورات البيوت القديمة ‏ - 
ولكن تلك المستوطنة الميتة فقدت اسمهاء, وهم هنا يطلقون عليها اسم "الجرية' 18,ه6-اء 
بمعنى القرية . شاهدت بعد ذلك كثيرا من الرجوم التى تقف إلى جوار يعضها فى 
الوادى ٠‏ وهذه الرجوم بناها الإنسان بالطريقة الجافة ؛ كما شاهدت أيضا كثيرا من 
الجحور تظهر على شكل مجموعة غلى جانب الوادى الذى يتخذ شكل الرف . والبدو 
ليس عندهم أى علم أو معرفة بتراث أولئك الذين عاشوا ذ فى الزمن القديم فى عالمهم 
أى إن شئت فقل : بلادهم : 'يقولون » إن بناة تلك القرى الميتة هم يهود أو نصارى ." 

ومع ذلك ما تزال هناك بعض عيون الماء فى تلك الأجزاء العالية من البلاد » الأمر 
الذى يجعل الموءاهيب لا يتخلون عن وادئ ترية وبخاصة أولئك الذين يعملون بالزراعة 
من بين أولئك الموءاهيب ؛ هؤلاء الموءاهيب الذين يعملون بالزراعة هم من وادى العروش" ‏ 
51ن؟ناة-ات المقايل لوادى تربة . ولكن السبب الرئيسى وراء تخلى المواءعفيب عن وادى 
ترية » فى هذا العام . هو خوفهن من الغزوى الذى يقوم به البشر 81586 (أفراد قبيلة 
بشر) بتحريض أمير الشمرٌ :58350508 . مررنا على عدد قليل من المساحات الزراعية 
الخالية من الزروع » والتى تقع وسط أحجار الحرة القاحلة الجرداء : فى الأرض 
القريبة من الأبيار ؛ فى تلك المناطق نزل الأعراب عن دوابهم . ويالتالى تسنى لكل 
أسرة النزول فى المنطقة التى تود النزول فيها . وعلى امتداد سنوات متتالية » وفى تلك 
الأجزاء البارزة من تلك التربة البركانية» وبدون أى غطاء , راح أولئك الموعاهيب يزرعون 
الشعير والقمح؛ والقرع العسلىء والشمام والبطيخ , بالإضافة إلى قليل من التبغ ؛ وكل 
هذه الأنواع من الحاصلات أفضل من مثيلاتها التى يمكن زراعتها فى الترية الرملية 
الصفراء فى قرية ولاد على . قنوات الرى يجرى مدها من العيون ؛ التى توجد منابعها 
أسفل البيارات الخضراء اللذيذة من أشجار التين البرى المثمرة التى يطلقون عليها 
اسم الحماتة 58:8818 . ويعد انتهاء ذلك الحصاد الهزيل ؛ يعود أولئك المستوطنون من 
البدى » من أراضى الحبوب هذه , إلى قرية الخيام التى يطلقون عليها اسم "الجرية" 
3 (يمعنى "القرية”. - وادى عروش هو الآخر من الوديان الحجرية: ولكن فيه الكثير 
من النخيل المزروع الذى يروى من عين فى الجزء الأعلى من جانب الوادى . 


2168 


كنا نرى أمامنا يبعض خيام البدو الرحل المتناثرة فى الوادى المهجور , والمملوكة 
للطوالة؛ هاةٌ»#تاه5 من أبناء ولاد على . كان البدى الرحل جميعا ٠‏ يتركون بيوتهم المبنية 
وحريمهم ويلوذون بتلك البيارة الجديدة ٠‏ حتى يتمكنوا من رؤية تلك الآيار, رائقة الماء , 
التى فى عبارة عن حفر محفورة فى الجزء الخلفى من التربة السوداء التى يتكون منها 
حائط ؛ أو إن شئت فقل : جدار الجانب المرتفع من الوادى , والمبطنة يميان جافة : 
الماء قى هذه الحفر يجىء من بين الصخور الأرضية البازلتية .- يا لها من تسرية تسر 
النفس والخاطر عندما ينظر الناظر إلى ذلك الغطاء الفردوسى الذى هو عبارة عن بيارة 
خضراء كثيفة وماء جار ! فى هذا المكان » يتعين علينا نيل قسط من الراحة , مع الماء 
المندفع » حتى يتسنى لنا إنعاش عروقنا وأوردتنا التى أصابها الجفاف . وأنا منذ يوم 
أى يومين ؛ طوال ترحالنا لم أذق طعم الطعام » وأنا اليوم تغذيت ‏ أى إن شئْت فقل : 
أكلت من تلك الثمار البرية ؛ التى هى عبارة عن تين برى لا يزيد حجم الواحدة منه 
على حبة البندق , ولا يختلق طعمه عن طعم توت الخشب ؛ ولكن السطح الخارجى 
لذلك التين البرى جاف وخشن . فضلا عن أن ذلك التين حار ٠‏ ويحس من يأكله 
بحرارته فى لسانه وفى حلقه. من هنا فإن البدى لا يقبلون على قطف حبات التين هذه » 
لأنهم يظنون أن ذلك يقلل من شأن رجولتهم؛ ولكن هاهم البدى يأكلون عن طيب خاطر". 
من تلك الحبات التى جمعتها أنا بنفسى . حرارة منتصف النهار ( الظهيرة ) هنا فى 
ظل الخيمة ؛ وعلى ارتفاع حوالى 15٠٠١‏ قدم » يصل متوسطها إلى حوالى درجة واحدة 
أى درجتين بعد المائة الفهرنهيتية ؛ ومع ذلك ٠‏ كنا ننتظر ارتفاع درجة الحرارة » وسوف 
تصل هذه الحرارة إلى "درجة رديئة” كما يقول الأعراب . 

هنا , فى هذا المكان , يقع المنزّل الصيفى لأولئك البدى الرحل , وهم يرتاحون 
فيه فى الوقت الراهن » ولديهم معظم ذلك الذى يحتاجونه لأنفسهم ولماشيتهم » إضافة 
إلى توفر الماء فى المكان أيضا . هذه هى مؤن هؤلاء البدو الرحل ٠‏ بدأت تتناقص بدءا 
من بداية العام . عندما كان لديهم شيىء من النقود التى كانوا يصيبونها من صرة 
الحج : ومع ذلك لم يكونوا يشغلون أنقسهم بما هو قادم ؛ وبالرغم من عدم وجود 
الكثير الذى يمكن أن يقتات به أولئك اليدى الرحل . سوى قليل من المريسى الذى تبقى 
معهم فى جوالاتهم . هؤلاء البدى يحتقظون إلى جوارهم يسلطانية من ذلك المريسى 


219 


المخلوط بالماء ٠‏ ويتناولونه فى معظم الأحيان أثناء النهار الطويل "الطويل ( على ححد 
قول الكتاب المقدس ) والخالى من الخيز" . 

بالرغم من قصر المسافة , فإن أحدا لم يقكر فى النزول إلى قرية ولاد على 
لابتياع الطعام . وهم يذهبون إلى قرية ولاد على عندما تضطرهم الضرورة إلى ذلك ' 
أو عندما يحل عليهم فصل الخريف . وحريم العائلات الفقيرة تلاقين الأمرين , نظرا لأن 
الرجال يمكن أن يقوموا يجولة على الحرة يرعون خلالها الإبل » ويشربون من ألبانها 
ما يشبعهم , وهم يقولون فى هذا الصدد : "إنهم يضاعفون اللبن .* ناديت امرأة 
مسكينة الحال كانت تمشى بالقرب من خيمتى ؛ وكانت تغطى فمها وأنفها بغترة (غطاء 
الرس عند الرجال ) وسالتها "هل تشعرين بأى ألم ؟” “ردت على قائلة : "أنا مثلك 
"خرمان” 035,ه8»! » أى جوعانة , لعل الله يرسل علينا شيئًا من الغوث ؛"' من هنا 
فحن نسمع العبارة التالية تتردد على ألسنة هؤلاء البدى : "نحن'أليوم لم نجرح 
صيامنا » وهذه هى الشمس تغرب الآن !” قطعان الماشية الصغيرة والكبيرة موجودة 
فى الجبال ؛ والبدى يقتادون الدبوش يوما بعد يوم للسقيا » وبالتالى كانت ربات بيوت 
البدى , تذهين إلى تلك الآبار لجلب ألبان هذه الماشية , ولكن تلك الأليان كانت تتناقص 
يوما بعد يوم إلى أن خفت الضروع فى النهاية ؛ ولكن ها هى الماشية الصغيرة بدأت 
ألبانها تزيد من جديد . والبدى يطلقون على زيادة ألبان الماشية الصغيرة اسم تغريز 
ا #ناملان! الغنم «موصدةءطو-اه". كان البدو الرحل يقتادون قطعان الإبل للسقيا كل ثلاثة 
أيام . كان البدى يخلطون لبن النياق بالمريسى , ثم يشربونه » ويحسون على إثر ذلك 
بشىء من الانتعاش . ونظرا لعدم قدرتى على الاتصال بالمدينة » فلم يكن يتبقى معى 
شيئًا سوى تلك الحفنات القليلة من الأرز التى كانت ربات البيوت الكريمات قد جلبنها 
للمداوى نظير الدواء الذى أعطاهن إياه . وهنا قمت بسلق حفنة كبيرة من الأرز فى 
قليل من الماء وخلطته بشىء من المريسى , ثم شريته وعشت عليه طوال اليوم ؛ كان 
الأمر يبدو لى كما لو كانت مناسبة ٠‏ عندما كنت أشرب شيئًا من الحليب عندما أكون 
مع الماشية فى مكان السقيا . كنت أصلح الشاى فى بعض الأيام » الذى كانت تفوح 
منه رائحة تسرى فى الأرواح الهزيلة فتبعث فيها الحياة من جديد . كان أولئك الأعراب 
يتألمون كلما وقفوا على حالى الذى كان يتدهور؟ والغريب بين البدو ضيف على الجميع؛ 


220 


وعتدما كانت النساء الجا رات تريننى وأنا أسير على الأحجار الساخنة , لجمع شىء 
من الحطب للنار ‏ كانت واحدة أى أخرى منهن تعرض على فى شىء من الشفقة وا وتقول: 
'يا خليل » أذان مقطنة لك كاوا أويش «وألا»:0" بمعنى “"سوف أجهز لك شيئًا قليلا من 
الطعام؟" وهنا كانت تعلق امرأة أخرى على ذلك بقولها: "اترك الأمر لها يا خليل: أي 2 
سواتها 2-8 أطيب طالاةة " ؛ بمعنى إنها تستطيع أن تفعل ذلك بطريقة جيدة . 


يا لهذا العسر الذى لاقاه البدى فى فصل الصيف ! ومع ذلك ؛ كانت هناك بعض 
الأسر , بخلاف أسر الشيوخ , التى كانت تأكل على نحو أفضل من الشائع . 
أفضل ما يمكن أن تعثر عليه هذه الأسر هو عبارة عن وجبة غير مشبعة من الأرز 
المسلوق فى الماء , تلك الوجبة التى كان حريمهم يعدانها فى السر وليس علانية » وذلك 
عن طريق إغلاق الخيمة أى أن يكون الطهى أثناء الليل . مخافة أن تفوح رائحة الطهى 
وتعم المكان , إذ إن فواح رائحة الطهى يحتم على الطاهى دعوة من يجىء إليه إلى 
تناول الطعام . الفقراء من هؤلاء الناس ؛ عندما يبصرون أحدًا قادما عليهم , أثناء 
تناول الطعام يسارعون إلى القول "غطا" 95:20 بمعنى "غطى هذا الطعام واستره عن 
الناظر إليه .” ومع ذلك . إذا ما فاجأ أحد هذه الأسر . فهم يبادرون على الفور بدعوته 
إلى الجلوس ومشاركتهم الطعام . والإنسان صاحب النفس العفيفة يرفض الجلوس » 
أما إذا كان صديقا من أصدقائهم ٠‏ فهى يجلس ويتناول لقمة واحدة ثم ينهض على 
الفور قائلا 'والله طوااء/ا غديت الإ986206” بمعنى "لقد أكلت وما أكلته يكفى . هؤلاء 
البدى المساكين يعيشون هذه الحياة المعسرة خلال ذلك الجزء من العام ؛ أى عندما 
يجف الحليب من ضروع المواشى ؛ إلى أن يهل على أولئك البدو موسم التمر مرة 
ثانية . وعندما تشرق الشمس علينا كل صباح بحرارتها الخانقة , فهى تحيى الذكريات 
فى صدورنا بمدى العسر والعوز . من خلال فكرة مفادها : "كيف ستكون حياتنا فى 
هذا اليوم ؟” - وهكذا بالنسبة لى أمضيت الصيف صائما أقفل مكلما يقملؤة :ومتكنا 
على كوعئ . ومع ذلك , لم يكن يمر على أسبوع حتى تتهيأ الفرصة ويقوم رب من 
أرياب الأسر بذبح ذبيحة » سواء أكان ذلك من باب ذكرى تمام السنة لأسلافه » أى من 
أجل مولد طفل أو ابن من أبنائه, أو لشقائه من المرض ٠‏ أو من أجل الحفاظ على صحة 
إيله . وفى كل هذه المناسبات كان أصدقاء صاحب الذبيحة يجتمعون للمشاركة فى تلك 


201 


الوليمة من اللحم المسلوق : وهم فى هذه المناسيات يبحثون أيضا عن ضيف الله. وكنت 
أنا الآخر: أذهب للمشاركة فى تلك المناسبات مخافة أن ينسانى أحد منهم ؛ ولكن إذا 
حدث وكان صاحب الوليمة ؛ أو المناسبة , واحدًا من الجيران الذين أعرفهم ؛ أو من 
مرضاى ؛ أو شيخ من الشيوخ , فإنهم كانوا يرسلون لى شيئا من طعام تلك الوليمة . 

كانت أيام حياتنا » باستثناء تلك الأمور التى لا داعى أو لزوم لها , تمضى سهلة 
على شكل سكون طويل ! هذه هى حياة البدو الرحل , إنها عطلة طويلة . مرتبطة 
أو متحالفة مع نوع من أنواع البساطة المقدسة , ولكن تلك البساطة تكون مرتبطة 
بتسامح طويل فى مسالة الجوع فى الصحراء والخلاء . والشمس سرعان ما تبكر فى 
الشروق بعد منعة ليالى الصيف القصيرة , مما يؤدى إلى إيقاظ الأعراب فى ساعة 
مبكرة , والذين لا يطرق النوم جفونهم بعد ما يرون ضوء النهار ‏ إذ يتحتم على 
المسلمين بحق أن يؤدوا صلاة الضبح . والناس يجتمعون , فى خيمة القهوة , ليشريوا 
سويا فنجال قهوة الصباح . ويبادر الأطفال إلى اقتياد القطعان المفطومة الصغيرة 
إلى الأدغال القريبة وإلى جوانب الوادى . أما النساء فيستاتفن غزلهن : وهن أثناء 
الغزل لا تؤدين أى عمل آخر من الأعمال المنزلية ؛ حيث لا يكن فى استعداد للرحيل , 
ولا يكن مشغولات بصتاعة الزيد من الحليب . كما لا يكن مشفولات أيضا بحلب 
القطعان . ولا يسمع أحد صوت الرحى فى سائر أرجاء الْمتّل كله ؛ كما لا يكن 
مشغولات بمسألة جلب الماء . 


كانت الشمس محموةة فوق الأفق وكانت الحرارة التى تشبه حرارة الفرن 
ومتسلطة علينا ؛ وفى ظرف ساعة واحدة بلغت أعمدة الخيمة من السخونة حدًا يصعب 
معه لمسها . هؤلاء البدى يستلقون طوال النهار داخل الخيام وهم يلهثون ( فى جو بالغ 
الجفاف ) دون تعرق : النهار هنا فى هذا المكان , يتمثل فى تلك الساعات القليلة التى 
تكون عين الشمس خلالها على جبهاتنا مباشرة » من يحاول الرقود ؛ يحس بالضيق . 
هذه هى الشمس تغرب فى النهاية إلى جبهة الوادى فى الحرة ؛ وهذه هى الظلال 
المريحة تتقدم لتغطى خيامنا وها نحن بدأنا ننسى حرارة النهار المحرقة . وشؤلاء 
ربات البيوت تخرجن من الخيام ليتنفسن الهواء » ويجلسن أمام بيوتهن وهن تفزلن . 
أما الرجال , الذين يطلق البدو عليهم اسم “الزّلم: «ذانعده فيتجهون إلى مجلس الشيخ 


222 


وإلى خيمة القهوة ؛ ففى تلك الخيمة يكون "نادى” القبيلة . وجرت العادة أن أذهب إلى 
تلك الخيمة لأحتل مكانى بين الحاضرين إلى أن يدخل علينا المساء . هذه هى جوانب 
. الوادى تصطبغ باللون الأحمر . وهذه هى الحرة تبرز من بين التلال البركانية الموحشة 
. وهذه هى الشمس تتضاط من فوق طرف الشرعان المديب ؛ الذى يظهر واضحا من 
هذه المنطقة ممتدا خلال وادى تربة 70158 ؛ طرف الشرعان هذا عبارة عن جبل من 
الحجر الرملى يقع خلف ركب 8166© الحجر ئزه!ا-ا» » ويعد علامة مميزة فى منتصف 
ديرة بدى الفجير :أزه5 . وبعد انحسار الضوء عن الأرض ٠تبدأ‏ حرارة النهار فى 
الانعكاس على جو الجبل قليل الكثافة : وهنا يهب على المكان نسيم بارد من الحرة » 
ويرخى ليل الجزيرة العربية الهادى سدوله من حولنا ومن فوقنا ٠‏ ويكون خاليا من 
الندى ومن البرد أيضا . وبعد أن استمعت إلى ما يقال بقيت فى منزلنا لتجاذي 
أطراف الحديث مع الحاضرين ؛ أى كنت أذهب سعيا إلى التعارف على أهل خيمة من 
الخيام . هؤلاء هم البدو يرقدون ملفوفين من حول وجار النار المسائية ؛ ويكوتون 
بعيدين عن مجال الرؤية إذا ما رأوا بينهم غريبا غير مقرب إليهم وهم عندما أظهر 
عليهم فجأه أسمعهم يقولون: "إيش 58/'© بيه /ا6'0” بمعنى “ماذا حدث له !” ثم يقولون: 
أخليل حزين وصامت ! ربما يكون قد رأى شيثا سيئا اليوم ( فى كتبى ؛ بعد الإطلاع 
عليها ) » ريما يكون قد مات له أحد ٠‏ من أقاربه ورفاقه .' كان البدى يسألونى كل يوم 
حول ما إذا كنت أحس بالحنين إلى الوطن أم لا ؟ كانوا يتهامسون فى أحيان كثيرة 
بأنى رجل مطرود أو منفى "إلى متى ستظل ٠‏ يا خليل , تفتقد مكانك وصحبتك ؟” - ثم 
يقولون : 'قد يطول ذلك إلى عشر سنوات . 'زمن الثّفى عند أعراب خليل يقدر بعشر 
سنوات ‏ التى إذا ما انتهت ٠‏ يصبح من حق خليل العودة إلى منزله . أليس عليك دم 
لأحد ؛ أليس ذلك هى الذى أوصلك إلى هذا ؟ خبّرنًا . هل أنت واحد من المجرمين أو 
الخارجين على القانون ؟ وإلا . فنحن خائرين فيمن تكون أنت ! 

يرى البدو أن جريمة الدم, إنما هى من قبيل النحس الذى يصيب حياة أى إنسان 
من البشر ؛ وليست وصمة فى جبين الصداقة أى الرفقة الإنساتية . ذلك أن القاتل الذى 
يهرب إلى قبيلة أخرى أو إلى قرية أخرى , إنما يحظى بالكرم العام ؛ بل إنهم 
يخصصون له مسكنا إذا ما كان بلا مسكن إلى أن يتمكن من استئجار منزل : هذا 


ل 
لك 
ريه 


يعنى أيضا أن المحسنين يدعونه لتناول الطعام » إضافة إلى أن الرفاق لا يكون لديهم 
أى مانع من أن يضعوا أيديهم معه فى الطبق الذى يأكل منه . وهو من أمامهم عبارة 
عن هارب تعيس ؛ وليس شخصا آثما : معنى ذلك أنهم ينظرون إلى الجريمة التى 
ارتكبها على إنها خطأ إنسانى وليست خطنًا مقدسًا ( الذى هو الخطأ الوحيد الذى 
لا يغتفر ) , هذا يعنى أيضا أن ذلك المجرم لا يجدف فى حق الله عندما يرتكب مثل 
هذا الجرم .- والعرب عندما يرونى أجلس واضعا رأسى بين يدى يقولون : 'لماذا تفعل 
هكذا , يا خليل ؟ هذا الذى تصنعه ليس طيبا !" وعندما كنت أحملق فى جمال القمر 
الصافى مطيلا النظر إليهء كانوا يقولون لى: لا تطل النظر إلى القمر على هذا النحو , 
فهذا ليس فى صالح صحتك ٠‏ وأنا أرى ‏ أنه لا خطر من النوم فى العراء , والوجه 
متجه إلى القمر الطالع ؛ وهذا هو ما يفعله البدى الرحل طوال شهور الصيف على 
امتداد حياواتهم : والبدى الرحل ؛ فى سوريا ٠‏ لديهم فكرة مفادها , أن ضوء القمر , 
أكثر من أى قدر من ضوء الشمس ؛ هو الذى سيصيغ وجوههم بالسواد . وكنت 
إذا ما رحت أنال قسطا من النوم؛ بعد صلاة العصر , كانوا يوقظونى بلطف وهم 
يقولون لى : “لا تنم فى هذه الساعة , يا خليل , فهذا ليس فى مصلحة صحتك .* 

بالرغم من أن الكلام عن العرب قد يكون يمثابة انفعال من الضمير الحر 
(الليبرالى) إلا أن الإنسان ينبغى أن لا يلتزم الحذر أى الحيطة تماما فى الكلام عنهم . 
استماع العرب غير المكثرث , للأشياء البسيطة التى كنت أقولها ‏ جعلهم يسيئون 
التصرف بمثل هذه الأقوال ٠‏ إلى حد كان يدهشنى كلما سمعت تلك الأقوال ؛ تتردد 
كما قلتها أنا . على لسان العرب أنفسهم : هذا يعنى أن هؤلاء الأعراب كانوا يقولونى 
أشياء لم أقلها أى أفعلها ؛ ومع ذلك كان الشيوخ مقتنعين دوما يرفضى الصريح 
والمباشر لكل ذلك . حدث أن أحضرت لى أم طقلها المريض ؛ ونظرا لأنتى أمسكت ذلك 
الطفل مسكة حانية من يده » فقد قال الأعراب أنى ماهر فى قراءة الكف . قالوا عنى 
أيضا أنى أحضرت كنزا من الرجوم , وعلى ( حد قول أحدهم ) “طالما أن لديك نقود » 
فهل لك أن تشترى منى ذلك الذلول الذى هو ملك لى5 دخل بعض الشباب على الخيمة, 
حيث كنت جالسا أقرأ فى كتاب: وعندما تركت الكتاب يسقط من يدى قالوا: "انتبهوا ' 
لقد وقف فى هذا الكتاب . على مصيبة ستحل بواحد من أعزائه أى أحيابه !” 


224 


وأنا عندما كنت أتحدث مع البدو كلاما من باب الوعى الإنسانى العام ؛ أو إن 
شئت فقل : ذلك الكلام الذى يصلح لكل زمان ومكان ٠‏ كان الأعراب يستمعون إلى ذلك 
عندما يقولون 'عليناك 211/1216 صادق 50116 بمعتى كلامك مخفف للآلام وملطف 
أيضا" . زد على ذلك ٠‏ أن الأعراب العاطلين يجدون متعة أيضا فى الكلام المطاط الذى 
يحتمل الكثير من المعانى.؛ هذا يعنى أن الأعراب يقدرون ذلك الذى يستطيع تحريك 
عقولهم عن طريق الكلام » ويرضون عن ذلك الذى يبعث المرح والسرور فيما بينهم . 
رجال الأعراب يقولون كثيرا عن الابتسامة , إنها هى التى تريح الناس أكثر من أى 
شىء آخر ٠‏ وهم يرون أيضا أن الضحك بيتسم بالجانب الإنسانى أكثر من أى شىء 
آخر ؛ ومن الصعوية بمكان أن يختلف أولئك الأعراب أو يتنازعون مع شخص تمتعوا 
معه بلحظة من تلك اللحظات التى نسوا فيها أنفسهم . 

وجه الأعراب إلى ؛ وتحن جلوس حول تار المساء . مئة سؤال وسؤال ؛ وكانت 
كل هذه الأسئلة » تدور مثل العجلة الدوارة ٠‏ فى فلك ذلك الذى يتملك أرواحهم السامية 
1116 . ألا وهى عاطفة الدين . أما النساء فكن يسألتنى بفضول غريب عن تلك 
الشيخة 5«»الإ©556 الكبيرة  )*‏ أو إن شئت فقل : تلك المرأه الملكية فى شعبى ؛ أو إن 
شئت فقل : أمتى ٠‏ “المرأة التى أكد خليل أن سلطتها أقوى من سلطة أى رجل فى هذه 
الدنيا كلها !' رد أحد الأطقال على ذلك الكلام بقوله : 'والله ..كم هذه السيدة عظيمة ؟ 
خيرنا هل هذه المرأة أكون هنا من تشيمتك التى تعيش فيا أسائرتي يكنا هنا ]ذا 
كنت شيخا أم لا »وهل لدى فرس فى بلادى ؟ كاثوا د يستمعون إلى ردودى على 
أسئلتهم بشوق مشوب بالرضا والانشراح ؛ كان من بينهم واحد أو اثنان يتدخلان 
عندما يريان أنى بدأت أحس بالملل ويقولان : "أنت يا من تساله » أين أديك ودماسة 
خلقك ٠لماذا‏ تزعج الغريب 5 . ومع ذلك كان الأعراب يعجبون بشكل عام كلما سمعونى 
أتحدث عن سلوكيات المسيحيين الطيبة . (يقولون ) طلبنا من خليل أن يحدثنا عن 


١‏ *) الشيخة الكبيرة : المقصود بها الملكة قيكتوريا التى وصلت إلي الحكم قى بريطانيا فى عام 1١815307‏ ونصبت 
إمبراطورة. على الهند فى عام لاما وحكمت أربعة ووبستين عام حتى وفاتها فى عام 1١1. ١‏ . (المراجع) 


5 25 


غير ذلك ؛ وفكره وذهنه مثل فكر الأعراب . كان الأعراب يتعجبون فى بعض الأحيان 
وهم يقولون : 'حكى لإداءة-ا© خليل 68111! حلى 86/0 بمعنى “كلامى كان حلوًا” فى 
آذانهم . كانوا » مثل سائر كل الأعراب » يتوقون شوقا ليسمعوا منى شيئا عن 'جيزات 
اتمميل| النصارى ا-مة" أو إن شئت فقل "الزواج عند النصارى” 2 وكانوا يعجبيون 
وأنا أحكى لهم مستفيضا عن الرباط المقدس الذى لا يباع ولا يشترى » فئ الزواج 
المسيحى ! 1 

أنا أعجب أيضبا لذلك الظلام المطبق الذى يخيم على أولئك البدى الرحل فيما يتعلق 
اتعضالة الدين عند الساميين 565106 ! قال لى هؤلاء البدى : "نحن مساكين وجهال ! 
ونحن عندما تراودنا بعض الشكوك الدينية نستفتى فيها العلاونة ( أى ولاد على ) لأن 
أولاد على يكتبون كما يقرعون أيضا الكتاب المقدس ." ومن بين هذه المسائل الدينية - 
أن هؤلاء البدى المترحلين كانوا يصلون أكثر من جيرانهم فى الغرب أو الشمال - بعض 
هؤلاء البدى لم يسمعوا عن حياة ما بعد الموت ! كل ما يعرفه هؤلاء اليدى الرحل هو أن 
من يفضي الله "سيلقى فى جهنم” . سألتى أحدهم ونحن جلوس حول نار المساء : 
"يا خليل . هل هناك شىء بعد وفاة الإنسان , خبّرنا عن ذلك » (فكرة أن الشعب المعوز 
أى المحتاج » عندما يضحى بالكرم ؛ يتحتم عليه فى أحيان كثيرة أن يغش أمعائه هو) 
وهل إذا قدم الإنسان الصدقات طمعا فى رضاء الله . سيجد تلك الصدقات فيما بعد؟” 
الصدقة هى منة من عند الله . وهى شفقة إلهية من جانب الرجل المستقيم ٠‏ يخرجها 
المتصدق بالضرورة لفوث شخص آخر ؛ ورددت على السائل من واقع الكتاب المقدس 
الذى تزرعه." - “لقد سمعنا أنه ستكون هناك ناراء وماذا بعد هذه النار , يا خليل ؟' - 
"النصارى والمسلمون يؤمنون بأن الموتى سيبعثون ٠‏ ليقفوا أمام الله يوم الحساب ٠‏ فى 
وادى يقع أمام جدران ( المدينة ) المقدسة , أى إن شئت فقل : القدس " - "16095-/1ه ! 
أين المدينة المقدسة ٠‏ وأين تقع مدينة الخليل ( مدينة "الصديق" , “مقام إبراهيم ٠‏ أو إن 


226 


شئت فقل: حبروت!*) 20 سمعنا أن الناس سيجمعون فى حفرة تحت “الصخرة 
المعلقة هناك" : فما هذا » فى رأيك , يا خليل ؟ ومتى ستسقط تلك الصخرة ؛ وهل هى 
صحيح معلقة فى الهواء ؛ وهل تبدو الصخرة كما لى كانت توشك على السقوط ؟" - 
الكهف وغطاؤه » الصخرة المعلقة' عبارة عن حفرة » وردت فى دين محمد ( بيده ) عن 
إبراهيم والبطاركة ؛ ) أو بالأحرى هى عبارة عن غرفة مسقوفة . محفورة بكاملها فى 
صخره من الحجر الجيرى » فى المنطقة المحخيطة يمعيد جبل 514ده1! موراية 8800135 , 
ومبنى فوق تلك الصخرة مسجد عمر : هذه الصخرة تشبه مسقى مائى صغير : وهناك 
كثير من الخزانات الشبيهة بها والتى كانت تستخدم فى الزراعة قديما ٠‏ فى المنطقة 
المحيطة بأورشليم ( القدس ) .- 'والحكم النافذ , ماذا سيكون مصيرنا ؟" - “ستكون 
وجوه العادلين منورة مثل ضوء الشمس , سيقودهم الملائكة إلى جنان الرب ٠‏ حيث , 
حسبما ورد فى الكتاب . لا يتذكرون متاعب الدنيا التى لاقوا ؛ ولكن الأشرار 
سيهوون فى النار » حيث لا ينتهى عذابهم - 'هل سنعرف أباعنا ونراهم هم ومعارفنا 
؟ حدثنا أيضا عن دينك . متى جاء عيسى ؟- "دين عيسى بن مريم » من روح الله » 
أى أنها أعلى من السماء ! هذا الدين يحرم ويمنع كل المعانى والتعامل الشرير : 
ويطلب من الناس أن يخشوا الله ويحبوه لأنه فى خالقهم ٠‏ وأن نعير لجيراننا عن حبنا 
الإلهى لهم ؛ وأن نحيا حياتنا بلا أضرار وفى هدوء , ولا نكره أحدًا أو نجعل منه عدوا 
لنا » وأن بتمتع بالصفح والعفى ." كان البدو يرددون ذلك الكلام بعدى وقد ظهر 
الإعجاب الدينى فى وجوههم : ولكن الأمر كان ييدى غريبا عليهم , فيما يتعلق بحب 
الإنسان لعدوه أى خصمه ؛ فى هذا العالم العامر:الحقد والحسد , وغير العادل بطبيعة 
الحال . يا خليل. هل صحيح أن التبغ هى بول إبليس؛ وهل سيهوى 'شاريو" 655كاه1,ك 
الدخان محترقين فى جهنم ؟" - "يا لحماقة الأطفال هذه ! - ما هو إبليس أو الشيطان 
60 ؟ لم يستطيعوا الرد على هذا السؤال ؛ وكانوا يتعجبون أن هذين الاسمين 
مسميان لشىء واحد :- بدا قولى لهم أيضا طريفا لغرايته ! 


(*) حبرون : موقع هذه المدينة فى الضفة الغربية لنهر الأردن على مقربة من مدينة القدس . (المراجع) 


227 


قمت فى عصر أحد الأيام بزيارة إلى تلك الرجوم التى تشبه خلية التحل (الصورة 
رقم 33 ) والثى كانة فى مكان قزيب ين المكان الذي ى كنا بخيم فيه ؛ كانت تلك الرجوم 
عبارة عن أكوام من التراب فوق التربة الجرداء القاحلة ‏ ولها أوزان معقولة وصلابة 
معقولة أيضا . أحصيت من بين هذه الرجوم ما يقرب أو بالأحرى ما يزيد على مائة 
وخمسين رجما . كان بعض تلك الرجوم متصدعا , أما البقية فمن الواضح أنها سبق 
اختراقها والتجوال خلالها . هذه النباتات التى على شكل أكوام مستديرة ٠‏ أو على 
شكل شبه بيضاوى يصل عرضها إلى حوالى خمسة وعشرين قدما » كما يصل 
ارتفاعها إلى حوالى عشرة أقدام . داخل هذه الأكوام عبارة عن زنازين عميقة ضيقة ' 
بواقع زنزانة واحدة ؛ أو اثنتين بل وأحيانا ثلاث زنازين فى الرجم الواحد؛ وهى مزودة 
بفتحات تشبه الفخاخ . عن طريق هذه الحفر التى من عمل الإنسان ؛ نزلت إلى بعض 
من تلك الرجوم ؛ حيث كنت أجد دوما بداخلها هواء يشبه هواء القبور ؛ ولكنى لم أعثر 
على عظام داخل هذه الحفر أو الزنازين . لاحظت أن الزنازين كانت مبنية بطريقة 
إنكماشية نحو الأعلى ؛ ومغلقة من أعلاها بقرميد من الحجر ؛ ومن فوق هذا الغطاء 
توجد بعض الأحجار السائية صغيرة الحجم أى إن شئت فقل: الحصى ؛ زد على ذلك » 
أن فتحات تلك الخنادق تبدى كما لو كانت آبارا عند رعوس تلك الرجوم . وعند كل فتحة 
من هذه الفتحات ؛ كانت هناك حافة بارزة » أى إن شئت فقل : قدم متقدمة حول 
المسارات الأرضية لبعض هذه الرجوم : هذه الرجوم كلها مبنية بالطريقة الجافة , 
ومرصوصة رصا جيدا . وهى مبنية من البازلت المأخوذ من الوادى نفسه . هناك فى 
وادى عروش أكوام أخرى من هذا القبيل , كما أن هناك بعضا آخر من تلك الرجوم 
التى شاهدتها فيما بعد فى وادى الشلأل 181 , ولكنها كانت أقل حظا من حيث 
مصنعية البناء . وبعض الرجؤم التى تظهر لى من هنا . على حافة الوادى » هى أكبر 
من كل الرجوم الأخرى التى سبق أن رأيتها ؛ وفى منطقة هذه الرجوم التى عند حافة 
الوادى أشاهد مدقا من مدقات الأغنام المؤدية إلى أعلا الحرّة ؛ ولكنى عندئذ كنت أبلغ 
من الضعف مبلفا عجزت معه عن الصعود إلى الحرة سيرا على قدماى . أخبرنى 
الشيوخ أن ذلك الذى رأيته لا يعدو أن يكون دوائر من الجدران ليس إلا . سألت 
الأعراب ٠‏ "أليست هذه الرجوم هى مقابر القدماء ؟" الإجابة : "خطر ذلك ببالنا » ولكن 


2268 


البحث والتفتيش الذى قمنا به فى العام الماضى . أسفر عن عدم وجود عظام أو بقايا 
عظام فى تلك الرجوم . 

اتخذت من دغل التين البرى الرطب ملجأ لى طوال بضعة أيام ؛ إذ كنت ألجأ إليه 
عندما تشتد حرارة الجى - والذى لم يكن ظله يدوم طويلا . كانت القطعان تتوافد على 
ذلك الدغل لترتوى من مائه الدافئ , كما كانت تفد على ذلك الدغل أيضا ربات البيوت 
البدويات لتملأن قرابهن بالماء , كما كان الرجال ينعشون أنفسهم بالاستحمام فى ذلك 
الماء . يوجد فى هذا الدغل بثران ٠‏ أولهما يقع خارج البيّارة ( وهى الأفضل ) ؛ درجة 
حرارة الماء قى هذا الدغل تصل إلى 75 فهرنهيتية . والبئر الموجودة داخل الدغل أو إن 
شئت فقل : البيارة ( وماؤها فيه شىء من مذاق الكبريت ) ينساب ماؤها فى بركة 
صغيرة من الصلصال » مملوكة ليعض البدو الغائبين الذين يمتهنون الزراعة : وهم 
يستخدمون ماء هذه البثر فى عملية الرى . هذا التين البرى (الحماة 08036) له أوراق 
صغيرة جدا ٠‏ تشبه أوراق أشجار توت الحدائق ؛ ونسغ أشجار التين البرية هذه , 
يبلغ من الحموضة حدً! يترتب عليه حدوث التهاب للجلد إذا مالامسه , ويظل يحرق من 
يصيبه طوال يوم أى يومين . قلة قليلة من أشجار ذلك التين اللبرى ؛ هى التى يمكن 
العثور عليها فى هذه الصحراء ؛ وهى تنبت ( بقعل زراعة الطيور البرية لها ) حول 
مصادر المياه . وأنا لم يسيبق لى أن رأيت بيارة من هذا القبيل فى الجزيرة العربية : 
بالقرب من هذه البيارة » توجد مقبرة ٠‏ يعتقدون أنها منهل 5608©1, أو إن شئت فقل : 
مكان منخفض فيه ملائكة أى حوريات . 

فى هذه الظلال الوارفة شاهدت ثعابين طويلة تشيه الكرياج .كما شاهدت 
أيضا عناكب تبلغ من الكبر حدًا تشبه معه راحة يد الإنسان ومعها أصابعه : كما 
شاهدت أيضا ذبابا كبيرا مختلف الألوان ‏ يلمع ويتلالاً فى هذا الفيض من الضوء 
المنتكسر . كما شاهدت طول اليوم » فوق تلك البركة الصلصالية سحابة من طيور 
الصحراء الرمادية التى تسبح فوق المياه ؛ وتجىء إلى هذا المكان قادمة من الصحراء . 
لكى ترتوى وتطفئ ظمأها ؛ كما شاهدت أيضا بعض طيور خطاطيف الكثبان 
والمنخفضات , فضلا عن بعض من يمام الصقور أزرق اللون . وتلك كلها من الطيور 
التى تحوم حول مصادر المياه فى الجزيرة العربية . أسفل هذه البركة مباشرة ؛ فى 


229 


الوادى الواسع » توجد بعض الأشواك الصحراوية ٠‏ التى نمت إلى أن أصبحت تشكل 
نوعا من الأإخشاب , ورجال المخيم يلوذون بتلك الظلال الهزيلة : وفى هذه الظلال يفرد 
الناس أجسادهم طلبا للنوم . مفضلين تلك الظلال على الخيام : وفيها يمضون ساعات 
الحر القائظ . منحدر الوادى خلف منطقة البيارة ويركة الماء يعد موطنا وملاذًا للحبارى 
الصحراوية التى لها أرجل حمراء اللون : فقد استمعت إلى تلك الحبارى وهى تغرد 
بلحن مرح لطيف . طوال نهار الصيف بكامله . فى هذه المنطقة وحدها شاهدت 
القراش يرفرف بأجنحته كما ل كان زهورا تتداعى فى هواء الصحراء . والأعراب 
يطلقون على ذلك الفراش اسم "الشرارة* ةمود ؛ - أما أهل الحضر فيطلقون ع 
الفراش اسم “عيسون" 21508 ويخاصة فى المدينة ( المنورة ) . 
مقبرة شيوخ الموعاهيب ٠‏ توجد بالقرب من البيارة فى ذلك الجزء الحجرى الوعر 
من الؤادى . شاهدت فى منطقة المقبرة بعض الجدران الأرضية المهدمة المتخلفة عن 
مبانى جافة ؛ ويين أكوام الحجارة الكبيرة . توجد مجموعة صغيرة من قبور مختلفة 
الشكل ‏ كما يوجد عدد قليل أيضا من المُصلَّيّات (أماكن الصلاة) » من قبيل المصليات 
التى رأيناها عند ابن الرشيد فى الحجر ؛ هذه المصليات فيها متسع من الأرض يسمح 
للإنسان بالانحناء عند الدخول إليها . وهى مفصولة عن المصلى العام بأحجار 
مرصوصة على شكل حدوة الفرس , وقبلتها متجهة نحو مكة . فى تلك المصليات 
شاهدت ورأيت أفراد القبائل وهم يحضرون للصلاة على قبور أسلافهم . والبدى 
يحرصون على اجتياز ذلك الطريق أثناء الليل » وهم يقولون إن الأشباح تجوس فى ذلك 
المكان : الذى سكنه الكفار فى سايق العصر والأوان . 
من هنا يصيح معنى "منهل اءعطهة56© الملوك عانااود:-اه", 'مكان إضاءة قوة الهواء." 
ولكنهم عندما وجدونى أحتقر خرافتهم هذه ولا ألقى لها بالا "قال شاربى القهوة : 
يا خليل . هذا صحيح بحق ٠‏ ويالرغم من أننا لم نر هؤلاء الكفار . فقد رهم آباؤنا ! 
هناك بعض القبليين الآن , الذين مازالوا على قيد الحياة وهم على استعداد أن يقسموا 
أنهم سمعوا وداسى بأقدامهم , فى رقصاتهم . وسمعوا أصوتهم , وأغنياتهم » أثناء 
الليل . وأنهم فهموا كلامهم ؛ وأن ذلك حدث فى زمن كانوا يجيئون فيه للصيد فى هذا 
المكان » وكانوا يقيمون فيه وحدهم هنا فى هذا الجزء من وادى ترية ؛- وأنهم كانوا 


230 


متاكدين تماما من عدم وجود أى أحد من الأعراب مخيما فى ذلك المكان فى سائر 
أنحاء الوادى .“ يردف هؤلاء البدى قائلين : "لو حاول أحد نزع غصن من الأغصان , 
فسوف يمْسك به فى الهواء ٠‏ ولن يراه أى أحد بعد ذلك ؛ أو قد ينسى عقله . ويهيم 
دوما فى أنحاء الخلاء ( الصحراء ) بلا طعام أى شراب حكوا لى أيضا عن حادث 
وقع منذ فترة طويلة » لواحد من أثرياء الطُرّالة لإاقن7 - كان ذلك الطوالى معروقا لكل 
الأعراب . - هذا الرجل ( بالرغم من الخرافة السائدة بينهم ) أضرم النار فى واحدة 
من تلك الأشجار المسكونة التى تنمى فى الجا نادل : “ولكن ذلك الرجل بعد أن قاسى 
الكثير من المرض الخطير » برزث أمعاؤه من شرجه وانتهت حياته نهاية مأساوية : 
ومات أطفاله أيضا بنفس الطريقة؛ كما نققت كل ماشيته أيضا بالطريقة نفسها؛" كان 
ذلك الرجل يملك حوالى أربعين جملا . تلك كانت إشارة أى علامة من علامات السماء 
الصامتة فى زمنهم ٠‏ والتى سجلت فى الكتب (هل كان لدى هؤلاء البدو معرفه سطحية 
بالقراءة والكتابة)» وربما انتقلت تلك الخرافة إلى الأجيال التى جاءت بعد ذلك ! كان 
البدو يقولون لى دوما أن أحدا من الأحياء لم ير تلك الرؤى الملائكية , - وهم يقولون إن 
هذه العلاقة جاءتهم عن طريق القدماء . "سالونى » إذا لم تكن تلك التوضيحات من قبل 
الملوك ‏ فماذا تكون ؟" الملائكة يرون فى الهواء على هيئة فرسان , يتقدمون إلى الأمام 
ويرجعون إلى الخلف ؛ هؤلاء الملائكة “يختفون , بالله » من منظوركم .* 

هناك أيضا بعض "المناهيل” 660811 فى أجزاء من الجزيرة العربية ٠‏ بل وفى كل 
ديرة من ديار البدى الرحل . هذه المناهيل تحتمثل بصورة عامة فى بعض الأشجار 
ويعض الأعشاب أيضا التى توجد فى الخلاء » أى إن شئت فقل : الصحراء . فى تلك 
المناهيل , يقوم القبليون المرضى أثناء ترحالهم » وعندما يصلون إلى تلك المناهيل , 
بذبح شاة . قريانا لتحسن صحتهم » أو عنزة » ويروحون ينثرون دماء هذه الذبائح هنا 
وهناك . ويقوم ذلك المريض بطبخ لحم الذبيحة فى المكان وتوزيع لحمها المطهى على 
أصدقائه . ويترك بعضا من ذلك اللحم معلقا على أغصان ذلك المنهل : ثم يستلقى بعد 
ذلك لينام على الأرض بدافع من إيمانه العميق بخرافته أن الملائكة سيجيئونه فى 
الرؤية؛ ويتكلمون عن يعض الدروس المهمة فى صحته. "يستيقظ المريض سليما ومعاقًا؛ 
لكن إذا ما كانت صحة أى إنسان تسمح له يالتوم فى المنهل ؛ فإنه يصحو فى الصباح 


231 


محطما ومعتل الصحة ." والجاو 0ل فيها منهلان . أحدهما دغل من أدغال نيات 
"السرحاح 53888 أما المنهل الثاني فهى عبارة عن واحدة من أشجار الأرى 081 
دائمة الخضرة التى يطلقون عليها اسم “البوتم" «تاناط أى الثّروة" مماط7 ؛ هذه 
الأشجار المسكونة (من الجن) يعلق عليها هؤلاء البدى الرحل أنواعا كثيرة من الخرز , 
وكذلك شرائح من القماش ء وتمائم من مواد ملونة . فضلا عن كثير من الأثثياء 
الأخرى . ومن بين المنافيل أيضا ذلك النبات الشوكى الصحراوى الضكم الموجود 
أمام القلعة قبل قرية , أى إن شئت فقل : ؤادى الحجر . - ترى هل مسألة خرافة 
أشجار المنهل هذه . بقية من بقايا عبادة الأشجار , التى نعرف أنها سادت الجزيرة 
العربية وانتشرت فيها . 

هذا الشىء نفسه ؛ تجده مستمرا أيضا » فى الريف والحضر ؛ فى البلاد العربية 
المتاخمة للحدود . فى كل هذه الأراضى المفتوحه نجد أشجارا ؛ وأماكن » يصلى 
الناس لها ٠‏ وذلك فى المنطقة بدءا من سوريا إلى مراكش (المغرب) : فى هذه الأماكن , 
يعلق كل من يفد إليها من أجل الصلاة خرقة من القماش على تلك الأشجار إشارة إلى 
الصلاة التى أجيبت فى ذلك المكان . ما أكثر تلك الأدغال التى لا تعطى ظلا » فى وقت 
الحر ‏ لعاير السبيل هذا الظمأن الذى لفحته حرارة الشمس ٠‏ الذى يروح يركع 
ويسجد أمام تلك الأدغال : فى وادى بردى 88,803 ؛ بالقرب من دمشق . حيث مأ 
تزال هناك بعض الأعراف والاحتفالات الوثنية بين المسلمين » قمت يزيارة اثنتين من 
بيارات أشجار السنديان دائمة الخضرة ؛ هاتان البيارتان تعدان من أماكن التمنى 
والأمنيات عند الفلاحين . هؤلاء الفلاحون إذا ما تحقق لهم شيئًا يكونون قد تمنوه , 
يبادرون بالذهاب إلى إحدى هاتين. البيارتين فى يوم محدد من أيام العام ليقوموا هناك 
بتكسير قطعة من الفخار ؛ أو قد يضعون تميمة جديدة فى كهف صغير موجود تحت 
صخرة فى البيارة الثانية . هذا الكهف . شاهدته ممتلئا تمامًا بأوانى القرابين : هذا 
يعنى أن الإنسان يرى تلك البيارة الثانية كومة من قطع الفخار المكسور . [هاتان 
البيارتان موجودتان فى ساحل الوادى ناحية الغرب فوق قرية الزبداني لام21008 . ] - 
تلك هى معتقدات عامة وشائعة من معتقدات الوعى الإنسانى الخرافى غير المنطقى فى 
سائر أنحاء الدنيا كلها . الأمثئة على ذلك كثيرة جدًا على تحى يصعب معه حصرها , 


232 


ويخاصه فيما يتعلق بأشباح الملائكة » التى وردت فى كتاب موسى , وفى التواريخ 
المقدسة لأزمان أو عصور إسرائيل الأولى . لدينا مثالا مدهشا [ بالرغم من عدم وجوده 
فى النص الأصلى ] فى العهد الجديد : فى مواسمه تنزل قوة الهواء لتربك خزانا فى 
أورشليم ( القدس ) ٠‏ ومن ينزل فى البداية إلى الماء ؛ كان يشفى من وهنه . 

سألت هؤلاء البدى الرحل عن عادات الدفن عندهم وعن طقوس الموت أيضا . الميت 
عندهم يدفن فى نفس يوم الوفاة . وإذا ما مات فى المساء دفنوه فى الصباح . وهم 
يغسلون الجثة » ويكفنوها فى قماش أبيض جديد : وهم يحفرون بشدة , باستخدام 
أيديهم أو عصا من العصى ؛ فى التربة الحارة ؛ قبرا ضحلا . وهم يوجهون قدمى 
الميت ناحية مكة ( القبلة ) ثم يقومون بوضع كومة من الأحجار الجديدة حفاظا على 
الجثة ؛ ومع ذلك فقد وجدت قبورهم فى الصحراء وقد نبشنتها الضباع الضارية , كما 
شاهدت أيضا الأكفان مجرورة إلى سطح الأرض . وقد أبلغنى ماهويى لإطانانا/ة أنهم 
'يحلقون رأس الميت » ويذرون شعره فى الريح؛" وإذا ما ثبتت صحة كلام ذلك الماهوبى, ' 
فهذه العادة لا وجود لها فى أى مكان آخر من الجزيرة العربية. قال لى الماهوبى أيضا: 
"هم لا يحلقون شعر المرأة ‏ وهم يدفنون معها مشط شعرها . وهم يدقون وتدًا من 
أوتاد الخيمة عند رأس قبر ربة المنزل . وهم ينثرون العطر على نعش المرأة عندما 
يحملونه . والمرء عندما يموت يقوم أقاربه بذبح نعجة عند قيره ٠‏ ولكن دون أن ينثروا 
دمها ؛ وهم يسلقون لحم النعجة ويوزعونه على المشاركين فى الجنازة . وفى الذكرى 
التالية للوفاة يجتمع أو إن شئت فقل : يتجمع أصدقاؤه عند أقرب أقاربه. 

الذى يذبح ذييحة بقدر ما تسمح به ظروفه وحسب مقدرته - والبدو الرحل 
أصحاب ورع شديد فيما يتعلق بهذا الأمر - إذ إن الذبيحة ينبغى أن تكون بقرة 
أى جملا ؛ ولكن نظرا لعوز تلك الأسر وفقرها , ونظرا أيضا لعدم توفر القطعان ؛ فإنهم 
يبيعون ثلاثة أى أربعة من الأغنام أو الماعز ٠»‏ ويشترون بثمنها "فطير +1اه5 » أى إن 
شئت فقل : ناقة فقدت أسنانها الأمامية . ولم تعد تحمل ( تنجب ) : ويقومون بإعفاء 
تلك الناقة من كل الأحمال ويتركونها تسمن عدة أشهر .- وهم لا يقدمون أضحية . 
أى إن شئت فقل : ذبيحة , للمرأة الميتة . 


2313 


بينما كنت جالسا ذات يوم فى الظهيرة بالقرب من الحماة 08800314 (شجرة التين ) 
جاءت مبليس 08/6115 زوجة طُلّحْ الشقراء الشابة » ومعها خمسة أو ستة من قراب الماء: 
سألتها عن سبب كثرة القراب فى ذلك اليوم ؟ أجابتنى : "سيقيم طُلّج الليلة وليمة , 
ومكوف يتدج تكدرا ستفيزا ولا تين نا ليل أن :شهف ظل المنالسية ب ناما 
كنت أجلس ضمن مجلس العصر سمعت أن الشيخ سوف يحتفل بتمام السنة اليوم , 
وسوف ينحر ذبيحة تأبينا لوالده من ناحية ومولاه من ناحية ثانية . خرج طنج عندما 
ارفكه القسن على العروب زتادى طالنا إحفنا كين ف سفرك نكر 
لأن رب الأسرة هى الذى يتعين عليه أن ينحر ذبيحته : وكانت ناقة ويعيرها تقف خارج 
الخيمة . صاح أحد الحاضرين قائلا : "انتظر ! لماذا تفعل هكذا يا طلّجِ ؟ والرضيع 
أنتى . اذيح شاه » يا أنت » أى عنزة يدلا منها .* ورد عليهم حامد ولد الشيخ' - على 
من ستحل لعنة هذا القربان فى يوم من الأيام . “ولكن هذه الناقة الرضيعة ترفض 
الرضاعة , ولذلك قررنا ذبحها ." كان ثمن تلك الأنثى الصغيرة يتراوح بين ثلاثه وأربعة 
ريالات . إضافة إلى أن ذلك الثمن كان يزداد بمعدل ريال واحد كل شهر . لم تفت تلك 
الكلمات فى عضد الشيخ . فعل الواقفون , ذلك الذى أمرهم به الشيخ ؛ ووضعوا ' 
نيوو الشنكطة عن النعين الضعهر رايط أركنا وهو وتاهدل ويز معو وعتزمة 
شاهدت الناقة الكبيرة ذلك التعامل الخشن مع وإيدها . اتجهت نحوه , وأنزلت عنقها 
الطويل » وزمجرت زمجرة عاطفية من خلال حلقها الكبير » كانت تلك الرمجرة مليئة 
بالمتاعب . أحدث طلّج جرحا عميقا في رقبة تلك الضحية البائسة ؛ وكان ذلك الجرح 
بالقرب من صدر البعير الصغير ؛ كانت الأم البائسة تقطع المكان جيئة وذهابا وتدور 
من خول نقسها , وتتشمم الدم وسرعان ما وضع لحم البغير فى الأوانى ٠‏ التى راحث 
تفل قوق كان التدى الضعرقة اللكونة من فقيل من الحطب وشىء مث رزوت الإبل + وعئد 
منتصف الليل أصبحت وجبة الوليمة التى أقامها طلج . جاهزة ومعها أيضا الأرز 
المطبوخ . كنت قد غادرت المكان لكى أنام , ولكن ذلك الرجل العجوز الطيب لم ينس 
الغريب ؛ فقد أيقظنى مراسله , بعد أن وضع طبقا شهيا خلف باب خيمتى ؛ “هذا 
الطبق من عند طُلّجِ . هيا انهض وتناول عشاءك . لحم البعير الصغير هذا طرى وحلى 
المذاق مثل لحم العجول الصغيرة . والبدى نادرا ما ياكلون لحوما غير اللحوم التى 


2134 


يذبحونها هم بأيديهم ؛ ولكن يتعين أن تكون الذبيحة من النوع الذى يذبح بأيديهم ؛- 
والبدى يندر أن يأكلوا لحوم الصيد أ الطرائد . 

ونحن عندما نتكلم يصورة موجزة عن الأضحيات التى يقدمها هؤلاء البدو الرحل 
فى الصحراء نقول : إن الطفل الذكر » عتدما يولد يذبح له والده نعجة , ولكن الطفلة 
الأنثى لا يذيح لها والدها شيئا . وسبق أن تحدثت عن نثر الدم على الأرض » كما أنهم 
يسكبون الدم أيضا فى أساس المنزل الجديد عند بنائه ؛ وهم يلجاون إلى مثل هذا 
العمل عند افتتاح مصدر جديد للمياه » أى توسيع بثر من الآبار . وعندما يعود الغزاة 
بغنيمة من غزوهم » يقال لهم "فيض" 164 أى '"شسساب" هوو606 . فى هذا “الفيض” 
أى “"الشسًاب” تخرج النساء ترقصن وتغنين لاستقبال أولئك العائدين من الغزى : 
ويجرى فى نفس الليلة تلطيخ ذلك الشساب بدم الذبيحة أى الضحية . هذا هو متعاد 
4 .» واحد من جيرانى » أرسل لى هدية من لحم عنزة سمينة كان قد ذبحها فدية 
لحمل سريضن 4ق “هتنا : قال الأشرات: سوق كيدا صحة الجمل فى التعبين “هذا 
هو ربا 568نا8ء الراعى المسكين ؛ أقام وليمة عشاء لأصدقائه » مقسما بينهم لحم 
عنزة . كان قد نذرها عندما كان مريضا ويحس بالألم . وهذا هو سويش دولاه51 » 
يقدم أضحية لمولاه ويقوم بتوزيع أجزاء الذبيحة فى خيمته » ولم نتناول عنده طعاما . 
هؤلاء اليبو على قناعة من أن تأخير تقديم الذبييحة أن يكون فى صالحهم وقد يضرهم . 
وهم يطلقون على الأضحيات الدينية كلها اسم “قريان" «قمءد»ا . ولقد شاهدت بعض 
حضر المدينة ( المنورة ) يطلقون قليلا من البخور قبل نحر الأضحية أو إن شئت فقل : 
القربان ٠‏ نظرا لأن رائحة الطيب 'مقبولة عند الله" » كما أنها توجه عقولنا نحو الدين . 
- وفى الأماكن التى يكون الناس فيها هم الجزارين , فلريما ( مثل العرب ) يكونون 
أكثر ميلا لإهدار دم البشر . والبدى عندما يقدمون أضحية ( قربان ) للجان ؛ فهم 
يقدمون أيضا قريانا للشياطين . والواحد متهم عندما يقدم قريانا من أجل الصحة »؛ 
فإنهم يعتقدون أن ذبح الخروف أو العنزة إنما يكون فداء عن حياة الجمل أو حياة 
البدوى هى نفسه . بمعنى أن تلك حياة من أجل حياة . [وعليه فإن ذبح شاة أنقذ حياة 
ولد ( سيدنا ) إبراهيم.] هذه الأضحيات التى يتناولها الناس فى الصحراء بصورة 
جماعية تخفف قليلا من جوع أولئك البدى المستمر ؛ - هذه الأضحيات أو القرابين التى 


235 


هى نداء من عند الله العاطى , عبارة عن تناول لعشاء ريانى من الخبز والملح مع الله 
(سبحانه وتعالى) ! 

انتظرت على أمل مواصلة الرحلة إلى خيبر . مرت على أيام عجاف ٠‏ كنت لا أرى 
خيبر تقترب منى خلالها ٠‏ كما تناقصت خلالها قدرتى على الترحال والانتقال . 
كان محصول التمر قد بدأ ينضج فى تلك الوديان الحارة . والمؤكد أن الموءاهيب كانوا 
قد ذهبوا إلى تلك الوديان مع بدى الفجير ؛ ولكن كان قد سيق لذا معرفة أن بدى الفكارة 
لم يذهبوا إلى خيبر فى ذلك العام » إضافة إلى أن بدو القكارة . بحكم قلة عددهم 
لا يجرؤن على عبور منطقة مويؤءة ( فى هذا الموسم ) بعصابات الغزى , كان رسل 
شيوخ الفجير قد عادوا من خيبر » ويحملون معهم أنباء مفادها أن 'قسما كبيرا من 
تمر النخيل قد أكلته أسراب الجراد ٠‏ وأن جنود المدينة ( المورة ) كانوا فى خيبر 
ليأخذوا مستحقاتهم من ذلك التمر' ؛ وبلغنا , عندئذ أن الشيوخ والقبليين قرروا التنازل 
عن محصولهم فى ذلك العام . ومعروف أن ضريبة الدولة ( الإمبراطورية العثمانية ) 
كانت تقدر بواقع ريال مجيدى واحد عن كل ستة من الإبل ؛ أو ريال مجيدى واحد عن 
كل أربعين رأس من الماشية الصغيرة ؛ - والناس هنا يقولون ؛ إن هذا أخف وأعدل 
من الضريبة التى يفرضها جباةٌ ابن الرشيد , والتى يعدونها أيضا معتدلة وغير مبالغ 
فيها ؛ ولكن ذلك يحز فى نفوس أولئك البدى الذين ليست لديهم أيه خبرة فى المسئوليات 
أو الأعباء العامة . ش 


كيف لشيوخ الفكارة أن يواصلوا حياتهم فى غيبة تمور خيبر عنهم ؟ - 
عن طريق بيع بعض مواشيهم الكبيرة » نظير الطعام ‏ فى القرى ؛' ولكن ماذا تفعل 
الأسر القبلية الفقيرة ؟ - “بوسعهم تأجير أفضل إبلهم , لجلب الماء من الآبار فى 
الواحات , مقابل عدة مكاييل من التمر كل شهر ." يضاف إلى ذلك أن الإبل القوية 
بدنيا قد لا تتحمل العمل فترات طويلة ؛ يتحتم بعدها إطلاقها إلى الصحراء ؛ والبدو 
يقولون ٠‏ إن المجموعة القوية والجيدة من الإبل لا تتحمل العمل لمدة تزيد على مائة يوم . 
فتاك يعكن مق أصتحان الآبارء الذين تشهلية تاك الأدل سعورة مسكمرة ‏ الأفر 
الذى يجعلها تهن وتضعف فى النهاية . يضاف إلى ذلك أن الأشخاص المتذمرين » فى 
وقت الشدة والعون . يفرضون أنفسهم على الموسرين من رجال القبائل ليحصلوا منهم 


236 


على شربة صغيرة من اللين » من باب مرضاة الله . كما يطلبون منهم أيضا شيئا 
يقتاتون به فى الغد . ولقد شاهدت ريات البيوت الغاضيات الحانقات وهن يقدمن تلك 
الصدقة النافهة بتراجع شديد ؛ ومع ذلك . فإن هذه الصدقة القليلة . تعطى وتقدم 
لهؤلاء الناس . مخافة من الله وتحاشيًا لألسنة الناس وكلامهم . ولما كان الفكارة قد 
عقدوا العزم على عدم الذهاب إلى سوريا . فقد قرروا ألا يقيموا هذا الصيف مخيمات 
دائمة » وأن يواصلوا السير هم وإبلهم . هذا يعنى أن كل أسرة من الأسر سوف يتعين 
عليها شرب الحليب فى المساء . لم يكن فى مِنَرْلنا أحد يمكن أن يغامر بإرشادى إلى 
خيبر وتوصيلى إليها. ومع ذلك , كنت أود مشاهدة خيبر ؛ ونظرا لضعفى وقلة حيلتى » 
قررت أن أنهى رحلتى فى هذه المنطقة من الجزيرة العربية ؛ ترى ؛ ما هو ذلك السببب 
الذى يجعلنى أرهق حياتى بصورة مستمرة؛ عن طريق تعريضها للخطر بصورة دائمة؟ 
والتطرف فى سائر أنحاء هذه البلاد المسلمة 586/166 5وا ؟ 


رجانى الموءاهيب أن أكتشف لهم المياه القديمة . ورغبة الموءاهيب فى تلك الميزة 
الدائمة تفوق بكثير جشعهم العبرى وطمعهم فى الذهب . هؤلاء الموءاهيب على استعداد 
للتضحيه بكل المزايا المؤقتة , فى سبيل منجم الماء الذى يدر عليهم زبدا وحليبا بصفة 
مستمرة . وبينما كنت جالسا فى المجلس . سألنى بعض الشيوخ : "هل أستطيع أن 
أفتح لهم بعض المياه الميتة فى وادى تربة ؟* سالتهم :“ألم يحاولوا هم أنفسهم القيام 
بذلك ؟ طلّج : “إذن خليل سيكشف لنا الماء . ونحن موافقين على أن يأخذ الكنز الذى 
سيعثر عليه » ويكون حكرا عليه وحده !' كانت بئرا قد تفجرت مؤخرا تحت الجانب 
البعيد مسن الوادى . ولكن جرى توقيف ذلك النبع عسن طريق سيل من الأحجار , 
ولم يستطع البدى توحيد جهودهم من جديد لإعادة فتح تلك البئر من جديد . "سوف 
أشرع فى ذلك العمل , وعليكم أن توجدوا لى كل صباح رجلين أو ثلاثة ليكونوا بمثابة 
عمال معى . - رد على طُلّحِ متسائلا : "ولكن من ذا الذى سيخرج معك ؟ إن مثل هذا 
الرجل سوف يطالب بدفع أجره مقدما » ونحن ليس من سلطاتنا إجبار أى أحد على 
فعل أى شىء من أى نوع كان . - "وأنت إذا كنت جبانا إلى هذا الحد ؛ فمن ذا الذى 
يمكن أن يساعدك ؟* - "يجوز لك أن تقول , - البدى ! البدى ! يا خليل . ولكن يستطيع 


237 


خليل فى أضعف الأحوال أن يدلنا على منبع 'الماء . الذى شاهدتم مجراه المكسر يوم 
أن كنا فى الوادى . قلت لهم : إذا أركبونى فقد نستطيع الذهاب إلى هناك ونبحث عن . 
ذلك المنبع ؛ ولكنهم حتى : مع مثل هذا الموقف كانوا عاجزين عن اتخاذ القرار . 

كنت قد شاهدت من قيل دلائل وإشارات الماء الجوفى فى القُّريد 4ارترهم,هط7 , 
وتمنيت لى تركت لدى هؤلاء البدى الرحل مزية دائمة طيبة عن رحلة النصرانى وضيافته 
فى ديرتهم , والأعراب يطلقون على حفر المياه الضحلة التى يستطيعون من خلالها 
الوصول إلى المياه الجوفية ٠‏ اسم "ذميلة" 7856:8118 وجمعه “ذمايل" األإ708:26 . قلت : 
"لعلهم يوفدونى مع مجموعة صغيرة من الرجال فى تلك المهمة ؛ ولم أطلب مقابلا لذلك 
سوى حليب الناقة .' وفى لل الحرارة الشديدة فى هذا الجزء من العام؛ لن يشعر أحد 
بالمتاعب أو الآلام؛ كان الكثيرون منهم تراودهم الشكوك حول ما إذا كان الغريب - من 
أجل شىء قليل من الحليب - سيضللهم : ويخاصة عندما وجدوا أنى لم أطلب منهم 
مكافأة من نوع بعينه ؛ - والسبب فى ذلك أنه يستحيل على هؤلاء اليدو أن يسلموا بأن 
أى إنسان آخر لا يمكن أن ينتوى سوى الخير لجيرانه . وهنا قلت لهم : “لا تكثروا من 
هذا الحديث ؛ وأنا أعرف , يا طُلّح » أنه إذا ما فتحت عين من عيون الماء فإنها سوف 
تثير نزاعا كبيرا بينكم (الأعراب يهوشون «ناذاة1/»#اهةادالا) حول حقوق استعمال الماء.” 
اكتشاف عين من عيون الماء يمكن أن يسبب القلق والنزاع حتى بين الأقرياء ؛ وهذا 
النزاع يمكن أن ينكأ جراح الماضى ؛ وقد يعجز شيخ القبيلة عن احتواء مثل هذا القلق 
أى النزاع بين الأعراب : وقد بلغنى أن هؤلاء الأعراب كانت بينهم مشاحنات حول مياه 
البيارة . ورد على طُلَّجَ قائلا: "يا الله ؛ هذا أمر طيب ولطيف ؛ (وأردف طلّج متعجبا) » 
ولكن من أين لخليل يكل هذه المعرفة عن الأعراب!” 

حاول بعض البدو إقناعى “طالما قطعت هذه المسافة الطويلة وريما تصعب على 
العودة إلى بلادى ؛ فالأفضل لى هى اليقاء فى وادى تربة » وزراعة ذلك الوادى .* - 
"وماذا عندما ينتقل أى يرحل الناس عن الوادى- ؟" الإجابة: "سيبنون لى قلعة؛ ويتركون 
معى بعضا من الرجال ؛ وأنى يتعين على افتتاح أى إن شئت فقل : اكتشاف المزيد من 
المياه المخبأة, وأن الوادى سوف يخضر لونه بفعل جدى واجتهادى .* سالتهم : لماذا 
لم يحضروا هم بعض الرجال من قرية العلا على أن يقتسم المحصول فيما بينهم ” - 


238 


وتجاجركئ فاشين + "الغلاو لنت لديو الكسفاعة كن يكخولوا فى هذا الاق 
وكنت قد سألت العلاونة أيضا لماذا لم يرسلوا بعض المستوطنين إلى الوادى القريب 
منهم الذى يوجد الماء فيه على عمق قليل . وأرضه خصبة ؟ الإجابة : "إن من سيذهب 
إلى هناك سيعيش فى خوف دائم » وما هو ذلك الذى يمكن أن يوفر لهم الأمن فى ذلك 
الجزء اليرى من البلاد » وما الذى يمكن أن يحمى عقيدة البدى الصغيرة.* 

جرى تناول أمرا هاما فى المجلس , "مسالة خضوع القبيلة أو عدم خضوعها 
لابن الرشيد ؛" - كان ذلك هى الجدل أو النزاع السائد بين شيوخ السراحين . فى 
السابق كان أولئك الموءاهيب ؛ أى إن شئت فقل: أبو داطة شامة 580808 ؛ يقدم الزكاة 
أو إن شئت فقل : العشور إلى الجبل اهطول (*)؛- إلى عبد الله الأمير الأول . واستمر 
ذلك إلى بداية حكم طلال . كانت تلك الزكاة عبارة عن ضريبة خفيفة عن كل خمسة من 
الإبل » تصل قيمتها إلى 18١‏ أى 7٠١‏ ريال , وكانت تفرض الضريبة نفسها على كل ' 
ثلاثين رأس من المواشى الصغيرة بواقع ٠٠١‏ ريال . واعتمادًا على جبل الحرّة » راح 
أولئك البدى يمتنعون عن دفع الفدية الصغيرة ؛ وعندما كان عبيد بن الرشيد عائدا ذات 
مرة من حملة كان يقوم بها على تهامة ؛ عرّج ليغزى منَزل الموءاهيب على أحد جانبى 
المويرض , ولكن هؤلاء الجباليون تفرقوا هاربين فى جوانب التلال ؛ وتحاشوا 
الاشتياك مع ذلك السرب المعادى . وعندما أيقن عبيد أنه لن يستطيع إخراجهم من بين 
الصخور الوعرة ؛ تراجع حاملا معه.غنائم بيت واحد من بيوت المواهيب ؛ ولكن كان 
"من بين تلك الغنائم ؛ أولئك الذين أصيبوا بجراح بفعل نيران الموءاهيب ؛ على امتداد 
الطريق المؤدى إلى تيماء .* ا 


ذات يوم ؛ وعندما كانوا يتدارسون فى المجلس السياسة التى يجب أن يتبعونها 
مع ابن الرشيد شاهدوا , قبيل غروب الشمس , القمر الجديد , أو إن شئت فقل : 
الهلال » عن بعد . وهنا وقف طُلّحِ ومعه بقية الحاضرين . وخرجوا من خيمة المجلس 
وراحوا يطيلون النظر ويحملقون فى ذلك النجم الحبيب ؛ ثم وجهوا وجوههم نحو 


(١‏ الجيل : جبل شمر مركز حكم أمراء آل رشيد . (المراجع) 


239 


السماء وراحؤا يدعون الله متوسلين » "أن يحسن الله أحوالهم فى زمن هذا القمر , 
وأن يخلصهم الله من أعدائهم . ثم قال لى طُلّحِ بعد ذلك متسائلا : “ما رأيك ؟ هؤلاء 
أصحاب الجبل ا658ل (أى حكومة بن الرشيد) يقولون عنا إننا مشركين 81608)اا5بااة » 
أى نعبد الأوثان , لأننا امتنعنا عن إعطائهم الزكاة , يا خليل . هل عثرت خلال ترحالك 
على أعرابى يصلى أكثر منا ؟ هؤلاء البدى » الذين التقيتهم أنت فى الأجزاء الشمالية , 
أى بالأحرى أهفل االة الشمال  85-576:0(‏ هل يصلون ؟ - ما رأيك ؟ - لا , إنهم 
لا يصلون إلا قليلا: إنهم أقرب إلى أهلك . النصارى .' بدأت أجيب على تلك التساؤلات 
مؤكدًا أن أهل الشمال هم الأفضل والأحسن ولكن الشيخ المتين لم يفهم ما قلت: "قال: 
أنت صادق الرأى ؛ لقد وقفت بنفسك أتتا أفضل من أهل الشمال ؛ إنهم لا يصلون 
أكثر من الكفار , أما نحن فمسلمين . أليس من صالحنا ألا ندفع الزكاة لابن الرشيد؟* 
- “طالما أن الزكاة خفيفة أليس من الأفضل لكم أن تؤمنوا أنفسكم من المواجهة , بدلا 
من الهجوم عليكم من الأجناب الأمر الذى يترتب عليه ضياع عدد كبير من إبلكم ؟* - 
"صادق ؛ بالله ! ونحن ليس لدينا ما نخشاه أى نخافه من الخلف , حيث كل الموجودين 
هناك » إلى جانب الحويطات » هم كلهم أصدقاء لنا ١‏ 

بعد أن أعرب هؤلاء القبليون عن رأيهم الذى مفاده أن الفنون كلها من عند 
النصارى ٠‏ كانوا يلجأون إلى ساعات طوال ومعهم سيوفهم الطويلة وسيوفهم القصيرة 
أيقَنا ويسألونى عن إمكانية التعرف ف على طباعهم أو أمزجتهم ؛ وهذا الطبع أو المزاج 
هم يتعرفونه من خلال تشمم الصلب » ' أو قد يطلقون أنفاسهم على نصل السيوف , 
ويروحون يراقبون بخار الماء وهى يختفى من فوق أنصال تلك السيوف . بعض آخر 
منهم كان يضع بنادقهم الطويلة بين يدى ٠‏ وعندما كانوا يرون نقوشا على تلك البنادق 
أى الأسلحة . كانوا يطلبون منى قراءة تلك النقوش . - وسوف أقول شيئًا قليلا عن 
الأسلحة الشائعة بين فؤلاء البدو : بنادق الجزيرة العربية الطويلة » هى دائما من نوع 
البنادق الفتيلية . وأفضل أنواع هذه البنادق هى تلك التى جلبها هؤلاء البدى من أورويا 
فى قديم الأزل ؛ ( وياستثناء بعض هذه البنادق التى صنعت مؤخرا فى أسبانيا وفى 
مصر ) » فإن كل هذه البنادق الفتيلية تنتمى إلى قرون ماضية . لقد مضى على تلك 
البنادق ستة أو عشرة أجيال اعتبارا من امتلاك أسلافنا لها ؛ لقد بيعت تلك البنادق فى 


2140 


أماكن بعيدة من أسواق الشرق. والناس هنا يطلقون على أقضل أنواع البنادق الفتيلية 
اسم “الأزارى” لقعهه-اه - وقد قرأت على تلك البنادق العلامة التجارية التى كانت 
مكتويه بأحرف لاتينية "لازاردون 0 عدها كومينازى أ60010322© ” ؛ وتجىءه بندقية 
'المجار” :9-8018 الفتيلية فى المرتبة الثانية ».وهى أيضا بنادق قديمة - لا يستطيع 
البدى معرفة أى شىء عن تاريخها - وهى من صناعة المجر 9307ال: وربما كان 
الأتراك هم الذين جلبوا تلك البنادق إلى مدن الحدود . وتجىء فى المرتبة الثالثة البندقية 
الفتيلية الإنجليزية لإ5لإ»او60-ا» ؛ وهذا أيضا اسم من الأسماء الواردة ضبمن أنوا ع 
هذه البنادق ولا يعرف هؤلاء البدى أى شىء عن تاريخه . والبنادق الإنجليزية لا توجد 
عليها نقوش . وفى كل نوع من أنواع تلك البنادق يعلق البدى أهمية كبيرة على المعدن 
المصنوع منه البندقية . ومعروف أن الحدادين فى الجزيرة العربية لديهم خبرة كبيرة 
فى ذلك . هؤلاء البدى يعتقدون أن نوعية تلك البنادق تنحصر فى أمرين » مثلما كان 
أسلافنا يقولون عن أقواسهم . هما : الرماية السريعة والرماية البطيئة . "يقولون : إن 
. المعدن الجيد يظل دوما نظيفا وأنيقا » ويلمع فى القم مثل فنجال القهوة . أما المعدن 
الردئ فيتلف بسرعة ؛ ولكن كل أنواع المعادن لايد أن تتسخ بسرعة يفعل شحنات 
اليارود الضعيف ذات الحبيبات الخشنة . ولقد شاهدت بعض البنادق القديمة الطويلة , 
تقذف الطلقة سيئة الصنع إلى مسافة حوالى مائتى ياردة . 

والعرب يتمنون الأسلحة غاليا كلما زادت قدما وبقيت صالحة للاستعمال . والعرب. 
يعتقدون أن الدنيا كانت أقوى فى الزمن الماضى عما هى عليه الآن ‏ ولكن بعضًا من 
أسلحة العرب النارية بلغت من القدم والتاكل حدا يمكن أن تنفجر معه إذا ما وضعت 
فيها شحنات أكبر مما هو مطلوب لمثل هذه الأسلحة ؛ وإذا ما حدث ذلك ؛ فإن صاحبٍ 
مثل هذا السلاح , يشكر الله . عندما ينجى من مثل هذا الانفجار » وهنا يبادر بأخذ 
بندقيته إلى أقرب صانع ؛ لكى يصلح العطب الذى حل بها ٠‏ ويعد أن يثق بالله بأنه لن 
يصيبه منها أى مكروه . والعرب يثمنون أفضل قطع السلاح عندهم تثمينا غاليا » إلى 
حد أن البندقية التى تعد من النوع الممتاز يصعب بيعها بأى ثمن مهما كان . وأعراب 
الجنوب , الذين هم فى مرحلة متدنية من رفاهية العالم يندر أن تجد بينهم ثلاث بنادق 
أى أريعة سيوف بين كل خمسة من الرجال . والذى ليس عنده بندقية من أعراب 


241 


الجنوب يزودونه بعصا خشبية لها عند رأسها سن من الحديد ؛ ليست أفضل حالا من 
عصى تماثلها فى الطول وفى الوزن . أما إذا كان ذلك واحدا من المشاة فهى يحمل 
حربة الخيّال القوية التى يطلقوق عليها اسم “الشلفة” 50615 والبدوى المترحل الفقير , 
الذى يود أن يكون يوارديا (حامل بتدقية) » يمكن أن يبتاع لنفسه بندقية , من الأنواع 
المقلدة » مقابل ثلاثة أى خمسة ريالات ؛ والبنادق التى تكون من هذا النوع هى فى 
أغلب الأحيان من طراز 'لازاريون أ الطراز 'البربرى" 83,68:9 أو الطراز المصرى - 
بعد أن تلصق عليها أختاما مزيفة . والبدوى المترحل ليس صيادا , إذ من النادر تماما 
أن يضطر إلى إطلاق بندقيته » وهى أيضا لا يطلق بندقيته أثناء الغزى » فى مرحلة أخذ 
الماشية من الرعاة , ولا يطلق نيران بندقيته إلا عندما يسارع طلبا للهرب من المطاردة. 
والينادق التى يحملها ميسوروى الحال هم والشيوخ تكون متوسطة القيمة بشكل عام ؛ 
لأن هذا النوع من البدى لا يدفع ثمنا للبندقية سوى ستة عشر أو سبعة عشر ريالا . 
هناك بعض أنواع أخرى من السلاح فى أيدى بدو الجنوب وتتمثل فى قلة قليلة من 
المسدسات ؛ وقد اكتشفت أن تلك المسدسات من أصل أورويى ومن النوع الذى كان 
أجدادنا يستعملونه » وأفضل أنواع تلك المسدسات هو ذلك النوع الذى يطلقون عليه 
اسم "الإنجليزى لزؤلزاها1-5590© . 

والسيف الأحدب الفارسى ذى الحد الواحد هو والسيف الهندى من أسلحة الجنب 
عند البدى . وهذان السيفان شديدا الصلابة ومعقوفان مثل السيوف التى يحملها. 
ضيباطنا من الخيالة ؛ وهذا الشكل من أشكال السيوف هى المفضل فى الشرق . وهم 
يقولون بحق : "إن السيف الماضى هو ذلك الذى تكون ضربته منشارية .“ والبدى يقولون 
إن ضرية البلطة غير ماكرة » أى إن شئت فقل : ليست ضرية قاضية ؛ معنى ذلك إن 
تلك الضرية لا تؤذى ولا تشج تماما . والبدى يقولون أيضا » إن ضرية اليد المجردة 
ضعيقة , ولكن ضربة الظهر هى الضرية التى يستجمع الإنسان فيها كل قوته , 
وبااشتقدام العد المأعدى بواسطة يد خديزة #ومثل هذا السيف قادر على فضيل رامن 
ابن المرأة عن جسده بضرية واحدة . شاهدت أيضا بعضا آخرا من السيوف مع قلة 
قليلة من الموءاهيب . وقد جلبوها من يلاد الغرب ؛ من بين هذه السيوف سيفان من 
نوعية سيوق البحارة القصيرة حصلوا عليهما منذ زمن بعيد من سفينة تعطلت 


212 


أى رست عند الساحل . كان الشعار المكتوب على أحد هذين السيفين مدون باللغة 
اللاتينية أما الشعار الذى كان مكتويا على السيف الثانى فكان مدونًا باللفة الألمانية . 
كان السيف الثانى سيفا أحدبا مصنوعا من الحديد ؛ بل ريما كان مصنوعا خصيصا 
لأسواق الشرق . هذا هى مشوات 0019886 يحضر لى سيفه مع سيوف الآخرين . 
وعندما رحت أقلب السيف فى يدى ٠‏ رأيته يثبت علئ ناظريه تثبينًا غريبا » ولكنى 
عندما تحسست حد السيف بيواحد من أصابعى '( صاح مشوات ) يا خليل ! ما تفعله 
ليس جيدا ! لماذا تعبث بقم 980نا السيف 65-5694 ؟” كان مشوات يخشى من أن 
مرورى بإصيعى على حد سيفه يمكن أن يضعف ذلك الصلب الذى ينبغى أن يواجه به 
عدوه فى يوم من الأيام فى ميدان القتال . وفيما يتعلق بالأسلحة الأخرى مثل 
السكاكين التى يطلقون عليها اسم "الخوسة" 610158 » يصعب العثور عليها فى ثلاث 
من خيام هؤلاء البدو الرحل الفقراء ؛ وعندهم أيضا سكين شبيه بالسكين الذى 
استعمله ؛ وهم يطلقون عليه اسم "الريش” 8150 ولديهم أيضا نوع آخر من السكاكين 
يطلقون عليه اسم الختهر. »203 » ولكنه يندر وجوده بيتهم » والبدى يطلقون على 

ذلك الخنجر اسم "القدامية" 1371/11 أو قد يقولون له "الشبرية" طم نزول وطأط5 : 

نظرا لأآن هذا التوع من السلاح يشيع فى مناطق الحدود » فى حين أن الأرض هنا 
منخفضة وجرداء ويفوح منها البؤس والشقاء. 


إبل هؤلاء البدى تتردد على مكان السقيا كل ثلاثة أيام فى فترة العصر . ونحن 
نرى فى طلعة تلك الإبل علينا من بعيد ( ذلك المنظر الذى يشيع الراحة فى النفس فى 
تلك الأرض الميتة ) تلك الأعناق الطويلة ااي تشب اماد اتام جركنا نشيافد أيضا 
الكتل الشهباء ء الداكنة المتحركة عند بداية وادى الحرة » ثم ذ نستمع إلى تلك الإبل وهى 
تزمجر أثناء قدومها : هذه هى النياق وقد امتلأت ضروعها بالحليب الذى ستفيد منه 
الأسر الفقيرة “إضافة إلى أتنا سوف نشرب حليبا منعشا فى عصر هذا اليوم . 
وجسم الإنسان عندما ينال قسطا من الراحة ؛ لا يحتاج إلا إلى قليل من الطعام فى 
هذا الهواء الجميل شديد النقاء ؛ والجوع المستعر يجرى إخماده بتكرار تناول القهوة 
وشرب الدخان ؛ يضاف إلى ذلك أن جسم الإنسان ؛ ويخاصة لحمه » يضمر شيئًا 
فشيئا فى مثل هذا الجى بسيب كثرة العمل . والنوم هذا أثناء النهار » هى ويراد ليل 


243 


الأراضى المرتفعة فى الجزيرة العريية هما اللذان يُسريان عنا ويجعلانا ننسى متاعينا, 
معروف أن الرعاة يسبقون الماشية , عند الدخول إلى المخيم » حتى يتسنى لهم معرفة. 
زاد أسرهم » وتمر الماشية من تلقاء نفسها متجهة صوب مكان السقيا الذى يطلقون 
عليه اسم 'المويريد” 14/لاء/1131 . والذى يتجمع عنده كل الرجال الذين من سلالة 
الموءاهيب : هذا يعنى أن الشيوخ جميعهم ؛ فيما عدا الشيخ طُلَّجِ هو وولده الأكبر , 
يتعين عليهم النزول للمشاركة فى عملية السقيا . 

هذا هو الغدير ٠‏ الذى يطلقون عليه اسم "الحوض 43004! جاهز ومستعد بواقع » 
حوض واحد لكل مجموعة من الإبل : هذه الأحواض عبارة عن أوعية ضحلة » يصل 
عرض الواحد منها حوالى ياردة واحدة » وهى مصنوعة من جلود الإبل ومعلقة فوق 
بعض الأغصان الصغيرة . وهذه هى الدلاء التى وضع داخلها صليب من الخشب كى 
يبقى عليها مفتوحة , وكل واحد من السقاة الذين يقف كل واحد منهم فى بثر من 
الأبيار » يرفع الدلى وهى يغنى ليسلمه إلى يد زميل له . على أن يقوم هذا الزميل نقفسه 
بترديد اللازمة نفسها , ويسارع إلى سكب محتويات ذلك الدلى فى الحوض . هؤلاء 
السقائون يشمرون أكمام ملابسهم التى تشبه الأجنحة ( والتى شوهدت ذات يوم فى 
أورويا القديمة » ولكنها الآن رداء فى الجزيرة العربية ) » كما يشمرون أذيال ثيابهم عن 
طريق ريطها إلى أعناقهم ‏ كل ذلك من أجل الإسراع والتعجيل بعملية السقيا . وهنا 
يمكن للرائى أن يوقن بأن البدو رشيقى الحركة » وأذرعهم جافة وقوية وصغيرة 
العضلات : وهذه هى صدور الرجال » بما فيهم الشبان الصغار ؛ شعثاء ( منكوشى 
الشعر ) . وفى أحيان كثيرة يلبس الأولاد الذكور أساور . يطلقون عليها اسم "المذود” 
4 ؛ من حول الجزء العلوى من الذراع : وقد ورد ذكر هذه الأساور فى العهد 
القديم, ضمن قصة وفاة شاؤل الاة5. إسورتهم ليست سوى طوق من النحاس الأحمر؛ 
وسوف يهدى ذلك السوار إلى إبتة الخال" ٠التى‏ سيكون بذلك قن اشتزاها لنفسةء 
فى يوم زواجهم . السقائون من الأعراب يؤدون عملهم بسرعة وحماس - وهذا العمل 
الطويل والسقائون ضعاف - مستخدمين فى ذلك تلك الأغنية المبهجة . هؤلاء السقائثون 
يقولون : إن أصعب جزء فى عملهم هى "الوريد' 14الإهلا١‏ (عملية سقاية الماشية) : ولكن 
معروف أن الأعمال الشاقة يكون وقعها ثقيل على الرجال الذين يعانون من الجوع . 


244 


والبدو يتمتعون بقدر كبير من الشجاعة وبخاصة فيما يتعلق بالأعمال التى تقتضيها 
الضرورة . فى مثل هذه الظروف تراهم يقفون منتصبى القامات ؛ ومن هنا جاء ذلك 
القول المأثور الذى يتردد فى الواحات : "البدى كلهم شجاعة . ولكن الجوع الذى يخيم 
عليهم ٠‏ على شكل توبة قصيرة » يجعل عقل الإنسان غير مستقر , فيما يتعلق بمعدته 
الخاوية » وهنا يسلم البدوى أمره لله ويتحتم عليه الجلوس على الأرض من جديد . 

تلك الأغنية التى يتغنى البدو بها أثناء العمل لا تعدى أن تكون مكونة من مَدرج 
مكون من ثلاث أو أربع كلمات ذات إيقاع . ومعها مدرج آخر على شكل قافية ٠‏ وهذه 
الكلمات من بين الكلمات التى تخطر على أذهانهم بطريقة عفوية ٠‏ وغالبا ما يكون فيها 
شىء من المعنى » ويعد أن يتغنوا بكويليه » أو.إن شئت فقل : زوج من الأبيات » فترة 
من الوقت ٠‏ ينتقلون إلى الكوبليه الذى يليه .- وتلك هى قافية من قوافى الرعاة التى 
نظمها صاحبها عنى عندما كنا فى الخيمة ويقول فيها : “يا خليل ! زى الفيل" التى 
معناها "يا خليل أنت مثل الفيل .” - هذا الحيوان الذى من قارة أخرى ؛ معروف لهؤلاء 
البدى من الناحية الاسمية فقط , والشىء نفسه يمكن أن يقال عن الأسد وعن الخنزير 
أيضا . وهذه هى مجرد أسماء فقط (وهى لا تعدى أن يكون معناها هى المعنى نفسه 
الذى نستعمله) بالنسبة لهؤلاء العرب الذين يعيشون فى وسط الجزيرة العربية . والأسد. 
لا وجود له فى الجزيرة العربية » اللهم إلا إذا كان ذلك » حسب ما يرويه أهل الجنوب , 

فى إقليم اليمن. ومعروف أن الخنزير البرى يشيع فى كل الأراضى السورية العالية فى 
منطقة الحدود :كان الأغزاب:قد سالوقى مرارا عن ذلك الحوان:. غتد التصنارى التين 
لا يصلون ٠‏ والذى يحرم الرسول 4 كل لحمة ؛ كان من بين فؤلاء البدى من أجابوا على 
ذلك التساؤل ؛ ويخاصة أولئك الذين سبقت لهم زيارة الشمال , والذين تبدو الحكمة فى 
كلامهم إذ قالوا : “لقد رأينا وشاهدنا أثر ذلك الحيوان ؛ ووالله إن له لأرجل مثل أرجل 
الغزال. وله منخار إذا ما دققت فيه حسبته كلبا .* - سألنى السقائون , وهم فى ذروة 
.عملهم ؛ لماذا أقف إلى جوارهم وأطيل النظر إليهم ؛ ولم أنزل معهم لتقديم يد العون 
والمساعدة لهم ؟ - "أيها الرفاق » هل ترون هذه الأذرع المرهقة ؟ أنا معنت هذا 
بسبب الجوع , وأنا لا أقوى على سحب الدلى ؛ ولكن أرجو أن تسمحوا لى بأن تشرب 
ناقتى قليلا من الماء الذى يتبقى فى الغدير . وسيجزيكم الله خيرا .* وعندما سمعوا 


215 


كلامى ردوا على قائلين : “والله » إنه يقول الحق ؛ ساعدك الله وأعانك يا خليل ؛ 
ولا تشغل بالك بهذا الأمر , وأجلس واسترح ؛ وسوف نسقى لك ناقتك ." 

هذه الإبل العظيمة القادمة من مرعى الصيف , الذى مكثت فيه وعرقت فى ضوء 
الشمس طوال ثلاثة أيام (ومن ثم فإن أفضل الإبل» من وجهة نظر البدى . هى تلك التى 
لا تتعرق كثيرًا ) سوف تشرب من المسقى كمية كبيرة من الماء , إذ سيشرب كل واحد 
من هذه الإبل - وهذا من وجهة نظر السقائين - ثلاثة أو أربعة قراب من الماء - وهذه 
الكمية تقل ؛ بواقع الثلث , عن الكمية التى يشربها حصان البدوى؛ خلال فترة الصيف 
هذه ؛ وبعد أن تتورم تلك الإبل ٠‏ وتروح تتأوه من ذلك الحمل الذى ابتلعته ؛ يقتادها 
أصحابها إلى المدْرَل , لتنضم إلى قطعان البدو مرة ثانية أمام خيامهم . وتروح تلك 
الإبل المبتلة تتبؤل طوال الليل » ومعروف أن الإبل ؛ فى كل الأوقات , بل وأثناء الترحال . . 
والجفاف , تفرط فى إقراز الماء ‏ ولكنها بالرغم من كل ذلك ؛ تكون أقل من الحيوانات 
الأخرى فى مسائة الإفراط فى إخراج الماء . وفى الصباح يكتشف أصحاب هذه الإبل 
أنها قد هضمت كل تلك المياه وعادت أجسادها إلى حجمها الطبيعى مرة ثانية . وعند 
شروق الشمس يجرى دفع تلك الإيل من جديد إلى المسقى علها تشرب المزيد من الماء ؛ 
بعد ذلك ؛ تتحرك تلك الإبل من تلقاء نفسها نحو الأعلى (*) . سالكة طريق الجبال إلى 
مرعاها الهزيل , الذى لا يوجد فيه طوال هذه الأشهر الطويلة الحارة سوى بعض 
النباتات دائمة الخضرة , التى تكون مَرَّة أى ملحية الطعم , إضافة إلى قليل جدًا من 
العلف الجاف . سالت الأعراب فى كثير من الأحيان : "أليس لهذه الحيوانات أمعاء 
أى جزء فى أمعائها لحفظ ذلك الماء؟” وكانوا يجيبوننى قائلين: "لا » يا خليل ؛ وإلا (وكل 
جمل من تلك الإبل يجرى ذبحه فى نهاية الأمر) كيف لنا بعدم اكتشاف ذلك إلى يومنا 
هذا؟" عذاب طقعة . أى إن شئت فقل: رعى هذه الإيل منفصلة: يبدا منذ الأيام الأولى 
من فصل الخريق ٠‏ على ألا تعود للسقيا من جديد قبل صباح اليوم الخامس :- إذن » 
من أين للجمل بكل ذلك اللّهاب ؟ الذى يساعدها على ابتلاع العلف الجاف . 


(»*) البدى يستخدمون مصطلع يقول : 'الجمال يضدروة" 0010اكنالا بمعنى أن تتجه الإبل نحو الأعلى 
قاصدة المرعى . ( المترجم ) 


تراقب الأسر البدوية إبلها أثناء الرحيل إلى المرعى ؛ وتصبر عليها إلى اليوم 
الثالث » حتى يتسنى لهذه الأسر الحصول على الحليب من النياق مرة ثانية . ونظرا 
لكل المرعدم كقاية برقا .3 القطيان كلنها في وق راحلا قن لجار كوا ا ساي 
إبلها أى قطعانها فى آن واحد . هذا يعنى أننى كنت أستطيع الحصول فى كل مساء 
على شىء قليل من الحليب فى عصر أحد الأيام عرفتنى حمدى /08:ة!! ( التى كانت 
مغنيقة طببة فيقا يتعلق تصتحتن ) الطريق الذى اسلعه كيما أعبر الرادى قاضدا يدو 
السراحين . قالت : يتعين عليك أن تقصد داريش 02:82658 وهذا الرجل لديه 
أربعة نياق مخصصة للحليب" . داريش هذا . كان هو شيخ السراحين ؛ وهى رجل 
ضيق الصدر . وعندما دخلت عليه عند الشفق ٠‏ صاح وعلى وجهه مسحة من الجرأة 
والشجاعة متسائلا : "ما الذى أتى بك إلى هنا ؟" أشرت فى صمت إلى الإبل الكثيره 
التى كانت أمام خيمته . وابتسم الرجل ابتسامة تنم عن الحماقة المفرطة , “قال : 
وما الذئ ححلك تتزك أعزاتك وتجىء الى هنا 6 حسن مرحيا يك يا كليل( قالت 
الصحبة) ؛ اجلس وانتظر قليلا إلى موعد حليب النياق ٠‏ وسوف يحضرون لك الحليب . 
هذا الرجل الذى يشبه وجهه وجه الكلاب والذى سبق أن رأيته مرارا فى خيمة شرب 
القهوة عند الشيخ طُلَّحِ ٠‏ كنت دائما أرى على وجهه مسحة العداء لى والتشدد معى ؛ 
كان ذلك الرجل يطلق على سهام عينيه ونحن جلوس فى المجلس , ولكنه لم يسبق له 
الكلام مع أى أحد من الكفار ! "فتح الرجل قاه وصاح قائلا : ها ! إذا ما رأيتك فى 
الصحراء مرة ثانية. وكانت معى بندقيتي» فسوف أرديك قتيلا !' - " خذ بندقيتك غدا » 
اللهم إذا لم تكن جبانا » وأرم رميتك » وسوف أرمى أنا رمية أخرى ؛ وأنا أقسم بالله 
أنى لن أرحمك ." - "اسمع يا أنت : كيف أن النصارى "أهل اذاه كليمى لاتدالاءءا " » 
يمعنى كيف أن النصارى "أصحاب كلمة" ؛ أى أنهم يعنون ما يقولون : - نحن اليدو , 
يا خليل ‏ وأنا عندما أقول شيئًا ؛ لا يكون هو ذلك الذى أعنيه بالفعل » وأثا لا أتمنى 
لك أى أذى ‏ عند هذا الحد جاءت الزوجة ومعها سلاطين الحليب الطازج ؛ وهنا قام 
الشيخ داريش بوضع سلطانية طيبة أمامى وهو يقول : "إشرب ٠‏ يا خليل ؛ وأنعش 
نفسك . عدت إلى منزلى ؛ بعد أن دأنى إلى الطريق ؛ ولكنى ضللت طريقى بسبب 
خفوت الضوء » الأمر الذى سقطت على إثره من منطقة الحصى التى ينصبون فيها 
خيامهم ؛ إلى صخور مجرى السيل فى الأسقل . 


247 


الفصل السابع عشر 


مخيم الموءاهيب الصيفى فى وادى ترية 


زيارة العلا شائعة خاطفة للأبصار فى الجبل . النساء يفطين الحناجر . الحنظل . 
تعاويذ للحب . النساء الشقراوات . مبليس . قصيدة حامد . دعوة النصرانى لتسمية 
واحدة من بناتهم . البدى يسامون أغانى الصحراء . أسماء النساء البدويات . امرأة 
واود . النزاع بين القبليين الشبان . دفاع طلُوج عن زيجاته الكثيرة . بدوى يقتل نفسه . 
ظُرف البدى الذى يضيّق الصدر , وعقليتهم الدينية . حمدى . طواعين مكة . مجاعة 
الصيف . التَّمّاك القدامى . أخبار الحرب الزائفة . هل القديس سيرجيوس ٠‏ أصبح 
مسلما بعد وفاته ؟ الوجه . بعض النصارى يسكنون هناك. مهنا يصل للمطالبة بالدية . 
قروى من خيبر يصل إلى العلا . مقهى موسى . الجمأع أو الحزب السامى . القاضى 
المضياف . هل يجوز للرجل المتدين أن 'يشرب الدخان' ؟ العودة مع حوريش . يسلم 
النصرانى ذلوله . أشباح فى تربة . زر البدى مرة ثانية . النصرانى الذى يتهمه 
حوريش ؛ يبرئ الشيوخ ساحته . 

ذات ليلة » وقبيل طلوع الفجر بقليل , أفزع صوت فظيع البدى موقظا إياهم من 
أحلامهم ونظرا لأن ذلك الصوت كان صادرا عن عاصفة رعدية , فقد بدا الأمر وكأن 
الدنيا أوشكت أن تكون حطاما . كنت مستيقظا فى ذلك الوقت . وسمعت ذلك الصوت 
من بدايته إلى نهايته ؛ فقد كان صوتا مزدوجا , أى كان هناك فى البداية صوت 
ضجيج مستمر ومروع عند رأس الحرة » تلاه صوت آخر أقصر منه » ريما كان صدى 
فظيعًا للصوت الأول ؛ وتردد فى سائر أتحاء الوادى . بعد ذلك بلحظة » خشيت أن 
أشاهد النيران البركانية القديمة ‏ التى تنام منذ زمن طويل فى جوف هذه التربة » ومن 


249 


ثم تلك الفيضانات من الحمم البركانية التى يمكن أن تنهال علينا : ثم خطر ببالى بعد 
ذلك سقوط صخرة ضخمة فى الطرف البعيد من الحرة ؛ ترى . هل كانت تلك 
الضوضاء صادرة عن انهيار سلسلة من الأحجار ؛ انهيارا مفاجئًا قى أعالى الوادى ؟ 
كان ذلك الصوت المرتفع شبيها بذلك الصوت الذى يصدر عن انهيار الجليد فى الجبال 
الجليدية أثناء العواصف الثلجية . تجمع البدى فى خيمة القهوة قبل طلوع النهار على 
أثر وصول ذلك الصوت الفظيع إلى مسامعهم . توقف بعض البدى , وهم فى طريقهم 
إلى خيمة القهوة , ليسألوا النصرانى ؛ "ما الذى حدث ؟' - أنتم لا تعرفون ديرتكم حق 
المعرفة !' -"ولكن أحضر كتبك وأعرف منها ذلك الذى حدث. ألن تقول لنا؛ ماذا حدث ؛ 
يا خليل ؟ - 'ترى , هل كان ذلك صخرة متهاوية ؟” - “كان الأمر أكبر من ذلك بكثير» 
نظرا لوجود الكثير من التكهنات فى تلك الديرة ." كانت أغلبية الجالسين فى المجلس 
ترى أن ما حدث كان 'نجما" هاويا ؛ كان ولد الشيخ فى تلك اللحظة يفك فلوته » 
وبالتالى شاهد ذلك الشهاب الذى ظهر فى السماء ثم حدث الصوت فى إثره تماما . 
كانت هناك زوجة عجوز مستيقظة » عندما سمعت ذلك الرعد . وأحست بالأرض تهتز 
من تحتها . خطر يبال كل الناس ذلك النيزك المضىء الذى مر , قبل خمس سنوات "من 
فوق رعوسهم ؛ محدثا دويا هائلا » فى وقت الظهيرة . متجها صوب الشمال . ومحدثا 
خلفه ‏ فى السماء . سلسلة طويلة من الدخان : شاهد الناس ذلك النيزك وفى وقت 
واحد ؛ فى كل أنحاء البلاد ( كان طوله يقارب الألف ميل ) فى المنطقة ما بين مكة 
ودمشق , مما جعل الناس فى سائر أنحاء هذه الديرة يظنون أن ذلك النيرّك سقط 
داخل نطاق حدودهم .' وخطر ببال الجالسين فى المجلس أيضا ٠‏ نيزك آخر » حدث فى 
السنوات العشر الماضية , واندفع فى السماء أثناء الليل . مما أضاء الصحراء المظلمة 
لتبدى كما لو كانت فى رابعة النهار . كان الصوت الذى صدر عن ذلك : كر - كر - كر 
- كر ؛” - ولكن هذا هى ما يقوله الأعراب فى كل أحاديثهم عن الضوضاء المتحركة . 
عندما كُنّ يجاسن معى عند باب خيمتى للتحدث إلى ؛ كانت تلك البدويات 
الكاشفات صغيرات السن - لقد جئن إلى ليطلين منى أدوية - كانت الواحدة منهن 
تسحب غترتها فوق زورها والفك الأسفل من فمها ٠‏ سألتهن لماذا تفعلن ذلك ؟ (قالوا) 
يفعلن ذلك لأن ذلك التقليد أصبح جزءًا منهن , وأنهن يفعلن ذلك فى وجود الشخصيات 


230 


المهمة . [فى اليونان , عندما كانت تحت الحكم التركى ؛ كانت الأعراف تقضى أن 
تقوم النساء كبيرات السن . عندما يخرجن من بيوتهن بتغطية أزوارهن والجزء الأسفل 
من وجوههن بمنديل , - هذا الشىء نفسه شاهدته فى الدول الأورويية » متمثلا فى تلك 
الصور القديمة الخاصة بمريم البتول . ] عندما كنت أتغيب عن المكان ؛ كنت أترك 
خيمتى دوما مفتوحة ؛ بدون أية حراسة من أى نوع كان , بالرغم من أن البدى كانوا 
يحذرونى "لا تكن طائشا إلى هذا الحد .' ومع ذلك لم يحدث مطلقا أن ضاع أى شىء 
من خيمتى طوال إقامتى فى منازل الأعراب . 

أصبح العلاج الذى كان يقوم على نقطتين من زيت الكروتون 0108© ٠‏ جرعة 
معتادة بين أولئك البدى : وعندما كنت أعطى الواحد منهم أربع نقاط . كان يحس قليلا 
من التوعك ؛ وعندما أعطيت الواحد منهم ست نقاط » وجدت أنها لم تؤثر على أو تحرك 
بنية هؤلاء البدى الحديدية ٠‏ بل إن البعض منهم لم يشعر بأى شىء حتى وإن صببت 
زيتى كله على الحرة . وبينما كنت أدهش وأتعجب مما يحدث , كانوا هم يعدون على 
أصابعهم ويكتشفون أن اليوم كان مصادفا ليوم الجمعة ‏ ذلك اليوم » الذى ليس من 
المناسب تناول الدواء فيه , وبالتالى لن يفعل الدواء مفعوله .' فى النهاية ؛ كنت أعطى , 
لبعض أفراد هذه السلالة الصحراوية » ثمانى نقاط , لم يكونوا يشعرون معها بأى 
شىء سوى أثر طفيف من الإسهال . كنت أشتكى منهم وأقول لهم : “أنتم تحطمونى 
عندما تحملونى أثمان ذلك الدواء ؛ الجرعات التى أعطيكم إياها كفيلة بأن تميت 
أشخاص أخرين ‏ - “قالوا ٠‏ نعم . صدقت يا خليل ؛ أعطنا أعط يا خليل ! اليدو 
رجال أقوياء !” - فى المدن العربية التى يتغذى أهلها تغذية جيدة » اكتشفت أن الجرعة 
العالية المعتادة من زيت الكروتون كانت كافية تماما . هؤلاء الأعراب كانوا يطهرون 
بطونهم باستعمال نبات الحنظل أو العلقم , ولكنهم لا يلجاون إلى ذلك إلا فى الضرورة 
القصوى , ولمرات قليلة جدا طوال حياتهم : كان معجون ذلك العلقم شديد المرارة . 
يقال إن التحاميل التى تصنع من ذلك المعجون تفيد كثيرا المرضى الواهذين . واليدى 
يعرفون بالفعل نبات السنا أى السنى ٠‏ ولكتهم لا يفيدون منه . 

هؤلاء الساميون البدائيون لا يعلقون آمالا كبارا على أيه مهارة من المهارات 
البشرية ؛ إنهم يركزون اهتمامهم على السماء » ويطلبون التمائم والأحجبة من رجال 


251 


يمارسون السحر والشعوذة ؛ والواحد منهم عندما يكون بحوزته حجاب ء أو إن شئت 
فقل ؛ تميمة جيدة فإنها تصبح بمثابة المعلق والمعطل المريح لفهم ذلك الرجل , 

يثق حامل مثل هذا الحجاب ثقة جنونية فى أن الله سوف يفعل فيه ذلك الذى يراه 
هو فى أحلامه . يجيئون إلى وهم يقولون لى "فتش 5811158 بالكتاب 11 اأ'ط يا خليل 
! اأاقطك»ا هلا فشر معطموم (أو فر أوودم) ! ' كانوا يفعلون ذلك لأنهم كانوا يرونى 
دائما وأنا أقرأ فى كتبى وأطلع عليها . "ألا تستطيع عن طريق كتبك معرفة ذلك الذى 
يدور فى عقول الرجال ومعرفة نواياهم أيضا ؟" - "من ذا الذى يكذب عليكم إلى هذا 
الحد ؟ - "العلاونة يدعون مثل هذه الأمور .* - “ألم يكن ذلك من أجل الاستيلاء على 
أموالكم وسلبها منكم ؟*" ليترت ليو اكد ال تاي 4ن 
طريق كتبك معرفة مكان الأعداء . وهل الغائب يكون حيا أم ميتا ؟ ألا تستطيع ؛ عن 
طريق كتبك . رؤية أسرتك » يا خليل , التى تعيش فى مكان بعيد عنك وهل تستطيع 
معرفة أحوال معيشتهم الغذائية ؟*” وهكذا كان الكثيرون يأتون إلى لأغراض من هذا 
القبيل » دون أن يكون لمجيئهم أية جدوى أو منفعة . "وا أسفاه ! ( قالتها زوجة مسكينة. 
هجرها زوجها ) اطلع على كتيك وابحث فيها ٠‏ وخبرنى هل سأستعيد حب رجلى 
الطيب لى مرة ثانية - آه ! أليست لديك تميمة للحب ؟ أعطنى شيئًا من الكتابة التى 
تجعلنى حلوة ومليحة فى عينيه مرة ثانية .* قال لى شاب ذات مرة : "حسن ٠‏ يا خليل , 
خذ بوصتك ,٠‏ وورقتك » ومزر هذا فوق ذلك للحظة واحدة ! وإن كنت لن تأخذ نقورًا 
مقايل ذلك ٠‏ فاعطنى تلك الكتابة ؛ التى تجعلنى محبويا فى المكان الذى أحب فيه , - 
هيه ! اجعلها تبكى من أجلى فى أضعف الأحوال !” كان الأزواج يأتون إلى ويرجوننى 
أن أعطيهم أحجبة يمكن أن تعيد إليهم زوجاتهم القاسيات ؛ الهاربات الشاردات , 
ولكنهم يحبونهن . “كيف يمكن للورق والحبر أن ينقذكم ؟” - “الكتابة عندما تحدث 
يا خليل , تكون مصحوية باسم الله , وجدنا أنها يكون لها نفع عظيم .“ 

جاعنتى أيضا مبيليس 15أطأ8 » زوجة الشيخ الشاية الشقراء. وأجمل حميلات بنات 
أولئك البدو الرّحل . من بين هؤلاء الموءاهيب ؛ والسحامة , وكذلك البلّى ؛ نساء شعرهن 
كستنائى . ونساء شقراوات الشعر . وهن يقال لهن "مزيونات" 85هد<116 أى إن شئت 
فقل “جميلات" ؛ ولكن هذه النساء . عندما تحرقهن حرارة الشمس ؛ وعندما يستيد 


202 


بهن العطش والجوع بصورة مستمرة فى بلد جدب ٠‏ تهزل أجسامهن وتضيع منهن 
نضارة وجوههن . كانت للشيخ طُلحِ أخت صغيرة صاحبة جمال نسائى أخاذ ٠‏ وكانت 
زوجة لشويش 51/0/50 ومليحة القسمات .- كانت ملامح تلك المرأة التى تسبى تسبب 
الكثير من المتاعب لذلك الشاب الصغير . أذكر ذات يوم أننى التقيت بالقرب من قرية 
العلا زوجة بدوية كانت تسير وحدها , ومعها فتاة شابة ؛ ابنتها » التى كانت دون علم 
منها بذلك ؛ بالنسبة لى . صاحبة جمال أخَاذ فى تلك الصحراء المخيفة وجدتهما 
جالستين خائفتين , مثل اثنين من الحبارى الخائفة » وسط دغل من الأدغال تنتظران 
رجلا طيبا . كان قد ذهب إلى البلدة . “قالتنا : نحن من فخذ البلَّى من الموماهيب ؛” 
ولكنهما لم تكونا من أعراب طلَّج . ومن بين أشياء الزينة هنا بين الشابات , ذلك العقد 
الذى يصنع من أنواع من الخرز ٠‏ الذى يجلبونه من مكة . 

سالتنى مبليس 5ذام » والضوء يترقرق فى عينيها الواثقتين : “هل بوسعى أن 
أعيد لها حب زوجها ؟* :- كل ذلك ؛ فى الوقت الذى كان جمالها يتبدى لى سواء فى 
كلامها أو فى حركتها . وعليه عندما كان الرجال يسألونى , وما أكثر ما كانوا يسألونى 
عن الحريم فى بلادى ٠‏ كنت أشير بالبنان إلى مبليس صاحبة الصوت الحلو » وصاحبة 
الشعر الكستنائى وأقول لمن يسالنى : “هذه التى تجلس هناك تشبه حريم بلادى !” 
وجهها ذى العينين الوسيعتين ٠‏ اللتين كانتا تبدوان مثل الكمين ؛ هذا الوجه كان يميل 
إلى الشكل البيضاوى ؛ بل والأرجح تشبيه ذلك الوجه بثمرة من الثمار:اليانعة ؛ بين 
خصلات شعرها الجانبية كهرمانية اللون ؛ هذا الوجه لم يكن يظهر عليه أى ضوء من 
أضواء الروح . 

كان الشيخ طلجٌّ مستاءًا دومًا من زوجته الشابة , التى اختارتها عيناه لجمالها 
وجمال جسدها من بين أفراد منزل رقيق الحال , هذه المرأة الشابة الحلوة كانت تحب 
سيدها العجوز , الذى رفعها إلى هذه المنزله من التكريم من بين زوجاته » أى إن شئت 
فقل : حريمه . لقد أنجبت مبليس للشيخ طُلّحِ » منذ عذريتها إلى الآن طفلين ؛ هما 
أجمل أطفال القبيلة ؛ ومع ذلك ؛ فقد كانت مبليس ٠‏ فى بعض الأحيان ٠‏ تضرب ولديها 
ضريا مبرحا , وهنا كانت تبدى وكأنها قد خلا قلبها من الرحمة والحب . والجمال 
الزائد عن الحد كنز لا يجلب الفرح على صاحبه ؛ إضافة إلى أن طُلّجِ نفسه ٠‏ ويصفته 


2533 


رجلا حاد الطيع أيضا » لم يكن على استعداد لتحمل صلاية أحوال تلك المرأة الشابة : 
أو عنادها . كانت لدى طلّحجٍ زوجة شابة أخرى » أنجب منها ولدًا فى الآجرة 2 :4 
قصد الشيخ العجوز خيمة تلك الزوجة الشابة وسمح لمبليس أن تخرج من مِنْرَّله . ولذلك 
جاءت ميليس لتبنى بيتها معنا ؛ وعن طريق الابتسامات الجميلة الساحرة طلبت من 
الغريب أن يكتب لها حجابا ؛ 'لأنها كانت تخشى أن يرمى أو يوقع زوجها عليها يمين 
الطلاق .' وأشرت أنا عليها باللجوء إلى حجاب التواضع الزوجى » ويخاصة من جانب 
الزوجة , وأن تنأى بنفسها عن التعالى والشموخ . وعدت أن تتحلى بذلك التواضع » 
وسرعان ما راح طُلّجِ يتحدث معها بطريقة حانية » فى رحَلَّةِ من الرحلات ؛ مما جعله 
يطلب إليها أن تنصب خيمتها إلى جوار خيمته من جديد . 


عاش طُلج عهود رجال ثلاثة » وصل فى هذا العهد الأخير إلى حكم القبيلة . كان 
طُلّجِ دائم الزواج » وكان يشعر دوما بشباب القلب ؛ إذ كان يبدو للجميع كما لو كان 
أبا للقبيلة » وواقع الأمر أنه كان بالفعل أعظم الرجال وأجدرهم فى القبيلة كلها : - 
وشيوخ الجزيرة العربية كلهم تقريبا من هذا القبيل لم يكن عمر أى فرد من أفراد 
القبيلة يسمح لصاحبه بتذكر مرحلة شباب الشيخ طلّج ؛ وأكبر أفراد القبيلة سنا 
عاصروا الشيخ طْلج عندما كان فى منتصف العمر . كان طلحٍ قى ذلك الوقت أبا لثلاثة 
أبناء كبار مازالوا على قيد الحياة ؛ وكانت له أبتة أيضا , بخلاف الأطفال . وكلهم 
ذكور ؛ أنجبتهم له زوجتان طيبتان فى هذه السن المتقدمة . الولدان الكبيران ؛ اللذان 
أنجبهما من زوجة واحدة:؛ كانا شابين صغيرين وأبوين أيضا. كان مشوات 86لنااالاء 
ولد عم الشيخ طلج قد تزوج أم هذين الولدين بعد أن طلقها الشيخ ؛ وهى الآن الزوجة 
الأكبر سنا حاليا من بين زوجتيه . ورث ولدا هذه الزوجة من طْلجِ ؛ عن أمهما رجاحة 
الرأى والقطنة ؛ كان حامد ٠‏ الولد الأول . شايا محترما . ومتواضعًا تواضع أبناء 
الشيوخ العظام » فى عهود ابائهم » وكان له رأى صائب فى المجلس , وقائدًا شجاعا 
لجماعات الغزى. إلا أنه كان فى داخله شىء من الوحشية التى لم أعهدها بين الأعراب. 
فقد رأيت ذلك الرجل وهى يضرب دابته العنيدة ضريًا مبرحًا مستخدمًا فى ذلك وتدًا 
من الأوتاد ؛ هذه الوحشية كانت متأصلة فى عائلته , بل كانت فى دم هؤلاء البدو 
متسلقى الجبال». "١‏ 


فى بداية الأمر اكتشفت أن حامدا كان على العكس من ذلك » إذ كان يفار من 
النصرانى وحاقدًا عليه ؛ كان حامد من النوع الجعّل سريع الانفعال , وله آراء الشباب 
المتطرفة . ويخاصة فيما يتعلق برؤيته لى قى متيل اأعمعلة الأعراب 86:هه-اء » فى 
ذلك الوقت ؛ كانت القهوة , التى هى خيمة الضيافة وخيمة المجلس أيضا , هى بمثابة 
بيت حامد إذ كان الشيخ الكبير يتطلع بوصفه أبا إلى راحته الخاصة ؛ أو ريما كان 
ذلك تنقيذ! لإرادة وجته الشابة التى كانت تريد الأمر على هذا النحو . رددت على 
حامد فى يوم من الأيام .بعد أن أساء إلى وقلت له : يا هلا جومانى ا0قه6 ! 
بمعنى "يا عدوى ! لماذا أنت عدى لى ؟” عض حامد شفته ؛ ومعروف أن ولد الشيخ يكون 
دوما خجولا فى حضرة والده وطوال بقائه على قيد الحياة . ويعد ذلك بأسبوع ماتت 
كراهيته لى ؛ وأصيح واحدًا من أصدقائى المخلصين الدائمين . راح حامد فى ذات 
الوقت . يسلى نفسه بقافية ‏ أي إن شئت فقل : قصيدة ساخرة » نظمها عن خليل وهو 
راكب على "الخويرة" #الإفنا6!-1© ؛ والمقصود "بالخويرة” هنا هى جملى الضعيف 
المسكين . أعمل حامد ذهنه فى تلك القصيدة طوال نهار كامل وليلة كاملة من ليالى 
الصيف ؛ وفى عصر اليوم التالى وحول وجار القهوة راح حامد يسمع قصيدته الجديدة 
للحاضرين : وهنا راح الشيخ طْلج العجوز يتناول أفضل أبيات تلك القصيدة بروح 
القكاهة والاستخفاف , وراح يكرر أبيات ولده بروح الدعابة . وامتدحها . كان يجلس 
بيئنا واحد من القصادين 85580 , أى إن شئت فقل قصاد من بنى عطية ؛ كان حامد 
قد تتلمذ على ذلك القصّاد فى كتابة الشعر . ش 

كان عبد الله » شقيق حامد ؛ الابن الوحيد لأمه سليطة اللسان » قد نصب خيمته 
داخل منطقة مِنْرّلها » بجوار خيمة "عمه"(*) مشوات . وفى هذه المنطقة كبر ذلك الصبى 
متشايها مع الاثنين إلى حد بعيد . ومع مجيئى أول مرة » وفى ظل المداعبة والدلع 
السامى 5651816 , الذى نقف عليه فى البلدان الأقوى من هذه البلاد ..ويدخل ضمن 
فنون الخداع التى تمارسها النساء ؛ أفلح عبد الله فى التظاهر بالصداقة مع 
النصرانى؛ ونظرا لأن حمدى كانت تنصب خيمتها فى كل رحلة إلى جوار خيمة أخيها 


(*) المقصود بكلمة "عمه" هنا هو “زوج أمه" . ( المترجم ) 


255 


فقد كان عيد الله جارا لنا بصورة مستمرة . وعندما شاهدت صبيا صغيرا أسمر 
اللون معه سألته . 'طفل من هذا أهى طفلك . يا عبد الله ؟” - أجاب اليدوى سليط 
اللسان قائئلا : "أمه تقول ذلك ." ومرت الأيام وحملت الزوجة الشابة ؛ وأنجبت طفلة , 
أو إن شئت فقل : ابنة » وهنا قال عبد الله : 'صاحبى لاإ6أ58 . أى صديقى الكلى » 
خليل يتعين عليه أن يختار اسما لهذه الابنة ,” اسم من الأسماء الجميلة التى تطلق 
أى تعطى للاناث ؛ والذى يعتقد أنه لابد أن يكون من كلام بلده البعيدة ‏ وأن ذلك الاسم 
ينيغى أن يكون كلمة حلوة لها جرس أجنيى ؛ - 'لقد سئم أسماء الأعراب » وأن تلك 
الأسماء (صبحت معافة 1860 وتملها الآذان .' "حسن فليكن ذلك الاسم مريام 
10 " - 'لا مريام لا يصلح , لأنه اسم يطلق على العبد أ العبدة فى هذه الأماكن.: 
رددت كثيرًا من الأسماء على مسامعهم » إلى أن وصلت فى النهاية إلى ذلك الذى 
لا يلقى قبولا فى آذانهم . "سارة ليس اسما سيئًا . إنه اسم ذائع بين هؤلاء البدو , 
ولكن الأسماء الإتجليزية التى كان خليل يأتى يها كانت ثقيلة الوقع وثقيلة الجرس أيضا 
قياسا على الأسماء العربية التى تتردد على ألسنة هؤلاء البدو : علمت بعد ذلك أنهم 
سوف يسمونها َنأ 83008 . والعرب بحكم أن لهم رأيا مسيق عن أنفسهم , وهذا 
الرأى مشوب بالخيال المكسال المخلوط بالحزن والألم » تراهم دوما يقللون من شأن 
أشيائهم الخاصة بهم : والعرب يعتقدون أن لفتهم فوق كل اللفات الأخرى » وهم أيضا 
يعتقدون أنهم أول الأمم . فيما يتعلق بالشجاعة فى الحرب وفى القتال . ولكن البدو فى 
حياتهم يضحون بأشياء كثيرة فى بيوتهم , التى لا يجدون فيها سوى الكلام والحديث 
فى الأوقات التى لا يكونون نائمين فيها ؛ من هنا فإن رعوسهم تؤلمهم بسبب خيوط 
العتكبوت التى ينسجونها طوال فترات ذلك الخواء. هؤلاء البدى مشبعين بأغنية جديدة » 
لها علاقة بالطقاطيق المتكلفة التى ينظمها شعراء البادية . وتستحث ذهن الإنسان , 
الأمر الذى يرفع فيه ضغط دمه » ويجعله يعبأً بحياته ويهتم بها . ولما كان البدى من 
الصعب إرضاؤهم ؛ فهم لا يعرفون سوى شكل وأحد من أشكال الخداع ؛ لقد سمعت 
البدى وهم يسخرون , من هذه العملية الشاقة والثقيلة على النفس , لأنها لم تتغير 
مطلقًا . إضافة إلى مدرج التثاؤب ؛ وربة الإبداع فى طبيعتهم الصحراوية » التى تحتم 
أن يكون كل البدى راكبين كما هو الحال فى العبارة "يا أنت 3684لا رأكبين «اطهكاة8” 
والتى معناها "آه ! منك يا من تجلس راكبا" ( على ذاول ) . - هذا يعنى أن الذهن 


256 


البدوى ليس سوى قايلية للنحت والتأكل » وبالتالى يمكن أن يصيبه النصب والإرهاق 
بصورة متدرحة من خلال هذه الدائرة الصغيرة ؛ شأنه شأن الحيوان المربوط الذى أكل 
علفه » وارتاح قليلا ؛ وأوشك على المضى قدما . 

فيما يلى أورد بعض أسماء حريم البدو : سالمة 3ترعااج5 وسلمه 38 (من 
السلام) ؛ عدي /30! (من الحمد) بشقدرة كام (طلك التى ولدت فى مكان 
أخضر) » انظدرة ا (المولودة فى المطر) ذرئة 7 (المولودة فى واحة من 
الذرة العويجة أو الذرة) بك 2 (من الحظ أى البخت) » الفصيحة دهم -اء 
(الفصيحة فى الكلام) » عويضة ااام , ال ملة ؤالمرهقامع ,2 دليل اءلإ6ا0 : (من 
الدليل : الذى يدل على الطريق) » د 5551/6 2 فرجة 12]نات (سرور) ؛ جورمة 
8 ا(الوفيرة » التى يحورونها أثناء اللهى إلى نيس 8/155 » أى قد يجولونها إلى ورمة 
83 عند الغضب ) » صبيرة 50566 (من الصبر) عذبية 845662 (من الحلاوة أو 
العذوبة) » أم الصوف 5-505 88لا (أم الصوف أو زوجة الصوف) » هوشة 58وهاه4ا 
(ويّخ) تعفيلة 781419 , الحديفة 804848!! -ا , القيحة هطه©-اه , الفشيلة هاتطدب6-اه , 
جرذه 610403 » جزيرة 611063 ؛ صبًّة 564063 , عتيجة 3زهاه ؛ اللجمية 5«رازهاداه , 
ناها 8/382 , دغريمة 8«الإة:9و96 , رقيّة ©8219 ؛ وجيد 10ززهللا . 


شاهدت زوجة عبد الله وهى عائدة من الصحراء بعد ساعة واحدة من عملية 
الولادة ؛ كانت تمشى عائدة إلى منزلها وهى فى منتهى الإعياء . وجاراتها يسندانها , 
بعد أن قمن لها بدور القابلة : ويينما كانت تمر على الخيام كانت ريات البيوت القريبات 
منها يخرجن للقائها » ويقمن فى صمت بدور ريات البيوت السابقات » وتضعن أيديهن 
من تحت ذراعيها , وبالتالى يتسنى لهن جميعا المشاركة فى مضيها قدما نحى منزلها , 
وآخر واحدة من ربات البيوت هى التى تصحبها إلى بيتها » هذا هو حنان النساء على 
النساء . ويعد ذلك بحوالى يومين وجدت زوجة عبد الله واقفة إلى جوار خيمتها ؛ وكانت 
قد انتهت بالقعل من أعمال المنؤّل «واتععفت هذه المرأة الشابة , التى يوحى شحويها 
بضعفها , عندما سألتها عن أحوال طقلها طفلها , - ولكن أخاها الشقيق لم يسأل عن الطقل 
الوليد » نظرًا لأنها كانت أنثى . سألت زوجة شابة فى منزلنا » هفل كن يلدن بسهولة ؟ 
ولكن بدا عليها شىء من الخجل والكسوف لأن رجلا سألها مثل هذا السؤال ؛ ثم قالت 


2537 


بعد ذلك بابتسامة عذبة وصيحة لطيفة : 'أنا لم ألد سوى مرة واحدة إه طا ! إذ ! طاء 
لقد كانت مرة طيية بطبيعة الحال” . 


البدى بشكل عام كثيرى الثرثرة ومفرمون بالحكايات » وهم حتى فى هذا الإطار 
ليسوا أجوادًا تماما ؛ وأنا لم أسال كثيرًا عن الأشخاص , نظرا لأن الكلام » فى مثل 
هذا الحال » سيرتد إليهم مرة ثانية . ومصداق ذلك » أن خبر سؤالى عن عدد زيجات 
الشيخ طُلحّ سرعان ما ذاع وانتشر بين أفراد المجلس ٠‏ وفى اليوم التالى , عندما 
وصلت إلى نادى القهوة , التقانى الشيخ طُلج بمزاج رائق تماما ٠‏ وعينان توحيان بأن 
لديه فعلا ما يقوله على الفور "نعم , يا خليل » لقد تزوجت الكثير من النساء . ومع ذلك 
أرجو ألا تظن أنى آخذ الحريم أى إن شئت فقل : أتزوجهن ٠‏ بطريقة "هى لإلا يللاه ! 
6 أى من أول لقاء واعتمادًا على الله . إنتى أختارهن بعد تعقل وتمحيص ؛ 
(وعند هذا الحد انخقض صوت الشيخ طلحٌ إلى ما يشبه النحيب أو البكاء الكوميدى 
أى القكاهى ) ولكن الأمر لا يسير حاليا على تلك الشاكلة , وهذا أمر يدع للأسف , زد 
على ذلك أن هذه اللحية شاب شعرها ؛' وهنا قال الرجل ؛ دونما خجل أمام ولديه' 
الكبيرين ٠‏ وببساطة البدى , التى لا يستطيعون معها تخبئة أى شىء : "أنا لست على 
ما يرام فى نظر جوارى 811 اللاو ل وهذا هو سيب كل خلاقنا ؛ أليس لديك دواء يبساعد 
الرجل ؟ ليتنى أعيش فئ راحة بال مع أسرتى !” كان ذلك العجوز يبتسم من كل قلبه 
وهو يتكلم » فى حين كان أبناؤه يأخذون الأمر مئخذا مرحا » بل وضحك الحاضرون 
. أيضا . لقد استطاع طلج أن يحكم الأعراب ٠‏ ولكنه عجز عن احتواء كبرياء وحزن 
جواريه 235ل . كان طُلج يدخن غليونه طول اليوم وهو جالس فى الخيمة ' وعندما كان 
الدخان ؛ عزاءه الوحيد » يخذله (وحسبما قال لى بصراحه تامة مارجا المرح بالرحمة) 
كان يتملكه الفضب ' ويروح يضنرب حريمه البرئ '. 

كان مشوات قوى البنية » ولكنه عجز عن تسود زوجاته : فهذه أم عبد الله كانت 
تخيفه وترهبه بلسانها . أما الزوجة الثانية . هى امرأه شابة » فقد هربت منه مؤخرًا 
وكان مشرات يتنهد كثيرًا عندما كان يتحدث عنها ؛ صحيح أنها غادرت الأسرة 
وتركتها ولكنها لم تغادر قلبه أى تخرج منه مطلقا . “قال لى : إنها جميلة : إن لها 
جدائل شعر تصل إلى خصرها . والبدويات يندر أن يكون لهن شعر طويل . كما أن 


256 


شعرهن يندر أيضا أن يكون كثيفًا . والرجال يتركون سوالف الشعر الجانبية على 
حالها الطبيعى التى هى عليه : من هنا فإن البدى عندما يمتدحون جمال شاب من 
الشبان يقولون : "إن له سوالف كبيرة وطويلة" . هذا هو محمد بن الرشيد . أمير 
الشَمّرء الذى يناهز منتصف العمر , ولا ترقى ملامحه إلى ملامح الأمراء ؛ يقواون عنه: 
"إنه شاب جميل ٠‏ إذ له سوالف طويلة ' . الرجال الكبار » يرفضون تلك الزينة التى 
يتمسك بها ذلك الشياب المأسوف عليه ؛ وهناك بعض آخر من الناس لا يطيقون تلك 
السوالف مطلقا . وأنا عندما كنت أعيرٌ مشوات من باب المداعبة ؛ وقلت له إنه ليس من 
الشرف أن لا يدفع ثمن الدواء الذى أعطيته إياه ؛ رد على قائلا : "حسن ؛ أنا مدين لك 
حق , ولكن أنتظر وأصبر إلى أن أتمالك نفسى من جديد وأهرس * 6,015ظة ٠‏ أى 
أتسود الحريم وأسيطر عليهن .” 

تلك كانت عائلة الشيخ طلج : كان لذلك الشيخ أخ فى السابق ؛ وقد أصابتنى 
الدهشة عندما علمت أنه قتل نفسه رميا بالرصاص ! ولم أستطع الوقوف على تلك 
المرارة التى أودت به إلى ذلك ؛ وعندما تحريت ذلك الأمر سرًا قيل لى أن ذلك حدث منذ 
زمن بعيد » لم يستطيعوا تحديد المدة ' وكما هى واضح فى ولد عم مشوات » وفى 
مزاج طلج الحاد الذى يتغير بسرعة » وفى عجلة أولاد طلج وتسرعهم , لابد أن تكون 
هناك أخطاء طبيعية فى عقول أفراد أسرة ذلك الشيخ . ويخاصة أن تلك العقول تكاد 
تكون ملتهية ومشوشة أيضا . روح هؤلاء الساميين 5601165 تتعلق بالتراب أو إن 
شئت فقل : بالأرض , ولكن ثقتهم الدينية ترتفع إلى سماء قريبة منهم » فى حين تحيط 
بهم دائرة الحنان الإتسانى من كل جانب . يندر بين هؤلاء البدى ارتكاب الخطيئة 
الكبرى التى تقبل عليها الأرواح اليائسة المنعزلة . إذ كيف لروح ذلك البدوى أن تيأس 
أى تهون من أمر العناية الإلهية ؛ التى لا تعتريها أية شائبة دينية ؟ ويد اللّهِ تحنو على 
أولئك البدو فى كل أوقات الضيق والشدة , ولما كان اليدى مولودين فى ذلك الخلاء 
والجدب غير المفيد ٠‏ فذلك يعنى أنهم » بطبيعة الحال . يقاسون الكثير من المعاناة 
الطويلة . هذه الروح السامية 580186 عديمة الإيمان والمنحطة أيضا , تعتمد على الله 
فى شكل سكون تام . وهم يرون يد الله تعمل عملها فى كل ما يحيط بهم . كما أن 
اسم الله يدخل أيضا فى أسمائهم ؛ إنهم ينادون الله فى كل ما يخرج من أفواههم . 


259 


- هذا هو طلال!*) أمير الشمر الشهم يفتح النار على نفسه فى نوية من نويات 
الحزن الجنونى الذى أصابه ! - هذه الوفاة البائسة التى لقيها الأمير خالية تماما من 
أى نوع من أنواع الشك . طرحت على العا مين ببواطن الأمور من مدن الجزيرة العربية 
السؤال التالى : "ما الذى يمكن أن تناله , فى النهاية » روح تعيسة من وراء القيام . 
بعمل من هذا القبيل ؟” أجابوا على سؤالى : 'إنه يحترق ؛' - وسط تعفن مجتمعاتتا 
المدنية , التى تبدو أن الملائكة الحارسين يرحلون عنها ويهجرونها . نشاهد , فى كل 
وقت وحين , الكثيرين الذين ينزلقون نحو حافة الهاوية . يا لهذه الكروب التى تعتمل فى 
أعماق الروح , ويا لهذا الجحود الذى يؤلم القلب ويوجعه عندما يكون من الأصدقاء , 
ويا لهذه المحاولات التى تبوء بالفشل ! ويا لهذه البحار التى تبتلع كل شىء ؛ ويا لهذه 
العواصف والآلام الموجعة المميتة , التى يلاقيها الإنسان فيما بين ميلاد العقل ووفاته ! 
وعندما تصل النار المستعرة إلى القلب » وعندما يغضب الإنسان ٠‏ فإن تلك الأيدى التى 
لا تستطيع ضبط نفسها تنزل الضرر يرأسه هو نفسه . لتحجب عنه وهم العالم المكروه 
وذكراه الموحشة عن نفسه ؛ وعندما تجرى نجدته فى الساعة المنسية , بعد أن تكون 
شجاعته قد اهتزت - بفعل عطر الحنان الإنساتى » فلريما ظل على قيد الحياة إلى 
يومنا هذا . كثير من الناس كانوا يبحثون عن السلوى والعزاء فى بلاهة أرواحهم , 
وبخاصة عندما يلاقون بجمود الوجه والاعتراض ٠‏ هؤلاء ماتوا قبل الأوان بسبب 
القصور الذى أصاب إنسانيتنا . 

منغصات الروح البشرية لا حصر لها , الإنسان ظاهرة غريبة من ظواهر البؤس . 
فى ظل بعض المناخات الأخرى هناك الكثيرين غير هؤلاء البدى يتمسكون بالدين : 
ويبحثون فى غلظة الجسد . عن الإرادة الكاملة للروح :- ولكن ذلك لا ينطيق على 
سذاجة العرب المتناهية . - العرب طبيعيون فى مسالة الدين . هذا يعنى أن هؤلاء 
العرب ليس لديهم وعى كامل برائحة الخطيئة فى داخلهم , إنهم لا يرون اليرص الذى 


(*) طلال أمير الشعراء : حكم إمارة الرشيد ١871-1441‏ وتوسعت الإمارة فى عهده ؛ وكانت علاقاته ودية 
مع كل من الدولة العثمانية والسعودية . وعلى أثر فقدانه لقواه العقلية أطلق على نفسه الرصاص ومات في 
عام 18319 . (المراجع) 


أصاب أرواحهم ؛ هناك دم شغوف ؛ أى إن شئت فقل : ضعف مؤذ يتمثل فى خليط من 
الخيوط الإنسانية , الذى لو قدر له أن يكون مع آدم فى السماء لما أفاده ؛ وكما يتهافت 
الذياب على الجراح » فإن صروف الدهر أيضا تتهافت على الأشخاص الذين يكونون 
من هذا القبيل . وفى الصحراء أيضا تجد الوخزات المتأصلة فى الدنيا منثورة تحت 
أقدام أولئك الأشخاص : وفى دواخل هؤلاء الأشخاص تكمن الاهتزازت غير المحددة 
التى تصيب الروح الإنسانية , ويالتالى لا يكون هناك منقذ فى حياوات الرجال . 
والأعراب ليسوا سوى روس منتشية . ومستّخفة . ولكنها مليئة أيضا بالحزن الذى 
يقوم على التفكير العميق والتأمل ؛ ومثلما يوجد جمل أجرب فى كل قطيع » ونعجة 
عليلة أيضا فى كل قطيع ٠‏ هناك أيضا فى بعض منازل البدوى بعض الأشخاص 
المحتقرين ومشوشى الفكر . 

الأعراب يعيشون فى خوف ذائع من الذذات ومن العدى . يفكرون دوما فى ديتهم . 
ويينما كنت أتجول فى الوادى سمعت صوتا حادا ينادينيى من إحدى الخيام ويقول : 
“ليه لإهها تحوم 788018859 " بمعنى الماذا جئت تتجول هنا ؟ ألا تخاف الحيوان البرى 
القاسى ؟ ألا تعلم أن الغريب يأكله الضبع ؛ (حج 139 الضبع 52تط8:5-1)؟ العاملون 
فى قوافل القصيم يقولون الشىء نقسه عن الأسد . حيثما دخلت أو ذهبت كان هذا 
النوع من البشر يرهقونى بدينهم غير المألوف عندما يقولون : "خليل » فين 7ه 
ربك عاناططنا8 ؟ بمعنى "أين ربك ؟ أو ء ألا تستطيع. أن تقول مما نقول نحن ؟ يا 72 
ربى لاططنا8 ! أو تقول "الله داطهنانا أكبر ,ة6كاة . " وهنا كان اليعض يصيحون 
"ألا تسمعون أن بوسعه أن يقول هذه الأشياء مثلما يقولها المسلمون؟ ولماذا يقولون إذن 
إنه رجل وثنى ؟ كلمة أخرى . يا خليل » ردد بعدى : "الله مالهنا الرحمن 8ةدطة8-:6 
الرحيم 5أاة8 92" : - اصغوا أيها الرفاق ! إته يقولها ويرددها ؛ إذن كيف يقولون 
إن اليهود والنصارى لا يستطيعون النطق بلفظ الجلالة ؟ 

البدى يفضلون رأى القريب فى المسائل غير الدينية » متصورين أن ذلك ريما يكون 
ميلادًا سعيد للفهم ؛ ومتصورين أيضا أن حظوظ الرجال قد تكون أفضل فى أبراج 
غير أبراجهم الفلكية . والعرب أثناء نوبات ضيق صدورهم الخيالية يتحدثون حديثًا مرا 
عن أمتهم ؛ مضيفتى حمدى 113000 » ابنة عم الشيخ » هى امرأة قوية البنية » أى إن 


261 


شئت فقل : 'شيخة الحريم'. وهى تفيض أنوثة » عندما كان يلح عليها الكثيرون طليا 
لشىء من التتون ( التبغ ) الذى سبق أن جلبه زوجها من الساحل ؛ وعندما كانت 
تجدهم ما زالوا مشفولين بأمرى ؛ "قالت متسائلة : إلى متى ستظلون تضايقون 
القريب ؟ اطردهم » يا خليل . إخص ! اليد كلهم 'حطب النار" بمعنى البدى كلهم وقود 
نار جهنم " " هذه المرأة البدوية قالت بعد زوجها الأول . وقبل أن يتزوجها المغربى » 
قالت كلمتها إنها 'لن تتزوج من بدوى . هذه المرأة أنجبت حاليا طفلين من أبى ناطم 
منتون 51005 ولكن متين بحكم اختلاف الصفات الرراي ٠‏ كانا يبدوان سلالة غريبة 
بين الأعراب . ولكنها بدأت تشعر حاليا بضغوط وتوترات الزوجة فى الجزيرة العربية : 
عندما تدخل مرحلة منتصف العمر , وعندما تبلغ المرأة هذه السن يفكر , أو إن شئت 
فقل : يأتى الرجل الطيب بعروس جديدة تنضم إلى أسرته . 

كانت حمدى ؛ امرأة مجدة . وحرة » فى عصمة زوجها المغربى » كما كانت أيضا 
واحدة من النساء العاملات الجيدات ؛ كانت هى التى تصنع بيديها حَكَمَةٌ ناقته التى 
كان يركبها , كما أنها هى التى كانت تصنع له الخرج الأبيض المنسوج ؛ ذى 
الشراريب الطويلة المصبوغة بالألوان المرحة . وأنا لم أر عيبًا فى هذه المرأة سوى شىء 
قليل من التهور والاندفاع . الذى كان أصيلاً فى أسرتها . والذى رأيتها تمارسه مع 
ولدها: الأكبر من زوجها السابق . هذا الصبى أشقر الوجه . الذى يبلغ من العمر اثنى 
عشر عاما ؛ كان يافعًا . ويمتاز بروح ممتازة وطيبة ؛ كان ذلك الصبى يرعى صغار 
الماعز والحملان فى أسرة "عمه" ( زوج أمه  )‏ كان ذلك الصبى عريانا » منذ مولده » 
كما كان ذلك الطفل اليتيم يتجول بين الأعراب على هذه الشاكلة . تحت الشمس » 
وتحت نجوم الليل البارد . كان المهر الذى دفعه المغربى ؛ لمشوات أخيها غير الشقيق » 
عبارة عن ناقة ؛ كانت هذه الناقة تشكل حوالى 7١/١‏ من الثروة الحيوانية التى عند : 
هذا الرجل الثرى . وقام مشوات يتقديم الناقة لأخته حمدى . بعد ذلك » ويوم أن حدثت 
الكارثة التى ألمت بهؤلاء القبليين . وجرى خلالها تجريدهم ؛ فى الحال ؛ من إبلهم , 
ولم ينجو من تلك السرقة سوى إبل أبى سنون وحده هو وطاهر » عندما كانا يخيمان 
فوق الحرة . فى تلك الأثنا ء كشف المغربى عن كرم جوده +فقد قام الرجل في ذلك 
الوقت باعطاء مشوات 14195008 ناقتين طيبتين : كما أعطى طلج أيضا ثلاث نياق , 


262 


كل ذلك من قطيعه الذى كان يقدر بعشرين رأسا . لم تكن حمدى الشيخة البدوية هى 
وحدها التى تتكلم باحتقار عن اليدو , أو إن شئت فقل : الأعراب ؛ نظرا لأن مثل هذا 
العمل يعد أمرا شائعا بين البدى ؛ هذا هو شاب صغير جاء يسالنى شيئًا من الدواء : 
ولكن شخصا آخرا صاح فيه قائلا : “لا تعطيه شيئًا ٠‏ إنه ولد نتن ." ونظر إليه الشاب 
ورد عليه قائلا : ' يقطع 2143لا عمرك 1031لا ' ورمقه بنظرة حادة . ورد عليه الشاب 
السابق قائلا : "إنه يشبه ذلك الذى أنكته من أنفى ٠‏ وهو والله » وقود لنار جهنم !”" 

كل الأسر التى كانت ضمن هذه العشيرة البدوية كانت ترتيط مع بعضها البعض 
بصلة قرابة » والسبب فى ذلكء أن القبلى يندر أن يتخذ لنفسه زوجة ؛ أو إنْ شئت فقل: 
رية بيت » من خارج القبيلة . والموءاهيب أصحاب أجسام قوية » ويبلون يلاء حسنا فى 
العمليات الحربية . قبل عشرين عاما كان هؤلاء الموماهيب يقومون بالفزى على شكل 
جماعات مكونة من ثمانين راكبا - أما الآن فقد انخفض ذلك العدد إلى النصف - 
يضاف إلى ذلك أنهم كانوا أكثر ثراء من الآن فيما يتعلق بقطعان البقر والأغنام وكذلك 
الايل . كان مَعَمَر +56:قنا0] شقيق طلج . شيخا فى ذلك الوقت , ومات أبناء معمّر : 
ماتوا بسبب مرض الجدرى وأبو مداة توفيش ) 7538157 الكنية التى يطلقونها على 
مرض الكوليرا ) - طواعين مكة - دمرت الأعراب . والموتى بعد أن يدفنوا ويواروا 
التراب لا يأسف أحد عليهم . ولا يحيون ذكراهم : هل يمكن للمسلمين أن يعترضوا 
على قضاء الله ؟ ويالرغم من صلة النسب والقرابة وتوفرها فى كل حالات الزواج 
الخاصة بالبدى . لم يكن من بينهم أحد مُشَُوه أو مصاب بمس من الجنون . وعندما 
امتمع العرب الن:زايتا عن عيوب الزواج الطبيعية التى تظهر بين أولئك الذين 
يتزوجون وتكون القراية بينهم من الدرجة الأولى ؛ بدعوا يقتنعوا بها إلى حد ما . 
'وردوا قائلين : هذا الكلام ليس مضطردًا بصورة دائمة على أقل تقدير ؛ وهذا الذى 
تقوله نحن نراه فى الماشية » ومع ذلك تكون صغارها بحالة جيدة .' 

عانيت وقاسيت مع البدى من مجاعة الصيف »؛ هؤلاء الذين يذلهم الجوع فى جو 
من هذا القبيل . وخال من بذور التخمر والتعفن ؛ لا يصابون بالأمراض المهلكة . جسم 
البدو يشبه جسم السفينة المصنوع من الخشب الخفيف , الذى يظل مجدولا إلى أن 
يجىء فصل الربيع » حيث يقوم اليدو باستعواض طبيعته المتلاشية » ومن ثم يتجدد دمه 


203 


بعد تناول الطعام الآثم أى إن شئت فقل : الشريد . طوال عدة أيام . والبدى على 
استعداد دائم لأن يرووا حكايات مدهشة عن شخص يعرفونه » استطاع أن يأكل طليا 
كاملا فى مرة من المرات . وهم يعتقدون » أنهم يتعين عليهم أن يشريوا من لين النياق 
القليل المتوقر لديهم ٠‏ ويعتقدون أيضا أن حليب النياق هو الذى جعل أجسامهم رشيقة 
وخفيفة » فضلا عن زيادة قدرة تلك الأجسام على تحمل الجوع والإرهاق وكذالك الصير 
لفترات طويلة . وإذا لم يتوفر لبن النياق فهم يستعيضون عنه بقليل من المريسى » غير 
أن المريسى يكون غير كاف إلى الحد الذى يجعلهم يتكاسلون . ويندر فى حياة هؤلاء 
البدى أن يتحولوا إلى طعام آخر مثل الجراد ٠‏ الذى يقولون عنه : إنه يحفظ عليهم . 
حياتهم إلى أن تحل عليهم أزمان مواتية . معروف أن سوء التغذية بين البدو يبعث 
الضعف فى أحشائهم ويجعلها تتأكل ؛ وليس هناك شعوب أخرى مصابة يهذا المرض 
أكثر من هؤلاء البدى : يضاف إلى ذلك أن سكثى هؤلاء البدى وإقامتهم فى أراضي 
لا تصيبها الأمطار يجعلهم لا يذوقون أو يطعمون الثمار عندما تظهر فى مواسمها 
المختلفة ‏ هذا يعنى أن شبح الجوع ‏ وأمراض الصحراء كانت أمرا واردا فى كل 
خيام هؤلاء البدى . والعيارة البدوية الشهيرة “معانا 143888 لون «ها" التى معناها 
"لم يتبق لنا شىء فى هذه الحياة ." تلوكها كل ألسنة البدى . ويرددها كل واحد منهم 
على مسامع الآخرين . وتمر الأيام + ومن بعدها أيام أخرى فى ظل هذا الضعف الناتع 
عن الجوع ؛ وفى ظل النسيان الذى يخيم على هذا العالم البعيد » وفى ظل الحياة التى 
تستنفد الجسم البشرى وتهد قواه . والملجأ الوحيد , يل والعزاء الوحيد لنا هنا يتمثل 
فى نسيم ليل الصيف الجميل فى الجبال ؛ والذى يهب علينا كل يوم ؛ وأنا عندما كنت 
أسطقى طلبا للراحة وسط أحجار البازلت البرية » وتحت نجوم السماء الصافية » وفى 
أرض الأعداء , كنت أجد متعة أكثر فى ذلك ؛ عن النوم أى الاستلقاء فوق الأسرة 
والمخاد فى غرف نومنا المغلقة . - فى هذا المكان . لا تجد طريقا واصلا أى قادما إليه 
من مدينة العالم ‏ والألف عام تنقضى كما لو كانت نهار يوم واحد ٠‏ نحن فى الدنيا 
(العالم) ولسنا فيها أيضا فى أن واحد ؛ حيث أنجبت الطبيعة إنسانا , ذلك اللغز الذى 
يحير نفسه , ويذرت فيه الروح الشريرة بذور الاستهتار . ونحن عندما ننظر إلى ذلك 
المنظر الذى لا نهاية له » نجد أن حياة الجسم الفانى تتضاطل ؛ ونجد الروح تفرد 


264 


جناحيها على ذلك الفموض المقدس .- خطر بيالى أننى كنت أحصى ما يزيد على 
عشرين نيزك فى كل ساعة من الساعات التى كانت تمر على . 

طوال تلك الليالى والأيام كنت أتأمل نُساك العقيدة المسيحية القدامى فى بلدان 
الصحراء العالية . فى ذلك الجزء من العالم - فى هذا المكان كانت تظهر فى كل عصر 
من العصور موجة بدائية تجدد الأرض وتحاكمها ؛ وكيف فرت إلى هذه الأماكن 
موجات متعبة وعنيدة وشديدة المراس . محاولة بذلك استعادة حياة آدم يلتم داخل 
أرواحها ؛ ومتطلعة إلى إقامة وعيش خال من الخطايا مع العناصر , فى مكان يعملون 
فيه على إنقاذ أنفسهم من المصائب الشائعة . مما يجعلهم يستنقدون ما تبقى لهم من 
صبر ؛ ويرحلون بعد ذلك إلى حياة أفضل . هناك نوع من الفلسفة الطبيعية الذى يقوم 
عليه الحكم العادل والعلاج العادل أيضا للأمور . الزهد الدينى هنا هى الجراحة 
الماضية التى تستأصل ميول الإنسان الانحرافية من جذورها ؛ ويذلك يتفق ذلك التفاخر 
الخيالى والحزن العميق الذى يكمن فى الروح الإنسانية , تلك الروح التى سئمت نفسها 
فى هذه الدنيا » وعلقت بها بعض الأدناس خلال فترة قصيرة ؛ أى إن شئت فقل : فى 
المدى القصير . هذه الروح التى تتطلع إلى تخليص نفسها من هذة الأساليب المحيرة , 
تراودها أثناء غضبها رغبة فى إفناء ذلك الجسد المعادى والتخلص منه , نظرا لأن هذا 
الجسد هو المصدر الوحيد لأمراضها . محمد 2ِيّلِِدْهِ طلب أو أراد إنقاذ ذلك الجيل من 
أبناء السبيل , هؤلاء المصلين الذين ضّريت من حولهم الظلمة فى الصحراء » إذ كانت 
بينهم أنوأ ع من النماريد 101,005 الروحية , تتجول من حولهم فى أرض الأحلام 
الدينية ؛ لتبنى من نفسها درجًا صاعدا إلى السماء . وكان السيب وراء ذلك » أن 
البعفن من هؤلاء التماريد كانت “لنيهم زوح النبقة * وكان أولتك التماريد قد حيوا فى 
رجال القوافل صغار السن العلامات السرية لرسالته م(0901688م8 (بعثته) المستقبلية . 
ولكن محمد نَم » فى القرآن الكريم ومع كياسة الفهم العريى . بلاحظ القناع 
القاسى الذى يرتديه العصاة 00006:5, لله , ولأنفسهم وإخوانهم فى الإنسانية : “الله 
أرسل الإنجيل على رسوله عيسى بن مريم , ومن ثم إلى الأمة المسيحية ؛ ولكن طريق 
النساك هى من صنعهم هم أنفسهم ” 


جاعنى أبى سنون مرة ثانية » كان الرجل قد تغيب منذ مدة طويلة » الأمر الذى 
شغل ذهن زوجته وأذهان أصدقائه عليه . والمؤفسف أنه لم يجىء إلى بيته لنيل قسط من 
الراحة » ولكنه كان يتعين عليه أن يعود » فى صياح اليوم التالى ؛ من حيث جاء ‏ 
أى لإحضار المزيد من الأرز من قرية الوجه ٠‏ كان المغربى ينقل طوال رحلات الصيف 
إلى جانب الأرز شيئًا من المريسى؛ كان الرجل يسير أثناء الليل فى أراضى تهامة 
المنخفضة شديدة الحرارة. جاء لنا محمد يأخبار من قرية الوجه . 'لقد نصب المسلمون 
مذيحة تشبه مذابح الغنم » إذ قتلوا وأسروا حوالى 72١ ...٠‏ من النصارى ؛ ولم يقع 
من جانب الإسلام سوى 7٠٠ ..٠٠١‏ ' شهيد ' فقط : - هل سمعت هذا ؛ يا خليل ! 
الشكر لله! - لقد انضم الإنجليز أيضا إلى جانب السلطان ! سينصر الله السلطان 
نصنرا عظيما ! لقد اجتاحت جيوش الدين بلاد الأعداء ؛ وهم يتقدمون الآن صوب 
دديئة موسكق العظليحة: وعندهنا ميستولوخ ظلنها #مسيدعيون عنها فلك المدن يهالوءا 
العظيم مريوطا بالسلاسل . وسوف يستعيدوا كل الأراضى التى جرى الاستيلاء عليها 
من قبل وأخذت عنوة من المسلمين. لقد هزموهم لا فى البر ققط وإنما فى البحر أيضا: 
لقد غاصت متحطمة سفن كثيرة من سفن مورسكو(*)!" كان محمد هو الذى حمل هذه 
الأخبار إلى البدى . (تلك الأخبار التى لم تحظ بقبول كبير عند الرعاة » فيما يتعلق 
بكلامه عن الأجانب) » وأوصلها إياهم عن طريق سياق مبتسم صادر عن رجل صاحب 
معرفة كبيرة » ويتواضع لتعليم الجهال .- ترى ؛ كيف لى بتفسير الأنباء التى أوردها 
المغربى عن الحرب ؟ وأنا عندما غادرت سوريا كان الأتراك يحاريون كلا من صرييا 
68 هذا يعنى أن الأخبار التى حجبت عنا فى دمشق كانت نذير شؤم . "القديس 
جورج - على حد قولهم - أصبح مسلما منذ وفاته» وأنه ظهر فى مونتنجيرى 1/00468690 
وهى يطارد الكلاب المسيحية مستخدما فى ذلك رمحه ؛ وأن الجبال ابتعدت عند ظهوره 
مسافة مسير ساعتين . - لم يكن القديس جورج وحده ٠‏ ولكنهم يعتقدون ويؤكدون أن 
(«) تشير هذه الأخبار إلى ما عرف بمذابح البلفار وهى تلك المذابح التى قامت بها الدولة العثمانية تلقمع 

الثورات التى حدتت فى البلقان فى عام 1875 والتى كانت بتحريض روسيا المتزعمة لحركة الجامعة 


السلافية وكان قيام الدولة العثمانية بقمع تلك الثورات مبررا لكى تعلن روسيا الحرب على الدولة العثمانية 
فى عام /1417 . (المراجع) 


266 


سيدنا عيسى ( أيضا , هى وأمه مريم أصبحا مسلمين ؛ وأن الخلق لم يخلق إلا لسيدنا 
محمد الذى له الأولوية على كل مخلوق آخر" . وأن شخصا يدعى سيرجيوس 56:9105 
كان قديسا مسيحيا فى دمشق , ولكنه أصبح الآن فى زمرة الإسلام ؛” ويوسع من 
يريد أن يشاهد ضريح سيرجيوس هذا فى السوق ( الشارع ) بالقرب من إحدى 
النافورات . وقضبان نوافذ ذلك الضريح كلها مغطاة يخرْف على شكل قرابين . وذات 
صباح ٠‏ ومع بداية الثورة والتمرد » وجدوا مصابيح سيرجيوس مضاءة عن أخرها » 
نا أن تاقورتة كانت يفن :رما كنات القؤارى الطسسمة التى فسرها االتعلمؤن 
أصحاب العمائم الكبيرة تقول إن هناك 'دمارا عظيما ينتظر الدم المسيحى !' 

يقول البدى عن سكان ميناء الأرز فى قرية الوجه : 'إنهم بخلاء مع الغريب ٠‏ أناس 
لهم لهجة تختلف عن لهجتنا ( كلامهم خليط من اللهجة المصرية ولهجات أخرى ) . 
يضاف إلى ذلك أن هؤلاء البدو. الذين تعودوا على الإقامة فى المناطق المرتفعة الجافة , 
لا يطيقون حرارة الصيف فى تلك المنطقة القريبة من شاطئ البحر . وفى تلك القرية , 
هناك بعض من رجال القبائل: الذى يرددون فى تلك القرية حكاية ذلك النصرانى الذى 
يتجول مع الأعراب: وراح يدون بلادهم ويسجلهاء - وهل استطاع أولئك الذين يعيشون 
فى تلك القرية القريبة من البحر , أن يقولوا للناس شيئًا عن.أهل بلدى » أو أين يوجد 
ذلك البلد ؟" وردوا على ذلك السؤال قائلين : "إذا جاء التصرانى إلى هنا فإنهم سوف 
يستقبلونه .' وفى الوجه ٠‏ أخبرنى البدى متسائلين : فل بعض النصارى ٠‏ رجلان 
أى ثلاثة رجال , لهم ذقون حمراء ؛ هم أشخاص أمناء بالرغم من أنهم كفار ؛ وهم 
يعيشون وحدهم فى القلعة » ويلبسون فوق رعوسهم قبعات عريضة ؛ - لكن خيرنا هل 
من المقيول أن لا يطيق الكافر النظر إلى السما (السماء) همه5 ؟ - انظر إلى أعلى » 
يا خليل . إن كنت تستطيع ذلك. طلبت منهم أن يتذكروا أنهم ؛ فى كل عام ؛ يشاهدون 
الحجاج السوريين ( الدمشقيين ) هم والحجاج الفرس 88881805 , وهم يلفون وصلات 
من الجلد على جباههم ؛ لكى يحموا عيونهم من الشمس . ولكن هذا الرأى واجهته 
فى كل أسفارى التى قمت بها فى الجزيرة العربية ؛ فى كل الأماكن التى وصلت إليها 
كان هناك بعض الأطفال وبعض النساء اللاتى كن يقلن لى : "ارفع عينيك يا أنت إلى 


207 


الما ( السماء ) ! " قال أحد القحطانيين!') الخلصّ . الذى سبق أن تعرفت عليه فى 
القصيم 3515»!. قال عن أهل نجران ٠‏ الذى سيق أن رَارها مرات عدة : "إنهم ليسوا 
مسلمين حقيقيين**) .- إنهم لا يؤذنون للصلاة ( بنفس ) الكلام الذى نقوله نحن - 
وإنما مثل الفرس , كما يلبسون عمائمهم مدفوعة إلى الأمام كى تغطى عيونهم , 
(وأردف قائلا :) مخافة أن ينظروا إلى سيدهم ." هؤلاء الرجال الثلاثة الموجودين فى 
برج من الأبراج ٠‏ خطر يبالى أن يكونوا ( يونانيين أى إفرنج ) هم الذين يقطنون 
أى يعيشون فى منازل خفيفة . 

وصل إلينا مهنا 84303883 , الذى قطع المسافة عبر الحرة قادما إلينا مطالبا 
بالمدة 143 لأفراد قبيلته الذين سقطوا فى شجار العام الماضى . كان شيخ السحامة 
يقيم فى خيمة القهوة , التى كان يجرى دعوته منها هى وأعضاء المجلس ٠‏ لتناول وجبة 
الضيافة . التى سبق أن أعدها له أحد الموءاهيب الكرماء , ويالتالى كانوا يجلسون إلى 
وجبة من الأرز المطبوخ فى الماء , والمضاف إليه شىء من ملح وفلفل قرية تيماء : 
والملون بلون الزعفران . كانت تلك العزائم خاصة بأسر الشيوخ ؛ كان المضيقون ,فى 
تلك الأزمان غير الرائجة . يقدمون أعذار الشهامة والمروءة عن البدو الرحل ؛ وأظن " 
أيضا ٠‏ أنه كان هناك بعض الناس ٠‏ الذين كانوا ينفقون كل حياتهم فى ذلك المكان . 
كانت سلوكيات الإنسان معتدلة . كما كانت مهمة الإنسان لطيفة أيضا وهى يتحسس 
جرحا التأم حديثا » وهى بين إخوانه المتصالحين ؛ يضاف إلى ذلك أن شيوخ البدو 
كانت لهم سياسة طبيعية عظيمة . هؤلاء الشيوخ يتمسكون بشدة بذلك الذى يمكن أن 
يحصلوا عليه . ويتنازلون بطريقة لطيفة عن ذلك الشىء الذى يستحيل عليهم الحصول 
عليه . ابتسم مهنا ابتسامة فيها كثير من الود عندما وجدنى هنا » وغمرته السعادة 
عندما سمع طُلّجِ يمتدحنى من قلبه بحق ؛ وقام ذلك الرجل الطيب بتقديم غليونه الطويل 
إلى طالبا منى أن أملأه له بالتتون ( الدخان ) . 


(*) من قبيلة قحطان . وهى إحدى القبائل القديمة فى الجزيرة العربية . (المراجع) 
(**) أهل نجران : على خلاف ما ذكر أعلاه فإن أهل تنجران مسلمون حقيقيون ويعتنقون المذهب الزيدى » 
وهى نحلة من نحل الشيعة . (المراجع) 


فى صبيحة اليوم التالى أوفد مهنا رجلا إلى قبيلته يحمل إليها بعض الأتباء » 
مفادها أن عدد النياق لم يجر بعد تحديده بين الطرفين : والخطر هنا كان يتمثل فى 
الاختلاف حول مسألة التحديد هذه , الأمر الذى كان يمس أهم انفعالات أولثئك البدى . 
كان مهنا يطالب بأربعين ناقة , قيمة الدية بين أفراد القبائل . قال السّراحون إن تلك 
الدية ينبغى أن تكون خمسة نياق فقط؛ كما هى معمول به بين القبائل فى حالة العداء؛- 
نظرا لأن الرجل قتل من منطلق العداوة » وأنهم دفعوا الدية فى ذلك الوقت بواقع 
خمسة نياق : ولكنهم يرون مهنا يعود إليهم اليوم ليطلب منهم خمسة وثلاثين ناقة 
أخرى ! ولكنهم يتعين عليهم أن ينفذوا كلام داريش 08,8650 الشيخ السرحانى 
شن الفدو: | 

ولما كان التبغ الذى مع مهنا قد انتهى ٠‏ فقد حتم عليه ذلك الذهاب إلى قرية العلا 
لابتياع شىء من التبغ » من هنا فقد رافقه , فى هذه الرحلة . كل من حامد وشويشن 
051 . والبدى يطلقون على الرحلة التى يقوم بها عدد قليل من الرجال ينتقلون 
خلالها يسلام قى الصحراء . اسم 'طرقية” وأكا»ناة . قبل أن يركب هؤلاء الرجال 
دوابهم ؛ جاعوا إلى يسألونى عن طريقة اتقاء أى تجنب ذلك الذى يسمى بحمى الواحة , 
- الذى يطلقون عليه أيضا اسم 'حمى الحجان" فى نجد , التى تتملك أجساد هؤلاء 
البدى ‏ على نحو يصعب معه عودة الجسد إلى سابق حالته الصحية مرة ثانية . حمى 
العلا بإااة-ات حمى طويلة الأمد أككر متها حمى منهلكة أى مميتة . والبدى لديهم حساسية 
شديدة جدًا ضد الرطوية والتخمر ؛ كما أن لديهم حساسية شديدة أيضا ضد برودة 
الليل غير الطبيعية التى تنتج عن المناطق المروية ؛ هؤلاء اليدو يعودون إلى ديارهم فى 
كثير من الأحيان وهم يحملون كثيرا من الأمراض غير المرئية » والموت غير المرئى 
أيضا . من أسواق القرى التى يترددون عليها . 

عندما عادؤا قادمين من العلا » أبلغنى مهنا أنه يجرى بينه وبين رجل من خيبر 
حديث ؛ وأن ذلك الرجل أبلغ مهنا أنه سوف يتجه إلى خيبر عائدا إليها . فى صباح 
اليوم التالى » أى إن شئت فقل : بكّير 086516 , وأنه ( مهنا ) يود أن يرسلنى مع ذلك 
الرجل . وبالرغم من أن خيبر والعلا لا تبعدان عن بيعضهما سوى مسافة رحلة طويلة 
من رحلات الإبل » إن أن قرويى هاتين القريتين يمضون حياواتهم دون أن يزوروا 


269 


ينهم البحذن الأخن + كما آن المديتة ( اللتورة ) تعد سوه هتين ين القريتين . قام 
البدى بسرقة عجل مخصى من قرية خيبر ؛ وعندما بلغهم نبأ وجود ذلك العجل فى قرية 
العلا قام القروى ( صاحب العجل ) يرافقه أحد البدو بالذهاب إلى العلا تيطالب 
باستعادة ذلك العجل المخصى  .‏ قال مهنا مهنا , إننى سوف أصل فى الوقت المناسب إذا 
ما بدأت رحلتى فى الصباح ٠‏ ولم يكن من السهل على العثور على رفيق يذهب معى 
إلى "المدينة” المنورة ؛ يضاف إلى ذلك , أن الشخص الذى اتفقت معه أثناء الليل خيب 
ظنى مع طلوع النهار . 

مع طلوع النهار » جرى اقتياد سبعة عشر جملا » إلى خيمة القهوة ‏ وذلك من 
باب سداد المدة ( الدية ) أى الوفاء بها ؛ بالأمس تسلم مهنا فى وادى عروش كثيرا من 
سيقان التخيل بدلا من الإبل ؛ - والمعروف أن الساق الجيدة من سيقان النخيل تقيم 
على إنها جمل . ولكنى أسمع الآن أن مهنا يرفض كل العروض التى تقدموا بها , 
ويصيح قائلا : "الأعراب سوف يعودون إلى عدائهم المستحكم , وأنه لم يعد يتبقى بينهم 
سوى الموت الأسود؛ - ووالله » فإنه لن يرضى بأقل من أربعين ناقة .”" ركب مهنا ناقته 
وأدار ظهره دون أن يستأذن من الحاضرين » وراح يتجه صوب رأس الوادى ‏ عائدا 
إلى ديرته عن طريق الحّرة . هذه الحدة » فى الاستعراض ء إنما هى شكل من أشكال 
سياسة ذلك الرجل فى الحصول على المزيد من الإبل ؛ يضاف إلى ذلك , أنه لم يكن 
من مصلحة ذلك الرجل تسوية أمر خطير ‏ مثل هذا الأمر » دون أن تكون هناك بعض 
المصاعب . راح الموءاهيب الذين كانوا ينتظرون ذلك الحادث ويتطلعون إليه ‏ يراقبون. 
مهنا أثناء انراق .+ مجهي كل واخدسمتيم إلى ويه بز الماشنية 1م20 أن إن 
شئت فقل : مسقى الدواب . 

عقرت على الشيح ظلين افا هتة ين الماك مع أولتك الذين انوا منتطرون 
دورهم فى السقاية . وهنا وجدت الشيخ سيدان 561438 , الذى كانت له طبيعة معينة , 
وكان يفضل الغريب فى كل الأحوال , يقول : "إذا لم يكن هناك أحد غير ولدى فسوف 
يذهب هى معك ؛ نظير أجر .' كان ذلك الابن يدعى حوريش «ولاء,0!! , ونظرا لأنه كان 
موجودا فى بيته فقد ذهب لإحضار ناقته » ولكنه سرعان ما عاد إلى خيمتى وهو يكشر 
عن أنيابه ويقول لى أننى ينبغى أن أزيد له فى الأجر ١‏ وقد لبيت له ذلك الطلب . 


200 


الحن 3 يحتم الحصول على أجره قيل بدء الرحلة » على أن يحاول بعد ذلك يذل كل 
ما فى وسعه . كان لابد من فك النقود قى قرية العلا . وهنا قال حوريش بطريقة 
همجية غير مهذبة ٠‏ لامه أخوه على إثرها , إنه لا يثق بما قلته له » وقال : "إننى كنت 
نصرانيا". وهنا أعطيته النقود قى يده ليقوم هى بفكها من قرية العلا , ثم استانفنا 
مسيرنا بعد ذلك . 

أثّناء سيرنا انضممنا إلى جماعة صغيرة أخرى كانت مسافرة: كانت تلك الجماعة 
عبارة عن رجل سرحانى يقوم بتوصيل أخته وولدها الصغير إلى الواحة . كان زوج 
هذه المرأة البدوية ؛ وهى رجل قروى من قرية العلا » قد أرسل فى طلب ولده حتى ينشأ 
ويتربى فى كنف تلك الحياة المستقرة . وكان يسافر أيضا مع هذه الجماعة الصغيرة 
رجل آخر كان يسوق معه رأسين أو ثلاثة من الحيوانات الصغيرة » وقد تعرفت على 
ذلك الرجل . واكتشفت أنه حضرى من قسمات وجهه قاتم اللون . كان ذلك الرجل 
قصابًا , جاء ومعه قليلا من التبغ لكى يبيعه للبدى » وها هو الآن يعود ومعه لحوم حية ٠‏ 
(حيوانات) . كانوا يلقون السلام على بعض الرعاة الذين كانوا عند منبع الوادى ؛ 
ولما كنا نسير بحذاء ساحل الوادى المنخفض فقد وصلنا إلى واد آخر , «ايقع امنيح في 
الحدود الجبلية المكونة من الحجر الرملى والأجزاء البازلتية العالية من الحرًة ؛ - وهى 
منطقة خالية من الماء لا يزورها أى يتردد عليها الرعاة البدو , ويخيم على تلك المنطقة 
أيضا شكل من أشكال الصمت العنصرى . هذه العدة الخشبية التى على ظهر الجمل , 
أيقظت فى شعورا دفينا وغير مريح أحسست معه بالجوع ؛ ولا أذكر أننى فى حياتى 
كلها » فيما قيل تلك الشهور التى أمضيتها فى الجزيرة العربية ؛ لم أتناول الإفطار 
حتى وأو لمرة واحدة . وهنا نحن نصل إلى تلك الغابة الضخمة من الصخور التحتية 
المكونة من الحجر الرملى؛ والناس هنا يطلقون على تلك الغابة اسم الأخمة قنهطكاة-اه, 
وهى تمثل الحد الخارجى للعويرض . ومع دخول وقت الظهر , نزل المسافرون عن 
دوابهم » كما هى متبع فى السفر أثناء فصل الصيف , وجلسوا فى ظل صخرة عالية , 
لقضاء أشد ساعات النهار حرارة . وعثرت فى تلك المنطقة على نقش حميرى ؛ ولكنى 
خشيت الوصول متأخرا إلى قرية العلا بسبب مثل هذا التأخير الذى لا داعى أو 


لزوم له . 


27[ 


عندما استانفنا مسيرنا من جديد » كنا قد أقبلنا على الجزء الثالث والأخير من 
نهار اليوم . وهنا سارعت لأحمل عن القصاب قرية مائه التى كان يحملها على ظهره : 
مستهدفا بذلك أن يعجل من مسيره معنا » وحتى لا ينفصل عنا فى ذلك المكان غير 
الآمن ؛ القصاب قال : 'لا ! لن يفترق عن القربة التى هى قى مقام أمه'. وهنا رد عليه 
البدى ‏ وهم يتعجيون : “"صدقت يا رجل ٠‏ إنها أمك بحق !*- هذا هو الفكر الذى يدور 
فى أذهان أهل الجزيرة العربية عندما يفترقون عن الماء مدة ساعة أو ساعتين ! وفى 
النهاية » بدأ يطالعنا منظر نخيل القرية » فى ضوء الشفق . وعندما نزلنا عن دوابنا 
عند بوابة القرية كان الليل قد أرخى سدوله علينا » وأحدثنا شيئًا من الجلبة ونحن 
نسوق دوابنا عبر البوابة ؛ هذه الدواب عندما تشممت الشوارع الضيقة خافت من 
الدخول إلى الظلمة الموجودة أسفل الغرف المبنية . وهنا ضربت ناقتى العجوز رأسها 
فى الجدران ضرية شديدة ظننت بعدها أنها ريما تكون قد أصابها مكروه . وهنا جاء 
قروى أى اثنان كانا عائدين متأخرين إلى القرية وردًا علينا السلام والقحية وراحا 
يعاملانا بود نحن البدى . كانت المسارات الضيقة فى هذه المدينة الحجازية الأصيلة 
تفوح منها رائحة ماء الورد بشكل فظيع . وتوقفنا فى مكان واسع ذهب فيه حوريش 
للبحث عن واحد من معارقه اسمه فرحان 58,887 ؛ ويعد أن تركنا جمالنا الياركة بعد 
ربط ركبها , قام الشابان اللذان أخذاتا إلى الأمام ؛ بحمل أكياسى الكبيرة على 
اكتافهم ونا أمامنا فى اتجاه ألياب . جلسنا فوق الضفاف (الصاطب) الطينية , 
التى جرى صنعها لتكون بجوار المداخل كلهاء ثم أحضروا لنا بعد ذلك طبقا من التمرء 
وسلطانية أخرى من مائهم غير الصحى ؛ - كنا لم نتذوق ق أى شىء من الطعام طوال 
ذلك النهار الذى انقضى علينا . تلك الغرفة كانت مخزنا ٠‏ وضعوا فيه أشيائى . 
وأغلقوا عليها الباب طوال الليل . وبعد ذلك اقتادنا هذان الرجلان إلى شرفة نظيفة فى 
منزل خال ٠‏ يمكن لنا أن ننام فيه . 

وصلنا مبطئين 53619 ؛ أى متأخرين ؛ كما توقعت ؛ فقد بدأ ذلك الخييرى رحلته 
قبل ظهر هذا اليوم , - والبدو هنا يطلقون على فترة ما قبل الظهر , بعد انتتصاف 
التهار . اسم "البيريح”" 5ف#لإ©6-!© , بمعنى "أمس" .- هذه الساعات القليلة التى ضاعت 
منا كانت يسيب التباطؤ الغادر من جانب حوريش ٠‏ الأمر الذى هيأ لى فرصة لقضاء 


272 


عام آخر من المتاعب والأخطار فى الجزيرة العربية » نظرا لأن هدفى الرئيسى كان 
يتمثل » بالدرجة الأولى ٠‏ فى زيارة خيبر . هنا » فى خيبر ؛ نجد أن حرارة الليل البهيم 
لا تتناقص يشكل محسوس عن ذلك الذى كانت عليه أثتاء نهار الظهيرة ؛ استلقينا على 
الأرض شبه لاهثين ٠‏ إلى حين طلوع الشمس» ويفدها لم نستطع النوم حتى ولو 
للحظة واحدة . هذه الديرة لا تعرف الأسرة ؛ وعابرو السبيل يستلقون على الأرض لنيل 
قسط من الراحة » ويستخدم الواحد منهم ساعده ليكون مخدة يضع عليها رأسه , 
مفترشا الأرض من تحته :- والمرء يرى هنا » فى كثير من الأحيان , البدى المساكين . 
الذين جاع!ا للتسوق» وهم ينامون عند الظهر فى المدينة أى القرية , مثل الصبى يعقوب» 
ويضع الواحد منهم حجرا من تحت رأسه ! بل إن قروييى قرية العلا أنفسهم يندر أن 
يداعب النوم جفونهم طوال فصل الصيف الطويل الحار والقسم الأكبر من قروييى العلا 
يقضون ليالى الصيف فى البساتين ؛ التى يحتفظون فيها بتعاريش يصنعونها من 
جريد التخيل وسقيانه » ويفرشونها بحصير يصنعونه من زعف النخيل . وهم يقيمون 
وينامون فى تلك التعاريش ٠‏ كيما يتسنى لهم حراسة محصول التمر والفاكهة أثناء 
فترة النضوج ؛ ويهب عليهم وهم فى تلك التعاريش هواء مشبع بالرطوية » ويشىء من 
البراد قبيل طلوع الصبح . وعقب طلوع التهار ‏ نركب إيلنا وتواصل المسير فى 
الشوارع . ويستمر حال المعاناة هذا مع تلك الماشية خاوية البطون , طوال ثلاثة 
أو أربعة أيام » لتعود محملة بالتمر مع رب الأسرة ؛- هذه الحمولة تكون أكبر بكثير 
جدا عن أية حمولة تحملها هذه الماشية وهى بكامل صحتها وعافيتها ؛ والمرء يمكن أن 
يصادف تلك الحيوانات المسكينة وهى تمشى متثاقلة عائدة إلى المنزل ؛ قادمة من تلك 
المستوطتات الطاردة . 

وجهنا مواشينا صوب مقهى القاضى موسى ء ذلك الرجل الحجازى الذى له عقلية 
إسلامية بدائية بحق وحقيقة ؛ ولما كان ذلك الرجل عائدا من مقر راحته الليلية فى 
البساتين 16 : فقد استقبلنى يابتسامات إحسانه الذى يوحى بالكرم . وهنا جرى 
إشعال أو إن شئت فقل : شب نار قهوة الصباح ٠‏ وقام مقدم القهوة ؛ أو إن شئت فقل: 
'القهوجى' لإزةاة»! يتحميص الين على نار الوجار ثم طحنه طحنا إيقاعيا فى هون 
البن . ويتوافد الأاشخاص المعروفون , على ذلك المقهى ٠‏ قادمين من البساتين لتناول 


نا 
2 
ييا 


فتجال قهوة الضباح ٠‏ هؤلاء الأشخاص المعروفون هم من سوق ( حارة ) القاضى 
مووسى ٠‏ وهم يخلعون نعالهم قبل الدخول إلى المقهى » وعندما رأونى أنا ورفيقى ونحن 
جالسين بالقرب من الوجار ٠‏ حيونى تحية طيبة , 'أهو أنت , يا خليل ؛ - من أين 
جئت؟ وتقدموا لمصافحتى . هنا لا تجد تحضر شيوخ الصحراء وقرى نجد الذى يجعل 
المرء يفقد صوابه ؛ والذى تصدق عليه الكلمات التى قالها إشعيا ذات مرة فى وجه 
بنات يهوذا الخائن ؛ 'هم متعالون ‏ ويمشون بأعناق ممدودة » وعيون فيها فضول , 
ينفثون السناج وهم يمشون .* ولكن أهل العلا متزنون وطيعون وعاقلون . 

- هذه هى صالة وتادى قهوة "جماعة" موسى ؛ المقصود بالجماعة” 038:«نال 
هنا هق الأتماك الاسترض الطيس: الذئ نود وبين صلة قوابة :إى قسي عق خلال 
كبير يكون هو رأس المنزل » ويكون وارثا. لسلطة الأب الأكبر . هذه الروايط 
والانقسامات عن طريق القرابة تمثل الحياة المشتركة الواحدة والأمن المشترك الواحد 
فى بلد تعمه الفوضى التى تكون من هذا القبيل . والغرياء الذين يفدون على هذا 
التحالف يجرى تعرفهم عليه من خلال أصدقائهم . والرجال الذين يجرى تحريرهم من 
عبوديتهم يتحولون إلى عملاء فى منزل رب الأسرة , وأطفال هؤلاء الرجال ‏ مع أطفال 
الغرياء الذين يتكاملون مع ذلك التحالف , يمنصون نفس الأبوة التى يحصل عليها 
أطفال الأسلاف : هذا يعنى أنهم يصبحون "أبناء عمومة" فى الجماعة نقسها . 

الأجاب السياسية المختلطة أمر نادر الحدوث فى الجزيرة العريية ؛ والسيب فى 
ذلك أن أى إنسان , مهما كانت قوته . حتى وإن كان فى المدينة , لا يمكن له ممارسة 
سلطة من السلطات العامة إلا إذا كان منحدرا من سلالة شيخ من الشيوخ . ففى كل 
المدن الواحية توجد قرابات كثيرة . وغالبا ما تكون متشابكة من خلال أكثر من سلالة 
نسبية واحدة ؛ وهنا يكون مثل هذا الشخص مناسبا للحكم - وأصدق مثال على ذلك 
هو أمير عنيزة - الذى يعد الرأس الطبيعية لذلك البيت القديم المنحدر عن الشيوخ 
القدامى » وبخاصة الشيوخ الذين يكون آباؤهم من البدى , الذين أسسوا مستوطنة 


(+) عنيزة : من البلدان الهامة فى منطقة القصيم . كان يحكمها أثناء رحلة دونى” الأمير زامل بن عبد الله 
1891-1871 . وينتمى أمراء عنيزة إلى قبيلة السليمى وهى بطن من بطون قبيلة السبيع . (المراجع) 


274 


النخيل فى الصحراء . فى بعض المدن , قد يتصادف قيام حزب فرعى ٠‏ من خلال تهيؤ 
الفرصة المناسية . بالوصول إلى المقدمة ويتسود كل شىء ؛ مثلما حدث لييت ابن 
الشكد فى حتاكل .الذى باركه الوفاشون قيما بد ء الآمر الذى أدى إكى تمؤذلك 
الفرع الجانبى ليصبح أعظم الأسماء قاطبة فى الجزء العالى من الجزيرة العربية . - 
تجمع أتباع دين محمد ديم كان عبارة عن جماعة مختلطة , وهذا التجمع يشكل فى 
الوقت الحالى نوعية ٠‏ أو إن شئت فقل : تحرّب خاص من الأمم - يكشف عن قسمات 
القرابة فى الوجه لهذا الحزب أو ذاك من أحزاب الجزيرة العربية . 

الجماعات فى الواحات عبارة عن "إخوانيات" تسكن أحياء عديدة . وأهل الحضر 
الذين يتشاجرون ولا يكونوا من نفس "الإخوانية" , يحاول كبار السن بينهم إعادة 
الوفاق إليهم ؛ ولكن فى الواحات الكبيرة ذات الحكم الذاتى , كما هى الحال فى عنيزة » 
فإن المواطنين الحضر ينقلون خلافاتهم ليحكم فيها الأمير الجالس فى المجلس ٠‏ وذلك 
أسوة بما يفعله البدى عندما يحملون مشاكلهم إلى شيوخهم . وإلى أن بدأت مزايا . 
ومنافع الحكم الوهابى تتبدى للجميع , كان القرويون منقسمين ويقفون فى وجه بعضهم 
البعض ٠‏ وجماعة فى وجه جماعة ٠‏ سوق ( شارع ) فى وجه سوق ( شارع ) آخر فى 
السواد الأعظم من مستوطنات الجزء المرتفع من الجزيرة العربية . - سمعت أثناء 
الخطر الذى كان يتهددنى فى خيير إنه "إذا ما تعرضت حياة الغريب للخطر فى سوق 
(شارع) من الأسواق ؛ واستطاع الهرب إلى شارع آخر ‏ فإن ذلك الشارع يحميه 
ويدافع عنه ٠.‏ 

أحضر موسى قطعة من البطيخ ليرفه يها عنا . ويعد ذلك مباشرة اصطحينا 
لتناول الإفطار ؛ والإفطار فى قرية العلا عبارة عن خبز مخمور معجون بالزيد » ومعه 
سلطانية من ماء العلا الذى تفوح منه رائحة الكبريت . ونظرا للإاحباط الذى أصابنى 
بسبب خيبر , فقد انتابنى شىء من الحيرة . إذ من الخطورة بمكان على من لا ينتمى 
إلى الدين الإسلامى؛ أن يحاول العودة إلى تسامح المسلمين الذى لا يدوم فترة طويلة , 
الأمر الذى جعلتى على استعداد دوما فى كل مكان إلى التراجع عن التشبه بالمسلمين 
تماما . ترى ؛ هل ينبغى أن أسكن المدينة ؟ حيث يتصبب العرق على شكل قطرات من 
قوق جباهنا , وحيث الهواء الساكن الذى لا يتحرك , والليالى التى تسير على وتيرة 


275 


واحدة . الطعام متوفر فى الواحات ؛ ولكنى آثرت العودة إلى الخلاء (الصحراء) التى 
يهب عليها الهواء . كان الشيخ طُلجٍ العجوز الطيب قد قال عند رحيلى . ومتوقعا 
افتقادنا لرفيقنا الخيبرى , "أنت رجل من الذين يقيمون مع البدى , عد إلينا ثانية 
يا خليل ؛ وابق معنا إلى مجىء موسم الحج الجديد . وهنا قال القاضى موسى : 
يا خليل ؛ إذا أردت السكنى والإقامة فى المدينة » فابق هنا معى ٠‏ ومرحبا بك .* - 
كنت قد اخترت القاضى موسى ليكون مضيفا لى , وهو بدوره وجه طيبته الطبيعية نحو 
الضيف النصرانى : وفى هدوء راح القاضى موسى يسألنى عن كثير من الأشياء . 
وكان يستقبل ردودى استقبالا طيبا » على مرأى ومسمع من الجميع . وعندما كانت يد 
صديقه تمتد نحوى بالغليون ٠‏ كانت هناك يد أخرى , تجعل صاحبها يثير القضية 
القديمة "هل يتعين على الشخص المستقيم أن يشرب الدخان ؟" قام البعض بالرد على 
هذا السؤال قائلين : "إن الإنسان ينبغى ألا يضيع الكثير فى ذلك الدخان ؛” ويعض 
الجيران الآخرين , الذين كانوا أكثر تمسكا بالخرافات . غمغموا قإائلين إن الإنسان 
ملوم فى ذلك ؛ وهذا هو شخص ينظر إلى الدخان نظرة كره واستياء ؛ تكلم على إثر 
نفزة بالكوع وجهها إليه من كان يجلس إلى جواره ؛ تكلم فقال : "ألست أنت ينفسك 
تزرع الدخان , وتتعهده فى الحقل ؛ الذى يجاور حقلى ؟ - ويناء على هذا الكلام غير 
صاحب الموقف الرسمى موقفه كيما يلتمس لنفسه الأعذار ثم قال: "حسن , إنه لم يفعل - 
أى شىء سوى بيع شىء من هذا الدخان للبدى ؛ ( ثم سألنا ) ألم يكن البدو كفارا 
بالفعل , وأنهم وقود نار جهنم ؟” وعندما وجد موسى أن ملاحظتنا ومراعاتنا للدين 
كانت هشة وغير متماسكة ساألنى : "ماذا يقول النصارى عن هذا الموضوع ؟ - 
هل شرب الدخان . خطأ فيما بينكم ؟ أهو حرام !" وهنا أجبته على الفور قائلاً: "الله , 
هى الذى خلق الحرام !' ؛ وعندما خرجت هذه العبارة من فم النصرانى ؛ رحب بها ذلك 
القروى الخجازى الذى ينتمى إلى الشيوخ ؛ يضاف إلى ذلك أن ذلك القروى كان من 
أصدقاء الغليون . وراخ يردد قى سره العبارة'التى تقول: “الله لم يخلق شيئا محرما.” 

عندما سألت حوريش عن مصير العملة التى أعطيته إياها لفكها من قرية العلا : 
رد على وهو يكشر عن أنيايه قائلا : "إنه دفعها ثمنا للشعير فى المدينة .' ورددت عليه » 
أنه طالما أنفق نقودى » فإنه يتعين عليه أن يحمل أكياسى الثقيلة على ذلوله ( ناقته ) 


26 


ف ركلة العووة ؛ إكنافة الات نوف ارك أنضنا: قوق هذه الناقة ٠"‏ وعلق القاشق 
على كلامى بأنه عادل ؛ وأيد القرويون الحاضرون ما قاله القاضى ؛ هؤلاء القرويون 
تطوعوا من تلقاء أنفسهم . مثلما كان الناس فى عهد أيوب الصديق ٠‏ لتعنيف هؤلاء 
البدو الخونة . - يضاف إلى ذلك أن كل أولئك القرويين كانوا يكرهون ذلك الحوريش 
المتوحقن + زد على :ذلك :أن الشباب السرحاتى + الذى رافقتا فى الرحلة؛ عندما مر بتاء 
اعترض هو الآخر على تصرفات ابن قبيلته . وعليه عندما وجد حوريش أن الكل 
يعارضه . رضخ ( كما هئ حال البدى دائما ) لرأى الجماعة واتنصاع له . 


ويينما كنا نرحل فى قترة براد مطلع النهار ؛ وافقت على أن يركب حوريش ناقته 
فترة من الوقت ,٠‏ تلك الناقة التى كانت تحمل أمتعتى . ومضينا قدما خارجين من 
.الهواء الساكن الراكد ومبتعدين أيضا عن طاعون الذباب الذى يعشش فى الواحات . 
كانت ظلال الجبال المرتفعة تنعكس على المسار الذى نسلكه : ثم وصلنا إلى مقدمة 
صخور المقابر فى الخريبة ‏ وواصلنا مسيرنا نحو أسفل الحرة » تاركين الطريق 
المؤدى إلى الحجر يصعد فى اتجاه جانبنا الأيمن . كنا نرى من أمامنا أرضا لامعة 
من الصلصال تنمى فيها كتل من العشب الطويل ؛ وفى هذه المنطقة كان يتعين علينا 
تجاوز دغل من أشجار الطرفاء » التى كان بدو الحويطات يتخذون منها مكمنا لهم فى 
معظم الأحيان : من هنا كان البدى عندما يقتريون من ذلك الدغل يستحثون دوابهم 
كيما يتجاوزوه عدوا . ولم تتمكن ناقتى العجوز من الجرى إلا مثل جمل من الجمال . 
ركبت الناقة . محاولا تمالك نفسى من فوقها » فى الوقت“الذى جرى خلاله حوريش 
بناقته ميتعدا عنى . وعندما وصلنا إلى مسافة بعيدة فى الأخمر 8186036, شاهدت 
رفيقى مرة ثانية » وناديته قائلا : "طالما أنه سينقذ نفسه لوحده على الناقة » فهل له أن 
يعطينى سيفه القصير ؟ - كان مسدسى مربوطًا داخل خرج الجمل الذى كان 
موضوعا على ظهر ناقته . ورد علىئ حوريشن قائلا : 'إنه سوف يهرب فى ظل أى خطر 
من الأخطار التى يمكن أن تتهدده ؛ دون أن يلقى بالا أى اهتماما ؛ وما هو السبب 
الذى يجعله يعطينى السيف ؟ وأننى إذا لم أكن قادرا على العدى بناقتى . فسوف 
يتخلى عنى ويتركنى” . ولم ينتظر .ذلك الرفيق بعد ذلك ولو للحظة واحدة . هذه السرعة 
أوصلتنا إلى منطقة الحوارء ومقبييهه! ؛ - هذه الرأس السوداء المستوية لها علاقة 


277 


بالبازلت ؛ الذى انساب عليها من العويرض بطريقة متساوية » ولكن ذلك البازلت 
مفصول هنا عن الجبل ٠‏ إذ بينه ويين الجيل مسافة تقدر يمئات الياردات ! 

عندما بدأت الشمس فى الغروب:طلبت من رفيقى أن ينتظرنى » ونزلت من فوق 
ناقتى ورقدت على الأرض وأنا أشعر بالإعياء التام . وهنا وافق رفيقى على أن أركب 
أنا ناقته » شريطة أن أضع أكياسى الثقيلة على ظهر ناقتى . - “ناقتى المحملة لا يمكن 
أن تحمل راكبا ؛ ولكن يمكن لك أن تركب خلفى' . - المسافة ليست بعيدة » وأنا سوف 
أمشى سير على أقدامى .' ساعدنى رفيقى على ركوب الناقة » وعندما أصبحت فوق 
الناقة ‏ جرى مسرعا وتناول لجام ناقته مرة ثانية . واستخدمت عقبى فى استحثاث 
الناقة على الجرى بسرعة , ونظرا لأنى كنت أحس بارتاح ؛ ونظرا أيضا لأن الحظ كان 
فى يدى فقد مكننى ذلك من تحقيق شىء من التميز على حوريش ٠‏ بليد الحس , 
والقوى جدً! , والمسلح أيضا بسيف : هذا يعنى ؛ أتنى إذا ما دعا الداعى ٠‏ يمكن أن 
أشق طريقى إلى الأعراب فى وادى ترية » أى عبر السهل إلى قلعة ندائن صالح . 
وعندما نظرت حولى » وجدت ذلك البدوى الثقيل قد ركب فى صمت على ظهر ناقتى 
المسكينة . وطلبت منه النزول من على الناقة وأن يسير معى على قدميه , ولكنه استحث 
الناقة العجوز وتجاوزنى ٠‏ بطريقته الفجة فى الركوب . ناديت عليه , وطلبت منه التزول 
من فوق الناقة ؛ وعندما سمع خطو ناقته السريع التى كانت تحملنى ؛ اتطلق نازلاً إلى 
الأرض من فوق الناقة » ثم وقف على قدميه ونظر إلى نظرة كان يخشى معها (حسيما 
أكد هو بعد ذلك للأمراب - إذا لم يكن يعرف أنى مُسَلّحَ ,) أن تخترق الطلقه التى 
سيطلقها النصرانى جانبيه .- واعتبارا من ذلك الوقت , بدأ حوريش السير على 
قدميه . وكان يجرى من حين لآخر للإامساك بلجام ناقته . ولكنى كنت أفلت منه 
بسرعة . على .لالة هونك عأة-ةناهط » على لالة هونك »6اة-هناهط يا خليل الاقط! قلا !" 
بمعنى "تمهل ! انتبه إلى الناقة ." هذا هو ما قاله ذلك الأهطل , الذى يتصرف على هذا 
النحو ؛ بالرغم من أنى هيأت له ركويا مريحا . خطر ببال ذلك البدوى . وهذا هو حال 
البدى » إن النصرانى جرده من ناقته وأنه سوف يقر هاربا بها . "وأنا حتى لو كنت 
لصا من اللصوص فاأنا لا أعرف طرق هذه اليلاد أى درويها أو كيف لى أن أضحى 
بناقتى هى والأغراض التى عليها ؟” - والله - إنها لتهدثة , يا خليل .” - "السنا 


278 


رفاقاة*د “إن ل اكن انف سيا نوع شرت" القلتلدق اماج 1-*فيا :تال واشرن 
أنت أيضا , ثم اركب خلفى . واقتربت بعد أن شربت وركبت خلفه ورحنا سويا نقود 
الناقة التى كانت تحمل الأمتعة . 


عند بداية الوادى غير حوريش خط سيره ليكون وسط أحواض وضفاف خالية من 
المسسارات وغامرة بالأختهار التدحرحة وقتورات الشيل العاظة يدلا من السدن أسفل 
الصخور القريبة . ولم يستطع الوقوف على السبب الذى دفعه إلى مثل هذا التغيير , 
إلى أن سالنى حوريش فى صوت صغير خافت "هل الأشباح التى فى هذا الوادى 
أشباح تنصارى أم أشباح يهود ؟' وهنا بدأ ذلك البائس يتخوف تخوفا شديدا من 
النصرانى ٠‏ الذى سبق أن أساء إليه منذ فترة وجيزة جدًا » كان يخشى ويخاف أن 
تطبق عليه فى هذا المكان أشباح بعض من أسلافى . - 'زاد على ذلك قائلا : آه 
الملائكة !' وعند اقتراب منتصف الليل كنا قد اقترينا من الْمأَزْل القاحل , الذى كانت 
الخيام السوداء الأولى فيه . هى خيام حمدى : كانت كلاب الحراسة ما تزال صاحية » 
وراحت تقفز وتعترضنا وهى تفتح أقواههاء . رددت (أسماء الكلاب) رشدان 855035 
وعديلّة ! 80111 وعندها جاء هذا الكلبان يسعيان نحوى ويقتربان منى . 

بعد أن نزلت من فوق دابتى صاح حوريش حقدا . وهو يمضى قدما : "أيها 
الناس ! ها أنذا أعيد إليكم ذلك وأنا لا أعرف إن كان - يهوديا أم نصرانيا * هؤلاء 
البدى الرحل الذين ينامون النهار ٠‏ يكون نومهم خفيفا جدًا فى الليل . هذه هى سال مة 
8 العجوز سيئة الخلق والسلوك , تخرج من بيتها قى الحال بصحبة بعض 
جاراتها » ورحن يساعدننى على إنزال اشيائى ؛ - وهذا دور طيب تقوم به الحريم 
لساعدة الرجل القادم من سضض طويل . وبالتالى فهن يطلين منك شيئا من التبغ . 
صاحت سالمة : 'أيتها الرَعّايات !” - كان مزاجها لا يشبع من الكلام البدوى الفاضح 
الفاحش . أه . فى - هى - هى ! هذه همى صنيتك المدورة تعود مرة ثانية !' هنا 
يحضر على القور من الخيام المجاورة رجل أى رجلان ويجلسان إلى جوارى ليسالانى 
عن أخبار الواحة » ويحصلا من العائد على شىء من التبغ . جاء هذان الرجلان وهما 
يرتعدان بعد أن استيقظا من نومهما ؛ وكانا يلفان عباعيهما المهلهلتان من حولهما » 
وهناك فرق كبير بين درجة حرارة النهار ودرجة حرارة الليل : إذ يصل الفرق بيتهما 


279 


إلى ثلاثين درجة : قدم لى أحدهما سلطانية من المريسى ٠‏ وقامت النساء بنصب 
خيمتيى » ولكن خطر يبالى أن استلقى على الفور على الأرض فى ضوء النجوم ؛ - 
سوف يطلع الفجر الحار علينا خلال فترة وجيزة . 

تبدأ حركة البدو مع طلوع التهار ٠‏ ويعد أن فتحت عينيى بقليل . ويجدت مشوات 
4 واقفا على رأسى ؛ وجاء من بعده وعيل االإة/ا ذلك الشيخ السرحانى العادل 
الودود : - ذهيا سويا ( عيل ومشوات ) ليجلسا فى خيمة حمدى ؛ وعندما انضممت 
إليهما راحا يسألانى عن ذلك الذى حدث بينى وبين حوريش «ا5لا©:0!! . - وهنا أدركت 
أن رقودى فى العراء أحلم خارج الخيمة كانت له أخطاره . كان حوريش قد أتهمنى 
أمام أخيه الذى ينتمى إلى عائلة الشيوخ ٠‏ "أن النصرانى كان سياخذ منه سيفه , 
ويهرب بناقته » وأننى لعنت ( وهذا لم يحدث ) والدهما .' وهنا أقسم سيدان 6دفلزه5 , 
مع أول نوية من نويات ضيق صدره وتفاد صبره ؛ أن يقوم بعمل قاس تماما مقابل 
ذلك الخطأ الذى وقع على أخيه ؛ ونهض الرجل من مكانه "ليقطع رأس ذلك النصرانى , 
على حد قوله .* ولكن الشيوخ عارضوه قائلين إنه لابد من سماع أقوال خليل . كان 
مشوات صديقا لى من الناحية الفكرية , إذ كان يكره "عدى الله" ؛: صحيح أن تلك 
الكراهية أفادته نفسيا إذا أراحت قلبه؛ ولكنه كان يشعر بالأسف عندما يرى أن ضيف 
أخته متهم فى أمر مميت أو مهلك : ولما كان وعيل رجلا ٠‏ بمعنى الكلمة » رجلا كان 
يقف يجانبى فى المجلس , هذا الرجل جاغى بصمته الذى يوحى بالشفقة ؛ ليسالنى 
عن حقيقة ما جرى ٠‏ ومحاولا وضع حد للعنف المنتظر. وافق وعيل على ما قلته » بل أن 
مشوات أيضا » ظهرت فى عينيه » أنه موافق وراض عن دفاعى عن نفسى . عندئذ جاء 
سيدان ؛ وعندما وهِذتى وبودا وفاتكًا بالفعل جلس إلى جوازتا + حبيته بإلقاء الشلام 
عليه ولكنه أشاح عنى بوجهه . ورجاه وعيل أن يعمل عقله فى الأمر ويتأمله جيدًا ولكن 
سيدان رد قائلا: "الرجل نصرانىء وأنا أقول أقطعوا رأسه » ولن يكون هناك من يطالب 
بديته نظرا لمقتله بأيدينا .' وهنا بدأ قلب سيدان يرق ويحن . وسط هذا الكلام الكبير . 
وهنا انضم إلينا رجال جاءوا من البيت المجاور , ليروا ما سيؤل إليه ذلك النزاع » 
نظرًا لأنهم يعرفون أن سيدان ؛ عندما يغضب ؛ يتحول إلى رجل خطير . وهنا تمكنت 
من الوقوف على ما يدور فى أذهانهم لأن منهم من أيدنى ومن عارضنى ووقف ضدى؛ 


260 


وكان ولد الشيخ طح من بين أولئك الذين وقفوا إلى جاتب عبد الله ؛ هذا الولد أعطى 
صونه من واقع حقده الدفين “أنني كنت أنتوى الإضرار بحوريش «ولا10:8! . » ألم يقل 
الحكماء يعدم مصادقه الأحمق” ؛ ولكن ما الذى يمكن أن يفعله ذلك الذى يعجز عن 
الاختيار ؟ وقد يكون من الأقضل ؛ فى بعض الأحيان . الاسترشاد بأحمق بدلا من 
الامتناع عن القيام بأى شىء على الإطلاق . لقد تسببت رفقتى مع حوريش فى ضياع 
زيارة خيبر منى . كان يمكن أن أنزل » فى خيبر ٠‏ ضيفا على الشيخ مطلق ؛ شيخ ولاد 
على » الذى سبق أن زكانى البعض عنده تزكية طيبة » وكان بوسعى أيضا أن أتجه من 
مزل الشيخ مطلق مباشرة إلى بلدة حائل وأنا فى أمن وسلام . - وأنا عندما وصلت 
إلى خيبر بعد ذلك , كنت قد لاقيت كثيرًا من الآلام وواجهت كثيرًا من الأخطار , 
ولاقيت فى تلك البلدة أسيرًا لا قبل لى به . هؤلاء الأعراب ؛ الذين يفضلون إنهاء الأمور 
على وجه السرعة . حتى يعودوا إلى حالتهم الطبيعية » نهضوا وذهب كل وأحد. منهم ' 
لحال سبيله بعد أن اقتنعوا بوجاهة دفاعى ومصداقيته : 


وهنا وضعت مسدسى 815101 تحت قيضتى واقتدت ناقتى إلى المسقى : ولكنى 
عندما عدت أخفيت السلاح فى خيمتى » ثم اتجهت بعد ذلك إلى خيمة القهوة . حيث 
كان الشيوخ جالسين هناك. وجدت فى الخيمة كل من طلج؛ وحامد؛ ومشوات ٠‏ ووعيل , 
وداريش ٠‏ ولم يغب عن المجلس سوى سيدان ٠‏ حلست معهم وطليوا منى ؛ بعد ذلك أن 
'أحكى للشيخ عن مغامراتى'. ثم بدأ مزاجهم يتحسن شيئا فشيئا إلى أن وصلوا إلى 
حد الابتسام . وهنا قال الشيخ طلج : "ما رأيك فى حوريش ؟ - “لن أعجب لو لم يكن 
رأسه 'متين 10308 بالحيل 611- 8311 " بمعنى أنه 'مخه متحجر” واستطلقت تلك الكلمات 
الضحك من أفواه الحاضرين . طح : والله إن حوريشا لفاسد 58510 (يمعنى "منحل 
أخلاقيا") . وهنا نادى حامد خليلاً قائلاً : "مد إلى يدك يا خليل” ؛ وهنا قال كل من 
مشوات وداريش : "مد لنا يدك . يا خليل ٠.‏ :- كل هؤلاء كانوا من شيوخ الموءاهيب 
بالإضافة إلى سيدان . لم يستطع أحد منهم الامتناع عن ذلك الفرح والسرور البدوى 
ووسط ذلك المرح وصفاه النوايا ؛ ويعد أن راح كل.واحد منهم يمسك بيدى اليمنى » 
كان يتمنى لى دوام الصحة ٠‏ ويشكرنى قائَلا : "عافيه 8018 عليك" . وهنا قال وعيل : 
"والله » إنه يقول كلاما لطيفا , إن خليل لا يكذب ‏ - '( رد عليه طّلج ) صدقت والله ! 


267 


وها نحن الآن قد تصالحنا معك من حجديد » يا خليل . وأصبحنا كلنا رجل واحد ؛ وأنت 
أصبحت مثل واحد من أبتائى : - وأردف الرجل قائلا : أنت لست وحدك الغريب هنا 
فى هذه الديرة » ولكننا جميعا وافدين عليها » وخليل "أختيار” :قلإناط)ا (بمعنى أن 
قليى لم يكن منفصلا عنهم فى مسالة المرح والود والحب ) ؛ إنه من الأعراب الطيبين » 
بمعنى . الإنجليز أعراب طيبين .” وعيل االإةلها : " قل لنا شيئا عن نظرك الثاني , 
يا خليل . إقرأ لى ذلك المكتوب فى كف يدى ٠‏ ( مد يده لى ) . طُلحّ : "نعم » انتبه 
يا خليل البعض يقولون إن كلمة 'سليمان' مكتوية هنا .' - 'أنا لا أرى شيئا » ولكنكم 
لن تصدقونى ٠‏ قالوا : “والله » خليل لا يخدع العرب ." - طلج : "ما رأيك يا خليل , 
فى المهرة المربوطة هناك ؟ لقد اشتريتها من العنوز » وهى ترضع ؛ ودفعت ثلاثة من 
الإبل ثمنا لها ." 


2062 


الفصل الثامن عشر 


المُكارة يمضون الصيف فى الحجر 


طُلّح ينتقل مع معظم آل بيته . ظاهر. . السموم . إنذار فى الليل . الفزى . الجراد 
من جديد . ولد حوريش يعتدى على النصرانى . ظاهر يسبك الطلقات . كلامه عن 
الموك . مهر العروس . الدية » طريقة تحديدها . الفصادة . الاستعداد للذهاب إلى 
طُلُوجٍ فى وادى الشلدل . سلامى . الناقة الخويرة تكتشف الطريق . الأعراب فى 
الوادى . المصالحة مع حوريش . حكاية عبد الله الحاقدة . كيف يتجرأ النصارى على' 
شن الحرب على الإسلام ؟ مبدع الأغانى والأناشيد . أسطورة الكنز المسحور . ابنة 
ظاهر زوجة طُلُوجٍ . عبوس الرعاة البدو ( المستمر ) . أضحية مشوات . نزاع القبلبين 
فى العويرض. المرور وحيدً! إلى مدائن صالح . الشيخ الفُجيرى يمكن معرفته من بعد . 
تعال ازيارة الفكَارة مرة ثانية . زيارة الحاج نجم فى القلعة . شيخ متزمت من 
ولاد على . كلام مطلق وكلام طُلُوج إلى النصرانى . إبراهيم عمود الحج . آثار الحجر . 
غزوة من غزوات المهنا . السلالة النسبية للشرارات والتى يجهلونها . شيوخ الموماهيب 
يركبون مطاياهم قاصدين ابن الرشيد للتعبير له عن خضوعهم له . دفء الهواء أثناء 
الليل. الزواج من من زوجة العم المطلقة . زيارة العلا مرة ثانية فى.أوائل موسم التمر . 
هويشيم . شهر رمضان . حرارة الصيف فى الحجر . ذُريح 706905 أكبر 
أبناء مطلق . حاج سورى يعيش مع أعرابنا . نخيل القلعة . أمسية مع الحج نجم . 
رحلة جديدة إلى العلا . إنذار أثناء العودة فى الليل . داريش وبولان يعثران على آثار 
أقدام حوريش . 


أسفرت مفامرة حوريش الفاشلة عن تعزيز موقفى عند الشيوخ » نظرا لأن 
حورش كان رجلا ملفوظا بين هؤلاء الشيوخ ؛ ولكن ذلك أثار نوعا من العداء العام 
المتشدد الذى جعلهم يظنون أنهم أصبح لديهم من الأسباب ما يبيح لهم الثأر من 
النصرانى . وعقب ذلك مباشرة , انتقل الشيخ طُلجٍ ومعه القسم الأكبر من الأسر ؛ إلى 
وادى 09ةالا شلال 31اا على بعد مسافة مسير ثلاث ساعات تقريبًا ؛ ولكن أهل 
مَنَزْلُ حمدى ؛ وأهل مَنْزّْل ظاهر 788016 , ولد عمها بقوا فى وادى ترية . وفى اليوم 
التالى . وتحسبا للصوص الليل . ضممنا منزلنا إلى منزل ظاهر , الذى كان مقايلا 
لنبع الماء العالى . هذا يعنى أن ربات البيوت , فى متزلنا » سوف ينصين خيامهن 1 
بالقرب من الماء. حيث ينتشر روث الماشية على الأرض كلها فيما عدا مكان واحد فقط, 
اكتشفته عندما كنت أستطلع الأرض بغية النزول فى مكان بعيد عن ذلك الروث ٠‏ وهنا 
تناولت حمدى فى يدها قبضة من الروث وقالت لى : 'ما العيب فى:هذا !' فأنا أشم 
رائحة هذا الروث . كما أننا يمكن أن نضعه أيضا فى أفواهنا ؛ إنها رائحة معيشتنا » 
وهى رائحة حلوة عند البدو' . اتجهت بعد ذلك لنصب خيمتى إلى جوار خيمة ظاهر . 
ظاهر هذا ؛ كان رجلا محترما » يتمتع بشىء من الوعى الطبيعى الحر » وهى حاليا فى 
سن متقدمة » وروحه قوية وبدنه قوى أيضا شأنه شأن كل أولئك الذين عثرت عليهم بين 
البدى ؛ وقد قمت بعلاج زوجته من التهاب فى عينها . 

لم يكن التكاسل الشديد فى الخيمة من مسئولية ظاهر , نظرا لأنه كان مشغولا 
بل وعلى استعداد أن يأخذ على عاتقه كل مسئولية من المسئوليات العامة . كان ظاهر 
يلبس ثويا عرييا طويلا , الذى يلبسه الرعاة ؛ ويصل طول ذلك الثوب إلى ما فوق 
ركبتى ظاهر , ولم يكن الثوب يغطى أطراف ذلك الرجل أيضا . كان ظاهر وحده » 
أى بصحبة رفيق آخر يختاره هو , يركب ناقته » فى معظم الأحيان ٠‏ ويتقدم القبليين 
من البدى الرحل . حتى يستطلع لهم الصحراء من أمامهم ؛ فى بعض الأحيان كان 
ظاهر يقع فى كمين من الكمائن التى كانت تنصب له لأخذ الناقة منه » أو للقضاء على 
الحياة الإنسانية الغريبة التى كانت تقع داخل نطاق المدى الذى تصل إليه طلقات 
بندقيته : وقد أخبرنى أبناء ظاهر أنه لم يكن يدخر وسعا فى القيام بأى شىء .- 
وهكذا نجد أن الضرورة هى التى تشحذ همم هؤلاء البدى إلى حد انعدام الضمير » 


204 


فى العنف'الذى قد يأتونه خارج أراضيهم . كان يمكن لظاهر هذا ؛ الذى أصصبح حاليا 
فى منزلة "عمى" بل وصديقا مخلصا » أن يكون هى قاتلى , لى أنه التقانى قبل ذلك فى 
الستهرا افا ذا الزول الستعزاري كان سببادا ولا كل الصيانين من [هل قات .. 
ولا أبالغ إن قلت : إنه واحد من بين الصيادين القلائل بين البدى . تلك كانت ابنته 
الجميلة الطيبة ؛ التى كانت أجمل جميلات البدويات الشابات » والتى أنجبت للشيخ 
طح طفلا فى الأجرّة 8905 ؛ - كان ذلك العجوز قد قال عندما لل ينها اكه يتمد 
أن تنجب له طفلا شبيها بأبيها . كنت أمضى القسم الأكبر من وقتى ضمن جماعة , 
أى إن شئْت فقل : صحبة ظاهر : كان ظاهر صاحب فهم ووعى أكثر نضجًا عن أولئك 
الذين يحيطون به . كما كان كلامه سمحا وترحابه ملحوظا ؛ وقد أمضى ذلك الرجل 
سنين حياته بدويا وفى هذا النوع من الحياة التأملية أكثر من مجرد الحصول على 
المعرفة الطبيعية . كان ظاهر حاد البصر وكانت قدرته البدنية على التحمل عالية جد » 
كما كان أيضا واحدًا من بين البدى القلائل الذين تربوا على الغزى : لقد غنم الكثير من 
ازيل إلى حد انه تكرل عت جل كيعيف فى إداية الأمر.: إلى أن لضبيع الآن ين 
بين أوائل الرجال الذين نث يشتهرون بكبر أعداد مواشيهم ؛ يضاف إلى ذلك ٠‏ أن ظاهرًا 
بحكم شخصيته القوية ؛ وبحكم حصافة عقله أيضا ٠‏ كان بمثابة زعيم القسم الفقير 
من بين أفراد القبيلة . '( قال لى ذلك اللص القوى وقد ارتسمت على شفتيه ايتسامة 
الرجولة ).يا خليل ؛ لماذا تبحث عن الحليب بعيدا عن هنا ؟ فى الوقت الذى أملك أنا 
فيه نياقا كثيرة ٠‏ ومع ذلك . لجأ ظاهر ٠‏ فى يوم عودة الإبل إلى المنرّل , إلى المماطلة 
فى التنفيذ . هذا الظاهر , بعد أن خلط الحليب بالماء , ويالرغم من أنه كان مدينا لى 
بأجر علاج عين زوجته » لم يرسل لى سوى جرعة صغيرة من ذلك الحليب المخفف ؛ 
ولكنه أعطانى تلك الجرعة بوجه بشوش تماما . 

عندما كان الجوع يعض ظاهر بنابه » كان يسارع إلى حمل بندقيته الطويلة , 
ويأخذ معه حفنة من المريسى ؛ وينطلق سعيا إلى إسكات ذلك الجوع ؛ ثم يغيب يعد 
ذلك عن الأنظار ؛ وقد اشتهر عن ذلك الرجل أنه يفيب نهارا من نهارات الصيف وليلة 
من لياليه . يعود بعدها مرهقا ومتعبًا فى الصباح . قادما من مسافة بعيدة, 
تمكن فيها من التقاء واحدة من الماعز البرية أى ظبيا من الظبيان ؛ - يضاف إلى ذلك » 


ا 
ص 
ا 


أنه يكون قد وقف على دلائل وعلامات ذلك الذى حدث مؤخرا فى الصحراء . لم يكن 
غبار المغامرة الأخيرة مع حوريش قد اختفى وضاع ؛ وكان من المفيد لى البقاء داخل 
إطار صداقة هذا الرجل , الذى دافع عن قضيتى ولم يخش أحدا عندما وجه لومه إلى 
الطرف الآخر . - هبت علينا فى ليلة من تلك الليالى ريح قوية من رياح السموم , - 
ريح السموم هذه , هى تلك الريح التهامية الساخنة التى تهب على الحرة : هذه الريح 
الخفيفة المقلقة لا يمكن أن توسع الصدر أى تنشط الدم » ومن ثم تكون تلك الريح 
متسوعة بشىء من التوعك واآلام الرأس ؛ أو إن شئت فقل : الصداع . هذه الرياح 
الساخنة التى يقول الأعراب عنها إنها 'موبوءة' تشيع وتستمر إلى منتصف فصل 
الصيف كل عام ؛ ولكن أحدا من أولئك البدى الذين تحدثت معهم حول موضوع ريح 
السموم ء لم يقل , أو يذكر لى ٠‏ أن أحدا مات بسبب هذه الريح .- لقد اكتشفت أن 
ريح السموم تهب طوال الجزء الأكبر من العام على الصحراء العالية فيما بين القصيم 
وديرة مكة المدارية » التى أمضيت فيها أحر فترات فصل الصيف . حيث يكون الجو 
مشتعلا أثناء طلوع الشمس : لقد أصاينى الإعياء التام مرة أى مرتين عندما كنت فوق 
تلك الصحراء العالية . يقال » إن الإبل » قد تموت فوق تلك الصحراء العالية بسبب قلة 
التنفس , أثناء هبوب تلك الريح الحارة أى الساخنة : التى تجلب الدمار لتلك الماشية 
الضعيفة ؛ يضاف إلى ذلك ؛ أن تلك الريح الحارة تقضى أيضا على السواد الأعظم 
من الأعلاف البرية الضعيفة . ويعد اجتيازى وادى فاطمة يوقت قصير جدا . سمعت 
فى جدة أنباء عن نقوق الكثير من إبل القرويين بسبب ريح السموم . 

استيقظت أثناء الليل » مذعورا من نومى ٠‏ على إثر شائعة راجت وانتشرت فى 
خيمة ظاهر 7188815 , - كان الناس يجيئون ويروحون هنا وفناك ؛ فى ضوء التجوم : 
لم أتمكن من معرفة كنه ذلك الذى كان يدور فى المكان . ولكن ما على مما يدور » نظرا 
لآن مصيرى أصبح مرتيطا بمصير ظاهر ؛ يضاف إلى ذلك ٠‏ أن عودتى إلى النوم مرة 
ثانية » لن تفسد على متعة حياتى الوحيدة . تناهت إلى مسمعى قبل طلوع الصبح 
قافية غريبة عذبة كان يتغنى بها صوت واحدة من النساء ( كانت تلك القافية شبيهة 
بالتغريد السعيد الذى يصدر عن طيهوج الخشب فى شمالى أورويا ) وما تزال إلى 
يومنا هذا عالقة بذاكرتى ولا تغيب عن بالى . ومع تضاؤل أضواء النجوم » نظرت إلى 


206 


الأعلى » فرأيت شخصا يقف عند رأسى , واحد من البدو له شكل كشر ؛ كان ذلك 
الشخص يحمل بين ذراعيه كتلة كبيرة من البازلت » ثم تظاهر بحركة من حركات 
التضليل » عندما وجد عيناى مفتوحتان ٠‏ بعدم إلقاء تلك الكتلة وتركها تهوى على 
صدره . صاح الرجل ؛ آه ! يا ملعون ؛ أنت أيها النصرانى الذى تنام هنا ! لى أنى 
هويت بذلك الحجر عليك ٠‏ فسوف يقتلك ويذلك أكون قد قتلت عدوا من أعداء الله ." 
كنت أعرف أن ذلك الشخص الحاقد . واحدًا من الرجال الذين يتسمون بالخجل 
والتصرفات السلوكية الوحشية , كما كنت أعلم أيضا أنه مكروه ولا يرحب به أحد فى 
خيام تناول القهوة . هذا الشخص كان يود أن يصب على جام غضبه على إثر الاتهام 
الدينى الباطل الذى وجهه حوريش إلى مؤخرا . وعندما أدرك أنى لا أوليه يالا 
أى اهتماما » ونظرا أيضا لأن حمله كان ثقيلا . فقد قام بالتخلص من ذلك الحمل 
بطريقة متدرجة وذهب إلى حال سبيله وقد تكونت لديه عن النصارى فكرة أقل حقدًا 
وتعصبا ؛ ولم يعد ذلك الشخص يضايقنى بعد تلك المرة . 

كانت قد وصلت من الحرة أثناء الليل أخبار من الشيخ طلج فى وادى شلال :- 
تمكن كل من داريش ومعه حليمة ١18189158‏ ؛ تلك المرأة الفجيرية التى تعيش معنا . 
تمكناأ عندما كانا راكبين فى اتجاه بدى الفجير » من مشاهدة غزى قوامه أكثر من مائة 
رجل ٠‏ يركبون نياقا ويقتادون معهم بعض الخيول , وكانوا يمشون فى سهل الحجر ! 
ولم يستطيعا تبين القبيلة التى ينتمى إليها ذلك الغزى ؛ - وريما كانوا من قبيلة بشر 
التى يخافها البدو ويخشونها . ساألت ظاهرا » "ألم يمر ذلك الغزو وينتهى , فما الذى 
يخيفك الآن ؟” < "أخشى أن يتجه ذلك الغزى إلى وادى ترية طلبا للسقيا والماء .” “قالت 
زوجته "تهج" [6«االا بمعنى "سوف نهرب يلا مقدمات أو إنذار” فى فترة العصر » شأئنا 
فى ذلك شأن إبل الحمل والنقل - وكانا قد أرسلا فى طلب إيل النقل تلك أثناء الليل - 
عندما تصل إلينا .' - 'ماذا لو وجدوك متأخرا 5- ظاهر : "سوف نتسلق جانبى 
الوادى ونفتح الثار عليهم ؛ الموءاهيب لا يبكون على أى شىء . وهذا شىء مشهور 
عنهم ٠‏ عندما يكونون وجها لوجه مع أعدائهم.' تأكد كل من داريش وحليمة ؛ يعد ذلك » 
أن ذلك الغزى الكبير قد تجاوزهما واتتهى أمره ٠‏ ولذلك أعادوا إبل النقل الى المرعى فى 
الحرة مرة ثانية . 


هذا هى اليوم الأخير من شهر يوليى ‏ ونحن نحس خلاله بالبراد والانتعاش , مع 
ذلك كانت درجة الحرارة فى الظل حوالى 91 فهرنهيتية . وهنا بدأ البدى يقولون إن 
حمى هواء منتصف الصيف قد بدأت تنحسر » ولكن ظاهرًا ؛ بحكم كونه أعلم الجميع 
فى مدرسة البدى قال : إن بعض النجوم الحارة سوف تظهر عند الأقق بالرغم من كل 
ذلك ؛ وقال أيضا : إن أشد فترات العام حرارة ستحل يعد شهر من الآن . سرى 
الذعر والاضطراب بين الناس فى الصباح عندما سرت بيتهم أخبار الغزى , الأمر الذى 
منعهم وحال بينهم وبين مغادرة المنّْل إلى منْرّل آخر ؛ لو كانت مواشى هؤلاء البدى فى 
الحرة فى ذلك الوقت . لكانوا قد فقدوا . فى أسوأ الأحوال . كل متاعهم ومقتنياتهم 
وثرواتهم أيضا . ويرجع الفضل فى ذلك إلى أن الخيام ٠‏ السوداء المنصوية بطريقة غير 
منتظمة فى الأرض البركانية غير المسثوية , لا يستطيع أحد تمييزها أو التعرق عليها 
من بداية الوادى التى يبعد مسافة خمسة أميال عن هذا المكان . سألت ظاهر إن كانت 
تلك الجماعة المسلحة من بدو الفكارة ؟ ولكننا عرفنا فيما بعد أن تلك الجماعة المسلحة 
كانت من بدو الفجيرء الذين لم يسيق لهم القيام بالغزى منذ رمن بعيد ؛ وها هم يقومون 
بالغزى ومعهم بعض أفراد قبيلة البشر » وكانوا يشنون ذلك الغزو على بنى عطية . بلغنا 
بعد ذلك أن أولئك الغزاة استولوا على ثلاثين جملا . تساءلت : "ألم يأخذوا أكثر من 
ذلك ؟” وأجابنى الشيوخ, “ولكن هذا عدد كبير من الإبل.” كنت فى فصل الخريف قد ' 
سمعت مطلق زعيمهم, يتفاخر بأن ذلك الغزى كان غزوا بمعنى الكلمة عندما قال: 'إى ٠‏ 
والله إنه غزو يحق ٠.‏ - لقد سطوا على هجرة ( قرية صغيرة ) من هجر أعدائهم فى 
المساء ؛ وهنا هرب كل من كانوا فى البيوت ( الخيام ) عندما شاهدوا الأعداء » وهنا 
تقدم البشر وحدهم وراحوا يجوثون خلال الجاو 0ل » ليسرقوا الماشية من تهامة ؛ 
وفى فترة متأخرة من النهار » وعندما وجدوا أطقال البلّى يرعون قطعان الغتم ٠‏ أجبروا 
هؤلاء الرعاة الصغار على أن يقولوا لهم أسماء ملاك الإبل والأغنام » وهنا بدعا 
يذبحون حيوانات من يشاءون من تلك الأسماء . وذبحوا من تلك الأغنام 'خمسين رأسا 
لتكون عشاء لهم".- ولكن نظرا لأنهم كانوا هنا على مسافة يعيدة (تزيد على مائة ميل) 
من ديرتهم ٠‏ فإنهم لم يأخذوا معهم أى شىء من الماشية الصغيرة بطيئة الخطى . 


268 


شاهدنا بعد ذلك "جحافل من الجراد : كان ارتفاع هذه الأرض القاحلة ييدو 
كما لى كان فوق مستوى التربة , أثناء هبوب ريح المساء . وكان ذلك الارتفاع يبدأ من 
ناحيهة الغرب متجها صوب كل من قرية العلا لإاااة-ا© وخيبر : فى هذه المنطقة شاهدنا 
سحبا كثيفة من الجراد تهقهف بأجتحتها وهى تمر علينا دون أن تحدت أثرا كبيرا على 
ضوء الشمس الذى كان آخذا فى التضاؤل / 

عندما وصلنا المسقى التالى اتجه نحوى صبى ( واحد من أولئك الذين يرافقون 
الماشية عند عودتها من الجبل ) كان يحمل رمحه معه ؛ ولكن الواققين منعوه من 
الوصول إلى . كان ذلك الصبى واحدا من أبناء حوريش .ء ولى تمكن لَتأر لوالده من 
التهمة التى افتراها والده على النصرانى ؛ - وهم هنا لا يعدون قتل الشخص الأعزل 
نوعا من الخياتة . جلس ذلك الصبى بعد ذلك فى خيمة ظاهر ؛ ققد كانوا أيناء عمه , 
ولكنه كان أفضل من والده ؛ ويينما كنت أتحدث مع ذلك الصبى هدأت ثورته . وفى يوم 
آخر » وعندما كنت أستحم خرج على من بين الأدغال شاب وقف يهددنى بحجر كبير 
كان يمسك به فى إحدى يديه » بينما كان يمسك عكازه البدوى فى اليد الأخرى . 
وعندما عنفته يأنه وغد وقح ٠‏ تراجع ثانية ؛ وعندما عثرت عليه فى المساء عند المسقى 
سحبته أمام الثاس جميعا ٠‏ - كان بوسع ذلك الشاب أن يضرينى عندئد بسيفه 
القصيرء ولكن الواقفين منعوه أى حالوا بينه وبين ذلك . كان ذلك واحد من أولاد 
الساقطة سالمة 5816502 ؛ كان هؤلاء الأولاد من الرعاة الغائبين » ولم يسبق لى رؤية 
وجوههم من قبل . 

جلس ظاهر يصلح طلقات لبندقيته . وهى يشترى الرصاص المطلوب لصناعة تلك 
الطلقات من سوق الحج . أو من سوق المدينة المنورة . كانت الصبة المعدنية تتم فيما 
بين لوحين من الحجر ؛ ٠»‏ قام هو بنفسه بتشكيلهما ؛ ( وكما يقال ) فإن أعمال الطرق 
هذه هى من أعمال العرب المترحلين »٠‏ يضاف إلى ذلك أن شكل تلك الأعمال كان يدائيا » 
كما هو الحال بالنسبة لتلك الأعمال البدوية التى تقوم بها غالبية أفراد هذا الجنس 
السامى غير الأنيق . كان ظاهر يضع كل رشة من رشات الرصاص داخل حصية » 
وفوق كل حصبة كان يصب عليها غشاءًا سميكًا من الرصاص . قلت له : "طلقاتك 
خفيفة جدًا » وليست متمركزة تمركزا جيدًا كما إنها ليست مستديرة » فكيف يمكن لمثل 


269 


هذه الطلقات أن تطير بحق ؟" - "ولكن الرصاص عزيز فى هذا البلد ." كان ظاهر يرى 
أنه بوسعه عن طريق هذه الكرات البدائية الرمى على هدف طوله ذراع واحد ؛ ومن 
مسافة مائتى خطوة؛ ولكنه اعترف بأن ذلك لم يكن يوفر عليه نقودهء إذا لم يكن الغزال 
أو العنزة البرية التى يصطادها تساوى ربالين أو ثلاثة ريالات . هذا الظاهر الذى كان 
يتمتع يذهن حر وصريح . وهى ما يميز الرجل القوى صاحب القهم الجيد » لم يتشكك 
فى عندما كان يجيب إجابة أمينة على تساؤلاتى التى كنت أطرحها عليه حول بلاده 
(على قدر معرفتى بتلك اليلاد قى ذلك الوقت) . كنت فى هذه الأحاديث وفى الأحاديثت 
الأخرى ؛ أمضى ساعات طوال من ساعات أيام الصيف شديدة القيظ ؛ ومع ذلك كان 
كلام ظاهر يتجه دوما صوب الدين ؛ وإلى الانفعال الطائفى عند أولئك الساميين ؛ 
كانت رؤية روح ذلك الرجل شديدة الوضوح ؛ وعندما كنت أتجرأ وأسأله » "أليست 
عبادة الناس للمنهل تجديفًا فى حق الرب ٠‏ بل وأثر من آثار الخرافات الوثنية فى ديار 
بدوكم الرحل ؟" ويعد أن تأمل ظاهر رأى الملائكة هذا , لمدة لحظة واحدة » ذلك الرأى 
الذى تربى هى تفسه عليه ٠‏ رد على سؤالى وهو يحس بالحرج والضيق قائلا : "لا , 
والله » هذه العبادة ليست عيادة طبية : إنها شكل من أشكال الخرافات .' كان ظاهر », 
عندما يقوم الآخرون لأداء الصلاة ؛ تعتريه حاله من الحالات النفسية غير الصريحة 
أى المباشرة ؛ وعندما كان بعض الأشقياء . يكايرون ويتحدون ذلك الرجل المحترم كان 
يقول لهم كلمة سريعة , "اذهبوا للصلاة ! ( ويتثاعب بعد ذلك ) " والله 5ذااء/لا أنا 202 
عجزت :2ازة " بمعنى “لقد سئمت ما أنا فيه ؛ أنا » يا من أدعى إلى هذه الصلاة" , - 
آدم طالت أيام انتظاره اعتمادًا على عناية إلهية حانية من فؤقه ‏ وما يزال فارغا ! 


تعض اليد و كتانوا تسلو انهه يان يبنالودى راي فيبهذا ودال هن , 
الأشخاص:- وكما هو الحال فى كل الصداقات الصفيرة المألوفة » تشيع بين هؤلاء 
البدى بعض شرارات الحقد التى تنبعث من القلوب. وأنا كنت؛ فى يعض الأحيان أحاول 
الرد على تساؤلاتهم بطريقة تضمن لى الأمن والسلامة ؛ فقد سألنى سليم #3ذاع5 
ولد ظاهر الكبير : "ما رأيك فى مشوات 801561036 ؟" - "اليس فى مكسور المرأس إلى ' 
حد ما؟"- وما إلى ذلك من الكلمات ؛ التى تحظى فى نقوسهم بالقبول » ويستقبلونها 
بالضحك من القلب وتثير لديهم الدهشة والعجب . ١‏ 


0آ2 


هذا هى سليم قد عاد إلينا ثانية قادمًا من وادى العروش ٠‏ الذى ذهب إليه طلبا 
للغزل والتودد ٠‏ تمهيدا للزواج . كانت أم سليم قد أبلغتنى أنهم لن يدفعوا مهرا » نظرا 
لأن الكنّة ؛ أى إن شئت فقل : زوجة الاين تعد واحدة من أقاريهم : هذا يعنى أن والد 
العريس سوف يقدم فى زواج ولده ناقتين وعددا من رعوس الماشية الصغيرة . معروف 
أن غالبية البدى لا تسمح دخولهم الهزيلة بدفع أية مبالغ لزؤجاتهم . هذا يعنى أن البدى 
نادرا ما يدفعون مهرًا أو صداقا للإناث . يسود بين هؤلاء البدو نوع من أنواع 
الخرافات ؛ مفاده أن من يستطيع الدفع بالإيل , اسوقا يعني نيسة فى كتين من 
الأحيان ؛ من كثير من الريالات . والشخص عندما ييرئ ساحته من دية من الديات - 
التى تقدر بأربعين ناقة عن القتيل - فى الوقت الذى لا تزيد فيه ثروته الحيوانية كلها 
عن أربع أى خمسة من الإبل » يشعر بالسعادة لأنه سيكون له أصدقاء كثيرين 
سيقومون بالتوسط له . من ذلك مثلا أن بندقيته التى قد لا تساوى ثلاثة أى أربعة 
ريالات ٠‏ سوف يدفعون فيها ثلاثين ريالا , بدلا من الجمل . كما يشترون وعاء طبخه 
بخمسة عشر ريالا » كما يشترون أيضا سيفه الذى لا يصل ثمنه إلى ثلاثة دولارات » 
يما يساوى عشرة دولارات . كل صديق من أصدقاء هذا الرجل سيقف إلى جانب 
المطلوب منه دقع الدية كيما يسدد له شيئًا نظير الصداقة . ومن أجل عيون المعرفة 
الطيبة "أيها المرتاد! أنت يا عبد الله ؛ تنازل له عن ناقة, أقول تنازل له غن هذه التاقة , 
حبا منك لى ٠.‏ ولكن 'صاحب الدية” قد يزيد الأمر غرابة » ويقف منهم موقف التاجر , 
لأن مثل هذا الموقف يكون لمصلحته ولفائدته .- وهنا تسقط هذه الجريمة ٠‏ ويقوم كثير 
من الأشخاص غير المبالين بإعطاء أصواتهم لصالح القبلى المخطئ؛ » حتى يمكن 
استعادة السلام والأمن عن طريق المنطق والعقل : وإذا ما تبقى من الدية شىء ٠‏ يتعهد 
أصدقاء المخطئ بدفعه على شكل دفعات محددة . 

أحس ظاهر بشىء من الصداع النصفى » وطلب من ولده سليم 56/158 أن 
يستنزف من عنقه قليلا من الدم . وهنا تقدم ذلك الشاب » الذى ورت عن والده مهارة : 
يدى الصياد , ومعه قرن من قرون البقر . مثقوف من طرفه ٠‏ ويعد أن أحدث بسكينه 
جرحا فى عنق والده » راح يمص الجلد » ثم أغلق فتحة الجرح بقطعة من الجلد كان 
يضعها فوق لسانه بالفعل . عندئذ قام ظاهر الذى أحدث له ولده حجامة فى كل من 


291 


الرأس والعنق , والظهر , وبعد ان استشعر شيئًا من التخفف , بتغطية الدم المستنزف 
بشىء من التراب » وهنا دخل علينا رجل يسأل : "ما هذه الكومة ؟ وأجابه ظاهر : 'إنه 
دم قمت أنا بدفنه .' معروف أن كل منازل البدو الكبهرة فيها الكثير من أمثال هؤلاء 
الأشخاص الذين يعالجون بالفصد , ويالكى , ويخلعون الأسنان . فضلا عن الحلاقين . 
وفى أحيان كثيرة تنتج قرح جلدية عن عمليات الكى ؛ وقد أطلعنى بعض مرضى الدم 
على قرح كثيرة من هذا القبيل بعد أن مضت عليها سنوات طوال . ونرى بين هؤلاء 
البدى أيضا بدويات شابات لم يتورعن عن وسم وجوههن تخفيفا للصداع وعلاجا له . 

عاد أبو سنون إلينا بسلامة الله , مرة ثانية ؛- وبذلك يكون قد قطع ثلاث رحلات 
صيفية فيما بين تبوك وقرية الوجه . بقى أبىو سنون صامتا طوال سبعة أيام ؛ ويعد تلك 
الأيام السبعة , ويعد أن أحس بكثافة هواء الخيمة وثقله علينا » كان على استعداد 
للمشاركة فى الغزى . الذى سوف يتولى حامد قيادته ؛ خلال أيام.قلائل . “لكن لماذا 
تفنى حياتك بهذه الطريقة ؟ هل محمد بدوى حتى يذهب لسرقة الماشية ؟" ثم رفع رأسه 
بعد ذلك إلى أعلا وقال "طمع 750508 يا خليل , قالها وهى مهموم , إنه الطمع !7082 : 
إنها الرغبة فى الاستحواذ , والاستحواذ على المزيد » وهذا هى حال هذه الدنيا ؛ وأنا 
أعيش مع البدو. وأفعل مثلما يفعل البدى. يضاف إلى ذلك أنى قد أكسب جملا 
أيضا."- عقدت العزم على الانضمام إلى أول جماعة مسافرة » قاصدا الأعراب فى 
وادى شلال  586/13|‏ قبل أن أموت جوعا هنا فى هذا المكان » نظرا لأن تلك المؤن التى 
جلبتها من ولاد على كنت قد أعطيتها لحمدى 18:5009! . وأنا إذا ما وصلت إلى ذلك 
الوادى المنخفض ؛, سأكون على بعد مسافة قريبة جدا من الواحة . ويناء على ذلك » 
يمكن لمحمد الذى سوف يتجه إلى البلدة فى غضون يوم أو يومين أن يتركنى عند بداية 
ذلك الوادى . 

وفى الصباح ؛ وعندما كانت الماشية عائدة من المسقى , أخذنا إبلنا وركبناها . 
وودعنى ظاهر وداعا حانيا متمنيًا لى "السلامة” ؛ ومضينا فى طريقنا قدمًا » وسرعان 
ما ضاع من ناظرى منظر البيارة الخضراء فى ذلك الوادى القحل . رافق سلامى 
/581801 أبى سنون ؛ وسلامى هذا شقيق لظاهر , ولكنه مختلف عنه تمام الاختلاف » 
كما رافقهما أيضا شخص يدعى هادى الطُوآلىء الذى كان متزوجا من شقيقة سيدان. 


نم 
5و 
كن 


كان ذلك اليوم يوافق الأول من شهر شعبان . كان ينتظرنا على الطريق صبى ٠‏ طلب 
من واحد من جماعتنا أن يركبه معه , إذ كان هو الآخر مسافرا إلى وادى الشلال ؛ 
كان ذلك الصبى واحدا من أبناء حمدى من زوجها البدوى السابق . مثل هذا الطلب 
لا يرفضه.القبليون , فقد طلب ذلك الصبى من سلامى أن يركبه معه , قرد عليه قائلا: 
"لا !' ولكنه سرعان ما ناداه على الفور قائلا : "هيا , تعال واركب معى . ويالقرب من 
بداية الوادى » تركنا طريقًا من طرق الأغنام ..يقع على حافة العويرض ؛ فى منطقة 
يصعب على الإيل السير فيها . كانت إبلهم كلها متخففة من أحمالها ؛ ؤندتما كنا تير 
على أقدامنا كنت أتطلع كل لحظة إلى ناقتى العجوز المحملة , وأتخيل أنها سوف تنزلق 
وتهوى ساقطة من ذلك الجرف .- ريما كان فى ذلك شىء من الحقد من جانب سلامى 
53130 ؛ ذلك الرفيق المزور ٠‏ الذى اقتادنا ؛ وعلى غير رغبة الجميع ؛ إلى النزول إلى 
ذلك الطريق الوعر الخطير . 

نزلنا بعد ذلك بنصف ساعة , إلى أرض الوادى المنخفضة ؛ التى عثرت فيها على 
عشب طويل يشبه عشب الريحان ٠‏ ولكنى لم أر ذلك العشب من قبل . ثم تجاوزنا يعد 
ذلك المزيد من السلاسل الجبلية ؛ ومن بعدها الوادى العظيم التالى لها » لنصل ونصبح 
على مقربة من وادى الشلأل. كنت راكبا ناقتى فى المقدمة مع سلامى .- “قال سلامى , 
أعرنى وعاءك حتى أشرب قليلا من الماء » وضع لى فى الوعاء شيئًا من الدخان 
(التبغ). - “الوعاء والدخان فى قاع الخرج , وأنا مرهق تماما ؛ ولكنى سوف أقوم 
بتبريك ناقتى ؛ وبعدها تعال أنت وخذهما بنفسك ." استقبل ذلك الرجل ردى هذا 
بابنتسامة تنم عن عدم الرضا , ويكلام خبيث » فى الوقت الذى كنا فيه على بعد 
خطوات قليلة عن المكان الذى سوف نفترق عنده إلى الأبد . 


وصلنا بعد ذلك إلى شق فى الجبل » كان مفتوحا على بداية وادى الشلال ؛ ونزّل 
الصبى من خلف سلامى ٠‏ الذى أصدر تعليماته للصبى بألا يدل النصرانى على 
الطريق الموصل للأعراب » وطلب منه إسراع الخطى ليسيق ناقتى بطيئة الخطى حاولت 
ناقتى اللحاق ببقية الإبل » ولكنى عندما بركتها ربطت ركبتيها عندما كانت بقية الإيل 
على مرمى بصرى . كان الممر الذى دخل مننه الصبى يوصل إلى وادى بركانى شبيه 
بالسهل , لم الاحظ على صخوره الصلدة سوداء اللون أى أثر من آثار مواشى البدى ؛ 


253 


ونظرا لأن أرض ذلك الوادى غير المستوية » حجبت عنى رؤية ذلك الصبى ٠‏ فقد اختفى 
عنى تماما . ومضيت قدما فئ اتجاه ارتفاع الوادى ؛ وهنا رأيت تحت قدماى دغلا 
تتخلله النباتات الشوكية . وعندما ركبت ناقتى ثانية أيبصرت الصبى أمامى , كما 
شاهدت الوادى الكبير منقسما من الأمام . أعطيت الخويرة ( الناقة العجوز ) رأسها , 
بمعنى "أعطيتها حرية الحركة ؛ ويعد أن نظرت الناقة حولها ظلت واقفة » ثم بدأت بعد 
ذلك تتحرك وتمشى بطريقة آمنة ومطمئنة » هيئ لى معها أن الناقة تعرف طريقها . 
هذه الناقة لابد أن تكون قد جرى سرقتها فى غزى من الغزوات التى وقعت لقبيلة حرب 
منذ سنين بعيدة . التقيت بشخص ؛ أو إن شئت فقل : بصاحب تلك الناقة » وهفى من 
قبيلة بشر , فى بلدة حائل ؛ الذى أبلغنى أن تلك الناقة كانت تعرف الديرة كلها , إلى 
حد أنها فى بعض الفغزوات كانت "هى التى تقوم بعمل الدليل" : كما أخبرنى أيضا أن 
تلك الناقة كانت تعرف أيضا المكان الذى كنا نتجول فيه فى الحرة » وتغرف أيضا 
اتساع ذلك المكان من ناحيه نجد ؛ معرفة الأرض هذه كانت متيسرة لتلك الناقة فى كل 
مكان . وعندما رحت أعدو بالناقة تمكنت من تجاوز ذلك الصبى التعيس » الذى كان 
اسمه كريبش 5ؤثزلاوم»! الذى كان يتدارى خوفا منى ويغطى وجهه خوفا منى أيضا. 
ولما كنت أتوجه بناقتى صوب الذراع الرئيسية من الوادى المنقسم , الذى بدأت تظهر 
فيه الكثير من أشجار الطلح , بدأت الخويرة ( الناقة العجوز ) تبطئ الخطى ؛ شاهفدت 
بعد ذلك بعضا من الرجوم ٠‏ كما شاهدت أيضا بعض الجدران المهدمة فى مستوطنة 
قديمة ميتة . تجاوزت بعض الصخور لأرى بعدها أول خيمة من خيام البدى . ولوح لى 
الجالسون داخل هذه الخيمة بأتى قد أجد الراحة عندهم , كما أن هذه الخيمة كان 
مشوات :1911/8 يقيم فيها معهم » ومشوات هذا هو شقيق المرأة حمدى ؛ وهنا. عقدت 
العزم على نصب خيمتى فى المنزل الذى فيه مشوات . 

غيرت الأشجار والأحجار التظام القديم الذى كانت عليه هجرة 880166 البدى 
الرحل . عثرت على بيت مشوات أ إن شئت فقل : منزله ٠‏ من قطعة من القماش الذى 
نسجته زوجته » وكانت قطعة القماش تلك » مفرودة » مثلما كان الحال فى وادى ترية ؛ 
على الأرض أمام الخيمة , التى كانت مغلقة بسبب حرارة الأرض الشديدة . قال صوت 
حلو انبعث من داخل الخيمة : 'مرحبا بك" ؛ كان ذلك صوت زوجة مشوات » التى كانت 


254 


تقال دن حهث نهافة الخنمة +وطلت مقن التزول عق راشلتى والتخول إلى القيمة اتقاء 
للشمس . وهنا نهضت زوجة مشوات ٠‏ وخرجت من الخيمة لتحضر لى سطلا من الماء , 
'لأنى ؛ على حد قولها , لابد أن أكون مشرفا على الموت بسبب العطش :” كانت حرارة 
الأرض الحارقة قد شوت قدماى وأنا أنزل أشيائى القليلة من فوق ناقتى . وإذا كان 
الأعراب . بسبب تشددهم وتطرفهم ٠‏ لم يستقبلونى استقبالا طيبا » فقد رحبت كلابهم 
بمقدمى مرة ثانية : ها هنا من بين هذه الكلاب ذلك الكلب من كلاب حمدى الذى ضل 
طريقه وتبع الأعراب ب قادما معهم من وادى ترية ؛ هذا الكلب اسمه رشدان » وقد جرى 
نحوى فرحا ؛ متعرفا على إلى أبعد حد ممكن . عقل الطبيعة فى ذلك الحيوان المسكين , 
يديز كثيرا عن أضهابه الأقل منه عقلا ؛ إلى حذ أن هذا الخيوان لا يعرف 'أئ فرق عن 
الفروق بين النصرانى والمسلم . 

ها هما مشوات وعبد الله قادمان من خيمة القهوة بعد أن شاهدانى وأنا أصل 
إلى منزلهما . ويعد أن تحسس مشوات ثقل صندوق الأدوية الذي كان برفقتى , “قال , 
ها هى حزم خليل من الريالات !* وفتحت الصندوق أمامهما ؛ وكان بداخله بعض 
العقاقير الثقيلة التى من قبيل سكر الرصاص , وقلت لهما , إنه لى عثر على نقود فى 
الصتدوق + قمن حقه الاحتفاظ بها لنفسه:. وهنا تراجع مشوات إلى الوراء ٠‏ تحاشيا 
لتلطيخ سمعة المضيف وشرفه .- *لكن لماذا جئت إلى هنا يا خليل؟” اقتادنى مشوات 
إلى طل الخينة: عيت كانت زويهته بخلطا سنطل من اكرييس اللغنيف الى يهل طليهين ' 
ثم اتصرقت بعد ذلك لتظيخ لى وجبة من الأرذ فى.الماء : كنت لم أذق الطعام منذ أيام 
كثيرة ؛ إضافة إلى أن ذلك الوقت كان من أيام الجوع عند البدى . 

بهد أن انتهيت مق زيارة المجلس + الذى استقيلئى الشيوخ فيه استعبالا وديا من 
جديد ٠‏ قصدت بعد ذلك إلى سيدان . “قلت : ناد حوريش ؛ وأنه ذلك الشجار ؛ لأنى أنا 
لمت لطر را صتديق : جاه حوويشن. + الناى كانت حرم قريية دن عيب احيهة/ 
على إثر سماع صوت أخيه , وعندما وجدنى فى الخيمة انتحى لنقسه جانبا . “تعال , 
يا حوريش ؛ ورد على ؛ 'بالله عليك 35لانا8 أنا 03 خالفت قاوطا عليك كالزهاة" : 
بمعنى "هل أسأت إليك ؛ ونحن على الطريق قادمين من قرية العلا ؟” وتخوفا من أن 
يرد البدوى ردًا مخالفا , بعد أن استحلفته بالله ؛ أقسم أن يمتنع عن الكلام . ثم تعثر 


2925 


اسان حوريش وتتعتع قليلا بعد ذلك ثم قال : "انا لا أستطيع القول إنك أسأت إلى  .‏ 
سيدان : “بس ! 8655 أى » كفى . - مد لى يدك إذن , بالرغم من أنك خدعتنى .” 
سيدان: 'إى» يا حوريشء مد يدك لخليل؛ وينتهى الأمر ؛ ويصبح كل من خليل وحوريش 
أصدقاء من جديد ؛ أنت » يا خليل » مخلص للرفيق ؛ ولكن نحن أيضا مخلصين ." - 
"المعروف أن البدى هم أفضل الناس فى رفقة الطريق . - "لا . ليسوا كلهم كذلك » 
كما أن هناك قلة قليلة أخرى . يمكن للغريب أن يثق بها ويركن إليها ؛ وليس هناك 
قبيلة واحدة من بين القبائل المحيطة بنا » لم تتلطخ سمعتها أى اسمها بارتكاب الجرائم 
التى من هذا القبيل ؛ ولكن ذلك لم ينسحب مطلقا على الموءاهيب ٠‏ أى لم يثبت أن أحدًا 
من الموءاهيب خان رفيقه أى خدعه . - 'ومع ذلك , فقد لاقيت اليوم شيئًا من هذا 
القبيل من جماعة مواهيبيه .' ( لم يعرف الشيوخ أننى جئت إليهم لوحدى . ) - 'آه , 
أقول لكم إن سلامى غشاش دومًا .' قال آخر - ذلك السرحانى الشاب الذى كان 
عضوا فى جماعتى السابقة أثناء سفرنا إلى قرية العلا » والذى يطلقون عليه . بسبب 
سوالفه الطويلة , اسم "أبا القرون" - "حسن , كان المفروض أن لا تعود إلى ديرتك 
بصحبة أخى مع أبى لاطه قرون 10008 , لأن أبا قرون هذا نجس 06[15 بمعنى أن 
"روحه ليست من الأرواح العامرة بالدين" . والله يعلم أن أبا قرون هذا كان قد خطط 
لقتلك.' هذا السلامى نفسه؛ عندما كان يزور وادى الشلال مؤخراء كنت قد حملته حزمة 
من التتون ( التبغ ) على سبيل الهدية منى إلى الشيخ طلّج » ولكن الشيخ لم يستلم تلك 
الحزمة مطلقا . "قال العجوز . يا لغرابة هذا الأمر . والقريب أيضا أن ذلك الكلب كان 
هنا ! لقد "شرب 051 تلك الحزمة لوحده . ولكن متى كان الخير فى ذلك السلامى؟” 


حكى لى عبد الله. بطريقة توحى بالحقد أنه كان طوال تلك الأيامء فى زيارة لوادى 
جيدة 148ل , أحد وديان الحريرى ٠‏ الذى عثر فيه على غزى كبير قامت به قبيلة البلّى : 
وأن ذلك الغزى كان قوامه حوالى ثلاثمائة وثمانين خيالاً - معروف أن الأعراب فى مثل 
هذه الأمور يضاعفون الرقم عشر مرات - وأن ذلك الغزى عندما كان عائدا من طريق 
داخلى ؛ عرج على السُعادين 588070 » الذين هم بعض من قبيلة حرب على طريق 
الحج بعد المدينة ( المنورة ) مباشرة . عبدالله : 'ويينما كنت أتكلم معهم عن النصرانى 


236 


الجائل » الذى كان يدون البلاد . قالوا :" لى جاء الينا , قوالله . سوف نكرمه !* - 
"ورددت عليه قائلا : إننى لم التقى أحدا! من البدى أكرم أو أصدق من البلّى . 

كانت الماشية ترعى فوق الحرة حيث كانت توجد يعض الأدغال الصالحة للرعى » 
واقتدت ناقتى إلى مسافة ميل أو ميلين فى اتجاه أعالى الوادى . ويعد أن ربطت رجلى 
الناقة الأماميتين بحيل ٠‏ أطلقتها لحال سييلها مما يفعل البدو ؛ ويعد أن رحت 
استظل بضفة السيل المجوفة ٠‏ وجدتنى أروح فى ثبات عميق . وعندما صحوت من 
النوم كان وقت العصر قد أوشك على الدخول . ووجدت شيئًا من المشقة فى العثور على 
ناقتى من جديد ؛ التى كان لونها يطابق لون أرض هذا الوادى البرى ؛ وركبت ناقتى 
وعدت بها إلى الْمنْل . ولكن الشيوخ ضحكوا عندما كانوا جالسين فى المجلس , 
وشاهدوا الغريب يفد عليهم راكبا ناقته بطريقة الرعاة : "سمعتهم يقولون : انظروا ! 
والله.؛ لقد تحول خليل الى بدوى بمعنى الكلمة .* 

البدى يخيمون فى هذه المنطقة حول حفرة من حفر الماء ؛ تشبه البركة ؛ والتى 
يأتى البدى على كل ماءه فى الصباح عندما يسقون منها ماشيتهم . ولكن منسوب الماء 
يرتفع فى هذه الحفرة مرة ثانية » قبيل دخول وقت العصر ؛ يقول البدو ؛ إن هذا الماء 
"من الشتاء" »“أى من الأمطار التى تسقط فى فصل ( الخريف ) ثم تغوص فى أرض 
السيل . نظرا لعدم وجود نيع مائى تحت هذه الأرض . والبدى عندما يغيبون عن تلك 
الحفرة تتحول إلى مسبقى تشرب منه الطيور والمظوقات البرية التى تفد إليها قادمة من 
جنال الصحراء . كما شاهدت بالقرب من تلك الحفرة مكامن للصيادين ؛ بناها 
أصحابها من أحجار غشيمة جرى رصها بطريقة غير منظمة , كما جرى عرشها أيضا 
بأفرع من أخشاب أشجار السنط. وذات صباح ويعد أن ذهب الشيوخ لقضاء أمر ما » 
لم يتبق معى فى القهوة سوى حامد ١864‏ » هو وشحض آخر سرحانى ؛ وكانت كل 
أفكارهما الغبية تنصب على عمليات السلطان الحربية ؛ وهنا سالنى ولد الشيخ طُلّ , 
"ما هى تلك الحروب التى تدور حاليا فى العالم ؛ وكيف ضعفت قوة الإسلام ؟ إلى حد 
أن النصارى تجرءوا :فى هذه الأيام على شن الحرب على سلطان المسلمين !" أوضحت 
لهما وأنا ألف صندوق فناجيل القهوة » أن "الطريق أو المسار فى هذه الدنيا ( العالم ) 
يشبه دوران العجلة . الجزء العلوى الحالى منها كان قبل ذلك هى الجزء السفلى » وأن 


257 


ذلك الذى علا مؤخرا ؛ بدأ يهيط الآن الكلام الذى يكون من هذا القبيل . ويهذه 
الصياغة تستقبله آذان العرب وعيونهم دوما بقبول فيه الكثير .من براءة الأطفال 
وسذاجتهم . 
دخل علينا بعد ذلك شخص غريب ؛ هى شاعر ينى عطية , ذلك الرجل الذى بلغ 
من الفقر والمسكنة حدًا جعله لا يضع على جسده سوى القميص فقط ؛ هذا الشاعر 
كان مريضا بالحمى فى الآونة الأخيرة ٠‏ وكان ضيفا فى فصل الصيف على الموءاهيب. 
هذا المسكين الذى وفد علينا لا يحتقره البدى أو يزدرونه : إذ مازالوا يفسحون له مكانا 
حول وجار القهوة » ويجلسونه بجوار الشيوخ . وأفضلهم لا يرتدى أفضل مما يرتديه 
ذلك الشاعر » يضاف إلى ذلك أن ذلك الشاعر يمكن أن يكون خدوما لأولئك الشيوخ 
فى تلك الأمور الصغيرة التى يستطيع القيام بها . كان على لاله » من مؤلفى الأشعار 
الفاحشة أو المكشوفة ؛ التى يتذوقها الأعراب ويستحسنونها ؛ - ومن ذا الذى لا يقبل 
ارك حم تيده الددط لجس يسو عنديا لصون مستي وفيا 
الساعات الطوال . كان على لاله مؤلفا جيدا ويبلى بلاء حسنا ؛ ولقد سمعت الشيخ 
طح العجوز يردد أبيات ذلك الشاعر وهو يضحك ويبتسم ملئ شدقيه , بل إن الصحبة 
كلها كانت سعيدة بذلك الشعر ؛ كما كانت ريات بيوت الشيوخ يستجين ويتجاوين مع 
تلك الأشعار وهن يضحكن ؛ ويتهامسن بكلمات مرحة من داخل خيامهن » أو إن شنت 
فقل : بيوتهن . 
هذا المسكين , شاعر المرح والسرور ‏ الذى عضه الجوع بنابه . جلس مهموما . 
فى الآونة الأخيرة , ولم يكن أمامه شىء يأكله سوى صراصير الليل ؛ قال لنا , إنه لم 
ينزل جوفه طوال هذا الأسبوع . سوى دخان قليل من التبغ وشىء قليل من الماء . 
وعندما رأى الشيوخ قادمين ؛ 'وا » أسفاه ! أهكذا يتعامل الموءاهيب مع ضيوفهم ؟ - 
أنا أموت ؛ وسوف تدفنونى هنا فى وادى الشلال 5061121 ؛ وأنا أقسم بالله » أننى ليس 
فى من القوة ما يجعلنى أرحل عن هذا المكان ؛ إلا فى صباح الغد , - وقد سبق لى أن 
رحلت من قيل » ولكنى كنت أخشى وأخاف أن ألاقى أحدا من الفكارة .” جلس 
الأعراب صامتين بعد أن استمعوا إلى شكوى ذلك الرجل الموجعة والمؤلة : ثم تكلم 
الشيخ طُلّج بعد ذلك بنقمة من الود والحنان , "يا على ٠‏ نحن تأسف لما حدث لك ؛ ولكن 


258 


ألا ترى أنت بنفسك ذلك الضيق الذى نحن فيه .' - لم تخرج من فم ذلك الشيخ كلمة 
خبيثة » لأن ذلك يتعارض مع إكرام وتوقير ضيوف الله .- البدى يترافعون عن بعضهم 
البعض عن طيب خاطر . من هنا فإن الواحد منهم قد يتباهى بالآخر , من باب 
المجاملة . عندما يقول ( تلك الجملة الإنجيلية ) "إنه أفضل منى "٠‏ من هنا فقد امتدح 
حامد شاعره أمامى بهذه الطريقة . حتى أرق عليه وأعطيه دواء للحمى . "قال حامد » 
هذا هى على ٠‏ صحيح أنه فقير , ولكنه رجل له رفقة مهمة مع الشيخ ٠‏ فضلا عن أن له 
علاقة لها وزنها أيضا مع باشا الحج .” - "يا على : أنا أعرف أن الباشا يتمنى أن 
يرى كل أفراد قبيلتك وقد أعدموا جميعا ٠.‏ ابتسم على وأخذ الأمر على محمل حسن » 
سوف يحسب الناس اليدى أبناء للشجعان ٠‏ بالرغم من أن ذلك يمكن أن يكون على 
حساب شىء من أمانتهم . 'سمعت فى موسم الحج أيضا أن بعضكم متوحشين وغير 
متحضرين : خبرنى » ما نوع بدى بنى غطية » الذين يمشون عراة , ولا يعرفون الخبز » 
ويقولون ٠‏ إنه ليس هناك عالم آخر غير ذلك الذى يعيشون فيه ؛ - ويعتقدون أن 
المخلوقات الخرافية الأسطورية تتملك ليل الشتاء !' وهنا رد على على الرجل ردًا لطيفا: 
'إى » بالله » إنهم معروفون لنا , ولكننا يصعب علينا تعرفهم : وهم مع انتهاء النهار 
يحفرون لأنفسهم فى الرمل حفرا تصل إلى مستوى أعناقهم ٠‏ وينامون فيها وهم 
يشعرون بالدفئ تماما .' 

حكى لى ذلك الشاعر الفكاهى أسطورة 'الجرية" و66 (القرية) التى هى عبارة 
عن رخلة إلى الشمال من تبوك : فى هذه المنطقة لا يوجد سوى أطلال قرية مسورة ‏ 
تقع وسط أكوام مثل أكوام الخريبة . هناك خرافة شائعة تقول إن كنوزا ثمينة مدفونة 
فى تلك المنطقة , وأن النقود تتدحرج ؛ فى كل يوم جمعة » خارجة من الأرض »٠‏ وتروح 
تجرى من تلقاء نفسها فى السهل الصحراوى لحين غروب الشمس . كان البدو يطلبون 
منى بفضول كبير » “هل يمكن إسكات ذلك أو تهدئته ؟” معروف أن البدى تتضح أمامهم 
الأمور فى حدود آأفاقهم الطييعية القصيرة , كما أنهم يميلون إلى عدم المصداقية 
أو الخرافة فيما يتعلق بالأشياء الدنيوية . أضاف رجل أخر من بنى عطية “توجد بجوار 
بنى عطية صخرة من صخور الحجر الرملى ( لم يسبق له زيارة تلك الصخرة ) » وفى 
تلك الصخرة توجد بوابة » وخلف تلك البوابة ممر محفور فى الصخرة ؛ التى توجد 


299 


غرف فى جدرانها , ووالله . هذه الغرف تشبه الدكاكين التى فى السوق . كما يوجد 
سيقه .- قال اليدوى . تعال يا أنت واستخرج تلك الكنوز وستكون ملكا لك , 
وبالتالى ستكون قد كشقت لتنا المياه المخيأة !” 


نهض طُلّحَ واقفا فى مكانه وأشار إلى بالخروج معه : اقتادنى ذلك الشيخ العجوز 
إلى خيمته , ثم اصطحبنى إلى القسم المغلق الخاص برية بيته الشابة الجميلة , شقيقة 
ظاهر , التى يعترف الجميع بجمالها بين النساء . كانت تلك الزوجة جالسة ترضع 
طفلها » وكانت منحذية على كوعيها » على سجادة تركية بهيجة الألوان . نظرت الزوجة 
الشابة بعينها إلى الأعلى : ومع هذه الحركة الرشيقة أحضرت سطلا مملوءا بالتمر , 
ويصوت المرأة الحانى راحت تقنعنى بلطف أن آكل. خرج طُلج إلى غدران سقاية الإبل, 
وجلب للضيف ماء يشريه ؛ وبناء على ذلك , تركنى ذلك الشيخ العجوز مع شقيقة ظاهر 
لتناول الفداء » وذهب هى إلى المجلس . هذا الكرم الواضح من جانب شيخ كريم كان 
بمثابة إشارة أى علامة لى على مدى تدنى الأسر الكبيرة . كان من النادر أن تعانى 
خيمة طُلج من الققر أو الحاجة أو العوز ؛ وطلج بوصفه شيخا من شيوخ الأعراب , 
كان يحصل أيضا على ما يسمى بالخوة (*) ه#ااا»! , بواقع حمولة جملين من التمر : 
من بلدة تيوك . كما كان يحصل على حمولة جملين آخرين من قرية تيماء . - كان 
بعض هؤلاء القبليين يمتلكون بعضا من النخيل فى تيماء , ولكن عندما نشب العداء 
بينهم وبين اين الرشيد , لم يستطيعوا الذهاب إلى تيماء ؛ وبالرغم من ذلك ٠‏ بقيت 
حقوق هؤلاء البدى قائمة دون مساس بها . قالت مضيفتى فى لطف , 'إنها بلغها أننى 
نصبت خيمتى بالقرب من خيمة والديها ؛ وعن معاملتهما لى » هل كانت على ما يرام ؟ 
- ولكن , يا خليل ! كل ٠‏ من أجلى ! لماذا لا تأكل ؟ ألا تستطيع الأكل ؟* 

كان حوريش قد أخذ على عاتقه القيام بدور القهوجى. “كيف حالك يا حوريش؟” - 
"على ما يرام ؛ وكيف العيون «للاله يلا 3اأط سئون 51908 ؟" قال حوريش هذه العبارة 


(*) الخوة : تعنى فى هذا السياق الإتاوة التى كان يدفعها الحضر لشيوخ البادية تحاشيًا للاعتداء عليهم 
من القبائل . (المراجع) ش ش 


3200 


حقدا على ناقتى العجوز : ولكن هذا الاستلطاف لم يرسم أية ايتسامة على وجه أى من 
الحاضرين . - لماذا لم تخبره زوجته أن فكيه كانا على نحو يجعله يبدو كما لو كان 
جملا ؟ والبدى فى كثير من الأحيان تكون لهم أستان تشبه أسنان الخيول ٠‏ وييضاء 
كما لى كانت مطلية باللبن الحامض ؛ أو إن شئت فقل : لبن الخض : هناك أيضا كثير 
من الشبان الذين يرعون الماشية يكشفون بصورة مستمرة عن أسنانهم وهى مسنونة 
مثل أسنان الكلاب عندما تكشر عن أنيابها . ولما كان هؤلاء الشبان يمارسون مهنة 
الرعى منذ طفولتهم ‏ ويتحولون إلى رفاق للصخور والأدغال والماشية فى الصحراء : 
فهم يكبرون وهم لا يعرفون أى شىء عن التفاهم الإنسانى . وفى ضوء استمرار ضرب 
الشمس لجباه هؤلاء الشبان طول اليوم ؛ فإن ذلك يؤدى إلى بروز جباههم إلى الأمام , 
وترتفع شفاههم إلى الأعلى » وتيقى على ذلك الوضع بسبب تيبس العضلات ؛ والقلب 
الرقيق والذكاء الفطرى , منعدمان عند هؤلاء الشبان لافتقارهم إلى الصحبة الإنسانية 
فى ذلك النوع من التخلف العقلى ب وأنا هنا أذكر أن شابا نصرائيا سوريا قال لى 
إنه عثر فى الكتاب المقدس على قول مأثور مخيف ليس فى صالح البدو ؛ ثم تناول 
إنجيله (التبشيرى)» وقلب منه صفحة واحدة وقرأ “جراد تقدم أى جاء من حفرة سحيقة, 
عليه شعر يشيه شعر خصل التساءء وله أسنان مثل أسنان الأسود!” هذا وقد سيق لى 
أن سمعت الناس وهم يشيهون البدى المساكين وهم يتسوقون فى بلدة القصيم . 
بأسراب الجراد أي “مثل افط؛ةم الجراد اه 1284 ' على حد تعبيرهم . 

كانت فى وادى شلال ريح جبلية » كانت تلك الريح تهب نحو الأسفل نظرا لأن 
السهول أسفل الجبل كانت تسخن بصورة مستمرة ؛ وكانت تلك الريح أيضا تزيد 
سوء أشعة الشمس ء ويخاصة فى أيام موسم الصيف ؛ هذه الريح كانت تتزايد إلى 
ما قبل العصر بقليل ٠‏ ويزداد هبوبها من رأس وادى الشلال فى الحرة إلى حد أنها 
كانت تطيح بخيمتى الصغيرة . 

يلغتنا أخبار مفادها أن بدو الفكارة 8 انا" كانوا على وشك التخييم فى منطقة 
الحجر » إذ كان من عادة هؤلاء البدو أن يقيموا مدة شهر واحد من شهور الخريف » 
فى كل عام ؛ بالقرب من موارد المياه فى وادى الشلال . وهنا خطر ببالى أن أعود إلى 
أولئك الفكارة » حيث سيرحلون بعد ذلك مباشرة إلى قرية تيماء » التى يمكننى منها 


301 


الوصول إلى بلدة حائل افناة1! . عندما عثر على مشوات اك ]الا وأنا جالس إلى جوار 
جدار مهدم » أثناء هبوب الريح سالفة الذكر , أقرأ فى كتاب “صاح الرجل ٠‏ يا خليل ! 
لا تحار الأتكان هل حكت إلى :هنا لاسعخراح قنز من الكو وفن المسباء + مهن 
مشوات شاة قريانا لصحة إبله ؛ - ياله من مسكين ! لم يكن مشوات مدركا للارادة 
العليا » كما كانت الأحداث كلها فى غير صالحه ! فقد أصبحت تلك الإبل يعد شهر من 
الزمان فى قبضة العدى وتحت تصرفه . طرح مشوات تلك الشاة صامتة على الأرض 
وهى تحاول التخلص والتملص من قبضته ( ومعروف أن رأس الأضحية لابد أن تكون 
فى اتجاه القبلة أثناء النبح ) ؛ برك سشوات ؛ فوق الشاه . وسمى باسم الله ؛ ثم 
نحرها مستخدما سيفه في ذلك. وأخذ مشوات شيئًا من الدم المندفع ووضعه فى سطل. 
ثم راح بعد ذلك يحمل ذلك السطل ويتجول بين قطيعه ؛ ويغمر إصبعه فى سطل الدم 
ثم يلطخ عنق وخاصرة كل حيوان من الحيوانات الياركة غلى الأرض . كانت الأغنام 
تقترب من الوعاء . والبدى عندما يذبحون أى حيوان من حيواناتهم » ويعد أن يسلخونه 
تقوم النساء بالتخلص من أمعاء ذلك الحيوان على بعد مسافة صغيرة ؛ ويقوم البدى 
بعد ذلك . وعلى وجه السرعة بشوى حلويات ذلك الحيوان على نار الوجار » ويوزعونها 
كما لو كانت قطعا من الحلوى على أبنائهم وأطفالهم . وكلاب البدو تتشمم دم الذبيحة 
الذى ينساب على الأرض ٠‏ ولكنها تعافه ولا تأكله . وقد شاهدت , عندما كنت مع بدو 
الفجير . أنهم يلقون بقطع من كبد الذبيحة , فى نار الوجار » ليأكلها بعد الشواء 
صغار أفراد الأسر , قبل عشاء الضيوف . وهم أيضا يلقون رأس الذبيحة فى النار 
ليشووها . ومخ الحيوان لا يأكله أحد سوى النساء . ولدى الرجال خرافة مفادها أن 
أكلهم المخ يضر بأبصارهم ونور عيونهم . 

كان الغد مصادفًا للوريد ؛ أى يوم سقيا الحيوان ؛ مما أدى إلى النزاع والجدل 
فيما بينهم . لم يتفق الأعراب فيما بينهم على السعر المحدد للناقة عندما يجرى سداده 
أى دفعه برعوس حيوانات صغيرة ؛ حتى يتمكن ذلك الرجل السراحينى من دفع نصيبه 
فى المدّة ( الدية ) التى يتعين دفعها إلى مهنا والعرب لا يكونون عادلين فى المساومة 
أى المكاسرة , وهذا هو صوت داريش العالى بدأ يتناهى إلى مسامع كل السقّاة ؛ 
وقند شناهدت +:وأتا قن شيفتى ٠‏ الشيغ السراحيتى وهو يرقع تراغاه الحشبيتان : 


202 


كما شاهدت أيضا أن ذلك المخصى هو وغريمه قد استل كل واحد منهما سيفه . وهنا 
خرج الشيخ طُْلحٍ العجوز من خيمته لفض ذلك الاشتباك ؛ ولكنه عاد ثانية إلى خيمة 
القهوة عندما لمس عدم جدوى صوته فى ذلك الصراع . معروق أن الموءاهيب عتيدون 
وأولى بأس , ولذلك فقد ثارت ثائرة داريش الى حد أنه كاد أن يتشاجر مع الجميع . 
بعد نوية التصايح الأولى ٠‏ بدأت تسود كلمات التهدئة والسلام » ويدأ العرب ينصرفون 
كل إلى حال سبيله ٠‏ عائدا إلى خيمته ليكون إلى جوار ماشيته . راح وعيل ؛ وهى متجه 
إلى بيته يصيح فى زوجته , طالبا منها فك البيت لأنه سوف يترك هذا المكان فى التو 
واللحظة ؛ ويعد ذلك بفترة قصيرة اقتنع وعاد لهدوئه ورضخ للصالح العام . 

سوف يزور الشيوخ » فى الصباح , الفكارة الذين نصبوا خيامهم فى منطقة 
الحجر , لمناقشة مواضيع الصالح العام المشتركة , والقضاء على ذلك الفتور الذى 
نشب بينهما منذ موسم الحج ؛ كان الشيوخ يودون أن يكون الشيخ مطلق على وفاق 
معهم » وينضمون إلى أعرابه ليكوّنوا معهم مخيما واحدًا . ركب الشيخ طُلج وبصحبته 
كل من حامد : ووعيل » وداريش : أما مشوات فقد رقض الذهاب معهم ؛ وذلك على 
العكس مما كان عليه رأيه مساء أمس , من هنا ققد "أرسلت” ناقتى إلى الحرة مع ' 
ماشيته ؛ وهنا عرضت جوتذه 60182 ؛ الراعية الشاية ؛ اينة الأرملة ثنوة قننامهط7 » 
الذهاب على الفور لإحضار الناقة من المرعى ١-:‏ هؤلاء البدى المساكين » على استعداد. 
فى كثير من الأحيان ؛ لأداء هذا النوع من الخدمات للشيخ أى للغريب . مرت ساعة 
كاملة قبل مجىء الناقة ؛ وبالرغم من أن الشيوخ كانوا قد رحلوا منذ مدة طويلة , 
إلا إننى خطر ببالى أن أخاطر بيالركوب وحدى وأفعل مثلما فعلت عندما جئْت إلى هذا 
المكان . وقدم لى مشوات آخر توجيهاته ونصائحه ومحددًا لى العلامات الأرضية التى 
'يمكن أن تعيننى وتلك التى يجب أن لا أهتم بها » وهذه التى عن يمينى وتلك التى عن 
شمالى :: وأعطيت زوجته . حسب طلبها . شيئا من 'دواء الحمى » وتمنيا لى رحلة 
طيية وسرعة الوصول . 

كان ذلك الوادى القفر وسيعا . ولم تكن آثار الأقدام ظاهرة فوق أرضية ذلك 
الوادى المكونة من الصخور البركانية الصلدة » ويخاصة آثار أقدام أولئك الذين 
سبقونى بالمرور فى هذا المكان . وهنا وجدتنى أطيل النظر إلى الأرض المنخفضة , - 


3103 


حتى يتسنى لى العثور على مخرج طبيعى لماء السيل ؛ ويهذه الطريقة استطعت أن 
أنجح فى الوصول إلى حوراء 1108/38 . فى كل أنحاء هذه المنطقة شاهدت بعض 
الكرات الصغيرة فوق الرمل , هذه الكرات عبارة عن مادة معدتية تساقطت من 
الصخرة الرملية المتاكلة » ومعظم تلك الكرات تشبه بقايا حيوانات متحللة ؛ القبليون 
المساكين يأخذون تلك الكرات , ويخاصه تلك التى يمكن أن تتدحرج فى بنادقهم , 
ويستعملونها بدلا من الطلقات الحقيقية . 

ونظرا لأنى لم أكن راكبا راحلة جيدة . فقد كان كل واحد ممن يسيرون على 
أقدامهم . قادرا على اللحاق بى :- تمنيت أن لا ألتقى الحباليص , والمعرف أن أبا 
سنون سطا عليه الصوص فى هذا الممر القصير المؤدى إلى القلعة . وعلاوة على 
الصراع الشرس من أجل الحياة » سينشرون أيضا أن التنصرانى كان يحمل مسدسا 
من نوع خطير ؛ ولى قدر لذلك المسدس أن يضيع منى ؛ فسوف أكون مكشوفًا ومهددا 
فى ترحالى كله » وسط أعداء مسلحين . كان الطريق مليئا بالصخور المجوفة التى 
تصلح أن تكون ملاجئ ومخابئ لأولتك الأشقياء ؛ - ومن ذا الذى يجدنى هنا ؛ وهى 
يفعل فعلته دون أن يراه أحد ٠‏ ويبقى على حياة النصرانى ! هذه هى القمم العالية , 
والقمم المستدقة لجبل إثلب بدأت تتبدى لى؛ كما بدأت أرى أيضا, قطعان إبل الأعراب : 
التى كان الرعاة يحدونها ببطئ عبر السهل . بعد أن قطعت تلك الأميال القليلة » وصلت 
إلى خيام بعض الصلوبة , المنصوية فى منطقة منخفضة عن القلعة » وعرفت أن خيام 
الشيخ منصوية بالقرب من آبار الماء أسفل صخور البرج [:80 . 

واصلت المسير بناقتى » وتجاوزت قبليا من عائلة الشيوخ : عندما رأيت ذلك 
القبلى من الخلف, استنتجت على الفور من تربيعة كتفيه » ومن عباعته الخشنة المقلمة , 
ومشية قدميه الحافيتين ؛ أنه واحد من أولتئك الذين يُصلّحون القهوة فى أسرة زيد :- 
كانت رأس ذلك الرجل ترتفع فوق صدر بارز إلى الأمام » وذراعاه قريبتان من أردافه » 
وكان يمشى مشية النساء . هذه هى مشية الشيوخ فى الصحراء ‏ كما أن هذه أيضا 
هى مشية الشخصيات الرئيسية . هذا يعنى أن تلك الشخصيات إنما ولدت وربيت فى 
ظل الرقة الشديدة لحياة الصحراء . وتجلس تلك الشخصيات تشرب القهوة فى 
المجالس طوال حياتها . وزوجات هذه الشخصيات هن اللاتى يقمن بكل ما يلزم هؤلاء 


2304 


الشيوخ داخل الخيام , وبالتالى فإن هؤلاء الرجال الذين يسكنون الخيام ويقيمون فيها 
بصورة دائمة » لا يكون لديهم ما يفعلونه خارج هذه الخيام ؛ يضاف إلى ذلك أن هذه 
الشخصيات يندر أن تشارك فى الغزى الذى يقوم به البدى . أسفل غترة ( غطاء رأس ) 
ذلك الشيخ يمكن أن تقف على حكمة الرجل السياسى ؛ مع شىء من الرقة الأنثوية .. 
كما ترى أيضا عينان وسيعتان توحيان بالطموح » ومترقبتان ومن فوقهما حاجبين 
جميلين . وشيوخ الفجير كلهم . حسبما يقال ؛ يجمع بينهم نوع من التشايه فى 
الصوت وفى القرابة أيضا . 

نزلت عن ناقتى أمام الخيمة التى وجدت نياق شيوخ الموءاهيب باركة أمامها , 
هؤلاء الشيوخ كانوا قد سبقونى فى الوصول إلى تلك الخيمة . كان هناك جمع كبير 
داخل الخيمة ؛ وتلك كانت خيمة الشيخ مطلق . نظر الفكارة إل فى هذه المرة نظرة 
كالحة متشددة . خفة الظل والمرح الذى كان يعم المكان . كان من أجل زيد ورفاقه 
(زيد الحبلوص) ؛ يضاف إلى ذلك . وحسبما قيل , لا يمكن لكافر أن يعود إلى 
المسلمين ويرحبون به للمرة الثانية : ولم يرحب بى أحد » سوى رجل شثناب جاء بعدى , 
ورحب بى ترحيبًا وديا » وسلم على سلاما وديا أيضا , كان ذلك الشاب واحد من 
الشباب الماهويين » وكان فى المنفى ٠‏ وهو من أعراب الشيخ طلجَ . وجه إلى شيوخ 
الموما هيب تظراتهم الصتامتة التن توهى :بشىء من الو والصتداقة :وراهوا يوستون 
برموسهم إشارة منهم إلى ذكرى حلوة سابقة . قال الشيخ طلج: “ها , يا خليل ! لو كنا 
"قد علمنا بمجيئك , لكنت انتظرتك,” ثم تحول طلج إلى الأعراب وقال : “كان خليل يعيش 
معنا طوال هذه المدة , ووالله , كلامه لطيف ومنطقى ومعقول ؛ وبالرغم من أنه نصرانى 
إلا أنه وليد يراعى تماما مشاعر المسلمين .* - معروف أن الموءاهيب لا يحيون الفكارة 
الذى باكترتهة "بالفجارة" وبووودع-اه (*) ويسمونهم أيضا يهود خيبر . وهنا بدأ 
الشيخ طلج الحديث عن الأمور التى جاءوا من أجلها : والله , يا شيخ مطلق ٠‏ وأنتم 
أيها الفكارة , أنا أعلم ما يقال من أن “الفكارة والموءاهيب لا يمكن أن يكونوا على وثام 
مع بعضهم البعض ." - كانت تهامة فى تلك الأيام عامرة بالأعراب ٠‏ وكان مرعى 


(*) من "القجور' ( المترجم ) . 


305 


الصيف نادرا وعزيزا » مما جعل طلج يتطلع إلى التجوال فترة من الوقت مع الفكارة , 
وقد استمع مطلق على مضض ذلك الكلام : نظرا لبعض مظاهر الاحترام والتقدير 
(الواجبة لابن الرشيد ) . جاء طلج أيضا لاستطلاع رأى الفكارة فى مسألة خضوع 
قبيلته لابن الرشيد : وهنا يمكن لوعيل هو والسراحين 5678578 أن يعملوا من أجل 
السلام والوفاق . فكر القكارة هم والموءاهيب فى عدم الخوف بعد اليوم من البشر , 
الذين كان ابن الرشيد يحرضهم على الفكارة والموءاهيب . ويحلول وقت الظهر دخلت 
علينا كومة.إفطار كبيرة من الأرز » كانت تبرد منذ فترة ٠‏ فى القسم المخصص للنساء 
فى الخيمة . كانت حرارة سهل الحجر ما تزال خانقة . 

نهض_الشيوخ من حول طبق العشاء وذهبوا لشرب القهوة فى القلعة وزيارة الحاج 
نجم . اندهش الرجل العجوز وابتسم. عندما رآنى للمرة الثانية : وجدت عند الحاج نجم 
كلا من زيد ومحسن وأصدقاء آخرين . وسرعان ما جلس الضيوف على شكل صف 
طويل ؛ فوق.سجاد الحاج نجم , بجوار الجدار الغربى من الطرقة أو الممر : ولكن البدو 
لم يطيقوا مناقشة بعض خلافاتهم الصغيرة ٠‏ ورأيت وعيلاً وهو يستدعى من المجلس 
مرتين ليقسم على سيقه حول أمر متنازع عليه ؛ هذا الحلف على السيف نوع من 
الخرافة الرسمية التى تحظى بالرواج بين هؤلاء البدى . وهنا صاح محمد ء ذلك 
الجندى البدوى صيحة شجاعة ؛ فى وجود الموءاهيب ٠‏ والله » وقيما عدا أنه قيد واحدا 
منهم , والأول (بعد ذلك) الذى ريما يكون قد أخذه واستولى عليه !' وهنا رد الشيخ 
طّلج ردًا أبويا : “يا ولدى » نحن لا نعترض على كل ما هو ملك لك .* نهض البدو من 
مجلسهم مرة ثانية عندما أوشكت الشمس على الغروب ٠‏ كى يعودوا إلى مَنزَّلهم . قام 
الشيخ مطلق يذبح شاة لوجية العزيمة » ولكن مضى ثلث الليل ؛ قبل أن.يصيح اللحم 
(ومعه القطع الممتازة هى والكبد فوق كومة الأرز) جاهزا للأكل . وهنا تحلق الضيوف 
حول الطعام وراحوا يمدون أيديهم اليمنى ؛ وهم يذكرون اسم الله على الطعام - كانت 
لقيماتهم الأولى عبارة عن قطع من *ليّة” الخروف ومعروف أن اللية فى هذا النوع من 
الغنم تغطى تقريبًا الجزء الخلفى من الخروف وتزن عدة أرطال ؛ - هؤلاء البدى يظنون 
أن هذه اللية حلوة وصحية أيضا . هؤلاء الأعراب الذين سيق أن قلت لهم مرارا إن 
الغنم عندنا ليس٠لها‏ مثل هذه اللية . وإنما لها ذيل صغير ؛ فردو! على قائلين : "إذن 


2306 


لابد أن تكون أغنام النصارى من النوع السيئ.: بعد أن ينتهى البدى من تناول الطعام: 
ينهض الضيف وهو يدعى لمضيفه (الذى لا يسعده أى شىء سوى امتداح الحاضرين 
لكرمه والثناء عليه) , والبدو فى هذه الحياة الصحراوية , التى يعز فيها تدفق الماء 
يمسحون أيديهم من الدفون فى ذلك الجزء من الخيمة الذى يكون مجاورا لهم » أى قد 
يفركون أيديهم فى أعمدة الخيام أو أى سرج من سيرج الجمال التى تكون قريبة منهم . 
والبدو الرحل لا يشربون الماء على الطعام أى إن شئت فقل : أثناء تناول الطعام ؛ ولكن 
سلاطين الماء أى اللبن توضع على جنب ليشرب الناس منها بعد أن يفرغوا من تناول 
الطعام . ولم يحدث إلا مؤخرا ٠‏ أنْ بدأ البدى يحضرون إناء كبيرًا » ويملأونه بخليط من 
لبن الضان ولبن النياق؛ ثم يروح الضيوف يصبون لأنفسهم ما يشاعون من ذلك الحليب. 

تعجبت وأنا أستشعر فى داخلى شكلا من أشكال الرعب ؛ من حقد هؤلاء البدو 
المتشددين الذى يشبه الحقد الشيطانى ؛ ويخاصة أن أى شكل من أشكال الاتصال 
بهؤلاء البدى » أى أى شكل من أشكال الحياة الشريفة الكريمة الحقيقية ؛ أو أى شكل 
من أشكال الأداء الجيد لا يمكن أن يحظى بأى شكل من أشكال الرضا أو القيول من 
الخرق الممل ٠‏ غير الإنساتى » والمتأصل ٠‏ فيما يتعلق بخطايانا » فى دين هؤلاء البدو 
المتهم بإهدار الدماء . ولكنى سبق لى أن أكلت من طعامهم . ويحتمل أن أنام أيضا 
بين الذئاب . هذا يعنى أن الغد مظلم تماما مثل الموت » هذا يعنى أيضا أن كل الطرق 
كانت موصدة أمامى . دخل المجلس ؛ بعد ذلك » شيخ من شيوخ ولاد على » وكان 
واحدً! من شيوخ تلك القبيلة فى ذلك المكان بالذات » كان ذلك الرجل مشهورًا بين البدو 
بأنه محامى عرفى ؛» وذلك فيما يتعلق بعادات وتقاليد الصحراء : جلس ذلك المحامى 
العرفى بالقرب منى وركز على ناظريه » وسأل شيوخ الموءاهيب يصوت خفيض لماذا 
أحضروا النصرانى معهم ؟” قالوا : “جاء خليل من تلقاء نقسه .” استدار ذلك المحامى 
إلى حامد وهمس له بكلمة أعتقد أننى استرقت السمع عليها تماما , 'ولماذا أنت لم 
تتركه وراءك - وهكذا ؟ ثم أشار إليه بعلامة الموتى وهم يلهثون فى"أواخر لحظات 
أعمارهم . أجاب حامد على سؤال ذلك الشقى وهى يتنهد قائلا » "استغفر م#ون:و! الله 
انا " ! كان تعريبة 13153 (المحامى العرفى) رجلا متقلب المزاج » وقد حدث يعد 
ذلك ؛ أن قام ذلك المحامى فى مرحلة لاحقة ؛ بالدفاع عنى فى تيماء . ضد التطرف 


307 


ضيق الأفق من قبل شخصية قروية مهمة » هددتنى ذات يوم "أننى ما لم أتحول إلى 
دين الله » ورسوله ٠‏ ويخاصه أننى أمشى بلا اكتراث ليلاً ونهارًا فى حارات ومسارات 
الواحة : فإن طلقة واحدة من بندقية رجل من الرجال الذين يخشون الله ويخافونه قد 
تنهى حياتى فى أى وقت من الأوقات" . وهنا رد تعريبة على ذلك القروى ردا يعبر عن 
عدم الرضا والاستياء , والله ؛ إن البدى أفضل منك !” كان اعتراض تعريبة على 
طريقتى فى السلام ( إذ كنت أقول مثلما يقولون ) » سلام 531330 عليك عالاواه . هذه 
هى اتحية الإسلام , ولا يمكن أن تتلفظ بها أفواه عبدة الأوثان ؛ الذين لا يمكن 
مسالمتهم أو مهادنتهم أو مصاحبتهم ‏ لا فى هذه الدنيا ولا فى الآخرة أيضا : 
كما قال أيضا إنه سوف حرفت الناس اتن "خواجة" دزة1»53! . وكلمة "خواجة" هذه 
هى اللقب الذى يطلق على اليهود وعلى المسيحيين فى المدن السامية 568816 المختلطة 
«التى خضعت للفتح العربى ٠‏ , 1 

قال الشيخ مطلق فى الصباح » “حنا 18008 رحيل 83111 بمعنى "نحن على وشك 
الرحيل" : أنت ؛ يا خليل , لا يمكن لك البقاء هنا مع الأعزاب , وأتا شخصيا لا يمكن 
أن أسمح لك بذلك ؛ إضافة إلى أن أحدًا منهم لن يكون على استعداد لاستقبالك .* - 
"أقول لك إنهم جميعا سوف يستقبلونى ؛ هل تعتبرنى عدوا ؟” - "حسن ؛ أنا لا أعتبرك 
عدوًا , ولكن حياة البدو شاقة » وفى ظل حرارة الصيف الشديدة يكون من الأفضل لك 
البقاء فى القلعة هااه»! (*) وهنا رد عنى شيوخ الموءاهيب ردًا طييًا ٠‏ "خليل ليس غرًا » 
إنه مثل واحد من البدى , ولقد سمعنا ذلك من أبى سئنون . وسمعنا أيضا أن أعراب 
خليل (**) من الأعراب المتحالفين مع السلطان . - قال الشيخ مطلق 'هذا هى زيد عم 
خليل؛ دعوه يرافق زيدًا .' ولكن زيدً! رد قائلاً : "خليل يعد حاليا خارج نطاق سلطتى , 
ولن أكون مسئولا عنه بأى حال من الأحوال » يضاف إلى ذلك ؛ أنه عندما كان معى , 
وكنا أصدقاء إلى حد بعيد . وسمنى خليل بأنى حبلوص ( لص ) !' وهنا افترق 


(*) نطق الشيخ مطلق هذه الكلمة الإنجليزية يحرف 6 بدلا من ال 6 . (المترجم ) 

(**) أعراب خليل : المقصود بأعراب خليل الشعب الذى ينتمى إليه الرحالة دوتى , أى الإنجليز المتحالفين مع 
السلطان العثماني ٠‏ ومن المعروف أن إنجلترا رغم إدراكها بأن الدولة العثمانية أصبحت رجل أورويا 
المريض إلا أنها كانت تقف إلى جانبها خوفًا من روسيا القيصرية . (المراجع). 


3208 


الأعراب وانتشروا بعد تناول قهوة الصباح , ثم نهض الشيخ طلجٍ واقفا وأخذنى على 
جنب . قال الشيخ الطيب العجوز .يا خليل » إذا كنت لا تستلطف هؤلاء الناس , 
فتحن راحلين الآن » ويوسهك أن تعود بصحبتنا ؛ أو أ متك نيما جمد من 
المناسب لك بعد ذلك , عد إلينا وسوف نرحب بك ٠‏ وابق معنا إلى عودة الحج .* 


فك شيوخ الموءاهيب عل نياقهم وجعلوها تنهض واقفة ؛ بعدما كانت باركة أمام 
خيمة الشيخ مطلق » وصائمة منذ الأمس . ركب الشيوخ فوق عدد ( سرج ) النياق , 
بينما كانت واقفة ؛ والشيخ طُلحٍ , بحكم كبر سنه , كان هو الوحيد الذى ركب ناقته 
وهى باركة : ومضى الشيوخ فى طريقهم . ولم يتبقى من أولئك الشيوخ سوى الصيحة 
الأخيرة التى صاحوها دون أن يلتفتوا إلى الخلفء أو حتى يستاذنوا . ومن عادة أولثك 
البدى أن يرحلوا فى ساعة مبكرة من الصباح :- هذا يعنى أن الضيف الذى يحظى 
بالضيافة الكاملة طوال الليل يتعين أن يطرد من المكان مع طلوع الصبح. بقيت قلقا فى 
خيمة الشيخ مطلق ؛ نظرا لأن زوجته من ولاد على كانت سليطة اللسان » إلى حد أن 
أبناء زوجها كانوا يكنونها 'بالمرأة الغجريه" إذ كانوا يقولون لها "صلوبية" دأططناه8 ؛ 
ولا كانت آخر حفنة من مؤنى قد انتهت , فقد توجهت إلى الخيام المجاورة القريبة من 
آبار الماء التالية للآبار التى نحن بجوارها حاليا » أو إن شئت فقل : توجهت إلى 
الخيام التى يسكنها شيخ ولاد على إيراهيم ]+ الستّاد ممه 65 , الذى كان 
يمثل بريد الحج : هذا الرجل صاحب المزاج المتشدد إلى حد ما كان ودودا معى , 
ومن بين معارفى أيضا . 

عثرت على الشيخ إبراهيم الستّاد ؛ شيغ ولاد على فى خيمته الصيفية , نظرا 
لأن قيّالة الظهيرة كانت قد أوشكت على الدخول علينا “اندهش الرخل من يخولى غليه , 
وهنا طلب الرجل من ربة بيته ( زوجته ) أن تخرج الصقر من الخيمة » وتجهز لى عدة 
( سرج ) الناقة كى أجعل منه مسندا أتكئ عليه . هذا الرجل الذى استقبلنى فى بداية 
الأمر بنظرة شبه متحفظة هاهو يقول لى فى ود » “مرحبا بك ؛ وأنت , يا أيتها الزوجة 
عجلى وجهزى على وجه السرعة . حتى يتمكن خليل من تثاول طعام الإفطار , وليكن 
ذلك بأسرع ما يمكن . سألت الرجل , أثناء حديثنا عن ضيافة البدى . "أجابنى فى ود 
أن الضيف.» أيا كان , وكذلك الغريب ؛ هو ضيف الله . وله معزة الأحباء * قال 


209 


الرجل عن زوجة مطلق , 'إنها ليست من أصل طيب ٠‏ ابنة شيخ قليل القدر بين 
الشيوخ : ثم أردق بعد ذلك . "اسمع »ء يا خليل ؛ إذا كنت أنققت كل ما معك » 
وبالرغم من تدنى حالى فى قرية العلا فى الوقت الحالى » حيث رهنت سيفى نظير 
الحصول على قليل من الشعير , إلا أنى على استعداد لتعزيز موققك عند الحاج نجم , 
كى يعطيك بضعة ريالات إلى حين مجئ الحج .” ومع ذلك كان الحديث الذى دار بيننا 
مشويا بتشدد ذلك الرجل الذاتى ‏ “الأسير المسلم الذى يجرى تبادله ؛ فى الجهاد , 
يكون مقابل عشرة أسرى من النصارى بالتمام والكمال .' وأبلغنى أيضا أنه سوف 
يسافر هو وخلف ومحمد الشرارى ٠‏ قبل رمضان ؛ لقضاء بعض أمورهم فى دمشق » 
على أن يعود مع الحج ٠‏ وطلب منى أن أرافقهم فى تلك الرحلة . 

ول كنت أقيم , وهذه هى المرة الثالثة , أمام تلك السلاسل الجبلية الكالحة من 
آثار الحجر - والتى تشبه جحور الفثران ؛ من على بعد » فى المنطقه الواقعة أسفل 
الضفاف الجبلية المكونة من الحجر الرملى الصلد - لم أعثر فى تلك الجحور على أى 
شىء لم يسيق لى أن شاهدته من قبل . 

كان محمد الديبس 5ذالاه0-0»© على استعداد لمرافقتى إلى خييرء نظير أجر كبير؛ 
لأنه سوف يحضر من خيبر لأسرته حملا من التمر ويعود مع الأعراب : ولكنه فى 
الصباح اعتذر عما قاله فى المساء , ' يا خليل » السبب فى ذلك (وراح يضرب بيده 
على عظمة عنقه) ! وأنا والد لأطفال ." عثرت على رجل آخر اسمه جازى 29ل » ولكنه 
تراجع بعد الاتفاق وقال: "هذه سفرة متهورة.' وعثرت على شاب من الخمالة 8ا5308! » 
كان يملك ناقة طيبة , وقال إنه سوف يجعلنى أركب ناقة أخرى نظير عشرة ريالات عن 
تلك السفرة . وأنه على استعداد لقبول ناقتى ثمنا لتلك السفرة . ولكنه هو الآخر » 
انسحب عندما جد الجد؛ وكانت يد زيد هى التى وراء كل ذلك التعطيل؛ إذ كان ما يزال 
يزعم أنه حريص على أمنى وسلامتى إضافة إلى مسئوليته عنى أمام الدولة 
(الإمبراطورية العثمانية) . 

بلغنا أن مهنا 142800 الذى قام بغزى بالقرب من خيبر هو وثمانية من رفاقه ٠»‏ 
قد سنرق خمسين من إبل الحطيم #الإ©؛©1! » وأن نصيبه من تلك الإبل قدر بحوالى 


1210 


سبعة جمال : - ومع ذلك سمعنا فيما بعد ٠‏ أن تلك الإبل أعيدت , أى إن شئت فقل : 
استردها أصحابها , نظرا لأخذها من أعراب ليسوا أعداءً لهم . هذا يعنى أن البدو 
يمكن أن يكونوا فى كثير من الأحيان أصحاب سياسة عادلة وأصحاب شهامة ومروءة, 
تحت أى ظرف من الظروف . ولكن العجيب بحق ٠‏ كيف يمكن لهؤلاء البدى المرهقين , 
فى ظل القيظ والحرارة طوال العام » وليس معهم من شىء سوى حفتات من المريسى , 
كيف يمكن لهم أن يتجولوا مع بعضهم البعض طوال أيام سعيا إلى الغزى . فى ظل 
تعب مرهق ومميت ٠‏ وفى ظل أيضا عدم تأكدهم من العودة إلى ديرتهم بألى شىء » 
فضلاً أيضا عن عدم تأكدهم من العودة أحياء إلى منازلهم المصنوعة من قماش صوفى 
محكم النسج . كان من بين ضيوف الشيخ مطلق شاب شرارى*) . جاء لعلاج بعض 
الإبل المصابة . وعندما سألت ذلك الشرارى عن جد أو إن شئت فقل : واد قبيلته ؟ رد 
على قائلا : "الأعراب لا يتذكرون الماضى القديم ٠‏ ولكن بإمكانك معرفة ذلك من كتبك ؛ 
راجع كتبك لترى إن كان ذلك فيها أم لا .” كان هناك أيضا ضيف من نصف قبيلة 
"ولاد على" الذين يقيمون فى الشمال , هذا الضيف سبق له أن جاء راكبا ناقته مع حج 
العام الماضى ٠‏ لزيارة أقاربه فى الجنوب . أمضى ذلك الضيف كل هذه الشهور مع 
هؤلاء البدى يصفته هاريا » وهى يتنقل حاليا من خيمة إلى خيمة مع الفكارة ؛ إلى أن 
يحين الموعد التالى لصعود موكب الحج . 

عاد إلينا شيوخ الموءاهيب فى اليوم الرابع » يقتادون معهم جملا » وسوف يركب 
الشابان الصغيران حامد ووعيل , مع قريان السلام هذا لتوصيله لابن الرشيد . هاهو 
مطلق يقيم وليمة عشاء من جديد ؛ وعندما طلع التهار » ركب الصديقان ؛ على حد قول . 
الناس ؛ راحلتيهما ومضيا فى طريقهما إلى ابن الرشيد ومعهما الجمل ذى السنامين . 
كل الأعراب الداخلين فى نطاق سلطة الأمير . والذين كانوا يعادونه إلى ما قبل 
استئجاره لهم , كانوا يستأجرون فى سفرهم رفيقا من بدو الفجير ٠‏ وبالرغم من أن 
ذلك القجيرى كان من بين معارف الشيخ طْلَّحِ القدامى . إلا أنه أساء إلى تلك المعرفة 
عندما بدا يساوم ويكاسر فى أجر تلك الرحلة : ومع ذلك ٠‏ كان ذلك الرفيق واثقا من 


() شاب شرارى : من قبيلة الشرارات . (المراجع) 


311 


حصوله على غيار من الملابس من حائل . إبتداء من هذا المكان أمضى هذان الشابان 
سبعة أيام راكبين ( ركوب البدى ) وقاصدين "الجبل"!*) 881ل 7845 . وعلى ذلك ؛ عاد 
طْلجٍ » وحده ٠‏ إلى وادى شلال 556/131 ؛ ومعه حمالة صبى خَلْفيّة . - كانت ليالى تلك 
الكيازات الهازة قدو راذا فن مديل الجتكن القريب: ومع ذلك فقن اكتسيقت أن ركه 
الحرارة (عند الفجر) كانت ١‏ فهرنهيتية» وفى أحيان كثيرة كانت تصل إلى 1/أ درجة. 
قراب الماء التى كانوا يعلقونها فى الهواء اعتبارا من غروب الشمسء كانت تتعرق دوما, 
وفى غضون ساعة أو ساعتين كانت تعطى من يشرب من مائها مذاق الماء المثّج ‏ - 
وعندما قست درجة حرارة تلك القراب وجدتها ؟0 فهرنهيتية . والماء الموجود فى الأبيار 
الموجودة تحت البرج أبرد وأحسن من الماء الذنى يجرى جلبه من بثر الناقة داخل 
القلعة. - كل الماء الذى. ذقت طعمه فى الجزيرة العربية كان فاترا . ومختلفا تماما عن 
المياه الجوفية التى فى مناخنا , والسبب فى ذلك أن رياح السموم تختلف عن أية رياح 
صحية أخرى ! - هذه الآبار بعد أن يجرى نضح مائها ٠‏ بواسطة مسقى من المساقى 
التى تستخدم فيها الإبل , يرتفع الماء من جديد فى تلك الآبار خلال ساعات قلائل . 
مذاق هذا الماء ليس واحد! فى الأبيار كلها ؛ ذلك أن ماء البئر الذى يبعد مائتى خطوة 
جنوب غربى القلعة هى الأفضل مذاقا . والسقاة عندما يسقظ متهم قنىء هن أكنيائهم 
فى الآبار ينزلون فيها طفلا لجلب ذلك الشىء - اليوم كان طفل الشيخ مطلق هو الذى 
أنزل إلى البئر - الأعراب يريطون ذلك الطفل من تحت ذراعيه: وعلى حد قول الأعراب» 
فإن لديهم رعوسا ممتازة على استعداد للمغامرة بحياتها على هذا النحو . ويقولون 
أيضا : إن الطفل ينزل بكل سرون وانشراح إلى هذا العمق الكبير والظلام الدامس . 
نزل بعض المتسوقين قاصدين قرية العلا وكنت أنا بصحبتهم . كانت غالبية أولئك 
المتسوقين من الفهجات ؛ جماعة من الشحاذين يحملون على جمالهم أحمالا من 
العشب البرى ؛ الذى سوف يقايضوئه بشىء من التمر . كان من ضمن هذه الجماعة 
بعض من النساء القبليات اللاتى كن يسرن على أقدامهن : كانت واحدة منهن : وهى 


(») الجبل : جبل شمر مركز حكم أل رشيد ويشتمل على جبلى أجأ وسلمى , ويشتمل على قرى ومدن كثيرة 
من أبرزها حائل عاصمة أل رشيد ٠‏ وققاز وبقعاء وسميراء . (اللمراجم) 


2312 


مخلوق ضعيف جد » زوجة من قبل , لرحيل اهلا8ة8 شقيق الشيخ مطلق ؛ وعندما 
طلقها تزوجها ابن أخيه الأكبر ذُريح «8ل759 ؛ وقد ظهر ذلك ٠‏ على أنه شكل من 
أشكال التملق والمداهنة . كانت تلك الجارة المسكينة قد أنجبت لولد الشيخ مطلق بتتا , 
ونظرا لكبر سنها عن سنه. فقد طلقها وتركها لحال سبيلها. هذه المرأة الوحيدة حاليا » 
تحمل معها سطلا مطلى بالقصدير ثمنه يتراوح بين شلنين وثلاثة شلنات ٠‏ جاءت 
لتبيعه. وتشترى بثمنه جلدين من جلود الأغنام كى تستعملهما قرابا فى خيمة العزوبية. 
سألت ذريح 7560960 مرة ثانية عن زواجه غير الموفق هذا , “هل حياتك الزوجية على 
ما يرام ؟' وأجابنى » “نعم إنها كذلك ؛” ولكن والد مطلق الذى كنا نجلس فى خيمته رد 
على مؤكدا , “أبدا , والله ؛ ليست حياته الزوجية على ما يرام ." وبينما كنا تركب نياقنا 
ونسير فى الأدغال بين الصخور الوعرة والقمم والصخور المرتفعة . سمعتا صرخة 
مفاجئة من خلفنا تنذر بالغزى , ولكن سرعان ما تعرفنا راكبى الإيل . على أنهم من 
أفراد القبيلة ‏ ومن المتسوقين الذين جاءوا إلى القرية , 

فى قرية العلا ذهبت لشراء بعض المؤن من صالح 53115 المسلمانى لزإصةم 880516 » 
ولكنى اكتشفت أن ذلك الرجل لم يكن صادقا أو أميئًا فى تجارته » مثل سائر التجار 
الآخرين , وقد جاءت زوجته تجرى خلفى فى الشارع كى ترد الحق إلى صاحبه 
الشرعى . والعلاونة بخلاء فى تعاملاتهم . وأنت إذا ما اشتريت منهم شيئًا وأعطيتهم 
قطعة من النقود قيمتها أكبر من الثمن المطلوب ؛ فمن المحتمل أن يرفضوا إعادة 
الباقى إليك » أو إعادة بضاعتهم إليهم , قائلين لك ٠‏ "يمكن أن تأخذ بالباقى بضاعة ؛* 
يضاف إلى ذلك أنهم يكذبون فى ردودهم وكلامهم ٠‏ بأنهم ليس لديهم شيء بعينه » 
ولكنهم سرعان مأ يظهرون ذلك الشىء على القور إذا ما توفرت لهم ظروف أحسن 
وسعر أفضل . زد على ذلك أن الغريب العطشان يمكن أن يمر على أبواب هؤلاء 
العلاونة طالبا إليهم اعطائه قليلا من الماء , ولكنهم يردون عليه , "ليس لدينا ماء هنا ,* 
بالرغم من مشاهدة ذلك الغريب لقربة الماء المعلقة فى مدخل المنزل . وقد اكتشفنا أن 
القرويين فى قرية العلا رفعوا أسعارهم بنسبة ثلاثين بالمائة عندما علموا أن بدو 
الفكارة كانوا مخيمين فى سهل الحجر . 


313 


الموكب الأخضر فى قرية العلا شىء جميل ٠‏ كسى أرض الصحراء بعد أن كانت 
جرداء . شاهدت ألف عرف من أعراف النخيل المحملة حاليا بثمار أرجوانية اللون 
وثمار صفراء وثمار حمراء ٠‏ كل هذه أنواع من التمر , تلك الثمرة التى يجعل الناس 
منها هنا غذاء لهم ؛ أول هذه التمور الذى يجرى حصاده هو من النوع الرخيص ومع 
ذلك فهى طيب أيضا , ويباع بواقع عشرين صاعا للريال الواحد ؛ هذه البساتين 
الكثيفة فى قرية العلا لا يفسد سكونها سوى ذلك الصراخ المرح الذى يصدر »٠‏ بين 
الحين والآخر ‏ عن طائر من الطيور أكلة التمور . وقد اكتشفت أن درجة الحرارة عند 
الظهيرة تصل إلى 315 فهرنهيتية فى تلك اليساتين الكثيفة. والشمس هنا تطلع متأخرة, 
ولكنها تبكر فى الغروب » عندما تختفى خلف سواحل الوادى العغميق ؛ ولكن الليالى 
على اختلاف أنواعها تكون شديدة الحرارة ولا يتخللها أى شىء من الانعاش . شاهدت 
فى السواد الأعظم من أرض الخضراوات نوعا من القرع العسلى كبير الحجم , كما 
شاهدت أيضا أنواعا من الشمام طيب الرائحة . 

دخلت البلدة للمرة الثانية قبيل دخول وقت العصر ؛ عندما يتجمع القرويون لشرب 
القهوة فى مقاهى شيوخهم . ومع أول قهوة التقيتها دخلت من عتيتها ؛ أفسح 
الحاضرون مكانا للغريب ؛ وجلست بين الجالسين .- وسرعان ما سمعت صوتا من 
أصوات أولئك القرويين ؛ كان ذلك الصوت يحمل نغمة التأنيب ؛ وكان صادرًا عن مرح 
شبه محموم , "هنا يجلس واحد من أبناء عمك , وأنت لم تعرفه بعد !” نظرت فوجدت 
شابا خفيف الحركة . يجمع محياه بين السماجة والمرح الخفيف , وكانت بشرته بيضاء 
وتميل إلى الاحمرار , وذلك بالمقارنة مع بشرة العلاونة التى تشبه كُنّاسة المداخن . كان 
ذلك الشاب يجلس وعلى رأسه طربوش تركى أحمر » له 'زر' متأرجح من الحرير 
الأزرق ؛ - من المعروف أن أكشر أولئك القرويين الذين يكونون على طريق الحج ٠‏ 
يتشيهون بالدمشقيين . والد هذا الشاب , كان نصرانيا ٠‏ وجاء هنا بغرض التجارة ٠‏ 
أو بسيب الهربء من بعض أجزاء مصر . إلى هذه المنطقة . ونجح الناس قى قرية العلا 
فى إدخال ذلك الرجل فى الإسلام. هذا الشاب الصغير » واسمه هويشيم «تأناءلاء ناه 
هووك هذا الرجل , الذى حيانى قائلا : "كيف حالك ؟ وأنا ؛ مثلك , إنجليزى (كان من 
الأقضل أن يقول . من النصارى الأحرار) . والدى كان من تلك البلاد: وعندما جاء إلى 


214 


هنا , تكاثروا علينا » وأمسكوا به وضريوه : إلى أن نطق بعبارة "محمد 0عمم هطهلة 
رس 01ا5ة» الله 5داانا " . يا خليل ؛ الكلاب هى صاحبة اليد العليا : وأنا هنا . بفضل 
الله » أصبحت مسلما : - وتقول "لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وتسكن معنا 
وسوف يعطوتك نخلا . ' رد شاريو القهوة بدورهم . *” تحن نعد بذّلك » ولكن انتبه 
يا خليل , - ماذا كانت الكلمتان الصغيرتان ؟ انطق بهاتين الكلمتين معنا ون يصيبك 
أى أذ ها غليل.: من والدين المتقد + وعتدها 'لن تيمك امون العياة ونسيكون كل 
شىء معك على ما يرام فى النهاية . - الجيران ٠‏ خليل رجل أمين , ولكنه أعمى » وقد 
. يرضى الله عنه ويعطية النور , وإذا لم يعطه الله (سبحانه وتعالى) النور فتك إرادته 
(سبحانه وتعالى)» والبلد هنا من بلاد المسلمين » وهى حر يتجول فيها كيفما شاء دون 
مساطة من أحد ." 

عزمنى هويشيم أناهلإ1080/6! على بستانه ٠‏ قائلا إنه سوف يعطينى بعضا من 
الشمام ٠‏ ولكننا عندما وصلنا إلى ذلك البستان جعلنى أدفع ثمنا لذلك الشمام أكثر 
مما هى محدد له بسعر السوق ؛ وعندما عدنا فى أيدينا ذلك الشمام » تولى هو الرد 
على الرغى والقيل والقال الذى أصاينا من كل أولئك الذين التقيناهم؛ إذ كان يقول لهم: 
والله » إن هذا بقشيش 83155158 أعطيته للتصرانى ؛" كان ذلك الرجل الوقح يجرى 
مهرولا من أمامى ! وعندما كان يرانى مقبلا عليه أجرجر قدماى كان '"يصيح قائلا : ما 
هذا ! إنك شاب , أما انا فأحمل خمسين عاما على ظهرى :" كان ذلك الرجل ؛ يرى أن 
مسألة الضعف هذه أمر محتمل » بالرغم من أنه كان يبدى أصغر منى يعشرين عاما : 
'"ولكنك صبى تماما ٠‏ ويوسعك أن تعدى وتقفز أكثر من عنزة برية .” - 'أه » أنت تقول 
ذلك لأنى بلا لحية ؟ كل ما فى الأمر أن الفئران جائتنى وأكلت لحيتى أثناء الليل .” هذا 
الهويشيم؛ كان له ذهن يعينه على عمل أى شىء . قبل سنوات قلائل . تخيل الهويشيم, 
تلك التربة الخالية ؛ المكونة من الغرين القيم ؛ والتى تقع على مسافة نصف ميل فوق 
الواحة . وأسقل الخريبة ٠‏ بنى هويشيم لنقفسه فى ذلك المكان حصنئًا 860004 » يزيد 
حجمه على حجم منزل أى منزلين ٠‏ وما زال ذلك الحصن باقيا إلى يومنا هذا » ويحمل 
اسم ذلك الرجل . الحصن ء أى إن شئت فقل , القلعة التى من هذا القبيل تكون عبارة 
عن "مسور مغلق مكون من أربعة جدران عالية » ضمائًا للأمن . يحتمى بها الفلاحون 


315 


على وجه السرعة من تحرش البدو الرّحل بهم . ولكن هويشيم لم يجد بغيته أى ما كان 
يتطلع إليه فى قرية العلا نظرا لأن أولئك الحضر القسماة لم يكونوا على استعداد 
للسير على الخط الذى رسمه ذلك الرجل . ومن هنا تبخرت آماله كلها . كان هويشيم 
دونا عن سائر أهل هذا البلد . صاحب مطمح كبير كان يهدف من ورائه إلى أن يتمكن 
فى يوم من الأيام من تسلق رعوس كل هؤلاء الناس , كى يصل إلى رئاسة البلدة . 
ذهب هويشيم فى العام السابق لزيارة خيبر: وعثر هناك على رجل [أصبح صديقا لى 
بمعنى الكلمة فيما بعد] . اسمه محمد النجومى لا3انا[9/-! 6‏ من المدينة ( المنورة ) »- ' 
الذى حصلت منه أثناء مرحه الصاخب على الحكاية التالية - لما كان محمد النجومى 
رجلا قويا » فقد حدثه هويشيم عما يدور يخلده » وقال له تحديد! » إنهما الاثنان ينبغى 
أن يعودا إلى قرية العلا » ويجعلان من نفسيهما سادة هناك بقوة اللسيف . قال :“أهل 
القرية من العلاونة جبناء بحق وحقيقة ٠‏ وأن أوائك العلاونة سيكونون : والله » لعبا فى 
أيديهما لى أنهما أطاحا بقلة قليلة من الرعوس ٠‏ الأمر الذى سيمكنهم من تسود البقية 
والسيطرة عليها فى النهاية” . - عندما اكتشفت أن تلك الجماعة البدوية لن تتحرك قبل 
الفد . عدت إلى قهوة موسى , التى سبق لى النزول فيها . وقام ذلك الرجل الطيب 
يتقديم شىء من علف البستان لناقتى : أمضيت الليل وأنا خائف من هواء النخيل 
الرطب ؛ أمضيت الليل نائمًا على سطح منزله الذى كان يشبه الشرفة . 
وصل المزيد من البدو فى الصباح , وكان زيد من بينهم . قالوا لنا : إن الأعراب 
تحركوا بالأمس ( عقب رحيلى عنهم ) : وهم الآن عند آبار العذيب طلزة81-اه - 
بالقرب من البلدة . كنت قد تركت زكائبى أمام بيت الشيخ مطلق ؛ ولكن أصدقائى 
طلبوا منى الهدوء . لأن المضيفين 'لابد أن يكونوا قد حملوا تلك الزكائب معهم من باب 
التكريم .* عدت إلى أولئك الأعراب بصحبة زيد » الذى اشترى تمرا وأرزا بالأجل لحين 
مجىء موسم الحج . 
- البدى الرحل هنا يعيشون متفرقين ؛ على مساحة طويلة منحدرة من الرمال : 
تقع بين صخور الأخمر 8/5013 العالية وجبل الحرة ؛ هؤلاء اليدى كانت منازلهم تحتل 
مسافة تزيد على ثلاثة أميال » عندما مررنا بها . وفى مساء الليلة التالية وصل مهنا » 
الذى كان يقود كفلاً آخرًا متجهًا إلى مدينة الوجه . صحيح أن مهنا نزل أمام خيمة 


316 


الك لشيخ مطلق ؛ ولكن رحيل هو الذى قدم طعام ١‏ لعشاء , إذ قام يذيح خروف طيب عند 
غروب الشمس ؛ وفى ساعة متأخرة من المساء ٠‏ استدعانا جميعا » ونهضنا واقفين من 


خيمة الشيخ مطلق ؛ كى ننتقل إلى خيمة رحيل . نظر إلى مهنا نظرة ودية ونحن نتحلق" 


حول طبق الطعام ؛ - “قال مخاطبا زيدًا » الذى جلس وتناول عشاءه بجوارى ٠‏ أهذا 
هى حال خليل لا يأكل دوما ؟ كيف لرجل ٠‏ تربى هذه التربية أو نشأ هذه النشأة ٠‏ 
يتحمل حياة البدى !” 


كان رمضان ؛ شهر الصوم ؛ على وشك الدخول . وهذا الشهر يشغل أرواح 
المسلمين , بما فى ذلك الأعراب الذين يعيشون فى البادية ؛ ويضفى على تلك الأرواح 
المزيد من الورع والتدين ؛ هؤلاء البدى » يحاكون ما يحدث فى الحضر ء ذلك الذى 
شاهدوه فى المدينة ( المنورة ) » وهم يخرجون من بيوتهم فى مواقيت الصلاة » ويقفون 
على شكل صفوف ٠‏ ويستمعون إلى الإمام , ويحنون جباههم الخالية ثم يسجدون . 
والشيخ مطلق عندما يكون هناك لا يصلى بالناس إماما , ولكنه يقف مثل واحد متهم . 
والمسلمون جميعا يتساوون فى الدين والعبادة . وأى درويش فاجر بوسعه أن يؤنب 
أميره ويوجه إليه اللوم فيما يتعلق بمسألة الدين » ويتعين على ذلك الأمير قبول ذلك 
التأنيب واللوم بصير لا ينفد . هذا هى الشيخ مطلق . صاحب الصدر الضيق ٠‏ يؤنبه 
شخص ويقول له '"حان موعد الصلاة ؛ "جوم 2مدهو يا 8 صل |57 !' بمعنى 'هيا ! 
إلى الصلاة, انهض يا مطلق . انهض وصلى !' - وصل أولئك المتحمسون فى تشددفم 
إلى حد جعل مطلق يقول عنهم متلما قال أيوب الصديق ء 'لا يمكن أن أدرجهم ضمن 
كلاب قطيعى !" ومع ذلك , يقف الشيخ مطلق مطيعا ويذهب لأداء هذه الفريضة الدينية 
. وأعظم الشيوخ لا يمكن أن يفعل غير ذلك ٠‏ لأن هذا الذى يفعله فيه سلامه وأمنه بين 
إخوانه أتباع محمد مَرَمْ . قلة قليلة من حريم البدى هن اللائى يصلين أمام بيوتهن 
فى شهر رمضان ؛ ويندر فى غير شهر رمضان أن ترى امرأة تصلى . 

على امتداد تلك الليلة » كان القمر يدرا » ويدت السماء وقد اكتست بزرقة ضوء 
النهار الجميل , كما خلت أيضا من النجوم وغاب القمر كلية مع اقتراب الصباح » 
وقال لى الأعرابء أنهم رأوا السماء حمراء مثل الدم ؛ وهذا "مؤشر من مؤشرات درجة 
الحرارة المرتفعة" . كانت درجة الحرارة 87 فهرنهيتية عند شروق الشمس ؛ وطلع علينا 


5317 


النهار بلا حبة هواء واحدة » وقبيل العصر كانت درجة الحرارة حوالى ٠١,5‏ مئوية , 
كانت السماء ملبدة بالغيوم » وكان الأعراب واهنين ‏ ويرقدون على الأرض فى الظلال 
الناتجة عن الجبل الضخم . وفى اليوم التالى ارتفعت درجة الحرارة لتصل إلى 1١,6‏ 
مئوية ( ٠٠١‏ فهرنهيتية ) ؛ فى عصر ذلك اليوم تحرك البدو عائدين إلى سهل الحجر . 
وأثناء سيرنا » نزلت امرأة مسكينة كانت تسير بالقرب منى » نزلت عن راحلتها يمحض 
إرادتها » وهى حافية القدمين , والأرض من تحتهما عامرة بالأشواك ؛ وهبت لمساعدة 
الغريب عندما وجدت أن أمتعتى التى لم تكن محكمة الربط أخذت تنزلق وتسقط على 
الأرض :- وهذه هى فضيلة طبيعية وفطرية من فضائل الأعراب . 

عندما نزلنا فى مدائن صالح للمرة الثانية » قامت الأسر البدوية بنصب خيامها 
فى أماكنها السابقة » وشبت نيران المساء فى نفس الأماكن السابقة التى كانوا يشبون 
فيها نيرانهم من قبل . ومع طلوع شمس اليوم التالى » وهى أبرد ساعات النهار , 
وجدت أن درجة الحرارة كانت 78 فهرنهيتية » وجدت أن درجة حرارة فترة العصر 
كانت 5١,١‏ مئوية . حال ذباب الحجر المقلق . الذى كان فى كل مكان مثل الطاعون , 
كما كان أيضا فى الظل الناتج من الصخور المرتفعة , وفى ظل الخيام أيضا . حال 
بينى ويين الحصول على الراحة بأى حال من الأحوال . أويت إلى الديوان 5ه«01 » 
ذلك الممر الصخرى الذى لا تشرق الشمس عليه مطلقا ؛ ولكنى حتى فى هذا المكان 
وجدت جحافل كبيرة من الحشرات . فى كل مكان جلست فيه » كنت ألاحظ طائرا من 
الطيور آكلة الذياب , وهذه الطيور ضغيرة الحجم ولونها يشبه لون الإردواز ؛ وهى 
تشبه إلى حد كبير طائر أبى فصادة , وهى تنقض يخفة ورشاقة على الذباب » 
وتختطف فريستها التى لا يمكن أن تفلت منها مطلقا : طرحت على ذلك الطائر غترتى 
( غطاء رأسمى ) » وأمسكت به ودللته دون أن أصيبه بأذى » ثم تركته يطير من بين 
يدى : وبالرغم من كل ذلك لم يبتعد ذلك الطائر عنى سوى مسافة قصيرة جذًا » 
ولم يطر مبتعدًا عنى . 

كانت خيمة الشيخ مطلق الوسيعة مكانا ينام فيه القبليون الجائلون فى فترة 
العصر : فى تلك الخيمة كانت ألسنة المتحمسين لرمضان البذيئة تصب جام غضبها 
على النصراتى ؛ إلى حد أننى قلت لزريح 6م:786 ؛ فى أحد الأيام : "آه » من 


316 


جحافل الذياب ؛ هى والحرارة وكذلك الكلام الجارح الذى يصدر عن هؤلاء الدبوش ؛ 
إنهم يعرقون مصلحة الإنسان أكثر من الرب الذى خلقه .' - 'أنت تقول صدقا ٠‏ إنهم 
دبوش بحق .” - 'ولكن ماذا يعبدون ؟ العقاقير. المثيره للشهوة والغليون ! - تلك فى 
مقدساتكم أيها الأعراب ” - "أها - ها - ها !والله .يا خليل , هم لا يمكن أن 
ينكروا ذلك . وكل أفكارهم تتركز حول هذه الأمور ؛ البدى يقدسون هذا وذاك .* صحيح 
أن ذريحا كان الأخ الأكبر للشيخ . ولكن صالحًا أخيه الأصغر , ذلك الشاب قوى البنية 
صاحب المزاج المتغير » كان هى الأكثر قربا إلى قلب أبيه » إضافة إلى أنه كان من 
نسل أم تنتمى إلى أسرة من أسر الشيوخ ؛ وقد ورث صالح عن جده ؛ من أمه » صرة 
لها قيمتها . كان مطلق يفضل صالحا ؛ الذى بدأ شأنه يتزايد فى القييلة » وعندما وجد 
زريح نفسه شبه مخلوع فى الْمتزلٌ ‏ رضى بأن يكون واحدًا من أقراد البلاط . كان 
زريح يشغل نفسه يوميا بزيارة والده » ( الذى كان يحس تجاهه بقليل من الدفء » ) 
وكان ذلك يبدى من باب التملق والمداهنة : كان ذريح قد بنى لنفسه بيتا كبيرًا مثل بيت 
مطلق. إضافة إلى أن منزله كان منزلا مستقلا مع الأعراب؛ كان لدى زريح إبل كثيرة » 
إضافة إلى أنه كان قائدًا شجاعا من قادة القزو . سمعت هذا الرجل وهو يقول بين 
زملائه وفى صوته مسحة من الحزن؛ "- ولكنى لست شيخًا !” ورد عليه زملاؤه متهللين, 
"أنت شيخ #عالا586 الشيوخ 5انا©65-5 .' أما صالح فقد كان مقيما فى منزل والده , 
حيث كانت خيمته التى كانت أحسن الخيام » لا تعدى أن تكون مجرد هجرة 3و 
متواضعة .- ويتناول زريح بيده الكتاب الذى كنت أقرأ فيه » وراح يُسرَّى عن نفسه بأن 
أخذ قلمى الرصاص ليحدت رسما على صفحة من صفحات الكتاب - هذا الرسم من 
وجهة نظرهم - عبارة عن صور للرجال والحيوانات . 

كان من بين أولئك النائمين فى خيمة الشيخ اتقاء لحرارة الشمس رجل لاحظت 
أنه ليس من أهل الجزيرة العربية ؛ "درويش تائه أو ضائع ( حسب ظنى ) تخلّف عن 
قافلة الحج : " ومع ذلك كان وجهه أكثر اسمرارًا عن بقية أوجه البدى . قال لى إنه 
بستانى من بيروت ٠‏ وأنه بقى هنا مع الأعراب متخلفًا عن الحج الثالث : وقال لى أيضا 
إنه اشترى بالنقود التى كانت معه زوجا من الإبل . كما زوجه بدى الخمالة 2818 
امرأة منهم , أنجبت له طفلين . قال ٠‏ إنه اعتزم العودة إلى وطنه على الفور , وأنه 


5319 


سوف يصحب معه عائلته البدوية . كان الرجل يحس بالقلق والإرهاق فى الصحراء , 
ومن رأيه أن حرارة فصل الصيف الحالى لم تكن أكبر من مثيلتها فى بلده الفينيقى . 
هذا الشخص كان مصابا فى إحدى عينيه .- إن كثيرا من المجرمين يرافقون الحج 
ويهربون من العدالة : والمؤكد أن الفلاح متدنى الروح المعنوية إلى هذا الحد ‏ لا يمكن 
أن يضحى بما لديه من أشياء جيدة ؛ بلا سبب » طمعا فى حياة هؤلاء البدى القاتلة ! 
دخل الحاج نجم فى تلك الأمسية الأخيرة فى جدله القديم حول البلدان الغربية . 
قال مطنيا للجمهور المتشوق » “يجب أن لا يكون تقديركم لخليل ومن هم على شاكلته 
بأنهم كفار , لأنهم يؤمنون بمعظم الأشياء التى نؤمن بها نحن . سيدتا عيسى و15 , 
ولد السيدة مريم . ربهم , هى فى واقع الأمر نبى من أنبياء الله . وكذلك عندهم 
موبسى يلت ؛ وداود وقدامى الأنبياء : وهم يقولون مثل المسلمين إن الله إله واحد , 
وأنه لا شريك له وليس هناك غيره . انتبهوا ٠‏ يتبقى شىء واحد .نينا وبينهم » إنهم 
لا يقولون عن سيدنا محمد »- عليه الصلاة والسلام - أنه رسول الله . ويجب أن 
تعلموا أن أهل (شعب) خليل , أى الإنجليز : أصدقاء للإسلام ؛ كما أنهم جيران لنا , 
ولا يفصلنا عنهم سوى البحر الضيق من فاس ومراكش ٠.‏ وبلادهم قريبة جدًا منا إلى 
حد أن شاطئ بلادنا ويلادهم يظهران للسكان على الجانبين من خلف الماء : وكلام 
الإنجليز وعر' 36ة/ا " - [ولكن البلاد السورية تقول عن هذا الكلام أنه "حلى ناولا , 
كما يقولون عنه أيضا إنه "لفة 091:26 الطير /لا61-56' بمعنى إنه يشبه تفريد 
الطيور"] . ثم عاد الحاج نجم يتمتم ويغمغم , بحبه وهيامه لبلده الفريى » الملىء 
بالينابيع ويظله مناخ صحى ٠‏ والذى تمتد أعمار سكانه إلى أجال بعيدة !' وراح الرجل 
يعد على أصابع يديه "كيف أن الإنسان يمكن أن يتجول على امتداد أيام كثيرة فى أى 
جزء من أجزاء بلاده » دون أن يرى نهاية للنخيل فى ذلك الجزء ! وأخيرا قإن الصحراء 
الجرداء تمتد ناحية الجنوب امتداد! يقدر بمسير شهرين جنويا فى اتجاه السودان 
(أرض التناس السود) ؛ الذى تذهب إليه كل عام قوافل كبيرة من التجار المفارية , 
الذين يترددون على مديتة تمبكتى ناأعناط7113 كما يذهب المفامرون إلى البلاد 


(») تمبكتو : عاصمة سلطنة مالى وكانت تعد من أهم الحواضر الإسلامية فى السودان الغربى . (المراجع) 


2300 


العميقة الواقعة خلف السودان . سعيا إلى تجارة الرقيق ‏ وتجارة الذهب والعاج 
وأيضا ريش النعام .* تحدث الحاج نجم أيضا عن المدن الكثيرة التى على شاطئ 
اليحر : كما تطرق أيضا إلى العواصم الكبيرة . وفى فاس ٠‏ كان عدد المساجد يقدر 
يثلاثمائة مسجد ء إلى حد أن الإنسان عندما يدخل وقت الصلاة يمكن أن يسمع 
أصوات المؤذنين تنبعث من كل مكان فى أرجاء المدينة ؛ كما أن عدد الحمامات يقترب 
أيضا من عدد المساجد : وهناك نهر ينساب خلال المدينة » يجلب السكان منه المياه 
النقية . والجميل أيضا أن ينظر المرء إلى الشوارع العالية المستقيمة . وإلى المنازل 
المينية حفاظًا على خصوصية العائلات [فى ضوء الغيرة على الأسرة الإسلامية ‏ ] فى 
كل مرحلة من المراحل ؛ زد على ذلك أن الأسواق تغص أيضا بكل ما يلزم الحياة 
اليومية . كما أن كل حرفة من الحرف لها مكان مخصص لها , إلى حد أن الإنسان 
يستطيع خلال رحلة قصيرة . الحصول على كل ما يُحتاجه دون أن يضيع وقته فى 
البحث هنا وهناك .' رد الأعراب , وهم يأخذون بعين اعتبارهم كل كلمة من كلمات 
الحاج نجم ؛ ويعد أن انتهى من كلامه قالوا : "اسمع ! يا حاج نجم »٠.أنت‏ لديك أشياء 
رائعة يمكن أن ترويها للناس ؛ وتلك الأشياء هى من معارفك الخاصة : أى ؛ والله ! 
من يسافر يرى الكثير » ومن منا » بخلاف من استمعوا لهذا الحكى ؛ يمكن أن يخطر 
يباله كل ذلك ؟ الدنيا كبيرة » بلا شك ٠‏ وفيها الكثير من العجائب ٠‏ عجائب أكثر بكثير 
مما )تغرف تدقتنا داك فهو "ناذا كون تحن الفدى» شري نيوكن أن إن 
شئت فقل قطيع من الحيوانات الصغيرة !” - أثناء عودتنا إلى خيامنا قال لى محسن : 
'أنا معجب بالحاج نجم ؛ وهى يتكلم بطرزيقة شيقة » وإذا ما تتبعه أحد ٠‏ فإنه قد يعانى 
من مصطلحاته المغريية . وأنا شخصيًا لا أفهم أكثر من نصف كلامه . وأنا لم أحتاج 
معه إلى مترجم : وقد لاحظت أن الأسماء الغريية للبلاد الأجنبية ‏ وكذلك الأشياء 
الأجنبية أيضا كانت تريك البدوى الذى تربى فى الصحراء وتحيره . 

كانت درجة الحرارة أقل مما كانت عليه من قبل ؛ كانت تلك الأيام تشبه الأيام 
الأولى من فصل الخريف , ومع ذلك كانت درجة الحرارة فى فترة العصر تتراوح بين 
٠.‏ مو ١‏ مئوية . كان الحاج نجم العجوز . قد طرد محمد ؛ ذلك الصبى البدوى 
من القلعة ؛ ولذلك جاء ذلك الصبى لتمضية الليل معنا فى خيمة محسن ٠‏ الذى وافق 


321 


نظير الحصول على صقر ذلك الصبى ؛ أن يتقله فى الغد إلى قرية العلا . الذى يمكنه 
. السفر منها إلى أفل أمه البدوية . وفى الصياح ركب محسن راحلته ؛ ومن خلفه 
الصبى كما ركبت أنا أيضا ناقتى وذهبت لزيارة البلدة معهم . ترك الصبى البدوى 
زوجته تقطع المسافة سيرا على الأقدام: إلى أن تصادف أن مر بنا قبلى جاء للتسوق ,2 
فاركبها خلفه » على غير رغبة منها . مررنا على قبر بدوى منعزل » موضوع حوله 
بيارق برية من الحجر الرملى ؛ - قالوا » هذا شيخ كبير من شيوخ ولاد على » مدفون 
فى هذا المكان . ويالقرب من نهاية الأخمة 818813 ٠‏ أرونى صخرة مجوفة » يطلقون 
عليها اسم "مخزن 802662808 الجندى /إ0هال-!© .” - وأن طريق الحج القديم كان يمر 
بذلك المكان متجها إلى قرية العلا  .‏ توفت زوجة أحد الجنود أثناء السير » وعجل : 
زوجها بدقنها فى ذلك المكان ؛ ونظرا لعدم وجود امرأة ضمن الجماعة المسافرة , تقوم 
بإرضاع طفل المتوفاه . فقد تغاضى ذلك الجندى , عن ذلك الطفل يأن تركه فى ظل 
الصخرة . وعندما عاد الأب مرة ثانية مع عودة الحج إلى المكان نقسه ( بعد ذلك 
بسبعين يوما ) وجد طفله ما يزال على قيد الحياة . بعد أن تولت إناث الغزال 
الصحراوى إرضاعه ."- نزلنا عن راحلاتنا فى قرية العلا . عند دخول وقت الظهر , 
أمام قهوة موسى : كان القاضى فى ذلك الوقت مريضا بالحمى . زْرت هذا الرجل 
الطيب فى منزله وتركت له شيئا من الكنين*) . 

عندما عثرت على هويشيم ذهيت. معه إلى منزله كى أبتاع بعض المؤن » وأدخلنى 
الرجل إلى مخزن بضاعته . حيث شاهدت فيه أكواما كبيرة منظمة كل حسب نوعه , 
وكل هذه الأكوام كانت من التمور الجديدة . وطلب منى الجلوس أمام أفضل أنواع هذه 
التمور ورجانى أن أجرح صيامى ؛ وأحضر الرجل لى شيئًا من السمن فى الطبق الذى 
ستعمله قاعدة لمصباحه . ويينما كنا نتجاذب أطراف الحديث سمعنا شيئًا من 
الضوضاء فى الشارع ؛ كما سمعنا أيضا حركة أقدام عند باب المخزن : وهنا أمسك 
هويشيم بصفيحة التمر . ليخفيها عن أعين أى من البدى الجوعانين الذين يمكن أن 
يدخلوا علينا فجأة . وسرعان ما دخلت علينا عنزة » وهنا دخل علينا » بعد خطوتين من 


(*) الكنين : عقار قديم كان يستخدم فى علاج بعض أمراض القلب . (المراجع) 


2322 


دخول العنزة ؛ ذلك القبلى المسكين , الذى كان يقتاد تلك العنزة بدلا من النقود . ولكن 
هويشيم عنف ذلك القبلى وويخه وهو يصيح قائلا : "أخرج ‏ أيها البدوى الكلب ٠‏ أخرج 
من منزلى ؛ أنت وعنزتك ! - عليك اللعنة - لعن الله الأب الذى أنجبك ! واعتذر الرجل 
القبلى عما بدر منه : "هو لم يطلب شيئًا سوى عنزته ؟ ولم يجرئ ذلك القبلى على 
مجادلة أى إنسان فى الواحة ؛ نظرا لأن الجميع سوف يطاردون مثل هذا البدوى 
بالأذى والصياح والاحتقار . قال هويشيم عن الفكارة "مافى 51أالا أرذل ا8/28 منهم 
«إناطاوةا8 * بمعنى “ليس هناك من هو أرذل من البدو المترحلين .” . 

بعد دخول الليل . خرجت أبحث عن جماعتنا البدوية بين النخيل ؛ إذ كان من 
المقرر لتلك الجماعة أن ترحل قبيل منتصف الليل » أى عند طلوع القمر ؛» عثرت على 
محسن ومعه عدد قليل من البشر ؛ نائمين على حصر مفرودة فى مزرعة التاجر . وكان 
البعض منهم يشربون القهوة .- قمنا برحلتنا متجهين نحو الجزء العالى من الأرض » 
وكنا نسير أثناء الليل . ويعد مسيرة طويلة . وصلنا إلى الأرض الفضاء التى أمام 
سهل الحجر ء وهذا هو القمر العجوز يعكس القليل من الضوء . وشاهدنا النار التى 
يشبها الناس باستعمال حجر الصوان أمامنا . كما لو أن شخصا كان يريد التربص 
بنا ‏ ورأينا فى ذلك أيضا الكبريت الذى يجرى إشعاله فى بنادقهم الطويلة ؛ - الحياة 
العربية مليئة بالمقاوف التى من هذا القبيل . وهنا لاذ البدو بالفرار على ظهور نياقهم ؛ 
أما الحريم فقد رحن يجرين هنا وهناك على أقدامهن ؛ وهذان هما رجلان جاءا معنا 
وكانا يقودان عددا قليلا من المواشى الصغيرة ( الغنم ) » راحا يضربان تلك الأغنام 
ويستحثونها عن طريق الضرب المبرح حتى يمكن إخفاؤها فى ظلال الصخور المعتمة . 
ورحت أنظر حولى فى ذلك الضوء الخافت بحا عن محسن ٠‏ رفيقى ٠‏ ووجدته يتجول 
فوق السهل : سارعت أجرى فى أثره » ونظرًا لأن قبيلتنا كانت هى التى تسيطر على 
تلك الديرة وتمتلكها فقد كنا جميعا ننزل إلى الأسفل ونحن مجردين أو إن شئت فقل : 
عزّلا من السلاح. وهذه هى ناقتى العجوز , قد بدأت تجرى وسقطت من تحتى مرتين » 
وكنت كلما أوقفتها , كانت تتماسك على مضض وعلى نحو كنت أخشى معه أن تجهض 
وتخسر وليدها الذى يقال إن عمره بصل إلى عدة أشهر حاليا فى بطنها » وهذا هو 
جوال التمر الذى كنت أحمله فوق ناقتى . مساعدة منى لامرأة مسكينة ٠‏ هذا هو 


323 


الجوال يسقط من فوق عدة (سرج) الناقة . تساءلت: "ما كل هذه الفوضى يا محسن ؟” 
- أجاينى "إنهم الحياليص' » ولكننا عرفنا بعد ذلك » ويبصورة متدرجة ؛ أن تلك 
الفوضى لم تكن سوى إنذار كاذب . ولكن ناقة محسن العفية » عندما استشعرت هواء 
الليل العليل . شردت لوحدفا . وراحت تجرى ومحسن من فوقها . قاصدة مدائن 
صالح . وعندما وصلنا إلى مدائن صالح قيل طلوع الفجر بلحظات » وجدت محسنًا 
جالسا فى تقكير عميق داخل منزله ( بيته ) ٠‏ الذى وصل إليه قبل وصولى بنصف 
ساعة . وعندما ووجه محسن بتلك الحماقة - فقد تخلى عن رفيقه - راح يبارك ٠‏ 
بصورة تهكمية ؛ معرفة الآباء لتلك التوافه التى واجهتنا » وراح يسم الجميع بأنهم 
"بدى وأنهم أيضا "أجسام مصابة بمس من الجتون .' وقال إن السبب وراء تلك المتاعب 
التى وقعت أثناء الليل . هو زنجى شاب ؛: أو إن شئت فقل العبد الذى حرره الشيخ 
مطلق ٠‏ الذى كان يمر متأخرًا » ولم يكن أمامه من بد سوى إشعال غليونه » عندما 
سمعنا مقبلين عليه . ظنا منه أنه سوف يعود بصحية جماعة صديقة . 

زار متؤزلنا كل من مشوات 1158686 » شويش أأؤلاه/5110 » وسيدان 020 [5©6 
وكلهم من الموءاهيب : هذا. هو شويش ٠.‏ الذى لديه زوجة جميلة جدًا فى بيته , جاء 
لإقناع زوجة هاربة » موجودة حاليا بين بدو القكارة , بالعودة معه إلى البيت . وهذا هو 
داريش 855لر:98 ؛ الذى انتقل مع أسرته من طُلج , جاء إلى هذا لينصب خيمته أسفل 
القلعة . كان داريش قد قام مؤخرا مع دولان 000188 وشخص آخر برحلة طويلة إلى 
ديرة الرولة 13ا9/نا8 على بعد حوالى ١6٠؟‏ ميلا ؛ وهاهم عائدون خاوييى الوفاض 
ومرهقين ومتعبين من منطقه تقع إلى الخلف من منطقة الجوف . وعندما كانوا قريبين 
من وادى تربة عشروا على ناقتى , كما تعرفوا أيضا على أثر أقدامها , كما تعرفوا 
أيضا على آثار أقدام حوريش الحافية . حكى داريش لهم الحكاية » ونزلوا من فوق 
راحلاتهم كيما يتثبتوا مما شاهدوه: وهنا راح دولان يبتسم لى “ها - ها - ها! خليل , 
نعم , هى - هى - هى ! لقد عثرنا على كل شىء فى الرمل ٠‏ وبالتالى قلنا نتوقف طلبا 
لشىء من الفرح والمرح . "عفوا" اناه ( د6131 ) والله ٠‏ "عشت" اولاق يا خليل بمعنى 
"أعطاك الله الصحة والعافية على ما فعلت” : ويضع هذا المسكين يديه على كتفى 
ويجتثو على ركبتيه من الضحك . وقد استراحت قلوب الواقفين عندما رأوا النصرانى 


2324 


قد هز حوريش الفتّوة ( القبضاى ) (بل وأخذ جمله ذو السنامين ؛ من وجهة نظرهم) . 
"والله »يا خليل ؛ أنت ولد عمى , - وما رأيك فى داريش ؟ - لم يطق الذهاب إلى 
داريش ليبلغه بردى على سؤاله الذى قلت فيه إن داريش “غندور , مزده بنقسه , 
وشخص متعال متكبر" وأن الشيخ السراحينى ٠‏ عندما التقانى للمرة الثانية » كان يبدو 
أنه أعلى منى قامة , كما اكتشفت أن إحاطة الغريب علما بشهامته وكرمه كان أمرا 
مناسيا تماما . هذا هو دولان يعرج بعد أن رفسه الجمل ٠‏ والمعروف أن ضربة قدم 
الجمل ثقيله جدا . وتدهور حاله فى هذه الدنيا . الأمر الذى أدى إلى إيكال مهنة 
الراعى إلى شخص آخر . قال ذلك الفهجى المسكين " معناش * (*) 013090 بمعنى "لم 
يتبقى لنا أى شىء ' » وراح ذلك المسكين يعض ظفر إيهامه بأسناته . عاد الموءاهيب 
مرة ثانية إلى وادى ترية . وهذه هى البثر تمتلئ ببطئ » وأن ذلك حدث ؛ على حد تعبير 
البعض منهم . منذ استحمام النصرانى فى تلك البثر ؛ “وكتايته" على الماء ؛ يا لهذا 
الكلام » ألم أعمل هناك طيلة فترة الصباح فى تطهير القنوات والمجارى المائية ؟ وترتب 
على ذلك أن أصبح تيار الماء أقوى من ذى قبل , الأمر الذى جعل البدو يقولون : "لقد 
أحسن الغريب . وقسما بالله أنه أفادنا » ويتعين على كل من يسقى من هذا الماء أن 
يحلب عنزة لذلك الغريب .* 

فى ذروة هذا المناخ » كنت أراقب تقلبات الجى يوميا ياستعمال الباروميتر . كان 
ارتفاع مدائن صالح [... ] يصل إلى ما يقرب من 56٠0٠١‏ قدم . 


ع( هذه الكلمة إضفام للعبارة البدوية “ما معنا 00811802 شىء "لا511" أى ثم يعد يتبقى لنا شىء مما كان 
لدينا من قبل" . ( المترجم ) 


225 


الفصل التاسع عشر 


نيماء 


الرحيل مع الأعراب بصفة نهائية عن مدائن صالح . إنذار مع مطلع الشمس . 
كارثة الموءاهيب. الرحلة إلى تيماء . مشاهدة القمر الجديد. بداية شهر الصوم الكبير . 
منظر تيماء من بعد . المزارعون . امرأة فقيرة مشتتة الذهن . بيت ريفى فى الضاحية . 
رمضان . جنى التمر الجديد . حديث الحضر حول تنور القهوة . صباح شاق . عابر 
سبيل يتناول طعام الإفطار . حسن . عجيل . زيارة المرضى . عادة التّفْل على العيون 
المتورمة . خلف , شيخ تيماء . إفطار الصيام الكبير بعد غروب الشمس . عشاء 
الصيام الكبير عند منتصف الليل .“حكايا' البدوى *عن الرحالة" . بدوى من الشمال 
يتكلم منصفا النصارى . أحد المنفيين من العلا . توبيخ واحد من المتشددين . أعمدة 
أثرية . أسرة حداد . تيماء ثلاث واحات . فرس بثلاث أرجل . صيد الطيور البرية فى 
تيماء . هجرة الطيور . النصرانى لا يراعى صيامهم . محسن ينصب خيمته فى حوطة 
أى بستان من بساتين تيماء . لعبة الداما . صيام النساء . قلق محسن على أهل بيته . 
فصل الربيع . "البدى هم الذين سينقذون الإسلام”". رأيهم فى صيام المسيحيين . 

أخيرًا » وبعد اتقضاء عدة أيام أخر من الحر الشديد , والتى كانت بمثابة الأيام 
الأخيرة من ذلك الصيف , وعلى وجه التحديد فى الثامن والعشرين من شهر أغسطس 
غادر الأعراب سهل الحجر . وهاهم يُيممُون وجوههم مرة أخرى شطر" بلاد تيماء , 
وركبت أنا معهم وأنا أحس بسعادة بالغة مثل السعادة التى يستشعرها التلميذ عندما 
يترك مدرسته الداخلية عائدا إلى منزله ؛ - وتخلصت أخيرا من احتقان العينين 
واحتقان الأنف اللذان يصيبا من يعيش فى منطقة هذه القمم الصخرية . كما تخلصت 


327 


أيضا من القلعة ومن المغاربة الخطرين الذين فى مدائن صالح . الآن ويعد أن تركنا 
منطقة طريق الحج التركى » أصبحت أجد أمامى ؛ أو إن شئت فقل الجزء المرتفع الحر 
من الجزيرة العريية ! 

تجاوزنا السهل المغلق الموجود فى الناحية الجنوبية الشرقية . شاهدت الكثير من 
الصقور التى كان يحملها راكبى النياق فى تلك الرّحلة ؛ لقد أشتروا هذه الصقور من 
عرب البوابة ؛ وهناك بعض آخر من سادة البدى , كانوا يحملون معهم فى تلك المسيرة 
كلاب الصيد الخاصة بهم » فوق ظهور الإبل . مخافة أن يؤثر الرمل الحار على أرجل 
هذه الكلاب . استمر ترحالنا على شكل مسيرات قصيرة فى اتجاه الشرق طوال أربعة 
أيام » وكان البدى كلما توقفوا فى فترة ما قبل الظهيرة » يطلقون ماشيتهم فى المرعى . 
وبذلك تكون حرارة الصيف قد. انتهت بالنسبة لنا فى هذه المنطقة المرتفعة متحركة 
الهواء. وعند شروق شمس الغد ويينما كنا جالسين لمدة لحظة ؛ قبل استئناف الرحلة : 
وأمامنا نار شيبناها على وجه السرعة » وجدت أن مقياس درجة الحرارة قد سجل 7 
فهرنهيتية ؛ واتضح لنا أن الريح التى كانت تهب علينا كانت ريحا باردة . 

وأنا هنا سوف أترك تلك القرية الجائلة » وأذهب مع محسن وجماعة من القبليين 
المساكين الذى سيذهيون لتمضية شهر رمضان فى بلدة تيماء » حيث بدأت بشائر 
نضج محصول التمر الجديد . وسوف تجىء القبيلة إلى تيماء بعد شهر من الآن , 
أو بالأحرى فى الأيام الكبيرة من الصوم الكبير *) عند المسيحيين ٠‏ وذلك لتمضيه 
أجازة العيد فى القرية من:ناحية , ولشراء التمور أثناء موسم الحصاد . 

عندما طلعت شمس اليوم الأول من شهر سبتمير ٠‏ ويينما كنا نغادر منازلنا , 
سمعنا صرخات فى جاني من جوانب المخيم » تصيح قائلة : "القوم” ! 51-6010 . وعلى 
إثر هذه الصرخات اندفع القبليون من بيوتهم . وقد لف كل واحد منهم حزام الطلقات 
حول جسمه » ويمسك فى يده بندقيته الفتيلية الطويلة » أى مسلح برمح أو جرية . واتجه 


(ه) الصوم الكبير : صوم أربعين يوما قبل عيد الفصح عند المسيحيين . ( المترجم ) 


328 


الشيوخ لإحضار خيولهم ٠‏ فى حين تقدم المشاة إلى الأمام ؛ وراح الكل يصيحون . 
ولم يتبق مع الحريم سوى عدد قليل جدا من الرجال المسنين ؛ وشيئا فشيئا “ظنوا أنهم 
يسمعون أصوات الطلقات تصدر من الخلف” . وهذا هى زيد مر علينا » وهى بطىء 
بعض الشىء ؛ ويعدى ولكن ببطئ . كانت قسمات وجهه توحى بالصرامة , وكان 
يستحث فرسه سعيا إلى المناورة والمحاورة التى كان يحاول القيام بها . وكان الرمح 
الطويل يهتز على كدقه » فضلا عن أن سوالف شعره الإسلامية كانت تتهفهف مع الريح 
راجعة إلى الوراء . هذا هى أحد أبناء السبيشان 86اء[566 يبدى كما لى كان شخصية 
عسكرية محاربة . وهؤلاء هم الصبية المتحمسون يقفزون فوق نياقهم ٠‏ ويسوقونها نحو 
الميدان ليقفوا على تطور المعركة : هذا الإقدام من جانب هؤلاء الصبية يقدره الكبار 
حق قدره . وهذا هى محسن ألقى حمله على الأرض ؛ وجرى فى إثرهم ؛ بلا سلاح 
فوق ناقته المجنونة . ولم يمض وقت طويل حتى شاهدنا رئيس كتيبتنا قادم علينا : - 
(وكما قيل) قإن ركوب مائة رجل على إيل بسنامين يعد منظرا مهيبا . عادوا راكبين 
فوق سروجهم المرتفعة أى إن شئت فقل : العالية ملتزمين بالخطوات العميقة لماشيتهم , 
وسطالمعان الحديد. ويتغنون بأغنية الحرب» على شكل نسق طويل يشيه نسق القطعان. 

علمنا بعد ذلك بنبأ الكارثة التى وقعت لأصدقائنا ! فقد عثر الرعاة الأول على 
بعض الإبل الغريبة فى الصحراء ؛ وقد تعرفوا على تلك الإبل من العلامة 3 التى تدل 
على أن تلك الإبل مملوكنة للموءاهيب ومن هنا راحوا يصيحون ؛ ويعد تكرار ذلك 
الصياح نفسه بعد الرعاة» وصلت أصداؤه إلى المنازل .- وعندما تولى ذريح «اهلاء:ةط17 
قيادة الجماعة المسلحة , جاء رعاة تلك الماشية للقاء هذه الجماعة المسلحة وتحية تلك 
الجماعة بالعبارة التى تقول : "قواك >2 الاللاه6 يأ هلا ذريح /ا©::716 ؛ نحن من يدق 
العواجى "وأخذنا” الموماهيب بالأمس فقط ؛ والله » أخذنا كل إبلهم فى كل من سهل 
الحجر , والمنطقة المجاورة لوادى تربة .' - ونظرا لأن بدو الفكارة على الجانبين كانوا 
أصدقاء لبدو العواجى ٠‏ فلم يستطيعوا التدخل بين الطرفين ؛ ولكن لو أن الموءاهيب 
كانوا يتحركون ويخيمون مع بدو الفكارة فى ديرتهم , لما تحداهم البشر وتعدوا عليهم . 
تجمعت من جديد » قى صمت وتأمل الجماعة المتجهة إلى تيماء » كان قوام تلك الجماعة 


309 


حوالى أربعين راكبا » وراح كثير من أفراد هذه الجماعة كل يفكر ويتدبر تهديد أمنه 
وسلامته بصورة مستمرة . وهى يواجه ذلك الحظ العاثر . وخلال ساعة واحدة كان 
أصدقاؤنا المقربين قد خسروا أرزاقهم أى إن شئّت فقل : معاشهم ؛ واتضح حجم 
الهزيمة الكبيرة نظرا لأننا شاهدنا شيوخ هؤلاء الأصدقاء - لا من باب تجنب هذا 
الخطر وإنما لوصولهم متأخرين إلى أرض المعركة - وقد توجهوا للتعبير عن خضوعهم 
المذل للأمير . وهنا تنهد الأعراب أسى وحسرة ويلا اعتراض على ما يجرى ؛ ثم توقفوا 
بعد ذلك عن الشكوى قائلين : "لقد حدث ذلك بقدر من الله (سبحانه وتعالى) !” 

بعد مسير ساعتين ونحن ركوب على ظهور نياقنا وصلنا إلى المسقى طليا للشرب 
وملئ قراب الماء من بر منعزلة من آبار القدماء . وهذه البئر مبطنة بالحجر المبنى ؛ 
وبالقرب من تلك البئر كانت هناك شجرة من أشجار التين البرى . وأثناء سيرنا فى 
ذلك اليوم مررنا بثلاثة آبار صغيرة , التى تكثر ( فى المناطق التى لا تكون المياه 
الجوفية فيها على عمق كبير ) فى كل أنحاء خلاء صحراء الجزيرة العربية القاحلة : 
هذه الآبار تكفى لسقيا مواشى السكان الصغيرة . 

كانت الرحلة ساكنة وخانقة الزيح . ونزلنا عن دوابنا قبل العصر ؛ فى منطقة 
وجدنا فيها ظلا ناشئا عن صخور ضخمة , كما وجدنا فيها أيضا بعض أشجار الطلح , 
فضلا عن مرعى للايل . خلد الرجال إلى الراحة وراحوا يشربون القهوة ؛ وشبت ريات 
البيوت الثيران ورحن فيزن حبرا سريعا : تحت رماد التيران :هذا الفمز كان 
مصنوعا من آخر وجبة لديهم من وجبات الشعير . ويعد ساعة أى ساعتين ٠‏ وعندما 
أفاق الرجال والحيوانات من الحرارة الخانقة » ركبنا راحلاتنا من جديد واستأنفنا 
مسيرنا فى الصحراء ‏ أى إن شئت فقل : فى السهل الصحراوى ٠‏ إلى أن أوشكت 
الشمس على الغروب , وعندها توققت الجماعة فى منطقة سبق لهذه الجماعة أن خيمت 
فيها فى قصل الربيع .'تعجيت قائلا : أيها الرفاق » هذه هى أم سبع ! ةططناوونا” 
ولكن هؤلاء الأعراب أحسوا بخيبة الأمل والإحباط؛ وذلك من باب التخوف من الأعداء ؛ 
عندما سمموا غريبا ينطق باسم المكان ؛ بالرغم من أن ذلك المكان تميزه تلك المسلة 
الطويلة الفريدة المكونة من الحجر الرملى . 


2330 


ومن حول نيران الحراسة راح الناس يتساطون فيما بينهم , حول إذا ما كانوا قد 
جرحوا صيامهم فى ذلك اليوم ؛ الذى حدده بعض شيوخ هؤلاء البدى على أنه اليوم 
الأول من شهر الصوم : ولكن محسن المتحرر , قال : إنه لا ذنب على من أكل "إلى أن 
يرى الهلال الجديد ( وغالبا ما تكون تلك الرؤية فى مساء اليوم الثالث من الشهر ) , 
ويعدها يصوم الناس الشهر اعتبارا من ثبوت تلك الرؤية' . بعض آخر ردوا عليه : 
"الناس فى المدن يعتمدون على الهندى ( المقصود علم الحساب الهندى ) » وهم يقولون 
إن ذلك الحساب دقيق ولا يخطئ: مطلقا ؛ ولكن ما الذى نعرفه نحن البدى !” استطعنا 
فى دجنة الليل . مشاهدة القمر الجديد عند الغروب ؛ وعمره ثلاثة أيام : وراح البدى 
يحيون تلك العلامة السماوية بشىء من الأدعية الدينية . ويخاصة أن تلك العلامة جلبت 
لهم شهر التدين والتقوى. سكان الصحراء يصومون كل شهور حياواتهم, وهم يلتزمون 
بذلك الصيام اليومى ويراعونه بدقة بالغة فى ذلك الشهر الفضيل . ولكن رمضان عند 
البو عبارة عن إرهاق غير عادى يشيع فيه تأوهات هؤلاء البدو وشكاواهم ؛ إذ يصبح 
من الصعب على هؤلاء اليدى الامتناع عن الشرب وعن تدخين التبغ لحين غروب شمس 
الصيف : بل إن المتزوجين يفترقون عن زوجاتهم طوال أسابيع الصوم . والبدى الرحل 
هم والقرويون يقولون إن شهر الصوم الكبير الذى يتعين الحفاظ عليه نظيفا وطاهرا » 
يتحول إلى موسم للشر والخبث » إذ تنساب فيه رذائل الطبيعة البشرية . والذين 
يراعون الصيام والصلاة خلال هذا الشهر , من بين اليدو لا يزيد عددهم على النصف * 
بأى حال من الأحوال ؛ - أما بقية البدى فمن "الجهال" .- بمعنى أنهم لا يعرفون كيف 
يؤدون الصلاة » ومع ذلك قهم يحتفظون فى داخلهم بقليل من التطرف والتشدد » وهذا 
نوع من الحقد الوطنى أو إن شئت فقل: شكل من أشكال الوطنية السامية 5601116 . - 
وبالنسية للرعاة الذين تشويهم طول النهار حرارة الصحراء » يصعب بل ويستحيل 
عليهم أن لا يشريوا الماء إلا بعد أن ينطفئ فرن الشمس عند غرويها . المسافرون عليهم 
القضاء ؛ القرآن يرخص لهم أن يقضوا الأيام التى عليهم عندما يعودون إلى ديارهم . 

بدأنا مسيرنا فى ساعة مبكرة من صباح الغد » وكان ينتظرنا طريق طويل خانق 
ساكن الهواء » يتعين على البدو قطعه أى إن شئت فقل تجاوزه اليوم وهم عطشانين ؛ 
وعندما بدأت حرارة الصباح تزداد من فوقنا ١‏ كنا قد قطعنا مسافة كبيرة فى اتجاه 


5331 


قرية تيماء - هذه هى العلامة الأرضية المتمثلة فى جبل غنيم!*) «/ا687©6 بدأت تظهر 
لنا - وها نحن نصل إلى تلك التربة العارية الجرداء التى تقع قبل بلدة تيماء ؛ هذه 
التربة عبارة عن أرضية من الصخر الرملى أرجوانى اللون ؛ المشوب بأحجار الحديد 
ويالحصى أيضط » الذى لا تنمو فيه الحشائش بل ويندر أن نرى فيه أى دغل من أدغال 
الصحراء . مع بدايات فترة العصر بدأنا نشاهد أعراف نخيل الواحة , ثم اقترينا بعد 
ذلك من مسور البلدة الدائرى . هذه هى البساتين الخارجية بدأت تطالعنا ونحن نقترب 
منها , - هذه البساتين تشبه فى نظرنا جنة عدن بعد منظر الصحراء الذى تعودت 
عليه عيوننا ؛ وها نحن نرى النخيل المحمّل بالثماز . من تحت الأعراف الجميلة ؛ هذه 
تمور ذهبية اللون ؛ وتلك تمور أرجوانية اللون . لقد مرت ححافل الجراد هذا العام على 
القرى كلها . ولم يتجى من أشجار تلك القرى سوى ما يزيد قليلا على النصف ويخاصة 
فى قرية تيماء . تفرقت الجماعة وراح كل عضى من أعضائها ينصب خيمته فوق أرض 
صديقة . أما أنا فقد رافقت محسن , حيث بركنا إبلنا فوق بعض بقايا الجدران 
الطينية المهدمة فى أرض واسعة : وراح الرجال ينادون فى عجالة على ريات البيوت 
ويطلبون منهن نصب الخيام ؛ نظرا لأن البدى العطشانين يودون اتقاء حرارة تلك 
الشمس الحارقة . 

خرج علينا من البوابات التالية بعض العمال الذين كانوا يحملون فؤوسا فى 
أيديهم ؛ طلبت من أولئك العمال علوجا من التمر الجديد ( من باب إحسانهم السامى 
لم586 إلى الأغراب ) » وكويا من الماء . '( قال القرويون وهم يتعجيون ) أخ ! ما 
لهذا الرجل الذى معكم ؛ أيها الفكارة , الذى يأكل ويشرب فى رمضان » ومازالت 
الشمس طالعة ! - يا للعار ! ألا تعرف الله , يا أنت ؟ ثم انهالت على بعد ذلك 
التعليقات والتوييخ من كل جانب . قال أحدهم : "أليس هذا هو خليل الكاقر , ذلك 
الرجل:الذى كان هنا من قبل ؟ نعم » إنه هى * - "خسئت يا أنت » يا من تمنع عنى 


(*) جبل غنيم : من الجيال المقدسة عند التيامنة الذين كانوا خاضعين للمملكة النيطية . وقد وجدت فى قمة 
ذلك الجبل العديد من المخربشات المكرسة إلى الإله الأكير «صلم» تدعوه إلى أن يحقق التصر على الأعداء. 
(المراجع) 


232 


الطعام وأنا عاير سبيل . مسافر 015386 - (قال صوت امرأة ٠‏ تصادف أن كانت 
تمر بالقرب منا وسمعت ما يدور بيننا ) " ها ! هذا الغريب يقول الحق ٠‏ إنكم أنتم , 
يا رجال تيماء . الذين لا تخشون الله ٠‏ ثم مضت مسرعة فى طريقها بعد ذلك . وفى 
وقت آخر » وبينما كنت أسير معهم . جاننى تلك التى كانت تبدى امرأة مسكينة من 
البدالمة 860138 , وهى تجرى ؛ وراحت تشدنى من عباعتى دون أن تقول كلمة واحدة » 
وفتحت حجابها ؛ وينظرة تدمى القلوب مدت إلى هذه المرأة يديها الضعيفتين . وهما 
مملوتان بالتمر والرمان ؛ وراحت تومئ لى برأسها إشارة منها لى بقبول هذا التمر 
والرمان ؛ كانت تلك المرأة تعيش فى المكان الذى قصدناه للسقيا وطلب الماء .- هذه 
المرأة المسكينة جاعتنى فى المساء . كما لى كانت شبه مشدوهة وتكاد تتراجع مما تراه. 
"قالت : أيها الغريب » تبًّا لى ! لماذا لم تأكل كل الثمار التى قدمتها لك ؟ لقد جريت 
وجلبت لك تلك الثمار عندما سمعتك تتحدث عن الطعام . اعلخ أنى امرأة مسكينة 
مصابة فى عقلى .- يا الله ؛ من أعطى هو الذى أخذ ؛ لقد خسرت أطفالى ؛ الواحد 
بعد الآخر » أربعة أبناء ؛ وقد رجوت الله أن يترك لى الطفل الأخير ٠‏ ولكن توفاه الله 
أيضا - واعذاباه ! - كان ذلك الطفل الأخير قد دخل فى طور الرجولة . وأنا فى بعض 
الأحيان يعتصرنى الحزن ويضنيتى ويسيطر على , الأمر الذى يجعلنى أهيم مثل 
المجنونة ؛ ولكن قل لى ٠‏ أيها الغريب ؛ أليست عندك نصيحة لى فى هذا الأمر ؟ وفيما 
يتعلق بى فأنا أفعل ذلك الذى تراه ؛ - أحاول تلبية احتياجات الآخرين - متطلعة إلى 
رحمة ربى لى فى النهاية ." 

- هؤلاء هم رجال تيماء ضغطوا على جماعة الآيار . ضغطا بارعا وجعلوهم 
يجلبون الماء للضيوف . كان المكان المخصص لضيفنا عبارة عن بيت ريفى كبير ٠‏ يقع 
على بعد مسافه قصيرة من جدران البستان الرئيسى فى قرية تيماء . ووسط ذلك 
البستان , كان هناك مبنى عل شكل منزل ؛ أو إن شئت فقل : قصر 1886 » - كانت 
هناك مجموعة من الغرف المبنية من الصلصال داكن اللون . تحيط بأرض فضاء طويلة 
على شكل مربع » وكانت تلك الغرف مظللة لحمايتها من أشعة الشمس . بواسطة سقف 
سائب محمل على أعمدة من حريد النخيل . كان بستان المضيف واحدا من بساتين 
النخيل ذات الأسوار الجيدة ؛ لم يكن ذلك البستان مقصورا على النخيل فقط وإنما 


533 


كان صاحبه يزرع فيه القمح أيضا . كما كان ذلك البستان يسقى ليلا ونهارا من بثر 
مركب عليها جهازين لجلب الماء : ومع كل ذلك لم تكن هذه الممتلكات تكفى تمامًا 
أى تفى تماما ؛ بالاحتياجات المعيشية البسيطة لأسرة عربية من عام إلى عام . كان ذلك 
المضيف يبيع ما يزيد عليه من ثمار أشجاره غير المضمونة , للبدى نظير ثُمن معقول ؛ 
فقد كان محتما على ذلك المضيف دقع أجور العمالة الموسمية التى كان يستخدمها , 
ودقع أجور الإبل التى كان يستخدمها قى جلب الماء من البئر . ودفع ثمن الأدوات » 
. علاوة على دفع ثمن حبل البئر المصنوع من الجلد ؛ وفى ضوء ما يقوله هؤلاء الملاك 
الصغار . عن مصروفاتهم ووعن مديونياتهم » يستطيع المرء أن يعرف أن أولئك الملاك 
يرفعون رعوسهم بصعوية بالغة فى هذه الدنيا . 

هؤلاء العرب الذين يعانون معاناة شديدة من العطش فى الأيام الأولى من شهر 
رمضان » يستلقون على صدورهم يتنهدون ألما طوال ساعات النهار التى تمر بطيئة 
عليهم ؛ ويروحون يركزون أبصارهم وأفكارهم على ضوء النهار إلى أن تغرب 'عين 
الشمس" مبتعدة عنهم . ويعد انقضاء خمسة أو ستة أيام من أيام شهر رمضان , 
يكون هؤلاء العرب قد اعتادوا على الابتعاد عن حرارة وضوء النهار ويحاولون استغلال 
الليل إلى أبعد الحدود . وإذا ما صادق شهر الصوم موسم حصاد القمح , أو حصاد 
محصول التمر , فإن العاملين فى جمع هذه المحاصيل يتعين عليهم تحمل العطش 
البالغ من أجل الدين : والمعروف أن القرويين » فى شهر رمضان ٠‏ يتنازلون عن كل 
العمل الجاد . باستثناء مساألة إدارة بر الماء التى يجب أن لا تتوقف مطلقا . كان 
القسم الأكبر من أنواع التمور التى ينتجها أولئك القرويون قد نضجت وطابت مع 
انتصاف شهر الصوم؛ ومع ذلك ترك أولئك القرويون تلك التمور معلقة على أشجارها.- 
صاحب المزرعة , الذى كررت له رجائى بمباشرة عملية الحصاد؛ تأخر عن القيام بذلك: 
كما لى كان ذلك التأخير غير نابع منه .'( همس لى أحدهم) هذا فيه ألم للرجال ؛ الذين 
يهدهم العطش والجوع ؛ عندما يرون شخصا آخرا يأكل الحلوى ويشرب الماء ؛" - 
صاحب المزرعة تلكأ أيضا كى يسخر بعض الشىء (وهذه رغبة يحبها العرب) من ذلك 
الغريب من منظور أعرافهم الدينية العالية . ثم خرج صاحب المزرعة بعد ذلك » وأحضر 
لى عسلوجين من عساليج التمر الممتاز » من ساق واحدة من النخيل , كانت تلتف حوله 


334 


عيدان شجرة التوت » التى كانت بدروها تحمل ثمارا أرجوانية اللون لم تنضج بعد ؛ 
هذا التمر الملىء بالعصارة حلوة المذاق يطلق البدو عليه اسم “البلح" 18 طوال فترة 
النضج ؛ والعرب يعدون البلح صحيحا ومنعشا تماما . يضاف إلى ذلك أن الأنوا ع 
الشائعة من التمور تكون من الناحية الغذائية ‏ أفضل عندما تكون بلحا ؛ - البلح 
عندما يلين عندما يكتمل نضجه على أشجاره ؛ وينتفخ حجمه بفعل أشعة الشمس 
وينساب منه نوع من عسل التمر . ش 

عدنا إلى أصدقائتا قى الكوخ عند حلول المساء . وهى الفترة التى يُسرّى العرب 
فيها عن أنفسهم ويشغلون خلالها غلايينهم التى يتمتعون يها #وذاين باب العزاء. 
لأنفسهم . هذه هى النار قد شبت من جديد فى الوجار الذى كان باردا من قبل ؛ وهذه 
هى فناجيل القهوة قد جهزت من جديد؛ ومشروب القهوة لا يراه الناس أو يعرفونه هناء 
فى معظم الأحيان , فى هذا المكان الفقير . تلى ذلك وصول بعض الأشخاص قادمين 
من البلدة » وكان كلام هؤلاء الناس معنا , نحن القادمون الجدد عن الحدّاج (يثر الماء) 
المهدم , “قالوا لنا , إن التيامنة مقتنعون أن البثر انهارت بعدما "كتبت عنها" » وأنهم 
إذا ما رأونى مرة ثاتية فى بلدهم ٠‏ فوالله . سوف يقتلنى أهل اليلد الذين أصايهم 
الغضب .* ولأنهم سبق أن شربوا معى شرية الصحبة والصداقة » فقد نصحونى بعدم 
المغامرة والدخول إلى تيماء مرة ثانية ؛- سوف أترك الأمر لأصدقائى البدى , لأتهم هم 
الذين يتعين عليهم المحافظة على حياتى . رد محسن (وقد كان رجلا حاسما) على ذلك 
بقوله » "مع طلوع نهار الغد. يتعين على خليل ٠‏ أن يركب ناقته ويعود ثانية إلى زيد." - 
"قلت لهم : انتبهوا ! » إذا كنت أنا مذتبا فى مسالة انهيار الحداج ( بثر الماء ) » فأتا 
لم أجىء إلى هذا المكان بمحض إرادتى . وهل يمكن لأجسامنا أن يطول تحملها إلى 
أبد الآيدين ؟ المبانى القديمة تسقط ٠‏ وكذلك أيضا فإن هذه البئر القديمة لابد أن تتحلل 
فى وقت من الأوقات . - '"ولكننا سمعنا ٠‏ أنك رفضت إعادة بناء البئر يعد سقوطها!" 
- تركناهم على هذا الوضع فى تلك الليلة . 

كانت اللحظات الأولى من شروق شمس الغد , من تلك اللحظات البشعة الثقيلة 
التى كانت تمر على ٠‏ فى معظم الأحيان » فى الجزيرة العربية ٠‏ وذلك عندما علمت من 
أصدقاء العيش واالملح » أن حياتى أصبحت مهددة ؛ وراحوا يحثونى ويقنعونى بالهرب 


335 


ومغادرة المكان على وجه السرعة . جاء إلى بعض الحريم عندما استيقظت ؛ - كان 
محسن قد غادر المكان فى فترة البِرَاد » أى قبل طلوع الفجر , قاصدا تيماء لدبيع فيها 
رداء جديدا لونه مثل لون الزعفران ؛ وكانت بقية الرجال قد ذهبوا معه - هذه هى 
شقيقة زيد » مضيفتى » هى والنساء الأخريات رحن يحثونى على الرحيل ومغادرة 
المكان على وجه السرعة . "مخافة أن يقتلنى أحد أمام عيونهن' . - هذه الزوجات 
البدويات كن قد ذهين أثناء الليل لزيارة صديقاتهن فى المستوطنة , وأثناء حديقهن 
ذكرن أن النصرانى قد وصل بصحية الجماعة . 'صاحت ريات البيوت التيمانيات » 
النصرانى ! , - أليس هذا . على حد قولهم » واحد من أبناء الشيطان ؟ عجبا » جاء 
ليقيم بينتا ! وأنتن » إن كنتن تخشين على حياة خليل » فلا تسمحن له أو تتركنه يدخل 
تيماء , - لأنه بمشيئة الله » إن دخلها اليوم » قسوف يقتل فى الغد : لقد أقسم يعض 
رجالنا على قتل خليل .' - ولماذا تظنون السوء بذلك الرجل ؟ وهو يعيش بين اليدى منذ 
مدة طويلة » وفيما عدا أن اسمه النصرانى ٠‏ فليس هناك أى غبار عليه .“- “مع ذلك . 
يجب أن تعلمن أنه شخص شرير ؛ كما أنه من أعداء الله ؛ وهم يزيدون على ذلك » أنه 
ساحر ودجال . ألم تسمعن عن انهيار الحداج ( بثر الماء ) ؟ والرجال يقولون : إنها 
عينه الحسودة .- ألم تكتشفن أنه آثم ؟ ولكن أحدا لا يستطيع أن يقطع يماهية ذلك 
الخليل ‏ ولا حتى بالمكان الذى قدم منه إلى أرض الأعراب . من الذى سبق له أن علم 
بمجىء أى تصرانى إلى هذا المكان ؟ وأهلنا هنا يرون أنه لا ينبغى أن يبقى على قيد 
الحياة ؛ وقتله سيصبح ميزة ومنفعة .* 

"قالت زوجة محسن ؛ يا خليل التيامنة مصممون على قتلك بسبب ما حدث فى 
الحداج ( يثر الماء ) , وهم إذا ما جاءوا فنحن قلة ولا يمكن لنا أن نقاومهم . التيامنة 
ليسوا هم البدى ؛ الذين لديهم قكرة طيبة عنك . فضلا عن احترامهم وتقديرهم للدولة 
( الإمبراطورية العثمانية ) » ولكن أهل تيماء أصحاب الرموس اليابسة » وأصحاب 
أذرع طويلة أيضا » إلى حد أننا ونحن نقيم هنا » نشعر بالخوف منهم: التيامنة خونة » 
ملعونين 0815ا11813 ! " - قال محسن الذى وصل فى التى واللحظة : "إخص ! سياتى 
البعض منهم إلى هذاء أثناء بقاء خليل فى هذا المكان؛ أربك الله التيامنة! أركب ناقتك : 
يا خليل » وحل بينهم وبين ما يريدون !” - أردفت النساء قائلات : "إذا ما فعلت ذلك 


3236 


على وجه السرعة . فلن يستطيعوا قتلك .” صاح الأطفال قائلين : "أركب ناقتك وعجل 
بالابتعاد عنهم يا عم خليل .. هذا فى صالح صاحب الشعر الأشيب , وحامل يندقية 
والد ريد » وحارس زيد الخاص ؛ كان يستحثنى على الركوب والهروب إلى البدو , 
'(قال) أعرابنا مازالوا فى المكان الذى تركناهم فيه . كما أن ولدى ومعه شخص آخر 
على وشك أن يعودا بناقتيهما مع الإيل ؛ هيا » أركب ناقتك وأنقذ نفسك مع هذين 
الشابين ؛ وأبق مع زيد » وبين أصدقائك , إلى أن يحين موعد مجىء قافلة الحج .* - 
'"وإذا كان كل ما نقوله غير كاف لتحريكك وحثك على التصرف يسرعة ٠‏ قالها الرجل 
العجوز هو ومحسن . فذلك يعنى أنك فقدت فهمك وتقديرك للأمور ! - وأنتم أيها 
الرفاق , هذا الرجل الذى كنا نعده حصيقا وعاقلا ( من خلال كتبه الحكيمة ) ٠‏ يتشابه 
تماما مع أى رجل من الرجال الذين يتلبسهم الجن : انهض حالاً ! حتى لا يهدرون 
دمك أمام أعيننا . وهم إذا ما جاءوا إلى هنا ٠‏ لن يكون أمامنا سوى استعطاقهم , 
ولكئنا لن نستطيع منعهم من ذلك الذى يريدون فعله .- والله . إن أهل هذا البلد 
ملاعين . - نحن لا تعلم شيئا عن ذلك الذى ريما يكون قد ارتآه ( فى كتبه ) ؛ ومع 
ذلك ؛ لا تبقى هنا يا خليل ؛ انهض فورا ٠‏ واهرب من هؤلاء الناس مع الشابين ! آه » 
من هذا التأخير ! إنه لا يلقى بالا لكلامنا جميعا , وإذا ما بقى هنا . فقد لا يكون 
أمامه من الحياة سوى لحيظات قصيرة :- وها هو خليل . ما يزال لم يتحرك أو يقعل 
شيئًا ‏ صوت آخر ؛ “قد يكون الله قد كتب عليه الموت هنا ؛ حسن , اتركوه وشأته .* 
ورحت ألوم أولئك الرجال الذين وثقوا بكلام الحريم السخيف .- 'وماذا سيحدث إذا ما 
جاء التيامنة : ألا أستطيع أن أجعلهم يتراجعون عن طريق العقل والمنطق ؟" - 'هؤلاء 
الذين سيأتون حالا إلى هنا سيكونون غاضبين ولن يستمعوا إلى كلام أى أحد .” - 
هناك حكة جلدية بين الألم واللذة » وهذه الحكة تتمثل فى تلك القسوة البالفة التى 
يستشعرها الأطفال : عندما يرون شخصا آدميا مثلهم يعانى او يقاسى من كرب مميت 
» دون أن يؤثر ذلك على شغاف قلويهم ؛ وها أنا عندما أتطلع فى هؤلاء الأطفال من 
حولى ؛ أراهم وهم يطيلون النظر إلى عينيى ٠‏ والبعض منهم يقغرون شفاههم عجبا 
وحسرة , كما أرى أيضا احمرارًا غير إنسانى بدأ يظهر على وجوه هؤلاء النساء ذوات 
الوجوه الذابلة الشاحبة . "أخ ! ماذا يحدت لى قدر الله لهذا الرجل أن يقتل !- ها نحن 


337 


نرى أنه لا يفهم ما نقول ولا يستمع إليه » ولا أظن أنه يتغابى عن فهم ما نقول ! ها 
نحن نكرر ما قلناه مرة ثانية ؛ أركب ناقتك ٠‏ يا خليل ! فليس أمامك فسحة كبيرة من 
الوقت . والله » نحن لا نود لك أن يهدروا دمك بجوار بيوتنا ٠‏ وعلى أيدى أهالى تيماء 
المتهورين ؛ ونحن لا يمكن لنا أن نسلمك لهم .' - 'أيها الأصدقاء ؛ عندما كنت فى 
تيماء فى المرة الأولى وجدت أهلها طيبين وعلى ما يرام” . - "عندئذ » أنت كنت بصحبة 
شيخ كبير » هو زيد » أما هنا فليس معك من يحميك ويأويك ! - ولكن طالما حاولنا ولم 
نفلح فى إقناعك , نتمنى أن لا يصل الأمر إلى ما نخافه ونخشاه ! - لقد فات الأوان . 

عندئذ وصل شابان من أهل تيماء , وتكلما معنا كلاما حلوًا . كان أولهما يدعى 
حسن بن سلامى .531319 » حسبما قال لى البدى ؛ وهى من الشمال : ويمارس حاليًا 
مهنة الجزارة فى تيماء. - وحسن هذا هو الذى جلب هذه المهنة الجديدة إلى تلك البلدة 
التى تشبه بلاد البدى . كان ذلك الشمرى/*) يتباهى بأنه شاب متمرس فى الأسفار . 
فقد سيق له أن زار الشام وزار العراق وهو حاليا يبحث عن مزايا العقل الحر. ولما كان 
حسن هذا واحدًا من أشد العقول تحركاء فقد كان أول من خرج على أثر سماع شائعة 
وصول شخص غريب إلى تيماء . واقتاد معه ذلك الشيخ ؛ الذى يسكن معه فى نفس 
السوق ( الشارع ) ليكون يصحبته . سيقوم حسن بنفسه بتحديد ما إذا كان ذلك 
النصرانى ينتسب إلى شعب من الشعوب أو قبيلة من القبائل التى سبق أن زارها ٠‏ 
أى ريما يكون قد مر ببلاد هذا الشعب أو تلك القبيلة أثناء اشتراكه فى رحلات القوافل: 
يضاف إلى ذلك أنه دار يخلده؛ أن ذلك النصرانى ريما يكون فى يده شطارة 5831862 
أى تفوق » فيما يتعلق ببناء الحداج (بثر الماء) » وبالتالى يمكن أن يحصل ٠‏ نظير ذلك , 
على الشكر والثناء من شيوخ القرية . هؤلاء التيامنة كانوا قد بنوا جدار البئر ثلاث 
مرات مندذ حلول فصل الرييع ٠‏ بنوا جدار اليئر ثلاث مرات ؛ وها هو ينهار من جديد . 
وهذا هى أفضل المهندسين القرويين ٠‏ الذى بنى منازل تيماء الوسيعة العالية من 
الصلصال والصخور , كان هو المشرف على بناء جدار البثر فى المحاولتين الثانية 


(*) الشمرى : من قبيلة شمر . (المراجع) 


336 


والثالثة » بل إنه تقاضى مكافأة كبيرة على ذلك ؛ - تقاضى خمسين ريالا . وكالعادة 
ارتفع الجدار » وقام ملاك الأراضى يتركيب عدد الرى » ويدأت فرق الرى عملها على 
التربة التى لم تجف , حتى لا يستفرق الرى زمنا طويلا ؛ وهنا هوت وانفصلت التربة 
الضعيفة . وإنهار كل ما بنوه مرة ثانية . لم يعرف التيامنة ذلك الذى يمكن أن يفعلوه 
بعد ذلك . وعندما دخل عليهم رمضان » تركوا الأمر على ما هو عليه : يضاف إلى ذلك 
أن العمال ( حفاظا منهم على وقتهم ) طالبوا بأجور أكبر , - إضافة إلى أن هؤلاء 
العمال لا يعملون فى شهر الصوم إلا مدة نصف اليوم فقط . 

كان آخر انهيار للبئر قد مضى عليه أسبوعان . “قال البدوى ؛ إننى إذا كنت 
صاحب شطارة 5031883 فى البناء » فإن الشيوخ سوف يغدقون على ٠‏ ويعطوتى ذلك 
الذى سوف أطليه .“أكد حسن من جانيه هذا الكلام » نظرا لأنه واحد من الراعيات* 
أقلزاة؛ , أو إن شئت فقل : أحد الملاك الرئيسيين للبثر , أو بالأحرى فى الجزء 
المخصص له من البئر » ألا وهى الجزء الذى انهار بالفعل . قلت . "سوف أذهب لمعاينة 
البئر , إذا كانا يريان أن البلدة آمنة ."- '( قال حسن ) لا تخشى شيئا » وأنا ضامن 
0 لك أمام هؤلاء الموجودين هنا ؛ وأنت إذا لم تكن صائما فتعال إلى بيتى » 
وسوف أعد لك إفطارا ؛ ثم نذهب بعد أن نتناول الإفطار لمعاينة البئر ؛ ولكن فيما يتعلق 
بسقوط الجدار » فهذا من الله » وليس بيد الإنسان .".كان مغشيا على من الجوع , 
وكان سلاحى مريوطا فى ردائى: وعندما سمعت أنهم سوف يأخذوننى لتناول الإفطار » 
نهضت لمرافقتهم . قال البدى : 'يجب أن تثق فيما نقول ؛' ومع ذلك جذبتنى زوجة 
محسن من كم جلبابى لتهمس لى قائلة , "يا خليل ؛ نحن نعرفه - إنه شيخ كبير » ومع 
ذلك قد يكون هنا من أجل اقتيادك إلى الدمار : احترس منهما , "إفتح 1480 "عيونك 
300-31 " بمعنى "افتح عينيك" لأن التيامنة كلهم خونة ." 

بينما كنا نقترب من نهاية قرية تيماء ناديته قائلا : "يا حسن ! هل أنت قادر على 
الدفاع عنى إذا ما قدر لنا أن نلتقى أحدا من الأشخاص الأشرار ؟” وهنا رد على 
حسن بابتسامة ماكرة » ومن باب الخروج من مغامرة للدخول فى مغامرة أخرى , 
وياستخدام العبارة السامية 58101116 التى تميز كلامهم ‏ رد قائلا : "ليس هفاك 
ما يمكن أن تخشاه أى تخافه , وأنا أضع كل هؤلاء الناس فى بطنى ." وعن طريق 


339 


حارات البلدة وصلنا إلى عتبة دار حسن الكبيرة . جلسنا فوق سجادة تركية زاهية 
الألوان , فى القناء الذى يقع أمام قهوته . وتحت تكعيبة كبيرة من تكعيبات العنب , 
التى كانت أذرعها الممتدة تشبه غابة أمام اخضرار أشعة الشمس : ودخل علينا جار 
واحد أواأئنان . وصبوا على يدى ماء من الإبريق 8616 » ووضع المضيف أمامى 
صينية من التمر الذى يطلقون عليه اسم 'الحل - هذا النوع من التمر يسيل منه 
سائل حلى يشبه العسل - أحضروه لى وهو ساخن يفعل أشعة الشمس ومعه بعض من 
الرمان .- تعجبوا عندما رأونى أكل دونما اعتبار للصيام العام . ولكتى استرضيتهم 
عندما قلت : "أما 1558 أنا 308 مسافر 51005306 " يمعنى "أنا على سفر . أبتسموا 
عندما أخبرتهم بأن البدى لا يتقون بهم » فيما يتعلق بى » وقلت لهم أيضا : "الحال هنا 
يشبه البدى ! ولكن , يا خليل ؛ ليس لديك هنا ما يمكن أن يخيفك , بالرغم من وجود 
بعض العقول بيننا مثلما هم بِينَ البدى ؛ ولكن أصحاب مثل هذه العقول يخشون 
الشيوخ , وهم عندما يرونى معك ؛ "خلاص' ! 52135 بمعنى "انتهاء الخطر وزواله ٠.‏ 
اتجهنا صوب البئر الكبيرة » حيث سمعت عندها أصوات كثير من الشيان والبدو 
العاطلين - "انظروا , ها هى قادم , انظروا إنه الكافر ! هل سيقتله الشيوخ ؟ أليس 
هذا الكافر هى الذى تسبب فى انهيار الحداج ( البثر ) ؟ أم أنهم سوف يكلفونه ببنائه 
من جديد ؛ ويكافئونه على ذلك وهم يقولون » إن البئر عندئذ سيكون أفضل مما كان 
عليه من قبل .' رجانى حسن ألا أعير كلام هؤلاء الأوغاد أى قدر من الاهتمام ؛ وعندما 
مررنا حول البئر » تركنى حسن هناك ؛ وقال لى إن أحد! لن يجرؤ على إصابتى بأى 
أذى . هذا الرجل الذى يشبه الفراشة الشجاعة » والذى يضع على رأسه غترة زاهية 
الألوان قيمتها ريال واحد ؛ لن يرى بعد ذلك بصحبة الكافر :- لم يكن ذلك من قبيل 
الأمانة : ذلك أن الأمر عندما يتعلق بالدين . فإن الشجاعة الفردية تختفى من تلك 
الشهامة المظهرية » إذ يصعب على فرد واحد الوقوف فى وجه الجماعة . من هنا 
اقتربت من بعض كبار السن الذين كانوا جالسين يتفاهمون تحت إطار واحدة من 
السوانى (السواقى) : وعندما ألقيت عليهم السلام » حيونى هم بدورهم بتحية معقولة ؛ 
وسالتهم إن كان هناك خطر فى تنقلى خلال البلدة؟ “لا تشك فى أى شىء ؛ وقالوا لى » 
ادخل واخرج » حسبما يحلى .اك فى كل دروب وطرق تيماء , ولا تلقى بالا لكلام أولئك 


200 


الشبان الأغبياء * - لقذ:ذهن الشمرئ ٠‏ يكمل رسالة 'للأمير" ؛ ولذلك استدعى كبيز 
الشيوخ فى تيماء ( فى عهد بن الرشيد ) وهى الشيخ خلف 36ا53»ا العمر رماع - 
هذا الشيخ أمير ( عند العرب ) . وهى بيده الأمر 808 : من هنذأ يصبح معنى "أمير 
*01 القافلة 5ا1اة»-اء * “حاكم قافلة مدينة عربية” ؛ وإلعرب يقولون شيئًا مماثلا فى 
السلاح أيضا : "أمير 6018 العشرة" ويقولون أيضا "أمير 8816© مائة" . وقف البدوى 
على استعدادى للقيام بالمطلوب ٠‏ ولذلك قدم لهم الحجة التالية ‏ "بئرهم القديمة كانت 
من عمل الكفار القدامى . وخليل كافر ؛ ومن ثم يصبح خليل هى الأفضل فى عملية 
إعادة بناء الحداج ( البئر ) .* ش 


سألت من يدلنى على الطريق المؤدى إلى دار عقيل الإ()ز8 , الذى كان واحذا 
من أولئك التجار التيامنة الذين كانوا يحلون ضيوفا على القلعة ( قبل موسم الحج ) فى 
مدائن صالح . كان ذلك الرجل قد عرض على بشىء من الود ؛ أن أقيم فى منزله إذا 
ما تصادف أن ذهبت إلى تيماء . وهكذا شدنى كلام ذلك الرجل الطيب : كما أقنعتنى 
تلقائيته بصدق ما يقول . ومع ذلك رجانى البدى أن لا أثق بعجيل , 'إنه آدمى أسود 
القلب يمكن أن يقتلتى فى منزله من أجل ذلك الذهب " أى معدن التقود , الذى يتصور 
أفل الجزيرة العريية أنه بحوزة كل غريب من الغرياء . كان زيد قد قال لى من قيل : 
'قتل عجيل أخيه . فى نزا ع على قطعة من النقود !" وأردف ذريح طعلم76 قائلا : 
"احترس من هذا الرجل ؛ لأن عجيل جلف بحق ." - هنا قال زيد كلاما طيبا : 'أنت 
إنسان ساذج تماما ,يا خليل , إذا لم تستطع بالفعل تمييز كل ذلك والوقوف عليه , 
حب النقود هذا يستحوذ على الأعراب قبل كل الأشياء الأخرى : وأنت إذا ما أخذت 
ذلك بعين اعتبارك ‏ فلن يخدعك أحد أيدًا ؛ صدقنى ٠‏ إن أى إنسان عندما يريط نفسه 
بنصرانى » فذلك يكون على أمل الحصول على شىء من المنفعة . زد على ذلك ؛ أن من 
الصعب عليك قطع المسافة من هنا إلى جبل غنيم #الإ68:856 ؛ ومع ذلك لابد لك من 
فعل ذلك , - وأنا أقولها لك ,يا خليل ؛ إن بوسعك أن تنتقل فى ديرة الأعراب عن 
طريق الطّدمة 706:8 فقط ؛" - أى عن طريق إلقاء بعض اللقيمات التى تقلل من جشع 


341 


ذهبت عندئذ لأتبين بنفسى ؛ بعد الوعود التى سبق أن أعطاها عجيل ؛ إن كان 
بوسعى أن أسكن أو أقيم فى غرفة من غرف منزل عجيل : "أجابنى عجيل ؛ كل 
الأماكن مشغولة . ولكنه سوف يتحدث مع والده فى هذا الموضوع .- اقتادنى شاب 
من أهل البلد لزيارة أمه المريضة . وفى دار أخرى » من الدور الكييرة ٠‏ وجدت هذه 
المرأة مستلقية على الأرض وتعانى منذ مدة من مرض من أمراض الحويصلات ؛ الذى 
لا شفاء منه سوى بالموت . وعدنى ظاهر رب هذا البيت بمبلغ كبير إذا ما شفيت هذه 
الزوجة العجوز ؛ وسوف يسمح للحكيم بالإقامة فى منزله ؛ ولكن وجه ذلك الرجل كان 
يوحى بالكابة والقلظة , كما أن عينيه كانتا توحيان بالعنف » مما جعلنى أفكر مليا فى 
مقصده المتشدد ( كما ل كان يريد أن يدخلنى فى الإسلام عنوة ويالقوة ) » إلى حد 
أننى استطعت ؛ عن طريق الاعتذار اللطيف المهذب ؛ أن أخرج من المنزل مرة ثانية 
وأغادر المنطقة المجاورة له عن آخرها .- اقتادنى شخص آخر الكشف على امرأة 
أخرى كانت تعانى من مرض الاستسقاء فى منزل قريب من الحداج ( البئر ) ؛ كانت 
المرأة ترقد ( متورمة على نحى جعل أولئك الذين كانوا بصحبتى عندما دخلت إليها » 
يسخرون من ذلك التورم ) تحت نخلة » صنعت منها صديقاتها مظله لتلك المرأة . 
ووعدت هذه المرأة بدفع أجر الحكيم إذا ما جاء شفاؤها على يديه . وأنا عندما كنت 
أزور المرضى كنت أهدف من وراء ذلك إلى تخفيف ذلك الطبع الوثنى عن طريق 
الإحسان المسيحى ؛ ولكنى توصلت إلى أن كل ما يمكن أن أفعله » سيكون بلا طائل , 
وأنه قد يكون خطر على أن أبدد جزءا من كمية الأدوية الصغيرة التى فى حوزتى ؛ - 
علما بأن هذه الأدوية هى بمشابة جواز سفرى أو إن شئت فقل : مرورى الوحيد فى 
حالة فشلى فى هذا البلد المعادى . ش 

هذه أم شابة, ما تزال فتاة رشيقة » أحضرت إلى طفلها وطلبت منى أن أتفل على 
عينى ذلك الطفل الملتهبتين ؛ هذه العادة » أى إن شئت فقل : الرأى السامى 560106 
الذى هو من صميم العادات والتقاليد » وقفت عليه بعد ذلك فى الأماكن كلها التى زرتها 
فى الجزيرة العربية.- هؤلاء هم بدى المطير فى القصيم؛ أحضروا لي بعضا من خبزهم؛ 
وشيئًا من ملحهم . كيما أتفل عليه من أجل أن يعالجوا به أصدقائهم المرضى . - 
وسرعان ما حذت نديمات هذه المرأة الشابة » حذوها ورحن يطلين منى الشىء نفسه ٠‏ 


222 


وعندما أنبتهن على تلك الخرافات أجبن بأن “هذا هى العرف السائد هنا متذ أزمان 
سحيقة .' - يضاف إلى ذلك أيضا أن أهل الجزيرة العربية يتفلون على كالون الباب 
الذى لا ينفتح بسهولة . 

استأذن عجيل منى قائلا : "إن امرأة بدوية من معارفهم قد حلت عليهم ضيفة منذ 
الأمس , وأن تلك البدوية شغلت الغرفة الوحيدة الشاغرة عندهم . وأن مسالة طرد 
الضيف يمكن أن تصيبه بالأذى : ومع ذلك » فإنه سوف يساعدنى ويقدم لى يد العون , 
حتى ” يخدعنى أحد فى البلد » إذا ما ذهبت لشراء أى شىء من الأشياء .' ومع ذلك : 
وعندما كنت أشترى منه قمحا فى يوم من الأيام ٠‏ فإن عدد الصاعات التى أعطانى 
عجيل إياها لم تكن مملوءة تماما . 

خطر ببالى أن أقيم فى منزل خلف 158136: وأن ذلك سيكون من الأفضل 
والأحسن . وكان خلق قد تكلم عن موضوع قيامى بإعادة بناء الحداج ( البئر ) ؛ وكان 
بوسعى حل هذه المشكلة البسيطة , إذا ما أحسست بالانتعاش إلى حد ما , - عملية 
تسوير بثر الماء تسويرا متينا » أكثر من ذى قيل , وأترك لهم هذا العمل ليكون تذكارا 
لهم بمرور رجل مسيحى على بلادهم ؛ يضاق إلى ذلك » أن التقرير الطيب الذى 
سيصدر من أهل تيماء » عن هذا العمل . سوف يقتح البلاد أمامى . كان خلف ومعه 
يعض رجال أسرته وبعض الضيوف جالسين مريعين على المصطبة أمام بيته فى 
الشارع ‏ وكانت فوق تلك المصطبة مظلة مصنوعة من جريد النخيل . وكان الجميع 
ينتظرون غروب الشمس » حتى يمكن أن يدخل يعد ذلك لتناول طعام الإفطار . وجدت 
فى خلف رجلا نحيفا طويلا معتدل المزاج » تجاوز مرحلة منتصف العمر ؛ كما وجدت 
فيه أيضا طيبة التسامح وانفتاح فكرى يليق بشيخ من الشيوخ : كان خلف رب أسرة 
حصيفا , كما أنه كان زائد الكرم . كان كل عالم هذا الخلف يتمثل فى هذه القرية 
الصغيرة من قرى النخيل ؛ فى تلك الصحراء الشاسعة ٠‏ ويتمثل أيضا فى بلدة حائل 
التى كانت عاصمة لهذه القرية . كما كان سكان مدينته أقل عددا من طاقم سفينة من 
السفن الكبيرة » ومع ذلك كان يبدو عليه الفهم والتفتح؛ ولا تبدى عليه الوقاحة الفطرية , 
هذا يعنى أنه كان يبدى نبيل السلوك ( من ناحية مجتمع الذكور ) ؛ وملمح نبل السلوك 
هذا يمكن الوقوف عليه فقط بين الأفاضل من السلالة العربية . والعرب لم يكونوا همجا 


53043 


فى يوم من الأيام » وإنما هم من عرق نقى يبعدهم عن الهمجية واليريرية ؛ والعرب 
عندما يخرجون من يساطتهم العربية ويدخلوا خلية حياتنا المدنية ( كما هى الحال فى 
بومباى ) ؛ فإن أقدامهم لا تكون أقل ثقة من أقدام الآخرين . ويالتالى يبدعون فى 
الرواج هنا شيئًا فشيئًا . 

جلست فى صحبة خلف ٠‏ ولم نتحدث فى شىء ؛ بعد تبادل التحية ٠‏ إلا بطريقة 
طفيفة تماما ؛ والسبب فى ذلك أن الجميع كانوا متعبين من الصيام . وعندما هممت 
بالانتصراف أشار لى إشارة ودية وطلب منى البقاء معه : وأثناء غروب الشمس , 
وعندما نهض خلف واقفا ومعه الآخرين , اقتادنى معه إلى داخل منزله , 'لشرب القهوة 
وقال لى ٠‏ لقد دخل علينا المساء ؛ كان المنزل من الداخل عبارة عن فتاء جميل » وكان 
البيت مليّسًا من الداخل. بالجبس 55آل ؛ جلسنا أرضا فوق بسط طويلة أمام وجار 
القهوة . المطلى باللون الأبيض أيضا , على الطريقة النجدية . والذى وقق عنده بالفعل 
عبده الذى كان يعمل على شب النار ؛ وتصليح القهوة ؛ - سيكون ذلك أول انتعاش 
لخلف وأهل منزله » بعد غروب الشمس . وفى قرى نجد » يرى الناظر إلى وجار القهوة 
مجموعة كبيرة من دلال القهوة منها الكبير » ومنها الصغير , وهم يستعملون تلك الدلال 
لحفظ المتبقى من القهوة السابقة . ويتناقلون ذلك المخزون من دلة إلى أخرى . وهم 
جالسون حاليا » وأمعائهم خالية » وكلهم يراقبون ضوء الشمس الذى يختفى رويدا 
رويدا خلف أعراف النخيل ؛ إلى أن سمعنا صوت المؤذن ؛ وهى يرفع الآذان لأداء 
الصلاة . عند هذه المرحلة فقط يصبح بوسع الشخص المتدين أن يضع فى فمه لقمه 
من الطعام ويقوى نفسه ؛ وعلى الفور بدأ تقديم القهوة . وبعد أن تناول كل واحد منهم 
فتجالا واحدا ٠‏ بدأ يقرد عباعته أمامه فى اتجاه القبلة » وراح يؤدى الصلاة . بعد أداء 
الصلاة » يجرى تقديم الوجبة الأولى التى يطلقون عليها اسم الفطور #ناانا ؛ أى إن 
شكت فقل : الإفطار ؛ كان الإفطار فى منزل خلف عبارة عن عساليج من التمر الطازج 
الذى جرى إحضاره من النخلة . تناولوا الطعام . بالرغم من أنهم كانوا يعانون من 
العطش طول النهار ‏ ولم يشريوا ماءًا طوال تتاول الطعام ؛ ويعد التمر وضعوا أمامنا 
شرائح من بطيخة كبيرة ولكنها عديمة الطعم » وهذا النوع من البطيخ يشيع فى تيماء 
فى فصل الخريف . 


32044 


كان معنا شابان من تبوك حلاً ضيفان على تيماء ٠‏ وكانا يرتديان ملابس العطلة ؛ 
هذان الشابان جاءا إلى تيماء لابتياع شىء من التمور فى موسم الحصاد . أخبراتى 
أنه 'لا توجد فى هجرتهما ( قريتهما ) بئر تحمل اسم سيدنا موسى .' - هذان 
القرويان المسكينان ينسبان نقفسيهما إلى بنى /ا860 صخر 501/16 ؛ الذين كانوا سادة 
لهذا البلد الشاسع فى يوم من الأيام . وهما لا يعرفان السبب الذى جعل الناس 
يطلقون على عشيرتهما اسم الكعبانى لا8'5هاء "اللهم إلا إذا كان ذلك الاسم نسبة 
إلى الكعبة فى مدينة مكة ." وهم يقولون : إن المسافة من تبوك إلى الوجه ء أو إلى 
تيماء أى حتى مدينة معان 181330 :- هذه المسافة تقدر بحوالى خمسة رحلات والإبل 
مُحملة . هؤلاء القرويون يحصلون على ما يحتاجونه من الأرز من بلدة الوجه ؛ ولكنهم 
يقولون إن القمح والملايس ( السورية ) أفضل فى بلدة معان . وقالا لى أيضا أن 
الأرض فيما بين تيماء والقرية التى جاءا منها عبارة عن خلا ( صحراء ) ليس فيها أى 
مجرى من مجارى السيل .- حلس معنا أيضا ذلك الشمرى 33810311 ؛ وراح يتحف 
الجماعة بالحكايات التى كان يرويها عن ترحاله وأسفاره ؛ وهى يتفاخر يأنه استطاع 
الوصول إلى شعب كان يعبد الشيطان 586188 ويعبد الشر اأنا8 108 أيضا , وأنه 
سمعهم يتلفظون بالكلمات التالية : "اتركنى وشأنى » حتى أنكاً الله بهذا الرمح وأخرجه 
من عرشه فى السماء ” وراح هذا البدوى يضحك ساخرا من ذلك التجديف ؛ وهنا رد 
عليه جمهور القرويين وهم مكشرين عن أنيابهم » غيظا وحقدا على ذلك الكلام » 'إخص 
! 81135 إخص ! 3605 . ' ثم وصلت بعد ذلك ؛ فى ساعة متأخرة من المساء جماعة من 
بدو الفكارة مكونة من ثلاثة أفراد » وريد 04ل©//ا وجلوى لاإلاثاهااول » وفريع 2لا842" ؛ 
هذه الجماعة وصلت بعدنا ‏ ولما كانت تجمعنا بهم معرفة سابقة فقد جلسنا نشرب 
القهوة حتى ساعة متأخرة من الليل . ولم يكن من المناسب لى الخروج من المنزل فى 
الظلام » لفياب القمر , بحثا عن رفيقئ:البدوى الذى لم أعرف إلى أين ذهب » وهنا 
آثرت الرقود على الأرض ؛ متخذا من ذراعى مخدة . أملا فى قسط من النوم بجوار 
وجار القهوة . كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل يقليل عندما صحت الجماعة لتناول 
وبجنة السهور «كاتت قلك الوجية عبارة عن كب لنس 1ل - هده كفدية بالفة السو ؛ 
ويعد تناول السحور عاد العرب مرة أخرى إلى النوم على الأرض فى يراد النجوم » إلى 


103 


أن طلع نهار صوم اليوم التالى . وعندها نهض الأعراب لأداء الصلاة . تحدثت مع 
خلف فى الصباح » وقال لى : إنه 'سسيعطينى غرفة فى منزله » فى غضون يوم أو 
يومين :*- وأردف قائلا . إن الغرفة فى الرقت الحالى "عبارة عن مخزن ؛ ملىء 
بالقمح ٠‏ الذى قالت زوجته إنه لا يمكن إخلاؤه من الغرفة فى الوقت الراهن ." - وريما 
يكون من رأى حريمه الذى يؤمن بالخرافات أن مسألة إيواء نصرانى فى المنزل ليست 
من حسن الطالع . 

المكان الوسيع حول الحداج ( البئر ) يستعمله الناس ميدانا عاما . ويفد إلى ذلك 
الميدان العام المواطنون الذين يأتون من الصحراء ‏ وهم يرتدون تيابهم الجديدة » 
ويحملون سيوفهم فى أيديهم . وذلك عندما تنحسر حرارة الشمس فى فترة العصر , 
يأتون إلى هذا المكان ليجلسوا ساعات طويلة على ضفاف الحداج ( البئر ) المبنية من 
الصلصال ؛ يضاف إلى ذلك أن هذا المكان يتسكع فيه البدو الغرباء العاطلون فى 
الواحة . قد صادفت » فى أحيان كثيرة » فى ذلك المكان كثيرا من الرجال الذين كانوا . 
من الصنّاع : سالنى واحد من هؤلاء الصنّاع : "قال » ألم أراك فى سوريا ؟ كان ذلك ٠‏ 
من حوالى عام فى كرياتين #لإ166:13]8. " (أى آخر بقعة مأهولة بالسكان قبل بالميرا 
13 . ذات يوم عندما تجمع حولنا عدد من التاس راح ذلك الصانع يتكلم عن 
دين النصرانى ؛ قال للحاضرين ٠‏ إن أفراد قبيلته بينهم وبين التصارى على الحدود 
السورية . معاملات يومية : 'وأنتم من حقكم أن تثقوا بهم قيل الناس جميعا » ونحن 
عندما نكون معهم وبينهم » تراهم يقؤلون إذا لم يقم أحد من الرجال للصلاة عند 
قيامها : "جوم 66:0 صل لاادا5 على 813 دينك 01081 يا مسلم 805511 8 : جوم 
«رههت يا ! 8 صل ! االا8 ' بمعنى "انهض :يا مسلم ؛ وصلَّى للرب حسب دينك ؛ 
هيا إلى الصلاة ؛ أيها الرجل ؛ اذهب , صل ؛" وهم لا يثقون بنا فى غير ذلك .* عرّج 
ذلك البدوى . بشىء من التفاهم ؛ على الطابع غير الاجتماعى فى توأم العقيدة الدينية . 
قال البدوى : "الذى يفصل بيننا هى شىء صغير ؛ فهم يؤمنون بالله وبالأنبياء » ولكنهم 
لا يعتيرون محمدا نبيا من عند الله: وسبب ذلك عندهم , على حد قولهم: أن كل الأنبياء 
القدماء كانوا.من سلالة بنى إسرائيل . ولكن محمد من خارج هذه السلالة » وليس 
أيضا من سلالة الأنبياء .' وكرر ثانية إنهم إناس طيبون . وراح يردد تلك الكلمة 


2046 


الإسلامية الشهيرة الشائعة . “تعشى مع اليهود (إذا ما وصلت إلى بلاد الكفار) ولكن 
نم تحت سقف النصارى ." هذا الرجل . جاء إلى هذا المكان منذ عامين ضمن جماعة 
من أفراد قبيلة العنزى المساكين ؛ الذين يطلقون على أنفسهم اسم السباع 05-5588 , 
والاين تمتد أراضيهم الت يتمولون قيها من شمالى شوريا حك مديئة حلب + كانت 
قبيلة ذلك الرجل من العنوز القدامى الذين عاشوا فى منطقة خيبر » يضاف إلى ذلك - 
أن حقوق البدى فى تملك الأرض ,٠‏ لم تسقط حتى الآن بالرغم من تخلى هؤلاء البدى عن 
تلك الأرض منذ مدة طويلة - لقد جاء أولئك السباع للتجوال فى الجنوب مع البشر 
517 ويذلك يتسنى لهم أن يأكلوا من نخيلهم فى خيبر : وها هم السباع عائدون 
حاليا إلى سوريا ؛ ولذلك دعانى ذلك الرجل إلى مرافقتهم فى رحلتهم إلى سوريا . 

عثرت على غريب آخر جاء من قرية العلا للعيش فى تيماء . هذا الغريب اسمه 
سليم 5811 » وهى من المنفيين بسبب قنتل واححد من الناس ‏ ومع ذلك كان الرجل 
يستلم كل عام حصة من التمور . ذات يوم ٠‏ ويينما كنا نتحدث فى فناء عجيل أصر 
جريض «الإ:6 , ولد العجيل » وهى من النوع المتشدد . أصر على أن النصارى "هم 
أبناء عمومة ( قبليون ) اليهود ."- لماذا سوء القصد هذا .يا أبا عجيل , أهذا فقط 
لأن اسمى من دين آخر غير دينكم ! تدبر أيها الرجل ٠‏ ألم أولد على ذلك الدين بناء 
على رغبة من السماء ( الله ) ؟ وأنت إذا ما استطعت أن تثيت لى أن دينك يمكن أن 
يفيد الإنسان أكثر من دينى ؛. فسوف أدخل فى الإسلام وأصبح مسلمًا . نحن لسنا 
يهود » ولكن صدقنى »٠‏ يا أنت . يا من يجهل هذه الأمور » نحن سلالة من والد واحد , 
ولسان واحد - مع من ؟ أقول مع اليهود .' تراجع جريض «الإ676: وهنا تحولت إلى 
سليم 5811 الشبيه بالزنوج . ويعرف القراءة والكتابة » وقدم هو الدليل نيابة عنى من 
كتابهم المقدس ,٠‏ وكان ذلك الدليل يبين السلالات التى انحدرت عن آباء العالم الجديد 
سام ٠‏ وحام » ويافت . 

كان هناك حداد شاب اسمه سيدان 5 استطاع الوصول إلى ؛ وكشير من 
أهل الجزيرة العربية ويخاصة الصّناع منهم , يحسبون أن بوسعهم تعلم حرفة من 
النصراذ نى ٠‏ والسبب فى ذلك أن الصناع من أهل الجزيرة العربية يسلمون بأن الفنون 
والمعرفة تنبع منا . هذا الحداد الشاب » جاء إلى هنا بصحبة أسرته , قاطعا المسافة 


52307 


سيرا على الأقدام وقادما من بلدة حائل مسقط رأسه. ليستقر فى تيماء ويعيش فيها . 
كان ذلك الحداد من بين أولئك الذين توقفوا فى القلعة فى العام الماضى فى مدائن 
صالح عندما كانوا فى طريقهم إلى قرية العلا . دخلت ورشة أولئك الصناع كى أصلح 
قطعة من الصلب حتى يمكن استعمالها فى توليد شرارة مع قطعة من الصوان » - 
هذه القطعة ثمنها مرتفع فى ظل الحياة الصحراوية الضعيفة والفقيرة » وُخاصة فى 
شب نار الغجر فى الحطب الذى تنبعث منه رائحة طيبة عند الاحتراق : - هناك مثل 
من أمثال الشتاء يردده الفقراء فى أورويا » يقول المثل : "النار نصف الخبز !" الصلب 
هنا عبارة عن حلقة مقدارها أربع بوصات ٠‏ يجرى تقصيرها إلى بوصتين » ويجرى 
طوى طرفى القطعة إلى الخلف بعد أن انتهى ذلك الحداد من طرق قطعة الصلب , 
كانت الشمس قد أوشكت على الغروب . "قال الحداد الشاب ؛ نحن لا نعمل طول اليوم 
فى شهر رمضان ؛ وينهض الحداد من مكانه » وقد ابتلت ملايسه من العرق ؛ ويروح 
يجفف حيات العرق من على وجهه » ويينما كان يغلق أبواب ورشته دعانى إلى شرب 
القهوة معه فى داره. وتجول الرجل معى ليرينى نقشا كان فى منزل واحد من جيرانه . 
فى ذلك المنزل عثرت على مجمؤعة قليلة من الأحرف الأثرية القديمة » كانت على عتبة 
من الحجر الجيرى ولونها أزرق داكن , هذه العتبة من النوع نفسه الذى سبق لى 
العثور عليه من قبل فى تيماء كان منزل الحداد هى آخر منازل البلدة عند الخروج منها 
ويقع خلف منزل خلف 1678138 مباشرة ٠‏ وهى منزل صغير , ولكنه مبنى بناية جيدة من 
الطوب اللبن . كان الحداد هى وشقيقه قد قاما فى العام الماضى ببناء ذلك البيت على 
قطعة أرض كبيرة تجاور الصحراء مباشرة » وقد بنيا ذلك المنزل بطريقة منازل حائل ؛ 
لم يعولا كثيرًا على العمارة التيماوية . 

فى مرة أخرى ٠‏ أخذنى ذلك الحداد الشاب إلى مسافة قصيرة خارج بلدة تيماء 
(ولكن داخل أسوار القرية) فى اتجاه الشرق ليرينى بعض الأعمدة الأثرية العظيمة . 
وصلنا إلى حقل مساحته حوالى نصف فدان ؛ بنئ عليه من اللبن المسجد الكبير . 
شاهدت فى ذلك المكان بعض رعوس الأعمدة الكبيرة ملقاة هناك » كما شاهدت أيضا 
بعض الأعمدة الملساء , التى يصل سمك الواحد منها إلى سبع وعشرين بوصة » وهى 
مصنوعة من الحجر الجيرى الذى يميل لونه إلى الزرقة , ولا يوجد ( فى رأيى ) عمود 


5208 


مما له فى الدائرة المحيظةيه:. وتحك هذا الغنود ليس علن ما يرام + ولم أن هليه أ 
نوع من النقوش . هذه القطع الحجرية الضخمة لا يمكن أن يكون قد تم نقلها على 
ظهور الإبل . وخطر ببالى أن ذلك ريما كان موقع معبد تيماء القديم ؛ وكم تبهر هذه 
الآثار كل من ينظر إليها » وهى تعانى من هجران البشر لها , ومن الموات الذى يصيب 
الطبيعة فى الجزيرة العربية ! والغريب الذى يتصادف وجوده فى هذه البلاد يجب عليه 
ألا يطيل النظر أى يتمعن تلك الأنقاض والآثار » ومن هنا عدنا إلى المنزل على وجه 
السرعة . 

كان سيدان يحكى لى أشياء عظيمة عن بلدة حائل : كان من رأى سيدان أن هذه 
المدينة أو البلدة من بلدان الجزيرة العربية ( التى يبلغ عدد سكانها حوالى ثلاثة آلاف 
نسمة ) , بأسواقها المنظمة تنظيما جيدًا . ودورها الكبيرة التى يمتلكها كثير من 
الأثرياء ؛ وحياتها المدنية السهلة الميسرة ؛ وكثرة عدد الأشخاص الذين يتجولون فى 2 
المناطق العامة وهم ملفوفين بالشيلان . ومسجدها العظيم الذى يتسع لهذا العدد 
الكبير من السكان ٠‏ ينبغى أن تكون مثل الشام [أى دمشق التى تضم ١١١‏ ألف 
نسمة] ! ورحنا نتجول أكثر خلال البلدة » وخلال المقبرة ونحن تبحث ( بلا جدوى ) على 
شواهد القبور عن نقوش أثرية قديمة . كان هناك نقش واحد ما يزال موجودًا على 
عارضة فى حظيرة إبل عجيل , ولكن المؤسف أن تلك العارضة سقطت على الأرض 
وتكسرت , وأبلغونى أنهم لا يمكنهم العثور على تلك القطع المكسورة ؛ كان هناك أيضا 
نقش طويل على حجر من أحجار جدران الحداج ( البئر ) التى انهارت بالفعل . 
[وأنا اعتبارا من كتابه هذا الكلام فى العام 14174 الميلادى : أؤكد ان نقش البشر 
شاهده كل من هوير(») وطننا ويوتنجا**) و5اغاناتا من بعدى بعدة سئوات . ويوتتج 


(*) هوير 06لا!! : رحالة فرنسى قام برحلة فى الجزيرة العربية » ونشر دراسته عن النقوش التى عثر عليها 
فى مجلة الجمعية الجغرافية فى باريس تحث عنوان : 18)م'ا 0305 5[أاانه6: 5صولام أكاقدما 
4 ,285 ,روأطم 066008 مأوأع50 ,6ا0860118) . (المراجع) 

(**) يوتنج 179آلنا : عالم ألمانى فى النقوش التذكارية ؛ سجل رحلته فى داخل الجزيرة العربية فى كتاب نشر 
فى ليدن فى عام كك يعنوان : .1896 ,لعلأها رمقأطقعم )ممما مأ هولع عمماع لطعباطوق1 


349 


يسلم بأن ذلك النقش , الذى هو من النقوش الإهدائية , ومكتوب بالحروف الآرامية 
شأنه فى ذلك شان النقوش الأخرى التى اكتشفتها أنا فى تيماء , قد يرجع تاريخه إلى 
أربعة أى خمسة قرون قبل المسيح.] 

كنا فى بعض الأحيان نقطع مسافة ميل , خلال أنصاف الأيام الرمضانية ؛ عبر 
الصحراء لنصل بعد ذلك إلى واحد من أعمام سيدان , الذى استطاع بفضل عمله فى 
مهنة الحدادة. شراء حوطة 13103 (بستان) طيبة فى واحة الغرب 68:6:5, أى إن شئت 
فقل : فى مكان على طرف الواحة من ناحية الغرب . وعندما وصلنا إلى تلك الحوطة : 
أى إن شئت فقل : البستان , أحضر لنا ذلك الصانع , الذى كان يريد منى شفاء عينى 
ولده » ليمونا ورمانا ٠‏ وتركنى جالسا فى ظلال شجرة الفاكهة » ودخل هو ومن معه 
لممارسة.أعمال الحدادة ٠‏ فى الورشة التى أقامها هذا الصانع هنا فى منزله الذى يقيم 
فيه . ذات يوم . تحدث إلى ذلك الحداد الشاب عن مسالة الكرم فقال : "يا خليل ! هل 
إذا جئت إلى بلدك ستذبح لى خروفا » وتعطينى شيئا من النقود . وفتاة لتكون لى 
زوجة ؟ قلت : 'لن أذبح لك أى شىء » نظرا لأننا نشترى اللحم الذى نحتاجه من 
السوق ؛ وسوف أعطيه شيئا من النقود إذا ما كان بحاجة إليها ؛ وإنه يمكن أن 
يحصل على زوجة إذا ما التزم بقانوننا ؛ وإنه سوف يلقى ذلك الترحيب فى دارى التى 
أصبحت له دارا وأصبحت لى شرفا وتكريما ". جلسنا فى منزل خلف ؛ ورد علينا 
الحداد الشاب قائلا : "عجبا لمدى صدق واعتدال كلام النصارى ! قد يكون خليل قد 
قطع على نفسه وعدا الآن - شأنه شأن أى واحد منا - بكثير من الأشياء الحلوة 
والجميلة » ولكنه قد لا يبر بذلك الوعد .' وأنا من باب مكافأتى لسيدان 561020 سوف 
أريه عروق حجر الحديد فى الصحراء المحيطة بنا ؛ وقد تعجب عندما سمع أن معدن 
الحديد يوجد فى تلك الأماكن الضحلة ؛ - ولكن . كيف يمكن صهر ذلك الحديد ! 
حديدهم , الذى يتعين نقله عبر الصحراء مسافة خمسمائة أى ستمائة ميل ؛ على ظهور 
الإبل . من مدن الساحل ؛ له قيمة غالية فى الجزيرة العربية . 

واحة تيماء عبارة عن ثلاث واحات : الواحة الرئيسية » تقع فى الوسط . ويطلق 
الناس عليها اسم الحداج ( البثر ) ؛ أما واحة ( هجرة ) الشرق 68-5569 هى وواحة 


230 


( هجرة ) الغرب 91-68:©5 . فهاتان الواحتان ترويان من أبار القدماء التى يجرى 
اكتشافها بين الحين والآخر . فى كل هذه الواحات الثلاث : وياعتبارى واحدًا من 
رجال الدواء . كان لى أصدقاء ومعارف . ويخاصة فى واحة ( هجرة ) الشرق 556:9؛ 
وحينما كنت أدخل كان الناس يفرشون سجادة الضيافة تحت ظلال أشجار النخيل 
الخضراء أو تحت ظلال أشجار التين : يلى ذلك ٠‏ قيام رب المنزل بإحضار الغريب 
ويقدم له خيارة يرطب بها فمه أو بعض عساليج التمر ٠‏ ويطلبون منه أن يأخذ قسطا 
من الراحة ؛ بينما ينصرفون هم للقيام بأعمالهم البستانية . - كسب العيش العربى 
الخالص عملية تسر الخاطر عندما تكون مشاعا أو على مرأى ومسمع من الجميع » 
وكسب العيش هذا فيه شىء من الاكتفاء الذاتى فى بعض الأشياء القليلة جِدًا التى 
يجرى اختطافها بطريقة عادية جدًا عند القيام برحلة من الرحلات ! هذا يعنى أن حياة 
هؤلاء الناس حياة بسيطة ومليئة بالهموم السطحية . يضاف إلى ذلك أن جهل هؤلاء 
الناس ليس من النوع المتوحش أو القاتل . كما أن فقر هؤلاء الناس لا يعد من قبيل 
الوضاعة والاحتقار . ولكن منازل هؤلاء الناس وقحة وغير منظمة ؛ ويالرغم من مشاعر 
الحب الطيبة لدى هؤلاء الناس , إلا أنهم لم يتعلموا بعد الاعتداد بالزهور طمعا فى 
حلاوتها وجمالها ؛ كما أنهم لا يلقون بالا لتغريد الطير . 


كان من بين هؤلاء الناس شخص يدعى شافى /5888 , أخذتى ذات صباح قيل 
طلوع. الشمس ( حتى نعود قيل ارتفاع درجة الحرارة ) ٠‏ لزيارة نقش أثرى قديم فى 
الصحراء . وبعد مسير حوالى ميل , سالنى شافى إن كنت رباعا جيدا ؛ - '( قال ) 
بالرغم من أنى تخطيت سن الشباب ؛ إلا أنى بوسعى أن أسابق الناقة وأتغلب عليها ؛ 
وها أنت سترى بعينيك كم أنا خفيف الحركة ,* وأخذ شافى يجرى مبتعدا عنى . 
وبينما كان شافى بعيدا عنى ؛ اقترب ناحيتى رجل كان يحمل فى يده عكارًا عرييا ؛ 
كما أبصرت أيضا خيالاً جاء من تيماء للقائى . وهنا تمنيت لى أنى لم أصل إلى هذه 
المسافة وأنا أعزل بلا سلاح . كان هذان الرجلان من أهل الواحة الشرقية . بالرغم من 
أنهما كانت تبدو عليهما البداوة . وكان هذان الرجلان قد جاءا إلينا لمعرفة ما إذا كنا 


357 


قد عثرنا على كنوز أم لا. جاء الخيال يعدو بحصانه وفى يده حربة طويلة؛ وهنا تبين لى 
أن الفرس التى كان يركبها ذلك الخيال كانت تمشى على ثلاثة أرجل فقط ! أما رجلها 
الرابعة فكانت مريوطة فى جزء منها . ضحك الحاضرون , ولكنهم قالوا الفارس "عطا 
الله 180انا81” "فرسه من أحسن السلالات, والله؛ وأنه جاء فى هذه الساعة المبكرة 
لاستنشاق الهواء ؛ كانت تلك الفرس تلد لذلك الرجل مهرا أو فرسا ." كان النقش الذى 
جئنا من أجله عبارة عن نحت بدائى باللغة العربية . ولما كان عطا الله رجلاً ثريًا ؛ ورب 
أسرة من الذين ينعمون برغد العيش , فقد كان يود منا العودة معه . كانت بساتين 
ذلك الرجل من أفضل بساتين تيماء : وإلى جانب هذه الثروة » عثر ذلك الرجل فى 
الفترة الأخيرة على فوهة بثر قديمة بالقرب من المكان الذى يعيش فيه فى الصحراء . 
أحضر لى هذا الرجل الثرى سلة كبيرة ملأها بأقضل أتواع الفاكهة ؛ وطلب منى أن 
أتردد عليه مرارا . 

حيثما كنت أتجول فى الواحة كنت أشاهد بعض المبانى البدائية » المبنية من 
نوعين أو ثلاثة أنواع من الحجارة . ومسقوفة بالعصى والطين . هذه المبانى عبارة عن 
مواقع لحملة البنادق ؛ وكل مبنى من هذه المبانى لا يتسع إلا لرجل واحد يرقد مستلقيا 
على صدره . وعند طرف هذا المبنى » أو إن شئت فقل : الموقع , هناك مسند يضع 
الرامى عليه بندقيته , كما يوجد أيضا وعاء من الصلصال خارج الموقع , تقوم الحريم 
قبل طلوع الشمس بملئه بثلات قراب من الماء . وهذه هى الطيور البرية » التى تحوم 
عاليا فى الهواء » تقع أبصارها على الماء المتلألئ » تنقض عليه لتشرب منه بعد المسافة 
الطويلة التى جاءت منها أو قطعتها ؛ والناس هنا 'يعمرون البنادق يقطع صغيرة من 
الحجر . واقع الأمر , أن القرويين الذين ليسوا من بين العمال يصطادون من هذه 
الطيور » حوالى خمسة طيور ؛ حتى الفترة إلى ما قيل دخول وقت العصر , ثم يعودون 
إلى بيوتهم لشرب القهوة ويحسبون أنهم مضْموا يوم عطالتهم : وقد وجدت أن كل 
الطيور الميتة كانت عبارة عن صقور حوامة وصقور عادية ومن طيور الرّخام ٠‏ خلاصة 
القول : أن هذه الطيور كانت من الطيور الجارحة والمفترسة ؛ - ومع ذلك يندر على 


23232 


الإنسان أن يرى تلك الطيور وحيدة فى الصحراء. سألت بعض الحاضرين: “هل تأكلون 
لحم هذه الطيور ؟” - "إى بالله ؛ نحن نأكل لحومها ٠‏ وإلا لماذا نصطادها؟ وإذا لم تكن 
لحومها جيدة » فهى أفضل ما يتيسر لنا ؛ وما لا نأكله نحن نعطيه للحريم » إذ إن 
الحريم يرضى بأى شىء ويكفيه أى شىء .- والتيامنة ملامون لأكلهم الطيور 
الخسيسة ؛ ذلك أن غالبية البدو تعاف نقوسهم أكل هذه الطيور . ولذلك سهلت على 
الإجابة عندما لامنى أهل الجزيرة العربية على أكل النصارى للحم الخنازير . "إذا كان 
الله يأمركم بشىء . فيجب عليكم الحفاظ على ذلك الأمر والإلتزام به ؛ وها أنا أراكم 
تأكلون الغربان والحدآن , كما تأكلون لحم النسر الذى يأكل الجيف والرمم . البعض 
منكم يأكلون البوم . وبيعض آخر منكم يأكلون لحوم الأعابين » وأنتم جميعا تأكلون 
السحالى ؛ وتأكلون الجراد . فضلا عن أكل القئران أيضا ؛ والكثيرون منكم.ياكلون 
لحوم القنفذ , وفى بعض قرى ( الحجاز ) يأكل الناس الجرزان ٠‏ وأنتم لا يمكن أن 
تتكروا ذلك ! أنتم تأكلون أيضا لحوم الذئاب » وتلحوم الثعالب وكذلك لحوم الضياع ,* 
وخلاصة القول . ليس هناك من شىء دنيئ إلا وتأكلون لحمه .* هؤلاء الشبان القرويون ' 
يزجون وقتهم فى استعمال البنادق فى الصيد . تراهم يحملون بنادقهم الطويلة طوال 
ساعات طلوع الشمس ,٠‏ ويتجولون بين طرق اليساتين ؛ مهددين بذلك أرواح العصاقير 
التى تقف على أفنان النباتات . وها هى أصوات طلقات هؤلاء الشبان تتردد أصداؤها 
من حولك ؛ بل إنك تسمع أيضا أزيز تلك الظلقات وهى تمر من فوق رأسك . هنا قى 
تيماء ؛ يصطاد هؤلاء الشبان ؛ فى مواسم محددة ٠‏ بعضا من الطيور المهاجرة التى 
تجئ إلى هذا المكان . ولقد شاهدت هنا بعض الطيور المائية البيضاء التى لها أعراف 
قوق رءعوسها . كما شاهدت أيضا طيور الغرنوق » أى إن شئت فقل : طيور الكركى » 
التى يطلقون عليها هنا اسم "السعدى” 53309 , والتى يصطادها أولئك الشبان من 
مزارعهم ؛ فى هذا الموسم ؛ هذه الطيور المرهقة حطت عند يرك مياه الرى . والعرب 
هنا يحسبون أن هذه الطيور المائية العابرة تأتيهم من أراضى بلاد الرافدين المروية 
( التى تيعد عنهم مسافة أريعمائة ميل . ) هذه الطيور تعود إلى أوطانها فى فصل 
الربيع. وعندما كنت فى قرية الطور 806 تلك القرية التى تقع على ساحل جزيرة سيناء, 


23533 


فى شهر مارس من العام 1870 الميلادى . شاهدت سربا من تلك الطيور , قادما من 
تاحية البحر : كان "ذلك السرب مكونا :من يعس لاايخضى من الطنون نتضياء اللوة “بت 
وأنا لم أستطع تميز تلك الطيور إن كانت من طيور اللقلق أى طيور الراخام ؛ كان ذلك 
السرب يمر من فوق رأسى متجها شمالا . 

فى الوقت الذى كان اليعض فيه مستاءا من النصرانى لأنى لم أراعى حرمة 
صيامهم: كان هناك بعض آخر يدافع عنى, “ولكن لماذا يتعين علينا أن نقسوا عليه؛ فى 
القت الذى بالل ليم لا يضرم فيهتفيق الندن» الذين كول متهم إتمم لتو ! 
خليل مولود فى إطار دين غير ديننا » وهم يصومون فى أوقات أخر . أليست النصارى 
هم أهل الإنجيل , الذى هى أيضا كلام الله . بالرغم من إبطاله بعد مجىء القرآن أو إن 
شئت فقل : الفرقان 88:ن5-!ه . ” - وأنا فى المدينة ( المنورة ) سمعت كتابهم إلى 
جانب "الفرقان" «5ا:نا5 ("القراءة التى تفصل عياد الله عن الجهل الدنيوى') » التى 
يشيع بين الناس هنا تسميتها "الختم” 16518:0-!6, وقد مد الناس هذه الكلمة لسهولتهاء 
لتشمل أى كتاب ؛ إذ إنهم هنا لا يعرفون غير الكتب الدينية . وبينما كنت أتجول فى 
البلدة » كان بعض الناس يطلون على من أيواب منازلهم ويدعونى إلى الدخول ؛ ويينما 
كنت أجلس وأروح أتحدث معهم ؛ كانوا يقدمون إلى التمر ؛ - وفى البداية » وارضاء 
منهم لضمائرهم كانوا يسئلوتى "هل أنت مسافر ؟” . 

كانت خيام كل من محسن وصالح., وكذلك خيام الأسرة البدوية ؛ منصوية فى 
بستان من بساتين ذلك البدوى الفجيرى , الذى استضافنى فى فصل الربيع » عندما 
ذهبت مع زيد لزيارة تيماء . ونظرا لوجود الإبل فى الصحراء ؛ فقد انتقل هؤلاء الناس 
على ظهور الحمير التى استعاروها من معارفهم ؛ وقد جرى العرف » أنه إذا ما طلب 
إنسان حمارا من قرى الجزيرة العربية ( بالرغم من أنهم لا يسمحون بتأجير الحمير ) 
أن لا يرفض مثل هذا الطلب . أما أنا فقد قمت بنصب خيمتى الصغيرة إلى جانب 
خيامهم ‏ بالقرب من أسوار الواحة فى تلك الحوطة ( البستان ) . كان فى تلك الحوطة 
حقول القمح . وقلة قليلة من أشجار النخيل المحملة بالثمار ؛ ومع ذلك لم يكن البدو ولا 


3534 


أطفالهم يمدون أيديهم على التمور التى لم تسقط بعد من النخيل . ويعد أن نفد آخر 
ريال مع محسن ؛ لم يكن على بِيّنة من المدة التى يمكن أن يبقى خلالها فى تيماء ؛ - 
وهذه هى المفاجآت التى تواجه كل البدى الفقراء ! إذ يتعين على هؤلاء البدى أن يطرقوا 
أبواب الناس فى قرية السوق ٠‏ ليتبينوا "أولئك الذين يمكن أن يقدموا لهم خيرا" 
ويقرضونهم نقودًا بزيادة ثلاثين فى المئثة عن سعر السوق , إلى أن يجىء المدد » والذى 
يتمثل هنا فى الصرة 50068 ” التى يحصل عليها هؤلاء الناس فى موسم الحج . 
اشترى محسن بالأجل ثمار نخلة طيبة فى الحقل الذى نخيم فيه . كى يسد رمق أطفاله 
بتلك الثمار طوال هذا الشهر ؛ وكان هؤلاء الأطفال , كلما أحسوا بالجوع يتسلقون 
النخلة لياكلوا من ثمرها . 

كان محسن رجلا مريضا , وكان الصيام متعب له تماما » إذ كان الصيام يحول 
بين البدى وبين غلايينهم طوال نهار اليوم » كما كان يمنعهم أيضا عن قراب الماء طوال 
النهار أيضا ؛ وكان من عادة هؤلاء البدى . فى شهر الصوم , أن يناموا اعتبارا من 
طلوع الشمس . ولا يغيرون أماكن نومهم إلا بحثا عن الظل . ويستمر ذلك النوم إلى ما 
قبل العصر بفترة وجيزة . لم تكن حرارة الصيف قد خفت بعد » إذ كانت درجة 
الحرازة تصل إلى 47 فهرنهيتية عند الظهر ‏ وذلك تحت جريد النخل الذى كانوا 
يعرشون به المقاهى فى بيوت تيماء . كان البدو يصحون من نومهم عند دخول وقت . . 
الظهر لأداء الصلاة » حيث يستشعرون شيئًا من الارتياح على إثر وضع الماء على . 
أيديهم وعلى أذرعهم وأرجلهم أثناء عملية الوضوء - واليدو ليسوأ بحاجة إلى ادخار 
الماء وتوفيره والاقتصاد فيه فى الواحات - وكاتوا أيضا يستعملون الماء فى ترطيب 
ألسنتهم ؛ نظرا لأنهم يتمضمضون بالماء ويخرجونه من أفواههم مرة ثانية . ويعد أن 
كثهوا ف أذاء الطفادة.: مون اأسفل العدان الغرين العالن,, الذى يات متكسير 
عليه ظلال المساء . ويجلسون فى ذلك المكان ليمارسوا لعبه “البيطة" 69348 التى يمكن 
القول عنها إنها لعبة من ألعاب الداما ؛ والرقعة التى يمارسون عليها تلك اللعبة عبارة 
عن صفين فى كل صف سيعة حفر أو إن شئت فقل : “بيوت" 5الاهط ؛ وهذه الرقعة 


2355 


يصنعها البدو المستقرون من قطعة من الخشب ٠‏ ويطلقون عليها اسم "المنقولة” 
23 ؛ ولكن عند بدى تيماء وأهل قرى الحجاز تكون تلك الرقعة عبارة عن حفر 
صغيرة يحفرونها فى الأرض . وأنا لم أر هذه اللعبة فى تجد » التى جرى فيها 
التخلص من كل ألعاب تزجية الوقت ٠‏ فى زمن الإصلاح الوهابى , من منطلق أن تلك 
اللعب تبعد روح البشر عن التأمل فى الله ااحى الذى لا يموت . وفى كل حفرة يوجد 
سبعة أحجار ؛ هذه المنقولة كانت بمثابة أطول لعب الصيف عند الحاج نجم فى القلعة 
التى كانت فى مدائن صالح , وكان أولئك البدى يمثابة رفاق اللعب المرضى . '( قال 
العجوز صالح ) إى . والله » الحاج نجم من عشيرتى 3581289 بمعنى “كواحد من 
قبيلتى' .* كان البدى يتخذون من روث الإبل ٠‏ أى إن شئت فقل : “الجلّة" اا[ , طلقات 
بدلا من الحصى الشفاف الذى كانوا يجلبونه من سهل الحجر ( والذى كانوا ينقلونه 
أيضا إلى دمشق ) - وكانوا يطلقون على الطلقات التى يصنعونها من روث الإبل . 
اسم "جود" 9304: وما إلى ذلك من تلك الأسماء. وأنا لم أر مطلقا أهل الجزيرة العربية 
الحقيقيين يلعبون من أجل المكسب أى الخسارة ؛ - إنهم يعتيرون الإنسان خارجا عن 
إطار دينه إذا ما عرض ذلك الخير الذى أعطاه الله إياه » لمغامرة غير محسوية . وقد 
شاهدت لاعبى الورق فى قرية العلا وسوف نشاهدهم أيضا فى خيبر ؛ ولكن هذه قرى 
من قرى الحجاز التى أصايتها العدوى من المدن المقدسة .- العبيد الأحباش أبلفونى 
أن لعبة المنقولة يلعبها الناس فى ديارهم , وأن هذه اللعبة تنتشر فى كل أنحاء الدنيا ٠‏ . 

ترى ؛ من الذى يقاسى أشد الآلام فى ذلك الصيام ؟ زوجة محسن بكل تأكيد فى 
التى تكابد مثل هذا الألم » لأن لها طفلا ترضعه من ثديها ؛ وبقوة العزيمة والمثايرة » 
حافظت شقيقة زيد على شهر الصوم , ولم تكن تشرب أو تأكل إلا بعد غروب الشمس . 
من أجل هذا سمعت نساء البلدة وهن يمتدحنها ويثنين عليها , - 'كانت مثلا للبدوية 
البسيطة تحظى بإعجاب الجميع !' النساء المتدينات الحوامل تصمن أيضا وفاء بتعاليم 
دينهن » وهن يجبرن أطفالهن الصفار على الصيام أيضا . كانت زوجة محسن ؛ امرأة 
طيبة , وأمّا جيدة أيضا , وربة بيت جادة ومثابرة ؛ وكانت كلها حب وخدومة , 


5336 


ومشاركة لزوجها المسكين فى متاعبه ؛ زوجها كان مثل زيد تماما » عبارة عن خليط من 
الجد والمرح فى إطار إنسانية الصحراء . كانت زوجة محسن امرأة ولود ؛ مما أدى إلى 
- بالرغم من أنهم يعزون مسالة الإنجاب هذه إلى الله (سبحانه وتعالى) - ضعف حال 
زوجها ماديا » إذ لم يكن لديه سوى خمس من الإبل . وحوالى عشرة دبوش ٠‏ إضافة 
إلى بيتهم المصنوع من الصوف الخشن . والمواعين اللازمة لذلك البيت :- كل ذلك 
لا يتجاوز ثمنه 5١‏ حنيها إنجليزيا . من هنا كان اعتماد محسن بصفة أساسية على 
الميّرة التى كان يتسلمها من الحج كل عام. ونظرا لأن محسن كان ضعيفا فيما يتعلق 
بتقلبات الحظ هذه . فقد كان يؤنب أهل بيته فى كل الأحيان : كان يؤتب الجميع : 
زوجة وأطفالا . ولكن الزوجة كانت تصبر على ذلك وتتحمله . لم تكن تلك الزوجنة 
أو الأطفال يشتكون من الكلمات النابية الفظيعة ( التى لم تصل إلى حد الشتائم المهينة 
مثل 'أنت كلب”) ؛ الكلمات أى الشتائم التى من هذا القبيل فقدت بين الأقارب ويين 
أفراد القبائل سوء القصد الذى تنطوى عليه فى آذان هؤلاء البشر . ولنأخذ الطفل على 
سبيل المثال , - نجد الأب يصيح ويشتمه قائلا : "سبك ! #هداطلا8 أى شج الله بطنك » 
اللعنة على هذا الوجه !” أو قد يشتم الزوج زوجته » إذا لم تلبى طلبه بسرعة ٠‏ فيقول 
لها 'صلوبية آطباه5 ". امرأة غجرية ؛ أو قد يشتمها قائلا : "بغريلة” واأتناوةط أى 
'بغلة" ( والبدو يشاهدون ذلك الحيوان فى القلعة ) ؛ أو قد يصيح الزوج شاتما : 
"انهدم 1300610 بيتك (اء]أثلاوط " بمعنى "أعدمك الله" أو قد يقول : "الله 6داانا يفكنى 
لإ انهلا منك 1086 * بمعنى “الله يخلصتى متنك !" أى يشتم قائلا : 'والله » أنت 
لا يعرفك إلا عبد !” ولكن جرت العادة أن يرجو الأب البدوى ولده عندما بريد منه أن 
يفعل شيئا ؛ وهو قى مثل هذه الحالة يرجى ولده وكأنه أفضل منه , ويعيدا عن 
التصحيح والتقويم . والأب بعد أن يؤنب ويويخ الأسرة كلها بهذه الطريقة » نرى 
محسن يتحول إلينا بعينيه الباسمتين ويعطقه البدوى باعتبارنا أصدقاء له . 

هبت ريح خفيفة خلال الأشجار ؛ - انسابت تلك الريح فى البداية » بعد حرارة 
الصيف التى استمرت شهورًا طويلة ؛ مما أثر على أجسادنا التى كانت متعطشة لمثل 


357 


هذه النسمة ! وهكذا بدأنا نحس بالانتعاش فى فترات العصر , فضلا عن أن الشمس 
لم تعد تشرق على ارتفاع كبير جد! ؛ كان ذلك الوقت من العام يصادق فصل الخريف 
. وعند غروب الشمس ؛ كنا نتجول :خلال تيماء » إذا ما دعانا أحد إلى منزله ؛ أو كنا 
نقصد ذلك المنزل بعد تناول العشاء لشرب القهوة . وتمضية فترة المساء فى الحديث مع 
الآخرين . والبدى الذين يسكنون الخيام أرق طبعا من أولئك القرويين الذين اعتادوا على 
فلاحة التربة . بجد واجتهاد مع طلوع النهار :- والبدى الرحل يتفوقون على هؤلاء 
القرويين من حيث القدزة على تحمل الجوع ؛ والترحال والانتقال إلى مسافات بعيدة . 
ونحن عندما تنكون جالسين تجد الواحد من هؤلاء البدى يمد غليونه لمن يجلس بجانيه » 
وهى يقول: "اشرب طانمها5وا وكيف #الالاع»ا/ راسك 29-316 .' * إشرب! واجعل رأسك 
يحلم بالسرور. وهذا الكلام من باب مواساة الروح ومواساة حاسة "الكيف” ؛الإلاء,- 
الهدوء بعد التعب . الراحة بعد العناء . مهرة جميلة أو ناقة جميلة ؛ أو الطلعة اليهية 
لأمرأة جميلة . 


فى يعن اللبالى «هتيما كان اولان البدو نزوووتنا كان الستتات > مكل الضتحراء 
يدوى ٠‏ بأغانى هؤلاء الأولاد الفجة , على أنغام الرباب المصنوع من النحاس الأصقر . 
سالتهم , “ما رأيكم فى خطاب الأمير ؟ [تعليماته إلى التيامنة بالتخلى عن تلك الآلة 
الموسيقية.] أجابوا: "ابن الرشيد يمكن أن يصدر أوامره للقرويين: ولكننا تحن البدو!"- 
ونظرا لأن الوقت كان زمن حرب كبيره ٠‏ فإن أفكار هؤلاء اليدى كانت تنصب فى بعض 
الأحيان على الجهاد/*) الذى كان معلنا فى ذلك الوقت بين النصارى والإسلام . جاا 
رجل من البدى قادما من الجوف ويحمل معه أخبارا كازية . - 'إن سلطان المسلمين قد 
خرج من اسطنيول , ليتزل إلى أرض القتال » وأن السلطان مراد الذى جرى عزله 
مؤخرا كان بصحبته؛ يحمل معه بيرق النبى !'- '(تنهد محسن) إعلموا جيدا أنه عندما 
تسوء الأمور بالنسبة للإسلام . فإن الأعداء القزاة سوف 5031 يهزمون 0هوانامع, 


() الجهاد : الإشارة فى هذا السياق إلى حركة الجامعة الإسلامية التى أعلنها السلطان عيد الحميد الثانى 
19.5-4ء وكأن يهدف بها إلى مقاومة التعديات الاستعمارية على الولايات التابعة للدولة العثمانية. (المراجع) 


358 


أمام بيوت الشّمر !ءأقط؛ه 5-65 يمعنى [أن اليدى هم الذين سوف ينقذون دين 
الرسول دِيم ]. والله . هكذا وكيد ! 8114 بمعنى “هذا مؤكد ومكتوب فى الكتاب !"- 
يضاف إلى ذلك أن هذا الرجل المسكين استشعر الراحة عندما علم أن انتهاء تلك 
الآلام سيكون لصالح الأعراب . قلت : “بالرغم من كل زهوك وفخرك , فأنت لا تدفع 
شيئًا , ولا تدفع حتى ولى رجل واحد لخدمة السلطان !" - "ردوا على » ما حاجة 
السلطان إلى ذلك الذى يمكن أن نقدمه نحن المساكين ؟” 

سألنى اليدى » فى بعض الأحيان ؛ عن صيامنا ؛ وقلت لهم إن النصارى من 
عادتهم أن يصوموا يومًا واحدًا فى الأسبوع , وهم يداومون على صيام شهر الصوم 
الكبير . بعض النصارى يصومون شهرين أو أكثر من شهرين . - 'وكيف يكون 
صيامهم ؟ - إلى حين غروب الشمس ؟ - “لا . ليس الأمر كذلك , ولكنهم يمتنعون عن 
أكل اللحوم » والبعض منهم يصوم عن كل ما يخرج من اللحم ؛ مثل الحليب والبيض » 
ولا يأكلون سوى الثمار التى تخرج من الأرض ٠؛‏ مثل الخيز والسلطة » وزيت الزيتون . 
وما إلى ذلك؛ - وطوال فترة الامتناع هذه يكون بوسعهم أن يأكلوا عندما يريدون ذلك.” 
“آه - ها - ها ! وهل تسمى أنت ذلك صياما ؟ لا . والله . يا خليل ! أنت تضحك 
وتنكت !” ولكنهم يحسبون ذلك حمية صيامية ؛ "مثل الموت” فى تلك البلدان الغنية ,- أن 
يأكل الإنسان مثل هذه الأشياء الضعيفة ومثل هذا الطعام الضعيف ‏ - "الله قادر ! 
حسنء ذلك كان صياما حيدا ! - وصاحوا جيعا بين الضحك والدهشة - با ليت الله , 
يكتب علينا مثل هذا الصيام كل يوم !” 


359 


الفصل العشرون 
حصاد التمر 


زواج العذراوات . نساء شقراوات . أهل تيماء أميون . البدى يلاحظون طيشهم 
ومرحهم . إيل الآبار . عمال يعملون فى حداج مُخْرّبٍ . مشروع لإعادة بناء الحداج . 
الممثل المقيم لابن الرشيد . ابن الرشيد » حكيم الأعراب . حكومة المدينة ( المنورة ) 
تضع عينيها على تيماء . مرضى غير معقولين . وياء الروماتيزم فى الواحة » عين 
الحسود . شعوذة إخراج الأرواح الشريرة . المتشددون فى رمضان . أنقاض تيماء 
المهسوية . مقابر تيماء الأثرية الكبيرة ذات النقوش التى ورد ذكرها فى التقارير . 
الضواحى السبع القديمة لتلك المنطقة . أرض جديدة للآبار . دم العبيد الأفارقة فى 
شيه الجزيرة . الرابطة العربية معتدلة . نهاية رمضان. احتفال العيد. مُطلق الصفارة . 
موسيقى دمشق . وصول الفكّارة . بدى البشر ينسابون على البلدة . حصاد التمر . 
راقصة من قبيلة حرب .كلام مشهل . أخبار طيبة غن الموماهيب . زيارة حامد ووحيل, 
لابن الرشيد . القصابون من البدى الرْحل . التماس من محسن . 'الثور البرى' 
أى الوضيحى . الثّبالة القديمة . أصدقاء الأعراب يتباطئون فى المساعدة فى رحلة 
النصرانى . البشر فى تيماء . شيخ من شيوخ الحطيمى . خلاف مع رعاة زيد 
الأمسية الأخيرة فى تيماء . زيد . 

عن فيل ارهن فى الجن الى جل لقن ل . وفى هذا المكان اكتشفت 
أغرب المغامرات . فقد سمعت شابة غير متزوجة من تيماء ؛ أن الغريب الذى وصل إلى 
القرية كان دولانيا ( أى من موظفى الإمبراطورية العثمانية ) » أى إن شئت فقل : أحد 
رجال الحكومة ؛ ولذلك دار بخلدها فكرة الارتباط به عن طريق الزواج : وتمهيدا لذلك 
أهدت زوجة محسن شيئًا من التبغ » ووعدتها بالمزيد إذا ما تم ذلك الزواج ؛ وبناء عليه 


361 


امتدحتها مضيفتى أمامى على إنها “شابة جميلة وناضجهة . وأقسمت بالله أن عينيها 
وسيعتان وكبيرتان » وأن رائحتها مثل رائحة العنبر .” هذه الآنسة الطيبة كانت ابنة 
لواحد من الدمشقيين ( وربما كان راعيا لقلعة من القلاع ) , الذى كان يعيش فى هذه 
المنطقة فى فترة سايقة . وكانت تلك الآنسة تحتقر أن يكون أى واحد من أولئك 
القرويين القساة زوجا لها » كما احتقرت أن يكون زوجها واحدًا من البدى الرحل . وقد 
وقفت على الحقيقة التى مفادها أن كل سكان يلدان الجزيرة العربية » يحتقرهم سكان 
المدن الحدودية على أنهم 'بدى" » ويظهر ذلك الاحتقار بصورة واضحة فى كلام سكان 
مدن الحدود ؛ - وهم يقولون أيضا متسائلين , أليس كل سكان نجد (إضافة إلى 
الحدادين ) من سلالة بدوية خالصة ؟ لجأت ابنة ذلك الرجل الشامى ( الدمشقى ) إلى 
خيمة محسنء حيث جلست فى القسم المخصص للحريم: ويمعزل عن الآخرين على أمل 
أن تتمكن من رؤية ذلك الرجل صاحب البشرة البيضاء الذى جاء من بلاد والدها ؛ - 
وأنا بدورى شاهدت وجهها الشاحب وعينيها اللتان ليستا جميلتين تماما ؛ واستطعت 
أن أحزر من صوتها الحريص ومن محياها - والعرب لم يحدث مطلقا أن كانت لديهم 
أفكارا طيبة عن الأشياء الحديتة - إستطعت أن أحزر أن تلك الفتاة كانت تكره العيش 
فى هذا المكان » وأنها على استعداد للهرب مع زوج » يكون جيدً!ا شكلا وموضوعا ؛ 
وتلك هى الأشياء التى تزعم هذه الفتاة أنها متوفرة فى التصارى . وعندما أبلغوها أنى 
لا ألقى بالا لذلك الذى تهتم هى به توقفت عن المجىء إلى خيمة محسن ؛ وتركتنى 
حائراً فى معرفة ذلك الشىء الذى حرك فيها قلبها الصغير الذى يحس بالوحدة: "قالت, 
أن كل ما يدور بخلدها هى أن تصبح زوجة لدولانى (أى واحد من موظفى الحكومة)". 
طلب منى بعض التيامنة البقاء معهم والإقامة بينهم ؛ 'طالما أننى قطعت تلك 
المسافة الطويلة من بلادى إلى هنا" - وقد خطر يبالهم أن عودتى تكاد تكون أمرًا 
مستحيلا : - وقل لا إله هاا ها إلا١ااا‏ الله ط5هاالا .ى 8/لا محمد 1001138380 رسول 
انا885 الله 5هاانا .' وعندئذ سيسيفون على بعض الممتلكات ٠‏ التى يمكن أن تكفينى 
وتكفى زوجتى إذا ما تزوجت . ولكن عندما اكتشفوا عدم اهتمامى أو مبالاتى بهذا 
الأمر ء 'قالوا »ها ! إن لديه أسبابه الخاصنة به » أليس لحمهم أفضل من لحمنا ؟ 
والنصارى ليست فيهم أمراض ,- كما أن حريم التصارى ؛ أجمل فى عينى خليل . من 


362 


بنات الإسلام : يضاف إلى ذلك ٠‏ أن النصرانى لا يتزوج إلا بعد أن يقتل مسلما , إذ 
يجب عليه أن يستحم بذلك الدم » ثم يقولون عنه بعد ذلك إنه تطهر . ورد آخرون , 
"تحن لا نصدق ذلك ؛ خليل ينكر هذا : " أضاف شخص آخر ؛ "ألم تسمع من يعض 
الناس الذين كانوا فى الشمال ؛ أنهم لا يعرفون أى شكل من أشكال الزواج بينهم ؟” 
رددت عليهم قائلا : "أنتم يا من يتلبسكم الجن ! هذا الذى تقولونه ينطبق على الدروز ؛ 
شفاهكم تقطر دعرًا وفحشا طول اليوم ؛ أما هم فلا يتشدقون بكلمة نابية أو مؤذية 
فيما بينهم .* - “هل يقول الدروز ؟ الله ! أليس هذا الاسم هو الذى يطلق على ألد 
أعداء الإسلام ؟ - حسن ٠‏ يا خليل ٠‏ نحن نسلم بكل ما تقول , والأكثر من ذلك نحن 
نتمنى لك أن تكون بخير وسعيد ؛ تزوج واحدة من النساء اللاتى يعرضوهن عليك » 
وسوف تصبح أحوالك أكثر سهولة ويسرا » نظرًا لأنك سيكون معك من يشاركك 
أفراحك وأتراحك : وإذا ما أردت وضع حد ذلك الزواج تستطيع فعل ذلك فى أى وقت 
تشاء ." - “ولكن ليس حسب الدين المسيحى ٠‏ - 'ومع ذلك هناك مثل جيد » من 
الحكمة أن يتواعم الإنسان مع المتوال أى الأسلوب حيثما يكون .* 

عندما قالوا لى : “إننا أحرار فى الزواج والطلاق ؛ وهذا أفضل مما لديكم : ' كان 
الرد عندى جاهزاء "لقد أعطى الله آدم زوجة واحدة؛” وهنا صمت الجميع متدهشين فى 
دواخلهم أن الكتاب المقدس يعارضهم .- كانت هناك شابة أخرى ؛ أنجبها دولانى 
(موظف حكومى) فى البلدة, ويينما كنت جالسا ذات يوم فى ورشة الحداد دخلت الفتاة 
لتتحدث مهنا + ويعد أول كلمة تدر من قمها سالتتى تتركيز شديد عم إذا كانت 
يوسعى أن أتزوجها أم لا. سيدان #ذهلإه5: "إنه عرض طيبء وأنت ترى أن المرأة طيية 
الملامح وجميلة ! إنها أرملة , يا خليل , ولديها ولدين :" - وكأن سيدان أراد أن يقول : 
"الولدان سيكونا مكسبًا لك , والأمر هنا يشبه من يشترى فرسا ومعها وليدها ." - 
"هل مطلوب منى أن أتزوجك وحدك » يا سيدتى » أم أتزوجك ومعك أطفالك ؟ تعالى 
وسوف أرشح لك صديقا من أصدقائى , وأنا أرشح لك هذا الشاب الصغير » أم أنك 
ترغبين ٠‏ ذلك الشاب ٠‏ شقيقه » وهى يصلاح للزواج منك . ولكن الأرملة الشابة قالت وفى 
كلامها شىء من الاحتقار والازدراء : "هل تعتقد أنى سوف أجعل أى صاتع من 
الصنّاع زوجا لى !" 


5063 


كانت أجمل النساء فى البلدة كلها فجير ,5©[1 زوجة مضيفنا - جميلة ولكن 
لا يعرف الناس قدرها : 'نظرا لبخلها وعدم كرمها' - وكانت هناك جميلة أيضا من 
الجميلات » ابنة رجل مصرى يدعى إبراهيم » الذى نفى نفسه فى قرية تيماء » هربا من 
خطر قوانين بلاده ٠‏ أو ربما كان النفى لسبب غير ذلك . ذات يوم كنت جالسا على 
المصطبة عندما هلت علينا تلك العذراء الجميلة مقبلة علينا » كانت تمشى غير مكترثه 
بجمالها وحسنها ؛ ولاحظت ملامحها وقسماتها اللطيفة الحلوة . متفاضيا عن بقية 
جمالها : صمت الجالسون على المصطبة أثناء مرورها من جنينا ٠‏ وراخت نظراتهم 
تتعقبها وتتركز عليها . قال واحد.منهم وهى يسترد أنفاسه من جديد» 'رأيتها يا خليل ! 
هذه هى التى ينظم الشباب عنها الأغانى كيما يتغنون بها أسفل نافذتها أثناء الليل ؛ 
أين رأيت مثيلاً لها حتى هذه اللحظة ؟ خبرنا كم تساوى هذه العذراء . هذه الفتاة » 
كم يدفع لها من يريدها “مرا أى صداقا ؟ إبراهيم المصرى عاش سذنوات عدة فى 
تيماء » وكان يعمل فى تجارة التمر مع البدى , لقد جاء إلى تيماء من دلتا مصر , 
والذى لا شك فيه أن إبراهيم هذا لابد أن يكون قد عرف الأورييين ؛ هذا الرجل , 
عندما كنت أراه جالسًا أمام باب قهوته , كان ينهض واقفًا ويحيينى . وذات يوم عندما 
رآنى أقلب صفحات كتاب من كتب الجغرافيا فى منزل خلف , قلبت الصفحة ورحت 
أقرأ عن ذلك البلد التهرى ؛ وراح ذلك الرجل . يستمع بسرور .يالغ » بعد سنوات كثيرة, 
أسماء بلده وقراه ؛ وكان يستوقفنى ليصحح لى تطقى لأسماء تلك البلدان والقرى . 
وهنا تكلم شخص دخل علينا , “هل خليل كتيب ! 160815 (أى كاتب) بمعنى , هل خليل 
رجل ممن يعرفون الحروف؟" ورد عليه خلف قائلا: "إنه يستطيع القراءة مثل واحد متا؛” 
كان الشيخ نفسه يقرأ أمامنا متتعتعا ويطيئا ومتهجيا الحروف أيضا :- وما الذى 
يمكن أن يستفيدوه من حروفهم ؟ شيخ الدين يقرأ على الملأ لكل الناس فى المسجد فى 
أيام الجمع . يقرأ عليهم من القرأن الكريم ؛ وهذا الشيخ هى المحامى وهى المبرم 
لعقودهم الصغيرة والبسيطة ؛ - ويعد هذه الأشتياء , لا توجد أمور أخرى فى الواحة : 
هذا يعنى أن أهل هذه الواحة لا يمكن لهم أن يتحدثوا عن أى شىء فى الأزمان 
السابقة لأزمان أجدادهم . 


204 


عبد العزيز الرومان » أحد شيوخ الأسواق الثلاثة » كان أميا ؛ لم تكن هناك 
مدارس فى تيماء , وكان على الأبناء تلقى التعليم من آبائهم . قال لى بعض شبان أسر 
الشيوخ أنهم لا يعرفون من التعليم سوى الحروف الأبجدية .- وكانوا يجعلونى أستمع 
إليهم وهم يقولون : "أليق ؛هاه , با هط » تا 8 , ثا 8 , جيم لآل - ولكن عندما 
يصل الأمر إلى حد التعمق فى التعليم ٠‏ فإنهم 'يَكُبوه” طدهاة/ -ناط, بمعنى يتخلون عنه: 
هذا يعنى أن هؤلاء الناس لم يكونوا ممن يشغلون أنفسهم بالتعليم » أو أولئك الذين 
يسعون إليه . وفى كل صباح ؛ كانت حرارة الشمس تناديهم ليخرجوا من بيوتهم 
لممارسة الأعمال السهلة البسيطة التى يفرحون بها فى حياواتهم البسيطة . والتعليم 
عند العرب ليس سوى نوع من أنواع الفضول الذى يئلمهم ويؤذيهم » وهم يرون التعليم 
لا فائدة لهم منه » - التعليم عندهم مجرد زينة ينعم بها الأثرياء فى حياتهم الرغدة . 
هؤلاء القرويون الشمريون , أصحاب عقول ضحلة وخاوية ٠‏ وليسوا المآحين أو متأملين ؛ 
وهم عندما يفعلون أو يمارسون عملا بسيطا فى الوقت الرافن ٠‏ تراهم يعودون فجأة 
بعقولهم وأفكارهم إلى الوراء . ولذلك يقول الناس عنهم : "التيامنة جهّال . وغير 
متعلمين . ولا يفهمون الزمن أو يعرفون قدره .' والعنوز 855629 يطلقون عليهم المقولة 
التى تقول : "الشَمّر 8137 -65 عيونهم 8لا ةألالالاة حمر ؟7الالز ," - بمعنى أن 
هؤلاء التيامنة من أصحاب العيون الحمراء ؛ هذا يعنى أن هؤلاء الشمر قد يكشفون 
عن كرمهم للغريب ؛ غير أنه لا يمكن أن يأمن على نفسه وهى بينهم ؛” ولكن ذلك لا يعدى 
أن يكون مجرد فيض من فيض الأقوال والأمثال التى من هذا القبيل ؛ وترددها كل 
القبائل المحيطة بهم . 

قوة هؤلاء الحضر وسلاطة ألسنتهم يلاحظها البدى ويعرفونها جيدًا . وتيماء 
لا تذكر فى الجزيرة العربية ببئرها ( الحداج ) وإنما يذيع صيتها بتلك الكلمة غير 
المتحضرة التى يرددونها بمناسبة ويغير مناسبة. وهم يقولون "الشيطان فيها ٠‏ إبليس ! 
5 ! إبليس !"- وكلامهم يسير على النحو التالى : "الطفل لا يستمع إلى ما أقول » 
إبليس 6115| ! هل تعصانى ؟ إبليس ! ما هذا الذى كسر . ضاع ؛ تلف ‏ أ الذى فعل 
بطريق الخطأ ؟ إنه الشيطان ٠؛‏ إبليس ! إبليس !" وعليه فإن التيامنة عندما يقع شىء 
يثير المتاعب أو القلق , تراهم يصيحون 'واحسرتاه ! ثم يقولون : "إبليس' !' هذه 


23205 


الكلمة شائعة تماما على ألسنة الشباب والنساء والأطفال ؛ ولكن العقلاء من الكيار 
يحاولون الامتناع عن ترديد هذه العبارات أى الكلمات . وعندما سألتهم عن دواعي 
استعمال هذه العبارات والكلمات أجابونى قائلين : 'وأنت يا من لم يمض عليك فى 
تيماء سوى عامين ؛ لم تجد مفرا من أن تردد هذه العبارات والكلمات أيضًا !" 
اكتشفت أن النساء البدويات ؛ أثناء إقامتهن فى تيماء » قد أصين أيضا بتلك اللازمة , 
وكن يقلن من ضمن كلامهن 'الملعون إبليس' , أما الرجال فيقولون باحتقار ٠‏ "هذا 
الإبليس , الذى هو الآن على ألسنة حريمنا وقى أقواههم . سوف لن نسمعه بعد الرحلة 
الأولى ؛ وهذا يعنى أن إبليسهم هذا لا يمكن أن يُحمل على ظهور الإبل ٠‏ وهم يقولون : 
'حنا 16083 البدى #انالع61-58” . وهنا يجب أن نقر أن الآثار الضارة للعدوى الكلامية 
يمكن أن تؤذى تمامًا فى المناطق التى لا نكون فيها غرياء ! - فى تلك المناطق لا يتبقى 
لنا من فورات الغقل سوى بقايا لغوية متقاعسة غير معروفه لأية أمة من الأمم . - 
التيامنة سليطو الألسنة , لأنهم أصحاب عقول شريرة ؛ ... وإذا ما قارنا نسكان قرية 
العلا بسكان تيماء نجدهم 'يقولون » بين العلاونة » لا يوجد أناس طيبين » وكل التيامنة 
أصحاب قلوب فاسقة وفاسدة . - مبائى الناس فى تيماء عالية ووسيعة وصحرائهم 
مفتوحة » فى حين أن كل شىء فى قرية العلا ضيق ومستقيم . 

جرى التغاضى مرحليا عن إعادة بناء الحداج ( البئر ) من جديد : هذا يعنى أنه 
كان هناك حوالى أريع وأريعين سانية ( ساقية ) فى انتظار إعادة بناء البئر » وأن تلك 
السواقى أى إن شئت فقل : السوانى كانت تابعة لأحياء الشيخين الآخرين . كان خلف 
هى وأهل سوقه ( حيّه أو شارعه ) ٠‏ الذين انهار البثر من الناحية التى كانوا يستغلونه 
منهاء كانوا يعتمدون على سوانى الأحياء الأخرى ليفيدوا منها بعد أن يسحب أصحاب 
تلك السوانى أطقمهم الخاصة بجلب الماء . ودواب جلب الماء كلها نياق - ولكن الجمال 
الذكور » بالرغم من أنها أقوى من النياق » إلا أن الناس يعتقدون أن الجمال الذكور 
لا تكون سلسة فى العمل مثل النياق » فضلا عن إنها تستغرق وقتا طويلا لتدريبها على 
عملية جلب الماء - يجرى تعليقها فى حبال رفع الماء من البثر ؛ عند الساعة الثالثه بعد 
منتصف الليل » وهنا يتسبب صراخ السوانى أثناء عملها فى الواحات ٠‏ فى إيقاظ 


3066 


(البدى) الذين جاءوا من أجل التسوق ؛ من منامهم بعد تتاول السحور . وربات البيوت 
التيماويات يجلين من البساتين سلالا من العلف , لإطعام إبلهم التى تستعمل فى جلب 
الماء ؛ ويكون ذلك مع طلوع الشمس . هذا التبن ٠‏ الذى يبللونه بالماء » والذى يجرى 
تنعيمه أثناء الدرس لفصل الحب عن التبن ؛ يجرى خلطه مع أوراق القرع وأوراق 
الشمام وأية أعشاب خضراء تعثر عليها ربات الييوت . ويالرغم من أن أهل القصيم 
يعتقدون أن ذلك النوع من العلف ضعيف جدا ويفقد الإبل قليلا من لحومها ٠‏ ومن 
سنامها . الذى يمثل صحة هذه الإبل . إلا أن أهل القصيم يحافظون على ذلك النوع 
من العلف ويبقون عليه ؛ وفى بعض الأحيان يجرى تقديم وجبة لتلك الإبل من البلح غير 
الناضج ؛ فى ذلك القصل من العام . والإبل الجيدة يجرى استئجارها بالشهر . من 
البدى » بواقع مائة صناع من التمر لكل جمل من الجمال ٠‏ أى بما يعادل حوالى خمسة 
ريالات . - هذا العلف طيب الرائحة يوضع أمام تلك الحيوانات العاملة الضعيفة فى 
مدود من الطين ؛, يجرى تجهيزه عند نهاية كل مسار من مسارات السوانى . ويذلك 
يتسنى للناقة عند المنزول أن تملأ فمها من ذلك العلف قيل أن تبدأ فى الصعود من 
جديد . ويجرى فك تلك النياق من السوانى قبل الساعة التاسعة . إذ عندها تبدأ 
الشمس فى الارتفاع فى السماء . وتترك النياق لتشرب من “السريان" 5فلمنا5 
(القنوات) , - والإبل لا تشرب كثيرًا فى مثل هذه الظروف إذ أنها بحكم عملها فى 
الواحة تشرب كل يوم : ويجرى بعد ذلك اقتياد تلك الإبل إلى حظائرها » وفك عددها 
من فرق لهورها كيما تنال قسطا حن الرائعة »«وَكْجْدنَ طتنامها م وبالتالى يقني أفراك 
أطقم الماء لنيل قسط من النوم . وحبال جر الماء يصنعها البدو من ليف النخيل ؛ والذى 
يجدل هذه الحبال هم الرعاة الذين يعملون فى جلب الماء من الآبار ‏ فى كل الواحات 
على اختلاف أنواعها ؛ - ومن فى الجزيرة العربية لا يبادر إلى جدّل حبل يشده من 
حول نخيله ؟ والعمال الذين يعملون فى جلب الماء من الآبار يكسون حبال الليف بقطع 
من القماش حتى يحولوا بينها وبين الاحتكاك بجسم الناقة . وعند الساعة الثانية بعد 
الظهر يجرى إعادة النياق إلى العمل فى جلب الماء من جديد . وتستمر النياق فى 
عملها لحين غروب الشمس ؛ عندما يدخل وقت الصلاة » ويعود الناس إلى بيوتهم 
لتناول طعام العشاء . والبدى يعترفون أن العمل فى جلب الماء من الآبار عمل شاق 


367 


إذ إنه يفسد عليهم راحة الليل , - عندما تهددنا الطبيعة - زوجة الأب - من جديد فى 
رحمها المغذى ؛ وعندما يتغذى العقل اليائس على كثير من المواكب بهية الطلعة لمناظر 
أشد الناس بؤسا وشقاء من بين أقراد الجنس البشرى ؛ - وساعات الليل إذا 
نا قورتك اغا الحيان تكون كتويدة الدرودة + وعمال جلت المأءَمَن الآنان هم أفقر 
شباب القرية » وهم لا يرثون شيئًا , ودائما ما تكون أحوالهم من أحوال السخرة , 
التى تقوم على التعامل مع حبال الآبار » وهم يؤجرون أنفسهم لتلك الحرفة المؤلة . 

شاهدت » فى مرحلة لاحقة عمال جلب الماء من الآبار وهم يركّبُون اثنين من 
السواني عند حافة من حواف البثر المدمرة ٠‏ أ إن شئت فقل : المهدومة ٠‏ وعمل أولئك 
العمال طوال أتصاف الأيام وهم يستخدمون الإبل لرفع سلال من الأحجار والتراب 
الذى انهار وسقط فى البثر . وعندما وجدت أولئك العمال يعملون ببطئ فى رفع تلك 
الأحجار . قلت لصديق من أصدقائى : "هذا عمل بطيئ .” ورد على قائلا : "عملهم 
فاسد 8510 , وليست له قيمة . - 'لماذا تستأجرون هؤلاء البدى المساكين , طالما أن 
هناك كثيرين الذين يغرضون أنفسهم عليكم ؟” - “هذا ليس عمل البدو ؛ إنهم ليسوا 
رزيتين , ولا يتحملون القيام بعمل من هذا القبيل ." 

أرسل كل من خلف » وحسن . وسلامى ٠‏ شيوخ السوق ( الشارع ) فى طلب 
نياقهم ( التى غالبا ما تكون دوما فى المرعى مع البدى فى الصحراء ) : لأنهم سوف 
يركبون مع الرديف إلى حائل » ليتحدثوا مع الأمير فى شأن إلغاء بعض الضرائب إلى 
حين الانتهاء من إصلاح العطب. الذى حل ببئّر الماء . والمعروف أن القرويين عندما 
يسافرون فى فصل الصيف "يقيلون” ا » بمعنى "ينزلون عن دوابهم لتمضية 
فترة الظهيرة , فى الأماكن التى يعثرون فيها على الظلال . لم يكن الشيوخ صائمين 
لأنهم كانوا مسافرين » بالرغم من أنهم كانوا قى عز رمضان : والقرويون يمضون 
سبعة أيام فى الوصول إلى جبل شمر راكبين على ظهور نياقهم . - هذا يعنى أن هذه 
المسافة تساوى خمس رحلات من رحلات البدو . 

انهيار جانب البئر » سّهل على من يريد النزول إليه » وهذا هى ما فعله الكثيرون 
(القسم الأكبر منهم من البدى) حتى يتسننى لهم الاستحمام فى ماء البئر وإنعاش 


3068 


أنفسهم فى تلك الأيام . والمعروف أن ماء هذا البثر هو الماء الوحيد الذى يستعمله 
القرويون فى الشرب , ولكن العرب يتصرفون تصرفات أقل من المأمول منهم فى مثل 
هذا الأمر : لقد أحسست أن الماء تغير طعمه مع أننا كنا فى فصل الصيف بحرارته 
المعهودة . لم يتبق فى البثر بعد انهيارهء سوى القليل جدا من مبانى الجدران القديمة » 
التى كانت تتساقط وتهوى بين الحين والآخر ؛ وكان يجرى تجديدها بجدران جديدة ٠‏ 
كانت تبنى بطريقة سيئة تماما. صحيح أن الأحجار المستعملة من النوع الممتاز؛ ولكنها 
ليست مثبتة تثبيثًا جيدًا بالأسمنت . فى الجانب الغربى من جدران البئر أطلعونى على 
شكل من أشكال المبانى المزدوجة ؛ وفى المناطق التى ينقص فيها حجر من الأحجار ٠‏ 
يتصورون أن ذلك هو منظر الباب ٠‏ 'الذى كان الحريم تنزل منه إلى اليشر لجلب الماء 
يوم أن كانت تيماء يهودية"") . وبينما كنت فى البئر , قام بعض الأطفال الأوغاد بإلقاء 
الأحجار على النصرانى . ولقد شاهدت البدؤ مرارا وهم يستحمون فى تلك البثر » 
واندهشت كثيرا لافتتان أهل الصحراء الجافة بذلك الماء ؛ كانوا يردون على قائلين : 
"أيها الغريب ؛ لقد تعلمنا السباحة فى خيبر » حيث توجد هناك بعض البحيرات 
الصغيرة على حدود الحرة, وبخاصة فى الطريق المؤدى إلى وادى "الحمض” طا«سل+اع 
أى بالقرب من "الطبيق" إن : هؤلاء البدو كانوا من قبيلة بشر . 

تخيلت أن أولئك الشيوخ ٠‏ يمكن أن يثقوا بى ٠‏ فى مسألة الطريقة التى يمكن يها 
إعادة بناء الجزء المنهار من البثر : ولكن نظرا لأن هؤلاء الشيوخ كانوا قد سافروا إلى 
حائل : فقد رأيت أن من الأفضل إرجاء القيام بهذا العمل لحين عودتهم إلى تيماء . 
كان القرووون عتدماكيتوى البثر كومنوق الترات خلف الجدار كت مبوف استيدل 
ذلك التراب بترية جافة ومدكوكة ومكبوسة كبسا جيدًا ؛ وإذا ما كان ذلك سيؤدى إلى 
زيادة التكلفة , فإن الترية المتعفنة بعد خلطها بالحصى والزلط قد تكون أقل تكلفة , 
وتكون أخف أيضا عند,وضعها فوق التربة المدكوكة . يضاف إلى ذلك أن القسم الأكبر 


(*) كان من نتيجة الثورات التى قام بها اليهود فى أورشليم أن قام الرومان بطردهم من فلسطين فى عام ٠/ام‏ 
واتجهت جموع كثيرة من اليهود إلى جزيرة العرب حيث استوطنوا أخصب بقاعها فى يثرب وخيبر وحدك 
ووادى القرى وتيماء . (المراجع) 


3209 


من الأحجار التى استعملوها فى بناء الجدران كانت غير مشذبة أى خام ؛ وأما أتا 
سوف أحضر بعض الأحجار مريعة الشكل من أنقاض البلدة القديمة . وسوف أنقل 
تلك الأحجار على ظهور الإبل . وأبنى الجدران الجديدة » فوق منحنيات سهلة ٠‏ وأمنعها 
من السقوط عن طريق حوائط ربط تبنى من الخلف , لتكون بمثابة جذور للجدران 
الجديدة ٠‏ على أن تكون هناك أجزاء بارزة مثل الركُب ؛ فى اتجاه الماء . وكنت على ثقة 
أن الجدران إذا ما بنيت بهذه الطريقة فسوف تكون متينة » حتى وإن أدى الأمر إلى 
عدم استخدام الملاط . وقلت لهم ( وكان ذلك وعد منى ) أن البئر يمكن أن تظل على 
' هذا الحال , طيله مائة عام من بعدى ٠‏ وكذلك رأيت أن يكون هناك تحويطة حول كل 
جدران البئر » تكون على شكل إطار من جذوع أى دعامات النخيل . ولكنى اكتشفت 
أنهم . كعرب لم يكونوا متحمسين لهذه الفكرة , بل شككوا فيها أيضا ؛ بل إن البعض 
منهم طلب منى تأكيدا بأن الأحجار لن تسقط أو تهوى بعد رصها ؛ سألونى , "إن كنت 
بناءًا أى لدى أية خبرة سابقة فى عملية البناء ؟” ونظرا لأنى لم تكن لدى أية جوائز 
أى مكافآت , ونظرا أيضا لأنى كنت أكتفى بناقة وعليها سرج ٠‏ فقد اعتبروا هذين 
الأمرين مؤشرين على عدم كفايتى وقلة خبرتى ٠‏ ويالتالى فلن يفيدوا من ذلك شيئا . 
كان المْتَسلّم «ذالهوانا/ة , أى إن شئت فقل : مندوب بن الرشيد » يجلس فى 
معظم الأوقات على المصطبة الطينية ‏ فى فترات العصر , وكنت كلما مررت به أحييه 
تحية من القلب ولكنه لم يكن يرد التحية مطلقا . ذات يوم » ويينما كنت جالسا بالقرب 
من ذلك المتسلم , - كان يجلس وحيد! نظرا لأن أحدًا من الناس لم يكن يتشوق إلى 
صحبته أو يسعى إليها . - “قلت : ما الذى يشغلك ؟ هل أنت أصم , أم أنك تعتبرنى 
عدوًا ؟" اعتدل سعيد , الذى كانت روحه المعنوية متدنية , ورفع قامته قليلا حتى 
لا يهرب منى منظر جبهته الخطيرة ؛ ثم راح بعد ذلك يلتمس لنفسه الأعذار : "حسن » 
لقد كان فى زيارة لمصر : ورأئ أمثالا لى هناك +- لا : هو لا يمكن أن يعدتى عدوا له 
؛ الإتجليز "يهاشمون” 3510005الا (يتاصرون) سلطان الإسلام” . ثم سألنى هذا 
الرجل المهم سؤالاً واضحًا ومباشرًا : "خبرنى ؛ هل كان القدماء فى هذه البلدة يهودا 
أم نصارى ‏ - "أستطيع القول إنهم كانوا مثل هؤلاء الناس ! - وهنا أريته أولئك 
الأعراب الكثيرين الذين يضعون غترا على رءوسهم ويرتدون عباءات ٠‏ وكانوا يتسكعون 


1200 


حول بئر - يهود بالله .” ابتسم سعيد المتسلم ابتسامة خبيثة , لأنه اكتشف أن الغريب 
لم يخطئ فيما قاله عن التيامنة .- وخلاصة كل ما تعلمته ( من خلال طرح الأسئلة 
على العرب ) عن نظام حكومة ابن الرشيد هى ما يلى : 'يحاول التأكيد لهم أنهم يمكن 
كسيهم عن طريق الهدايا والعطايا ؛ ويشهر سيفه فى وجه أعدائه : ويدوس على من 
يخاقه أى يخضشاه ؛" والبدو يقولون عن ابن الرشيد » 'إنه لم يكن فى يوم من الأيام 
حاكما 1115 يحق » وأنه لم يطح برأس إنسان .. ويالرغم من أن بعض البدى يمكن أن 
يقولوا أشياء معيبة فى حق الحاكم ؛ وأن تلك الأشياء فيها كثير من الخلل والزلل » إلا 
أنها لا تتردد كثير فى القرى على شكل أسى أو أحزان . والقرويون يعتقدون أن حالهم 
على ما يرام تماما ؛ لأنهم يلقون معاملة عادلة . 

بعد احتلال خيبر , كانت الحكومة التركية فى المدينة (المنورة) تفكر فى الاستيلاء 
أيضا على تيماء .- وفئ العام السابق لاحتلال خيبر , كانت تلك الكتيبة من العجيل 
ومعهم المشاة وقطعة مدفعية ميدان واحدة , قد أرسلت من المدينة ( المنورة ) فى حملة 
سرية؛ أى إن شئت فقل: مهمة سرية فى اتجاه الشمال؛ وتهامس الناس بأن تلك الكتيبة 
كانت متجهة لاحتلال تيماء : ولكن الجنود بعد أن قطعوا مرحلتين من المسافة صدر 
إليهم أمر جديد يطلب منهم العودة مرة أخرى ٠‏ وبالتالى عادوا ثانية إلى خيبر . كان 
الناس يعتقدون أن كبار رجال المدينة ( المنورة ) جرى شراؤهم ٠‏ فى الوقت المتأسب , 
برشوة كبيرة دفعتها حائل. معروف أن الأتراك يحبون الفضة (النقود) » ويحبون أيضا 
التفخيم والتعالى ؛ ومعروف أن "سلطان الأعراب” الشمر ‏ كان يريد العمل مع الأتراك 
من هذين المنطلقين ؛ معنى ذلك أن سلطان الشمر كان يصطاد مع الأتراك فى مدينة 
الرسول . مستخدمًا الطعم التركى نفسه . كان التيامنة يعيشون طبقا لرغباتهم تحت 
حكم الحكومة النجدية الصريحة ؛ هذا يعنى أن أهل تيماء لم يريدوا للإمبراطورية 
العثمانية استغلال أية ذرة من المدينة (المنورة) لصالحها .- وقد أكد لى الأفراد الثقات, 
أن واحدا من الغرياء الذين زاروا تيماء قيل سنوات قلائل » جرى تضليله فى الصحراء 
ثم قتله بعد ذلك. بأمر من خلف , نظر لأنهم شكوا فى أن يكون جاسوسا للامبراطورية 
العثمانية ! قتلوا ذلك الغريب المسكين مخافة أن يجر عليهم ويلات الإمبراطورية 
العثمانية الكئيبة ؛ سمعت من بدى الفكارة أن ذلك الغريب كان "عبدًا” هدم . 


371 


لم يزدهر حالى فى مسألة علاج المرضى فى تيماء » فهؤلاء الذين قدموا الدليل 
على الأدوية فى أيامنا هذه يصعب عليهم التمسك بتلك الأدوية فى الغد نظرا لعدم 
المبالاة أى الاهتمام بتلك الأدوية ؛ وأفضل هؤلاء الذين قدموا الأدوية لم تكن لهم سوابق 
فى هذا المجال . ولذلك فهم يشعرون بالقلق عندما يبتلعون تلك الأدوية لوحدهم . هذا 
هى داريم 036/658 ؛ أحد الشيوخ ؛ كان مريضا بالاستسقاء ؛ وكان أصدقاؤه يهتمون 
معى بشأن هذا الرجل . جاء ذلك الشيخ ذات يوم عائدا من صلاة الجمعة . قبل حلول 
شهر رمضان ؛ وأحس بالحر فشرب شرية ماء باردة من القربة » واعتبارا من ذلك 
اليوم بدأ جسم هذا الرجل يتورم . خلطت لذلك الشيخ شيئًا من قشدة:٠الطرطيرا*)‏ , 
مع شىء من الماء » ثم شرب هذا المحلول . وتحسن حاله ‏ ولكته سرعان ما بدأ يهمل 
تثاول الدواء , "لأنى لم أشفه فى سبع ليالى" ويالتالى رفض تناول الدواء بعد ذلك . قلت 
للأصدقاء , "أعتقد أنه لن يعيش أكثر من عام أو عامين ؛” - ولكنهم استمعوا إلى ما 
قلت دون اهتمام أو مبالاة ؛ الأمر الذى جعلنى أستشعر القلق والفتور فى داخلى . 
“ردوا على ٠‏ أن الموت والحياة بيد الله !' جاء إلى أشخاص آخرين يطلبون منى علاج 
عيونهم ؛ ولكنهم كانوا يخشون دفع ست بنسات أوى صاعين من التمر على سبيل 
الأتعاب للطبيب » بل إن البعض من هؤلاء عادوا إلى بيوتهم وهم يسبون ويلعنون لأنى 
لم أعطهم الدواء على سبيل الهدية . البدى , فى القرى . كانوا يلجأون إلى الحكيم 
بطريقة أكثر صراحة ووضوح ٠‏ وينوايا طيية أيضا , لعلاجهم من السعال الذى كانوا 
يحسون بآثاره فى عظامهم » ولعلاجهم أيضا من أمراض الامعاء » - أى إن شئت فقل 
من أمراض الصحراء ؛ ولكن أفراد قبيلة العنزى كانوا يلجأون إلى الحكيم لعلاجهم من 
حمى الملاريا التى كانت تصيبهم قى خيبر . 

يشيع فى شهر الصيام بين هؤلاء الناس ؛ نوع من أمراض الروماتيزم ؛ ويرجع 
سبب هذا المرض ( الذى يندر أن يوجد فى البلدان متوازنة الغذاء ) إلى شرب الماء 
البارد قبل النوم » بعد أن يجرى تبريده فى قراب الماء ؛ وقد يكون سبب ذلك المرض 
راجع إلى أن هؤلاء الناس ينامون فى العراء بلا غطاء , وبالتالى يضر برد الصباح 


(ه) هو ثانى طرطرات البوتاسيوم الخام . ( المترجم ) 


32 


صحة هؤلاء الناس , عندما يستيقظون من منامهم ويجدوا الصقيع حول عيونهم 
المتورمة . هذا المرض يستمر مدة عشرة أيام يحس المريض خلالها بألم يشبه ألم 
التراب عندما يكون فى العين . كما يحس أيضا باحتقان واحمرار شديد فى العينين , 
الأمر الذى ينذر بخطورة تسرب أية مادة إلى القرنية ؛ هذا المرض يشيع فى معظم 
المستوطنات النجدية ؛ إلى حد أنه من بين كل ثلاثة أشخاص يكون واحد منهم مصاب 
بهذا المرض . هذا النوع من الرمد أصيل فى السلالة العربية » كما أنه يصيب الغرياء 
الذين يعيشون فى هذه المناطق : وهاهم الأحباش هم وأطفالهم يعانون هنا من هذا 
المرض , ولكن هذا المرض لا يصيب سوى قلة قليلة من الزنوج ؛ وقد وجدت أسوأ 
حالات هذا المرض فى خيبر ٠‏ بالرغم من أن الناس هناك يعيشون الحياة الريفية 
نفسها . هذا هو محسن ومعه شخص أخر فى المنطقة التى ننزل فيها » أى إن شئت 
فقل : فى المخيم المقام على أرض الواحة ؛ أصيب فى عينيه ويحس فيهما بوخز شديد ؛ 
ولكن هذا المرض مر مرور الكرام ٠‏ نظرًا لآن هذا المرض مقصور على الواحات ؛ وليس 
من أمراض الصحراء الجافة . وأنا تفسى » كنت أشرب كل مساء ؛ شرية ماء كبيرة 
من قراب الماء المعلقة , وأتا أنظر متأملا فى ذلك العدد الذى لا ينتهى من النجوم ! - 
ذلك المنظر السماوى الذى لا يمكن أن تحرمنى من رؤياه أيام الحياة المتعبة التى تمر 
على : ثم شربت مرة ثانية من ذلك الماء عندما كان فى ذروة برودته » قبيل طلوع القجر 
. وذات صباح » وكان ذلك فى متتصف شهر رمضان ٠‏ أحسست بتورم فى عيناى ؛ 
وهنا » وعلى العكس مما يفعله العرب , واعتمادا على العلم الذى استقيته من كتبى , 
رحت أغسل عيناى بصورة مستمرة . والعرب يقولون : "لا تجعل الماء يلامس العين إذا 
ما أصابك ذلك المرض . ولكن غسيل العين بصورة مستمرة هو الذى خفف الألم 
ومكننى من فتح عيناى .- ولكن أهل الجزيرة يواصلون التمسك بخرافتهم عن موضوع 
استعمال الماء مع مثل هذا المرض ٠‏ بل إنهم يحولون دون استعمال الماء مع أى شكل 
من أشكال الالتهاب . 

مضت عشرة أيام على إصابتى بذلك المرضء وكان يدور بخلدى, “ماذا لى خذلتنى 
عيناى ! - وأنا فى هذه الأرض المعادية وبعيدا عن كل ما يلزمنى ويصلح لى ." كان 
بعض أهل القرية , وأنا أمر عليهم أتحسس طريقى بألم بالغ , وأكاد لا أرى الأرض » 


373 


كاثوا يسألونى , “أين أدويتك !” وكانوا يرددون المقولة القديمة "أب قراط يعالج نفس . 
وبعد أسبوعين, من ترك الماء . بدأ الالتهاب يخف . وشفيت عيناى » وأنا أحمد الله على 
ذلك ! إذ لم تحدث لى أية مضاعفات. بقى نظرى ضعيفا إلى حد ما بعد شفاء عيناى , 
ولم تكن رؤيتى جيدة مثلما كانت عليه من قبل ٠‏ يوم كنت فى الجزيرة العربية ؛ وكنت 
دائمًا أحس وخا فى عيناى ؛ بل كان ذلك النوع من الرمد يعاودنى عندما كنت أرشف 
الماء البارد أثناء الليل , - اللهم باستثناء تلك الليالى التى كنت أتناول فيها عشاء من 
اللحم . ولقد تعلمت من الخبرة ومن التجربة أيضا ٠‏ أن الإنسان ينبغى ألا يشرب الماء 
أثناء حرارة اليوم الجاف ٠‏ ويفضل عدم شرب الماء إلا بعد غروب الشمس ؛ والمثل 
الشعبى ؛ فى البلاد العربية التى تشرب الماء يقول "شرب الماء قيل النوم يعد واحدًا من 
المبالغات التى تؤذى جسم الإنسان ." قال لى أحد التيامنة , وهى يشعر بالأسف لا 
أصابني: "هذا لأنك أصايتك العين (الحسد) - ماذا! ألا تفهم المقصود بإصابة العين ؟ 
المؤكد أنهم نظروا إلى عينيك ؛ يا خليل ! لدينا بصاصين ( قاتلهم الله ! ) يعيشون 
بيننا » يستطيعون من خلال نظرات عيونهم (الحاسدة) أن يسقطوا طائرا من السماء ؛ 
وسوف ترى ذلك الطائر وهى يهوى من السماء صارحًا كاك )ةا - كا 8)ا - كا 18 - 
كا هكا . وأنا أقسم بالله » إن نظراتهم ( حسدهم ) يمكن أن تنسف نخلة على نحو 
تراها تذوى وتذبل . - هذه أشياء يؤكدها كثير من الشهود المخلصين ." 


عندما كنت أمر فى السوق ( الشارع  )‏ كان كثير من الناس ( كلهم من البدو ) 
يمدون إلى أيديهم وهم جلوس على المصاطب ,٠‏ من باب أنى لدى مهارة قراءة الكف : 
كان الكثيرون منهم يتطلعون إلى قوة الشعوذة فى النصرانى , وكانوا يرجونى نيابة عن 
أصدقائهم المرضى ( لأنهم يرون فى تسود مهارة الطبابة ‏ القدرة على تقييد الجان ) ٠‏ 
لم يكن لدى هؤلاء الناس ما يقولونه ؛ عندما عبرت عن احتقارى لاستيائهم » عن طريقة 
التعبير عن احتقارى وازدرائى العلنى للشعوذة والدجل » لأنى لى واققت على ذلك 
وجاريتهم فيه ؛ لكنت قد جعلتهم ينظرون إلى وكأنى أقذف دينهم بالأحجار : ومع ذلك ٠‏ 
فقد اكتشفت بعد ذلك فى مدينة حائل أن الدجل والشعوذة كانت تحيا هنا تحت ستار 
التسامح , - هذا النوع من الخرافات التى لا تمت للدين بصلة . هى والتصرفات 


5304 


والتعاملات التى يدعى أصحاب العقول المريضة أنهم يأتونها مع العالم السفلى , 
لا تتوافق مع المذهب الوهابى!*) . 

الشىء الخيالى العجيب الذى وجدته فى تيماء ) والذى يشبه إلى حد يعيد 
الحكايات التى يحكيها البدو الرحل عن المناهل , ) يتمثل فى أن لديهم واحة من واحات 
الأشباح يطلقون عليها اسم "عوينات 086الإ»نالم مسلات 14 الأمان مهسة -اك .” 
"هذه الواحة تبعد مسير ثلاث ساعات بالإبل » عن تيماء فى اتجاه الشمال الفربى » 
وهى مسكونة فى معظمها بالبدى . والعبيد والخيول تنبثق من مظهر النخيل المسحور ؛ 
.ولكن كل ذلك يختفى إذا ما اقترب الإنسان من هذه الأشياء ." 


فى إحدى القرى ؛ لم أتمكن مطلقا من الهرب ( من طاعون تلك العقول المعدى ) 
من التشدد الإسلامى . والتيامنة بحكم كونهم تجارا متلاعبين » ويسبحون فى مظاهر 
الحياة الجنسية والحسية , هم من المسلمين الذين لا يتسسكون تمامًا بالعقيدة 
ولا يعضون عليها بنواجزهم » وهذا ينسحب: أيضا على الصوم وعلى الصلاة . الناس 
هنا , كما فى نجد , يبدون كما لى كانوا مؤمنين جددا فى إطار دين فتى جديد » 
أى كما لى أن محمدًا ( مه ) نفسه قد مات من بينهم منذ فترة وجيزة : هذا يعنى أن 
الجميع كانوا مشغولين بالدين طمعا فى الحصول على نعم الله ؛ - الدين هنا هى 
الشغل الشاغل والطريقة الوحيدة التى يزجى بها هؤلاء الناس أوقات حياتهم الفارغة . 
نظف الوهابيون هذه التربة وطهروها من الحشائش الضارة , التى تخلفت عن 
الأعشاب القديمة الزائفة والغريبة ٠‏ ويالتالى فإن هذا التجديد لا يمكن أن يغيب عن 
الوعى العام فى عشية أو ضحاها . التّعبير » والاستهزاء والمقاطعة والخصام كلها أمور 
صارخة وغير مستحبة فى المزاج العربى : والتشدد فى هذه البلاد ‏ يكمن أو يتأصل 
فى الأفراد الذين يعانون من الحرمان . والدين عندما يتملك العقول الطيبة يصبح أمرا 
مستحيا » ويصبح بحاجة إلى التخلى عن شىء من حب الذات المؤلم ومن التطرف 
أيضا ؛ حب الذات هى والتعصب والتزمت فى العقيدة يسرى بين الناس هنا باعتباره 


(*) ليس هناك مذهبًا وهابيًا كما يذكر المؤلف وإنما الاصع التعاليم الإسلامية الصحيحة التى دعا الشيخ 


305 


ثمرة طيبة من ثمار الروح الناجمة عن وطنية الناس الدينية هنا . - الوطنية والدين ! 
يبدو لنا أن كل الفضائل تكمن فى هذين الأمرين ؛ ولكن الإفراط فى أى منهما تنتج عنه 
مصائب كثيرة ! - كان المتشددون يصيحون فئ قائلين : "جوم ! 65053 أطلب طدالانا 
ربك عانااطنا8 ,” بمعنى "أنهض » يا أنت ٠؛‏ وأدعى ريك وأطلب منه .“ الشباب الذى نتج 
عن هؤلاء المتشددين ؛ كان شبابا ضعيفا » لا يحظى بالحب ويشعر بالتعاسة ! كانت 
تنهال على كلمات كثيرة من هذا القبيل من ألسنة بعض النساء : وكان يدور بخلدى أن 
هؤلاء الناس ؛ كانوا يشبهون سماسرة السماء ؛ وأن كل إنسان يتعين عليه أن 
يتحاشاهم ويتجنبهم ! ومع ذلك لم يجرئ أحد من هؤلاء على سب النصرانى فى القرية 
لأنى كنت بصحبة البدى » وتحت رعاية شيوخهم . 

تعرفت على رجل صغير فى منتصف العمر ؛ يدعى إبراهيم » وقد انحدر من 
أسرة رومانية وذلك على العكس من بقية سلالته ‏ وإبراهيم هذا بحل عافل يتكزت فى 
كلامه ٠‏ ويعرف القراءة والكتابة . ويبدو أن هذا الرجل يتمتع باعتدال عقلى فريد بحكم 
اتصاله بكل أجواء العالم من حوله . إبراهيم هذا عاش منفيا فترة طويلة فى ينبع 
دطمة/ النخل اطلانالا-90 . وها هى يعود ثانية ( بعد دفع الفدية ) إلى محل إقامته 
الأصلى . اكتشفت أن إبراهيم هذا ؛ كان فقيرًا جدًا . ولم يحدث مطلقا أن دعانى ذلك 
الرجل إلى ما بعد عتبة كوخه » الذى لم يكن فيه وجار للقهوة ؛ ولكن ذلك الرجل كان 
يرد دائما ردًا كريما عندما كنت أطلب أو أسال عن شىء على مرأى ومسمع منه . 
دعانى إبراهيم فى يوم من الأيام لمرافقته للتمتع بنسيم العصر » حيث سيرينى صُور : 
وأطلال تيماء (الفسيفسائية) القديمة . هذا هو سور المدينة القديم , الذى أصابه شىء 
من الدمار ‏ يرتفع كما لى كان خندقا » أى قناه طويلة تشكل الكثبان الرملية الصحراوية 
ضفتيها؛ ؛ هذا السور يمتد لمسافة ميل فى اتجاه الجنوب من فوق مستوى الواحة. كانت 
بداية ذلك السورء التى وصلنا إليها مبنية من كتل كبيرة من الحجر الرملى جرى رصها 
بطريقة بدائية وغير فنية . كما أرونى أيضا تلة يصل ارتفاعها إلى ارتفاع السور , 
ومن فوقها كومة من أحجار البناء ؛ وهم يطلقون على تلك التلة اسم 'قصر 386 
بدر +860 بن 1527 جوهر #اول” , ويدر هذا هى أمير تيماء القديمة فى زمن اليهود * - 
وفى تراث كل من خيبر وتيماء لا توجد أية إشارة إلى "الأمير صمويل !5850006 


376 


الحاكم اليهودى لكل من خيبر وتيماء ( هذا الحاكم ذاعت شهرته فى الماضى ) : 
والمعروف أن السكان الذين لا يعرفون القراءة والكتابة جديدون على تيماء . إضافة إلى 
أن أهل الجزيرة العربية ليست لديهم سجلات لمثل هذه الأمور . قالوا لى : "إن هناك 
وجَاجًا إدززة//ا مدفونا تحت الرمل ٠‏ وأن هذا الوجاج عبارة عن بئر ضخمة أخرى مثل 
الحداج .* رافقنا فى تلك الجولة اثنان من عبيد أسرة ذلك الشيخ ؛ بعد أن حصلا على 
حريتهما ؛ جاء إلينا هذان الرجلان وكانا يرتديان ؛ فى شجاعة وجسارة ؛ ملابس 
أولئك الذين ينحدرون من سلالة الزنوج ٠‏ وكان كل واحد منهم يحمل سيفه . قفز هذان. 
الرخلان وهما يضحكان بين الأنقاض » وراحا يجريان مثل التلاميذ عندما يخرجون 
من المدرسة ليسالانى : “ألا يرضينى أن أقيم فى تيماءوأتقب لهم عن ذلك الوجاج ؟ 
(موقع هذا الوجاج غير معروف) ويالتالى تتحول كل ترية ذلك السور الجرداء إلى 
حدائق مثمرة .” 

اكتشفت عن طريق ملاحظة البارومتر , أن المدينة القديمة تقع على ارتفاع 
خمسين قدما فوق مستوى القرية :- هذا يعنى أن حفر البئر عند هذا الارتفاع ينيغى 
أن يصل إلى عمق مضاعف ؛ ولكن ذلك العمق لم يكن أكبر من الأعماق المماثلة فى 
'كثير من قرى نجد . شاهدت أيضا فوق التربة آثارا لقنوات رى قديمة . هذه القنوات 
التى كانت تستخدم فى توصيل الماء ‏ كانت أمام أعين هؤلاء الناس بصورة مستمرة : 
ومع ذلك لم يكلف أحد منهم نفسه بتتبع تلك القنوات» حتى يتسنى له معرفة بدايتها . - 
لى قدر لأى إنسان متفتح أن يولد بين هؤلاء الناس » ألا ينبغى له أن يروح فى 
ثيات ذلك الإهمال والفتور ؟ يدا الإنسان وحده لا يمكن أن تحققا مشروعا كبيرا ؛ وإذا 
لم يكن هناك من أحد يرافقه ويقف إلى جانبه » فإنه سوف تفتر همته وتضيع شجاعته 
! هذه القنوات الصغيرة بدائية الصنعة وغير متقنة ؛ وهذه البدائية هئ وعدم الإتقان 
أمران شائعان فى مناطق الأطلال القديمة فى الجزيرة العربية . والناس هنا يظنون أن 
عيون الماء يمكن العثور عليها تحت سطح التربة ؛ وقد عثر الناس وهم يحفرون.فى 
الأرض على بعض المجارى المائية القديمة . وقد سمعت هؤلاء الناس يتكلمبون عن 
استئجار بعض الأشخاص المهرة من قرية العلا . كى يقوموا بالبحث عن تلك العيون 


3177 


المائية : ولابد أن يكون ذلك الكلام قد دار على ألسنة هؤلاء الناس على امتداد 
ستوات كثيرة ! 

وفى مرحلة لاحقة . وعد أن جاء بدو الفكارة واحتلوا الديرة من هذا الجانب : 
غامرت بالدخول إلى الصحراء كى ألقى نظرة على كل تلك الخرائب والأنقاض . وأثتاء 
تجوالى خلال هذه الأتقاض والخرائب ٠‏ وجدتنى أعبر أى أتجاوز مسور المدينة القديمة ؛ 
وكانت المنطقة الواقعة داخل هذا المسور عبارة عن رمل وزلط صحراوى ٠‏ وخارج ذلك 
المسوّر شاهدت مساحات من الشوارع القديمة أو إن شئت فقل أحجار أساس 
المنازل . كانت مصنعية بناء ذلك السُور الكبير مصنعية بدائية وغير متقنة ؛ فقد كان 
المسور عبارة عن كتل كبيرة من الحجر الرملى مرصوصة باستعمال ملاط من الطين : 
كانت المسافات فيما بين وجوه الأحجار محشاة بالملاط الطينى نقسه ء الذى لا يؤثر 
فيه مناخ هذه اليلاد . وبالتالى يزداد صلابة وتماسكا مع مرور لوقت . من هنا فإن 
العفل القديم يبدو كما لى كان جدارا من الصلصال صفنع البِنَّاء له وجها ؛ ويصل سمك 
الجدار إلى ما يقرب من القامة ,و (فى المنطقة التى يبرز السور فيها الرمال المتحركة) 
يصل ارتفاع السور إلى ما يزيد على ثلاث قامات . شاهدت فى مكان من الأماكن 
برجا منخفضا ( فل كان ذلك البرج قبرا ؟ ) وقد امتلأ تماما بالصلصال ؛ كما 
شاهدت فى مكان آخر يابّا سرّيًا كانت عارضتاه الجانبيتان مصنوعتان من قطع كبيرة 
من الأحجار . كما شاهدت أيضا شظايا صغيرة حمراء اللون وشظايا أخرى من حجر 
شفاف حليبى اللون , كل هذه الشظايا كانت مبعثرة فى سائر أنحاء البلدة القديمة ؛ 
وكل هذه الشظايا غريبة على هذا البلد . [شاهدت شيئًا من هذا القبيل فى مواقع 
قديمة على ساحل الخليج القارسى.] - ولكنى عندما رحت أبحث حول تلك الجدران عن 
نقوش أثرية من نقوش تيماء , لم أعثر على أى شىء منها : كانت عيناى ؛ لا تبصران 
جيدا . بفعل الرمد الذى أصابهما , إضافة إلى أنى كنت أتحرك بخطى الشخص 
الهارب» وحدى وحافى القدمين: وكنت أخوض وأغوص فى الرمال المنجرفة الساخنة .- 
شاهدت فى الريحة 5698 أنقاضا لبعض القرى » ويعض الأبيار , وكذلك بعض 
القنوات.المهدمة . كما شاهدت غند الأفق قممًا من الحجر الرملى فى اتجاه الجنوب 
الشرقى على بعد أميال قليلة من تيماء . كما شاهدت أيضا فوق الأرض المرتفعة 


3278 


الواقعة خلف ملاحات الواحة فى اتجاه الشرق , مبنى قديما دائريا ‏ ريما كان معقلا 
أى قلعة من القلاع القديمة ؛ أو ريما كان هيكلا 81/ا© حسبما يتصورون , والمقصود 
بالهيكل" هثا'هو 'معبد وثتى" كان يطل على تيساء كلها : الناس مما يذعون أن ذلك 
الهيكل ؛ أى إن شئت فقل : المعبد كان كبيرا مثل قصر رلُوم #الاااه2 ؛ وأنا لم أتمكن 
من زيارة ذلك المعيد . 


يضاف إلى ذلك أن إبراهيم أبلغنى, - وأنا لا يمكن أن أثق تماما يما قاله ؛ نظرا 
لأن البدى لم يؤكدوا ذلك الذى قاله , - "أن هناك أرضًا . اسمها "الخبو داططنطهاداء 
(الخبة طهططتط»ا) بالوادى 2097 011 المهجع 180033 ", تحت جيل غنيم «الإهدمة:68 , 
وفيها كثير من الأحجار العالية الواقفة على أطرافها ٠‏ ومن فوقها نحت لعينين بشريتين 
وأنف وقرون من الشعر , ومن الأسفل يوجد نقش 581658 .“ وقد ذكرتنى كلمات 
إبراهيم بذلك الحجر الذى سبق لى العثور عليه فى قصر رَلُوم *دااا2 ! ترى , هل كان 
إبراهيم يقول الحقيقة , أم أنه كان يكذب على الغريب فى مثل هذه الأمور ؟ ربما كان 
يتكلم عن مدفن تيماء القديمة » فى زمن الإنجيل ! ولذلك راودتنى رغبة قوية فى زيارة 
المكان . ؤعندما سألت محسن عن ذلك قال لى : 'إنه كان يرعى الماعز عندما كان طفلا 
فى ذلك الجانب كله من الغنيم' - ولكن ماذا عن تلك الخية داططتاظ! ؛ فوالله . حسب 
علمه لم يكن هناك شىء من هذا القبيل ‏ كما أنه لم يصدق ذلك الكلام . والمؤسف أنى 
كنت فى البلدة فى ذلك الوقت » وكان البدو الغرياء يتوافدون على البلدة قادمين من كل 
جانب » إلى حد أنى لم أستطع التأكد من هذا الأمر أى التحقق منه . ولم أسمع أن 
أحدًا عثر على قطعة من النقود القديمة فى تيماء » سواء أكانت تلك القطعة من الفضة ' 
أى الذهب أو حتى من النحاس الأحمر . معروف فى البلاد العربية أن نقود الكنوز 
تجلب الحظ وأنها تصلح للعزائم والرقى ؛ ومن يعثرون على نقود الكنوز يذهبون بها إلى 
الحداد ليصنع لهم منها خواتم أو أشياء تتزين بها نساؤهم وأطقالهم . أرانى شافى 
/319: إناء إغريقيا عثر عليه ( فارغا ) عندما كان يحفر فى أرضه ؛ هذا الإناء يشبه 
دوارق الزيت المستعملة فى جنوب أورويا ؛ - فى ذلك الوقت لم يكن هناك أوعية طينية 
فى تلك الأجزاء من الجزيرة العربية ! كما عثرت على بقايا أوانى القدماء . وكثير من . 
الزجاج المكسور فيما بين جدران الواحة وملاحات تيماء . والناس هنا يقولون إن تيماء 


379 


الأثرية كانت عبارة عن بلدة قديمة داخل هذا السور . وأن تلك البلدة كانت لها ثلاث 
منواسي؟ القرت «والشوق ؛ والحداج ( البئر ) ؛ وهى موجودة حاليا : وهذا الذى يقوله 
الناس هنا نقلا عن التراث يحتاج إلى إعمال الذاكرة فيه جيدا » "كانت المدن القديمة 
لهذا البلد سبع مدن : تيماء » والحجر ال ()ةأططناةء وام جسور 50935504نا 2 
وخيبر ؛ والخريبة'» والمجيرة 8009613 " 

ذهيبت فى أحد الأيام إلى مكان جرى فيه مؤخرا اكتشاف بثر قديمة أعيد 
افتتاحها . كان ولد صاحب البئر » أو إن شئت فقل : مكتشفها ٠‏ يقود جملا عند البئر 
لجلب الماء . إلى الحوض الجديد الذى جرى إنشاؤه على قطعة من الصحراء ؛ جرى 
تسويرها بالفعل وحرثها وتقسيمها إلى قطع صغيرة لزراعة الحبوب ؛ هذا الماء كان 
أبرد من المياه الأخرى , ولكن طعمه لم يكن سائغا » مثل مذاق الماء الذى يجرى جلبه 
من الحذاج . تسلق الرجل ذلك السور الطينى ( إذ كانت هناك ثقوب فى أسوار 
البساتين , الأمر الذى كان يمكن النساء أيضا من تسلق ذلك السور ) , ثم عاد إلى 
بهدية من الرمان : والعرف فى البلاد العربية ‏ يقضى بأن من يدخل حقل الفير أو 
بستانه يصبح ضيفا على ذلك البستان ٠‏ ويقوم صاحب البستان بملئ يدى ذلك الضيف 
بالفاكبة إذا ما تيسرت وكان ذلك أوانها . وعليه . ومع استمرار الصبى فى اقتياد 
الناقة . من خلال صوته . جلس معى لنتحدث سويا . هذا البئر الذنى يصل عمقه إلى 
سبع قامات أمكن تطهيره بواسطة ثلاثة رجال من رجال الرحلات ؛ بواقع ستة بنسات 
أو ثمانية بنسات فى اليوم الواحد , وعلى امتداد خمسة وعشرين يوما » أى أن 
التكاليف الإجمالية وصلت إلى ما يقرب من عشرة أو اثنى عشر ريالا ؛ كما أن هذه 
الأرض الجديدة التى تصل مساحتها إلى ثلاثة أى أربعة أقدنة » التى جرى إعدادها 
كانت تساوى ما يتراوح بين مائتى وثلاثمائة ريال أى بواقع ما يقرب من ١6‏ جنيها 
إنجليزيا للفدان الواحد . كان الأمر مازال يتطلب شيئا من الإنفاق على زراعة بعض 
من فسائل النخيل ؛ يضاف إلى ذلك تكاليف استئجار الإبل كل عام ؛ إضافة إلى 
الأجور التى تدفع لمن يقومون على أمر اقتياد تلك الإيل » وهى تعمل فى جلب الماء من 
اليئر . هذا يعنى أن فسائل النخل الصغيرة سوف تثمر خلال خمس أو ست سنوات » 
وتصبح تخيلا كد كبيرا خلال خمسة عشر عاما : وتثمر يعد ذلك بكل طاقتها » - ثمار هذا 


300 


النخيل كل عام لا تتعدى قيمتها المائة ريال : هذا يعنى أن إنتاج ذلك الحقل الحظيظ , 
لا يمكن أن يغطى فى النهاية تلك التكاليف الكبيرة التى أنفقت عليه . وأية حوطة من 
حوطات تيماء عندما يبيعها مالكها » يدفع المشترى جزءا من ثمنها بالعملة الفضية , 
أما بقية الثمن قيجرى سداده على شكل تمور » ومستلزمات البيوت ٠‏ وعلى شكل 
أوانى؛ - وهذه الأشياء .فى وسجاجيد الجلوس ؛ هى كل المنقولات التى يمكن أن ٠.‏ 
يراها أى إنسان فى منازل الجزيرة العربية . وقد يبيع البائع التمر نظير مبلغ من 
النقود » إلى البدى الذى يفدون إلى تيماء طلبا للتسوق والتبضع . 

أخذ مسور تلك الحوطة الجديدة يمتد إلى أن تعدى محيط الواحة فى اتجاه 
الصحراء : هذا يعنى أن تيماء ليس لها سور عام من حولها ٠‏ ولكن أقسام هذه الواحة 
كل واحد منها مسور بواسطة الجدران الخاصة بالأفراد أنقسهم . فى هذه المستوطنة 
هناك حوالى أربعة أى خمسة طرق ٠‏ أو إن شئت فقل : مسارات ٠‏ عند نهاية الطرق 
العامة . - والجزء البعيد من تلك المستوطنة تتحكم فيه البوابات ؛ ومع ذلك يستطيع 
المشاة التجوال فى المستوطنة طوال الوقت من خلال فتحة موجودة فى الجدار الجاننى 
( وهذه الفتحة ضيقه جدا ) , - هذا الشىء له مثيل أيضا فى القرى السورية الواقعة 
فى الصحراء مثل قرية كرياتين التى تقع قيل بالمرا 5/3 . - وقعت عيناى » ذات 
يوم فى الصباح الباكر ٠‏ على جماعة كبيرة من بدى الشرارات , الذين كانوا ينتظرون 
السماح لهم بالدخول ؛ عند البوابة الشمالية ؛ وكان هناك أيضا بعض من أهل البلدة , 
حتى يكونوا أول من يتعامل تجاريا مع تلك الجماعة ققيرة الحال ؛ التى جلبت معها 
شيئا من السمن لتييعه فى سوق البلدة: هذه الجماعة من بدى الشرارات ؛ كان الهزال 
والضعف يبديان على أفرادها , إضافة إلى أنهم كانوا يرتدون ملابس مهلهلة نظرا 
لحياة الفاقة والمعاناة التى يحيونها فى الصحراء ؛ هؤلاء الشرارات جاءوا إلى تيماء 
لابتياع الطعام من القرية فى موسم حصاد التمر ..يضاف إلى ذلك أن سلوك هؤلاء 
البدى كان ممقوتا ومكروها. انفتحت البوابة لهؤلاء الشرارات فى مرحلة لاحقة , ودخلوا 
البلدة ليقيموا فى حوطة من'الحوطات الخالية؛ تقع على ذلك الجانب من الواحة. 

ونحن نورد هنا شيئًا عن الدم الأفريقى فى هذه البلدان؛ كل مدينة » وكل قبيلة من 
قبائل هذه البلدان قيها عدد من العبيد والإماء بل وعدد من أسر الزنوج المحررين » 


351 


والكثيرون من هؤلاء العبيد والإماء . مولودون فى بلاد غير هذه البلاد » ولكن جرى 
تحريرهم هنا , والناس هنا يطلقون عليهم اسم المولدين 1201ة»انا” . وقلة قليلة من 
أشباه الزنوج . تعيش فى تيماء ؛ أشباه الزنوج هؤلاء ينحدرون عن آباء أحرار , 
اغتنوا وتحسنت أحوالهم المعيشية فاتخذوا لأنفسهم زوجات بيضاوات فقيرات من بين 
نساء الصّاع ؛ أى إن شئت فقل : الحدادين , الذين ينظرون إليهم هنا على أنهم ليسوا 
أحرارا . - كانت هناك امرأة بهية الطلعة . حلوة الملامح من بدى الحطيم فى قلعة 
مدائن صالح . تزوجت من عسكرى زنجى ؛ هى العبد الذى حرره » أى إن شئت فقل : 
أعتقه الحاج نجم ؛ وأوفده لحراسة خزان الماء فى المعضم «:1108003 . كانت السعادة 
تبدو على وجه تلك الزوجة ( بالرغم من حساسيتها بعض الشىء للون بشرة العبيد ) 
التى كانت تحب أطفالها حيًا جما , والذين كانوا زنوجا وملامحهم أفضل من ملامح 
الأطفال غير المولّدِين . وانا لم أرى أحدا من الأحباش فنئ تيماء ؛ أى حتى بين البدو 
الكل . والسبب فى ذلك أن كلفة مثل هؤلاء العبيد المبدئية تكون مرتفعة ؛ إضافة إلى 
ضعف قدرتهم فى الأعمال الوضيعة . هناك عدد كبير من العبيد الأحباش فى المدينتين 
المقدستين ؛ كما أن هناك أيضا أعدادًا كبيرة من أولئك العبيد فى الإقطاعيات التى فى 
الجزء العلوى من الجزيرة العربية » مثل حائل ويريدة(*) 80,03 , وهم يعملون أعوانا 
وخدما للأمراء : هفؤلاء العبيد طوال القامة مثل العرب وأقوياء البنية » كما أنهم أشداء 
ولطفاء ؛ هؤلاء العييد مطيعون للأمير : ولديهم الروح إلى الدخول فى العملدات الحربية 
التى يأمر بها الأمير . والصبى الزنجى المتين يمكن شراؤه , فى تلك المناطق ؛ أثناء 
العودة من الحج؛ بحوالى ستين ريالا (أى ثمن جملين أو تاقه واحدة إن صح التعبير) . 
من بين هؤلاء العبيد » هناك صنف منهم تغلب عليه ملامح أى قسمات السمرة :- ولكن 
العبيد السود عددهم أكبر بكثير من أنواع الرجال أصحاب البشرة البيضاء . ولقد 
سالت كثيرً من الزنوج » الذين كانوا عبيدا فى الجزيرة العربية منذ طفولتهم , - 
وعرفت أنهم جميعا ينحدرون من بلدان فى أعالى النيل , وأنهم جرى سرقتهم عن 
طريق الغزوات التى كان العرب يقومون يها . 


(*) بريدة : عاصمة إقليم القصيم . (المراجع) 


جاءعتنى أمرأة مسكينة ( معتقة حاليا ) كانت تخدم فى منزل الثويني لا“ الاعناط7 » 
الذى يطلقون عليه لقب الرومان 62-8038 » وكان ذلك المنزل مقام فى منطقة منرّل 
البستانى الذى كان مجاورا للمنزل الذى كنا نقيم فيه » وأنا بدورى كنت أمضى معظم 
فترات الظهيرة فى ذلك البستان . جاعنى تلك المرأة وقالت : أنها تستشعر الشوق 
والحنين إلى وطنها , وأهلها . وييت أبيها . وتنهدت ثم قالت : "آه ! لو أن الله يهيئ لها 
فرصة رؤية هذه الأشداء مرة ثانية !' أرضها بالمقارنة مع هذا البؤس الخالص ؛ وفقر 
التربة الشديد الذى ينعكس على العبودية , مليئة بخيرات الطبيعة وإحسانها . تلك 
الأرض التى اختطفت منها يوم أن كانت فى مرحلة إكتمال النضج والنمو . حدث ذلك 
الاختطاف ذات يوم عندما كانت ترعى ماعز والدها على جوانب التلال بالقرب من 
النهرء بصحبة فتاة أخرى . شاهدت نديمتها » وقد علت الدهشة وجهها » وهى على بعد 
مسافة قصيرة منها ‏ عندما الختطفها الفرسان العرب ؛ وعتدئد حاولت تلك الفتاة 
الاختباء بين أغصان شجرة من الأشجار ٠‏ ولكن أولئك الفرسان عرفوا مكانها 
وأمسكوا بها وسرقوها هى الأخرى .- وها هى اليوم أصبحت امرأة حرة من جديد , 
ولكنها تعيش فى أرض تعانى فيها الجوع والغربة . فضلا عن إنها بعيدة جدًا عن 
بلدها , الذى لا تستطيع تحديد كنهه أى مكانه فى الوقت الراهن . وذكرت لى هذه المرأة 
أسم دئقلة 89018ا0 . ومعروق أن العرب الذين يسكنون مناطق الحدود » يغيرون مثل 
الزنابير على البلدان الأكثر رغدًا وأمنا . قالت : إن شعيها أتاس يحسون السعادة : 
وهم لا يستعملون النقود فيما بينهم ؛ والإنسان ؛ إذا ما أحس بالجوع فى بلادها أو إن 
شئت فى قرى بلادها » من حقه أن يدخل إلى الحدائق ليأكل منها ما يشاء إلى أن 
يشبع . وقالت إن ملابس الناس فى تلك القرى هى من القطن الخالص وأنهم هم الذين 
يصنعون نسيج تلك الملابس : وقالت إنهم ليسوا ولم يكونوىا بحاجة إلى إحضار أو جلب 
أى شىء أجنبى فيما بينهم ."- سألتها : * ما الذى يرتديه أهل بلدها ؟" وعندها كت 
على قائلة : "هم لا يرتدون سوى إزارا لستر العورة" . كانت هناك فتاة زنجية تقف 
بالقرب منا وتنصت إلى كلام هذه العمة. وكانت هى الأخرى قد خطفت من تلك البلاد , 
ولكنها لا تذكر الموعد بالضيط , راحت تعبر عن احتقارها وازدرائها لشعبها الأفريقى 
وهى تقول : ' إبليس ! ةادا إيليس ! وذاطا - هى أط - هى آط هى أ( . إنهم بذلك 


2303 


لا يختلفون عن الرجال المتوحشين غير المتحضرين !' ظروف العبيد هى دوما أمور 
مقبولة فى الجزيرة العربية ‏ وغالبا ما تكون ظروفا سعيدة : والعبيد هنا ينشأون 
باعتبارهم إخوان مساكين وفقراء لأبناء الأسرة , وهم نوع من مكافأة الرب لرب 
الأسرة المسلم المتدين ؛ وهى "العم" 3010 لهؤلاء العبيد أثناء عبوديتهم وهى أيضا 
"الأب" لإتااه بالنسية لهم . امتلاك العبيد هنا » عملية صعبة وقاسية » ويبخاصة فى 
المدن المقدسة المختلطة (حيث تسود الطاعة العسكرية الفظيعة . والعنف التركى أيضا » 
والتى يتجر فيها المواطنون الفقراء بالأعمال التى يؤديها أولئك العبيد) . 'ورب البيت 
هنا , إذا كان من التنوع الذى يخشى الله ويخافه" يعتق عبيده خلال بضع سنوات 
قلائل ؛ وهو لا يعتقهم ويرسلهم لحال سبيلهم خاوئ الوفاض ؛ ولكن فى الجزء المرتفع 

من الجزيرة العربية ( حيث لا يتملك الهبيد فيه سوى الأغنياء ( » يقوم ذلك الرجل 
الطيب بتزويج العبد المعتوق سواء أكان ذكرًا أم أنثى » ويعطيه شيئًا من ثروته 
ومقتنياته ٠‏ سواء أكان ذلك فى شكل إبل أو بعض النخيل!*) . 


هؤلاء الزنوج الذين يجرى عتقهم تظهر عليهم القوة البدنية والازدهار ؛ إذ هم 
أبناء » بالتبنى » لبعض الأثرياء ؛ فى حين أن العرب الققراء الذين لا يملكون شيئا 
يؤجرون أتفسهم للغير » للقيام ببعض الأعمال أثناء النهار . ولكن من بين الظروف 
الطبيعية لأجسام أولئك الزنوج ؛ أنها تستقيد جدًا من الطعام البسيط » وينشأون 
أقوياء فى التربة الضعيفة , التى نرى العرب فيها يتمون نموا ضعيفا . وسبق أن قيل : 
إن الطبيعة وضعت علامة مؤسفة لأهل القرى فى نجد الذين يعيشون على أكل التمور.- 
وأن تلك العلامة تتمثل فى تلك الملامح والقسمات الحزينة التى تعلو وجوه هؤلاء البشر ». 
التى ما أن يراها أحد حتى تترسخ فى ذاكرته . وطعام التيامنة هو التمر أثتاء النهار , 
وطعام المساء أيضا تمر فى معظم الأحيان ؛ ولكن الخبز يقدم مع التمر فى البيوت 
الأحسن حالاً ؛ أى قد تقدم العصيدة مع شىء من القرع العسلى . هؤلاء الأفارقة 
لا يحسون بأى قلق أو ضيق لأنهم كانوا عبيدا فى يوم من الأيام - إنهم فى أغلب 


(*) هذه باد جيدة ة لمعاملة لة العرب للرقيق إذ إذا ما قورنت بالمعاملة القاسية التى كان يلقاها الرقيق الذى كانت 


304 


الأحيان يكونون أسرى من الحروب - بالرغم من أن تجار العبيد كانوا يختطفونهم من 
والديهم . كان الرعاة الذين يتبنون أولئك العبيد ويشترونهم يضمونهم إلى عائلاتهم , 
ويقومون بتختين الذكور منهم - وكان ذلك يقوى من روح هؤلاء العبيد المعنوية » حتى 
فيما يتعلق بعاطفة الحنين إلى الوطن القوية - لقد نظر الله اليهم فى محنتهم ؛ 
وبوسعهم أن يقولوا: “هذا فضل الله" : لأنهم استطاعوا عن طريق ذلك الذى حدث لهم, 
أن يدخلوا فى الدين المنقذ . ومن هنا فهم يعتقدون أن هذا اليلد » الجزيرة العربية . هو 
الأفضلء. حيث اعتقوا فيه . وأن الحياة المدنية فى هذا البلد أفضل من بلدهم » وأن هذه 
هى بلاد الحرمين الشريفين؛ أرض محمد ( َيه ):- ولذلك شكر هؤلاء العبيد الله, 
على بيع أجسادهم فى أسواق العيودية | 

أخيرا غربت شمس آخر أيام شهر الصوم , معلنة انتهاء رمضان . ومع طلوع 
اليوم التالى مشيت مع محسن إلى تيماء لتناول طعام الإفطار هناك .“هيا , يا خليل , 
اليوم عيدء وسوف تفرح وتمرح؛ الحمد لله قال محسن, إن شهر الصوم قد انتهى !1ه 
"أنت تشبه شخص أطلق سراحه من السحن .*' - "صدقت ٠‏ والله . فأنا أبدو مثل رجل 
خارج من السجن ! وأنا من حقى الآن أن أشعل غليونى . أنا ذاهب لتناول طعام 
الإفطار مع بعض معارفى - ألا تعرف تقاليدنا وعاداتنا التى تبيح لنا أن ناكل شيئًا 
من كل دار صديقة يقة ؟ سيأكل الناس اليوم حتى الشبع ! وأمامنا اليوم سبيلين ؛ إما 
التجوال وتناول الإفطار مع من تعرفهم , وهنا يتحتم عليك أن تقول : “عيدك 16دالاه 
مبارك “802181 " فى أى مكان تدخله :- أو هيا بنا ! أنا وأنت نتحرك سويا لتناول 
الإفطار مما ." 


كان الانتعاش يبدو على وجوه القرويين فى هذا اليوم من أيام العطلات وبخاصة 
أثتاء شروق الشمس ؛ لقد اكتسيوا حميقا قوائد الصيام ومزاياه ؛ وهافم اليوم يرتدون 
ثيايهم الجديدة . الكثيرون : يعطرون غثر رعوسهم ٠‏ ولحاقم ٠‏ وعياءاتهم ٠‏ وذلك 
بوضعها فوق الدخان المتصاعد من المبخرة » البعض منهم يتعطر أيضا بماء الورد . 
هؤلاء هم المعيدون يخرجون من كل الأبواب » ويدخلون من كل الأعتاب . وهم يتزاودون 
ويحيوون بعضهم بعضا من بيت إلى بيت . وحيثما يدخل الرجال , يقدم لهم طبق العيد 
الذى يحتوى على الخبز المحلىّ ؛ وهذه جحافل من الذباب البشرى تنهال جالسة على 


5305 


ركبها من حول ذلك الطبق ٠‏ فى التو واللحظة . والكل يرقع اليد اليمنى مملوءة بالخبر , 
فى اتجاه الفم - ويتكرر ذلك , مرة ‏ واثنتان وثلاث مرات - إلى أن يظهر قاع الطبق 
المعدنى . وعندها ينهض الجالسون ؛ لينتقلوا إلى تناول الإفطار فى البيت التالى ؛ ثم 
البيت الذى يليه , إلى أن يمروا على كل منازل المنطقة : ويعد ذلك , وبعد أن تمتلئ 
بطونهم . يتجمعون ويدخلوا بيتا من البيوت الصديقة لتناول القهوة . وحيثما يدخل 
هؤلاء الناس يقولون : "عيدك مبارك” , والناس هنا يردون على هذه التحية بقولهم : 
"عدى 88001 علينا 3«-لإء!ة ؛ و هالا حنا 16008 عايدين 821018 " بمعنى 'ونحن أيضا 
نحتقل بالعيد.' ويمضى الناس النهار بطوله يتجولون هنا وهناك فى ملابسهم الجديدة » 
والمزينة بخيوط حريرية بغدادية ذهبية اللون ومعها خيوط قطنية وردية اللون » وهذا 
المنظر يكون له بريقه فى هذا البلد الذى لا لون له . وقد رأيت اليوم رجلاً يرتدى ثويا 
قام هو بتلوينه ٠‏ وكان يقف وسط الشارع الطينى ويلبس عباءة قرمزية اللون . 

مر الممثل المقيم لابن الرشيد من السوق ( الشارع ) قبيل الظهر ؛ مرتديا تياب 
سيده الجديدة التى هى غاية فى الأبهة ؛ وهى فى طريقه لزيارة خلف . ولما كان خلف 
صاحب عقل حر ورزينء فقد عاد لتوه قادما من بلدة حائل » وطوال الأيام الأربعة عشر 
من شهر رمضان التى أمضوها فى الطريق » والتى كانوا يأكلون خلالها ؛ لم يصم 
منها خلف يوما واحدا » بالرغم من وجود المتشددين ؛ الذين كانوا مشغولين بطبيعة 
الحال , بمراقبة مراعاة الناس للدين فى البلدة . ولقد شاهدت خلفًا مرارا وتكرارا وهو 
يتحمل لجاجة هؤلاء المتشددين ؛ نظرا لأنه لم يكن بوسعه تحاشيهم أى تجنبهم : كان 
خلف يتسم ياعتدال الشيوخ ؛ ولكنه فى داخله كان له رأيه الخاص . ومعروف أن 
شيوخ تيماء لم يفوتوا عزيمة فى حائل » حيث كان الأمير يعطى كل واحد منهم جملا 
ومبلغ ستين ريالا مجيديا ٠‏ ( وهو ما يطلقون عليه فى معظم الأحيان إسم “العزازيات” 
224 ) وذلك تعويضا لهم عن التكاليف التى تكبدوها فى حفر البثر ء هذا 
بالإضافة إلى غيار جديد من الملابس كان يحصل عليه كل شيخ من الشيوخ ٠‏ ويذك 
يصل إجمالى ما يحصل عليه كل شيخ من هؤلاء الشيوخ » إلى حوالى خمسين جنيها 
إنجليزيا . كانت عينا خلف قد التهبتا » وقمت أنا بتجهيز قارورة دواء لعلاج عينيه ؛ 
وربما يكون خلف قد قلل من قيمة تلك القارورة التى حصل عليها من النصرانى ؛ إلى 


356 


حد أنه أخذ القارورة دون أن يشكرنى ٠‏ بل إنه راح يطيل النظر إلى وجهى . كانت 
زوجات البدو الرحل , هن وأطفالهن » لا تلبسن ملابس جديدة ؛ ولكنهن رحن يرقصن 
طوال اليوم فى الحوطة . وعندما أصر الأصدقاء البدو على أن أريهم الرقصة التى 
نرقصها فى يوم العطلة . قضلت ألا أقطع عليهم مرحهم , ولكنى عندما توقعت حكمهم 
الطبيعى , كنت أشعر بالكسوف والخجل من أن أريهم الطريقة الصحيحة للرقص . - 
واستطاعوا يطبيعتهم إدراك مدى خفة وسهولة أسلوينا فى الرقص إلى حد أنهم قالوا : 
“أوه ! ما هو ذلك الهز الغريب للسيقان , وما هو ذلك التقدم إلى الأمام والرجوع إلى 
الخلف ! - بدا الأمر لهم وكأن تلك الرقصة كانت واحدة من الرقصات الشعبية 
الإنجليزية القديمة ! ولكنهم عندما استمعوا إلى المزيد عن رقصنا . والذى يلف الرجل 
يده فيه حول خصر المرأة » وأن كل رجل يرقص وصدره يلامس صدر إمرأة جميلة . 
أصبحوا ينظرون إلينا باحتقار وعلى أننا من أصحاب الرذيلة والسفالة . ش 

حضر كثير من الأعراب إلى تيماء ؛ ويينما كنت أتجول فى البلدة سمعت شخصا 
يصفر - وهذا صوت غريب على البلاد العربية ! التى تنظر إلى ذلك الصوت وكأن أحدًا 
يتهامس مع الجن . اكتشفت أن ذلك الذى كان يصفر , كان واحدا من معارفى من بدو 
الفجير , وسألته عن المكان الذى تعلم منه هذه البذاءة ؟ "تعلمت عندما كنا فى الشام ,” 
- من المحتمل أن يكون قد تعلم ذلك الصوت من نصرانى غندور من أولئك الذين 
يتباهون بأنفسهم , أى من واحد من أولئك الفرنجة الذين يتجولون فى بلادهم . - عند 
هذا الحد جاعنا رجل صلوبى » كان يركب حمارا » ويغنى ؛ وكان يغنى بصوت رخيم , 
ويرقعه بصورة مدهشة فى بعض الأحيان ! ناديت ذلك الفجيرى وسألته : "هل تظن أن 
غناء الناس فى سوريا أفضل من هنا ؟” - وهنا أجاب الصلوبى قائلا : "أبدا , والله ! 
أنا أيضا كنت فى الشمال ؛” وضحك من أعماقه وهو يحتقر ويزدرى تلك البلايل , - 
غناؤهم لا تطيقه آذاننا نظرا لإهمالهم الشديد - أفضل الموسيقيين فى دمشق ( هم 
يهود ) . وأنا لم أسمع قط امرأة تغنى فى تلك البلاد ( اللهم باستثناء مهرجان غتاء 
البنات ) . - ترى ٠‏ أين ذهبت الألحان الجميلة , التى كانت تتغنى بها النساء 
الحسناوات ؛ فى تلك الصحراوات العربية فى “العصر الجاهلى” ؟ 


3657 


فى عصر ذلك اليوم من أيام العيد , وصل بدى الفكارة » نظرا لأن القبيلة ازتحلت 
وأصبحت على بعد مسير ساعتين من يلدة تيماء ؛ سقت القبيلة مواشيها من مجارى 
أصدقائهم المائية فى قرية تيماء . ووصل إلينا زيد راكبا على مهرته ؛ ومن خلال فتحة 
فى الجدار ‏ فى اتجاه الضحراء .'جرى اقتياد الإبل إلى مكان السقيا . كان أهلنا فى 
الحوطة يفتقرون إلى حطب الوقود ؛ وجاء زيد بعباعته وقد امتلأت بالجلّة ( روث الإبل 
الجاف ) , التى يقال » إنها ممتازة فى إشعال النار . تناول القبليون عشاءهم ٠‏ 
وقالوا لنا » إنهم اصطادوا عددا كبيرا من الثعالب فى شهر رمضان . - ولكنى 
لم أشاهد ناقتى ضمن إبل أعراب زيد . عندما كانت واقفة تشرب من السوريان 
(القنوات) «قلدنة ! أجابنى الراعى الصغير قائلا : "لقد ضلت الناقة طريقها !”' 

احتفالات العيد تستمر ثلاثة أيام » ولكنى شاهدت القرويين فى اليوم الثانى وهم 
يخلعون ملابسهم الجديدة » ويذفبون لاستئناق عملهم فى الحصاد . هذا هى التمر , 
تجاوز موعد نضجه . وراح يتساقط من النخيل ؛ هؤلاء هم البدى الرحل بدءوا يتوافدون 
على البلدة ‏ ليقوموا بدور المشترين فى عملية حصاد التمور ٠‏ وهؤلاء هم البدو يتعجلون 
الانتهاء من عملية التسوق , ويتعجلون العودة أيضا إلى منازلهم الجائله التى خلفوا 
فيها زوجاتهم وأطفالهم ٠‏ وراءهم فى الخيام بلا حراسة أو دفاع , كما تركوا أغنامهم 
وماشيتهم فى الخلاء . هذه هى جماعات من قبيلة البشر تفد على البلدة كل ساعة 
قادمة من ناحية الشرق : وراح الفكارة يتعجبون من ذلك العدد الكبير من الوجوه ٠‏ 
التى قال لى زيد عنها , إنه لم يسبق له أن رآها من قبل . هؤلاء القبليون من البشر » 
بعد أن انعزلوا عن الأرض التى كانوا يرثونها فى خيبر , جاعا هذا العام للتزود 
بالطعام من تيماء » حيث تكثر فيها التمور وتجود أيضا , إضافة إلى أن أسعار التمور 
فى تيماء أرخص منها فى قرى وكفور الجبل : عدد كبير من هؤلاء البشر لم يسبق لهم 
أن جاءوا أى زاروا هذا المكان من قبل . من بين تلك الجماعات التى توافدت على تيماء » 
بعض الناس الذين حيونى قائلين : “يا رجل ! إلى أين يَُصل هذا الطريق ؟ أين 
الحداج ( البئر ) ؟" - فى ظل هذا الضجيج وتلك الحركة اليومية » لم تعد تيماء تلك 
الواحة البسيطة سابقا , بل إن الطرق النظيفة إمتلأت بالروث . ونظرا لأن القرويين 
كانوا فى بساتينهم » فقد كانت كل أبواب المنازل مغلقة ؛ كان الرجال والحريم يعملون 


23565 


فى حصاد التمر فى حوطاتهم أى إن شئت فقل : (يُجِدُون «تدازه/ التخل اطعلنم -مه), 
حيث يقوم أولئك الذين يتسلقون التخيل بقطع سبائط التمر وتدليتها إلى الأرض 
بواسطة حبل . وهاهم أفراد الأسرة حفاة الأقدام يتقاطرون عائدين إلى منازلهم وهم 
يحملون وينقلون سلالا كبيرة من التمر إلى الغرف المخصصة لذلك فى أكواخهم . 
استمرت عملية الحصاد طوال نهار ذلك اليوم . واستمرت إلى نهارى اليومين الثانى 
والثالث . بل انها استمرت لحين غروب شمس اليوم الثالث ؛ وعندما بدأ الناس 
يتناولون إفطارهمء كالعادة, عند الظهيرة » بدعوا يسنتشعرون القوة والحيوية من جديد » 
بعد رمضان . - هؤلاء هم البدى يتنقلون من حوطة إلى أخرى ؛ ويدخلون الأماكن التى 
يتطلعون فيها إلى الأكل من ذلك الكرم الحلى . عجل التيامنة فى عملية الحصاد نظرا 
لأن موسم الحصاد تأخز كثيرا عن موعده ؛ وفى أليوم الثانى من عملية الحصاد. 
اضطربت السماء . وعندما أمطرت السماء كانوا قد نقلوا بالفعل ما تبقى من الثمار 
إلى الغرف المخصصة لذلك فى أكواخهم ؛ والتمر إذا ما أصابه البلل يتعفن . سقط 
الوايل » وكان الجميع فى بساتينهم . كما أن سوانى الحداج كلها توقفت وصمتت 
الأصوات التى تصدر عنها : قالوا لى إن النخيل لن يصاب بأذى طوال سقوط الأمطار 
عليه خلال الأيام القلائل التى تعقب عملية الحصاد . 


رأيت زوجة بدوية » مزينة بزى برى بسيط , كما لو كانت امرأة من الغجن ؛ كانت 
تلك المرأة تتجول من حوطة إلى أخرى وهى تنشد وتتغنى بأغنية مرحة : امرأة غريبة » 
كان الناس يتعجبون ويسخرون من هذه المرأة : كما كان الحريم يقتربون منها لتلمسن 
بأيديهن ملابسها الغريبة » وحيثما كانت تدخل هذه المرأة كان الناس يطلبون منها 
الجلوس وتناول الطعام . وعندما عرفت أن تلك المرأة كانت من قبيلة حرب ؛ ويذلك تكون 
أول إنسانة أراها من أفراد هذه القبيلة ٠‏ التى تجاور الحرمين . رحت أتأمل هذه المرأة 
وأنظر إليها فى صمت . هذه المرأة » أخذت نفسا طويلا » وازدادت دهشة على دهشتها 
عندما شاهدت رجلاً أبيضا فى المنطقة . - “تقول إنك ؛ نصرانى !" "ها ! لقد سمعت 
هذا الاسم , وكيف وصل النصرانى إلى هنا ؟ ألم نكن نحن أطفال ذلك الشرير ؟ 
ومع ذلك حييت هذه المرأة بكلام جميل ودعوت لها بالبركة !' قلت : "العرب يدعون الله 
أن يلعن كل ما لا يمت إليهم بصلة , ولكننا ندعى الله أن ينزل رحمته على كل أفراد 


309 


الجنس البشرى؛ وأنا أدعوى الله. من كل قلبى ٠‏ أن يبارك لك فى أسرتك » وفى أطفالك , 
وفى ماشيتك ٠.‏ ردت على قائلة : آه منك ! كم هى الشائعات والقيل والقال . كثير فى 
هذا العالم , - إى ٠‏ بالله ٠‏ أى بالله ! انتبه يا هذا , لابد أن يكون هذا الرجل من نوعية 
طيبة ومسالمة من البشر .” هذه هى صوانى مليئة بالتمر الذى جرى جنيه من النخيل , 
فى حين استدعيت تلك المرأة لتناول الطعام مع الحريم . وطلبوا إلى أن أتناول الطعام 
مع الشيوخ الذين كنت أقف بجانيهم » وجلسنا نأكل مع مضيفنا ثوينى الرومان ٠‏ الذى 
كانت أرض الحصاد التى نقف عليها , ملكا له : كان مسهل !1815576 العواجىي 
او -لإزةنات واحدًا من الحاضرين - ومسهل هذا واحد من كبار شيوخ البشر . 

بعد ذلك ؛ ويعد أن حل الوئام بيننا ( نتيجة تناول الطعام مع بعضنا البعض ) 
قلت لمسهل !8415956 : إننى أعتزم الذهاب إلى كل من حائل وخيير » وأننى سوف أعود 
معه شرقا فى اتجاه الصحراء » ومن هناك ريما أعثر على بعض الذاهيين إلى جبل 
شمر , ومن ثم أستطيع مواصلة الطريق بصحيتهم . هذا الرجل البدين ( إذ كان هذا 
هى حاله بين البدى ) رد على الغريب ردًا حادًا » بصوت مدوى ٠‏ تشوبه غلظة الصحراء 
قائلا: “لكتنا الآن ذاهيون للبحث عن 'الجوش" «ودو -اه فى الخلاء 115818" " بمعنى , 
إننا ذاهبون للبحث عن أدغال برية فى الأرض الجرداء , لإيلنا ‏ وأننا قد نذهب إلى 
مسافه بعيدة ؛ تحن لسنا ذاهبين إلى جيل شمر .- قال : “خيبر ! خيير ! أين ؟ - 
ولكن يجب أن تعلم يا خليل ؛ أننا ليس لدينا من يرش دك إلى ذلك المكان : الدولة 
(الإمبراطوريه العثمانية) هناك . وأنا أقسم لك بالله ؛ إنه ليس بيننا سوى قطع 
الأواصر . لا ؛ أبعد كل هذه الأمور عن ذهنك , لا تفكر فى الذهاب إلى نجد ؛ زد على 
ذلك ١‏ أنك لا يمكن لك أن تصاحبنا أو ترافقنا فيما نحن مقدمون عليه ." - "خبرنى يا 
مسهل ؛ هل أنا صديق أم عدى ؟” رد على مسهل , بعد شىء من الصمت ردً! يتسم 
باللصوصية , “حسن , أنا لا أعتبرك هذا أى ذاك ! ولا أعتبرك صديقا أو عدوا ؛ - 
( غمغم ذلك السليط ) - لولا الله ؛ لكنت قد سلبتك ما معك فى مرة من المرات ." هذا 
المسهل , "الذى يحكم سبعة قبائل ” , يتولى منصب الشيخ الكبير الأصيل لقبيلة . 
العواجى ‏ التى هى الأكثر عددا وأشد بأسا فى العمليات الحربية فى سائر أنحاء 
البلاد . ورجال قبيلة مسهل هم الذين “قاموا” قى هذا العام , بالغزى العام لولاد على » 


210 


أكثر من مائة رمح . وهم أيضا الذين قاموا بعد ذلك ؛ وخلال يوم واحد , بالاستيلاء 
على كل مواشى المومافين . وفى العام الماضى اشتبكت قبيلة العواجى مع الدولة 
(الإمبراطورية العثمانية) وقتل عدد كبير منهم ؛ ومحمد بن الرشيد هو الذى حرضهم 
على ذلك . والناس هنا يمتدحون الشيخ مسهل على إنه رجل "عتيد" من الرجال الذين 
يجيدون استعمال الحراب , - بدا لى ذلك الرجل وكأنه وارث للحق والفضيلة مع شىء 
من الظلم . - وقد عرض على عبد العزيز الرومان رمح شيخ مسهل » وهو يشعر بالمجد 
والفخار ؛ شاهدت ذلك الرمح موضوعا فوق أوتاد معلقة فى جدار مة مقهى الشيخ مسهل » 
وهو المكان الذى يجلس الشيخ فيه بصفة دائمة ؛ كان طول ذلك الرمح يصل إلى حوالى 
أريعه عشر قدما . يضاف إلى ذلك أن ذلك الشيخ العظيم كان صديقا لشبابه ‏ مثظما 
كان الشيخ مطلق الفجيرى صديقا لشبابه هو الآخر . كان أفراد قبيلة البشر يتفاخرون 
أيضا برمح الشيخ مسهل ٠‏ أرأس الرمح كبيرة مثل قبضة اليد » وتمتد كما لى كانت 
لسانًا . وهذا الرمح متعطش لدم أعداء الشيخ مسهل 

كان عبد العزيز . هى الآخر , خارج تيماء فى شهر رمضان ٠‏ إذ كان يقوم بجولة 
لإحضار بعض الإبل للعمل فى حلب الماء من اليئر : وعندما عرج عبد العزيز على سهل 
الحجر ؛ اتجه فى البداية لزيارة قبيلة الموءاهيب الصغيرة فى وادى تربة , التى كانت 
عدوة لهم فى الفترة الأخيرة - لم يكن عبد العزيز على معرفة بهؤلاء الموءاهيب من قبل 
- ولكنهم أصبحوا أصدقاء الآن بعد أن جرت مصالحة بينهم ويين ابن رشيد . أكرم 
الموعاهيب وفادة عبد العزيز إكراما كبيرًا , فهذا يذبح تيسا هتا وذاك يذبح شاة هناك , 
على شرف العشاء المقدم له » إلى حد أنه ( كان يستعمل يديه وعينيه ) عندما كان يعبر 
لى عن ذلك الكرم القديم الذى لقيه منهم ؛ وكان ذلك قبل فترة قصيرة من ضياع إبلهم 
فى الغزى الذى حدث لهم صحيح أنه شاهدهم وهم فى آثر تلك النكبة ؛ ولكتهم بدءوا 
يرفعون رعوسهم من جديد . فقد اكنم بدى البلّى جيرانهم وأغدقوا عليهم الكثير من 
العطايا .وهذة هى مامية الشيخ طلج ١‏ أصبحت أكبر من ذى قبل ؛ فقد أرسل له 
الشيخ مهنا سبعة من الإبل . لقد وجد مهنا طُلجًا محطما ومكسور الخاطر ٠‏ بالرغم 
من أن بقية أفراد القبيلة » كانوا قد انصلحت أمورهم بشكل أو بآخر ٠‏ طبقا لعدد 
أصدقائهم ومقدرة هؤلاء الأصدقاء ومدى حتانهم فى العطاء عن طيب خاطر :- 


391 


والحال فى الصحراء , فى ظل ظرف كهذا ٠‏ يشبه يوم القيامة » إذ يتلقى كل واحد فى 
ذلك اليوم حسيما قدم , وبالتالى يلقى الكريم الكثير طالما إنه كان فى عون أصدقائه 
من قبل . وقبل انتهاء الشهر كان حال الموءاهيب قد تحسن ووصل إلى نصف ما كان 
عليه من قيل الغزو : ذلك أن قطعان الموءاهيب التى كانت على الحرة وقت الغزوى » لم 
يتمكن الغزاة من أخذها أو الاستيلاء عليها . ولكن عبد العزيز أثار أحزاتى عندما كذب 
على وأبلغنى نبأ وفاة كثير من أصدقائى السابقين ؛ إلى أن عرفت من شويش 
لزه , المنفى حاليا بسيب خلاف بينه ويين الشيخ طلج ؛ والذى جاء إلى تيماء 
بصحبة يدى الفكارة » أن أولئك الأصدقاء لم يمت منهم سوى واحد فقط هو صديقى 
فايز اه" :- يضاف إلى ذلك » أن شيخ تيماء كان قد سيق له الذهاب إلى قرية العلا » 
التى لم يسبق له أن زارها قط من قبل , باعتبار أن قرية العلا واحدة من قرى الحجاز 
الصديقة لدولة ( حكومة )المدينة ( المنورة ) . كان واحد من البدى الرحل يركب خلف 
شيخ تيماء » وكانت أحوالهما على ما يرام » إلى حد أنهما قطعا تلك الرحلة التى يزيد 
طولها على ثلاثمائة ميل . خلال أيام قلائل من شهر رمضان .- ولكنهما لم يكونا 
. صائمين بطبيعة الحال . وأنا عندما أطلب من هذا الرجل أن يزكينى عند مسهل , 
أجده يحيل على بعض البدى ليحكوا لى حكاية مزيقة : "أنه من المستحيل بالنسبة لى أن 
أمر بصحبة أى أحد من قبيلة بشر إلى بلدة حائل » من منطلق أنهم لم يكونوا ( وهذا 
زيق ) على وفاق مع الأمير . نظرا لأنه أصدر أوامره لهم بإعادة ماشية الموءاهيب إلى 
أصحابها , وهم لا يريدون ذلك .” - ولكنى وجدت كل من تحدثت معهم يعارضون 
'ذهابى إلى نجد ؛ من منطلق أنهم سيجدونى أعود من نجد إلى نقس المكان الذى كنت 
فيه قبل الذهاب إلى هناك ٠‏ 

فى خائل » حضر كل من حامد ووعيل عودة الأمير :- كان الأمير قد خرج فى 
غارة . بعد أن عاد ابن الرشيد ووافق على خضوعهما ؛ وقبل الناقة الهدية » ثم أعاد 
الرجلين إلى محل إقامتهما . وبينما كانا عائدين إلى محل إقامتهما ويحملان أخبارا 
طيبة . عبر صحراء ( يصل طولها من حائل إلى تربة أكثر من مائة فرسخ ) ٠‏ ويعد أن 
وصلا إلى منتصف الطريق فى ديرة البشر ؛ شاهدا إبلا ترعى , التى تأكد أنها هى 
الماشية التى سرقت من قبل ! - كما شاهدا على تلك الماشية العلامات المميزة الدالة 


202 


على أنها مملوكة للموعافيب بحق ٠‏ ثزلا عن رالتيهما لقضماء الليل عند واهدة من 
الخياء الكزئرة «وطك كانت خيمة مسهل:. وبغد تتاول لعشا نمع من مكسقيننا 
(وكان هى الذى عراهما) عن المصائب التى حلت يهم فى ديارهم ؛ وهنا أعطى مسهل 
لحامد ٠‏ واحدة من نياقه ليعطيها لوالد مسهل العجوز .- وعندما راحا يتدبران الأيام , 
اكتشقا أن اليوم الذنى حدث فيه الغزى . كان يصادف ذلك اليوم . الذى تقدما فيه 
بالخضوع والولاء » وأنهما كانا فى حائل ينتظران عودة الأمير . وفى الصباح ركبا 
راحلتيهما ليعودا من حيث جاءا :- ولكن هل يمكن للأمير (الذى كان على عداء معهم) 
أن يأمر بإعادة ماشيتهم لهم ؟ 

استقبلهما محمد بن الرشيد استقبالا غير مريح ؛ إذ كان الحاكم قد تسلم قبل 
وصولهما ثلاث نياق ٠‏ كان العواجى قد أرسلوها بالفعل عقب الغزو الذى قاموا به . 
يضاف إلى ذلك أن الأمير كان سعيدا جدا بذلك العقاب الذى نزل بأعدائه القدامى , 
بالرغم من أنه يستقبلهم اليوم باعتبارهم من أتباعه ومن الموالين له . ومن يحكم تلك 
القبائل الجائلة فى الصحراء ينبغى أن يكون قلبه غليظا وسيفه بتارًا ! ولكنه قد لا يفلح 
فى احتواء تلك القبائل احتواء حقيقيا . ْ 

هذا هى فرد من الشرارى الذين يقيمون فى الحوطة المجاورة لنا » ذبح جملا 
بمناسبة العيد , وياع شيئا من لحمه نظير شىء من التمر . ليستعمل ذلك التمر مئونة 
لعائلته طوال فصل الشتاء القصير . ذهبت لأبتاع منه شيمًا من لحم ذلك الجمل , 
ووجدته قصابا لطيفا ؛ وكان ينادينى فى كل لحظة قائلا 'يا ولد أخيه .” وفى يوم آخر 
قام واحد من بدو الفهجى بذبح ناقة كبيرة السن - كانت تلك الأسرة الفهجية تملك 
مزرعة نخيل صغيرة خارج أسوار القرية ‏ الأمر الذى حولهم من بدو رحل إلى بدو 
مستقرين . كانت الناقة المابوحة تساوى خمسة ريالات ‏ ولكنه عندما باع اللحم 
بالتجزئة حصل على مبلغ كبير » قصدت ذلك الرجل ؛ ولكنه يرفض بيع اللحم بالنقود 
قائلا : "من يود أن يشترى منى لحما فليدفع لى ثمنه تمرا .” والقسم الذى لم يباع فى 
اليوم الأول » شووه بدمه : - ويالرغم من أن ذلك يعد غير شرعى » إلا أنهم أكلوه » أى 
أنهم يأكلون الدم - هذا يعنى أنهم ليسوا ملمين بنصوص القرآن . استمر بيع لحم تلك 
الناقة ثلاثه أيام ؛ وعندها بدأت تفوح من اللحم رائحهة غير مستحبة ؛ ولكن هؤلاء 


103 


الحضر هم والأعراب يأكلون أيضا لحم الطرائد على هذه الشاكلة . والتى منها الماعز 
البرى على سبيل المثال وكذلك الوعول ؛ واليدو يصطادون تلك الحيوانات وتبقى معمهم 
يوما فى الصحراء إلى أن يعودوا إلى منازلهم : ومع ذلك ٠‏ فقى الوقت الذى رفضت فيه 
أن آكل معهم من ذلك اللحم الذى سرى فيه الدود : كانوا هم يستطعمونه ويقبلون عليه. 
ويعد أن أشتريت شيئًا من اللحم » قامت ابنة محسن , الفتاة الصغيرة التى كانت 
تخدمنى ؛ بسلق ذلك اللحم » ويعدها دعوت أصدقائى البدى لتناول العشاء ؛ ولكن لحم 
الإبل العجوزة لا يكون له مذاق مثل مذاق اللحم الطرى . 

تساقطت علينا أمطار الخريف ونحن نتناول طعام العشاء خارج البيت : هذه هى 
السماء التى كانت مشرقة الشمس يغشوها شىء من الظلام . وأطبق المساء علينا . 
بهبوب ريح شديدة ونحن داخل الخيام المصنوعة من الصوف . وييئما كانت قطرات 
المطر تتساقط علينا من خلال تلك الخيام المهلهلة » كان محسن يسألنى عن بلادى » - 
وكنت قد أوشكت على الرحيل عنهم ومغادرتى إياهم . وعندما سمع محسن منى أتنا 
لدينا الكثير من نعم الله » الخبز والملبس , والأمن , وكيف أن الإنسان يحميه القانون , 
إذا ما طلب منه ذلك ؛ - كانت تلك العاصفة الليلية تسبب لنا الكثير من القلق ؛- هنا 
ازداد محسن حزنا على حزنه » وراح يندب حظ الأعراب وتعاستهم » لأن افتقارهم إلى 
الملايس يسبب أمراضا كثيرة» ويخاصة أنهم ليس لديهم ما يكفيهم من الطعام أو الماء, 
ويتجولون فى الصحراء الجرداء ‏ ولا يعرفون الاستقرار مطلقا ؛ يضاف إلى ذلك » أن 
هذا البؤس يلازمهم طوال حياتهم . كان محسن ؛ عندما تتكاثر عليه همومه وآلامه ‏ 
يرفع يديه إلى السماء - وهذا نوع من الصلاة غير الرسمية يطلقون عليه اسم 
"الدعاء' 38ن0 - أرحم يا رب ! خلقك؛ الذى أنت خلقت: أرحم المساكين » والجوعانين ! 
أرحم يا الله :- يا الله ! ومع ذلك ويالرغم من هذه الشكوى ٠‏ التى يرون أنقسهم من 
خلالها وكأنهم أيتام عناية الهية حمسكة . إلا أن قلويهم عامرة ببهجة العقيدة والأمل , 
إلى حد أنك تراهم يقولون على القورء وهذا هى ما فعله محسن بالقعلء - "الله 5هاانا 
كريم أرقا . 

التيامنة لا يأكلون لحم الإبل فى معظم الأحيان , ولكن الصلوبة يجلبون لحم 
الصيد والطرائد إلى البلدة ‏ وهؤلاء الصلوية يعيشون هنا فى خيام خلف الجدران » 


224 


وهم يعملون بالحدادة والسمكرة. . والصلوية يركبون حميرهم ويذهبون للصيد فى 
الصحراء ؛ ويعودون سيرا على الأقدام ومن أمامهم حميرهم محملة بلحوم الغزال ؛ 
والناس هنا يشترون منهم كل ما معهم من لحوم قبل أن يصلوا إلى السوق . وأفضل 
من فى هؤلاء الصلوبة هو شخص يدعى مطر 1013186 » وهو شخص لطيف » كنت 
أتحدث معه , فى أحيان كثيرة » عن ممارسته لمهنة الصيد . وعندما سألته عن الثور 
البرى ؛ أو إن شئت فقل : الوضيحى فالاطاه/لا » أرانى حمارا أبيضا من حمرهم 
المتينة » ثم قال : "الوضيحى يشبه هذا الحمار ! - والوضيحى شعره أبيض ( شأنه 
شأن حيوانات السهول الرملية الكبيرة ) » وليس له كفل , وأذنيه قصيرتان ٠‏ وذيله 
يشبه ذيل البقرة ٠‏ وينتهى الذيل يخصلة من الشعر .' والوضيحى هو أسرع حيوانات 
الصيد , أو إن شئت فقل : أسرع الطرائد » ولحمه أحلى وأطرى من لحم القزال ؛ 
وك ذكر الوكيطى :- وهو شميك جِدًا ‏ هو أحسن الجلود التى تستخدم فى ضتاعة 
النعال . وقد شاهدت فى العام 14810 الميلادى ؛ جلود الوضيحى التى جاء بها 
أصحابها من صحراء الشرارات إلى بلدة معان 1380 . يضاف إلى ذلك أن قرون 
الوضيحى التى تشبه القضيب أو الساق أشياء شائعة ومعروفة فى تيماء ؛ ويدو 
الشرارات هم الذين يجلبون القسم الأكبر من تلك القرون . وهم يقدمونها هدية 
لأصدقائهم » الذين يأخذونها إلى مخازنهم لكى يستعملوتها فى تكسير كتل التمن 
المتشابكة : وقد رأيت صلوية تيماء يستخدمون تلك القرون أوتادا لخيامهم .- تحدثت 
مع مطر عن التّبالة القديمة » ورد على قائلا : "فى كثير من الأحيان كنت أنا ورفاقى 
نعثر فى الصحراء على رعوس سهام مصنوعة من الحديد . ويصل طول الواحد منها 
إلى أصبع تقريبًا , كنا نعثر عليها أثناء قيامنا بصيد البدون ؛ ووالله هذه الرءوس كانت 
تشيه رعوس الرماح الصغيرة ؛ - نحن لم نعثر على الرماح » نظرا لأن الخشب تعفن 
وتحلل .” أخبرنى أيضا أنه شاهد صور بشر مرسومة على الصخر » “كانت تلك الصور 
تمسك فى أيديها أقواسا ونبالا » ويضع كل واحد منهم ٠‏ على رأسه ٠‏ غطاء رأس 
طويل !' - هذا الرداء أصبح الآن غريبا على الجزيرة العربية . 


تواصل سقوط الأمطار يوميا وفيت على الصحراء ربح باردة 5 وكانت السماء 
دوما ملبدة بالغيوم . وأوشك البدى الذين جاءوا لزيارة تيماء على الرحيل ٠‏ وراودتنى 


5395 


رغبة فى اصطحاب أولئك البدو إلى ناحيهة الشرق ؛ - متخليا بذلك عن بناء البثر , 
وبدلا أيضا من اليقاء فى ذلك الفراغ الطويل . كان العام يتغير وأنا يدورى لابد أن 
أغير حياتى فى الجزيرة العربية ! كان أصدقائى غير متحمسين لمضيى قدما , وكانوا 
يقولون: “ما الذى سوف أفعله أو أريده من حائل » والذى يحتم على الذهاب إلى هناك ؟ 
وأننى بعد تيماء , لن أكون فى مأمن من أولئك الأعراب الذين لا يعترفون بالدولة 
(الإمبراطورية العثمانية) .' وفيما يتعلق بابن الرشيد قالوا لى : 'إنه نجس 15[©ل!؛ قاتل 
لأقاربه بالسيف : وأردف عبد العزيز الذى كان يجمع مكوس ٠‏ 'أى ضرائب الأمير : 
“لقد وصلت أخبارك إلى ابن الرشيد ! - ما مفاده "أن نصرانيا , لا يعرفه أحد , يقوم 
بالتجوال مع الأعراب . وأنه 'بدون' أشياء ' وأنه استاء عندما علم بذلك . والبدو فى 
الشرق سوف يخشون استقبالك , مخافة أن يسائلهم الأمير عن ذلك .” 

كنت أت تشوق وأتطلع إلى الرحيل مع البشثر »داق لأن النا لقت ال يتان 
للتسوق من تيماء تقيم فى حوطة نائية من الحوطات التابعة لثوينى ٠‏ ذهبت لزيارة تلك 
العائلات فى تلك الحوطة . كانت كل أسرة تقيم مستقلة عن بقية الأسر فوق سطح 
الأرض وسط سروج الإبل ووسط الأمتعة ؛ وكان المطر يتساقط عليهم نهارا ويقضون 
الليل فى العراء بلا مأوى : الوحيد من بينهم , كان هى الشيخ مسهل الذى كان يسكن 
ويقيم ذاخل خيمة . كان مسهل فى ذلك الوقت » قد ذهب لشرب القهوة فى البلدة , 
ولكنى عثرت على عسكر :85/68 (ذلك الشخص الذى جرح) ؛ ذلك الشاب الذى فيه 
لتو طن الطبية والكرع» وعدت الك لقاب افشل هنا كان عليه وهى فى بيت والده : ٠‏ 
أستقيل عسكر 3 تحدتن مرحنا بى قائلا : يا ا اوااناةا . واتشرح صدره عندما سأله 
الغريب عن إصابته ‏ كما انشرح صدره أيضا لأنى نا ذلك أغرقه. ستهظ المطر علينا 
ونحن جلوس حول نار المخيم , أثناء تصليح القهوة : وهذه القهوة هى أفضل ما تذوقت ‏ 
فى الجزيرة العريية - لا عن ظريق طحن قليل من حبوب البن كما يفعل التيماويون , 
وإنما بطحن حفنة من البن على الطريقة النجدية . وبصورة متدرجة رحت أسالهم عمن 
يمكن أن يرافقنى إلى بلدة حائل ؟ قال أحدهم: "إنه لا يهمه أن يكون هو ذلك الشخص؛ 
وإنهم بعد أن يرجعوا من تيماء » فسوف يتعين عليه الذهاب إلى حائل : وما الذى 
سيدفعه خليل . وسوف يضعه أو يوصله إلى وسط مدينة حائل ؟' - 'سوف أعطيك 


2526 


ثلاثة ريالات. راحت بقية الحاضرين ومعهم عسكر يحاولون إثناء ذلك الرجل عما قاله » 
ولكن الرجل أصر على ما قال , ومد لى يده اليمنى » مؤكدا أنه لن يتراجع عن ذلك 
الاتفاق ؛ وأصبح عسكر شاهدنا على ما جرى بيننا وأتفقنا عليه . مساعدة هؤلاء البدى 
الفقراء المحتاجين بمبلغ يسير جدا ٠‏ يشترون به قميصا وعباءة » سهل على كثيرا من 
ترحالى وتجوالى ( وهذا ما سبق أن توقعه زيد) ٠‏ بين قيائل الجزيرة العريية المتشددة 
والتى لا تعرف القانون :- ولكنى وجدت أن البدو لا يفرقون كثيرا عن الفكارة . هؤلاء 
البدو الرحل من قبيلة بشر . لا يحسبون أنفسهم فى إطار طريق الحج » ولكنهم من 
أفراد القبائل التى تعيش من عمل أيديها فى مناطقها , وأفراد هذه القبائل أشداء 
وأقوياء ويشبهون بدو الشمال . وهم يلبسون ملابس من العراق , وهم يثيتون غتر 
رعوسهم على جباههم بعقال من الصوف ملقوف عدة لفات كما لو كان عمامة . 
فى الصباح ؛ جاعنى واحد من أولئك البدو . وسحينى من عباعتى فى الشارع 
ليقول لى متسائلا , "هل يمكن أن أذهب معه إلى ديرته لعلاج رجل قبلى يعانى , منذ 
سنوات » من مرض فى معدته , إلى حد أنه كان يتقياً الطعام الذى كان يأكله ؟” 
اكتشفت أن من كان يتحدث معى ٠‏ كان واحدا من الشيوخ ؛ ثم سأل زيدا الذى كان 
يقف بالقرب منا , "هل اكتشفوا أن النصرانى حكيما جيدا » طوال الفترة التى عشتها 
معهم ويينهم ” سعدت بسلوك ذلك الشيخ البسيط وسعدت أيضا بنظراته الصريحة . 
وبالرغم من أن ذلك الرجل كان يبدو شخصية مهمة , إلا أنه كان حطيميا ٠‏ أى من 
الحطيم » أى أنه كان "حنّاس 5 بن 2اا نومس 216005 " بمعنى أنه كان "شيخ 
النومسى '8/03:359 "؛ والنومسى فرع من الحطيم ؛ بينه حاليا ويين مشهل اهاؤ5ذأالا 
نوع من التحالف ؛ وهذا الفرع يسكن حاليا المنطقة البدوية من العواجى لاهزناه » والتى 
وجدوا فيها لأنفسهم ملاذا بعيدا عن أعدائهم . قال لى زيد : "ليس هناك ما يخيق إذا 
ما رافقتهم وذهبت معهم : هذا يعنى أن حناس رجل أمين جدا . وبالله أنا لا يمكن أن 
آمن عليك فى يد إنسان غير هذا الرجل ." 
سقى الفجير مواشيهم مرة ثانية فى تيماء ؛ وشاهدت الماشية الكبيرة وهم 

يقودونها نحى المسقى , ويعد السقيا أحضروا إبل الحمل وجرى تبريكها بجوار الخيام: 
وسوف يتحرك محسن هىو ويقية الناس فى الصباح الباكر , عائدين إلى الصحراء . 


257 


وعثرت على ناقتى بين الإبل » ووجدت أنها مصابة بجرح فى صلبها , وقد يستغرق 
شفاء ذلك الجرح مدة تتراوح بين خمسة عشر وعشرين يوما » ولكنى يتحتم على 
الرحيل فى الغد . أحضرت الأصدقاء البدو لإلقاء نظرة على الجرح الذى أصاب تلك 
الناقة المجوز , وقالوا لى إن هذه الناقة كانت تُركب وأسيئٌ استعمالها . وأن أثار 
السرج ما زالت موجودة على الشعر الذى يكسى جلد الناقة . وأن الخطأ هنا يقع 
بالدرجة الأولى على عيسى 1550 راعى الشيخ زيد » وعيسى هذا شاب كانت تجمعنى به 
صداقة . وعليه شددته من ذقنه أمام الجميع ٠‏ ولعنته قائئلا : "والد هذا يهودى . هذا 
الشاب . قوى البنية وقوى العزيمة , وضع يداه على كتفى وسبنى بأنى تصرانى » 
ولكنى قلت له : “كان ينبغى عليك أن تحافظ على الناقة * » ورحت أشده تماما من لحيته . 
وهنا لزم القبليون الذين كانوا يلتفون حولنا » لزموا الصمت » بل أن أسرته هو أيضا 
لزمت الصمت , فالجميع كانوا ‏ أصدقاء لى ٠‏ وكان الجميع لديهم فكرة طيبة عن تجوالى 
معهم بطريقة عادلة . وعندما أدرك عيسى أنه يلام على ما فعل , وأنه لا يد أن يتحمل 
ذلك الذى نزل به » أحنيت رأسه على صدره وتركته يذهب لحال سبيله . استعمال القوة 
لا يكون مجديا فى بعض الأحوال , ومن الحماقة أن يلجأ الإنسان إلى القوة فى علاج 
أمور لا علاج لها ؛ صحيح أننى تجاوزت عن الخطأ الذى ارتكبه عيسى , ولكنى كنت 
أرى من الضروى توضيح أن قبولى لذلك الذى حدث ؛ كان على مضض »؛ يضاف إلى 
ذلك أن العرب يودون للرجل أن يكون مثل الرّمان حلى ومر فى آن واحد » معتدل ومحب 
مع أصدقائه فى حالة الأمن ؛ ولكنه يفضب غضبا عادلا ومبررا إذا ما دعا الداعى 
للدفاع عن حقه هو أى حق جار له ؛ ويدأ والد عيسى يتردد على خيمتى شيئا فشيئًا » 
وبصوت خفيض راح ذلك الرجل العجوز يعترف ويقر بالخطأ الذى ارتكبه ولده ؛ 'ولكن 
٠‏ لماذا تسبتى يا خليل ٠‏ يتلك السبة ٠‏ عندما كنت بين أصدقائك » وتصفنى أمام كل 
الناس بأتى يهودى ؟" ولكن عندما رآنى صالح العجوز » وأنا أيتسم » راح هو الآخر 
يبتسم , وسلم على يدى اليمنى التى مددتها له . 

عثرت على زيد ٠‏ فى المساء ؛ جالسا على واحدة من المصاطب الطينية بالقرب من 
الحداج ( البئر ) ؛ كان الرجل ينتظر فى وسط البلدة » على أمل وصول بعض معارفه 
من القرويين ٠‏ قبل غروب الشمس , ليدعونه لتناول العشاء » وعندما عدت إليه ثانية , 


326 


بعد ساعة من الزمن » وجدته ما زال جالسا فى المكان نفسه . وكان محياه الأسود 
يجمع بين صبر البدى على الجوع واحتقاره للتيامنة. ربما ظهر زيد أكثر غنى وازدهارً , 
لو أنه كان متحررًا وأجل الصداقة فى الآخرة وفى هذه الدنيا ؛ ولكن ضيق اليد هو 
الذى يولد الضعف وخفوت الإرادة لدى جيرانه . وقفت أتكلم مع زيد » ورأيته فى 
النهاية يتداول غليونه ٠‏ الذى هو يمثاية الدواء الذى يعالج الجوع ؛ وهنا وجدت زيدا 
رطقي كشها ٠خرج‏ من دار مجاورة ؛ ليحضر له شيئًا من الفحم المشتعل » ووجدت 
القروى الشاب يطيعه ويجيب طليه . 

فى الساعة الأولى من تلك الليلة هبت علينا عاصفة من الريح والمطر . وتمايل 
النخيل العالى » وأنحنى » وكان يبدو للضيوف وكأنه سوف يقتلع من جذوره . وهنا 
لجأت أنا ومحسن إلى منزل الفجر :681 مضبيفنا ؛ ولكن سقف المنزل الذى كان 
مصنوعا من عيدان الأشجار والقش المغطى بالطين . سرعان ما يدأ يتخلله ماء المطر , 
ويدأت الرطوبة والبلل ينهال علينا من خلال جدران المنزل . تحدث محسن عن سفرى 
فى الغد برفقة البشر 81586 , وطلب من فجر :[53 أن يكون شاهد! على ما يقول . 
وحاول ذلك الرجل الفجرى أن يجعلنى أحيد عما قررته قائلا : "حتى زيد نقسه , قال 
الرجل » قد تخلى عنى » وكان مفروضا على زيد أن يزكينى عند البشر ٠‏ وكان من 
المحتمل أن لا أراه بعد الآن ٠‏ - "هل ينبغى أن أعجب من ذلك أو أندهش له ؟ - زيد 
لا قلب له .” رد الاثنان على قائلين : "إى ؛ بالله » زيد ليس له قلب " ؛ وكررا “ما 803 له 
نالاأها قلنٍ 8(5»! ' . كان فجر يعانى من ألم حاد ؛ أو إن شئت فقل : يعانى معاناة 
شديده من آلام الحصا 83مااء , ذلك المرض الذى يشيع فى هذه المنطقة » بالرغم من 
أن المنطقة هنا أرضها من الحجر الرملى , ومع ذلك قد يكون المرض مجرد التهاب , 
لأنهم يظنون أن المرض يصيبهم بسبب مشيهم حفاة على التربة الحارقة . وعندما هدأ 
الطقس , اتجهنا صوب الخيام التى أصابها البلل لننام الليلة الأخيرة لنا فى تيماء . 


399 


الفصل الحادى والعشرون 


الجبل 


: الرحيل عن تيماء مع البشثر . رحلة فى اتجاه الشرق خلال المطر . مشهل الشيخ 
العظيم يُصلّْح القهوة ويقدمها . نساء البشّر . ابن مرتاد . كرم الشيخ فى البرية . تعال 
إلى خيام مشّهل ..تهديدات مشهل :الرسيل مع جساعة إلى شائل . رحلة مع ركاب 
الذلول . النصرانى يقيم بدويا ولصا من لصوص الماشية . الوصول إلى الخيام أثناء 
الليل . بدوى من الذين خدموا فى العجيل . شيخ من شيوخ الشمر.فى الصحراء . 
الشيخ يتمنى الخير للإنجليزى . نجد تكاد تكون عديمة المطر . أسئلة البدو وأجويتهم . 
الإرهاق .البالغ بسبب الركوب . ظهور الماء . مجلس عسكر ٠‏ الوصول إلى أولى:قرى 
الشمّر . موجوج . الحكم الذى أصدره الشيخ للنصراتى . قهوة الشمر . الفقيه الشاب 
صاحب الفكر الحر . بدوى عراقى يتهم النصرانى .كلام نجد . الرحيل إلى حائل . 
رى السلف . لقاء خطر فى الرئ . البشر والشمّر ليسوا جيرانا طيبين . منظر علامة 
حائل الجبلية. قفار . نسآء نجد المنقبات. الكرم العام فى قفار . ضواحى قفار الطللية . 
السهل الصحراوى قبل حائل , مسافرون بمحض الصدفة . الخيّالة . الاة قتراب من 
حائل . المكر البدوى . عبد العزيز . دخول حائل . المكان العام . القصر . مُفرج . 
المقهى العام . صالة الضيوف أو امضيف . سكرتير الأمير . مثول النصرانى أمام 
الأمير بن الرشيد . الحضور . رواية القرآن عن المسيح . قراءة غير موفقة . خَتّم . 
جولة فى مزرعة القصر مع الأمير محمد . آبار الرى العميقة . الوضيحى . 

قامت النساء بتحميل خيامهن وأمتعتهن على ظهور الإبل . وألقيت نظرة على 
الأعراب أثناء رحيلهم قيل طلوع النهار . كان زيد يركب فرسه ؛ وواصل مسيره قدمًا 


401 


من القرية التى أمضى الليل فيها ؛ “قال زيد : لى أننى أرافقه وأذهب معه الآن » فسوف 
يأخذنى إلى البشر ويربطهم بمسئوليتهم عن أمنى وسلامتى ؛" ولكن زيدًا لم يكن 
بوسعه الانتظار , إذ كان يتعين عليه أن يتبع الأعراب » إضافة إلى أنى لم أكن فى ذلك 
الوقت . مستعدا للرحيل ؛ واختفى رفاقى من الفكارة ولم أعد أراهم بعد . ومر على 
غريب ٠‏ قدم لى يد العون على وجه السرعة » وراح يساعدنى وأنا أحاول تحميل أشيائى 
وأمتعتى على ظهر ناقتى العجوز : ورحت أقود الناقة وهى تحاول مقاومتى » فى محاولة 
منى للانضمام إلى بقية الإبل ‏ لمسافة نصف ميل تقريبا بالقرب من تلك الأسوار 
المؤدية إلى هؤلاء البشر, الذين شاء حظى الجيد أن أراهم وهم لم يبدعوا التحرك يعد . 
وعند البشر » قصدت إلى ذلك الرجل الذى يدعي حيزان 280لاة!! » الذى سيق أن وافق 
على اصطحابى إلى مدينة حائل : كما اشتريت من بشرى آخر إطار سرج من سروج 
الركوب : حتى يتسنى لى تحميل أشيائى وأمتعتى على الناقة المجروحة . كان البشر 
يستعجلون ماشيتهم ؛ ولذلك بدأنا المسير على وجه السرعة . 

تركنا تيماء عن يميننا » ومضينا قدمًا ٠‏ بين قمم الإرباح 5580 وقمم الغنيم 
متجهين نحو الصحراء ؛ وسرعان ما تبدت لنا بعد ذلك حدود صحراء النفود القاحلة , 
والتى كانت تمتد , بدورها أيضا » فى اتجاه الشرق . واصلنا مسيرنا أثناء سقوط 
المطر فى طقس سيئ ؛ وعند الساعة الرابعة مساء , تزل البشر عن إبلهم فى الصحراء 
المبتلة وعلى ارتفاع حوالى ٠٠١‏ قدم عن مستوى تيماء . وهنا ساق البشر الإبل 
الجائعة إلى المرعى . شب البدى المترحلون النيران » وراحوا يضعون عليها أنواعا معينة 
من حطب الأدغال ؛ الذى كان من بين النباتات التى تأكلها الماشية ؛ وبالرغم من أن 
ذلك الحطب كان مبتلا بفعل قطرات المطر , فإنه كان سريع الاشتعال . حاول البدو 
الحفاظ على أنقسهم ؛ قدر المستطاع . من الريح الرطبة , والمطر الغزير ٠‏ بأن راحوا 
يكوموا الأدغال من حولهم؛ وثبتوها فى الأرض عن طريق وضع أحجار ثقيلة من فوقها. 

تحركنا مع طلوع الشمس : أعاد عواء الإبل المفاجئ . والضوضاء الناتجة عن 
محاولة تلك الإيل الامتناع عن التحميل ؛ أعاد إلى ذاكرتى ذكريات حج العام الماضى ! 
وقبل الساعة العاشرة صباحا : أصبحت حلوان 461820ا على مرمى بصرنا » وصفى 
الجو أكثر من ذى قبل . وعرج البشر قليلا فى اتجاه الجنوب الشرقى , حيث ظهرت 


0402 


أمامنا قرية رط م8 (ويصح فيها أيضا برد 81:0) : وعند الساعة الثانية بعد الظهر , 
نزلنا عن راحلاتنا , ودفعناها فى اتجاه المرعى ؛ كان الارتفاع هذا فى هذا المنطقة مثل 
ارتفاع الأمس . أى حوالى 1.٠١‏ قدم . وتوقف المطر وخرج حيزان للتصقرا*) . كان 
من ضمن هذه الجماعة رجلين أو ثلاثة رجال كانوا يصحبون صقورهم معهم » وكانت 
تلك الصقور راكبة على قمم السروج: وكل واحد منها موضوع قوقه غطاء عينيه الكامل, 
أو الغطاء الذى به نافذتين يرى الصقر من خلالهما ؛ أو جاثمة على أيدى أصحايها . 
فى بعض الأحيان . كان أصحاب هذه الصقور يدفعونها لمطاردة الأرانب البرية 
الصغيرة التى كانت تظهر لنا فجأة أثناء سيرنا فى الصحراء ؛ كانت أجنحة الصقور 
مبتلة بفعل المطر : وكانت الطيور تطير طيرانا فاترا وتحلق على ارتفاع منخفض ٠‏ ويعد 
دورة أى دورتين كانت الطيور تعود وقد أمسكت بواحد من تلك الأرانب البرية » ويروح 
الصفار يمسكه فى يده وهو مشدوه . هذا يعنى أن حيزان كان يصطاد كل يوم أرنبا 
بريا . وكان يحضر لى جزءا من لحم ذلك الأرنب فى المساء , وكان ذلك يكفى 
احتياجات جسمى المرهق . افتقدت كلا من حدّاس وابن عمه ريّان 80لإلاة8 , بينما كنا 
نسير فى الطريق ؛ فقد ترك هذان الرجلان أعرابنا أثناء ترحالهم ويمموا مسيرهم نحو 
أهليهم الذين كانوا يخيمون فى الجنوب » فوق حرة 3:84ا! خيبرا**) . ها أنا اليوم 
وحدى مع العواجى , - وهؤلاء البدو هم إلى حد ما عنيفين: كما أنهم دوما من البدو 
البخلاء » ولكنى كنت استشعر أملا قويا فى الوصول إلى حائل خلال فترة وجيزة . 
جلست لشرب القهوة مع الشيخ مسهل » الذى سوف يقوم هو بنفسه يعمل القهوة . 
هذا الشيخ الذى 'يحكم سبعة قيائل' هو الذى حمص الين . وطحنه . وغلاه ؛ وهو 
أيضا الذى قدم لى بيده ؛ ذلك الخليط الجميل . لم يعطنى مسهل سوى فنجال واحد » 
وقدم لأفراد قبيلته فنجالين وأحيانا ثلاثة فناجيل . ونظرا لأن العمل الذى قام به ذلك 
الرجل كان يسيئ إليه لأنى نصرانى » فقد قلت له متعجبا ٠‏ “هذا بالله شيخ كبير وقهوة 
قليلة ! أهذا هو عرف العواجى .يا مسهل ؛ ان يجلس ضيق بينكم وأنتم جميعا 


ع( التصقر : الصيد بالصقور . (المراجع) 
(*) حرة خيبر : تعرف هذه الحرة أيضًا باسم حرة النار وهى الحرة التى يطؤها الحجاج فى طريقهم إلى 
المديئة المنورة . (المراجع) : 


0403 


تشريون القهوة , فى حين يمسك هو بفنجاله فارعًا ؟: بعد أن تحديت مسهل بهذه 
الطريقة » راح يصب لى القهوة على غير رغبة منه » وهى يتمتم يبعض كلمات تبين عن 
مراجه المتشدد » قائلا “يا هلا فركه ! 8,181؟ " . 

وصلنا فى ساعة مبكرة من صباح اليوم الثالث إلى مشارف جبل إرنان 1550 ؛ 
وهنا قلت لجارى : 'ها . ها هو جيل إرنان !' وهنا صاحت امرأة كانت تركب راحلتها 
وعلى مقريه منا . بحيث كانت تسمع ما نقول ؛ صاحت قائلة : "أوه , ما الذى تريده 
أنت من إرنان ؟' وقبيل العصر نزلنا عن راحلاتنا فى أرض مرتفعة تقع فوق يبع ملا 
مغير 88090681 , التى اكتشفت , عن طريق الآلة » أنها على ارتفاع يقدر بحوالى 
0٠‏ قدم . شاهدنا ؛ عن بعد » بعضا من إبل أعراب ابن 8طا مرتاد 1161880 » وهم 
من حلفاء البشر . بعد أن نصبنا خيامنا ٠‏ جاعت إلى خيمتى امرأة ؛ كانت تطلب إبرة 
وخيطا ( الأشياء التى من هذا القبيل تعد هدايا مقبولة فى الخلاء أو إن شئت فقل : 
فى الصحراء ) ؛ ولكنى طلبت منها الذهاب إلى حال سبيلها عندما وجدتها تساومنى 
مساومة شديدة . وردت على وهى تنظر إلى شذرا . "ها ! نصرانى ؛ ولكننا عن قريب 
سنأخذ منك كل هذه الأشياء .' وقد رأيت من باب الكراهية [العنصرية] » أن ربات 
البيوت البشريات كن يرتدين البروكة 56:08 » أى إن شئت فقل : براقع الوجه الوثنية , 
والتى لا يظهر منها سوى عينان غائرتان فقط . أوحت لى غرابة وجه هذه المرأة أننى 
كنت أجوس ؛» فى ديرة أخرى ؛ من هذه اليلاد ؛ وهذا القسم من البلاد هو نجد الغيورة 
[والوهابية] ؛ - الأكثر من ذلك ؛ أن ترية الجزيرة العربية نفسها متباينة ومتنوعة . 


فى اليوم الرابع من مغادرتتا لتيماء » وصلنا إلى صخور وعرة من الحجر الرملى 
فى منطقة تقع خلف يبع طلا مغرير 100911315 . قسوة المطر والهواء شديدة فى 
الجزيرة العربية » ويخاصة عندما تواجه الشمس عيونناء وننظر عير سديم من الضباب 
الناتج عن الحرارة الشديدة . ويتساقط مخيما على حدود تلك الجبال الجافة حتى 
النخاع أى إن شئت فقل : شديدة الجفاف ! هذه هى الريح وقد اختلطت بالمطر وراحا 
يهيان فيويا شديدا على الصحراء الواسعة أثناء الليل . ومع حلول المساء » نصينا 
أتقدم شيئا فشيئًا من نيران الحراسة البهيجة . وحيثما كنت أدخل إلى منطقة النار 


404 


أمام أى بيت من البيوت الرئيسهة , كان رب ذلك البيت يستقبلنى استقبالا وديا 
ثم يحضر لى بعد ذلك مباشرة سلطانية كبيرة من حليب النياق . لم يوجهوا إلى أى 
نوع من الأسئلة , - والتزام الصمت هنا هو من كياسة المضيف , وكانوا قد رأوا 
خيمتى البيضاء منصوية قيل غروب الشمس . وعندما وقفت . استعدادا للانصراف » 
طلب منى الرجل بإشارة لطيفة البقاء لمزيد من الوقت. وشاهدتهم وهم يحضرون شاة 
لذبحها ؛ - ونظرا لأن الشيخ مسهل ء نزل أمام بيتهم فسوف يذيح ذلك الرجل شاة 
لتكون عشاء للضيف . قال لى عايد #آلاه بن مرتاد 18981230 , ذلك الشيخ الطيب ٠‏ إن 
أعرابه كانوا يذهبون إلى الشميل ا©581556 158 ؛ بل إن الحال كان يصل يهم إلى حد 
الوصول إلى كل من بالميرا 5813/3 وكرياتين 9«لإ68:1316! ! رقدت على الأرض ورحت 
فى النوم داخل هذه الخيمة الصوفية الكريمة , إلى أن أصبحت الوليمة جاهزة , 
وعندهنا أرسلوا فى طلب كل من الشيخ مسهل هو وشيوخٍ العواجى. هذا الخروف 
المسلوق (فى منطقة بعيدة جدا عن ساحل البحر الأحمر) قدم مع نوع آخر من الأرن . 
يطلقون عليه اسم التّمن 0 ويأتون به من العراق وهى (بالرغم من أنهم يعدونه 
أقل من أنواع الأرز الأخرى) له نكهة طيبة وقوام أفضل من الأنواع الأخرى . ويعد أن 
فرغ مسهل ومعه كل من جاعوا من البشر وشيوخهم ٠‏ نهضوا واقفين ثم انصرفوا لحال 
سبيلهم بعد أن شكروا المضيف ودعوا له بالبركة - ولم أرى ذلك من قبل - فقد حمل 
الشيخ مسهل معه قطعة من اللحم وعظمة من عظام الخروف ٠‏ وذلك لزوجته التى كانت 
تصاحبه فى الرحلة . 

فى صباح اليوم الخامس لمغادرتنا لتيماء صعدنا إلى أرض وعرة شديدة الارتفاع 
فى اتجاه الشرق من طريق يطلقون عليه اسم درب 08:8 الزْلاج [231 » ووجدت ونحن 
فى هذا الدرب أننا كنا على ارتفاع 50-٠‏ قدم ٠‏ وشاهدت زهيرات صغيرة » من بنات 
المطر . كانت قد تفتحت بالفعل فى الصحراء . وعند دخول الظهر . كنا قد وصلنا إلى 
مَنْزْلُ مسهل الذى كان مكونا من عدد قليل من الخيام التى نصبت إلى جوار بعضها 
فوق تلك القطعة المستوية من الأرض التى وضلتا إليها , والتى يطلقون عليها اسم 
الخرام 63:8-ا© . وكانت أيضا على ارتفاع 04.٠٠‏ قدم : كان الترمومتر ( مقياس 
درجة الحرارة ) قد سجل ١م‏ فهرنهيتية . واعتبارا من هذه المنطقة بدأت سلسلة 


د40 


الجيال تيدو لنا وكأنها فوق السحاب وهذا هى جبل إرنان 0 فى الشمال : بيعل 
عنا مسير يوم تقريبا . 


فى العسير نوها رجلوة قزليان قرييان #جانا ين ديرة فن الشاحهة الكنويية 
بالقرب من المدينة ( المنورة ) : قالا لنا إن المطر لم يسقط على ديرة جهينة » أو فى 
سائر أنحاء وادى الحمض 545نا!! ! وضعوا أمامهما طبقا من التمر ؛ هذان البدوبيان » 
. دعيانى [باعتبارى ضيفا] ومن منطلق عرق الصحراء أن أقترب منهما وآكل معهما من 
ذلك الكمر :- هذا المسهل , بالرغم من أنى كنت معه قى خيمته لم يدعى النصرانى 
للأكل من ذلك التمن ! تذازات تمرتين وأكلتهما من باب “العيش واللح” فيمًا بيننا : كان 
أشياء' غنيمة له . هذا الحزام الذى يشيع فى البلدان المستقرة . والذى يطلقون عليه 
اسم "الكُّمر : +:نام » مطلوب ومرغوب من الخيّالة البدو المترحلين . وهم يظتون 
أن ربط أجزاء الجسم غير المتينة بذلك الحزام ٠‏ إنما يعطى الإنسان قوة على قوته . 
على أن أعطيه أنا تاقتى ومعها الحزام .'- كان عدد إبل ذلك الرجل يزيد على المثنين ! 
"رد على مسهل قائئلا : حسن » إذن ٠‏ سيأخذنى غنيمة له ." - "ألا ترى أن نوى التمر 
ما يزال فى يدى , وأنت لا يمكن أن تقبل على ذلك يا مسهل ؛ فأنا بينى وبينك الآن 
"عيش وملح” * - 'ولكن ذلك لن يجديك أو ينقعك ؛ ماذا يحدث لو أننى طردتك غدا 
بعيدا عنا . أنت ومعك ناقتك العجوز ؛ فهل تستطيع أن تهتدى إلى طريقك وتعود إلى 
سهل الحجر ؟ - 'أنا أعرف أن المسافة تصل إلى حوالى أربع رحلات فى اتجاه 
(سبحانه وتعالى) » وسوف أمضى معكم قدما." - 'ولكن اليلد كله ملئ بالحباليص ." - 
"يا شيخ مسهل ؛ يا غنى ؛» هل تسمح لك عاداتك بتجريد إنسان مسكين من مقتنياته ! 
وأنا أرى أن هذه التهديدات كلها مجرد لغوى ليس إلا ؛ لأننى ضيف عليك .' - واليدو 
يظنون أن النصارى خبراء فى ركوب الدواب » وعليه قالوا لى : "أننى سوف التقى 
الشيخ مسهل فى الغد على ظهر حصان ؛ وينبغى أيضا أن أكون مسلحا بمسدس ” 


406 


ورددت عليهم قائلا : "إذا كان لابد من ذلك . فسوف أحاول وأبذل قصارى جهدى .” - 
'لا»فى الغد سوف يركب خليل ناقته العجوز ( قالها مسهل مرة ثانية ) ويعود إلى 
مدائن صالح ؛ وبابتسامة صارمة توقف عن الطلب ٠‏ بعد أن وجد أن كلامه لم يحركنى 
. وهنا قال ولده الأصغر الذى كان يجلس معنا فى الخيمة , قال كلاما طيبا : "حسن , 
دع خليل يحصل على ما يريد » - وفى الصباح سوف يعطوتى ناقة صغيرة بدلا من 
الخويرة ( الناقة كبيرة السن ) والحزام . والعرب فى جشعهم عندما يحاولون إتلاف 
حياة الغريق , الذى لن يساعدوه مستقبلا » يكونون أرذل من أية أمة أخرى ! 

طلب منى حيزان ؛ فى الصباح ؛ الاستعداد للرحيل ؛ إذ كان عسكر ومعه يعض 
الرفاق متجهين إلى حائل » وبالتالى يمكن أن أركب معهم ؛ سألنى حيزان "هل ناقتى 
العجوز تستطيع مسايرة النياق الصغيرة فى الجرى ؟- 'إنها ناقة عجوز ٠‏ وليست 
صغيرة السن . - 'إذن » يتعين علينا أن نسافر منفصلين عنهم .' كان حيزان بعد أن 
استلم النقود التى اتفقنا عليها ؛ قد قال إنه لا يستطيع مرافقتى هى بنفسه , وإنما 
الذى سيرافقك هو هذا الرجل ‏ الذى قال عنه إنه شقيقه , إضافة أيضا إلى أنه أطلق 
عليه اسما غير اسمه . - كان من الصعب على تحاشى الوقوع فى مثل هذا النصب 
والخداع من قيل البدو ! قال مسهل : “حسن , أنا أضمنه . ساقر فى أمن وبسلام .* 
ووضعت شرطا يقضى بتحميل حقائبى على ناقته الصغيرة » وأن يكون من حقى أن 
أركبها أيضا ؛ وبعد ذلك مضينا قدما فى طريقنا . 

كان رفيقى فى الرحلة شبيه برجل من رجال الأحراش : كان عسكر ومن برفقته 
قد مسبقونا على الطريق ؛ مررنا على بعض حفر الماء الضحلة التى جرى تطهيرها 
مؤخرا ؛ وانتابتنى دهشة لوجود مثل هذه الحفر على مثل هذا الأرض المرتفعة . 
ثم وصلنا بعد ذلك إلى حرف الجبل فى الناحية الشمالية . من جبل خرام 2ه , 
هذا الحرف كان شديد العمق وشديد الانحدار نحو السهل الموجود فى الأسفل ؛ والإيل 
أثتاء سيرها فى مكان من هذا القبيل ترتكز على أرجلها الأمامية وتجعلها أكثر 
تماسكاء محاولة النزول تحو الأسفل يحرص بالغ . وهكذا رحنا نهبط . حسب 
استطاعتنا . مستهدفين الوصول إلى الصحراء الرملية » متجهين بعد ذلك صوب 
ساحل منخفض من الصخر الرملى » يطلقون عليه اسم العبّاسية 168ووه6مه , ويقع 


04(07 


إلى الغرب من بلدة مسمة 1115883 واستطعنا فى النهاية اللحاق يعسكر ومن معه . 
وعندما اقتربنا من الطرف الشرقى للجبل » ظن من معى أنهم شاهدوا حباليص 
يتجولون يين الصخور. هؤلاء اللصوص هم من "حطيم النفود وهم أيضا من الأعداء' , 
وقد شوهدوا فى تلك المنطقة التى رأى الناس فيها فى اليوم السابق بعضا من طلائع 
الحباليص الذين يقومون باستكشاف المكان . '( قال عسكر ) ٠‏ هل تستطيع تاقتك , يا 
خليل . أن تساير نياقنا فى المسير ؟ نحن بدى » ونحن ننهش 0608358 ) ويصح فيه 
أيضا “نهجج [[5305 ) ! ونحن لا نهاب أى نوع من الأخطار ونحن ركوب على نياقنا ؛ 
عجل قدر ما تستطيع . والا خلّفناك وراعنا » ويذلك تسقط وحيدا فى أيدى اللصوص .* 
ويعدها راح كل واحد منهم يستحث ناقته على الجرى : أما ناقتى العجوز , والمرهقة 
بعد الرحلة الطويلة التى قطعتها من تيماء » فقد تأخرت كثيرا عن باقى النياق ؛ وتلك 
كانت قدرتها . وخلصت إلى أن الجميع سوف لا تكون لهم فائدة فى حالة الخطر ؛ هذا 
يعنى أن الطالع كان فى غير صالح هذه الرحلة ‏ لم يكن فى أحد من الرفاق أى شىء 
من الخير اللهم باستثناء عسكر وحده . وهذا هى الرفيق غير المتحضر ؛ الذى حاولت 
ربطه منذ البداية بأن جعلته يحلف بأغلظ الأيمان » والذى حلف لى “على ساق العشب” 
أنه لن يتخلى عنى ٠‏ هذا هو الآن يصيح فى قائلا : والله - بالله » إنه سوف يتخلى 
عنى إذا لم أعدل خطوى وأسرّع من مسيرى ( وهذا أمر مستحيل ) ؛ لأنه يتعين عليه 
اللحاق برفاقه . كما أنه كان رفيقا لهم ,* من هنا فقد راح الجميع يجرون بنياقهم 
مسافة ميل أو ميلين . 

أسفر المطر الذى تساقط فى الأيام الأخيرة عن برودة الهواء ؛ ها هى فترة ما 
قبل الظهيرة » حيث السماء ملبدة بالغيوم . ولكن الشمس تسطع بين الحين والآخر 
محدثة نوعا من الدفء . ويعد عناء كبير وجلبة كثيرة وصلت أخيرا إلى الرفاق الذين 
كانوا طائرين ينياقهم , وهنا قلت لعسكر : 'لو قدر للأعداء أن يهجموا عليك . فهل 
ستضحى بى أنا الذى أعد رفيق طريقك ؟ “قال : سوف أركبك ورائى على ناقتى » 
وسوف يكون مصيرنا مصيرا واحدًا نحن الاثنين ؛ لن أضحى يك ٠‏ يا خليل .” كانت 
الجماعة تأمل فى النزول فى منزل الأعراب فى تلك الليلة » قبل أن نصل إلى حبل مسمة 
3.,, الذى بدأ يلوح لنا من يعد . كان السهل عامرا بالرمال والأعشاب التى تنمو 


408 


فى الأحجار الرملية . التى كانت تجاويفها عبارة عن برك صغيرة ملأتها مياه الأمطار 
العذبة . وقبيل العصر طرد أفراد الجماعة الإبل وجعلوها تسبقهم يمسافة كبيرة جذا , 
نزلنا عن إيلنا وتسلق البعض الصخور المجاورة ليستطلع المكان , وعادوا ليخبرونا أن 
أولئك الأعراب كانوا أيضا راحلين: وأنهم يبدى عليهم أنهم على وشك التخييم من جديد. 
واصلنا المسير ركويا على ظهور نياقنا قاصدين جبل مسمة #8وذة! , إلى أن وصلنا . 
إلى أولتك البدى ؛ الذين لم يكونوا سوى عائلة من عوائل الشّمّر تتجول فى تلك القفار 
الشاسعة . والمؤكد أن أفراد هذه العائلة تملكهم الخوف الشديد بعد أن رأونا ٠‏ لأننا 
وجدتاهم ينكمشون ويلجاون إلى الأرض المنخفضة , أخذين معهم إبلهم قليلة العدد , 
فى الوقت الذى لم تكن ربة البيت قد نصبت فيه خيمتها . كانوا يراقبونا ونحن نمر 
عليهم ‏ ونظراتهم توحى بعدم الاستقرار أو الاطمئنان » والسبب فى ذلك أنه ليس هناك 
وام بين العنزى والشّمّر .- والذى يشكل ذلك العداء هو مسالة الأمير . كنت ساطلب 
من أولئك البدو أن يسقونى شرية ماء , نظرا لأننا واصلنا مسيرنا طوال اليوم على 
ظهور راحلاتنا دون: توقف . إضافة إلى أن النهار أوشك أن ينتهى متحولا إلى ليل ؛ 
ولكن رفاقى واصلوا مسيرهم . طلبت من رفيقى أن يعيرتى ناقته المريحة والسريعة » 
وذلك وفاء بما اتفقنا وتعاهدنا عليه ؛ ولكن هذا الرفيق الأشعث غير المتحضر أنكر على 
ذلك ؛ بل إنه رفض حتى أن يبطئ المسير . وكنت فى أحيان كثيرة ؛ أتأخر عنهم كثيرا 

1 جدًا , بينما هم يجرون ؛ الأمر الذى كنت أخشى أن أفقد الاتصال بهم عن طريق 1 
العير بعكم لحي إييه أن تنهار ناقتى المتعبة من تحتى ؛ ويالتالى تجهض 
وتفقد وليدها . 


ويناء على كلام عسكر ؛ ويعد أن أدركوا أننى لن أقوى بعد ذلك على تحمل 
المزيد » وأفق رفيقى على تبادل الركوب معى ٠»‏ وبالتالى ركيت أنا ناقته صغيرة السن ؛ 
دخلنا بعد ذلك فى فجوة منخفضة فى جبل مسمة بالقرب من طرف الجبل الشرقى 
المكون من سلسلة طويلة من صخور الحجر الرملى . وراح رفاقى ينظرون من طنف 
الجبل ؛ بحثا عن خيام الأعراب سوداء اللون ؛ فى السهل الصحراوى الواقع خلف 
الأفق . قال أحد الرفاق إنه يحسب أنه رأى خياما على بعد مسافة كبيرة ٠‏ ولكن بقية 
الرفاق شكوا فيما قاله ذلك الرجل , وهنا كانت الشمس بدأت فى الغروب . وهنا نزلنا 


209 


إلى الرمال العميقة المنجرفة على أجناب الجبل , وهنا فاجأتنا ريح » كانت تشبه فى 
هيويها هفهفة جناحى الطير . ونحن ركوب على نياقنا , مما أدى بالإبل إلى إسراع 
خطاها ؛ بالرغم من أن الأفراس ؛ يمكن أن تسبقها فى الأرض المستوية . وكما يقول 
شعراء العرب القدامى إن ركوب الذلول يجعل الراكب يحس وكأته "يسبح' فوق الأرض 
الرملية » الأمر الذى يجعل الراكب المتمرس لا يحس بسرج الجمل من تحته . 


تزلنا إلى بركة من ماء المطر فى الصخر الرملى؛ وعندها نزل الرفاق عن راحلاتهم 
وتوضئوا من ذلك الماء وراحوا يؤدون صلاة المغرب ؛ ولكن عسكر ؛ وبالرغم من دخول 
. الليل علينا » لم يكن معه شيئًا يجفف به تفسه , فقد راح يغسل كل جسمه ؛ وراح 
رفاقه يسألونه : "قال , إن هذا هو ما يفعله الرجل بعد أن يعاشر زوجته ؛” ويعد 
الاستحمام عاد واثقا من نفسه يطلب الرحمة والعفى من الله :- وهذا هو ما فعله 
(سيدنا) موسى . والمسلمون سواء أكانوا مرضى أم أصحاء , إذا ما أصابت 
أجسامهم النجاسة بكل أشكالها . فلا تصح معها الصلاة » أى إنهم يمتنعون عن 
الصلاة . جانى كثير من المرضى , وهم يشكون أن الضعف أو المرض الذى يعانون 
منه "قد يمنعهم من الصلاة" ؛ ولذلك يرى هؤلاء المرضى أنفسهم وكأئهم معزولين عن 
الرحمة وعن الدنيا أيضا . ولذلك فإن هؤلاء المسلمين يجعلون الله راعيا وناظرا إلى 
'اليشرة «أ/8 (المظهر) , بدلا من أن يكون وازنا وباحثا وكاشفا الحقيقة السرية التى 
فى قلب الإنسان . واصلنا مسيرنا فى عتمة الليل ؛ ولم استمر فى ذلك السير إلى 
مسافة يعيدة » نظرا لدخول الليل البهيم علينا » ولم أستطع تهدئة رفيقى نصر 0١/38“‏ » 
وهنا تحتم على العودة إلى ناقتى العجوز والسبب فى ذلك , على حد قوله » أننى قد 
أشرد مع الناقة أثناء الليل . ومن رأى نصر ء وكان ذلك أيضا هى رأى حوريش من 
قبل , أننى كنت بدويا . ولصا من لصوص الإبل ؛ وهذه الفكرة الخيالية هى التى جعلته 
فى مرحلة سابقة من اليوم ؛ يوافق على أن أركب أنا ناقته , التى كانت فى أسرع 
النياق الموجودة على الإطلاق ؛ أما فيما يتعلق بكل من عسكر والبقية التى كانت كلها 
من الشيوخ » فقد خلفوا وراءهم أفضل نياقهم فى:ديارهم , لأنهم كانوا يدخروتها 
للعمليات الحربية . 


010 


سرنا مدة ساعتين بعد غروب الشمس ؛ وقطعنا خلال مسير ذلك اليوم ما يقرب 
من خمسين ميلا ؛ وهنا بدعوا يتشاورون مع بعضهم البعض حول ما إذا كان من 
الأقضل لهم النزول عن راحلاتهم وقضاء الليل فى هذا المكان الذى وصلوا إليه ؟ كنا 
لم نتناول إفطارنا فى ذلك اليوم » ولم يكن معنا طعام أو ماء . كانوا واثقين من أننا 
سوف نتعشى كل ليلة مع الأعراب . اتفقوا فيما بينهم على الاستمرار فى المسير إلى 
مسافة أبعد قليلا عن هذا المكان ؛ ويعد فترة وجيزة بدأت تلوح لنا نيران الحراسة التى 
يشيها البدى . بعد ذلك بساعة . أصبحنا على مقربة من أولئك الأعراب ٠‏ وعندها 
سمعت أصوات المساء فى منزل من منازل أولئك اليدو الرحل ؛ كانت تلك الأصوات 
عبارة عن أصوات المرح المملة التى تصدر عن الأطفال . الذين يدورون حول نيران 
الحراسة ويغنون عند بيوت الشّعْر . وصلنا فى سكون ولم تنبح الكلاب . كانت هناك 
. خيمتان أو ثلاث خيام . وعندما رآنا العرب صمتت الأصوات كلها : هذه النيران 
الجميلة . التى شاهدنا حولها قيل لحظة واحدة ٠‏ بعض الرجال ‏ انطفات فجاأه يإلقاء 
الرمال عليها . كان عددنا يتردد بين ستة وسبعة رجال , وكان كل واحد مْنا على ظهر 
راحلته , وظن الناس أثنا ربما نكون غزوا معاديا . ويعد أن نزانا عن راحلاتنا فى 
صمت انتحينا جانبا ثم جلسنا على الأرض : ولم يتكلم أى أحد منا متاديا بأسم زميله 
مطلقا ؛ والسبب فى ذلك أن الصحراء الواسعة مليئة بحالات الثأر وإهدار الدماء . 
وعندما يكون هناك اجتماع غريب من هذا القبيل ٠‏ بل وفى مثل هذه الساعة » فإن البدى 
الرّحل يزداد شنكهم وعدم يقيتهم فى بعضهم البعضن ٠‏ وأتا عندما كنت أضيق ذرعا 
بصمتهم ؛ كنت أقول لهم سلام :53138 ! وهنا كانوا يرجونى التزام الصمت والسكون 
. وعندما أدرك البدى أننا مسالمون ٠‏ تقدم واحد منهم بحذر نحونا » وألقى علينا السلام 
قائلا : 'سلام 531880 عليك عالإ16/ " وهنا رددنا عليه جميعا السلام قائلين : "عليكم 
1ه عالاهاة السلام 85-5381835 * . والبدى عندما يتبادلون السلام بهذه الطريقة تزول من 
بينهم شكوك الشر والخطر . وهنا اقتاد ذلك الرجل » الذى اقترب منا , كلا من عسكر 
ورفيقه إلى بيته ٠:‏ فى حين ذهبت أنا ومعى نصر :35لا إلى بيت آخر ؛ ونصر هذا كان 
ا امار حم واد بالرد ف ا . وهنا 

شب البدى من جديد النيران التى كانوا قد أطفأوها . 


411 


لم نتمكن من معرفة هوية أولئك الأعرابء ولم يتمكنوا هم أيضا من معرفة هويتنا؛ 
ولقد عرفنا أن أهل الصحراء لا يسألون الضيف عن هويته إلا بعد أن يفرغ من تناول 
الطعام ؛ ومع ذلك فإن الأعراب عندما يتبادلون الحديث عن , المطر خلال العام أى عن 
المرعى ؛ ريما يتمكنوا من معرفة قبائل بعضهم البعض . وأنا عندما سألت رفيقى 
الجلف "إلى أى قبيلة ينتمى هؤلاء البدو ؟ رد على هامسا , 'إنه لم يعرف ذلك بعد " ؛ 
ويعد ذلك بفترة وجيزة : فهمتا من الاصوات التى تناهت إلى مسامعنا أنهم : فى 
الخيمة المجاورة قد تعرفوا على عسكر . كان عسكر ولدا من أبناء شيخهم الكبير ؛ 
وعرفنا أيضا أن أولئك الأعراب كانوا ولاد 4130لا سليمان 56/1/5780 » وهم بطن من 
بطون قبيلة البشر » هذا بالرغم من عدم معرفة الناس هنا لوجوه بعضهم البعض . 
ويعد أن انتقل مضيفى إلى الخيمة الرئيسية لمعرفة الأخبار » تركنى مع ربة بيته » التى 
شاهدتها وهى تقشر القمح باستعمال مضرب فى قدح من الخشب ٠‏ وهذه الطريقة ٠‏ 
ليست معروفة عند البدو الذين سبق أن تعرفت عليهم فى الجنوب ؛ والناس هنا يقدمون 
القمح المبشور كوجبة للضيوف . كان الوقت من العام هنا يصادف فصل الشتاء ؛ فى 
هذه الصحراء الجرداء ؛ ولذلك قام البدى بوضع سياج من أعشاب الأدغال الجافة , 
حول خيامهم لحمايتها من الريح والمطر الغزير . 

جاعنا بعد ذلك » رجل من الخيمة الثالثة وتناول معنا الغذاء . وقد اندهشت عندما 
رأيت ذلك الرجل ؛ كما اندهش هو أيضا لرؤيتى : كان الرجل واحدًا من اليدى , ولكنه 
كان يضع على رأسه قلنسوة أو إن شئت فقل : طريوش تركى أحمر اللون » كما كان 
يرتدى قميصا مقلما يطلقون عليه اسم "كمبان” 6632ناما , فى بلاد الحدود المتمدنة ! 
وعندما سألت ذلك الرجل عن عمله » رد على أن "ضعفه جعله يلتحق بالجندية فى 
الشام وراح يخدم الدولة (الإمبراطورية العثمانية) هناك نظير أجر يتقاضاه بالريالات : 
ولكنه الآن عاد إلى الحياة البدوية » ومعه ما يعتبره ميلغا كبيرا من المال . ومع بداية 
تحسن أحوال ذلك الرجل اشترى لنفسه إبلا : وماعزا وأغناما ؛ كما كان على استعداد 
لشراء ناقتى العجوز . ويدفع فيها المبلغ الذى حددته أتا ٠‏ وشى سبعة ريالات ٠‏ على أن 
يقوم بذيحها عتقا لوالده المتوفى .- البدى يعملون بالجندية » هذه المسألة كانت تشكل 
لى عالما جديدً! ! ومع ذلك » فقد بلغنى فى مرحلة لاحقة , أن هناك بعضا من البشر 


412 


ويعضا من أفراد قبيلة حرب يعملون ضمن العجيل ( فريق النقل ) قى المدن الكبيرة . 
كان اليدوى , الذى رأى فى الفريب حياة المدينة الدمشقية . يسعد وينشرح صدره » 
عندما يدردش طويلا مع الغريب , حتى وإن كان ذلك الحديث مقصورا على ذكر أسماء 
الأسواق والشوارع فى تلك المدينة الواسعة الشاسعة . أبلغنى ذاك البدوى أنه سوف 
يحضر ثمن الناقة فى الصباح؛ وى أضاف ٠‏ أننى إذا ما بقيت قليلا معه فى هذا المكان » 
فإنه سيكون على استعداد لإرشادى فى رحلتى إلى حائل » التى سوف يتعين عليه 
الذهاب إليها خلال فترة وجيزة . - ولكن عندما نادانى رفيقى فى الصباح وطلب منى 
الاستعداد للرحيل قبل طلوع الفجر , لم أتمكن من البقاء مع ذلك البدوى . وعندما 
التقانى ذلك البدوى ٠‏ بعد ذلك فى حائل , لامنى لأنى لم أنتظره » وسألنى عن ناقتى » 
الى كت قد -بعتهاا تمن بشن إقال لى ايضنا. إنهم يكتيها ومتلد إليهم فى تلك 
الليلة ؛ جهزوا بنادقهم الفتيلية ليفتحوا النار علينا ؛ ولكنهم عندما شاهدوا الجوالات 
الكبيرة فوق ناقتى ؛ وبعد أن سمع صوتى عفرا أننى لم أكن واحدًا من البدى ؛ وأتنا 
لم نكن نشكل نوعا من أنواع الغزى . 

عجلنا المسير فى الصحراء مرة ثانية على أمل العثور على منزل كبير من منازل 
الأعراب , يمكن أن نشرب فيه شيئا من القهوة . والشيوخ الذين تعودوا على خيام 
القهوة لا يحبون الأيام التى تمر عليهم دون شرب القهوة . من أيام حياتهم ؛ وسارت 
الجماعة على هذا الحال , وهم يدخنون التبغ بلا توقف . وصلنا مع طلوع الفجر , 
ونزلنا من فوق راحلاتنا » وقسمنا أنفسنا إلى جماعتين , وذهب عسكر هى وجماعته إلى 
خيمة قهوة الشيخ : تلك هى آداب الصحراء ؛ التى تقضى بعدم وضع الأعباء كلها على 
أسرة واحدة . كان هؤلاء الناس من الشّمر » واستقبلونا بكرمهم المعهود . قدموا لنا 
تمرًا ممتارًا ( له مذاق ولون غير مذاق ولون تمور قريتى العلا وتيماء ) وضعوه أمامنا 
ومعه سلطانيه كبيرة من لين النياق ( ذلك الشراب المنعش فى تلك الصحراء القاحلة ) . 
استدعونا بعد ذلك إلى خيمة الشيخ . حيث قام هو بنفسه بتصليح القهوة » ووجهه 
' تعلوه ابتسامات النخوة والشهامة . وعندما سمع ذلك الشيخ أننى حكيم ؛ طلب منى أن 
أحضر إلى حفيدته المريضة للعلاج . وقلت لأم هذه الحفيدة إننا على سفر , وأن العلاج 
الذى سأعطيه لابنتها قد لا يفيدها كثيرا . وهنا استدار الشيخ إلى رفاقى وقال لهم : 


413 


"أننى لابد أن أكون شخصا أمينا .” - “رد عليه عسكر : هذا حقيقى ؛ ويجب أن تثق 
به فى كل شىء ." ناولنى الشيخ سلطانية الحليب: ويعد أن شريت منها جرعة . سالنى, 
"من أى بلد أكون ؟” ورددت عليه : "أنا إنجليزئ » وعليه همس فى أذتى قائلاً : 
"إنجريز ! 5لإ©:529 - إذن أتت نصرانى ؟" وهنا قلت له بصوت عال : 'إي ؛ بالله ؛” 
وهنا ابتسم لى الشيخ من جديد » وقال فى نفسه ء 'لن أخوثك .'- ويعد أن انتهى من 
تصليح القهوة » صب لى أنا فنجالاً » قبل أى واحد من الباقين . ويعد أن شرب رفاقى 
الفنجال الثانى » نهضوا واقفين استعجالا للرحيل : طلب الشيخ منى الانتظار بعض 
الشىء ‏ كى أشرب المزيد من حليبه الطيب واستعيد فى داخلى بواعث القوة . 

واصلنا مسيرنا شرقا فى تلك الصحراء الجرداء : مخلفين وراعًا متطقة المسمّة 
8 ونرى عن يميننا بعض العلامات الأرضية الجبلية المعروفة الدالة على ذلك 
المسقى الكبير الذى يطلقون عليه اسم بيثة 83158 النثيل 0/6151 . وربما نكون قد 
واصلنا مسيرنا راكبين من خرام 658,20 إلى مدينة حائل فى الجهة الشرقية من جبل 
أجا دززه ©)؛ ولكن المرافقين لى كانوا يظنون أن ذلك المكان خال من البدو المترحلين . 
هذا السهل الواسع المرتفع , - الذى يصل ارتفاعه إلى ما كرك طن تدم 
تنتشر فيه الأصداف كما لو كان مكونا من أحجار الحديد ؛ ولكن قبيل الظهيرة 
اكتشفت أننا كنا فى منطقة من أحجار الجرانيت » ومررنا من تحت جبل صغير من 
البازلت اللامع » أسود اللون . كانت القمم الصخرية البارزة من تلك التربة رمادية 
اللون مثل الجرانيت ؛ هذا هو جبل إبران 15:80 الذى يميل لونه إلى السواد » نراه 
بعيدا عند الأفق . على بعد مسير ساعات عدة من هنا , ويمتد فى اتجاه الشمال . 
ويعد فترة وجيزة دخلنا فى رمال النفود . حيث شاهدنا فيها العلف البرى ؛ وهنا نل 
البدى عن دوابهم ليجمعوا شيئا من ذلك العلف . كان الهدف من ذلك هى إطعام 
المواشى إلى أن يستعدوا لدخول حاثل ؛ هذه المنطقة المجاورة لحائل ويطلقون عليها 
اسم المحال (81888 , عبارة عن ترية جرداء ولا تقل كثيرا عن المنطقة المجاورة لقرية 
تيماء . مسألة جمع العلف هذه لا تليق بشيخ من الشيوخ الكبار : ويينما كانت بقية 


() أجا : أحد جبلين يتكون منهما جبل شمر وهذان الجبلان هما أجأ وسلمى . (المراجع) 


414 


الجماعة مشغولة فى جمع العلف , كان عسكر يحفر بيديه فى الرمل » لكى يختبر 
العمق الذى تقع عنده مياه المطر ؛ وهذا العمل هى أهم الأعمال التى يقوم بها البدو 
لحين مجىء فصل الخريف التالى ؛ كما أن هذا الماء هى الذى يساعد على نمو 
الأعشاب الجديدة . كانت الأمطار قد سقطت غزيرة على تلك المنطقة طوال ستة عشر 
يوما؛ ومع ذلك لم نشاهد فى تربة هذه الصحراء الجرداء أية بادرة من بادرات النباتات 
الجديدة . وعندما وصل عمق الحفر إلى ما يقرب من ذراع واحدة , تناول عسكر شيئًا 
من الترية الجافة ؛ هذا يعنى أن رطوية المطر لم تصل إلى عمق ياردة واحدة ! هذا 
يعنى أيضا أن الأمطار الموسمية تعد مسألة جزئية أى فرعية فى الجزيرة العربية » التى 
تعد هذه المنطقة منها . واحدة من المناطق التى لا تسقط عليها الأمطار . فبينما سقطت 
الأمطار فى منطقة خرام » نجد أنها لم تسقط على منطقة جهينة ؛ ولم تسقط على خيبر 
سوى أمطار قليلة جدًا » وخيبر تيعد عن هذه المنطقة حوالى مائة ميل ؛ الأمر الذى 
جعل هذه المنطقة لا تعرف الربيع فى تلك الجبال البركانية فى ذلك العام . 

بعد أن قطعنا مسافة قصيرة قى صحراء النقود . شاهدنا قطيعًا من الإبل يتحرك 
أمامنا فى المرعى ٠‏ وأفراده متفرقين هنا وهناك ؛ ومن خلف ذلك القطيع شاهدنا خيام 
البدو منصوية فى تجويف من تجاويف الأرض المحيطة بهم . والبدى » عندما يخيمون 
فى مجموعات صغيرة ٠‏ يختارون أو ينتقون المناطق المتخفضة » حيث يكونون فى مأمن 
من غوائل الطقس ؛, يضاف إلى ذلك أن البيوت يصعب تمييزها فى ضوء النهار عندما 
تقام فى مثل هذه المنخفضات ؛ إضافة إلى أن النيران التى يشبها هؤلاء البدو فى 
المساء . يصعب أيضمًا تمييزها أثناء الليل فى تلك المناطق المنخفضة . هؤلاء البدو , هم 


أيضا من الشَّمَّر ؛ لأن هذه القبيلة تحتل المنطقة التى تمتد من أمامنا هنا إلى أن تصل 


إلى قرى الجبل اواعل ؛ - هؤلاء البدى كانوا منتشرين على شكل عائلات : كما لى كانوا 
يعيشون فى بلد آمن داخل ممتلكات الأمير » يضاف إلى ذلك أن هؤلاء البدو كانت 
تحيط بهم أبار المياه من كل جانب . جحافل أسراب الذياب فى هذه المنطقة الرملية 
كانت تشير إلى أننا فى مستوطنات النخيل . كنا كلما وصلنا خيمة من الخيام » نجد 
الأعراب يسألونا على الفور » وبفضول شديد : 'ماذا عن المطر ؟ هل سقط الغزير منه 
على ديرة العواجى؟ وكان رفاقى يجيبونهم إجابة واحدة قائلين “لا ها تنشد 2080", 


415 


بمعنى "لا تسألوا عن مسالة المطر هذه .* وعندما كان أحد يسألهم . "من هو ذلك 
الشخص الذى أحضروه معهم ؟ كان العواجى يردون عليهم ٠‏ بإجايه لم أفهم معناها , 
إذ كانوا يقولون لهم : "الخير ؟لا©5!-!8 الله 5اانا . " كان شيخ هذه المنطقة على 
استعداد لشراء ناقتى . وأعرب عن استعداده لتوصيلى بعد ذلك إلى حائل بعد أيام 
قلائل أنزل خلالها ضيقا عليه . 

خطر ببالى تمضية الليل فى هذه المنطقة ؛ ولكن رفاقى بعد تناول العشاء ركبواً 
إبلهم ويدءوا يجرون من جديد ومعهم رفيقى نصر ؛ هذا يعنى أنهم لم يتوقفوا ولو 
للحظه واحدة حتى أبيع الناقة . - وهنا أثرت الرحيل مع أولتك الذين أعرفهم » وبالتالى 
أكون واثقا من الوصول إلى حائل . ؛ على البقاء فى خيام بدو لا أعرفهم ولا يعرفونى ؛ 
يضاف إلى ذلك » أتنا علمنا خبر وجود مخيم شمرى كبير على بعد مسافة قصيرة"؛ 
فضلا عن وجود شيخ من شيوخ القهوة . وعد عسكر يتسليمى إلى أولئك الأعراب » إذا 
ما استطاع إقناع رفيقى بالبقاء معى . لقد أتعبنى وهدنى ذلك التنقل المتعب على ظهور 
الإبل : إذ كان قلبى يقفز إلى حلقى فى معظم الأحيان ‏ وهذا هو ما يطلقون عليه هنا 
اسم “قطى 80ق! القلب 5اقكاءا أى إن شئت فقل : “قطع القلب' . كانوا يسبقونى طوال 
ساعات اليوم » وهم يستحثون إيلهم على السير ٠‏ إلى حد أننى كنت أرى أن الموت - 
فى حال عدم توفر النية الحسنة - هى الخلاص الوحيد من كل تلك الآلام التى أكابدها. 
كان الأعراب ينصبون خيامهم فى الجبل المجاور ؛ ولكننا بعد أن أمضينا ساعتين فى 
المسبير أثناء الليل ؛ وعندما لم نشاهد آثار النيران التى يشبها أولئك الأعراب ٠‏ خطر 
ببالنا أن بدو العواجى , على حد قولهم ٠‏ ربما يكونون قد بدموا الرحيل أثناء الليل , 
' حتى يصلوا إلى حائل فى ساعة مبكرة. هذا يعنى أنهم لابد وأن يكونوا قد تخلوا عنى, 
ويالتالى لم أتمكن من المضى قدما فى ترحالى » بل إن ناقتى كادت تموت من تحتى : 
وبالتدريج راح عسكر الذى كان يغالبه النوم . يتمتم لرفاقه قائلا : "هيا بنا ننزل عن 
دوابتا وننال قسطا من النوم ٠.‏ وهنا أبصرنا عن بعد نارا من نيران الحراسة فى 
الجانب الأيمن » تلك النار كانت مستورة عنا بفعل انحناء فى سطح الأرض ؛ ولكن 
الجماعة لم تلق بالا لتلك النار ‏ نظرا لحلاوة النوم فى تلك اللحظة : نزلنا عن إبلنا , 
وربطناها من أرجلهاء ورقدناء إلى جوارهاء لننال قسطا من الراحة فى تلك الصحراء . 


46 


بعد أن سرنا فى الصباح مدة تقل عن ساعة من الزمن » وعند شروق الشمس ٠»‏ 
شاهدنا عددا كبيرا من الخيام السوداء ضمن مخيم من مخيمات البدو . ذلك المخيم 
الذى وعد بدو العواجى بأن نحصل فيه على قسط من الراحة : ولكتهم كاتوا فور 
الانتهاء من شرب القهوة , وبعد أن يأكلوا شيئا من تمر الشمر ٠‏ يبادرون إلى ركوب 
إبلهم من جديد . من هنا أرى أن الوعود التى يقطعها البدو على أنفسهم تذهب أدراج 
الرياح ؛ يضاف إلى ذلك أن رفيقى ‏ ذلك الجلف , لم يكن يعير كلامى انتباها . إضافة 
إلى أن عسكر نفسه لم يستطع إقناعه بذلك : قال عسكر : 'والله , أنا ليس لى عليه أية 
سلطة” ؛ وصاح نصر قائلا: “يا خليل ؛ عليك أن تختار بين البقاء هنا أ الركوب معنا ؛ 
ولكثى سوف أذهب شمن جماعتى “لم يكن أمامى .سوى الانضمام إلى ذلك السباق 
معهم ؟ وهذا بحد ذاته يسبب لى ألما » إضافة إلى أن ناقتى كانت على وشك الانهيار 
من تحتى . أثناء مضينا قدما » "قال عسكر : واضح أن خليل لن يصمد معنا ؛ هفل 
بوسعك العودة مرة ثانية إلى المخيم يا خليل ؟ ولا تظن أنهم سوف يرفضون 
استقبالك.:- “كيف يستقبلونى ؟ لقد كذبتم عليهم فى القهوة , وقلتم لهم إنكم لستم من 
بدى العواجى » إضافة إلى أنكم لم تزكونى عندهم : وماذا يمكن أن يحدث لو علموا أنى 
نصرانى ؟ يضاف إلى ذلك ؛ أن هذا النصر , الذى هى رفيقى » يتخلى عنى!” - “قالوا: 
إننا سوف نصل اليوم إلى مستوطنة من المستوطنات . وسوف نتركك فيها ” كنا قد 
نسينا أن نشرب عندما كنا فى المخيم ؛ وواصلنا سيرنا ونحن عطشانين ؛ وازدادت ‏ 
حرارة الشمس . وضاع أملنا فى العثور على أية بركة من برك الأمطار فى تلك 
الصحراء القاحلة . بعد ذلك . وعندما شاهد أفراد الجماعة وميضا صغيرا تحت 
الشمس وعلى مسافة بعيدة ؛ بدعوا يسرعون الخطى فى اتجاه ذلك الوميض »- ولكن 
اتضح أن ذلك الوميض كان عبارة عن قاع من الصلصال اللامع البراق » وفى وسطه , 
حفرة ضحلة ؛ تحاشيناها جميعا . كان ارتفاع هذا السهل يقدر بحوالى 71٠٠‏ قدم , 
وقد بدا لنا وكأنه يمتد من أمامنا فى اتجاه جبل أجاأً [زه » الذى بدأ يظهر من أمامنا 
كما لو كان جانبا فائلا من جبل جرانيتى كبير ليس شديد الارتفاع » ويمتد ناحية 
الشمال وناحية الجنوب أيضا. التربة هنا عبارة عن رمال جرانيتية» وأحجار مستديرة » 
وصخور جرانيتية متحللة . وقبل الظهر بساعتين » تجاوزنا أنقاض "هجرة" أماصةط 


217 


بجوان أخد الآبان الى فجرقا أفليا قبل كيس سترات : قال عسكر. :فقت اللاشية 
بعد سئوات عدة من الجفاف , الذى ترتب عليه انعدام المرعى فى هذا المكان . كما مات 
أهل هذا المكان . وكانوا قلة قليلة من الناس . من مضاعفات مرض الجدرى ء" - وهذه 
واحدة من الكوارث والمصائب العديدة التى تحدث لتلك المستوطنات النائية والمنعزلة , 
فى الجزيرة العربية . وعندما ساألتهم عن اسم هذا المكان ؛ قالوا لى بعد فترة وجيزة : 
اسمه "ملعون 816108 طالبوه داناناتة/ة؟ ' ؛ ومبلغ علمى أن هذا الاسم يعتى "ملعون كل 
من يسأل عن هذا المكان .* 

عثرنا على بركة من ماء المطر الرائق فى الصخر . وقد سخن ماء تلك اليركة يفعل 
حرارة الشمس , ومع ذلك كان طعمه أحلى فى أفواهنا من طعم الحليب . وروينا ظمأنا 
من تلك البركة : واقتدنا دوابنا للشرب منها ؛ بعد أن قطعت مسافة مائة وثلاثين ميلا 
.. دون مرعى أو ماء , وذلك بدءا من تحركنا من منطقة خرام . ركبنا راحلاتنا » وراح 
بعض من رفاق عسكر السابقين يجمعون قليلا من العشب الجافء وهنا قال لى عسكر: 
يا خليل , الناس الذين نحن بصدد الذهاب إليهم من النوع الحسود . لا تهيئ لهم 
فرصة مشاهدتك وأنت تكتب أو تدون ؛ وتأكد أنهم لن يأخذون ذلك على محمل حسن ؛ 
وإذا كان لابد من الكتابة ؛ فحاول أن تكتب بطريقة مستترة ؛ وعليك أن تخفى أوراق 
الكتابة هذه . ويذلك تكون بصحبة البدو , وأن البدى يعرفون حقيقتك ؛ ولكن . هل 
سمعت ووعيت ما قلته لك ؟ هؤلاء البدى ليسوا طيبى السرائر أى حسنى النية » وبخاصة 
فى القرى البعيدة !' سرنا مدة ساعة ثانية أو ساعتين ويدأت تطالعنا قمم النخيل 
الخضراء ؛ أسفل الجبل » فى قرية صغيرة ٠‏ قالوا لى إنها حوالى خمس أو ست 
عائلات » وأن اسم هذه القرية هو "الجفيفة" هالإ6)6ل . وفى اتجاه الشمال شاهدت جبل 
طالى /إاق5 » ذلك الجبل الجرانيتى الفريد الذى يقع عند أفق تلك الصحراء . كانت 
جماعتى » التى كانت تسبقنى دوما بمسافة كبيرة ٠‏ قد اختفت عن بصرى تماما . 
تركتهم وشأنهم ؛ لم يكن بوسعى مسايرتهم أى مجاراتهم فى السير » ولم يكن يراودتى 
أى شك » فى أننى سوف أصل إلى المناطق المأهولة بالسكان عن طريق تلك العلامات 
الأرضية المعروفة . فى هذه المنطقة نزلت إلى مدق مطروق , - هذا المدق تكون فى تربة 
الصحراء الصلبة , ويالقرب من المستوطنات التى تقع على الطرق العامة بفعل حركة 


415 


أجيال كثيرة من البدو الرحل. فى هذا المدق نزلت عن ناقتى ورحت أمشى على قدماى « 
حل عا م 00 ء الشنن الذى أصابها ٠‏ وواصلت 
قرية مجوج 0 00 ابصرد تمن قادما من بعيد لملاقاتى . ومع بداية 
مجوج 1109009 بعد دخول وقت الظهر يساعة ونصف الساعة . ْ 


دهشت عندمأ وجدت أن القرية مليئة بالأنقاض , وأن الكثير من نخيلها كان ميتا 
وجافا » إلى أن عرفت أن قرية مجوج 11099 (ويصح فيها أيضا “مكوك” اناه/180) 
قد دمرت بفعل الطاعون منذ سنوات قليلة . بناء مساكن هذه القرية ليس من قبيل 
المبانى المقامة من الطوب اللبن التى شاهدناها فى قرية تيماء ؛ ولكنها هنا عبارة عن 
جدران مبنية على شكل طبقات من الطين ؛ المحشَّى بطوب مجفف فى الشمس ؛ 
والتربة فى هذه القرية من النوع الجرانيتى . وقد ذكرنى الشكل المتداعى لهذه القرية 

ببعض الواحات التى سبق أن رأيتها فى الصحراء الجزائرية . والماء الجوفى فى هذه 
الترية من التوع الدافئ , كما هو الحال فى سائر أتحاء الجزيرة العربية , وطعم الماء 
هنا غير مستساغ ؛ والموقع هنا يوحى بالمرض , والتمور فى هذه المنطقة عليها قشور 
وجافة وليست جيدة الطعم . اتجهنا صوب قهوة الشيخ , التى كان رفاقى قد سبقونى 
إليها » والتقينا ذلك الشيخ الطيب الذى هم واقفا لمقابلتى . وأخذنى الرجل من يدى , 
وطلب من خادمه أن يقدم علفا أخضرا لابلنا . وبعد أن جلسنا فى المقهى دخل عليتا 
كشير من القرويين ٠‏ الذين تدل وجوههم على إنهم ربما كانوا عسكرا من قبل . وراحوا 
ينظرون إلى نظرة فيها شىء من التفضيل والتبجيل . وبعد أن أصبح كل شىء على ما 
يرام» عرضت على الشيخ النزاع الذى دار بينى وبين نصر ٠‏ وأيدنى عسكر فيما قلت ؛ 
إذ وافق على أن ناقتى لم تكن تقوى على المضى قدما بسبب بطئها وضعفها . 

الأدهى من ذلك أنهم يودون حاليا ركوب راحلاتهم » ومواصلة المسير أثتاء الليل 
على أمل الوصول إلى حائل قبل طلوع النهار . "قال نصر : إنه سوف يرافقهم , وأننى 
إذا لم أكن قادرا على مرافقتهم فسوف يتخلى عنى ويتركنى فى هذا المكان .' وقضى 


419 


شيخ المجوج بأنه طال ما كانت الناقة عاجزة عن مسايرة بقية النياق فى السير ؛ فإن 
نصر ء الذى حصل على أجره نظير مرافقته لى , يتعين عليه البقاء معى ٠‏ أى ترك جزء 
من أجره يسمح باستئجار رجل آخر يقوم بمرافقتى إلى حائل » وهنا يصبح من حق 
نصر الانصراف ومرافقة بقية الجماعة. هذا الجلفء بعد أن سمع الحكم الذى قضى به 
الشيخ . آثر البقاء معى ؛ مخافة أن يدفع ولو قرش واحد من المبلغ الذى حصل عليه . 
وهنا نهض عسكر هو وجماعته , بعد أن فرغوا من أكل التمر وشرب الماء » ليركبوا 
إبلهم مواصلين مسيرهم إلى حائل ؛ هذا الطريق الطويل من خُرام ؛ قطعوه وهم 
يجرون.؛ ولم يحملوا معهم طعاما أو ماء ؛ أو قهوة : كانوا يعلقون آمالهم على أمل 
العثور على الأعراب فى كل الأيام وعلى امتدادها , وهم فى طريقهم إلى حائل . كان 
أفراد الجماعة كلهم من الشباب الذى يجرى فى عروقه:دم الشباب . وقاموا بهذه 
الرحلة وهم يتفاخرون بقدرتهم على التحمل والجلد . سألت عسكر عن الأسباب التى 
تدفعهم إلى مثل هذه العجلة , وعن السبب الذى يمنعهم من أخذ قسط قليل من الراحة 
فى أى مكان من الأماكن . أجابنى : "السبب هى رغبتنا فى العودة إلى ديرتنا على وجه 
السرعة ؛ إضافة إلى بقائنا لفترات طويلة فى المنازل الموجودة ؛ على طريقنا » يعد أمرا 
معيبا (طلاه) وغير مرغوب فيه .' ويعد أن أنصرفوا وتركونى أنا ونصر وراعهم » سارع 
القرويون الذين كانوا يجلسون فى القهوة-- وكانوا من الشّمرْ - إلى توجيه اللوم إلى 
هؤلاء الرفاق ووصفوهم بأنهم عنوز ( أى من قبيلة العنزى ) . ! هذه الأحقاد الضيقة 
كان تاتمكان فى بعلم الأخياق + .تخنيا لأنى كنت أتجول , بلا محاباة ‏ خلال الجزيرة 
العربية الشاسعة . 


شاهدت أول ما شاهدت فى هذه المنطقة السلع البغدادية ‏ التى جرى جلبها من 
السوق فى مدينة حائل : أهل قرية مجوج ٠‏ ليسوا ممن يشعلون غلابينهم باستعمال 
الزناد » وإنما باستعمال 'الزند هولزر” 26اه2001 الفينى 8 المعروف فى كل 
أنحاء العالم , - هذا يعنى أننا أصبحنا على صلة بالعالم من جديد : صالات القهوة 
عند أهل مجوج ؛ كانت صالات معتمة ورديئة البناء » فضلا عن إنها كانت أقل كرما 
وضيافة عن غيرها من المقاهى التى فى المناطق الأخرى ؛ يضاف إلى ذلك » أن أرضية 
المقاهى الطينية كانت مغطاة فى بعض مناطقها بنوى التمر ٠‏ الناتج عن الخدمة اليومية ' 


4020 


التى يجرى خلالها تقديم التمر للضيوف كل يوم . كان القرويون فى مجوج أصحاب 
نكتة لطيفة ؛ وكانوا يحسون بسعادة عندما يتحدثون مع الغفريب ٠‏ وذلك فى ضوء 
معرفتهم القليلة بالبلدان الأجنبية والأديان الأجنبية : كان أهل مجوج يشعرون بالحزن 
والألم نظرا لأن الوثنيين ما زالوا يقاومون الحقيقة ؛ وبخاصة التصارى منهم , الذين 
كانوا يشكلون منبعا من منابع الفنون والعلم . كانوا يقدمون لى ٠‏ بين الحين والآخر , 
غلايينهم رمرًا للسلام . عرفت أن النكهة المرة التى لتبغهم الأخضر , بعد هذا التعب 
الشديد الذى أصابنى , كانت لها حلاوة لا مثيل لها . يضاف إلى ذلك أننى شعرت 
بارتياح شديد مع تلك الأصوات المتمدنة ٠‏ وذلك من بعد الحقد والكراهية الشديدة التى 
يلمسها الإنسان فى ألسنة بدو البشر . سالنى واحد منهم . "هل أستطيع القراءة ؟*- 
وهل لدى أى نوع من الكتب ‏ كان ذلك الرجل من أهل مجوج ؛ بل إنه كان فى مقام 
الناظر بالنسبة لهم . وهنا وضعت فى يدى ذلك المجوجى كتابا جغرافيا , ألفه باللفة 
العربية » واحد من المبشرين الأمريكيين المتعلمين والموجودين فى بيروت . وراح ذلك 
الشاب يطيل النظر إلى ذلك الكتاب فى غرفة مظلمة » على نحو يوضح مدى تعطش 
مثل هذا الإنسان إلى معرفة القراءة والكتابة . كما ل كان فى أرض أثمرت الكثير من 
مجالات العلم الكبيرة : أخيرا لم يغلق ذلك الرجل الكتاب , إلا عندما بدأت الشمس فى 
الغروب ٠‏ ولم يكتفى ذلك الرجل بغلق الكتاب » وإنما وضعه على رأسه ليوضح بذلك 
مدى تقديرة وإجلاله للعلم ؛ - تلك كانت إشارة شرقية ؛ لم تتكرر ولم أرها مرة ثانية 
فى الجزيرة العربية » حيث لا يوجد سوى القليل ( أو لا شىء على الإطلاق ) من 
الاستشراق” 0160111558 . سألنى الرجل ٠.‏ هل أسمح له بشراء الكتاب ؟ - ( ونظرا 
لأنى رفضت بيع الكتاب ) هل يمكن له أن يستعير الكتاب ويذهب به إلى بيته ليقرأه 
وينهيه أثناء الليل ؟" ووافقته على ذلك . 

أدخل القهوة علينا رجل طويل ٠‏ واكتشفت أنه غريب من أهل الشمال . وله مشية 
توحى بالتباهى ٠‏ ويلبس ثيابا جيدة . وحيا ذلك الرجل الجماعة تحية باردة ؛ ثم جلس 
بيننا : جاء هذا الرجل إلينا من قفار 60186 التى كان قد وصل إليها فى صباح ذلك 
اليوم . قدموا له التمر » وعندما نظر إلى من حوله ٠‏ تذكر من بين الجالسين واحدا أو 
اثنين » سبق له أن تقابل معهما فى سنوات سابقة » وحياهما , ثم نهض من مكاته , 


421 


وقبلهما رجاليد عن أحوالهما . كان ذلك الرجل شمريا من أهل العراق ؛ كانت ديرة 
الشمرق قشعن عن نهدا مسافة 0٠‏ ميلا . أطال ذلك الرجل النظر إلى فى شىء من 
الحسد والغيرة , بينما كنت أطرح غترتى إلى الخلف بسبب الحر ؛ ثم تساعل : "من 
يكون ؟ - إخ ؛ تقول » نصرانى ! لقد عرفت ذلك : هذا واحد منهم , يا أيها الناس ! 
واحد لديه مشروع خطير ؛ وأنتم لا تستطيعون أن تتبينوا ذلك المشروع ؛ هذا الرجل 
من الأمة الافرنجية !' ورددت عليه قائلا : "كل الحاضرين هنا يعرفون أنى إنجليزى ٠‏ 
وهل ينبغى أن أخجل أو أشعر بالخزى من جراء ذلك ؟ أى رجل أنت , ولماذا جئت إلى 
هذه المنطقة ؟" - "أنا قادم إلى حائل لأمر يتعلق بالأمير ! - قال : والله ؛ ثم استدار 
إلى الجماعة , لا يمكن لهذا الرجل إلا أن يكون جاسوسا , واحد من أوائك الذين 
يحضرون إلى هنا لكشف أمور هذه البلاد والتجسس عليها ! خبروتى يما جاعكم عن 
هذا الرجل ؛ خبرونى إن كان يسال الأعراب , ثم يدون ما يقولون ؟ - قال أحد 
القرويين : “قبل عدة سنوات , جاء واحد إلى هذا , كان غريبا ٠‏ ولكنه كان يتسمى 
باسم مسلم ريك رباج ان كان وال جو و20 لكان لإج21 
ذلك الذى كان يسأل الأعراب عنه . 


جلس القرويون دون أن يعيروا كلام نصر اهتماما كبيرا ( كان اسم ذلك الرجل 
أيضا "نصر" ) , نظرا لأنهم لم يعجبهم كلام ذلك الرجل الشمالى المتعالى .ولا نظراته 
التى توحى بالكيّر ؛ يضاف إلى ذلك أن أولئك القرويين كانوا مقتنعين بى تمام الاقتناع 
. ورد الشيخ على ذلك النصر قائلا : “إذا كان هناك أى لبس فيما يتعلق بخليل » فهو 
ذاهب إلىّ حائل ؛ وعندها سينظر الأمير فى الأمر .* وعندما أدرك نصر أن الجماعة 
كلها كانت ضده ولا تؤيده ٠‏ راح يتنازل عن نظراته العدائية وبدأ يتحدث معى بطريقة 
ودية . وعند حلول المساء دعونا للذهاب إلى بيت من بيوت القرية ؛ ووضعوا أمامنا 
عشاءً كبيرا . عبارة عن لحم ضأن مسلوق ومعه التمن ( نوع من الأرز ) ٠‏ وتتاولنا 
الطعام سويا . 

أبلغنى نصر أن الخيول الشمالية متوفرة فى ديرته ؛ كما قال : إن لديه خمسة 
أفراس ٠‏ بالرغم من أنه ليس واحدًا من الشيوخ ؛ وقال إن لديه عددا كبيرا من الإبل ؛ 
والسبب فى ذلك أن صحرائهم لا تشبه هذه الديار الجنوبية الجوانية » وإنما هى مليئة 


422 


بنعم الله. ولما رأى لباسى باليا وممزقا - فأتا أحيا حياة الصحراء هذه منذ مدة 
طويلة - تصحنى بارتداء ملايس أفضل من ملابسى هذه ؛ عندما أمثل أمام الأمير فى 
حائل , كما نصحنى أيضا أن أكون حريصا تماما فى عدم إعطاء أى سبب ؛ حتى ولى 
كان مجرد كلمة , تَفْهِمٍ بطريق الخطأ , من قبل أولئك الناس المتشددين العنيدين , 
سريعى الغضب ٠.‏ ولا يألفون رؤية الغريب أو يرتاحون لها [وهذا هو مكمن الصعوية فى 
الترحال فى الجزيرة العربية] . وهنا سمعت ولأول مرة فى نجد “التنوين” فى نهاية 
الأسماء حيث ينطقونها كما لو كانت نكرة ٠‏ وهذا يبدو كما لى كان حلاوة مستترة فى 
اللفة العربية» ولهذا النطق مذاق خاص ولكنه أمر طبيعى عند هؤلاء الناس. أطبق علينا 
المساء شديد الحرارة بعاصفة من البرد والمطر؛ كانت تلك الأيام تصادف الأيام الأخيرة 
من شهر أكتوير . وقرية مجوج الصغيرة هذه لا يزيد عدد سكانها عن ١٠١‏ نسمة . 
بقينا فى الصباح فى تلك القهوة انثظارًا لشرب القهوة ؛ ثم سرنا مسافة نصف 


الأجناب المنحدرة من جبل أجأ 83 ؛» وشاهدت أمامنا مجازا (ممرا) فى شق مُوصّل 
إلى منتصف الجبل ‏ طوله حوالى ثمانية عشر ميلاً طوليًا ويؤدى إلى السهل الموجود 
فى الخلف ؛ والناس يطلقون هذا على هذا الممر اسم “ريع 818 السلّف 14هه-وه ." هذا 
الممر منحدر ووعر فى بدايته : وعند حوالى الساعة التاسعة مررنا بعين من عيون الماء 
البارد » التى كانت تنبع من صخرة فوقها ! - ولم أرى مثيلا لتلك العين بعد ذلك فى 
الجزيرة.العربية الخالية من الماء . ملأنا قربتنا من تلك العين ؛ وتجرد العرب من 
ملابسهم وراحوا يستخمون فى مياه تلك العين ؛ - هؤلاء البدو الرحل , عندما تتهيأ 
لهم فرصة العثور على الماء » تراهم يندفعون إليه مثل العصافير . وعلى مقربة من تلك 
العين يرى الرائى أساسا جدرانيا لسد من السدود القديمة , كما يوجد أيضا بعض 
النخيل فى خليج جبلى ؛ هذا النخيل مملوك للبدى لكنهم لا يهتمون به أى يقومون على 
أمره ؛ يبدو أن ذلك النخيل كان يحظى فى الماضى ؛ بشىء من الرعاية . كان ارتفاع 
ذلك الريع 538 فى أعلى أجزائه يصل إلى حوالى 56٠٠١‏ قدم . 

انضم ٠‏ فى السهلء إلى جماعتنا بدوى مسكين, جاعنا راكبا حمارا؛ وراح يرافقن 
فى السير , وانشرح صدره عندما قدمت له حفنة من تمر تيماء ليجرح بها صيامه , 


423 


أ إن شخت فقل : لمقطر بها . وبعد ذلك ؛ وعند منعطف فى الصخر ء التقينا ثلاثة من 
رجال الشّمَّر ذوى الملامح غير المريحة . جاءوا إلينا على عجل وفى أيديهم السلاح ٠‏ 
بقى هؤلاء الناس معنا ؛ وبينما وقفنا معهم , كما هى عادة العرب . لسماع وتبادل 
الأخبار » نظروا إلى نظرة عداء . وعندما فهموا , وريما كان ذلك من بعض رفاق 
عسكر الحاقدين» أن النصرانى جاء ليمر اليوم من خلال ذلك الريع 818 ٠‏ خطر ببالهم , 
أو عن لهم الاعتداء على . وعندما تأكدوا أنهم أصبحوا إلى جوارنا تماما ؛ قالوا لراكب 
الحمار , الذى كان ينتمى إلى قبيلتهم , "ارجع أنت ٠‏ واتركنا نحن نقتله !' وكشروا عن 
أنيابهم تكشيرا شديدا ٠‏ ثم تجاوزونا . '( قال عسكر ) هل رأيت ما حدث يا خليل ؟ - 
وهذا هو ما قلته لك من قبل . هذا هو خطر السفر منفردا خلال هذا الجزء من البلاد ! 
هؤلاء هم الشمر الملاعين ٠‏ ولو كنا لوحدنا لهاجموك واعتدوا عليك . - الله يلعن 
الشَمر؛* - "ألم نحظى بكرمهم فى الأيام الأخيرة 5 2 "حسن » أقول لك إنهم طيبون 
وكرماء مع الضيف فى بيوتهم , ولكنهم إذا ما التقوا رجلا منفردا ٠‏ أو "خلوّى” بإناا'ط»! 
(فى الخلاء) على حد قولهم » ؛ وتأكدوا من عدم وجود أحد إلى جواره » فإنهم يبادرون 
إلى قتله ! وهؤلاء الذين شاهدناهم كانوا من هؤلاء القتلة , إنهم شُّذَابٍ الآأفاق 
والصخور , يقتلون كل من يجدونه مجردا من الدفاع . 


السلام الوحيد عند الأمير . والحب لا يسود بين البشر والشَمّر . ومنذ سنوات 
قلائل أدى النزاع المرير على حقوق استعمال الماء فى مسقى رئيسى من مساقى 
الصحراء . فو مسقى بيثة 831158 النيثل اأطاولا , أدى إلى حدوث الفرقة بين هذين 
الجارين ؛ هذا المسقى » ؛ بيثة النثيل . يوجد داخل حدود قبيلة بشر , التى لم تطق 

مجىء الشمر للسقيا من ذلك المكان» وكان الأمير طلال يساند البشر فى موقفهم هذا . 
وقد كان ذلك السبب وراء تخليهم عن ديارهم والهجرة صوب الشمال ٠‏ وراحوا يتجولون 
فى صحراء أقاريهم العنوز فى سوريا ٠‏ ويقوا هناك عامين أو ثلاثة أعوام : ولكن كثيرا 
من الأعداء الغزاة كانوا يسطون على إبلهم ومواشيهم , نظرا لأنهم كانوا وافدين جدد 
على المنطقة ؛ - وعاد البشر إلى ديرتهم وإلى الأمير . 

- فى منتصف ذلك الريع ينحسر الجيل الجرانيتى من الناحية الشمالية ؛ وهناك 
أقبية ة منخفضة من البازلت ؛ وهذه الأقبية تشبه قمم اليراكين الى جد ارطع سيد 


424 


خلفنا أصوات ركض وجرى . كما سمعنا وقع أقدام الإبل على الصخور ؛ كان ذلك 
الصوت صادرا عن قطيع من 'الأجلاب 5دازة » أو إن شئت فقل : الإبل "المشتراة” » 
أى بمعنى آخر قطيع من الإبل مملوك لواحد من تجار أو سماسرة الإبل . كان حداة 
ذلك القطيع متوجهين به لبيعه فى “جيل شمر" . كان أولئك الحداة من البشر , ولذلك 
انتهت مخاوفنا وزالت عندما أصبحنا فى صحيتهم . نادانى واحد من أولئك الحداة , 
'أليس معك شيئا من الكعك ( البسكويت الدمشقى ) لتعطينى إياه ؟ وكنت طوال ذلك 
اليوم لم أتناول أى شىء من الزاد .” كان الوقت فى أواخر فترة العصر عندما .بدأنا 
التحرك من جديد » وعندما رحت أنظر إلى سهل قفار فى الأسفل . وجدت أن اخضنرار 
الواحة ويخاصة نخيلها أصبح أمامنا وعلى مقربة منا . كانت الشمس تغرب ؛ وأرانى 
نصر الجبل البازلتى ذى القرنين ‏ الذى يطلقون عليه اسم سمّرة سميراء حائل ؛ وهذا 
الجبل يقع إلى الخلف قليلا من عاصمة القرية؛ فى اتجاه الشمال . وكلمة قفار :6048© , 
التى يكتبونها “كفار" :6348 والتى ينطقها البدو الرّحل “جيفّار #56ال . شأتها شأن 
قرية مجوج يحيط بها سور بستانى من الناحية الصحراوية . وفى السهل الذى يقع 
أمام تلك القرية وجدت أن الارتفاع يصل إلى حوالى 45٠١‏ قدم . ودخلنا من خلال 
طريق إلى ممر خال »بين جدران عالية ؛ ولم نر أى إنسان خلال ذلك الممر , كما لم نر 
أيضا أية بيوت فى ذلك الممر . كان الوقت يصاذف غروب الشمس ٠.‏ وهو الوقت الذى 
يعود القرويون فيه لتناول عشائهم . لم نلتقى أحدا سوى امرأة واحدة فى ذلك المكان , 
- كرهت أتفسنا النظر إليها ! نظرا لأن وجه هذه الأنثى كان مغطى بالحجاب ؛ هذا 
الحجاب فى رأينا هو شكل من أشكال السفالة الوثنية الآسيوية ! وهكذا نجد أن أفراد 
السلالة العربية اللطيفة يتحولون » فى موضوع الحريم » إلى أجلاف .- واعتبارا من 
قرية قفار :168/8 , تتحول وجوه النساء , التى خلقها الله » لتسر أنظار العالم الإنسانى 
وتشرح صدره ء إلى ذلك الشكل المرعب الفيور ؛ يضاف إلى ذلك ؛ أن أحدً! لا يرى أى 
شىء من زوجات الرجال فى هذا المكان. وبخاصة أنهن يرتدين ملابس مؤسفة , لا يرى 
أحد منها سوى أيديهن ! نزلنا من فوق إبلنا بجوار مسجد فى منطقة يطلقون عليها 
اسم "المناخ «كاقهناة! » أى إن شئت فقل : مكان تبريك إبل الغرباء . ويجرى فى ذلك 
المكان نزول الغرباء عن دوابهم واستقبالهم بعد ذلك لتناول العشاء : ومسئولية الكرم 


015 


الشعبى [التى تعد مشاعا بين الجميع] هنا تعد مسؤلية كبيرة ؛ نظرًا لأن الأعراف 
العريية تقضى برحيل عابرى السبيل فى فترة العصر . كما أن هؤلاء الذين يفدون من 
حائل قاصدين الجنوب يتجاوزون تلك المرحلة القصيرة ٠‏ ليقضوا الليل فى قرية قفار . 

دعينا مع حداة الإبل لتناول العشاء معهم المكون من التمر والماء والمعروف أن 
قفار , وهم بنى 849 تميم 701 الا يشتهرون بالكرع: الذى رصان ما مناه ف 
0-6 التى يسكنها الشمر ٠.‏ بدا أ رفيقى نصر ء الذى أصبح أكثر انقيادا بعد رحيل 
بقية الجماعة , يوجه اللوم للمارة فى الشارع , لأن أحدا منهم لم يدعوني إلى شرب 
القهوة والنوم فى منزله » قائلا : “هل يصح أن يتركوا شخصا محترما يقيم على قارعة 
الطريق ! ' بدأ نصر يقسّم ما لثيةمن لف تجا يبن ناقتة وناقتى ؛ ثم صئع يعد ذلك 
عجينة مكونة من بعض الشعير الذى اشتريته من قرية مجوج ' وناوه18, وخلط تلك 
العجينة مع شىء من التمر » وراح يضع تلك العجينة على شكل لقيمات داخل فم ناقتى 
المسكينة المرهقة . ثم استلقينا بعد ذلك : على الأرض ٠‏ بجوار ماشيتنا لتمضية تلك 
الليلة المظلمة التى كانت سماؤها عامرة بالنجوم » فوق تراب شوارع قرية قفار . 

ركبنا دابتينا مع طلوع النهار : وكان من رأى نصر أن تصل إلى حائل فى الوقت 
المناسب حتى يتسنى لنا تناول الإفطار فى صالة الضيافة ؛ مع كل من عسكر هو 
' ورفاقه . وأصابتنى الدهشة ؛ عندما رأيت أن هذا الجانبميكامله من قرية قفار كان 
بلي 7 55 5 
مخريا وعلى شكل أنقاض ٠‏ بأن تحولت تلك الأرض التى كانت من قبل بساتين مثمرة 
إلى تربة صحراوية جرداء خاوية ؛ - وتلك هى سيقان النخيل الطويلة , ما زالت باقية 
على شكل صفوف .؛ من النخيل الميت الخالى من الحياة . مررنا ونحن راكبين على 
ظهور دوابنا بمتاهات كهوفية من طين الصلصال أسقل جدران بيت مهدم » جرى نزع 
أخشابه منه » كما مررنا أيضا على مسارات غائرة خاصة بإبل الحر » فى مناطق 
الآبار التى هجرها أصحابها . وعندما تساعلت : 'ما هذا ؟ أجابنى نصر قائلا : 'بلد 
64 مات 813 ' بمعنى "هذا مكان ميت ." هذا يعنى أن القرويين » أى إن شئت فقل : 
أهل هذه القرية ماتوا شأنهم شأن سكان قرية مجوج ٠‏ بفعل الطاعون الذى داهمهم 


426 


وانتشر بينهم قبل سبع سنوات . آبارهم فى تلك الفترة لابد أن يكون عمقها ٠‏ فى تلك 
المستوطنة , أكثر من خمس وعشرين قامة . ويعد انتهاء وباء الطاعون : وجد ملاك هذه 
الأرض أنهم غير قادرين على العمل ؛ مما أدى إلى انسحابهم وتراجعهم إلى الواحة 
الداخلية . 

خلف أسوار ققار البستانية يوجد ذلك السهل الصحراوى شديد القحولة ( الذى 
يطلقون. عليه اسم "المحال" 113881 ) الذى يجىء قبل مدينة حائل ؛ وفيما بين أجأ 3زم 
وسلمى 561503 هذين الجبلين القاحلين توجد تربة حادة من النوع الجرانيتى ؛ وهى 
جرداء ويلا حياة شأنها شأن التراب الموجود فى شوارعنا ؛ ومع ذلك هناك بعض 
الهجر ويعض القرى التى تقوم على عيون المياه الجوفية . والأرض هنا جبلية لا ينبت 
فيها أى شئ من نلقاء نفسه , ولكنها إذا ما رويت يمكن أن تنتج الشعير والقمح وبعض 
الحيوب التجدية الأخرى . ويالرغم من أن النخيل هنا من التوع الطويل إلا أنه يحمل 
ثمرًا صغير الحجم وحار , ومن ثم يكون غير صحى . ولم نجد فى هذه التربة أى نبات 
آخر غير نبات السنة , الذى له زهور تشبه زهور البازلاء . وتلك القلة القليلة من الماعز 
التى فى هذه القرية يجرى اقتيادها إلى مسافات بعيدة على ساحل جبل أجأ 8/13 حتى 
يمكن العثور على المرعى . وبعد ساعتين قال لى نصر : "حائل تبعد عن هنا مسافة 
قصيرة , نحن الآن فى منتصف الطريق ؛ والنساء والأطفال ينتقلون فيما بين حائل 
وقفار فى زمن لا يتعدى وجبة الظهيرة ٠.‏ هذا يعنى أن الطريق بين حائل وققار يصل 
طوله إلى ما يقرب من اثنتى عشر ميلا . ومع ذلك كان طنف الصحراء يحجب عنا رؤية 
حائل , - فى كل مكان كنت أرى الأفق قريبا جدًا فى الجزيرة العربية التى يسكنها 
البدو الرحل . وهناك طريق ماألوف فيما بين هاتين المدينتين ؛ ولذلك التقينا أولئك 
القادمين من حائل إلى قرية قفار . كان هؤلاء القادمون من الحريم ومن الأطقال , كما 
كان من بينهم أيضا بعض الرجال الذين كانوا يركبون الحمير : '( قال واحد ؛ وثان : 
وثالث من هؤلاء القادمين موجها كلامه لنصر ) ها ! لماذا أحضرته ؟'- من هنا عرفت 
أن مجىء النصراني قد ذاع وانتشر فى حائل ! وعندما سمع نصر كلامهم بدأ يشعر 
بالذعر والفزع. "قال تصرء ماذا يحدث لى أنهم أطاحوا يرأسه وأعدموه !" - "يا خليل , 
أين كيس التبغ ؟ وتاولني ذلك الغليون , لانى , قسما بالله » بدأ رأسى يلف ويدور 0 


437 


سرنا بعد ذلك مسافة ميل آخر , ثم شاهدت بعد ذلك اثنين من الخيالة يجريان نحونا 
مثيرين خلفهما كثيرا من الغبار . بدأت أتأمل الموضوع وأعمل فيه فكرى وذهنى » ترى 
هل هذان الغبالان من رسل الأمير القساة ٠‏ وأتهما جاءا من خائل من أجلى أتا 
شخصيا ؟- كان اسم "نصرانى" سبّة فى هذا البلد , بل إن البدو فيما بينهم يقولون : 
"هل تعدنى نصرانيا ! حتى أفعل ذلك الشىء المشين". وصل الخيالان إلينا وأطبقا علينا 
بالفعل . واتجها على الفور نحونا بفرسيهما , وكانت ملابسهما تتطاير من فوق 
جسديهما فى ذلك الهواء الساكن , وصاح أحدهما بصوت عال فى تصر (الذئ لم يرد 
بأى شىء لأنه كان خائفا) قائلا ومتسبائلا: "عفش من هذا , يا أنت ؟" - وأخذا يقتربان 
مثلما فعلا من قبل ؛ وجلست أفكر مليًا وأنا فوق ناقتى , ولم أعبأ كثيرًا بمن يكونان . 
شاهدنا بعد ذلك بناية عالية لها أبراج حربية . كانت تلك الأبراج من الطراز 
' النجدى جيد البناء وهى من الطين؛ وهى تشبه المنارات التى فى بلادنا ؛ ثم قال نصر , 
الذى لم يسافر إلى حائل منذ أيام الأمير طلال : ” هذ هو المقر الصيفى للأمير ." 
وعندما اقتربنا من حائل وجدت أن الجدران تمتد ناحية الخلف , الأمر الذى يجعل من 
حائل مسورًا كبير من النخيل . وشاهدت عن يمينى بيارة طويلة من النخيل فى 
المجمراء تميط نيا اشوا هالية #زعن الشسال شافدت كنازة أخرى نهم وائقل 
الصحراء , ولكنها أكبر من البيارة التى على اليمين , وقد بناها عبيّد لتكون ميراثا 
لأطفاله . كان برج القصر المطلى باللون الأبيض يبدو كما لو كان معلقا فوق مدينة 
حائل ؛ - والناس هذا يطلون تلك المبانى الطينية بالجبس الأبيض . تجاوزنا ذلك المقر 
الصيفى الذى يقع على جانب الطريق ؛ والناس هنا يقولون : إن هناك قطعة مدفعية 
صغيرة مركبة فى ذلك البرج . وتوجد أسقل ذلك المقر الصيفى قناة جديدة » تنساب . 
خلالها مياه الرى إلى خزان عام ؛ تحضر إليه نساء المدينة لجلب الماء منه . وهذا الماء ؛ 
الذى يطلقون عليه اسم "ماء 3 السماء 53508 -65" هى أفضل أنوا ع الماء فى المدينة 
كلها ؛ والماء الذى من الآبار الأخرى كلها له مذاق مالغ وفيه كثير من الأملاح أى 
المفاذق لاقع اللذاق + والتص بسي السين (فى كترر هن الأحيان)” كزلتا من فوق 
دابتينا » وبناء على طلب منى ٠‏ قدمت لى امرأة إناء الماء (المعدنى) الذى كان فوق . 
رأسها . كى نشرب منه. وهنا تحدث معى نصر وطلب منى عدم ركوب ناقتى مرة ثانية, 


428 


وأخبرنى أن أمامنا يعض البوابات المنخفضة التى يتعين علينا تجاوزها : أو أن شئت 
فقل : المرور خلالها . لم يكن ذلك سوى نوع من الاحتيال من جاتب ذلك البدوى ٠‏ الذى 
كان يبدى من خلال سوالفه الطويلة كما لو كان شخصا مسخ ذئيا . هؤلاء البدى ينتابهم 
الخوف فى المدن من أن يوجه أى أحد لهم شيئًا من الكلام الجارح ؛ يضاف إلى ذلك ٠‏ 
أن أهل الحضر يسيئون التعامل مع هؤلاء البدى ؛ كان الهدف من دخول حائل سيرا 
على الأقدام . هو الحيلولة دون دخول النصرانى إليها راكبا ناقته . 

واصلت المسير على قدماى فى الشارع الخارجى القصير إلى أن وصلت إلى 
البوابة ( التى تفلق أثناء الليل ) الخاصة بالسوق الداخلية فى حائل . وعند البوابة 
رأيت وجه شخص من معارفى كان فى انتظارى ؛ - هذا الشخص هو عبد العزيز , 
الذى قام بتوصيل الفرس الهدية إلى ابن الرشيد » قبل اثنى عشر شهرا » ختى وصل 
بها إلى قلعة الحجر » حييت عبد العزيز ورد على التحية , وسالنى عن صحتى ٠‏ وطلب 
منى الدخول . وسبقنى فى الدخول , من خلال مجاز آخر , لكى يوصل الخبر إلى 
الأمير » ودخلت أنا من البوابة وواصلت السير خلال السوق ( الشارع ) العام الذى 
امتلأ بالحرفيين وبالبدو أيضا فى هذه الساعة المبكرة من النهار ؛ كما شاهذت أثاسا 
كثيرين فى الدكاكين العربية الصغيرة المظلمة » وكان الجميع مشغولين فى البيع 
والشراء . وعندما وصلنا إلى المكان الذى كان يغص بالرجال والإبل ؛ لم يلق الناس 
بالا للغريب أو ينتبهوا إليه ؛ وقلة قليلة من هؤلاء الناس هم الذين اتجهوا نحونا ليعرفوا 
من نكون » ويعد أن قطعنا مسافة قصيرة ‏ طلع علينا تاجر كان يرتدى ثيابا جيدة , 
وله لحية مصيوغة بلون الزعفران . وأمسك بيدى ٠‏ وهو متنكر فى زى عربى , وابتعد 
بى خطوات عدة » ليسأل الغريب بحذر قائلا : "من أين حئت أتا ؟ هناك قلة قليلة من 
اللحى زعفرانية اللون فى.حائل : والمعروف أن عبيد بن الرشيد , حول فى السنوات 
الأخيرة من حكمه , لحيته من اللون الرمادى إلى لون الزعفران , وهذا هو أسلوب 
الفرس وهنا يجب القول : إن طالعى الحسن , أننى كنت رحالاً إنجليزيا فى الجزيرة 
العربية » ولون لحيتى هو لون لحى الإنجليز . والأثرياء هنا فى حائل يستعملون الكحل 
فى تكحيل عيونهم ؛ والذكور من بين هذا الصنف من سكان الجزيرة العربية الذى 
يتشبه أفراده بالطيور . هم أصحاب الريش زاهى الألوان وهم أيضا الذين يتزينون , 


429 


00000 
ك0 


وعند نهاية السؤق ( الشارغ ) توجد سوق القمع . حيث تباع فيها أيضا أحمال 
الحطب , والعاف البرى الذي يجلبونه من الضصراء . وفى فنطقة منخفضة شاهدت 
نساءٌ بائعاق محجبات ؛ تحت مظلة وأمامهن أسبثة ؛ وتجلسن مئذ طلوغ الشمس 
ليبعن القغر والقرغ الحسلى ؛ كها أن البعض هنهن ثبعن بعضى أشياء الزيئة النسائية ٠‏ 
القى يجلبنها من الشهال ‏ 


وصلنا بعد ذلك إلى المكان العام مربع الشكل الذى يطلقون هليه اسم “المسهاب”" 


وط61-1488. وهر يقع أمام القلعة ؛ أو أن شنت فقل : القصر +1688 01 . وتحث المظلة 


الغانية, المخصصة لفقراء البدو المسافرين: قام نصر بتبريك نافقى ؛ هلى وجه السرعة ٠‏ 
وانزل عنها الخُرْج والزكائب ؛ ثم انسحب بهد ذلك بعيدا هنى؛ كان هذا البدرى خائفا , 
جاء عبد العزيز هرة ثانية قادما من القصر وساألنى عن سبب جلوسى فى ذلك المكان ؟ 
وجلس هن بدؤره إلى جرارى وراع يسالنى عن حالثى الصحية من جديد . بدا عليه أنه 
كأن يضهر خيرا للفريب ؛ وأكنه كان يخشى الملامة ويضافها ؛ - ألم يشجعنى هو 
أيفسا على الحجيء إلى هذا ؟ تركنى عمد العزيز ودخل من بوابة القصر ؛ ليتكلم من 
جديد مع الأمير : وعبد العزيز , هندها يكون فى الراحة ؛ بصبع رجلا محترما ؛ كما 
كان حازما وغير كريم ؛ نظرا لان ابن الرشيد يمكن أن ينهى حياتهم جميما إذا ما 


شابت نفسه شائبة قليلة : من هنا كان هبد المزيز يعمل فى خدمة الأمير . وهناك مكان 


عام مخصص لعبد العزيز , فى المقهى الخاص بالأمير فى "المسهاب” نوها “اه ؛ 
وكان عبد العزيذ يجلس فى ذلك المكان المخصص له مع بقية أعضاء الجماعة فى كل 
مجلس من المجالس . لم يثتبه أولئك الئاس الذين كاثوا فى الميدان العام ( المسهاب ) 
إلى وجود النصرائى بيذهم : وجلست طيلة ثلاثة أرباغ الساحة ؛ فى وسط حائل ؛ - 
وطوال ذلك الوقت كانوا يتفافسون ويتجادلون حول حياتى ؛ من خلف أسوار القلعة 
المبقية من الطين . وشطر ببالى أن الفضول العربى وكذاك الجشع العربى يمكن أن 
يهيئا لى مهلة من الوقت : كنت ؛ فى أضعف الأحوال ؛ أمل أن يجىء واحد من هؤلاء 
الناس ويستدعينى إلى داخل القلعة لثثاول طعام الإفطار ويرحمئى من ذلك الجوع الذى 
كان يعتصرني : 


010 


كانت هناك فى الطرق البعيدة من الميدان العام (الممسهاب) قطعان من الإبل 
الباركة , تلك كانت إبل أولئك الرفاق البدو الذين كانوا يجيئون يوميا , من أجل معالجة 
وتسوية أمورهم مع الأمير . تجمع حولى؛ عندئذ » بعض من هؤلاء البدى . الذين 
أصابتهم الدهشة عندما وجدوا الغريب جالسا تحت المظلة . رأيت أيضا شخصية من 
الشخصيات ٠‏ خرجت من بوابة القلعة الموجودة أسفل يرج مبنى من الطين » وكانت 
تلبس ملابس جيدة . وتتوكأً على عصا السلطة . وراحت تقترب منى . كانت تلك 
الشخصية لرجل اسمه مَفرَّج [::اناة! . الذى كان يقال له "رجل" ادازه8 " المضيف” -ا» 
0111 بمعنى "المسئول عن صالة الضيافة عند الأمير" ٠‏ وهى أجنبى مثل سائر أولئك 
الذين يقدمون على خدمة الأمير فى حائل . كان ذلك الرجل من بلدة عنيزة فى القصيم 
( التى هجرها على أثر مفامرة مريعة فاشلة سوف أتناولها فيما بعد ) . جاء ذلك 
الرجل ليطلب من الغريب الدخول لتناول طعام الإفطار ؛ ولكنه اقتادنى أنا وناقتى عبر 
المسهاب . وخصص لى مسكنا , كان عبارة عن آخر غرفة من سلسلة غرف الضيافة » 
التى يطلقون عليها هنا اسم “المخازن" 183102205 , والتى تقع فى الجانب الطويل من 
الميدان العام ( المسهاب ) فى مواجهة القصر : ثم اقتادنى الرجل بعد ذلك , من خلال 
البوابة » إلى داخل القصر , ليوصلنى فى النهاية إلى قاعة القهوة الضخمة »2 
المخفنصنة الكتيوف ‏ ولخدمة القلعة القاضة بالأمين ٠‏ فى مكل هذه الساعة ايند أن 
تناول الجميع إفطارهم وذهبوا لحال سبيلهم - كانت تلك القاعة خالية من الناس , 
ولكنهم أرسلوا فى طلب مُّصَلمٌ القهوة . وقد أعجبتنى المكونات الراقية لتلك الصالة 
المبنية من الطين . شأتها شان ذلك القصر الضخم ؛ وهذه هى الجدران والأسوار 
العالية مدهونة بالجبس » وهذه هى مجموعة الأعمدة المرتفعة الموجودة فى وسط القاعة 
ليرتكز عليها ذلك السقف البسيط المكون من أخشاب الإثل ( الطرفاء ) وشر ٠‏ - سيقان 
النخيل . والخوص المجدول » الذى لطخه الهباب والدخان الذى ينيعث يوميا من وجار 
القهوة . وأسفل تلك الجدران توجد مصاطب مبنية من الطين ومفروش فوقها سجاد 
بغدادى . وعند مدخل تلك القاعة يوجد إناء ضخم من النحاس الأحمر » أو إن شئت 
فقل بحر من الماء » ومن قوق ذلك الإناء يوجد "كوز مريوط إلى سلسلة ( وتقوم 
النسوة يوميا يملئ ذلك الإناء من ماء السماء ؛ وهؤلاء النسوة من بين أولئك اللاتى 


431 


تعملن فى المطبخ ) ؛ ومُصلّح القهوة يأخذ الماء الذى يحتاجه من ذلك الإناء ‏ كما أنه 
يسقى منه أيضا كل من يكون عطشانا . فى الجزء العلوى من قاعة قهوة الأمير يوجد 
وجاران من وجارات القهوة , وهما يشبهان قبرين ضحلين ٠‏ حيث يجرى فيهما إشعال 
الحطب عندما يكون الطقس باردً! ؛ الناس هنا يفتقرون إلى الحطب ٠‏ والنار هنا تشب 
تحت دلال القهوة العملاقة . فى وجارات من الطين تشبه فرن الحداد . وعلى الفور 
استدعانى مفرج للذهاب إلى قاعة الضيافة ؛ التى يطلقون عليها هنا اسم "المضيف” 
60111 ؛ وقاعة الضيافة تقع داخل مبانى القلعة؛ وهى مربعة الشكل وعلى شكل فناء » 
ومن فوق ذلك الفناء يوجد رواق ٠‏ والضيوف الذين يدخلون قاعة الضيافة يمرون على 
مدفعية الأمير ؛ التى تتكون من خمسة أو ستة قطع.من المدافع الصغيرة ٠‏ وحديد هذه 
القطع عفى عليه الزمن , والخشب الذى فيها متأكل ومتهالك . 

والبدو يأكلون فى الدور السفلى ؛ فى حين يتناول كبار الشيوخ هم ورفاقهم , 
الطعام فى الشرقات ؛ اقتادنى مُفرج إلى الدور العلوى ٠‏ أى إن شئت فقل : إلى 
الشرفات , إلى مكان مفروش فوقه سجادة كان عليها بعض نوى التمر ؛ جلست فى 
هذا المكان وأحضروا لى تمر : - وهذا هو أردأ أنوع التمر فى عالم الصحراء - فى 
طبق من المعدن , عليه كمية كبيرة من التراب المخلوط بالماء ؛ تركونى أكل لوحدى ؛ 
ولكنى آثرت الانتهاء بسرعة من أكل التمر . هذه هى تحية أى حاكم من حكام الجزيرة 
العربية لضيوفه فى الصباح - إنهم بدو - كما أن النظافة هنا تختلف عنها فى معظم 
قرى الجزيرة العربية , التى يتوفر فيها الماء . وإلى أن ينادونى للخروج من ذلك المكان 
رحت أتجول فى الشرفات حيث شاهدت يمام العراق المتزلى أبيض اللون وهو يهفهف 
بأجنحته ؛ ويبلغ من الألفة حدًا جعلنى أمسكه بيدى . كان طول كل شرفة من تلك 
الشرفات التى لها أرضية من الطين يصل إلى حوالى ثمانين قدما ؛ وتلك الشرفات 
تتجفولة على تخمسة مضه مستديرة ومملفنة مق الأعلى . وعكوها ون تقرح ثافية اننا 
إلى القهوة حيث كانت القهوة قد أصبحت جاهزة . ودخل علينا شاب يلبس ملايس 
لامعة مصنوعة من الحرير ؛ وراح ذلك الشاب يطرح على بعض الأسئلة . كان ذلك 
الشاب يعمل سكرتيرا للأمير . وكانت كلماته عامرة بالاحتقار والازدراء : "أقول » إخ ! 


432 


من تكون أنت ؟ - من أين حئت , ولماذا جئت إلى هنا ؟" وهنا أجبته بطريقة اليدى , 
"يا ولد » أنا لا أستطيع أن أجيب إلا على سؤال واحد وعلى القور ؛ اسمعنى طلبك 
الأول : 'وأشاح بوجهه متجاهلا كلام ذلك الرجل الحر ؛ ثم فمس لى صوت ودى يقول : 
"عامله بمزيد من الاحترام؛ لأن هذا هو نصر 356 . ” وعليه قال ذلك النصر : "انهض! 
الأمير أرسل قى طلبك :" ثم خرجنا بعد ذلك قاصدين مجلس الأمير . 


هناك شرفة طويلة أسفل القلعة المبنية من الطين , تقع بعد السور الخارجى وتطل 
على المسهاب ( الميدان العام ) ؛ مررنا على تلك الشرفة , وفى المنتتصف شاهدنا بابًا 
مجلدًا بالحديد » يقوم على حراسته من الداخل عبد شاب حبشى ؛ طرقنا ذلك الباب , 
انفتح الباب على قناء داخلى صغير » يوجد فيه عدد قليل من رجال الأمير المسلحين 
والمكلفين يحراسة الأمير . وفى الناحية الجنويية توجد الغرفة أو إن شئت فقل : 
المطس الذئ يجن فيه الآمين + دخلنا فى ظلك الغرفة من خلال يانها:وكاتت شيه 
معتمة , نظرا لأن النوافذ هنا ليست سوى فتحة لدخول الهواء » ولم أشاهد , فى كل 
نجد , أى غطاء زجاجى فوق تلك الفتحات . هذا هو الحاكم محمد - الابن الأصغر 
لعبد الله بن الرشيد ٠‏ الأمير الأول للشمر ٠‏ وترتيبه الرابع منذ وفاة والده - يجلس 
متكئا إلى حد ما على كوعه . ومن تحته وسائد وثيرة » ومن أمامه مدفأة » أشعلوا فيها 
النار فى شىء من حطب الصحراء . حييت الأمير قائلا : "سلام' 521380 “عليك" 
»الادات ؛ رفع الأمير يده اليمنى إلى رأسه » بنفس الطريقة التى سبق له أن شاهدها 
فى بلاد الحدود ؛ ولكنه لم يرد السلام ؛ - لديهم فكرة معادية مفادها أن تحية 
"الإسلام” ينبغى أن لا يستعملها أحد من غير دين الإسلام ! كانت للأمير سالفتان من 
الشعر تتدليان على خديه ؛ اشتهر بجمالهما فى كل أنحاء الصحراء على إنه "شاب 
ملىء بالحيوية والشباب”. كانت بشرته تميل إلى السَّمْرة أو بالأحرى إلى الاصفرار , 
نحيف وغائر العينين مثل سائر النجديين » وهو فى متوسط العمر : وجهه مثل وجوه 
النجديين ؛ وملامح الأمير محمد التى تشبه ملامح الطائر توحى بأن ذلك الرجل نجا 
من كثير من أمران :هده الذتيا :ثري نا هئ الاتالات السابقة الثى جعلت من 
هذا الرجل أميرا ؟ 


413 


قال الأمير : ” اجلس ! ” كان محمد , الذى عمل مرشدًا للحج “الفارسى” فى زمن 
الأمراء السايقين , قد زار مدن بلاد الرافدين : ووقف على أخلاقيات الدولة 
(الإمبراطورية العثمانية) هناك .- اقتادنى رئيس الحرس إلى المكان المخصص للغرباء, 
وفى منتصف سجادة طويلة مفروشة بجوار الجدار الطينى ؛ وفى المسافة التى بينى 
وبين الأمير » كانت تجلس شخصية لا أعرفها ؛ متكئة على يعض المخاد ؛ كان صاحب 
هذه الشخصية , مثلما بلغنى ؛ من أقارب بن الرشيد » رجل محنرم وقور كبير السن . 
ومحياه يدل على الاعتدال. سألنى الأمير: "من أين أتيت» وما هى الهدف من رحلتك؟” - 
"أنا جئت من تيماء » ومن الحجر , وقد جئت أصلا من سوريا لزيارة مدائن صالح .* - 
"(قال الشيخ الكبير متعجبا) “رجل" انازه8 "صدوق” 5301 والله ! بمعنى "رجل ثقة" . 
هذا الرجل ليس مثل ذلك الرجل الذى جاء إلى هنا , ألا تذكر يا محمد العام الذى جاء 
فيه إلى هنا , هذا الرجل يقول لنا كل شىء بصدق ووضوح ٠‏ الأمير : 'وجئتنا الآن من 
تيماء ؛ أحسنت ! وما الذى رأيته فى تيماء - ماذا رأيت فيها ؟ هل فيها أى شىء ؟" - 
"تيماء مكان جميل عامر بالنخيل وهواؤه طيب ." - “ما اسمك ؟” - "اسمى : خليل ." - 
"ها ! وكنت بصحبة البدو , أخ » يا خليل » وما رأيك فى البدى ؟” - “تقصد الفكارة , 
والموءاهيب , والسحامة , الذين يعيشون خلف الحرة .* - "وما رأيك فى بدو الفجير هم 
وشيوخهم ؟ أليس الشيخ مطلق على ما يرام ؟" - "الفقارة لا يختلفون عن اسمهم . 
وجيرانهم يقولون عنهم أنهم يهود خيبر .' إلتقط الأمير كلامى مندهشا ومتعجبا ( كما 
هى عادة أهل الجزيرة العربية ) وأعاد ذلك الكلام على الحاضرين : “يقول إنهم يهود 
خيبر ! حسن ما قلت يا خليل ؛ وكيف عاملك الأعراب ؟ هل قدموا لك الحليب ؛ وفل 
أكرموك ؟' - 'حليبهم لا يكفيهم هم أنفسهم ٠.‏ أمعن الأمير قليلا وأطرق برأسه ونظر 
إلى الأرض », لأنه كان قد سمع أننى كنت أتجول مع اليدو كى أشرب حليب النياق . 
"سألنى قائلا : ها ! وماذا عن الموءاهيب , أهُمْ على ما يرام ؟ وهل طُلحّ و110ه7 طيب 
بحق ؟" - كان الأمير ينتظر منى إجابة بالنفى » نظرا لأن طُلّجِ كان عدوا قديما » أو إن 
شئت فقل : “متمردًا” على أبناء الرشيد . - “كان طُلّجِ رجلا طيبا معى ؛ وأحسب أنه 
رجل بدوى محترم . “رد الأمير على ذلك مَهَمْهِمًا : “هم 4:00! هم 0:0!! ! - ومن هو 
شيخ السحامة ؟ - "مهنا هممهطقاا وفضيل الطامع ” ٠‏ وكم عدد أسر السحامة ؟ * 


434 


قال الأمير بعد ذلك متسائلا : "هل لديك شىء (تبيعه) ؟ وما هى صفتك ؟ - 'لدى 
بعض الأدوية , وأنا حكيم *- “وما هى هذه الأدوية ؟ أهى الكناكيناك؟) همنناهمه!؟” - 
“النوع الذى معى من الأدوية الممتازة .* - "وماذا معك غير الأدوية ؟* - معى أشياء 
كثيرة . ولكن أسماءعها كثيرة أيضا ٠‏ معى أيضا شيئًا من الشاى 6031 الممتاز ٠‏ الذى 
سوف أهديه لك . يا سمو الأمير !” - “لدينا الشاى هنا , ونحن نجليه من بغداد ؛ لدينا 
الكثير منه .* [قيل لى فى مكان آخر بعد ذلك , - "إن الأمير لن يقبل منك الشاى , 
بالرغم من أن ذلك يعد عملا شنائنا : والسبب فى ذلك أن ابن الرشيد لا يأكل أى شىء 
أى يشرب أى شىه إلا ذلك الذى يجهزه أو يعده عيد محدد من بين العبيد الذين يعملون 
فى خدمته ؛ وهو يعيش فى خوف مستمر من أن يموت مسموما ” ]الأمير : 'حسن » 
وما هى الأمراض التى تعالجها ؟ ألا تستطيع علاج المجنون ؟" ( بمعنى الشخص الذى 
أصابه مس من الجن على حد فهمهم ) : - الأمير لديه بعض من أبناء أخيه عبيد 
مصابون بذلك المس ؛ وربما كانت ذكرى أخيه طلال المؤلة توحى إليه بذلك . أجبته 
قائلا : "المجنون «لاا[ه01 -/ هو دالا مجنون 005ا11©[0 * بمعنى "من هى أحمق بطبيعته 
سيظل أحمقا دوما 5 ردد الأمير هذه الحكمة من بعدى : وأوماً برأسه علامة الموافقة 0 
ثم قال للحاضرين : “هو دالا صادق 58016 ! ' رد عليه بعض أفراد البلاط ؛ أى إن 
شئت فقل : الحاشية قائلين : “فيه ات طريق 78:16 " بمغنى "ولكن هناك مخرج من ذلك 
أيضا .“ والأعراب يفترضون أو يزعمون أن هناك طريقا ( مخرجا ) ؛ عندما يهتدى 
الإنسان إلى طريق شرعى للوصول إلى الهدف الذى يريده . - 'خبرنى . وما هى 
الحيوانات التى شاهدتها فى الصحراء ؟ " - "شاهدت الأرانب البرية والغزال » وأنا 
لست صيادًا .” - “هل لحم الأراتب البرية غير محلل ! - وهل تأكله ؟ ( سيعرف بهذه 
صحراء الشرارات ٠‏ يقولون عنه إنه الثور اليرى أى الوضيحى ؟ لدينا منه واحد هنا 8 
وسوف نريك إياه .' وفى النهاية قال الأمير : "ألا تشرب الدخان ؟" استعمال التبغ فى 
شوارع نجد أمر غير وارد ولكن الناس يستعملونه داخل المنازل ؛ وهم يعتقدون أن 


(«) المقصود منا مو حبوب الكينين الصفراء التى شاع استعمالها فى ذلك الوقت فى العلاج . ( المترجم ) 


24135 


شرب الدخان لا يليق بأولئك الأشخاص الذين يكونون أكثر تدينا وأعلى مكانة وقدرا 
من عامة الناس . كان محمد بن الرشيد هى وحمود ولد أخيه من رفاق الفليون 
المخلصين فى فترة سابقة ؛ ولكن عندما وصل الأمر إلى حد المكانة والتقدير » فقد 
تخليا عن رفيقيهما الحميدى طيب الرائحة . وأردف الأمير قائلا: "إذن؛ أنت مسيحى؟”- 
تلك كانت كلمة طيبة ! معنى ذلك أن الأمير آثر ألا ينعتنى بتلك الكلمة 'نصرانى” التى 
تنطوى على شىء من الإهانة والتوبيخ ؛ والناس هنا أيضا يقولون إن : "الأمير لديه 
أمرأة مسيهية نين زوحاته . ' - والنصارى الذين يتكلمون اللغة العربية فى مناطق 
الحدود الكبيرة يطلقون على أنفسهم اسم 'المسيحيين” «الإلإتطأدعا . 

طلب الأمير إلى نصر أن يقرأ فى كتاب كبير من كتب التاريخ , كان موضوعا 
على الرف ؛ ومقلقا يغلاف أحمر وحمل عنوان ( أخبان نمةط8كام الدول أونم -0 
وآثار نعقطام دللا الأول اوسصيدا")(») ؛ وطلب من نصر أن يقرأ من القسم المكتوب فى 
هذه الكتاب عن النبى عيسى 55! بن 2ط مريم 841,133 ؛ - وهنا بدأ ذلك السكرتير 
يقرأ بصوت عال . المؤلف المسلم يحدثنا عن شخص عيسى بن مريم ٠‏ وعن لونه » وعن 
قسماته وملامحه .'ابن العذراء' ؛ كما يحدثنا أيكدا من املوب عبان التبرية )وكيف 
ٍ كان يمشى مع تلاميذه فى أرض إسرائيل » وكيف أنه كان يتوق إلى الراحة فى ذلك 
المكان الذى غريت الشمس عليه فيه . كان الأمير يستمع باهتمام بالغ وشديد إلى تلك 
الرواية وهو قلق قلقًا شديدا . - أ( قال الأمير) هذا حسن , هذا جيد ! ولكن ما الذى 
دفعك للقيام بهذه الرحلة ؟' وأجبته بصورة مفاحجئة قائلاً : "العلوم ! «اذاه-/5 أى إن 
شئت فقل : العلوم الليبرالية ( الحرة ) ؛' ولكن معنى هذه الكلمة التى فى صيغة الجمع 
عند أهل نجد وفى كلام البدو تعنى “الأخبار” .وهنا رد الأمير على الفور , "إذن ؛ هذا 
. هو الذى جئت من أجله إلى هنا !' كان من الصعب على أن أوضح للأمير ذلك الذى 
كنت أعنيه عندما نطقت كلمة "العلوم” نظرا لأن هؤلاء الناس ليست لديهم أيه فكرة عن 
اختلاف معانى الكلمات على ألسنة مختلف أفراد الجنس البشرى . وقال الأمير بعد 


(*) أخبار الدول وآثأر الأول . تاليف أبو العباس أحمد حلبى الدمشقى القرمانى (ت 19١١ه/‏ -191م). 
(المراجع) 


436 


ذلك ٠‏ وهذه اللفة . هل تعلمتها ؛ وأنت بين البدى . هل تعلمت اللغة العربية ؟* - وطلب 
الل تسن فسان لناب و رواوت ع بين ردي كليل نيفق الأخير مواقا بين 
مكانه ؛ [يقال إن الأمير محمد يجيد القراءة والكتابة والإطلاع على الكتب العربية , 
ويقال أيضا إنه شاعر رقيق , بالرغم من أنه فيما يتعلق بتصريف شئون الدولة ما يزال 
تلميذا فى تَعلّم تلك الأمور ] - وانطلاقا من فضول أهل الجزيرة العربية العُجل الذى 
يشبه فضول الأطفال ٠‏ انتقل الأمير وجاء ليجلس إلى جوارى . - "من أين أقرأ ؟' - 
ابدأ من أى مكان فى أى فصل , - فى هذا الكتاب !” ثم أشار بإصبعه . وعليه بدأت 
أقرأ من موقع "قتل الملك إخواته جميعا هم وأقاريه” إن ن الشيطان هو الذى جعلنى 
أشير إلى مثل هذا النص الدموى ؛ كان واضحا أن الأمير تأثر تأثرًا شديدًا ! وبسرعة 
بديهة العرب فهم الأمير أننى بدأت أعتبره قاتلا وسقاحا . "قال الأمير بسرعة » ليس 
من هذا الموقع ! ولكن اقرأ من-فنا ! - من هذا الفصل من بدايته" ( وحدد لى المكان 
بإصبعه ) ؛ وعليه بدأت أقرأ عليه مقطوعة أخرى . الأمير : 'ها ! حسن ! واضح أنك لا 
تجيد القراءة ٠‏ ثم نهض من مكانه إلى جوارى ٠‏ ليعود إلى مكانه السابق . ثم قال لى 
بعد ذلك : وإلى أين ستذهي الآن ؟” - “إلى بغداد ." - 'حسن جذا » إذن سوف 
ترسلك إلى بقداد ," ثم نهض الأمير بعد ذلك . ٠‏ هى ومن معه ليذهب إلى منطقة النخيل 
الخاصة به » حيث سيرينى "البقرة البرية * ١‏ 

عضتر تصن تعد ذلك ومفة مظروف أحد القظايات : وظلن عنى قرا النتشن 
“الدوو ةا هلك حشيق + هذا لسن بخطا هويا :0خ ركنا تر مكلك أ لو 
"ممن تلقيتم تلك الرسالة ؟” - "من شخص نصرانى جاء إلى هنا قادما من الحوران , 
وقد أخذنا منه هذا المظروف .” قرأت على الختم الموجود على المظروف أحرف إغريقية 
( يونانية قديمة ) معناها “بطرخانة دمشق” . وكانت البيانات المصيطة بتلك الكلمة 
مكتوية باللغة اللاتينية "تجول فى كل أنحاء الدنيا ويشّر بهذا الإنجيل كل الخلق من 
البشر ٠.‏ كانوا جميعهم قد أوشكوا على ارتداء حذيانهم » ولكنهم أنتظروا برهة إلى أن 
يسمعوا ردى ؛ وعئدما تلوت عليهم بصوت عال المعنى 'اخرجوا بازنامطكانا فى كل 27 
آاان»ا العالم #ذاة -!© ....' قال الشيغ الوقور للأمير : "أتسمع هذا يا محمد ؟- 
أليست هذه كلمات المسيح !” 


2437 


خرج كل من كانوا فى الغرفة عقب خروج الأمير منها ؛ كل أولئك كانوا من أقراد 
حاشيته ومن خدمه , هذا بالإضافة إلى كل من الشيخ العجوز , ورئيس الحرس , 
ونصر ؛ لم يكن من بين كل هؤلاء من يوحى وجهه بالبشر والترحاب . كان هؤلاء 
الأفراد الذين ينتمون إلى القصر وإلى رجال الأمير يلبسون ملابس المدينة “ولكنهم 
لم يكونوا يلبسون أحزمة الطلقات النارية . وظهر الأمير محمد واضحا أمامى ؛ عندما 
تسلط عليه الضوء ؛ كما لو كان بدويا غير مكتمل التمى من البدو الفقراء المساكين ؛ 
ومع ذلك كان يمشى متفاخرا ومتعاليا » ومع ذلك كانت نظراته زائغة وفير مستقرة , 
وعند يئر الرى ؛ بالقرب من أسوار القلعة , توقق الأمير محمد برهة صغيرة وأشار لى 
بيده إلى الساقية ( السانية ) التى كانت تدور محدثة نوعا من الصراخ , ثم سالنى 
فجأة : "هل سبق لى رؤية مثل هذه الساقية ؟” - "ما العمق هنا بالقامات ؟* - "خمس 
عشرة . قال كلامه الصادر عنه بوصفه أميرا ؛ بالرغم من أنى كنت أعرف أن العمق 
لم يكن خمس عشرة قامة ؛ - والسبب فى ذلك . ما هى الجدوى أو المنفعة التى يمكن 
أن تعود عليهم من جلب الماء من عمق مثل هذا ؟ واصلت مسيرى مع كل من الأمير 
محمد والشيخ العجوز . إلى أن وصلنا إلى مزرعة الأمير التى يحيط بها سور القلعة ؛ 
ووجدت أن خدمة تلك المزرعه لم تكن على ما يرام . بقى الأمير إلى جوار نبات من 
نباتات زيت الخروع ( لم يكن هناك فى حائل نبات غير ذلك النبات ) ليطرح على 
السؤال إلتالى : "ما هذا ؟” طرح على هذا السؤال بلهجة تتردد بين السلطة الفظة 
وفضول أهل الجزيرة العربية الساذج , فيما يتعلق بنباتاته وأشجاره ؛ - النخيل , 
والليمون , والأترنج ؛ ثم أرانى بعد ذلك شتلة من شتلات البامية ؛ كما أرانى أيضا 
بعض الجذور الأخرى والأعشاب التى تستعمل فى السلطات . هؤلاء الناس لا يأكلون 
كل هذه الأشياء الخضراء ! وبذلك نجد أن طعام نجد فى الجزيرة العربية يختلف عن 
طعام بلدان الحدود العربية . 


كان الغزال يجرى فى الركن البعيد من أسوار القصر ؛ ووقف الأمير وهى يشير 
بأصيمه (٠‏ قال الأمير ) هاهى الوضيحى !" كان ذلك الوضيحى ذكرا عمره حوالى 
عام ونصف العام .ولا يزيد حجمه على حجم عنزة بيضاء كبيرة » كان الوضيحى يرقد 


436 


مريضا تحت شجرة من أشجار التين . الأمير :- 'انظر هناك » حيث يوجد وضيحى 
آخر ؛ وتلك هى الأنثى .* - "ارجع إلى الوراء وتحسب لقروتها ! وقال أقراد البلاط 
الذين كانوا يحيطون بى , لا تقترب منها .' وتقدم واحد من الحاشية وفى يده سباطة 
من التمر ٠‏ نحو ذلك الحيوان الخطير » وراح يربت على ظهره ؛ كان قرنا الحيوان مثل 
ساقين مستنين . مشرعين إلى الأعلى . ويصل طول الواحد منهما إلى ما يقرب من 
سبع وعشرين بوصة . شاهدت أنثى الوضيحى وأنا على يعد حوالى خمس ياردات » 
وكانت أقل من حجم حمار صغير ؛ وكان جلدها رمادى اللون ويتدرج نحى الأصفر 
الفاقع , كما كان لها جزء مرتفع صغير يظهر عند بداية العنق ؛ ولم يكن لها سنام 
مطلقا , كما كان ذيلها الناعم الطويل ينتهى بحزمة من الشعر , ويمكن القول : إن 
التقيحى “شه بقرة فيز “ولكن شكل.هذا الحيوان جميل جدًا فى هذه الصحراء 
الخالية من الماء ‏ يضاف إلى ذلك أن هذا الحيوان له سيقان برية عالية السرعة وخفيفة 
الحركة . قال الأمير متعجيًا : "اكتبها 83-طلاانا » يمعنى "صورها' أو "ارسمها" .” 
وراح الأمير يتحدث معى حديثًا مفرحا أثناء عودتنا ؛ ثم قال لى فى النهاية : 'أين 
حذاؤك ؟" - "سيكون عجبك هذا قليل ؛ إذا عرفت أننى بلا حذاء . وملايسى مهترئة » 
لأنى مضى على ؛ إلى الآن ٠‏ حوالى عام كامل وأنا برفقه البدى فى الخلاء (الصحراء).” 
- ” (رد الشيخ الطيب)» وبالرغم من أنه يمشى بلا حذاءء. فهذا ليس عيبا ٠‏ لأن أنبياء 
الله . مشوا حقاة أيضا * - بلفنى أن ذلك الرجل العجوز الوقور . كان شقيق أم 
الأمير » أو إن شئت فقل : خال الأمير : رأيت فى ذلك الرجل الوجه الخير الذنى يكشف 
عنه العرب لكل من يتمنون لهم رحلة أو مغامرة طيبة . 

كان الأمير بمزاجه الروحى ؛ وسلوكه المألوف يشبه شيخا كبيرًا من مشايخ 
الأعراب . وقد ظهرت عليه دلائل حظ عاثر تنكر له من قبل , إضاقة إلى أنه تبدى عليه 
أيضا دلائل الانحطاط الذهنى أو العقلى ؛ كان الأمير محمد , فى ذلك الوقت قد بلغ 
"العام الأربعين' من عمره ؛ ولكنه كان يبدو كما لو كان أصغر من ذلك . ( دخلنا مرة 
ثانية إلى فناء القصر , فى المنطقة التى يجرى فيها تخزين الحطب , وحيث توجد بوابة 
تطل على المسهاب ( الميدان العام ) ؛ وعند هذه المنطقة ينتهى طرف تلك الشرفة 


439 


الموجودة أسفل القلعة . والتى سيق لنا الدخول منها . هذا الممر مغلق يباب مجلد 
بالحديد ؛ ألواح هذا الباب ( من حيث افتقارها إلى الفن ) تشبه تلك الأوانى الحديدية 
التى تشبه الترس ( والتى يطلقون عليها اسم "التنور" ) وتستعملها ريات البيوت 
الحضريات فى تسوية الخيز .- ولكن .يا لهذه المكافأة التى يحصل عليها الطغاة ! 
إنهم يقعون أسرى للخوف بشكل يبث الخوف أيضا فيمن حولهم . أين هم من - أحلى 
الأشياء الإنسانية - راحتهم ؟ لأن ذلك الذى يأخذونه بالقوة من الكثيرين » هم يعلمون 
ويعرفون بأنه سوف يطلب منهم مرة ثانية ! وهنا صرف الأمير ذلك النصرانى ٠‏ بإشارة 
المسكن الذى أنزل فيه . 


440 


الفصل الثانى والعشرون 


حائل 


أمسية مع الأمير حمود . قهوة عبيد . يهودى مارق . سيف حمود . حمود يُصَلّح 
عشاءًا للنصرانى . صلاة العشاء . محمد وحمود على مرأى من الناس . أمسية مع 
الأمير محمد . أشخاص عاطلون يتعقيون النصرانى فى الشوارع . غانم . عبد الله . 
المسلم اليهودى . قافلة ضائعة . جار الله , عنيبر بن الرشيد . ابيضاض البشرة 
الأوروبية يحسبونه برصًا أبيضا . "ماء العنب' . الموت فى فناجيل قهوة الأمراء . 
التجار المشهديون . النصرانى يطلعهم على كتاب من كتب الجغرافيا . البيع والشراء 
فى حائل . مدفعية بن الرشيد . مجلس الأمير . رشوة فى حائل . وقت فراغ الأمير . 
سياسة الأمير . ركوب الأمير . الأعراب فى حائل . الدلالون . السوق . سعر اللحم . 
مُفرّج ؛ استئذانه لعامة الضيوف . سم أو سُمٌ - بمعنى 'سم' أو “باسم الله" . كلقة 
المضيف . شاربى القهوة من البدى فى المقاهى العامة . الأمير محمد يركب راحلته 
متجها لزيارة ماشيته فى الصحراء . حصان الأمير . ثروة الأمير . خزانة الولاية . 
حمود يظل نائبا فى حائل . بدان أو ماعز برى فى بستان حمود . تكلفة بئر الرى فى 
حائل . ماجد . حائل مدينة وليست واحة . سميراء حائل . رى أجدة . حائل القديمة . 
أطلال ضاحية بعيدة من ضواحى حاثئل . أرض المدافن . قبر عبيد . بعض البدو الرحل 
المقيمين . 

مع غروب شمس ذلك اليوم , استدعانى مُفرّج إلى شرفة الُضيف أو إن شئت 
فقل: قاعة أو صالة الضيافة ؛ حيث قدموا لى طبق العشاء المكون من لحم الضان وأرز 
الثَّمن . وعندما عدت ثانية إلى صالة القهوة . حيث بدأ توزيعها على الحاضرين ٠؛‏ بدأ 


441 


الضيوف البدو الموجودون فى الصالة يتساءلون عن ديانتى . عدت إلى بيتى فى ساعة 
مبكرة » وعلى الفور استدعانى خدم الأمير لمقابلة شخص يطلقون عليه اسم “الشيخ 
الكبير' . - "سالتهم , من هو ذلك الشيخ الكبير ؟” وأجابوني , "إنه الأمير !" وعليه 
أوصلونى إلى دار كانت قريبة من بيتى ٠‏ وكانوا يطلقون عليها اسم 'قهوة عَبَيّد” . 
طرقوا الباب وفتحه عبد حبشى . دخلنا الدار من خلال مدخل قصير , كانت تفوح منه 
رائحه ماء الورد : إلى أن وصلنا إلى غرفة شبيهة بالصالة . بدت لعيناى وكأتها جزء 
من الصحراء . ومعروف أن الغرف الشرقية عبارة عن مسورات من الهواء ٠‏ وليسٍ بها 
منقولات ؛ ومظاهر الزينه فى تلك الغرف عبارة عن السجاد الذى يفرش فى أماكن 
الجلوس ؛ والسجاد فى هذه الغرفة مفرود فى ثلاثة أجناب فقط , مع وجود بعض 
الأماكن التى فيها بعض المخدات ؛ وهى مخصصة 'للأمير" وأقرب أقاريه . كل شىء 
فى تلك الغرفة كان مصنوعا من الطين ؛ أرضيتها من الطين المدكوك . والجدران أيضنًا 
من الطين ومدهونة بالمفرة ؛ كان الجالسون فى الغرفة من الشخصيات الرئيسية قى 
المدينة » كانوا عبارة عن شيخ أو شيخين من شيوخ البدى ‏ إضافة إلى بعض الرجال 
الذين يعملون فى خدمة الأمير ؛ كانت ملابس هؤلاء العرب الحظيظين تبدى مشرقة . - 

- كانوا قد قالوا "الأمير' ! وأنا بدورى شاهدت فى المكان الرئيسى من تلك 
الصالة شخصية نبيلة عظيمة شبه محنية على كوعيها إلى الأمام ! - ولكنى ساءلت 
نفسى , ألم أقابل الأمير بن الرشيد بنفسه هذا الصباح ؟ ولى قدر لهؤلاء العامة من 
العرب أن يروا غرييًا محتارًا ومشدوها بينهم ٠‏ فإن ذلك سوف يسرهم ويسعدهم . 

تلك الشخصية كانت حمود 4نامة] ولى عهد والده » برغم أنه ليس أكبر أيناء 
عبيد ؛ والسبب فى ذلك أن فهد 5509 , الابن الأكبر » كان خبلاً ا6طاط»! ‏ أى إن شئت 
فقل : مضطرب الفهم والإدراك » ومع ذلك كان سلوكه طيرًا ومستقيمًا ؛ هذا الجنتلمان 
المسكين كان صديقًا لى بصورة دائمة . - كان حمودء قد أقسم لابن عمه الأمير يميئًاء 
بأن يعيش معه ويموت معه أيضًا ؛ كان والديهما شقيقين ؛ ونظرًا لعدم وجود أى أحد 
من بيت ابن الرشيد لتولى ولاية العهد ؛ فإن حمود سيصبح هى الأمير من بعد الأمير 
محمد بن الرشيد . وحمود هو رفيق الأمير اليومى فى كل ما يتعلق بالأعمال 
والاستشارات اليومية . - كان ولد عبيد يرينى وجها مليحا . وكان يطلب منى الجلوس 


012 


عن يمينه » وعندما كان يراتى مهمومًا ومرهقًا كان يطلب منى أن أفرد رجلاى دونما 
خجل ؛ وأجلس على راحتى وطبيعتي ٠‏ 

كان حمود يتحدث إلى النصرانى حديثًا وديا ؛ وتاكدت أنه صاحب قامة فارعة ٠‏ 
ولاحظت أيضًا أن عينيه ملونتان ؛ ولاحظت أيضًا أن شعره متساقط [كمٍ نشاهد فى 

صور المسيح ] ويتدلى من المنتصف على شكل جدائل , كما لاحظت أيضنًا أن لحيته 
خفيفة . وحمود له وجه بشوش » ويحدث له تشنج لطيف فى عنقه , مما يعطى العنق 
منظرً “لطيفًا » ويبدى عليه أنه ينحنى قليلاً إلى الأمام . وأثناء حديثى معه كان يسالنى 
عن الأشياء العظيمة عند النصارى ؛ مثل التلغراق , “كما كان يسالنى عن المادة التى 
يصنع منها الزجاج ؟ ؟ وكانوا قد سمعوا أيضمًا عن وجود قصر من البللور فى البلدان 
المسيحية ؛ وكاتوا يحسيون اننا أن يباريس 5ت ( وا,قط) كلها مينية من البللور ؛ 
كما كان يسالتى أيضًا عن ماهية زيت الصخور , الذى كان مستعملاً فى مصباح 
مشتعل وموضوع على كرسى أمام الأمير : بل إن زيت الصخر هذا أصبح يستعمل فى 
المنازل الكبيرة فى حائل ؛ ولديهم مقولة مفادها أن زيت الصخر هذا إنما يصنع من ا 
بول البشر . وتعجب حمود عندما أخبرته أن زيت الصخر هذا إنما يجرى سحبه من 
آبار فى العالم الجديد ؛ كان حمود قد سمع عن ذلك الذى يسمى "الدنيا' 810/8 
"الجديدة” (6- 130143: وسألنى عن المكان الذى توجد فيه تلك الدنيا » وخلف أية بحار . 
سالنى أيضًا عن أدويتى ؛ ثم أردف قائلاً : "مل على ٠‏ وسوف أسألك عن شىء ٠‏ 
همس لى حمود من تحت غترة رأسه المعطرة , "أليس لديك دواء . يساعد الرجل ؟ 
وأجبته على الفور , 'لا ‏ وحياتك .” - "لا » وتحلف بحياتى !' كرر هذه العبارة » وشو 
يبتسم للحاضرين ثم ضحك , "ها ! ها !' - بعض الأرواح الشريرة ربما تظن أنه كان 
يتكلم معى همسا عن السم . يضاف إلى ذلك أن القسم العام فى الصحراء بحياة 
الإنسان” يدينه ولا يرضى عنه أشباه الوهابيين هؤلاء تع اريف حكود كاكاد حلت 
هذه الابتسامة والقلب الطيب , “ما رأيك فى هذين الخيالين اللذين التتدان علي 
الطريق؟ "- "أنا لا أستطيع أن أقول أى شىء لأنى كنت متعبًا ومرهقا" . - “قال: نعم 
اه ا 000 
أصحاب اللحى الزعفرانية اللون فى حائل , الذين كانوا يجلسون متكئين على مخاد » 


043 


فى المكان المجاور له باعتبار أنهم يجيئون بعده من حيث المنزلة والمقام . كان ذلك 
الرجل صاحب اللحية زعفرانية اللون بطىء ء الفهم » واسمه سليمان 51900828 , وهى 
ابن عم حمود . سألته , ٠‏ هل أنت الذى التقيتك ؟: ولكن الرجل ابتسم » ولم يرد على 
سؤالى . حمود : اال ا وي 
مباراة » يا خليل , حاولنا من خلالها معرفة من الأطول نفسا من بين هاتين الفرسين ؛ 
ما رأيك أنت ؟ خيول الإنجليز أفضل ؛ أم خيول نجد ؟” - وقف حمود كى ينصرف 
طلبا لقسط من الراحة ( منزله فى مكان آخر من القصر ) ٠‏ ووقفنا جميعا معه . فى 
ذلك المنزل - الذى يوجد بالقرب من بركة عامه يجرى تفذيتها بالماء من هذا الفتاء 
المنروع بالتخيل - يوجد أطفال حمود » وزوجته وأمها , إضافة إلى إخرانه الذين 
يصغرونه سنا ؛ ولكنه بحكم أنه صاحب سمو ملكى ؛ فهو له مسكن مستقل خاص به 
هؤ ( يتام فيه ) ويقع داخل القلعة . وأمراء حائل يلبسون ملابس مثل ملايس البدو 
الرحل » ولكنها جديدة ونظيفة ومن خام ممتان : والتونك الطويل الواسع ٠‏ الذى يرتديه 
الناس هنا فى المدينة ؛ لونه أبيض تاصع , » ويضع كل واحد منهم على كتفه عباءة 
الأعراب المصنوعة من أجود الأصواف البغدادية , أى من القماش الأسود الذى يجلب 
من أورويا ٠‏ وهم يرتدون الهجى 1399 على أجسادهم شأنهم فى ذلك شأن بقية البدو 
الرحل قى سائر أنحاء الجزيرة العربية . 

كانت الغرفة التى أسكنها مثل زنزانة ضيقة ومظلمة وغير نظيفة : - أخبروتى 
أيضا أن يهوديا » مع مجيئه أول مرة إلى هنا ٠‏ أسكنوه فى تلك الغرفة ! كان ذلك 
اليهودى واحدًا من يهود بغداد . وهى الآن مسلم ثرى متزوج ويعيش فى حائل » 
وأحواله تتحسن بصورة مستمرة بقضل بركة صهره لبان 680ها ؛ هذا الرجل له بيت 
طيب فى اليلدة . كما أن له محلا فى السوق , يبيع فيه الأقمشة والتمور والين للبدو 
الرحل : وقد أنجبت له زوجته الحائلية ( نسبة إلى حائل ) طفلين . كان الناس هنا 
يصيحون فى , "اعترف أنت 'يا خليل” أيضا مثلما فعل ذلك الرجل” "قل لا إله إلا الله ؛ 
وأن محمدا رسول الله" . وستكون لك ثروة مثل ثروة ذلك الرجل , والأمير هو الذى 
سوف يوفر لك مثل هذه الثروة .' واعتبارا من طلوع نهار اليوم التالى كان هناك أمام 
باب النصرانى جمع كبير من المرضى ومن الحضريات العاطلات . بقوا ساعات طويلة 


444 


أمام باب المنزل يتسامرون ويتجاذبون أطراف الحديث ٠‏ دون أن يتركوا لى ولو ساعة 
واحدة أحصل خلالها على قسط من الراحة. كانوا يطليون منى أدوية » مع وعود منهم , 
'بأنهم سيدفعون الأتعاب عندما يتأكدون من صلاحية الدواء وجودته , غير أنهم لن 
يدفعوا تلك الأتعاب فى الوقت الراهن". وعنما طلبت منهم دفع التكلفة الأساسية للدواء, 
لم يلقوا لذلك بالا ؛ "أرجو أن لا يجىء أحد منكم إلى هنا مرة ثانية ليساومنى ويكاسر 
معى ؛ لأنى لن أوافق على ما تقولون “ ولقطع العلاقات معهم خرجت من سكنى 
وأغلقت الباب خلفى . ويينما كنت جالسا أمام ذارى أثناء نسيم العصر العليل مر على 
حمود ومعه أصدقاؤه ؛ توقف الرجل ليحيينى » وطلب منى الحضور لتناول العشاء » 
وأرانى سيفه , الذى يحمله فى يده من مقيضه ؛ مثل البدو الرحل تماما ٠‏ وقال : 
"ما رأيك فى هذا السيف ؟" - والناس هنا لديهم فكرة مؤداها أن كل أولاد النصارى 
يكونون دارسين لحرفة المعادن . وعندما أخرجت السيف من جرابه - لم يكن صلب 
ذلك السيف من النوع الدمشقئ - وأردف حمود قائلا : "هذا الصلب إنجليزى" (من 
صناعة أحسن الدول المسيحية) : وقد حصل على ذلك السيف من ابن سعود وأنه "دقع 
ألف ريال ثمنا لذلك السيف . قلت له 'يبدى أنه:من النوع الممتاز" . وردد الكلام من 
بعدى مبتسما بطريقتهم الخاصة , 'إنه حقا ممتاز .' والعرب , أهل الجزيرة العربية , 
يقيمون السيف باعتباره أمضى الأسلحة ؛ وكل واحد منهم يود أن يكون له سيف من 
أجود الأنواع . 

عند غروب الشمس جاء عبد من مقهى عبيد 4لا866 يدعونى لتناول العشاء . وقد 
حر« الحرق أن سارل عمو فدات حلي ساك حئية عضن لااكزن دعو لتتاول 
العشاء مع الأمير ؛ والمعروف أيضا أن ماجد 113[14 ولد حمود الأكبر , يتناول العشاء 
هو ومدرسه مع والده ؛ ويعد أن يفرغوا من تناول العشاء يجرى تقديم الطبق نفسه 
أمام بقية أفراد العائلة من الرجال . هذا الطعام البسيط له قيمة غذائية كبيرة . وهو 
يتكون من لحم الضأن فوق كومة من أرز الثّمن , المضاف إليه الزبد . ومتبل بالبصل , 
ونوع من الكارى . بعد أن قرغ العبد من صب الماء على أيدينا » من إبريق من المعدن » 
على طشت صغير ٠‏ جلسنا وقد ريعنا أقدامنا أمام طبق كبير مطلى بالقصدير , 
موضوع فوق الأرضية المفروشة بالسجاد . والعرب عندما يعزمون على أحد لتناول 


445 


الطعام يقولون : 'مد 0008 يدك »هوقلا , ثم سمى بالله” 815010180 ؛ ويبدعون يعد ' 
ال ليا ابا ا 0 
سلطانية الماء , ليشرب كل كل واحد منها قليادٌ من الماء 07 
كل واحد منهم : : 'الحمد 0008509 لله 1118 , ثم ينصرفون بعد ذلك لفسيل أقواههم 
وأيديهم : - كان العبد قد أحضر لنا صايونا مبتشتورا ٠‏ ويعد ' الغسيل يعودون إلى 
أماكنهم منتعشين لتقدم لهم القهوة البهيجة بعد ذلك ؛“ ولكن مصلّح القهوة ؛ شرب من 
تلك القهوة فى البداية وقبل أن يقدمها لنا - وذلك من باب طمأنة خوف الأمير - . 

والعرب لا يعرفون مآدب الطعام ؛ وهم لا يمكن أن يصدقوا أن مخلفات الطعام ذوات 

العناصر الثلاثة المأهولة ( فى بعض الأراضى السعيدة ) لا يمكن أن تقيم أود الحياة ؛ 

ا ور ا اي ا 0 ع كن 
لتقديمها سات ةي الي :وأشراء القتمى هنا رو بعري الو 
مناشرة على شىء من الخبز المخمور وشىء من الزيد يد مع شىء من الحليب ؛ وعند 
الظهر يقدم لهم طبق من التمر ؛ ويتناولون طعام العشاء عند غروب الشمس ؛ كما سبق 
أن أوضحت : والأمير والشنعب يتساوون عند تناول الطعام . والشيطان لا يتسلل إلى 
طبق طعامهم ؛ وكل همهم ورغائبهم البشرية تكمن فى متعة الحريم الإسلامية .- أذكر . 
أننى سمعت , من بعض الناس الذين يعرفون السلطان عبد العزيز . أن سلطان 
الإسلام هذا . رخمه الله » كان نهمًا لا يشبع من تناول الطعام . ولم تكن والدته تضع 
أمامه سوى طبق واحد هى التى تذو: كته قته وأكلت منه وأشرفت عليه ؛ وأن ذلك الطيق هو ٠‏ 
الطبق التركى اليومى الذى يطلقون عليه اسم “البلاو" 5112 (وهم يقولون هنا : إن ذلك 
الطيق جاء فى عهد “تيمور لنك"(*) 6 ) ويتكون من الأرز المسلوق ولحم 
الضان ؛ ويقال أيضا إن سلطان الإسلام كان يمتنع عن شرب القهوة والدخان 


© ها 7316 : تيمور لنك أو تيور الأعرج ٠‏ إمبراطور المفول - تولى عرش سمرقند 171953 -وة, م 
وأخضع إمبراطورية التتر , وجميع البلدان الواقعة فيما بين نهر الاندلس والكنج . ثم اتجه إلى آسيا 
الصغرى وأسر السلطان بايزيد كما حاول انتزاع سوريا من الدولة المملوكية . (المراجع) 


446 


(لأسباب ريما تكون سماوية). سمعت من حمود أنه ذبح الشاة على شرفى وتكريما لى؛ 
ومعروف للجميع هناء أن تلك الشاة التى ذبحت للعشاء إنما جرى شراؤها من السوق . 

بعد ذلك بساعة أى ساعتين , وعندما يسمع الناس صوت المؤذن ينادى لصلاة 
العشاء . ينهض حمود واقفا فى الحال . ومعه الجماعة . وهنا يتقدمهم عبد يمسك فى 
يده جريدة من جريد النخل وقد أشعل فيها النار ؛ ويخرج الجميع لأداء الصلاة فى 
المسجد , الذى يقع فى الطرف البعيد من المسهاب ( الميدان العام ). محاذيا لفرف 
الضيافة؛ ولكنه مفصول عن تلك الغرف بواسطة شارع عام. - ولما كان هؤلاء الناس 
أمراء على الناس هذا , فهم يكونون خدم مطيعين للدين ! 

وعندما يعود حمود من الصلاة , يقوم العبد الذى يكون فى انتظار عودته بقرد 
سجادة صلاة صغيرة أمامه ؛ ويسجد صاحب السمو على تلك السجادة مستقيلا مكة 
(المكرمة) » وذلك من باب تمام الصلاة . سالت حمود ذات مساء , “ألم يؤدى صلاته 
بالفعل فى المسجد ؟ - “قال حمود ؛ تلك الصلوات التى نؤديها فى المسجد هى 
الصلوات القترعية »وما أصليه:هتا هئ السئة .” لم يتوقف الجالسون فى القاعة عن 
الكلام أثناء أداء حمود لصلاة السنة ؛ - ولم يصلى معه أحد . كانت بقية الجماعة , 
من غير الأمراء , فلماذا يكلفون أنفسهم بتلك الزيادة الدينية ! والمسلم كلما علا قدره » 
لابد أن يكون أكثر ورعًا » حتى يستحق نعم الله عليه . وحمود لا يفوت الصلاة فى 
الممسجد مطلقا ؛ وفى كل ما عدا ذلك ٠‏ يأخذ كل نصييه من الدنيا من منطلق أنه رجل 
' قوى وسعيد ويشوش ؛ ويبعد عنه مشكلات هذه الدنيا . وحمود ربما يكون أصغر سنا 
من الأمير ؛ وهو بقامته الفارعة ٠‏ وحسبما يقول الناس هنا , ربما يكون شبيها لأبيه 
الذى كان شاعرا من شعراء المعارك الحربية : وحمود هو والأمير محمد بن الرشيد 
ليسا ساذجين فى المهارات التى ورثاها عن والديهما فى إطار هذه الأسرة المالكة ؛ - 
والناس هنا يبجلون ويمتدحون ذلك الذى يفعلانه أكثر من تمجيدهم لما يفعله 
الكبار المسنين . 


الأمير محمد لا يحضر صلاة العصر فى المسجد الكبير سوى مرة واحدة ؛ وهو 
يؤدى صلاته فى مسجد منفصل أو خاص فى داخل القلعة ٠‏ أو قد يؤدى الصلاة داخل 


47 


غرفته الخاصة . كما أن مسالة خروجه عدة مرات من القصر لأداء الصلاة مع الناس 
تشكل نوعا من المتاعب له ولأولئك القائمين على خدمته ؛ ولأهل المدينة أيضا ؛ نظرًا لأن 
هؤلاء الناس يتملكهم الخوف ؛ - والسيف الذى دخل هذا البيت الملكى "ينبغى أن لا 
يفارقهم مطلقا - وهذا هو ما يدور بخلد الأعراب - إلا بعد أن يتم تدميرهم والقضاء 
عليهم .“ لقد أطاح الأمير محمد برؤس أقاريه الكبار المحيطين به , ولم يبقى منهم أحدًا 
سوى حمود ٠‏ أما الصغار فهم يكبرون ؛. يضاف إلى ذلك أن محمدا يتعين عليه رؤية 
الكثير من الأحلام المزعجة «وقق والرقع من راسته المشددة . يتطلع دوما إلى عقاب 
الجنس البشرى . ترى ؛ هل يتعين عليه الوثوق بنفسه ويمر من الميدان العام (المسهاب) 
عدة مرات فى اليوم الواحد » وفى مواعيد محددة ؟ - لقد فشل الكثيرون فى ذلك . 
والمعروف أن كلا من حمود هو والأمير محمد يؤثران فى سلوكيات وتصرفات الناس : 
فهذا هو حمود بصراحته الواضحة ؛ ومحياه المشرق المبتسم يبدى وكأنه واحد من عامة 
الناس وقريب جِدًا من حديثهم وكلامهم ؛ وهذا هى الأمير محمد , تراه لطيفا فى بعض 
الأحيان » بالرغم من غلظته الملكية , وتراه أيضا يتكلم كلاما لطيفا فيما بين هذا وذاك 
؛ والأمير محمد رجل داهية وصعب التفاهم . ومحمد عندما يخرج من القصر ترى 
عينيه زائغتان مثل عينى الصقر , وهو عندما يمشى يختال فى مشيته كما لو كان 
يمشى على المسرح » ويكون دوما فى مقدمة حاشيته . وحرسه . وعندما يكون حمود 
بصحبة الأمير محمد » فهما يسيران أمام الحاشية . وأهل المدينة (برغم استحالة ذلك) 
يقولون "أنهم يحبونه ويخافونه' : - وهم يثنون على الأمير الذى ينعمون بالطعام فى 
ظل حكمه ٠.‏ ويحسون بالأمان » ويرون كل شيئ يزدهر من حولهم ؛ ولكنهم يخشون 
حده ذلك الأمير وصرامته التى تولدت بالفعل من سيف ذلك الحاكم . 

فى مساء اليوم التالى » أرسل الأمير محمد يطلب منى الحضور إلى مقره : كانت 
جدران المقر مدهونة بالمغرة . عندما قلت للأمير إننى إنجليزى » وجدت أنه لم يكن يقهم 
ذلك من قبل ! ولكنى وجدته فى هذه المرة لطيقا وكيسا . كان يجلس مع الأمير رجل 
داكن البشرة ضخم الجثة . اسمه صالح ؛ 58115 ( قالوا لى إنه من البدى الرّحل ؛ ) 
راح يراقبنى بعينين متزمتتين قاسيتين ٠‏ ثم قال فى النهاية بصوت قاس ينذر بالخطر ٠‏ 
"ألا تتطلع إلى رؤية بلدك مرة ثانية ؟' - "أجبته » كل شىء بيد الله". - "تعجب الأمير , 


448 


لايا صالح لا . لقد قال خليل كلاما طيبا جدا ٠‏ عندما ذكر أن كل شىء بيد الله .” 
ثم سألنى الأمير محمد الأسئلة نفسها التى سألنى حمود إياها . "ما هو التلغراف ؟ 
لقد شاهدناه ( فى بغداد يوم أن كان يعمل مرشدا لبعثة الحجاج "الفارسيين” ) : لكن 
ألا تستطيع أن تعرفنا الطريقة التى يعمل بها التلغراف , الذى هى شىء مدهش ؟" - 
"التلغراف نوع من الارتعاش - الذى نستطيع من خلاله إرسال بعض الإشارات 
المعينة, التى تتولد عن تحات المعادن , بفعل الأدوية القوية التى من قبيل الل . الأمير: 
'إذن ؛ التلغراف نوع من أنواع تشغيل الأدوية » هل لك أن توضح لنا ذلك ؟" - "إذا 
افترضنا أن رجلا يرقد ممددًا فى المسافة ما بين مدينة حائل واستمبول اناطة)واء 
وأن ذلك الرجل كان له طول فارع يصل من هنا إلى هناك بين هاتين المدينتين ؛ وإذا 
ماقام أحد بإحراق قدمى ذلك الرجل الموجودتين فى حائل » ألن يحس ذلك فى رأسه 
فى اللحظة نفسها . وهذه الرأس فى استمبول ؟” - “وما هى الزْجاج ؟ سالنى أيضا 
عن البترول . وساألنى أيضا عن القارة الجديدة . وعن موقعها . وهل هى داخل 
المحيط' . كان الأمير » ينصت بطريقة فاترة إلى روايتى عن اكتشاف الأرض الجديدة 
عير تلك البحار الكبيرة » ثم سألنى : "ألم يكن هناك بشر يعيشون فى ذلك اليلد عندما 
جرى اكتشافه ؟' وأخيرا طرح على السؤال التالى : “ما رأيى فى حائل ؟ وهل شارع 
السوق . مناسب وجيد أم لا ؟ ( ولكنه أجاب بنفسه ) لكن ‏ آه ؛ إنه سوق أعراب !* 
إنه صغير إذا ما قارناه بالأسواق التى فى المدن الرئيسية فى هذه الدنيا . سالنى : 
"فل سمعت عن جبل شمر فى بلدى ؟ كان الحاكم مسرورا عندما قهم أن التصارى 
لا يلهثون أو يتطلعون إلى بلاده الصحراوية ؛ ولكنه غضب واستاء عندما علم أن أخيار 
تلك الأشياء الإنسانية المزعجة قد وصلت إلى مسامع الناس فى أراضى بعيدة . حدث 
أن طرح حمود على هذا السؤال نفسه فى متاسبة أخرى , ثم أردف متسائلا أيضا , 
أماذا ! ألم تسمع مطلقا عن اين سعود الوهابى ! بعد أن أمضيت ساعتين مع الأمير 
» وعندما أوشكت الساعة على العاشرة ؛ قال الأمير لرئيس الحرس ٠‏ الذى يقوم على 
أمر حراسة غرفة نوم الأمير : 'حان موعد إغلاق الأبواب ؛” ثم انصرفت يعد ذلك . 

فى بدايات وصولى إلى بلدة حائل ؛ كنت إذا ما تجولت خلال سوق المدينة » أرى 
الأطفال , والجهلة وكذلك البدو المساكين يتدافعون نحوى ٠‏ لأبدو فى وسطهم مثل ديك 


449 


غريب ؛ راحت الطيور الصغيرة تعجب منه ؛ إلى أن يجىء من أصحاب السلطة واحد 
يخلصنى من هؤلاء الناس وهى يقول لهم : الله . إن إساءة معاملة الغريب على هذا 
النحو ستغضب الأمير !' وفى كل يوم كان بعض أصحاب الجاه والمكانة يدعونى لشرب 
القهوة وتناول الإفطار ؛ وكانت غالبية هؤلاء الناس تطلب مشورة الحكيم فيما أصابهم 
من أمراض .ء وقلة قليلة منهم هى التى كانت تتحرك بدافع الكرم » نظرا لأن ضمائرهم 
تحضهم على عدم التراحم مع أعداء الدين المنقذ . ولكن المسلم الذى يجىء إلى حائل , 
بل وحتى الفرنجى الغريب الذى ينحنى لهم ويتفق معهم ‏ يجد الشمر الحضر كرماء 
وهم كرماء بحق . 

فى البداية استدعونى لمقابلة شخص يدعى غانم 6868815 » صائغ الأمير وشقيقه 
غنيم 61 . كان هذان الأخوان ثريين تماما » ومن طائفة الصناع . وقد كانا 
قبل ذلك فى منطقة الجوف ؛ التى يوجد فيها بعض من أفضلل الصناع . وبخاصة فى 
مجال المعادن . والخشب والأحجار ؛ فى الجزيرة العربية البدوية . وعندما استولى عبيد . 
بن الرشيد على منطقة الجوفء وجد أن هذين الرجلين هما أفضل الناس فى حرفتهماء 
ولذلك أحضرهما بالقوة إلى مدينة حائل . وهذان الرجلان مشغولين دوما فى صناعة 
أشياء للأمراء . وذلك فيما يتعلق يصناعة السيوف وتجليد مقابضها بالفضة والذهب , 
كما كانا مشهورين أيضا بتجليد "دباشك" البنادق بصفائح الفضة والذهب . وكان 
يجرى إرسال جميع السيوف والبنادق الفتيلية التى كان بن الرشيد يأخذها (من البدو) 
أثناء الفزى , إليهما لإعادة تشكيلها , ثم وضعها بعد ذلك » ضمن سلاح القلعة . ومن 
بين هذه السيوف توجد بعض السيوف الفارسية والهندية الممتازة ٠‏ التى يتسلح يها 
بعض حراس الأمير '. كان غانم , أيام شبابه » يتجول بمهنته هذه فى كل أنحاء 
الحوران » ولذلك راح يسالنى عن شيوخ الدروز . الذين سبق له التعرف عليهم . كما 
سالنى أيضا عما إذا كانوا على قيد الحياة . كان غانم متشدد! , وكان قراره فى يده » 
وتأملاته لم تكن من قبيل تأملات الحكماء فى معظم الأحيان : هذا الرجل الذى كان 
يلقانى يوميا ٠‏ قال لى قبل ذلك كلاما مخالفا : 'أنا عدوك , يا خليل !' وهاهى فى 
النهاية يعرض على خدماته ونصائحه الودية - لقد بنى لنفسه ذلك المنزل الطينى وزينه 
بكل قنون مهنته . فقد وضع على جدران المنزل المبنية بالطين والمدهونة بالمغرة » تماذج 


2030 


على شكل طيور وزهور . كما زين تلك الجدران أيضا بآيات من القرآن مكتوية بالجيس 
الأبيض ٠‏ - الذى يعثرون عليه فى كل مكان فى رمل الصحراء : السواد الأعظم من 
بيوت حائل مينية بناية جيدة بالرغم من رداءة المادة المستعملة فى البناء . لقد بنى غائم 
جدارا مزدوجا مع وجود شباك فى كل جدار ؛ بحيث يسمح بدخول الضوء , ولا يسمح 
بدخول أحوال الطقس . لم أرى أثرًا لهياب الحداد داخل بيت هذا الرجل , ولكن غانم 
كان يجلس مرتديا ملابس نظيفة » وهو قائم بعمله » فى أفضل غرفة من غرف متزله ؛ 
كانت أرضية المنزل مفروشة بحصير جميل ٠‏ وكانت الأماكن المخصصة للجلوس 
. مفروشه بالسجاد البغدادى , قام شقيقه غنيم باستدعاء الحكيم إلى منزله لتناول طعام 
الإفطار : كان أخوه متوانيا فى حرفته بسبب المرض » وقد حذره الأمير ‏ فى أحيان 
كثيرة » بأنه سوف يتخلى عنه . وقد أرائنى ولده مسدسا من مسدسات الجيش [من 
الهند] شاهدت عليه علامة البرج ؛ “الناشنكاهات" - التى لا يعرفون كيف يستعملوتها ! 
- نزعوها عن المسدس . 

لما كان غانم يهوديا دخل فى الإسلام - فقد سموه “عبد الله" وأعطوه لقبا هى 
'المسلماني* 051600301 أن - هذا الرجل جاء يدعونى لشرب القهوة فى بيته - 
سألنى زميل عبد الله : "هل أمتى تحب اليهود ؟ 'أجبت على سؤاله » نحن لا تسال 
الناس عن دينهم » ولذلك فهم يكونون رعايا طيبين .' وصلذا إلى بوابة اليهودى , 
ودخلنا بيته ؛ كانت الجدران من الداخل مطلية جيدًا بالمفرة ؛ ومرسوم عليها 
كدئة صغيزة بيضاء ومكتوب عليها أيضا آيات من القرآن ياستعمال الجبس . قرأت : 
'لا قوة إلا بالله' وعند المدخل قرأت بدلا من كلام موسى (عَ) الشهادة الإسلامية 
مكتوية بحروف كبيرة “لا إله إلا الله . محمد رسول الله كان عبد الله شايا ناضجا 
من بغداد . وجهه مشرق مثل وجوه المسلمين ؛ اللهم باستثناء تلك العلامة التى وضعها 
الله على أسارير الوجوه العبرية . وفى الوقت الذى تغيب فيه رفيق عبد الله لحظة , 
سألنى بصوت هامس “هل معى -" ( لم أستطع سماع بقية كلامه ) . - “ماذا تقول + 
'براتدى 8301 ألا تعرف ( هذه الكلمة الخليجية الفارسية الإنجليزية ) - براندى؟" 
وعندما دخل عليه زميله » وريما يكون شقيق زوجته , قال عيد الله بصوت مرتفع "لو" 
أنى دخلت الإسلام ؛ سيصبح بيته بين لى أيضا أنا وهو .” ثم همس بعد ذلك بكلمة فى 


451 


أذنى - "لدى شىء أود أن أقوله لك » ولكن ليس الآن ” . كان قد مضى على مجىء ذلك 
اليهودى من بغداد إلى حائل سبع سنوات . ويعد انقضاء أيام الضيافة ذهب إلى عبيد 
بن الرشيد قائلا له : إنه يود أن يدخل فى الإسلام "على يد عبيد” : - وتقبل عبيد كلام 
اليهودى بيده الرسمية الملطخة منذ القدم بالدم والعنف . أعطت الأسرة المالكة 
المسلمانى "ألف ريال " عقب دخوله فى الإسلام . وسمح الأمير له بالإقامة فى حائل » 
وأن يمارس فيها البيع والشراء ؛- وعرف عبد الله الفن القديم :- إذ أصبح عندئذ 
مهنيا مرموقا . كنت قد سمعت بعض الأشياء عن ذلك الرجل وأنا فى تيماء » وأنه "يقرأ 
من كتب مثل الكتب التى شاهدوها معى" : ومع ذلك وجدت أنه رجل غير متعلم » - 
والذى لا شك فيه أن هذا الرجل كان يقرأ اللغة العبرية » غير أنه ينكر ذلك حاليا . 

أحضر جار :ل الله هااا ؛ أحد تجار البلدة » دفتر من دقاتر الحسايات 
الأجنبية . كان ذلك السجل عبارة عن مجلد ضخم طبع فى أمستردام فى القرن 
الماضى , والمجلد مطبوع باللغة العبرية ! قلت لجار الله : "عليك بهذا السجل وعبد الله , 
فهذه هى لغه اليهود * - “يقول لى عبد الله أنه لايعرف هذه اللفة .' - هذا الكتاب 
أحضر إلى هنا قبل عدة سنوات من إنقاذ قافلة بغداد , التى هلكت من العطش وهى 
فى طريقها إلى سوريا . كان دليل تلك القافلة “قد أصابه الله بالخبل فى عقلة' فضل 
طريقه ومعه القافلة فى الصحراء , وعجز المشاركون فى القافلة عن العثور على آبار 
الماء ‏ ولم يستطع أحد إنقاذ نفسه سوى قلة قليلة من البشر الأقوياء » الذين راحوا 
يغامرون وينزلون عند البدى . وأخذ البدو الرحل كل ما وصلت إليه أيديهم من أحمال 
الإبل التى انقلبت على الأرض طوال "ما يزيد على شهر من الزمن' . وقد عشر على 
بعض الكتب بين هذه الأشياء . ولم ينقل الناس إلى حائل سوى قلة قليلة من تلك 
البضاعة غير الثمينة . 

قيل لى إن عبد الله ؛ يهودى المولد ٠‏ كان فى منتهى السعادة فى حائل ؛ ‏ أرسل له 
والداه كثيرا من الرسائل ؛ التى تحمل أكبر العروض إذا ما أراد العودة والردة » ولكنه 
كان دوما يرفض استلام تلك الرسائل . تخلى عبد الله عن القانون وعن الوعود ؛ - 
ولكن الرجل الذى تحركه مظاهر الطبيعة الإنسانية , لايمكن أن ينتقل بمثل هذه 
السهولة من كل ذلك الذى نش وتربى وترعرع فيه إلى شىء آخر فى هذه الدنيا ! 


452 


عزمنى جار الله فى بيته الكبير الؤاسع الذى يقع فى الشارع العلوى بالقرب من 
بوابة قفار : كان جار الله . واحد! من كبار تجار الحبوب ٠‏ فى الطريق إلى المنزل 
التقينا رجلا يدعى نصر ؛ وهو بدوى متزمت من 'رحجاجيل" ا1زهزه8 قبيلة حرب , كما 
التقينا مصادفة أيضا رجلا آخرا اسمه عنيير ,806/83 , ودعاهما جار الله للذهاي 
معنا إلى منزله : هذا المضيف الثرى , المتشدد بعض الشىء . قدم لنا إفطار ممتازا 
كان عنيبر حبشيا /إ©436858!, من الأحياش الذين ولدوا فى أسرة عبد الله بن له 
ولذلك فهو يعد أخا عيدًا من إخوا ن طلال » ومتعب ومحمد : يضاف إلى ذلك أن اسمه 
ينسب إلى اسم الرشيد . وهذا العنيبر الخليع , الذى كان منفمسا فى الملذات , كان 
شخصية كبيرة فى حائل , فيما يتعلق بشئون الإمارة وذلك منذ عهد الأمير طلال . كان 
سين شنط ا سع الأفق » وراقى السلوك , ولكنه فى داخله كان يحمل روحا غير 
روح العبد : فقد نشأ على هذه الأرض وتربى عليها كما كان كلامه مباغتا وذهنه 
متشككا مثل أهل الجزيرة العربية .- عندما عدت ثانية إلى حائل كان عنيبر يود 
التخلص من حياتى ؛ - ولذلك كانت الفرصة مهيأة اليوم » لتناول العيش والملح معه . 

عزمنى حمود مرة ثانية على العشاء , كنت أستحم فى ذلك الوقت , '( وقال 
أحدهم ) يالبياض بشرته !" ورد عليه حمود همسا قائلا : : أنه اليرص"” - "الحمد لله , 
تعبت اد فى بلادئ أثاسس مصانين ييذا المرضن ل اك كي عي 
قليلا' لأنى كنت أسترق سترق السمع على كلامه ) هل هذا صحيح ؟ إخ ! إخ ! ( لأنه لم يكن 
لديه ما يقوله أفضل من ذلك . ثم أردف قائلا ) الحمد لله قال شخص آخر : 'والله , 
لقد رأيت فى بغداد امرأة ليا اح اا وو اصقر» إلى عر ان 
من يراها يحسب أنها ابنة خليل .' - "(قال ولد عبيد) لكن خبرنى ؛ ألا يشترى الأثرياء 
فى بلدك النساء + الأمكشياك ا ركلف كن اللخوال مم ب كر ا ا 
لامرأة مشتراة ( عبدة ) ٠‏ وأنا أتساءل . هل هذا أمر مقبول عندكم ؟” - وعتدما وجدت 
أن ذلك الرجل البريرى غير المتحضر, بدأ يحسبنى ؛ بسبب ابيضاض بشرتى الفظيع , 
ابنا لامرأة شركسية عبدة ؛ رددت عليه ردًا جامعا مانعا : "شراء اللحم البشرى 
غير معروف ولا اسم له فى بلادى : أما فيما يتعلق بأولئك الذين يتجرون فى العبيد 
فقد أرسلنا الله للقضاء عليهم . نحن نطارد ونصطاد مراكب العبيد فى كل اليحان , 


433 


مثلما تصطادون أنتم الضياع * أحس حمود بشىء من الإرتباك » عندما كشفت له عن 
بعض الخلل فى آدايهم وسلوكياتهم؛ ( .) وأن ذلك لم يكن فى ديننا » كما . 
تباهيت بعدائنا البحرى ( الذى أصاب أكياس نقودهم بالتلف فيما يتعلق يأهداف 
العالم الإسلامى ) . - 'يا خليل ؛ هل يأكل النصارى لحم الخنزير ؟ - 'إى بالله , 
ولحم الخنزير لا يختلف عن لحم الضب الذى تأكلونه , كما أنه لايختلف أيضا عن لحم 
الحيوان الشيهم الذى تأكلونه أيضا . ألا ياكل البدى لحم الذئاب ٠‏ والثعالب » والضب 
والفئران ؟ - ألا يأكلون لحم البوم , والحد 1:65»! والنسر الذى يتغذى على الجيف ؟ 
ولكنى لا آكل أيا من ذلك .* رد على حمود ٠‏ بإنسانيته البسيطة ٠‏ ما قصدته يا خليل , 
لم يكن يتعلق بمسالة قذارة اللحم وإنما قصدت أن أقول : إن النبى (نيكّه) هو الذى 
حرم علينا ذلك ؛” واستدار حمود بعد ذلك إلى سليمان وقال له : “أذكر أن عبد الله , 
الذى جاء إلى حائل فى عهد الأمير طلال ؛ وعالج بندر 9800066 ٠‏ قال لوالدى إن لحم 
الخنزير طيب جدًا .” "تساءل حمود بغد ذلك » عندما وجد أن لسانه يعبر عما بداخله ) 
وما هو الزواج عند التصارى ؟ هل هى مثلما يقول الناس [فى سائر أنحاء نجد] مثلما 
يغشى الحصان الفرسة , أهكذا يتكاثر النصارى ( ا ا 

بالرغم من أن العرب لا يأكلون اللحم المحرم » إلا أن البعض منهم يشربون 
ما يسمى دم الكروم أو إن شئت فقل ما 118 'العنب' 8-8886 » الذى هى عبارة عن 
عصير العنب المتخمر . وهم يأتون بذلك العنب من بساتينهم » وهى ينضج فى منتصف 
فصل الصيف ء أيبلغنى ماجد أن ماء العنب هذا يجرى تحضيره فى منزل والده ؛ 
وساألنى هذا الصبى إن كان لدينا شىء من هذا القبيل ؛ وكان ذلك السؤال بناء على 
توجيه من والده . والمسلمون . فى ظل هذا الترف الدينى , يتوقون إلى ذلك الشراب 
المحرّم ؛ متصورين أن ذلك يمكن أن يساعدهم فى مسالة معاشرتهم لزوجاتهم . 

عند تقديم القهوة فى منزل حمود ؛ كنت أعجب دوما من أنى كنت الوحيد بين 
الحاضرين الذى لا تصب له القهوة ؛ وفى هذا المساء ويينما كان مقدم القهوة يمر من 


(«) رأينا حذف عبارة تمس الدين الإسلامى . (المراجع) 
(»») عبارة غير لاثقة رأينا استبعادها . (المراجع) 


054 


أمامى وفى يده دلة القهوة والفناجيل » أشرت إليه وعلى الفور . صب لى فنجالاً من 
القهوة . وفى يوم آخر » تعجب ماجد الذى كان يجلس إلى جوارى قائلا : "ألا تشرب 
القهوة » يا خليل ؟ وأجبته قائلا : 'تأكد , أننى أشرب القهوة ” وهنا صب مقدم 
القهوة لى فنجالا ٠‏ - ونظر حمود رافعا رأسه إلى الأعلى تجاهنا . كما لو كان قد قال 
شيئا ما . وأنا أخمن أن ما قاله كان مجرد شىء من المجاملة . كيما يجعلنى أحس 
بالاطمئنان . فى البلاد الإسلامية » تكون الوفاة السرية للبشر , عن طريق فتاجيل 
القهوة . والأمير عندما يدخل منزل أحد من الناس لا تقدم له القهوة . كما أن القهوة لا 
تقدم إلى أى أحد فى سكن الأمير , ولكن الأمير يطلب هو القهوة إذا ما أراد ذلك ؛ 
هذه هى المخاوف المريعة التى تتملك حياوات هؤلاء الناس اليومية . 1 


كان من بين الجالسين فى المساء الذين كانوا يزدرون حمود فى قهوة عييد , 
شخص كانوا ينعتونه بالرجل النبيل ؛ ولكنه لم.يكن سوى مجرد تاجر أجنبى ثرى 
أسمه سيد فآلالاع© محمود 1/3100 , كبير المشاهدة 823 مء أو إن شئت فقل: 
تجار مشهد 1145560 ؛ والمشاهدة عبارة عن خمس وثلاثين أسرة مقيمة فى حائل ؛ 
وكل تجارة السوق ( وكلها سلع ويضاعة من بلاد الرافدين ) فى أيدى هؤلاء المشاهدة 
تقريبًا ؛ ومشهد ( المكان الذى أستشهد فيه ) [سيدنا] على هى من أنقاض مدينة 
الكوفة ونا ٠‏ وشم مسلمين فرس يعتنقون المذمب الشيعي . 

هؤلاء المنشقون يجرى التغاضى عنهم ويكرههم الناس فى مدينة ابن الرشيد . 
وبالرغم مما سبق ذكره فإن هؤلاء المشاهدة من المواظيين على العبادة وعلى أداء 
الصلاة مع الناس فى المسجد الكبير. والبدو المتزمتون يكرهون هؤلاء المشاهدة كراهية 
شديدة ' ولذلك فقد سمعت هؤلاء البدو يقولون : لا شىء بالله . أنجس من أولئك 
المشاهدة الملاعين .- والمشاهدة باعتبارهم من رجال الشمال المتحضر والمتمدن , لديهم 
حساسية شديدة للأخيار السياسية » ولذلك قام البعض منهم » عندما رأونى أمر من 
أمامهم ٠‏ باستدعائى إلى دكاكينهم وراحوا يسألونى عن أخبار الحرب , - كما لو كانت 
إقامتى فترة طويلة فى الصحارى قد منعتنى من أن يكون لدى الجديد الذى يمكن أن 
أقوله !- لم يكن أولئك المشاهدة يعرفون شيئا عن “انتصارات” السلطان التركى ! كان 
أمراء حائل (الذين يشيهون البدى) قد عرفوا شيئا من أولئك المشاهدة عن دول العالم : 


زطق 


ولذلك قال لى حمود ذات مرة وهو يحس نشوة كبيرة : ما رأيك ٠‏ هل ستدوم دولة 
السلطان ( الإمبراطورية العثمانية ) أطول من ذلك ؟” - “الله أعلم - 'إى ! إى ! 
ولكن خيرنا ما هو موقف أهل بلدك ؟' - 'لقد ضعف موقف السلطان تماما ٠.‏ لم يشعر 
حمود بالأسف أو الندم ( فهم لا يحبون الأتراك ) ثم سألنى ما إذا كنت قد زرت 
الهند ؛ - الأمير يرسل كل عام الخيول المباعة إلى الهند ؛ وتجار هذه الخيول يسمعون 
هناك أن الهند تقف إلى جانب الإنجليز . كان لدى حمود رجل متعلم » هو مدرس وإده 
ماجد , كان ذلك المعلم بحكم طبيعته » متشبع بالدراسات الليبرالية . سالنى ذلك المعلم 
عن أخبار كثير من الأمم ( الدول ) النصرانية , التى سمع عن أسمائها كما سالنى 
بصفة خاصة عن كل من فرنسا , وبروسيا , وعن النمسا . أى إن شئت فقل عن 
الإمبراطورية النمساوية . “قلت له » كل ذلك يمكن أن تقرأه بطريقة ممتازة فى كتاب 
معى , عن الجغرافيا » مكتوب باللغة العربية ؛ ومؤلفه رجل منا أقام فى الشام فترة 
طويلة . والكتاب موجود فى غرفتى * - قال حمود "اذهب يا خليل : وعد إلى بذاك 
الكتاب” . وهنا أوفد حمود واحدا من خدمه ليضىء لى الطريق » عن طريق جريدة من 
جريد النخيل أشعل فيها النار . 

"(سالنى حمود بعد أن عدت من غرفتى) كيف ! تعلم آهلك اللغة العربية !" فتحت 
الكتاب على القصل المعنون 'شبه جزيرة العرب” . راح حمود بنفسه يقلب صفحات 
الكتاب: وعثر على الأشعار الحلوة, "أوه! مرحبا بك ؛ يا نجد الحبيبة , الدتيا كلها عندى 
ليست كهواء نجد , رعى الله نجد ؛" وبابتسامة تنم عن السعادة والرضا ويتنهيدة 
متقدرة 4 سلم هذا الوطنى ؛ وهى نفسه قصًادا*) الكتاب إلى معلم ولده وأردف قائُلا : 
"كيف حدث زلك ؟ - هل النصارى إذن "أهل” اذاه "أدب" 0و8 بمعتى "هل التصارى 
أمهة مؤدية" ! وهل مثل هذا الكلام الجميل متداول بينهم ؟ هيه !- خليل ؛ هل هناك 
كثيرون ممن يقولون هذا الكلام ؟ هذا العمل لم يكن مقبولا من هؤلاء العرب » لأن من 
ألفه كان من غير دينهم . أرشّدت المعلم إلى الموضع الذى ورد فيه ذكر حائل فى ذلك 
الكتاب, وهنا راح المعلم يقرأ بصوت عال ؛ وعندما أغلق المعلم الكتاب؛ قلت إننى سوف 


(*) قصاد : هنا بمعنى "شاعر” والكلعة عربية فصيحة (٠‏ المترجم ) 


256 


أغيره هذا الكتاب . وقد قبل حمود ذلك قبولا (فاترا) . ووضعت بين أيديهم أيضا كتاب 
المزامير 'والد داود من سليمان” تلك الأسماء التى يستمع إليها هؤلاء الناس باحترام 
وإجلال ولكنهم لم يعرفوا ولم يشاهدوا كتابهم. وهذا أيضا قد لا يرضيهم أو يسرهم ! 
نظرًا لأن هذا الكتاب جاء من قبل النصارى ٠‏ أولئك الذين حرفوا الكتاب المقدس” ؛ 
والذى لا شك فيه أن عنوان الكتاب أوحى لهم 'بعبادة الأوثان”" - المزامير ؟101<301-اع 
(باعتيارها أغانى كانت تغنى على الناى) ؛ ومع كل ذلك فهم لا يقرعون . 

"قال حمود, يا خليل , هذا هو سيد محمود؛ ويود أن يسمع منك شيئًا عن الأدوية؛ 
لعلك تزره فى بيته » وسوف يضع أمامك شيشة » - هذه الشيشة كيف للأجانب ولكتها 
لا تستعمل فى ' ... . أخبرنى حمود ؛ فى مرة أخرى ؛ أنه لايعرف أحدًا من التجار فى 
حائل , يزيد دخله على ألف ريال » وسيد محمود وحده ؛ هو واثنين أو ثلاثة آخرين من 
تجار الجملة هم » على حد قول حمود , الذين يربو ذخل الواحد منهم على ألف ريال . 
وفيما يتعلق بالتجار الأجانب , كان هناك إلى جانب التجار المشاهدة ‏ تاجر من بغداد 
.وتاجر أيضا من المدينة ( المنورة ) ؛ - ولم يكن هناك تجار سوريين أى مصريين . 
طلب منى حمود أن ألقى نظرة على مدافع الأمير أثناء مرورى من أمام الُضيف ( قاعة 
الضيافة ) :- وجدت أن عدد تلك المدافع يتراوح بين خمس أو ست قطع من مدافع 
الميدان الصغيرة , كما رأيت على اثنين منها نقوشا المانية . المدفعية التى من هذا 
القبيل لا تكون لها فائدة عندما تستعملها أيدى ممتازة ؛ ومع ذلك فهذه المدافع تستطيع 
داناتها تكسير الجدران المبنية من الطين فى البلدان النجدية . حصل أمراء الشمر على 
تلك المدافع من منطقة الخليج » ومع ذلك فإن قلة قليلة من الأشخاص هم الذين يعرفون 
متى استعملت هذه القطع فى العمليات الحربية التى قام بها الأمير » اللهم باستثناء 
سحب ذلك المدفع الكيير لإشراكه فى الحملة التى قامت بها بريدة على عنيزة ؛ ومع ذلك 
لم يستطع خدم الأمير استعمال ذلك المدفع . ولم يطلق هذا المدفع سوى داتتين فقط 
على مدينة عنيزة ؛ وقد ارتفعت الدانة الأولى إلى عنان السماء فى حين سقطت الدانة 
الثانية أمام أرجلهم على تراب الصحراء . 

- أتناول الآن يومًا من أيام حائل : مضى الآن حوالى ساعتين على شروق 
الشمس » وهذا هو الموعد الذى يصل فيه الأمير إلى المسهاب ( الميدان العام ) ليحضر 


437 


انعقاد المجلس الصباحى ٠‏ وهذا المجلس يشبه مجلس البدو الرّحّل . فهذا هو كبير 
الشيوخ يجلس علانية أمام الجميع مع الشيوخ أمام عامة الناس ؛ ومجلس الأمير يشبه 
المحكمة الشعبية , فهو يجلس ليقوم بدور القاضى ودور الرئيس بين هؤلاء الناس . 
وهذه مصطبة مينية من اللبن يطول جدار القصر المواجه للمسهاب ( الميدان العام ) , 
وأمام الممسجد . وتمتد حتى بوابة البرج ؛ والمكان الذى يجلس عليه الأمير يقع فى 
المنتصف يرتفع قليلا عن بقية المصطبة وهى مبنى من الطين أيضا ( وليس مفرودا عليه 
أى نوع من السجاد وذلك من باب التقشف والبساطة ) . ويوجد أمام مكان الأمير 
مصطية صغيرة أسفل المكان الذى يجلس عليه الأمير ؛ والذى يجلس على تلك المصطية 
الصغيرة هو كاتب الأمير أى إن شئت فقل : سكرتير الأمير ؛ هذا السكرتير اسمه 
نصر وهى يجلس عند قدمى الأمير . والمقعد الذى يجلس عليه حمود عبارة أيضا عن 
مصطبة صغيرة ؛ وهى أيضا أدنى من المصطبة التى يجلس عليها الأمير ) وهى تقع 
بالقرب من باب القلعة . هناك أيضا مقابل جدران المسجد ؛ يوجد مقعد مرتفع » يجلس 
فيه الشيوخ فى فترة العصر , عند انعقاد المجلس الثانى ؛ بعد صلاة العصر . وعلى 
الجنب ؛ وفى مواجهة الأمير ؛ يجلس القاضى ؛ أو إن شئت فقل رجل الشريعة 
الإسلامية ؛ الذى يوجد الكثير من أمثاله فى حائل ؛ والذى يقوم فى الحالات الصعبة , 
بتسجيل كلام الأمير » وتفسير المعنى , الخاص بالنص القرآنى . وعلى جانبى الأمير 
يجلس الشيوخ ورفاق الحاشية؛ وعبيد الأمير يقفون أمام هؤلاء الشيوخ على الجانيين ؛ 
وفوق مصطبة طويلة من اللبن يجلس رؤساء الخدمة العامة ومعهم سراياهم ؛ ويلى 
هؤلاء الرؤساء هم وسراياهم , بدءًا بمن يجيئون فى المرتبة بعد الأمير , يليهم البدو 
الزائرين الذين يجلسون حسب منازلهم وأهميتهم .- ترى الناس وهم جالسين هنا مثل 
أنحناء القوس أمام المجلس , وفوق تراب الميدان العام , وترى 'الرجاجيل" متكئين على 
سيوفهم » وعلى جرابات سيوفهم ٠‏ ويقدر عددهم بما يتراوح بين مائة ومائة وخمسين 
رجلا ؛ الناس هنا هم جنود الأمير , والجلادين الذين ينفذون أحكامه , وكذلك أفراد 
عصايات الغزى ؛ إنهم يجلسون هنا ( أمام الطاغية ) فى المكان المخصص لمجلس اليدى 
الرحل . هذا يعنى أن مجلس حائل مسالة يومية يصطف فيها السيافة ؛ الذين يعمل 
الكثيرون منهم فى الخدمة المدنية فى المدينة » فى غير ساعات المجلس . يدخل 


4536 


المتقاضون فى هذه الدائرة المسلحة ومعهم المتهم والمسترحمين ٠‏ أو باختصار كلمن له 
مسألة ( لا تخص الإمارة ) ٠‏ أى كل من يتعين عليه المثول أمام الأمير ؛ ويستمع الأمير 
إلى قضاياهم . ولكل من له صلة بتحقيق العدالة : وهنا يجرى على الفور تنفيذ الأحكام 
التى يصدرها الأمير . وفى الشهر الذى أقمته فى حائل كان عدد من يحضرون المجلس 
كل يوم أمام الأمير لا يقل عن أريعمائة شخص . 

هكذا يقرب الأمير نفسه من الشعب ومن الناس ٠‏ ويذلك يتعرف السواد الأعظم 
من شئونهم . وعدل الأمير محمد وحكمته الشعبية هما الأفضل , ومن منطلق إنه هو 
نفسه ذاق البلاء والشقاء فى بعض الأحيان . والأمير محمد قاضى عادل . شأته شأن 
الشيخ الذى يحكم بين البدى , كما أنه قاسى فى العدل : ولم أسمع أى أحد يتقول على 
أعمال الأمير للعدل بين الناس إعمالا حقيقيا . وعندما سألت عن موضوع الرشوة 
والرشاوى فى مدينة حائل . وبخاصة من خلال أولئك القريبين من آذان' الأمير , 
أجابونى قائلين : "لا . كلا" . هذا يعنى أن الفساد البيزنطى لا يمكن أن يتسلل إلى 
بساطة هؤلاء الناس الأبدية والتى تحسم بالنيل فى هذا البلد البدوى الفقير ؛ ولكننا 
(رأينا بالفعل) أن ذلك الفن ليس غريبا على أمراء الشّمر الأذكياء » الذين يلجأون إليه 
لتمشية أمورهم مع الحكومات التركية المجاورة لهم . بعض أيضا من أعراب بن 
الرشيد » ومن رجال القبائل فى ديار 'المدينة ( المنورة ) يمارسون أو يعرفون هذه العادة 
الشريرة : حكى لى أحدهم أن وأحدًا منهم جاء برشوة لتمشية أمر له فى مدينة حائل , 
وعندما جاء ء الدور على البت فى موضوعه ».قام بوضع عشرة ريالات فى يد القاضى . 
ولكن القاضى نهض واققًا فى مكانه وراح يوسع الرجل ضريا على كتفيه » إلى أن كل 
وتعب , ثم حوله بعد ذلك إلى الأمير , الذى كان يجلس فى المكان المخصص له , والذى 
قام هو أيضا وأوسع ذلك الرجل ضضربا على ضربه الأول , ولم يكتف بذلك وإنما أمر 
عبيده بأن يضربوه هم أيضا . والمجلس يندر أن يستمر أكثر من عشرين دقيقة , نظرا 
لقلة الأقوال التى يمكن الاستماع إليها . نظرا لأن الأمير كان يشعر بوعكة على امتداد 
بضعة أيام ( إذ كان يشتكى ويعانى من الصداع ومن آلام فى المرارة ) . الأمر الذى 
كان يؤدى إلى توقف المجلس د بين الحين والآخر ؛ - وكان يجرى بعد ذلك البت فى 
قضايا سبعة أيام مضت فى جلسة صياحية واحدة ! والمجلس يقف أعضاؤه وينفض 


4539 


عندما ينهض الأمير واقفا فى مكانه وهم يقولون هنا "ثار' عقط؟ "الأمير” “أم8-!5 , 
عندما يقف أثناء انعقاد المجلس . - ويلى ذلك . هفهفة مئات الغتر فى الميدان العام 
(المسهاب) » كنا نحسب أننا نرى جحفلا من الفراش يهفهف بأجنحته . وأهل الحضر 
يذهبون إلى المجلس وهم يرتدون ملابس نظيفة ومشرفة , ولكن البدو يجيئون إلى 
المجلس وهم يرتدون خرقا بالية كما هى حالهم فى القرى التى يتجولون فيها . 

ينصرف الأمير ومعه جماعته من المجلس , ليذهبوا إلى منزل من منازل الأمير 
يقع عند الجانب العلوى من المسهاب (الميدان العام) حيث يشريون القهوة ويرتاحون 
برهة صغيرة : ومن هذا المنزل يذهب الأمير ومعه مجموعة صغيرة من حاشيته وبعض 
"الرجاجيل" (83[2[1 لزيارة أسطبل الخيل ؛ وهناك حوالى ثلاثين فرسا مملوكة للأمير 
فى حائل ؛ وهى مربوطة فى أرض مجاورة للقلعة المبنية من الطين وتواجه قهوة عبيد 
فله5ة. ويعد زيارة الإسطبل يأمر الأمير رجاله بالانصراف قائلا لهم: "انصرفوا الآن» 
با عيال الإباع ٠‏ ثم يدخل الأمير القصر مرة ثانية ؛ أى قد يذهب الأمير » فى بعض 
الأحيان . بصحبة حمود وأصدقائه المقربين لاستنشاق الهواء ؛ فى منزله الصيفى 
الموجود بالقرب من بثر ماء 818 السماء 55-583 ؛ أى قد يذهب إلى مزرعة عبيد : 
أى قد يقوم الأمير بالمرور عبر السوق ( الشارع ) لزيارة شخص ما فى المدينة » من 
أمثال غانم الحداد ٠‏ للوقؤف على سير أحوال الأشياء المطلوبة ؛ - ثم يعود بعد ذلك 
إلى القلعة حيث يكون فى انتظاره بعض البدى أصحاب المصالح ؛ أى بعض الناس 
الذين جاعا من القرى ؛ أى بعض ال مراسلين , الذين يسمح لهم بمقابلة الأمير يعد 
عودته . منصب الأمير عملية مرهقة ومتعبة فى حائل ؛ يضاف إلى ذلك أن رأس هذا 
الأمير الذكى تكون دائما مشغولة بالشئون العالمية المحيرة . سياسة هؤلاء الأمراء من 
النوع الآسيوى الغامض . وهذه السياسة لا تبنى على المغالطة الرقيقة التى فى سياسة 
الغرب ( المسيحى ) ؛ التى تعول كثيرًا على البناء على مسألة الفضيلة الطبيعية ( التى 
يتخيلون أنها ) فى صدور الرجال وقلويهم ؛ والسبب فى ذلك أن حكام الشّمّر يهتمون 
بالناس جميعا , ويقيّمون دون إحساس بالألم أو الندم كل روح من الأرواح البشرية 
ياعتبارها مزبلة مستقلة فى حد ذاتها . وحرص هؤلاء الحكام الماكر يتنصب على 
الحاضر وليس يدلا من النظر إلى بعيد , وهم يستفيدون دائما من المفاجأة العاجزة 


24060 


التى تترين :على التعيل العربى . والأمير يحكم كما لو كان بارا بين الصقور , بحيث 
تكون عيناه ومخالبه فى أرض الفريسة , ومع ذلك فالحكم ليس قاسيا بشكل عام . 
وإلا فإن القسوة الشديدة فى الحكم يمكن أن تضعف من سلطان الأمير . والعربى 
لا يستغرق استجوابه وقتا طويلا . والعقد المستعصية يجرى حلها باستعمال السيف . 
والأمير بن الرشيد قد يركب حصانه ويذهب لاستنشاق الهواء ؛ وهو عندما يفعل ذلك 
يمتطى صهوة فرس بيضاء اللون » ناقصة النمو , لأن هذا هو حال الخيول النجدية فى 
حائل ؛ فهى لا تكون متناسقة تماما من حيث الشكل . كنت جالسا ذات يوم بعد غروب 
الشمس على المصطبة المبنية من الطين عند بوابة القلعة عندما وصل الأمير راكبا على 
فرسه وحده : ووقفت لتحية الأمير ؛ وجفلت فرسه عندما شاهدت غترتى البيضاء 
الكبيرة فى ضوء الشفق . حاول الأمير محمد حث الفرس على المضى قدما باستعمال 
الركاب , ثم استحثها مرة ثانية .:ولكنها لم تطعه , الأمر الذى جعله يرضخ لذلك 
الحيوان غير العاقل أو إن شئت فقل : العنيد ؛ ويخفة بالغة نزل الأمير من فوق الفرس 
ليسلمها بعد ذلك لأول خادم يلتقيه من خدم القصر .. 

كانت الجماعات البدوية تجىء يوميا حاملة مشكلاتها إلى الأمير . وكل جماعة 
أى إن شئت فقل ربّة 68انا8 , من تلك الجماعات كان يخصص لها مخزن من المخازن , 
ويبقون ضيوفا على الأمير ( طيلة ثلاثة أيام ) فى المدينة . وقد رأيت إلى جانب القبليين 
رعايا الأمير . كثيرا من البدو الأجانب من أمثال الظفير 1847 والمطير ءلإهاة) , 
الذين كانوا من الأعراب الأصدقاء خارج إطار ممتلكات ابن الرشيد , ومع ذلك كان 
الأمير يتلقى سنويا من هؤلاء البدى الأجانب بعض الهدايا . يضاف إلى ذلك أن حائلاً 
كان يصل إليها بعض رجال قبيلة العنزى الحرة فى الشمال , كما كان يفد إليها أيضا 
كشن عن قمر الشماليين , هذا بالإضافة إلى بعض القحطان المهاجرين الذين 
يتجولون حاليا فى سائر أنحاء ء القصيم . 

يبدأ العمل العام فى الواحة قبل بداية مجلس الصباح بساعتين . وسكان الواحة 
من المزارعين ٠‏ والتجار ( معظمهم غرباء ) فى السوق , و"الرجاجيل" الشيوخ , إضافة 
إلى قلة قليلة من العبيد الذين ينتسبون إلى بعض العائلات . والمزارعون يذهبون إلى 
أعمالهم عند شروق الشمس . وفى خلال ساعة ينقتح السوق : وهاهم الدلالون » أو إن 


461 


شئت فقل السماسرة , الذين يعملون فى كل ما هو معروض للبيع » سواء أكان جديدًا 
أم قديما » أى أقمشة أم سلاحا . يصيحون وينادون فى كل أرجاء السوق . وينشرون 
بضاعتهم أمام كل من يقابلونهم ٠‏ ويدخلون الدكاكين بكل هذه الجلبة ليبيعوا بضاعتهم 
بأعلى سعر ٠‏ ويذلك استطعت أن أبيع ناقتى الخويرة . وقست السوق الذى يمتد من 
المسهاب ( الميدان العام ) إلى البوابة الداخلية فى اتجاه قفار » ووجدته حوالى مائتى 
خطوة ؛ والدكاكين توجد على الجانبين ؛ وهى عبارة عن مخازن صغيرة للبضاعة مبنية 
فى الخلف , والضوء لا يدخل هذه الدكاكين إلا من مدخلها ققط ؛ - يصل عدد 
الدكاكين إلى ما يقرب من مائة وثلاثين دكانا ‏ كلها مملوكة وتستاجر من الأمير . كان 
سوق القصابين فى منطقة تقع خارج بوابة السوق الخارجية : ولحم هؤلاء القصابين 
الطرى سرعان ما يبتاعه الناس خلال ساعة واحدة من شروق الشمس » وهم يبيعون 
. الرطل من اللحم الضان ؛ بما يقل عن بنسين ؛ ومعروف أن الفخذة الصغيرة تشترى 
بحوالى ست بنسات » فى زمن كان الناس فيه يدفعون تسع شلنات ثمنا للخروف فى 
مدينة حائل . فى حين كان يبلغ ثمن العنزة حوالى ست شلنات . من هنا كنت أرى 
البدى يعودون بماشيتهم الصغيرة مؤثرين عدم بيعها على تلك الأسعار المتدنية :- هذا 
يعنى أن هؤلاء البدى سيعاودون اقتياد تلك الماشية الصغيرة عير مسافة تقدر بحوالى 
ثلاثمائة ميل , إلى سوق المدينة ( المنورة ) ! التى سمعوا أن أسعار الغنم فيها ارتفعت 
لتتساوى مع أسعارها فى الجيل ا©5هل . وحرفة الجزارة ٠‏ بالرغم من أن البدى كلهم 
جزارين ؛ لا يمارسها فى نجد أى شخص من الأشخاص الليبراليين ٠‏ 

يحضر مفرج مرة ثانية إلى المسهاب ( الميدان العام ) فى المساء : ومن عادته أن 
يصل إلى بوابة القلعة » أى قد.يرسل خادما من خدم المطبخ » حسب عدد الضيوف » 
ليدعى ريّات 6635 ( جماعات ) البدى لحضور العشاء العام الذى لا يعدو أن يكون 
مجرد طبق هزيل من أرز التمن المسلوق مع الشعير والمحيق بقليل من السمن . ومفرج 
يوجه لهم الدعوة بطريقة لائقة يراعى فيها قدر هؤلاء الناس ومنزلة الشيوخ منهم » من 
باب إن وجودهم هنا أمر يحظى بترحيب الأمير , كما يراعى مفرج أيضا العداوات 
التى تكون بين أفراد القبائل . وحتى أنا , النصرانى , أيضا كانوا يدعونى كل يوم 
لتناول العشاء فى الشرفة ؛ كنت أقبل تلك الدعوة لسببين ؛- أولهما » أننى كنت ضعيفا 


402 


وواهنا ٠‏ وأن العمل يمكن أن يسبب لى شيئًا من الخطر إذا ما جازفت وطهيت شيئا 
لنفسى ؛ والسيب الثانى أنى لم يكن لدى الحطب أى الوقود , إضافة إلى أن الغرفة 
لم يكن بها مدخنة ؛ الأمر الذى قد يؤدى إلى اختناقى داخلها بقعل الدخان : يضاف 
إلى ذلك أننى إذا ما أكلت العيش والملح فى المضيف , فذلك فى تقديرى . سيجعلنى 
أقل تعرضا للخطر المفاجئ من جانب الأمير ؛ ولكنى لم أكن أحضر تتاول الإفطار فى 
المضيف , نظرا لأنى كان بوسعى الحصول على أجود أنوا ع التمووء عن طريق 
خزاتا ف السنوق يلم زهيد ذا ذا كنت 25 مستت يعن" الرعة لق د 
كنت أتجول تجوالا حرا فى مدينة حائل ؛ كان قد مضى عام على وصولى إلى الجزيرة 
العربية » ولم يكن يتبقى معى سوى القليل جد! من النقود , التى كان يتعين على 
الاحتفاظ بها للضرورة القصوى . 

والناس فى قرى الجبل ا©#تاعل يدعون إلى تناول الطعام بكلمة " سه" 7 اناو ,؛ 
أى قد يقال شىء من هذا القبيل عندما يوضع الطعام أمام الضيف . والأحرى أن تكون ' 
هذه الكلمة سم 5009 وهى قد تكون مأخوذة من 'البسملة" 0 ,لووط . ولكنى 
عندما سمعت كلمة " تسم ' 50583 لأول مرة ! عندما قام صبى من صبيان المضيف 
بوضع طبق أرز التمن أمامى , ٠‏ خطر ببالى أنه قال لى ( من ياب الحقد والكراهية ) 
اسم 7 515350 الذى هو 'السم الذى يقتل البشسر . ٠ولم‏ يكن ذلك الصبى أقل منى 
اندهاش عندما فاجاته بطريقة العرب » ورجوت الله أن يلعن والديه : - ويهذا الشك فى 
مسالة السم هذه ؛ تناولت أيضًا الطعام الذى وضعه أمامى لأنهم إن كانوا يريدون 
التعامل معى بهذه الطريقة فذلك يعنى أننى لن أستطيع الفرار منهم . ومن العشاء , 
ينتقل البدو ضمن جماعاتهم إلى القهوة العامة : ويعد أن يتناول الضيوف العشاء يقدم 
العشاء للرجاجيل بنفس الطريقة . وعلى أرض المضيف ؛ وفى المضيف يتناول 
"الرجاجيل" أيضا وجبة الظهيرة من التمر » شأنهم فى ذلك شأن الضيوف تماما . هذا 
التمر المؤسف هو والبر ( القمح ) , والذى يقدمه المطبخ للضيوف , يأتى للأمير على 
شكل سداد للضرائب المطلوية من الممولين ؛ فى سائر الهجرات والقرى ؛ وأفضل 
أنواع هذه التمور يجرى الاحتفاظ بها لأسر الشيوخ . بانتهاء العشاء العام » قد يرى 
الإنسان كثيرًا من النساء الفقيرات . ويعض الأطفال ٠‏ ينتظرون الذخول إلى المضيف »2 


463 


وفى أيديهم مواعينهم الفارغة , عند بوابة القصر . هؤلاء هم الذين صرح لهم الأمير 
بالحصول على وجبة تموينية مسائية , من البقايا المتبقية من العشاء » لتوزع عليهم 
وعلى المعدمين الآخرين من أمثالهم . كان يقدم فى المضيف يوميًا للضيوف وللرجاجيل” 
حوالى ١2٠١‏ وحدة من وحدات خبز الشعير , وأرز التمن من الدرجه الثانية » وكانت كل 
وحدة من هذه الوحدات تزن حوالى ثلاثة أثمان الجالون ؛ كما كان يصرف أيضًا شيئًا 
من السمن . هذا السمن الذى كان يوزع على شكل كرم عام كان الأمير يأخذه من 
البدى ؛ بل ومن كل خيمة من خيام البدو ؛ ويجرى تحصيله بمعدل قديم ! وهذا 
التحصيل لا يحدث إلا فى فصل الربيع , كما كان يجرى شراء ذلك السمن بواقع 
شلنين لكل ثلاثة بنتات (*) , هذه الكمية تساوى حاليًا ريالاً واحدا فى حائل . ويجرى 
ذبح جمل أو حيوان من الحيوانات الصغيرة كل ثمانية أى عشرة أيام » على أن يوذع 
لحم هذا الحيوان على_أول من يصل من الضنيوف . وأثناء غياب الأمير » لا يحضر 
البدو إلى حائل وبالتالى لا يكون هناك ضيوف . من هنا حسبت نفقات الأمير » خلال 
عام » على بيت الضيافة بما يقدر بحوالى ١٠١١‏ جنيه إنجليزى . 

فى القهوة العامة يجري تصليج قهوة المساء وتقديمها للحاضرين . وطوال جلوس 
جماعات أو إن شئت فقل ربات البدو المختلطة كانوا يراعون معى السلوك المتسامح 
الذى كانوا يولونى إدياه فى خيامهم ؛ - وهل يكون كل الحاضرين فى القهوة زوار 
الأمير ؟ المعروف أن قهوة الأمير تفتح أبوابها بعد صلاة الفجر مباشرة لأولئك الذين 
يتطلعون إلى فنجال قهوة الصباح ؛ وتقفل القهوة أيوابها عندما ينصرف الجميع منها 
عندما يحين موعد انعقاد مجلس الصباح . وتعيد القهوة فتح أبوابها مرة ثانية بعد 
صلاة المغرب . والقهوة تقدم بواقع فنجالين مملومين لكل واحد من الحاضرين » ويقدم 
فنجال ثالث وعندما يكون الشخص بدويًا من قبائل نجد » ولن يشرب الفنجال » فإنه 
يرد بعد فترة وجيزة من تقديم القنجال بقوله : كرمك 368:081)! الله اانا . وتغلق 
القهوة أبوابها طوال الليل بعد أن ينصرف البدو لصلاة العشاء فى المسجد . ويعد 
العشاء يجرى إغلاق بوابات ذلك الجناح من قصر الأمير » هو وشارع السوق » - 


(*) البنت 0104 : مكيال للسوائل يساوى ثمن جالون إنجليزى ١‏ و ٠,140‏ من اللتر . ( المترجم ) 


464 


ولا يجرى فتح هذا الجناح ولا شارع السوق لا 'للصلاة ؛ أو البيع والشراء إلا مع 
طلوع نهار صباح اليوم التالى ؛ يضاف إلى ذلك أن البدو الذين يصلون بعد قفل 
البوابة ينامون خارج القصر ؛ - أما كه ابا تيرك رركي مناره من 
كل المنطقة الواقعة فى اتجاه ققار وجيل أجاً دَزْزه . 


ركب الأمير محمد ؛ قبيل عصر يوم من الأيام » راحلته ومعه رفاقه وأقراد 
حاشيته وخدمه وذهب لزيارة "الديوش”* اانا -0© أو إن شئت فقل : ثروته الحيوانية 
فى الصحراء . هذا الأمير النجدى يملك ثروة حيوانية كبيرة » تقدر حسب ما يقولون 
بحوالى أريعين ألف جمل . ومعروف أن هذا القطيع من سلالة نجدية أصيلة , وعلى 
حد قول على لااى عليد لاه (ذلك الرجل الأمين الذى كان جار لى ؛ والذى كان يعمل 
فى خدمة ذلك القطيع من قبل ؛ - أنه كان يقتاد خيولاً من الأمراء السابقين للأمير 
محمد ٠‏ لتوصيلها إلى باشوات مصر ) ٠‏ فإن الأمير محمد لديه ثلاثمائة فرس من 
الإناث » وحوالى مائة حصان من الذكور بالإضافة إلى كثير من الأفلاء والأمهار . 
وعلى حد قول أناس آخرين » فإن اين الرشيد لديه حوالى أريعمائة جندى من الحتود 
الدائمين وغير الدائمين » كما أن لديه مائة من الأمهار الأصيلة . وحوالى مائة حصان: 
وأن هذه الثروة الحيوانية مقسمة إلى قطعان منفصلة فى الصحراء ؛ كما أن لدى بن 
الرشيق ثفن حوالى مائة شخص "من الخدم الدائمين" ( يعيشون مع عوائلهم فى 
خيام من الشعر . شأنهم فى ذلك شأن البدو الرحل ) , الذين يقومون على أمر هذه 
الصضوائات . قال لى شخص أخر إن ثروة الأمير الحيوانية مقسمة إلى قطعان قوام كل 
قطيع منها يتردد بين الخمسين والستين من الأمهار أو الأحصنة ؛ ؛ كما أن الأمهار 
والأفراس الصغيرة . هم الذين يقومون على رعيها أيضًا . ويقال أن هذه القطعان 
تنتشر ننتشر ساعة هنا وساعة هناك » وتارة تكون بعيدة وتارة أخرى تكون قريبة ؛ - وذلك 
اعتمادًا على حالة نمو الأعشاب البرية فى الصحراء على مدار العام . وخيول الأمير 
ترعى بالطريقة البدوية ؛ وبعد تقييد أرجل الخيل الأمامية يجرى إطلاقها ترعى 
اعتبارًا من الصباح الباكر . وهذه الخيول لا تذوق طعم الشعير أو الحبوب الأخرى 
ويجرى اقتياد تلك الخيول فى المساء إلى الخيام ؛ حيث يجرى تقييدها أثناء الليل , 
ويقدم لها لبن النياق ؛ التى تقوم بدور الأمهات البديل . - من هنا يمكن القول : إن 


ذ0]أ 


أمير غربى نجد يملك خيولاً وإبلاً تصل قيمتها إلى ما يقرب من ربع مليون جنيه 
استرلينى ؛ وأنه جمع هذه الثروة عن طريق الغزو والغنائم » التى كان يأخذها من البدو 
المساكين على امتداد جيلين من الزمان . والأمير يملك بالإضافة إلى ذلك » ثروات 
أخرى خاصة على شكل معادن ؛ أما ضرائبه العامة فهى تذهب إلى خزانة الحكومة , 
أو إن شئت فقل : بيت الإوط المال اقم -ا© » ويجرى وضعها فى زكائب ثم توضع فى 
حفر فى الأرض . والأمير له أملاك كثيرة على شكل أراضى ليس فى حائل وحدها ٠‏ 
وإنما له مزرعة كبيرة أيضًا فى الجوف » وفى بعض الواحات الأخرى التى غزاها 
واستولى عليها . 

- شاهدت الأمير محمد أمام القلعة راكبًا جملاً عاليًا عليه غطاء مزركش موضوع 
فوق السرج . والأمير يقيم أثناء قيامه بتلك الرحلات القصيرة قى الصحراء هو 
وحاشيته ؛ فى خيام مثل البدى . وقد خلف الأمير حمود وراءه فى حائل ليحضر انعقاد 
المجلس الصغير الذى ينعقد كل يوم ؛ - وولد عبيد لا يجلس فى المكان المخصص 
للأمير ‏ وإثئما يجلس فى المكان الأدنى المخصص له . 

أرسل حمود فى طلبى فى العصر بعد أن فرغ من عمله : “قال : لقد رحل محمد 
وها نحن نبقى هنا لنكون أصدقاء ." وهنا بد حمود يعرض على ساعاته الخليجية 
الرخيصة . التى كان يلبس منها ساعتين على صدره ؛ وهذا هو ما يفعله ولده ماجد 
المولع بتلك الأشياء الجديدة ‏ - قيل إنه يعرف طريقة مسح تلك الساعات وأن حمود 
لديه ما لا يقل عن مائة من تلك الساعات , كما أن الأمير اديه هى الآخر عددًا أكبر 
مما لدى حمود من هذه الساعات . ساألتى حمود إن كانت تلك الساعات إنجليزية 
الصنع أم لا , أى بالأحرى , “ما إذا كانت تلك الساعات من أفضل ما يصنعه النصارى 
من نوعها". كان حمود يود من وراء ذلك معرفة ما إذا كنت احتفظ بشىء من تلك 
الحاجيات المرحة فى أعماق الخرج الذى احتفظ فيه بأشيائى ؛ وما إذا كانت تلك 
الأشياء ممتازة الصنع . وقد وعدنى وعدًا قاطعًا , أنه سوف يدفع ثمن هذه الأشياء 
بالفلوس . على حد تعبيره ؛ أى إن شئت فقل : سيدفع الثمن بالفضة أو النقود التى 
يُعرُها هؤلاء العرب البائسين معزتهم لدم الحياة فيهم . وجدت حمود مستلقيا على 
الأرض ٠‏ مثل البدو ويلا عمل , ويتثاءب فى المزرعة الملحقة بقهوة عبيد ٠‏ التى يقال إنها 


406 


تمتد إلى ما بعد المخازن ( الغرف ) المخصصة لعائلته فى المدينة ( والواقع أن هذه 
المزرعة ليست من بين المزارع الممتازة ) . وعبيد لديه » فى مزرعة النخيل هذه ٠‏ كثير 
من الغزلان التى تتفذى على الجلبان الذى يجرى نثره لها كل يوم ؛ غير أن تلك الفزلان 
تخشى من اقتراب البشر منها : شاهدت أيضا فى مزرعة النخيل تلك ذكر البدنة . هذا 
التيس البرى الجبلى القوى يستطيع ملاحقة الإنسان بل ومطاردته ومهاجمته . إضافة 
إلى أنه يدخل القهوة دون خوف أو وجل . وذكر البدنة هذا أقوى من أى تيس من تيوس 
الماعز المعتادة » وأشد منه قوة . وشعره قصير وكثيف ؛ ولونه أرجواني ٠‏ أو بالأحرى 
يشبه احمرار ضوء الشمس عند غرويها خلف الجبال الداكنة . 

مزرعة النخيل هذه ؛ مملوكة لعبيد . وقد استخدمت أقضل الأساليب فى زراعتها. 
سيقان النخيل فى هذه المزرعة , فى تربة حائل الضعيفة . مزروغة على شكل صقوف 
بينها مسافات واسعة . تحدثت مع على عليد » ذلك الجار شيه المتشدد من جيرانى » 
ذلك الرجل الذى فتش حزامى فور وصولى بحثا عن الذهب , هذا الرجل كان من 
مجوج ولكنه يعمل حاليا فى خائل ٠‏ رئيسا للمزارعين الذين يعملون لحساب الأمير . 
رد على ذلك الرجل قائلا : "فى مثل هذه الترية (جرانيتية التراب) الواسعة يحمل 
النخيل أفضل الثمار؛ ولم يقد ذلك الرجل من طريقة غرس الأشجار التى علمته إياها .* 
كان عمق بر حمود الكبيرة فى تلك المزرعة يصل إلى حوالى خمسة عشر قامة » وقد 
جرى حفر هذه البثر فى تلك التربة الصلدة ؛ والجوانب العليا لتلك البثر » التى أحرقتها 
أشعة الشمس . تقف صامدة دون بطانة داخلية أو بناية . عمل فى حفر هذه البثر 
خمسة عشر عامل ؛ كان كل واحد منهم يتقاضى ثلاثة أو أربعة قروش يوميا » طوال 
عشرين يوما ٠‏ أى أن التكلفة وصلت إلى ما يقرب من عشرة جنيهات إنجليزية . وتعمل 
فى جلب الماء من البئر ثلاث من أفضل النياق التى تساوى الواحدة منها حوالى خمسة 
وثلاثين ريالاً . هذا وقد تضاعفت أسعار الإبل فى الجزيرة العربية فى السنوات الأخيرة 
بعد الجفاف الشديد الذى أصاب كلا من مصر والسودان فى الحروب الحبشية (*) , 


47 


كما تضاعفت أيضا فى سوريا . وقد اندهشت عندما سمعت بدويا يتحدث قائلا ‏ - 
وبالله ؛ السبب هو قلة قيمة النقود ! وإذا ما توالت سنوات الجفاف فسوف يحدث 
موتان!") . ففى موسم من المواسم كان الجمل يباع بكراون!**) واحد عند اليدو الرحل , 
. كما كانت الناقة صغيرة السن , والتى كانت تساوى ستين ناقة من النياق العليلة 
الحالية , تباع بريالين أو ثلاثة ريالات ( كان ذلك عند أهل قرى القصيم , ) وكان 
الناس يبيعون نلك الحيوانات على وجه السرعة مخافة النفوق فى الصحراء . 


ماجد » هئ الابن الأكبر من بين أبناء حمود » وعمره حوالى خمسة عشر عاما , 
وجسمه أصغر من سنه » وجماله من النوع الأنثوى » وهو ولد الأمير (بحكم أن الأمراء 
يتزوجون البدويات أيضا) من زوجته البدوية . كان يرافق ماجد بصورة دائمة شاب 
منحل ؛ يدعى عليا » كان متزوجا من أريع زوجات وكان من المتعلقين بخدمة حمود . 
هذا الثنائى العجيب كان يغزوانى بصورة مستمرة فى بيتى » بقضولهم العربى الذى 
لا ينتهى » ويحاولان وضع أيديهما على الأشياء الأجنبية الخاصة بالنصارى ؛ - وكان 
يتطلعان إلى العثور عليها بين أشيائى وأمتعتى ؛ وكنت أمانع فى كل ما يأخذه منى 
ماجد هو ورفيقه الوغد بالقوة . 

- وعندما خطر ببالى أنهما ريما يذهبان إلى حد السطو على مسدسى وأدواتى , 
أبعدت كل هذه الأشياء عن متناول أيديهماء ورحت أذكرهم بأمانة البدى الذين يزورونهم 
وينظرون إليهم بعين الاحتقار..ورد على ماجد بفضول الأطفال قائلا: ‏ ولكنك , يا خليل, 
تخضع لنا ولسلطتنا, والأمير يستطيع أن يطيح برأسك فى أى وقت يشاء !” وذات يوم 
وعندما سمعتهما عند الباب ؛ فردت البطانية فوق أشيائى المتنائثرة ‏ وجلست فوقها , 
ولكن كلمة "يذراك” 64-16 بمعنى “عن إذنك” لا تجدى شيئًا مع وقاحة هذين 
الشخصين ؛ - حدث أن وجدانى جالسا على القرآن (المصحق) 'قالا بتعصب شديد » 
ها ! إنه جالس على المصحف !” - ووسرعان ما انتقلت هذه الحكاية على لسان ماجد 
إلى القصر؛ وعاد إلى ماجد العفريت ليخبرنى أن الأمير استاء تماما عندما علم بذلك. 


(+) موتان : بفتح الميم وتسكين الواو ٠‏ وفتح التاء . هو ( وباء الماشية ) . ( المترجم ) 


4668 


حاول ماجد أن يثبت لى أنه صاحب طبع رقيق ؛ وإنه لا يختلف كثيرا عن والده 
فى هدوئه ورزانته . وأنه دائما يتعلق بحياة الطفولة , ولكنه بحكم تكوينه كان محبا 
لذاته ومستبدا بتصرقاته . كان من عادة ماجد » أثناء سيره فى الشارع ٠‏ أن يضرب 
الأطفال المساكين بعصاه ويصيح قائلا : "الله يلعن أبوك !” ولم يكن هؤلاء الأطفال 
المساكين يقوون على منع ذلك الضرر أو مقاومته , - والأفضل من بين هؤلاء الأطفال 
هم أولئك الذين يطلقون عليهم اسم “عيال الشيوخ" ؛ وهم يطلقون عليهم هذا الاسم 
لأنهم ينتمون إلى الأسرة المالكة ؛ أو إن شئت ققل : لأسرة الأمير . كان ماجد قاسى 
القلب وكثير الرغائب بالقياس إلى عمره الزمنى ؛ ولكن كل أولاد الشيوخ يتربون على 
أيدى العبيد ! ولى قدر لهذا الماجد أن يصبح ؛ فى يوم من الأيام , أميرا على حائل , 
فسيكون ذلك يوما مشئوما فى حياة هذه الإمارة , اللهم إلا إذا انصلح عقلة ؛ ويد 
يستوعب التفاهم الإنسانى أكثر فأكثر. ولما كان ماجد مليئا بسهولة العرب وسعادتهم , 
فقد كان يعامل الناس بابتسامة مريحة مثل ابتسامة والده ؛ بل إنه كان ينادينى مثل 
والده قائلا : "صديقه العزيز" ؛ ومع ذلك , كان ماجد يستشعر أنتى أغوص فيما وراء 
معناه الطموح . كان فى ماجد الكثير من البراعة السامية » 56:0108: مما جعله يلعب 
دور الوسيط ويساوم على ناقتى حتى أوصلها إلى أدنى سعر . متصورا أنه سوف 
يحصل على ضعف الثمن ( بعد أن تضع وليدها وتصبح من نياق الحليب ) فى الربيع 
القادم » وافقت على ذاك ٠‏ عن طيب خاطر ولكن “قال ذلك الأميّر ,لا , إلا إذا أعطيتنى 
لجامها معها» ( وهذا اللجام ثمنه يعادل ثلث ثمن الناقة ) > كنت فى كشيربين 
الأحيان أروح أتأمل مدى ارتباطهم بكلمة الشرف ! فهم يظنون أنهم ب يحسنون التصرف 
بهذه الطريقة فى العالم الذى يتبعهم ؛ الأعمال الإنسانية التى تقلد وتحاكى الأحلام 
التى تراودنا عن السماء . هى مجرد كلمات جميلة على ألسنة شعرائهم , ولكنها غير 
معروفة فى تعاملات الشرقيين 

بينما كنت أسير خلال مديتتهم المبنية من الطين بناية جيدة والنظيفة أيضا خطر 
ببالى العيش فى تلك اليلدة , - اللهم باستثنا ء الخوف والرعب من الأمير , والحياة 
المضطربة بسبب الفزى الذى يقوم به الأمير سنويا : ومع ذلك لم يكن يهمنا استياء 
أبصارنا من النظر إلى تربة الصحراء التى تحيط بهم من كل جانب ! ومدينة حائل 


2|169 


بحكم موقعها تعد مدينة وليست واحة » أو بالأحرى تيدى كما لى كانت واحة ثم تحولت 
بالقوة إلى مدينة . دائرة المزارع من حول مدينة حائل ليست واسعة جدًا . وقد يستغرق 
الدوران حولها حوالى نصف الساعة ؛ والمدينة تقع على بعد مسافة كبيرة من صخور 
أجأ دززه (التى يطلقون عليها هنا فى حائل اسم "المنيف" 1ل 'الا-اء) (الصورة رقم 14). 
هذه المدينة معزولة بسور من ناحية الشمال ؛ عن الهواء الصحى بفعل الجبال التى 
يطلقون عليها اسم سميراء 55:3 حائل , الأمر الذى يجعلها خانقة الهواء فى فصل 
الصيف . هذه الجبال السمراء من البازلت » الذى تدفق نازلا ( كما يبدو من بوابة 
مشهد ) على جبل آجأ شبه المدفون فى الأرض والمكون من صخور جرانيتيه ذات لون 
رمادى ضارب إلى الاحمرار ؛ وسميراء حائل عبارة عن جبل ذى لسانين يقفان إلى 
الوراء قليلا من المدينة . على شكل تنصف قمر ؛ ويمر من بيتهما مجرى سيل حائل 
الذى يقولون إنه يأتى من قفار . والجبل الموجود ناحية الغرب منخفض عن سميراء 
حائل ؛ أما القسم الشرقى فيصل ارتفاعه إلى حوالى خمسمائة قدم » وفى أعلى ذلك 
القسم الشرقى توجد خزانات الماء ؛ كما كانت هناك فى ذلك المكان محطة من محطات 
استطلاع العدو يوم أن كانت حائل ضعيفة . 

الناس هنا يطلقون على جبال سميراء حائل العالية اسم أم :8لا أركاب مهارم 
وهى منحدرة ؛ وذات صباح استأجرت جحشا 30851[ نظير ثمانية بنسات لأركبه إلى 
هناك . والأحجار السميكة المبعثرة على هذا الجبل هى من نفس نوع البازات الأسود 
الذى يطلقون عليه هنا اسم الحرى دان أى الحّرًة 2,؟ناط » وهى ثقيل وصلب مثل 
الحديد وله صوت مدوى مثل الحديد أيضا أو المعادن التى تصنع منها الأجراس . 
"والسميراء" فى كلام بدو نجد تطلق على الصخور الصلبة السوداء فى الصحراء : 
ومعروف أنه اعتبارا من حائل وإلى الوصول إلى مكة نجد أن السميراء هنا مكونه من 
البازلت الأسود . والناس هنا أيضا يطلقون على الأدغال والشجيرات التى تنمو فى 
هذا البازلت الأسود اسم "الحزم' 582:0 , والحزم ما هى إلا تل يركانى يوجد فى كل 
حرة من الحرات . ومن فوق الرجوم وجدت أن حائل ٠‏ وأنا أنظر إليها . تقع فى 
منتصف سهل طويل يطلقون عليه اسم سهيلات 51136 الخماشية 1 ا-اع , 
وأنها تقع بين منيف جبل أجأ 4/9 (الذى يرتفع من ذلك السهل إلى حوالى 5٠٠‏ قدم) 


1400 


وتلك الأرض المكسرة المنخفضة , التى تحيط بتلك السهيلات 5311186: إلى مسافة 
فرسخين فى اتجاه الشرق ؛ نحو سلمى 561872 ٠‏ أى إن شئت فقل : 'جبل فدك [518 ؛ 
وأرى من تحتى فى الاتجاه الشمالى الشرقى من حائل ذلك الذى يسمونه الخريمة 
عات , التى هى عبارة عن ضيعة كبيرة من النخيل الصغير ؛ - من ممتلكات 
الأمير ؛ وعلى حد قولهم هنا , توجد فى هذه الضيعة بعض الآبار » أى إن شئت فقل : 
العيون التى يسقون منها ذلك النخيل ! 
بعض الشبان الصغار الذين كانوا يعملون فى الحقول , كانوا قد رأوا النصراتى 
وهو يصعد فوق الجبلء ومن ثم ركبوا دوابهم وجاءوا خلفه يتعقبوه. قال هؤلاء الشباب ٠‏ 
إن فى الصحراء الموجودة فى الخلف كنوزا كثيرة مخبأه , إذا ما كان الإنسان لديه 
العقل الذى يمكنه من استخراج ذلك الكنز . وكرروا على مسامعى عبارة "جبل ا#طول” 
'طّمية" 5000010 , وقالوا : إن هذا الجبل شهير فى كل أنحاء نجد “بالثروات المدفونة 
فيه" ؛ - والطُّمية تقع فى وادى الرماح 85:088-» , الذى يقع جنوبى جبال أبتات 
8 التوأمية . بعد ذلك . جلس على الأرض من بين هؤلاء الشباب شخص متعلم » 
وبدأ يدون لى العلامات الأرضية المميزة ؛ التى كنت أراها فى الصحراء الخالية التى 
تحيط بى . وفوق قطعة من الأرض المرتفعة فى اتجاه الشمال أرونى ذلك الذى يطلقون 
عليه اسم قبر 66ة»ا الصانع 95-580 الذى يصل طوله إلى ثلاث قامات : 'كانت قامة 
ذلك الرجل بمثل هذا الطول ؛ وقالوا , إنه عاش فى زمن بتى هلال : وعندما طارده 
خيّالة العدو . راح يجرى أمامهم ومعه ولده الصغير الذى كان يحمله على كتفه ؛ وأته 
سقط فى هذه المنطقة ." كل هذا السهل من ناحية الشمال اسمه كيزان 161538 (ويبصح 
فيه أيضًا “جيزان" مةوا6 )ععلن لزااز'80 . إلى أن يصل إلى قمم جبال طوال 1ن 
على لاله التى تقع على حدود صحراء النقود ٠‏ وإلى جبل جلدية 5هلالاة9!ال » الذى يبعد 
مسير رحلة واحدة عن حائل , ويشتهر بأنه المكان الذى تتجمع فيه جماعات الغزى الذى 
يقوم به الأمير . وهناك قرية فى اتجاه الشمال من حائل , وتقع على بعد ميلين خلف 
السميراء , وهم يطلقون على هذه القرية اسم السويفلى لااالاه؛»"8 ؛ وقبل السويلفى 
هناك قرية مخربة ومزرعة نخيل بدائية وأرض لزراعة القمح , والناس هنا يطلقون على 
هذا المكان اسم قصر 256)! عربية لقلإنآ/اط:ة وعربيّة والسويلقى هما حائل القديمة ؛ 


47 


هذا يعنى أن مدينة حائل القديمة كانت مبنية على ترية أفضل وموقع أفضل فى الجاني 
الشمالى من السميراء 8:3ن8 . ثم أرانى ذلك الشاب بعد ذلك » وهى يشير بيده . 
أسقل مثيف جيل أجأ 3 المكان الذى يطلقون عليه اسم ريع 813 أجدة 8903 (ويصح 
فيه أيضا أقدة' 48غله ) ؛ وريع آجدة هذا عبارة عن فجوة أو مضيق فى الجبل يؤدى 
إلى سهل عصيق فى منتصف جبل أجأ , وأن هذا السهل ؛ ٠‏ على حد قولهم ؛ يبلغ من 
الكبر حدًا يجعل مساحته تقترب من مساحة ربع 63لا هذه الدنيا هلا60-010 ؛ بمعنى 
ربع عالمهم مخلخل السكان ٠.‏ يوجد فى السهل تخيل تحيط به الصخور الضخمة ؛ 
هذا يعنى أن هذه المنطقة ما هى إلا واحد من تلك الخلجان الصحراوية التى تطل على 
الشرق.؛ وتكون شديدة الحرارة فى فصل الصيق . والمدخل الضيق المؤدى إلى هذا 
الخليج الصحراوى تتحكم فيه بعض البوابات » وقام عبيد بتحصين ذلك المكان عن 
طريق قطعة من قطع المدفعية » وريع آجدة هذا , ما هى إلا ملجأ أمين لأهل حائل , هم 
وكل بضائعهم ومنقولاتهم , إذا ما قامت الدولة ( الإمبراطورية العثمانية ) عليهم بحملة 
من الحملات العسكرية , التى يخشون حدوثها فى أى وقت من الأوقات . والجزء 
الشمالى » إلى الخلف من المنيف , أى إن شئت فقل : ساحل جيل أجأ دززة يطلق 
الناس عليه هنا اسم العويرض 5]|"لاءداه-!6 . 

نزلت من فوق ذلك الجبل بصحبة أولئك الشبان » وعزمونى على وجبة الظهيرة 
المكونة من التمر الذى أرسل إليهم فى الحقول . ويالقرب من المكان الذى كنا فيه رأيت 
شارعًا من الجدران المتداعية والمنازل الطينية المهدمة . كما شاهدت أيضا أساس بيت 
قديم ضخم مبنى من اللبن لم يعد الناس يستعملونه بعد فى حائل . كان الشَّمّر قد 
أسسوا تلك المستوطنة منذ زمن بعيد ؛ والبعض منهم يقولون إن "المكان كان يطلق عليه 
فى بداية الأمر اسم الحاير :13/6 . يسبب وفرة المياه الجوفية فيه ,' ومع ذلك فقد ورد 
ذكر اسم حائل فى قصيدة عنتر :8018 القديمة . [وقد أتى بطليموس على ذكر هذا 
الاسم أيضا - راجع كتاب سبرنجر :8066098 المعتون : 'جغرافية الجزيرة العربية ]. 
وعلى حد قولهم هنا » فإن مدينة حائل نقلت من هذا المكان بسبب انخقاض المياه 
الجوفية شيئا فشيئا . كانت حائل ؛ خلال الجيل الماضى ؛ أى قبل بداية حكومة 
.. ابن الرشيد ؛ عبارة عن واحة . لا يزيد حجمها عن نصف حجم قفار » التى هى موقع 


472 


ممتاز بحد ذاته ؛ ومع ذلك ؛ فإن حائل ؛ بلدة عبد الله بن الرشيد!*) , عندما أصبح 
محافظا 8013401] على غربى نجد فى ظل الحكم الوهابي : كانت هى دوما العاصمة . 
والمدن المجاورة لحائل قى هذه الأيام تكاد تتساوى معها . وقد قدر عدد سكان حائل 
بما يقترب من ٠٠٠١‏ نسمة ؛ والناس هنا يقولون : إن سكان قفار » الذين هم من بتى 
تميم » وكلهم تقريبا من المزارعين يزيد عددهم قليلا عن سكان حائل . ويينما كنت أعود 
إلى بيتى من ناحية البوابة الشمالية . مررت على ضاحية مهدمة يطلقون عليها اسم 
الوسيط 0/3514 والتى يقصلها مجرى السيل وحقولها عن مدينة حائل . قيل لى : إنه 
منذ سنوات قلائل كانت فى هذا المكان , المهدم حاليا » “أربعين قهوة ' , بمعنى أنه 
كانت تعيش فى هذا المكان أريعين أسرة ٠‏ كان أصدقاوها يترددون عليها يوميا طلبا 
لشرب القهوة . 

٠.‏ الوسيط فى الوقت الراهن . ليست سوى أطلال بلا سكان ؛ هذا يعنى أن أهل 
الوسيط ( شأنهم شأن أهل المناطق المدمرة من قفار والمناطق المدمرة من قرية مجوج ) 
ماتوا قبل سبع سنوات بسبب الطاعون , الذى يطلقون عليه اسم “وياء” هطقللا . 
شاهدت حوائط منازلهم المبنية من الطين بلا سقوف ٠‏ وقد أوشكت على السقوط ؛ نظرا 
لنزع الأخشاب منها : هذا يعنى أن الناس هنا هجروا حقولهم وتخلوا عن آبارهم . 
يضاف إلى ذلك أن ملاك وورثة وأصحاب هذه الأرض قد تخلوا منذ من بعيد عن 
أعمال السقاية والرى إلى حد أن النخيل جف وذوى ثم مات : وتلك قلة قليلة من أشجار 
النخيل ولكن أعرافها ليس فيها أى أثر من آثار الاخضرار . وقد رأيت بعينى قبل أن 
أغادر حائل أن الناس قطعوا تلك السيقان الميتة وتحولت التربة من جديد إلى إنتاج 
الحبوب . مات ثلاثمائة شخص فى منطقة الوسيط ؛ وفى حائل » "مات من كل أسرة 
فرد واحد أو فردين ( أى أن إجمالى الوفيات كان يتراوح بين سبعمائة وثمانمائة 
متوفى ) ؛ ولكن الآن » ويفضل من الله » هؤلاء هم الأطفال تُشَنُوا وأصبحوا يملأون 
غرقهم ؛ ولم يمت أحد من الأسرة المالكة التى كانت تتغذى تفذية جيدة ! كان البدو 


(*) عبد الله بن الرشيد : هو مؤسس حكم آل الرشيد وضع نفسه فى خدمة السعوديين , وعاون الأمير 
السعودى فيصل بن تركى فى استعادة حكمه وكافأه الأمير فيصل بأن جعله حاكما على جبل شمر ومنحه 
لقب 'محافظ » وحكم فى الفترة من 1870 إلى 1447 . (المراجع) 


2473 


الذين يزفرون حائل ؛ خلال فترة ذلك الوياء . يموتون أسرع من أهل المدينة تفسها ؛ 
ومع ذلك كانت العدوى فى الصحراء أخف بكثير جد . ولم تعم منازل البدو على شكل 
وباء فتاك . كان ذلك المرض يصيب الأمعاء والرأس ؛ بعض الناس كانوا يموتون فى 
يوم الإصابة واليعض الآخر كان يستمر فترة أطول من ذلك . كانت أعراض الإصابة 
بالطاعون عيارة عن بقعة سوداء تظهر على الأنف ؛ وحدوث تغيير فى لون الأظافر . 
وكانت الآلام تشبه الآلام الناتجة عن الإصابة بالكوليرا . ويعد الطاعون , أصابت البلد 
حمى دامت عامين ٠‏ إلى حد أن أولئك الذين بقوا على قيد الحياة بعد الطاعون , كانوا 
يحملون جثث الموتى على الحمير (بعد أن خارت قواهم وعجزوا عن حمل جثث الموتى) . 
فى ذلك الوقت ؛ كان واحد من الحضر قد جلب بعضا من الكنين من الشمال » وراح 
يبيع كل 'عشرة أو اثنى عشرة ذرة بخمسة ريالات لكل من يطلب ذلك الدواء ؛ وقد 
أخبرنى ذلك الحضرى , أن ذلك الكنين . عندما يتعاطاه المريض بعد جرعة مطهرة من 
الملح الإنجليزى » يشفيه من الحمى" . هذه الوفيات الكثيرة حدثت فى عهد الأمير 
بثد ر(*) 0066نا8 , أى قبيل بداية حكم الأمير محمد بفترة وجيزة ؛ والناس هنا ينظرون 
إلى عهد الأمير محمد باعتباره عهدًا زاهرا وأنهم 'لم يشهدوا له مثيلا من قبل ؛ ولم 
تحدث خلاله أيه كوارث عامة . والآن تشهد السيادة الشمرية قمة نضوجها : ويعد هذا 
النضوج السريع الذى قد يتحول إلى تحلل سريع على أيدى بعض الناس الذين ليست 
لديهم القدرات أو المواهب التى تمكنهم من إدارة ذلك الذى جرى الحصول عليه عن 
طريق العنف القتالى » أى عندما ينحسر عنهم من هذه الدنيا . 

من حيث الدمار والخراب تجىء مقبرة حائل الواسعة , بعد منطقة الوسيط التى 
تقع بين أسوار المدينة وصخور السميراء المنخفضة الوعرة . والأغنياء والفقراء الذين 
تنتهى حياتهم الدنيوية » يدفنون هنا , فى هذا المكان ؛ فى هذه الأرض الصحراوية 
التى كانت تتبناهم وتربيهم فى يوم من الأيام » ونحن لم نرى أية فروق فى الدفن هنا 
(*) الأمير بندر بين طلال 1475-1811 : اغتصب حكم جيل شمر من الأمير متعب ين عبد الله . وقى عهده 
القصير عصفت الكوليرا بالبلاد . وفقد عرشه وحياته قبل أن تنقضى سنة واحدة على حكمه حيث اغتاله 


الأمير محمد ين الرشيد الذى تولى الحكم من بيعده 18517-148175 . وفى عهده كانت زيارة «دوتى» 
لمدينة حائل . (المراجع) 


074 


اللهم فى اختلاف المكان ليس إلا . وقد دفن طلال وعبيد بين من دفتوا فى هذا المكان . 
والقبر هنا عبارة عن كومة صغيرة ٠‏ عليها شاهد عبارة عن كتلة من البازلت يأتون بها 
من تل البازّلت , والقبور كلها هنا على هذه الشاكلة ؛ ويندر أن يرى الإنسان هنا 
شاهدا من شهود المقابر التى تحمل تقوشًا أى كتابات . من قبيل الاسماء التى كان 
المتوفون يحملونها فى يوم من الأيام » وفى بلدان الحدود السامية تروج خرافة طويلة 
عن القبور ؛ وكفن الموتى هنا هى الرداء البدوى البسيط بدون أية زينة . فى جانب من 
جوانب المقبرة يوجد قبر عبيد . ذلك الرجل الذى ذا ع صيته وقوته وسلطانه وجبروته 
يوم أن كان فى سدة الحكم : كل ذلك أصبح الآن فى عداد الذكريات ؛ وهاهى يرقد فى 
كفنه على عمق ياردة واحدة أسفل هذا الحصى والزلط , ومكتوب على شاهد قبره كلمة 
واحدة هى "عبيد 4لإ6مه8 ابن 818 الرشيد ." وعندما سألت ماجد » "هل سيده عبيد 
العجوز . يرقد مرتاحا فى الأرض حاليا ؟” بدا صدى كلامى غريبا على أذتيه ؛ 
والسبب فى ذلك أن الناس فى هذه الأرض الفقيرة لا يدفعون التقود ثمنا إلا للأشياء 
التى يحتاجوتها فى حياتهم ؛ ومن هنا يصبح رأيهم مثل رأى زوجة باث 8305 التى 
مفادها , 'المبالغة فى الدفن نوع من التبذير .'- وهم يقلدونها أى على العكس من ذلك 
يتبعونها فى ترقها. والناس هنا يقولون لمن يموت '"خلاص"” ! 1218/35 بمعنى "لقد انتهى 
أجله' وهم يطوون تلك الذكرى الأليمة بشىء من الحكمة ودون مبالغه فى الحزن . 

فيما بين المقبرة ويوابة المدينة هناك مَل صغير يقيم فيه بعض البدى المستقرين . 
وهم يعتمدون على إحسان القصر ؛ ويالرغم من مُظهرهم البائس إلا أن البعض منهم 
من أقارب الأسرة المالكة . وهم يقيمون سورا من الطين من حول خيامهم من الحلف » 
والبعض منهم لديه غرفة ( قصر ) مسقوفة بقماش الخيام ؛ أى برج منخفض داخل 
المبنى الطينى نفسه . هؤلاء البدى من الشمر , الذين يرسلون ماشيتهم القليلة مع أيناء 
قبيلتهم كى ترعى فى الصحراء ؛ هؤلاء البدى المستقرون ينتقلون إلى المخراء فى 
شهور الربيع ٠‏ لينعشوا أنفسهم بموسم الحليب الذى يستمر فترة قصيرة . ويينما كنت 
أمشى بجوار تلك الخيام » نادتنى امرأة من خيمة مهلهلة » هى الأكبر من بين كل هذه 
الخيام ؛ "هل لدى دواء لالتهاب العيون وتورمها ؟" وقالت لى من خلال حديثها أن أختها 
كانت زوجة للأمير متعب وأنها كانت "عمة” محمد الأمير الحالى . وقالت إن أولادها 


145 


هربوا فى زمن الاضطراب وما زالوا يعيشون فى الديار الشمالية . وعندما أتت هذه 
المرأة على ذكر اسم الأمير راحت تتكلم همسا - وتركز بصرها على القصر , مخافة 
أن يحمل الهواء كلماتها على جناحيه ويذهب يها إلى أذن الأمير . كانت تقف إلى جوار 
هذه المرأة ابنتها اليافعة بدون حجاب ؛ ريما كانت تلك الابنة غير متزوجة ٠‏ إضافة إلى 
أن المسلمين لا يغارون من النصرانى أو يحسدونه . كان خدا الصيية يتوردان ٠‏ وأنا لم 
أرى مثل هذه البشرة من قبل فى امرأة بدوية , لأنهن كلهن واهنات وشاحبات , أما 
هذه الصبية فهى مختلفة ويبدو أنها تربت فى الديار الشمالية الغنية بالغذاء والطعام . 
عددت خيام هؤلاء اليدو المستقرين فوجدتها ثلاثين خيمة ؛ كانت هناك خمس عشر 
خيمة أخرى بالقرب من بوابة قفار ؛ وهذه الخيام أقامها بعض من بدو الشمر شبه 
المستقرين , ولكنها لم يكن حولها بنايات من اللين . 


46 


ملحق الجزء الأول!") 


[الملاحظة التالية القيمة هى بقلم مؤلف كتاب "سوريا الوسطئ” , ولم تصلنى فى 
الوقت المناسب كى أضمها لهذا الكتاب فى المكان المخصص لها بعدالفصل 
السادس]. 2 

عمارة الأنباط المنحوته فى مدائن صالح . ملاحظة : بقلم أم لا ماركيز فوج 
( عضو المعهد )'. 


فنشال » 4؟ يناير ١8/5‏ 


أن خللن متي نا سيدى أن أعطيك رأيى فى أسلوب الآثار التى اكتشفتها ' 
والتى كلقتك مجهودات كبيرة ومخاطر جسيمة. سؤالك يحتضنتى قليلاً: أنا فى "مادير'» 
بعيدًا , منذ ما يقرب من عام , عن كتبى ومذكراتى : لم أستطع أذن سوى كتابة 
ذكريات : التأملات التى أوحتها لى رسوماتك سوف لن يكون لها الانتشار الذى كنت 
أحب أن أعطيه لها : إننى أوجهها لك مع ذلك ؛ على أمل أنها سوف تكون نافعة لك . 

الفائدة الرئيسية لمجموعة مقابر "مدائن - صالح تكمن فى تاريخها : فهى تقدم 
إذن قاعدة غير قابلة للنقاش لتقارب الآثار . كل هذه الآثار نفذت فى القرن الأول من 
عصرنا ٠‏ وبالنسبة لأغلبيتها فقد بتيت فى النصف الأول من القرن نفسه . فلهم وحدة 
شكل بارزة . ونرى أنهم قد صنعوا فى نفس الزمن من فنانين من نفس المدرس> ' 


(*) ورد هذا الملحق باللغة القرنسية وقد ترجمته السيدة أسماء درويش مديرة مدرسة ليسيه الحرية الفرنسية 3 
فى شارع الهرم , محافظة الجيزة - جمهورية مصر العربية . 


477 


يمتلكون عدا قليلاً من النماذج . يمكن أن نندهش ,2 ٠‏ لأول نظرة ؛ أن منطقة سكنت 
قديمًا لا تحتوى على آثار على طول وجودها إذا لم يكن هذا العمل عامًا . إن سوريا 
وفلسطين ٠‏ وبالرغم من الحضارة القديمة جدا فى هذه البقع ٠‏ لا تحتويان تقريبًا على 
أكاق كسيف الحسد: اليونانى : فيما عدا بعض الاستثناءات , وهى المقابر العديدة , 
المنحوتة فى الصخرة , والتى تشق جميع جبال هذه المناطق , هى لاحقة للإسكندر , 
أشنا لاحقة إجماليًا المسيح . هذا هو على الأقل رأيى , والأثار التى اكتشفتها تعطى 


تأكيدًا جديدا . 


إن الشكل الإجمالى لهذه المقابر » هو شكل برج نصف مجو ٠‏ فى سطح 
الصخرة : وفى قاعدة البرج باب يؤدى إلى الحجرة الجنائزية : سطح اليرج مقسم إلى 
عصابات أو أفاريز التى تفقدها التشابه ؛ القمة متوجة بنوع من التحزيزات منحوتة 
على شكل مدرج ( سلم ) وبعض واجهات هذه الأبراج مزينة بعضادات : 

وهذا العدد الصغير ؛ من رسومك تشير لذلك . خاصة أربعة منها تستحق التوقف 
بعض الوقت : وهى الآثار التى تأتى واحدة منها من 'برج: والأخرى من “"قصر البنت" 
واللتان ذكرتا فى ص ١45‏ وص ١55‏ من كتابك , ثم الآثار التى ذكرت تحت اسم 
"بيت آخرائمات” ( ص ١١١‏ ) ومحل المجلس ص /ا١١‏ . 


الأول مزين بعضادتين تحملان 206أ)161ج ©5ن وإفريز ؛ والركائز (الدعامات) كان 

حاترن بأعمدة كورنثية (على الطراز اليوتانى) ولكنها بقيت بلا استكمال: اكتفى 
النحات بترقيقهما : فقد وضع فى قاعدتهما حلقات لصنفين من ورق أبو اليهود , - 
وفى زواياها العليا بروزين الحلزون والأوراق التى يحملونها ؛ وفى وسط مناودطفم , 
يوجد بروز لزخرفة الورود . إن الزخارف الطولية ( الكرانيش ) لل ©2:68120 مقتيسة 
من الفن اليونانى ؛ الإفريز على العكس فهى يحاكى الإفريز المصرى ؛ أما ما يخص 
التحزيزات أو أعلى البناء فهو مقتبس من مقابر بترا ٠‏ فهى تبدو وكأتها تذكرة للفن 
الشورى . زخرفة الباب على نفس الطراز المهجن : الأعمدة التى على جانبها كورئثية , 
غير مستكملة ؛ 1806أاء,ة! يحاكى 68 الخاص بالعصر الأدنى د. 


476 


إن مدخل المبنى فهى يحاكى الأيونية 86:614165 085 لا شكل لها تزين زوايا مدخل 
امش والذئ معلوفا عتكل مقلظ لسن : 

إن الرسم الذى أعطيته ( 52300108 ) له نطاق واسع ؛ لباب مشايه ؛ يسمح 
بالعرين الكادل لاست : 


5م راون؟ وما والورود على الطراز الذى سنطلق عليه اسم توسكان . إذا كان 
التاريخ والمكان لا يستثنى أى تدخل من المعماريين الرومان . ويجب الرجوع إلى بيت 
المقدس , وإلى مقاير وادى جوزافات , حتى نجد شبيها لها . 

المقبرة الثانية هى لقصر البنت ٠‏ وهى تقريبًا شبيهة بالسابقة : 306أ!8,61© أكثر 
تكاملاً ويعلوها إفريز : ولكن التفاصيل مشابهة تماما : تيجان الأعمدة لم تستكمل . 

إن الآثار التى تطلق عليها محل المجلس وبيت أخرائيمات لا تختلف عن الأولتّين 
سوى بالمقاسات الأكثر كبرًا وثراءً . إحداها بها أربعة دعامات:( ركائز ) وتتايع من 
الدعامات ؛ والأخرى بها نظامان من الركائز ( الدعامات ) وباب مزين كثيرًا : ولكن 
الطراز مشايه تماما ؛ وهم متساوون من حيث أنهم غير مستكملين . 

إن التكوين الداخلى لهذه المقبرة مشابه لوضع الآثار فى سوريا وفلسطين : غرفة 
جنائزية منحوتة فى الصخرة ؛ ويها فتحات لاستقبال الجثث : الفتحة منحوتة فى أرض 
الغرفة أى فى الجدران الجانبية . موازية لهذه الجدران : كل هذه الأشكال توجد فى 
سوريا وفلسطين : ولكن مقابر هذه المناطق تحتوى بالإضافة لذلك على شكلين لا نراهم 
هنا » على الأقل فى الآثار التى رسمتها : وهذا هى الشكل المسمى أوكوزوليوم والمنتشر 
جدا فى شمال سوريا , والأفران عمودية على جدران الصخرة وهى كثيرة جدًا حول 
بيت المقدس . ومع ذلك جميع هذه الآثار هى من نفس العائلة . والفتحات تحمل نقوشا 
لمدائن صالح ؛ اسم جوح والقريب جدًا من كلمة كوك والتى كان اليهود يطلقونه عليها. 

إن الأثر الوحيد غير الجنائزى من بين هذه المجموعة هى الذى يسمى ب "الليوان". 
كمكان للصلاة ؛ إن النصب التذكارية العديدة والمنحوتة فى الصخرة لا تترك أى شك 


479 


لهذا الموضوع : واحدة منها يها نقش تقرأ عليه اسم مسجدة . وهى من خصائصه , 
وأنه أصبح كلمة مسجد . بنى الكهف بعناية : يحيط به إفريز من الداخل ؛ ودعامات 
تزين الزوايا والكل مكون من عناصر يونانية . إن التفاصيل التى رسمت على 
الصور 58 , 4١٠١ 4١‏ من نشرة الأكاديمية وهى أيضًا مقتبسة من الفن اليونانى ؛ 
ولكن يمكن أن نقول أنها تحاكى آثار العهد القديم : أعمدة متزاوجة , الأقواس سواء 
فارغة , أى ركيزة على 3161/2965 ١65‏ أى عضادات وهى أشكال تعودنا أن نعتبرها 
كعمل مهندسين معماريين رومان : آثار بترا كانت قد هزت هذا الرأى ؛ ولكن يما أنها 
لم يؤرخ لها ؛ فالنقاش كان مسموحًا ؛ بينما فى مدائن صالح وجود تواريخ تتحدى كل 
هذا الخلاف . 

وباختصار , الآثار التى اكتشفتها تؤكد ما عرفته دراسة أثار بترا وسياه ؛ فى 
الحوران ؛ وأيضًا علم السك , وهو وجهة نظر الفن الملكى النبطى كان قد أدخل من 
اليونان : الفنون السابقة لآسيا كانت ممظة فى بعض الأذكار . كان الفنانون نبطيين : 
إن من-سياه وبترا . كانوا ذوى مهارة حقيقية ؛ أما فى مدائن صالح فكانوا قاطعى 
حجارة يحفرون الصخر بقوة واتساع (وفسحة) ولكن لم يكن يعرفون نحت التفاصيل : 
ولكى ينتهوا من أعمالهم فقد انتظروا بدون شك من بترا حفارين لم يأتوا بعد . 

إن النماذج اليونانية المحاكاة من هؤلاء الفنانين الشرقيين تحتوى على أشكال ' 
عرفت بالانحطاط : ويجب أن نرد مصادر هذه الأشكال إلى ما قيل العصر النبطى وفى 
النهاية » وعند محاكاة الآثار اليونانية كان الفنانون الشرقيون يخلطون الترتيب » 
ويجمعون 0051085 68 ملاأوأ:! 165 مع تيجان الأعمدة الكورنثية والأفاريز الأيونية 
وأيضا مع الإفريز المصرى . 

هذا الجمع المهجن الذى كان قد لوحظ فى المقابر التى تحيط يبيت المقدس , توقف 
عن كونه استثناء : هى عمل عام يميز منطقة وعصر ( نهاية الحطير القدوم ويدا»: 
الحديث ) ؛ إن النقاش الذى أثارته آثار بيت المقدس قد أغلق نهائيًا » ولم تكن واحدة 
من أقل الخدمات التى قدمتها باستكشافك الشجاع وهو أنك قد خلصت علم النظريات 
النزوية التى أربكت بعض العقول . 

تفضل سيدى بقبول التعبير عن أخلص الحب والمشاعر . 


400 


الإثشراف اللغوى: حسام عبد العزيز 
الإشراف الفنى: حسن كامل